فاجأت برسالتها الواضحة المباشرة التي لم تحتو على مقدمات طويلة كعادة الرسائل التي أتلقاها منكم: سمعت كثيرا عنك من صديق يتابع كتاباتك، يجب أن نلتقي فأنا أريد التعرف عليك عن قرب، قرأت الرسالة مرارا وتكرارا وحاولت أن أتجاهلها لأن فكرة لقاء شخص تعرفت عليه في العالم الافتراضي تثير ريبتي عادة، خاصة أنها كما تقول حتى لا تقرأ لي، بل عرفتني من خلال صديق لها يقرأ لي، هممت بالرد نفيا لكني وجدت نفسي أقبل الدعوة بتهور غير معهود مني في مثل هذه الحالات، بدأت بالاستعانة بصديقي العم جوجل في البحث عن هذه المرأة التي عثرت على صفحتها في الفيسبوك بسهولة لكونها تستخدم اسمها الحقيقي وتضع صورتها الشخصية وبعض البيانات عنها، فاكتشفت أنها امرأة على درجة عالية جدا من التأهيل والثقافة، ثم وجدتها تكرر طلبها لي علانية ضمن تعليقها على أحد موضوعاتي فلم أجد بدا من لقاء هذه المرأة التي أثارت فضولي بشكل كبير، وجدتها تدخل عليّ المقهى مرتبكة كمن هي على موعد غرامي، ميزتها من الصورة التي رأيتها على صفحتها، وميزتني من جلستي وحيدة، لم يتطلب مني وقتا طويلا لأكتشف بأنني أمام امرأة استثنائية جدا، لم تضيع وقتا في شرح سبب إصرارها على لقائي فبادرت قائلة: تصفحت كتاباتك بتوصية من صديق، وأفزعني ما تكتبين فقد شعرت انك تكتبين عني، وأنك مطلعة على أفكاري، ما زاد من روعي أنني كنت أتساءل قبل أيام عن سبب وجود مقالتك في الملحق الاقتصادي رغم أني لم أعتقد أنها اقتصادية الطابع، لاكتشف في صبيحة اليوم التالي ردا كاملا على كل تساؤلاتي في مقالة منشورة لك، بدوري هالني جدا أنها وهي تصف لي نفسها شعرت وكأن هذه المرأة تصفني أنا، فهناك تشابه كبير بيننا أدهشني، هذه المرأة لم تكن الأولى التي تصف كتاباتي بأنها (كتبت عنها) فكثير من رسائلكم تحمل هذا المعنى، فقبل عام كتبت مقالة (الحياة تبدأ في الأربعين) لأتفاجأ عند نشرها برسالة من قارئ بادرني بسؤال: كيف لك أن تعرفي ما أفكر فيه؟، أنني اشعر بأنك تكتبين كل ما يجول في خاطري، فليلة البارحة كنت في سهرة مع أصدقائي نناقش موضوع مقالتك هذه! فقط لأتفاجأ بك هذا الصباح تكتبين أفكاري! بالنسبة لي شخصيا فهذا دليل على الحقيقة التي طالما كتبت وتحدثت عنها ألا وهي أنني لا آتي بجديد لا في محاضراتي ولا فيما أكتب هنا، كل ما أفعله هو أن أعبّر عما يعرفه القارئ أصلا ولكنني أضعه أمامه بصيغة جديدة قد تلفت انتباهه أكثر، أو تذكره بما نسيه ليس إلا، أوقن تماما بأن أفضل طريقه لتعلم شيء ما هو تعليمه للآخرين، وهذا تماما ما أحاول أن أقوم به، وهو التعلم من خلالكم، فلا شك لدي مطلقا بأن معظم قرائي يتفوقون عليّ في المعرفة والثقافة والحكمة والاطلاع، وحتما لا يجد الكثيرون منكم جديدا فيما اكتب، هي تجارب يومية نعيشها أنا وأنتم وملايين البشر حول العالم، مما يؤكد لي شخصيا أننا مهما اختلفت معتقداتنا وجنسياتنا ومواقعنا، يبقى ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، وتبقى أوجه التشابه بيننا أكبر بكثير من أوجه اختلافاتنا شئنا أم أبينا، ولعل الكثيرين منكم أيضا انتقدوا طريقتي في الكتابة والتي وجدوا أنها أشبه بخواطر يومية تتحدث عني، بل إن أحد القراء طالبني بالتوقف عن الكتابة (عني) لأن العالم ليس معني بي، لكن أنا لا أكتب عني ولا أكتب عنكم، أنا أكتب عن تجارب إنسانية تمر بنا كل يوم أينما كنا، هناك اليوم ملايين الكتب التي تتحدث عن التنمية البشرية بكل لغات العالم، وهي في متناول الجميع في عالم اصبح قرية متناهية الصغر، لكن أن تقرأ شيئا وأن تعيش التجربة شيء آخر، ربما أحاول هنا معكم أن أقدم نموذجا لشخصيات عاشت هذه التجارب التي نقرأ عنها في الأساطير وفي كتب التنمية البشرية التي تقدمها لنا كنماذج، ونحاول أن نأتي بنماذج تعيش بيننا، وتجارب نعايشها، سواء كانت هذه النماذج تتمثل في (لكشمي) شغالتي الهندية التي تفاعلتم مع مقالتي عنها أكثر من أي مقال آخر كتبته، أو في المدير الذي كتبت عنه في (مدير لهذا الزمان) أو في أم محمد في مقال (لم ينته زمن البطولات) كل هذه التجارب لم تكن عني وإنما عن شخصيات تفاعلت معها في حياتي اليومية، وعلمتني وأثرت تجربتي وتركت بصمة دائمة على مسيرتي الحياتية، تعلمت منها أكثر مما علمتها، وجئت هنا لأسوقها نماذج لكم علكم أيضا تتعلمون منها، وتجدون أنفسكم فيها، فالحياة ثرية جدا بالتجارب الرائعة التي يتوجب علينا فقط العيش بوعي أكثر لاستيعابها وإدراكها، الحياة أكبر مني ومنك ومن مقال صغير يكتب، إنها فضاء رائع ومذهل وغير محدود.
المصدر : مدونة ابداعات قلم