البكاء حباً لله

    • ‏وقال بعض السلف ‏:‏ لو نودي ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا
      لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل ‏,


      اللهم ثبت قلوبنا على الايمان
      اللهم آتنا قلوبآ خاشعة و أعين تدمع من خشيتك ... آمين
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • بكت عيني شوقا اليك ربي

      رؤية الله في الجنة ..

      في شهر رمضان 1430هـ وفي اليوم الرابع من هذا الشهر نزلت السوق عقب صلاة التراويح لشراء المقاضي.


      وإذ بي أسمع صوت أغاني من بعيد تهز الأرض من قوة السماعات والسيارة بعيدة وكنت أريد معرفةما هية تلك السيارة .
      وما هو نوعها , لم اعرف لشدة الزحام .
      رآني حارس أمن السوق أتلفت يمين ويسار وأنا داخل السوق.
      ناداني الحارس : قال لي سمعت الرجة .
      قلت : نعم .
      قلت له : تعرفه
      قال : لا ما أعرفه وإنما هو معروف في المنطقة والله كل من يدخل السوق يا إما يدعي عليه , أو يدعي له بالهداية وعلى هذا الحال كل يوم بعد التروايح .


      وفي اليوم الثاني أخذت معي شريط ونزلت بعد الصلاة فعلا ويأتي مرة أخرى

      وقفت على الشارع أنتظر وصوله لأن الشارع زحمة والسير بطيئ .
      إلى أن وصل عندي فأشرت له من الخارج وقف السيارة على جنب .
      ونزل ومعه شباب في السيارة آتى لي , فسلمت عليه.
      قلت له : ممكن أطلب منك طلب .
      قال : أتفضل.
      قلت : ممكن تسمع هذا الشريط .


      فأعطيته الشريط ( رؤية الله في الجنة ) .

      وقرأ العنوان قال لي لو أسمع هذا الشريط ممكن أرى الله .
      قلت : بإذن الله بس توعدني إنك تسمعه.
      قال : إن شاء الله ركب سيارته وذهب .


      وفي العشر الأواخر من رمضان نزلت السوق مرة أخرى وإذ بي أسمع قرآن بصوت عالي , بصوت الشيخ ياسر الدوسري وكان يقرأ ..


      {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31


      وأنا داخل السوق يآتيني هذا الشاب من الخلف ويسلم علي.
      فتعجبت من أمره.
      قلت : هذا إنت اللى مشغل القرآن.
      قال : ايه هذا أنا ياما ناس دعو علي ونا أسمعهم أغاني والآن أعطر الشارع هذا بالقرآن
      ( استبدال السيئة بالحسنة )


      قلت : سبحان مغير الأحوال .
      قال لي : ممكن من وقتك شوي.
      قلت : أتفضل .
      قال : الله يجزاك خير بعدما أخذت منك الشريط وبالأصح بعدما قرأت عنوان الشريط أشتقت إلى السماع ثم ذهبت إلى البيت ودخلت الصالة وقربت الكنبة أمام الإستريو وصوت الإستريو يهز البيت كله .
      وجلست أمام المسجل وشغلت الشريط الشيخ يقرأ وأنا أسمع .
      فجأه صرت أبكي وأبكي وأبغى أصيح .. !!


      قلت : يااااااااااااااااااارب لاتحرمني من شوفتك بذنوبي ياااااااااااااارب ارحمني .


      يااااااااااااااارب أنا تاااااااااااااااااائب ياااااااااااااااارب قربني إليك .


      يقول : ما عمري بكيت مثل هذا البكاء .


      أنتهى الشريط فقمت وأخرجت الشريط من المسجل وألتفت للخلف فإذا بأهلي خلفي .
      والدي وضع شماغه على وجهه وهو لا يستطيع أن يمسك نفسه من البكاء .
      وكذالك أمي وأخواتي فطلب والدي أن أعيد الشريط مرة أخرى.
      ليستمع ثم بعد أمي وأخواتي اللى هم لا يتركون يوم إلا وهم في السوق ليس للشراء وإنما تمشية .
      صاروا يروحون المسجد من قبل صلاة العشاء ويرجعون بعد صلاة التراويح .


      وكان هذا الشريط سبب في هداية أسرتي أخرجت كل أشرطة الأغاني والأفلام وأتلفته ونسخت هذا الشريط 150 نسخة وتم توزيعه .


      .. فا اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ..







