
*
*
الخلطة السرية لأسطورة سلفادور دالي .. !
*
الرؤية / العرب
*
*
" إذا كنت تقوم بدور العبقري فسوف تصبح عبقريا في يوم من الأيام "
*
** هكذا كان ديدن " سلفادور دالي " السريالي الذي قلب الفن رأسا على فوضى ، لا قوائم ولا مساحات ولا أحجام ولا أشكال ، مكونا عالما افتراضيا متلونا بالأحلام الصاخبة والملامح الغرائبية أشبه ببهلوان يسير بقدميه على حبل متدل ، بينما يداه تصبغان على أعين العالم أسطورته الشخصية بدهشة كبيرة ..
هذا الفنان العبقري المجنون الهذياني الذي شعر بالإهانة في طفولته ، حينما اكتشف أنه ليس سوى نسخة عن شقيقه الذي فارقه قبل ولادته بعامين ، وكان يرتدي ملابسه ، يتكلم ويمشي مثله ويحلم كما كان يحلم ، ولأن شقيقه مات بعد نزلة برد حادة جعلت نظرات عائلته الثاقبة تترصده خشية أن يكون مصيره كمصير سابقه ، فكانت تصيح فيه باستمرار :" سلفادور فليبي جاسانتو " لا تمت مرتين ! "* ..
دالي هو صاحب نظرية " البارانويا النقدية " وكان يسير على خطى سرياليين المقدس " لا شيء هو كل شيء " ، عزى البعض أسطورته إلى مسمى " جنون العظمة " وهو الذي لم ينف عن نفسه التهمة حين ذكر في إحدى صفحات مذكراته قائلا : " ما أكثر الناس وبخاصة في أمريكا الذين يسألونني عن الطريقة المثلى للنجاح ، وهذه الطريقة موجودة واسمها عندي " طريقة جنون العظمة في ذروتها " أو " البارانويا المتأزمة " ، اهتديت لأكثر من ثلاثين عاما وأمارسها دون أن أعرف حتى هذه اللحظة ، ماذا تكون ..؟ " ..
لكن أسطورته لا تعزى إلى - جنون العظمة - بقدر ما تعزى إلى قانون كوني بدأ يشق دربه المضيء بقوة في فضاء العالم ، يعرف هذا القانون بـ " طاقة الكون " أو بـ" قانون الجذب " ، هو قانون عجائبي ذا طاقة هائلة ، يعمل كمغناطيس جاذب ، ويستطيع من خلالها الإنسان أن يجذب كل الأمور والأمنيات والأحلام التي يريدها إليه ، وفق أفكار يعقد بها سلسلة حياته كيفما يرغب ، فلكل فكرة تردد يبثه الكون ، وحين يطلب الشخص ، فإن أفكاره تتحول إلى وقائع ملموسة من خلال ثلاث كلمات مختصرة هي : " اطلب " ، " آمن " ، " تلق " ..
ومن خلال قراءتي لكتاب " السر " شعرت أن " سلفادور دالي " هو أكثر شخصية يمكن من خلالها أن نستنتج قوة هذا القانون وفعاليته ؛ فمعظم أفعال المنجزة في حياته كانت أقوالا مقترنة بتنظيم دقيق ، حتى غدت أفكاره الخطيرة تلك التي كانت تتملكه ثمارا آتت أكلها ، ومن تلك الأقوال التي اقترنت بالأفعال :
*
* *" كنت أحب أن يقول الناس عني " سلفادور دالي " رسام لا يمكن نسيانه ، فقد كان يعنيني أن أكون " سلفادور " الذي يولد يوم يموت " *هذا الاسم الذي يتموسق حتى الآن على ألسنة الجميع باحتفاء بالغ ، وادعى مثال على ذلك لوحاته التي تناثرت اليوم كتاريخ في عواصم العالم تحكي عن حكاية هذا الإنسان العبقري ، فعند متحف " لوهافر " الفرنسي عبارة ذهبية اللون تقول : " هنا جناح الاسباني الكبير " سلفادور دالي " الرجل الذي كان يرى في كل زائر له صديقا ، وفي كل صديق لوحة ، وفي كل لوحة خيال غض وشاسع نحو ما لا نهاية " .
