
ديباجة
نحن صغار في مدرسة الكلمه..
غايتنا أن نتعلم حرف هجاء..
فأْمُرْ أن تُقْطَعَ ألسنة الضوضاء،
حتى نستمع إلى الحكمه!!
أمل دنقل
...........
تخرج أحد الزملاء في تخصص معين من الجامعة ولكن للأسف كانت الوظائف في تلك الفترة شبه معدومة لذلك التخصص. وأتذكر أننا جلسنا على مقهى متواضع، فكان يتبرم من الوضع، ويطلق تصريحات نارية على جميع من لهم علاقة بالتوظيف. بل تجاوز الحد حين استخدم كلمات "نابية" فانفض المجلس. ودارت الأرض دورتها، وفقه الله، وابتسم له الحظ، أو قد يكون ضحك له. فوصل إلى مكانة مرموقة في أحد مؤسسات التوظيف في سنوات معدودات. اجتمعنا مرة أخرى فأخذ ينظّر ويدافع ويستبعد أي خطأ. ذكرته بكلماته على المقهى المتواضع، ولكنه لم يتذكر! أو لم يشأ أن يتذكر لكي لا ينتقد ذاته الجديدة.
إن النقد الذاتي هي النافذة التي تتنفس منها الحضارة، وتنقي هوائها من الشوائب والأتربة. وبدون النقد تنعدم الشفافية، وتتراكم الأخطاء، ويختلط الحق بالباطل. إن النقد يتعدى المستوى الفردي، إلى النقد الذاتي للمجموعة والدولة والأمة.
لا يستفزني شيء أكثر من بعض إعلام "عرب المركز"، هؤلاء الذين يتقاطرون علينا هذه الأيام بسخاء، يغروننا "بالتلميع" في قنواتهم وإذاعاتهم وصحفهم - طبعا الدفع بالدولار- على الرغم من أننا لانزال في نظرهم "عرب أطراف". في هذه المرحلة لا نحتاج إلى المدّاحين والمجاملين والمنافقين والآفاقين، بل نحتاج إلى نقد ذاتي يشرّح عوامل النجاح والفشل على جميع الأصعدة والمستويات، هذا طبعا إن كنا نؤمن أننا بشرا عاديين، نخطيء ونصيب.
نحتفل هذه الأيام بمرور 40 عاما على النهضة العمانية الحديثة احتفاءً بالانجازات التي تحققت، ولكن لماذا لا نتسائل عن الإنجازات التي لم تتحقق!! هل راجعنا مسيرتنا خلال 40 عاما لنعرف القطاعات والمؤسسات التي كان أدائها دون المستوى مقارنة بالقطعات الأخرى؟ وذلك لنصحح مسارها ونطورها لتلحق بباقي القطاعات. إن اتكاءنا على شماعة "ليس بالامكان أبدع مما كان" هو الصخرة التي تسد الطريق أمام التقدم والبناء. هذا ليس جلد للذات بل تشريح للاخفاقات.
لماذا يرفض مسؤولٌ أن يسأل؟ مع أن المسمى يوحي بأنه عرضة للسؤال في كل حين، أم أن نرجسية السلطة ترتفع به في برج عاجي؟! لماذا يحاول أن يبرر كل ما يحصل بطريقة ايجابية، بدل أن يعترف بالأخطاء ليصححها.
في غمرة هذه الحماسة همس أحدهم في أذني: ولماذا لا تنتقد شخصك ومؤسستك!! وقفت لبرهة، ثم قلت: لا أستثني أحدا.
المصدر : عمود انارة