      إن هناك في الجنة يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر،
      فاستمعي يوم ينادي المنادي، " يا أهل الجنة .. إن ربكم – تبارك وتعالى – يستزيركم فحيَّ على الزيارة فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك ، فلم يغادر الداعي منهم أحداً،
      أمر الرب – تبارك وتعالى – بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، ما يرون أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي : يا أهل الجنة .. سلام عليكم .
      فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم " اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ".
      فيتجلى لهم الرب – تبارك وتعالى- ويضحك لهم، ويقول: يا أهل الجنة : فيكون أول ما يسمعون منه تعالى : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضين ، فارض عنا، فيقول : يا أهل الجنة.. إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة : ( أرنا وجهك ننظر إليه ) فيكشف الرب – جل جلاله – الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله سبحانه وتعالى- قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا . ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه – تعالى – محاضرة حتى إنه ليقول: يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول : يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول : بلى : بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
      فيا لذة الأسماع بتلك المخاطبة.ويا قوة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة .
      ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ *تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) القيامة:22-25
      فحي على جنات عدن فإنها ***** منازلك الأولى وفيها المخيم
      ولكننا سبى العدو فهل ترى ***** نعود إلى أوطاننا ونسلـــــــم


      :





      :


      اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم
      اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم
      اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم
      اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن نقول :أرنا وجهك ننظر إليك .
      وفي الختام ,,
      أسال الله العلي الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته


      :






      :

      لا تبخل على نفسك في إعادة إرسال الرسالة لكل من عندك
      منقول

      http://http://www.youtube.com/watch?...layer_embedded
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • lonelyhope كتب:

      *لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم* حديث شريف
      وحمر النعم في زماننا هي المركبات الفارهة الفاخرة

      إن الله يهدي من يشاء
      :)
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • مات وهو يسمع صوت حور العين

      بسم الله الرحمن الرحيم

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


      كان هناك ثلاثة من الشباب الصالحين- نحسبهم كذلك والله حسيبهم- اتفقوا على أن يجتمعوا كل يوم قبل صلاة الفجر بساعة
      ليذهبوا لأحد المساجد ويصلوا ويتهجدوا إلى أذان الفجر، وذات يوم تأخر أحدهم حتى لم يبقى على الأذان إلا نصف ساعة , ولما وصلهم وركبوا معه إذا بهم بسيارة تمر بجانبهم تكاد تنفجر من شدة وارتفاع صوت
      الأغاني, فقالوا لبعضهم دعونا نلحق به لعل الله أن يكتب هدايته على أيدينا.

      وانطلقوا وراءه بسرعة ومن شارع إلى شارع وأخذوا يؤشرون له بالأنوار, فظن أنهم يتحدونه ويريدون مضاربته فتوقف وتوقفوا ونزل وهو غضبان وكان طويل القامة ضخم الجثة ويقول لهم ماذا تريدون هل تريدون أن تضاربوا ؟

      فردوا عليه بالسلام عليكم .
      فقال في نفسه عجباً أن من يريد المضاربة لا يسلم فرد عليهم قوله ثانية من منكم يريد أن يضارب؟؟.
      فردوا عليه بالسلام .
      فقال: وعليكم السلام .

      فقالوا: له يا أخونا هل تعلم في أي ساعة أنت ؟ أنت في ساعة السحر , أنت في
      الساعة التي ينزل فيها الله عز وجل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلالة فلا
      يدعوه عبداً من عباده إلا استجاب له ولا سأله شيئاً إلا أعطاه إياه.
      فقال:يبدو إنكم لا تعرفون من أنا ؟.

      قالوا: ومن أنت ؟.
      قال: ألم أقل لكم أنكم لم تعرفوني أنا حسان الذي لم تخلق النار إلا لي ...
      فقالوا :نعوذ بالله ما هذا الكلام اتق الله ولا تقنط من رحمته وأخذوا يذكرونه بالتوبة وأن الله رحيم بعباده وهو الغفور الرحيم.

      فإذا به ينفجر باكياً ويقول: وهل يقبلني الله ؟ وأنا من عمل المعاصي كلها فلا أعلم إن هناك ذنب لم أعصه به وأنا الآن سكران فهل يقبل توبتي ؟
      فقالوا: نعم وأن التوبة تجب ما قبلها.
      قال: إذا فدلوني كيف ؟

      فأخذوه وانطلقوا به إلى أقرب دار لهم وجعلوه يغتسل ويلبس أحسن الثياب ويتطيب ثم انطلقوا إلى صلاة الفجر وهو يقول والله إنها أول صلاة أصليها لله منذ سنين .. واستوى في الصف ثم شاء الله أن يقرأ الإمام قوله تعالى : ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ﴾.