*
* " إذا كنت تقوم بدور العبقري فسوف تصبح عبقريا في يوم من الأيام " .. وقد لمسنا هذا المفهوم متجذر بقوة عميقة في حياة " سلفادور دالي " الحافلة بالأقوال التي اعتاد الإقرار بها بين حين وآخر ، يتداعى من خيال خلاق ، ذاك الخيال الذي لبس واقعه وكأنه الواقع نفسه ، فقد طمح في يوم من الأيام أن يكون في شهرة " نابليون بونابرت " ، ومذ ذاك لم تترهل طموحاته عن الازدياد والنمو ؛ ولأنه لم يكن مثل الكثيرين محاطا بسر هذا القانون الذي كبر من خلاله طوال أعوام التي أعقبت ؛ فقد عزى مثل الكثيرين أسطورته إلى " جنون العظمة " معتقدا كذلك لأنها وكما كان يرى وراء دفق نجاحاته المتتالية في عوالم الفن ، تلك الطاقة الهائلة التي كانت تنبعث منه مقيدة أفكاره إلى طريق التحقيق ، كما كان يرغب بها تماما ..
*
* " لم أكن أطيق فكرة أن لا يتعرف علي الناس " فعلى مستوى علاقاته كان شخصا يجر خلفه أضواؤه الصاخبة ، فهو لم يطق فكرة ألا يتعرف عليه الناس يوما ما ، وقد كانت أقواله لا تناقض رغباته .. !
*
* خطط أن يكون مليونيرا ، حتى أن " أندريه بريتون " اتهمه بـ" عبادة الدولار " ، فرد عليه دالي بأن حكمته منذ الصغر نصحته أن يسعى رويدا لأن يصير مليونيرا ، وقد أضيف حلمه هذا إلى حيز التحقيق كما خطط بإرادته ..
*
* كما كان يسعى إلى تسلق الكمالية ، و يشير " تشارلز هانيل " وهو أحد المشاركين في تفسير نظرية قانون الجذب قائلا : " الحقيقة المطلقة هي أن ضمير " الأنا " تام وكامل ، وأن ضمير " الأنا " الحقيقي هو روحي ولا يمكنه بالتالي أن يكون أقل من مثالي ، ولا يمكنه مطلقا أن يعتريه نقص أو قصور أو مرض " ، وكان هذا الضمير نغمة دالي التي كثيرا ما كان يدندنها في حياته قائلا : " أنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري " وقوله كذلك : " أنا خال من العيوب، أنا السريالي الوحيد غير المنتمي، لم ينجح لا اليمين ولا اليسار في إغوائي " .. وبشهادة فرويد الذي قال عنه : " لم أرى في حياتي لاسبانيا أعظم كمالا من سلفادور دالي " ..
*
* ولأن من أولويات هذا القانون أن يكف الإنسان عن ترديد الأفكار السلبية ، وغرس عوضا عنها أفكارا ايجابية باستمرار ثم سحبها من طاقة الكون ، فقد كان سلفادور يبدأ يومه بلذة لا تضاهى : " حين استيقظ في الصباح، اختبر لذة لا تُضاهى: إنني سلفادور دالي ، وأسأل نفسي ما الذي سيفعله اليوم هذا الإنسان المعجزة، سلفادور دالي" .. فكيف تتوقعون صباحات رجل يدلل يومه بلذة يسيرها له الكون بلمسة منه ..؟!
*
من هنا نستطيع القول بأنه كان أنموذجا إنسانيا يتمتع بصحبة نفسه متدفقا بالحب ، فانعكس ذلك بحبور كبير على كل العوالم التي كانت تحيط به من حوله ، والتي جلبها بملء إرادته ..
هذا هو " سر " هذا الفنان العبقري الذي استحق عن جدارة حياته الحافلة بالإثارة ، ودهشة الانجاز ، والتميز الابتكاري ، ونيازك الشهرة والثراء والحب ، وكل ذلك كان نتاج أفكاره التي ارتقاها سلما سلما ، كان يطلب ويؤمن ويتلقى ببساطة مطلقة ..!
*
ليلى البلوشي