العز الحقيقي

    • العز الحقيقي

      العز الحقيقي


      قال تعالى فى سورة المنافقون: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
      العزة هى القوة والغلبة، وهى ضد الذل الذى يعنى الضعف والمهانة، والعزيز من الأشياء صعبة المنال ومن الناس القوى القادر الذى لا يغلب، وفى الحقيقة ليس فى الوجود عزيز غير الله، لأن عزته ذاتية، غير معلولة ولا مستمدة من غيره ،أما الإنسان فعزته، ومنعته، وقوته، معلولة ومستمدة من الغير ممن يراه قادرًا على نصرته، فهناك من يرى عزته وقوته فى المال، وهناك من يراها فى كثرة الأولاد، والحشم والأتباع، ومن يراها فى الجاه والمناصب، أو فى صحبة ذوى النفوذ من الحكام والقضاة أو ذوى الأقلام وغيرهم، قال تعالى:"الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا" "139" النساء، والعاقل هو الذى يستمد عزته من خالق كل هؤلاء، وهو الله عز وجل مباشرة بدون واسطة إلا أتباعه لمنهجه عز وجل الذى جاء على لسان رسوله الكريم، قال تعالى: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ" 10 فاطر.
      فالعزة بغير الله ذل، إذ يكفيه من الذل إذا كان عزه بمنصب، خوفه من زواله، أو كان بإنسان، خشية موته، أو بمال توجس فقده، فكل ما عدا الله زائل وفان، والله وحده هو الباقى والحى الذى لا يموت، وصدق الشاعر الحكيم حينما قال:
      ليكن بربِّك كلُّ عزك
      يستقر ويثبتُ
      فإن اعتزَزْتَ بمن يموتُ
      فإنَّ عِزّكَ َميّتُ
      قال ابن عطاء الله السكندرى فى حكمه: إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى، فلا تستعزن بعز يفنى، والعز الذى لا يفنى هو الغنى عن الأسباب كلها بوجود مسببها أما الغنى بالأسباب مع الغيبة عن مسببها فذلك هو العز الذى يفنى.
      يحكى أن رجلاً أمر بالمعروف لهارون الرشيد، فغضب عليه هارون فأمر أن يربطوه مع بغلة عنده سيئة الخلق، لتقتله برَمحها، ففعلوا، فلم تضره، فقال: اطرحوه فى بيت وطيِّنوا عليه الباب، ففعلوا ذلك، فرؤى فى بستان، وباب البيت مسدودًا، فأُخبر الرشيد بذلك، فأتى بالرجل، فقال: من أخرجك من البيت؟! فقال: الذى أدخلنى البستان.
      فقال: ومن أدخلك البستان؟! فقال: الذى أخرجنى من البيت! فقال الرشيد: أركبوه دابة وطوفوا به فى المدينة، وليقل قائل: ألا إن هارون الرشيد أراد أن يذل عبدًا أعزه الله، فلم يقدر!!
      وقال أحد العارفين اذا اعتززت بغير الله ففقدته، واستندت إلى غيره فعدمته يقال لك: "وَانْظُرْ إلى إِلَهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِى الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا" "97" "98" سورة طه.
      اللهم لا تجعل عزنا إلا بك وخوفنا إلا منك ورجاءنا إلا فيك وعملنا إلا لك.
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • [HR][/HR]
      العز الحقيقي


      هناك أمر مطبوع في جميع البشر منذ ولادتهم و هو الميل للحرية لأن الله خلقنا لعبادته وحده فلا يريدنا عبيدا لسواه من بشر أو مادة أو شهوات أو أهواء فالحر لا يتعلق تعلقاً زائداً بإنسان مثله أو مادة أو شهوة أو هوى أو حزب أو قبيلة أو تيار لأن التعلق الزائد يفقده استقلاليته و حياديته
      وهناك أمر آخر مطبوع في البشر هو حب السلطة و التسلط و هو نابع من الأنانية و حب التملك
      و هذه الصفة وهبها الله للإنسان ليقوم بعمارة الأرض
      و لذلك نرى أن من تحقق بإحدى هاتين الغايتين و هما عبادة الله وحده و عمارة الأرض يخلده التاريخ و من تحقق بكلتيهما ينال عز الدنيا و الآخرة
      فالأنبياء و الرسل عليهم السلام خلدهم التاريخ و وعدهم ربهم بجنة عرضها السموات و الأرض في الآخرة لأنهم تحققوا بعبودية الله و وضعوا الأساس السليم لعمارة الأرض و ذلك بغرسهم مخافة الله في قلوب الناس فعندما تسود مخافة الله يسود العدل و الأمن و ينتفي الظلم و الفوضى
      و الأمن هو أساس بناء الحضارة فبدون امن لا تبنى حضارة لأنه تتعطل العقول و تهدر الطاقات و خاصة عندما يمارس الرعب و الإرهاب من قبل رجال الأمن كما يقال حاميها حراميها.
      و العدل هو أساس دوام الملك فلا يدوم ملك مع ظلم فالتمادي في الظلم مشكلة و المبالغة في طلب العدل لحد المثالية مشكلة أيضا لأنها غير موجودة على سطح الأرض فالاعتدال في كل شئ مطلوب.
      و كذلك من قاموا بعمارة الأرض وتركوا هذه الآثار المعمارية و الاختراعات خلدهم التاريخ أيضا
      و أما من يقومون بسفك الدماء و نشر الخوف و الرعب و يسيئون استخدام القوة ويعينون الظالمين على ظلمهم و ذلك بإيجاد الذرائع لهم حتى ينتقموا و يهدموا ما بنته الأجيال بدافع الحقد الدفين فسوف يلعنهم التاريخ لأنهم هدموا ما أمرهم الله ببنائه.
      و العجب ممن يهدم أو يحاول أن يهدم أو يوجد الذرائع لمن يريد أن يهدم ما أمر الله ببنائه من الحضارة بحجة تنفيذ أوامر الله بل و يرمي بأقسى أنواع التهم من يخالفه الرأي .
      و العاقل و الحكيم من يوازن في أفعاله بين المنافع و المفاسد المترتبة على أفعاله
      و درء المفاسد يقدم على جلب المصالح
      فالعز الحقيقي و الخلود في الدنيا و الآخرة هو بالجمع بين عبودية الله و عمارة الأرض
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...