التركيع الأمريكي

    • التركيع الأمريكي

      بعدما نجحت الولايات المتحدّة الأميركية في تركيع النظام الرسمي العربي وجعله في الاتجّاه الأحادي الأميركي بل ومؤتمرا بما تريده واشنطن منّا في السرّ والعلن , وبعد أن ضمنت أميركا بأنّها ضمّت إلى حظيرتها كل الدول العربيّة مشرقا ومغربا , ها هي تخطِّط الآن و تنفّذ تخطيطها في استيعاب الشارع العربي و العقل العربي من خلال وسائلها الإعلامية المستعربة بدءا بإذاعة سوا، ووصولاً إلى فضائية الحرّة التي إنضمّت إلى سلسلة الفضائيات العربية بميزانية كبيرة و آمال عظيمة بالقدرة على منافسة الفضائيات العربية و بالقدرة أيضا على صناعة الرأي والفكرة والتوجه و الشعور واللاشعور في العالم العربي .
      ولا يمكن لأميركا أن تقدم على خطوة كهذه بدون دراسات مسبقة ومخططّات تستهدف كياننا الإعلامي والثقافي والسياسي والإجتماعي وبلسان عربي مبين ومن خلال نخبة عربية مبدؤها الدولار والربح السريع والتعامل مع الأقوى والأقوى اليوم في الساحة الدولية هي الولايات المتحدة الأميركية .
      إنّ فضائية الحرة لا تندرج في سياق تحسين الصورة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي و إزالة ما علق في العقل العربي والإسلامي عن أميركا المقرونة دوما بالشرّ عربيا وإسلاميّا , بل تهدف إلى صياغة رأي عام في الخارطة العربية و بلغة يفهمها مائتا مليون عربيّ, وتهدف أيضا إلى الترويج للأطروحة الأميركية و رؤيتها للأشياء والترويج لنموذجها الثقافي والحضاري والإجتماعي والمسلكي و أيضا بلسان عربي مبين , ومما لا شك فيه فسوف يستغل خطاب فضائية الحرّة الإعلامي كما السياسي الفقر الضارب أطنابه في البلاد العربية والإسلامية و الجوع والكساد الإقتصادي وإنعدام الرفاهية والحريّة والديموقراطيّة على حدّ سواء , ويحاول هذا الخطاب التسلل إلى العقل العربي والمسلم ليقدّم البديل لشعوب مسجونة من طنجة وإلى جاكرتا وبالتأكيد فإنّ هذا البديل سيكون أميركيّا ممّا لا شكّ
      فيه .
      وإذا كانت الولايات المتحدّة الأميركية بجنودها وعسكرها قد وصلت إلى آبار النفط وبلاطات الحكّام والمؤسساّت العسكرية و وزارات السيادة في بلادنا فإنّ أميركا ومن خلال قناتها المستعربة ستدخل بيوتنا بيتا بيتا ودارا دارا وخيمة خيمة كما ستدخل كل الأحياء القصديريّة و الفقيرة المنتشرة على إمتداد شوارعنا العربيّة والإسلامية , وبالتأكيد فإنّ كثيرين سوف ينساقون لها بإعتبارها ستدغدغ أحلامهم وتعدهم بغد أميركي مشرق خصوصا وأنّها باتت تستخدم لغتنا الجميلة في تسويق منتجها السياسي والثقافي والإعلامي و الفكري والعسكري والأمني .
      و ستكون فضائيّة الحرّة فصيلا من فصائل المارينز ينظر إليها كفيلق عسكري يؤدّي دوره الأساس في التمهيد والتمكين للمشاريع الأميركية المقبلة في العالم العربي والإسلامي , صحيح أنّ العرب القيمّين بشكل غير مباشر على هذه القناة والمؤتمرين بأوامر غرف خاصة في البنتاغون و ووكالة الإستخبارات الأميركية سيوهموننا أنّهم موضوعيون و حرفيون ومهنيون و لا ينحازون إلاّ للحقيقة , لكنّها خدعة أميركية بحتة الغرض منها الحصول على بعض الصدقيّة في الشارع العربي الذي يكره أميركا إلى النخاع ويعلم أنّها مجرمة بإمتياز , وسوف تحاول فضائية الحرة وكان يجب تسميتها بفضائيّة الإحتلال والإستعمار تبرير الممارسات الأميركية في واقعنا العربي وتزيين الوجه الأميركي الرسمي المملوء بالندوب بمساحيق يعرف الشارع العربي جيدا أنّها مساحيق زيف ليس إلاّ .
      إنّ أخطر ما في الموضوع هو أنّ أميركا وبهذه الخطة الإعلامية باتت جزءا من واقعنا السياسي والإعلامي وحتى الثقافي و هي تحاول أن تروّج لإستراتيجيتها وبلسان عربي مبين في محاولة لخلط الأوراق وتحرير العقول العربية والإسلامية من القيّم والمبادئ السياسية التي تعتبر الاستعمار والاحتلال شرّا مطلقا و ظلما مطلقا وبالتالي يتطلب بذل كل الجهود
      لوضع حدّ له.
      وفضائية الحرّة لا تهدف إلى نشر الحرية والدمقرطة في العالم العربي بقدر ما تهدف إلى إيجاد تفسير جديد للغطرسة الأميركية في بلادنا العربية و الإسلامية , وفوق هذا وذاك ستكون فضائية الحرة أداة ضغط جديدة تضيفها واشنطن إلى كل أدوات ضغوطها على حكامنا , وأي نظام رسمي يفكّر في الخروج عن الطاعة الأميركية فسوف تكون فضائية الحرّة جاهزة للضغط عليه عبر الفضائية الأميركية بوسائل يعرفها الجميع وعبر البرامج السياسية المرتبة والمتفق عليها سلفا .
      ويبقى القول أنّه في الوقت الذي جاءتنا فيه أميركا إلى عقر دارنا بالدبابة و الإعلام فإننا ولحدّ الآن نصرف أموالنا على توافه الأمور بدل صرفها على مشاريع جادة من قبيل مخاطبة الغربي بلغته التي يفهمها , ولا يحق لنا بعد ذلك أن نتساءل لماذا إنتصرت أميركا في واقعنا العربي والإسلامي ! ولماذا إنتصر اللوبي العبري في الغرب !!
      وأعتذر للأخوة المثقفين ف يعدم القدرة على كشف هويتي الحقيقية كل ما ستطيع قوله أنني سأظل أحتضن لغتي إلى أن أموت رغم أنف من يأبى،ولا أنكر أن لي مقالا ت في اللغة وأغتذر إليكم