      فإذا بحسان يبكي وينتحب وكلما استمر الإمام في القراءة أرتفع صوت حسان
      بالبكاء حتى سلم الإمام قام إليه من في المسجد يهنئونه بالتوبة ثم خرج حسان وأصحابه من المسجد وسألوه أين أهلك ؟
      فقال لي أب يصلي في المسجد الفلاني يجلس في المسجد حتى طلوع الشمس فقالوا إذاً نلحق به ..

      فلما وصلوا المسجد وكانت الشمس قد أشرقت رأوا شيخاً كبيراً يتهادى في مشيته كان حقاً محتاجاً إلى قوة حسان ومعاونته له, فأشار إليه حسان وقال: هذا أبي.
      فتوقفوا عنده ونزلوا إليه وسلموا عليه وقالوا له : يا شيخ معنا ابنك حسان.
      فلما سمع اسم حسان قال : آآآآه يا حسان!! الله يحرق وجهك بالنار يا حسان .
      فقالوا له أستغفر يا شيخ فإنه تاب وعاد إلى الله وهاهو يعود لكم الآن .

      وفي هذه الأثناء يسقط حسان على أقدام والده يقبلها ويطلب منه السماح والعفو وهو يبكي . فسامحه أبوه وعلمت أمه بتوبته فاحتضنته وسامحته .. ومضت الأيام وحسان يتأمل حاله قبل التوبة وبعدها فرأى أنه أذنب ذنوب كثيرة وقال لنفسه يجب أن أكفر عن سيئاتي بأن أبذل كل قطرة من دمي لله- سبحانه وتعالى- .

      ثم ذهب إلى أبوه يستأذنه في الجهاد فقال له أبوه : يا حسان نحن نحمد الله أن أعادك لنا مهتدياً وأنت تريد أن تذهب للجهاد ؟؟ فألح عليه حسان في السماح له بالجهاد فقال له: إذا وافقت أمك فأنا موافق .

      ثم ذهب إلى أمه وطلب منها أن تأذن له بالجهاد فقالت :يا حسان نحن نحمد الله أن ردك لنا وأنت تريد أن تذهب للقتال ؟؟ فألح عليها فقالت له :أوافق لكن بشرط أن تشفع لنا عند الله يوم القيامة!!!

      ثم أخذ حسان يتدرب على القتال حتى برع فيه ثم توجه إلى أصحابه وطلب منهم اصطحابه معهم إلى ساحات الجهاد وما هي إلا أشهر حتى صار حسان يكر ويفر في ساحات القتال حتى جاء يوم حاصرهم فيه الكفار في الجبال وشددوا عليهم وأخذوا يقصفونهم بالقنابل من الطائرات حتى إن إحدى القذائف تركت كل شيء وتوجهت نحو حسان .

      يقول أصحابه: ضربته القذيفة حتى رأيناه يسقط من أعلى الجبل إلى أسفله مروراً بالصخور الكبيرة فلما هدأ الوضع نزلنا إليه بسرعة فلما أتيناه فإذا هو ينزف من جميع جسمه وقد تكسرت عظامه وهو يبتسم فقلنا له:حسان ..
      فقال: أسكتوا فوالله إني لأسمع الحور العين ينادينني من وراء الجبل ثم لفظ الشهادتين وفاضت روحه......

      هذا هو حسان الذي كان يقول: إن النار لم تخلق إلا له لقد قبل الله توبته ورزقه الشهادة

      من محاضرة بعنوان (من حال إلى حال) للشيخ /خالد الراشد.
      http://http://www.youtube.com/watch?...layer_embedded
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • عن أبي نضرةأن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه يعودونه، وهو يبكي فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني" قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، وقال:"هذه لهذه، وهذه، ولا أبالي" فلا أدري في أي القبضتين أنا.
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله، فانهزم فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله تعالى، لملائكته: انظروا إلي عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي، حتى أهريق دمه".
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: يا ابن آدم مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك، وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوباً، استقبلتك بملئهن من المغفرة، وأغفر لك ولا أبالي".
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • مولاي الهي وسيّدي ومولاي ومالك رزقي,يا من بيده ناصيتي ,ياعالما بضّري ومسكنتي

      يا خبيرا بفقري وفاقتي ,أدعوك يا رب,أدعوك من روحي ووجداني ,أدعوك يا ذا المنّ

      والشاني ..أدعوك كشف ضرّ مسّ اخواني


      يارب , يا كاشف الغمّ , يا دافع النقم , يا نور المستوحشين في الظّلم

      يا عالما لا يُعلّم صلي على محمد وآل محمد
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقآ.
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم | للشيخ : عائض القرني

      http://http://www.youtube.com/watch?v=Zhq9h7PUEbE
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله بها على عباده ، قال تعالى : { وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 ) ،
      فبه تحصل المواساة للمحزون ، والتسلية للمصاب ، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها .

      ويمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول
      الله – صلى الله عليه وسلم – ، حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر .

      ودموع
      النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ، ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى .

      فها هي العبرات قد سالت على خدّ
      النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما كان يقف بين يديه يناجيه ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء – وهو الصوت الذي يصدره الوعاء عند غليانه - " رواه النسائي .

      وتروي أم المؤمنين عائشة رضي
      الله عنها موقفاً آخر فتقول : " قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ليلةً من الليالي فقال : ( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ، فتطهّر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال له : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) " رواه ابن حبّان .

      وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن ، روى لنا ذلك عبد
      الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } ( النساء : 41 ) فقال : ( حسبك الآن ) ، فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان " ، رواه البخاري .

      كما بكى
      النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتباراً بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فجلس على شفير القبر – أي طرفه - ، فبكى حتى بلّ الثرى ، ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا ) رواه ابن ماجة ، وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة لوقوفه على أهوال القبور وشدّتها ، ولذلك قال في موضعٍ آخر : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.

      وبكى
      النبي – صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( المائدة : 118 ) ، ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .

      وفي غزوة بدر دمعت عينه - صلى
      الله عليه وسلم – كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : " ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .

      وفي ذات المعركة بكى
      النبي – صلى الله عليه وسلم - يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب قبوله الفداء من الأسرى ، قال تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } ( الأنفال : 67 ) حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كثرة بكائه.

      ولم تخلُ حياته – صلى
      الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم عليه السلام ، أوفراق غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .

      فعندما قُبض إبراهيم ابن
      النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى وقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.

      ولما أراد
      النبي – صلى الله عليه وسلم - زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ، ثم قال : ( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم .

      ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها
      النبي – صلى الله عليه وسلم - الصبي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكان جوابه عن سرّ بكائه : ( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه مسلم .

      ويذكر أنس رضي
      الله عنه نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ) رواه البخاري .

      ومن تلك المواقف النبوية نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة ، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوبٍ بالنياحة ، أو قول ما لا يرضاه
      الله تعالى .

      اللهم صلي
      عليه وسلم تسليما كثيرا

      وارزقنا شفاعته
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...

    • سورة الأنفال أية 67 - تفسير الطبري

      مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيْدُوْنَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيْدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ. (سورة الأنفال أية 67).






      القول في تأويل قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } يقول تعالى ذكره : ما كان لنبي أن يحتبس كافرا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمن . والأسر في كلام العرب : الحبس , يقال منه : مأسور , يراد به : محبوس , ومسموع منهم : أناله لله أسرا . وإنما قال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم . وقوله : { حتى يثخن في الأرض } يقول : حتى يبالغ في قتل المشركين فيها , ويقهرهم غلبة وقسرا , يقال منه : أثخن فلان في هذا الأمر إذا بالغ فيه , وحكي أثخنته معرفة , بمعنى : قتلته معرفة . { تريدون عرض الدنيا } يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأسركم المشركين , وهو ما عرض للمرء منها من مال ومتاع , يقول : تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطعمها . { والله يريد الآخرة } يقول : والله يريد لكم زينة الآخرة , وما أعد للمؤمنين وأهل ولايته في جناته بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض , يقول لهم : واطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12648 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ; فلما كثروا واشتد سلطانهم , أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى : { فإما منا بعد وإما فداء } 47 4 فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار , إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم . 12649 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا } الآية , قال : أراد أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء , ففادوهم بأربعة آلاف , ولعمري ما كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ! وكان أول قتال قاتله المشركين . 12650 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن فضيل , عن حبيب بن أبي عمرة , عن مجاهد , قال : الإثخان : القتل . 12651 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا شريك , عن الأعمش , عن سعيد بن جبير , في قوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } قال : إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتل . 12652 - قال : حدثنا عبد العزيز , قال : ثنا إسرائيل , عن خصيف , عن مجاهد : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية , نزلت الرخصة بعد , إن شئت فمن وإن شئت ففاد . 12653 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } يعني : الذين أسروا ببدر . 12654 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } من عدوه . { حتى يثخن في الأرض } أي يثخن عدوه , حتى ينفيهم من الأرض . { تريدون عرض الدنيا } أي المتاع والفداء بأخذ الرجال . { والله يريد الآخرة } بقتلهم لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه , الذي به تدرك الآخرة . 12655 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , قال : ثنا الأعمش , عن عمرو بن مرة , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ " فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك , استبقهم واستأن بهم , لعل الله أن يتوب عليهم ! وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك , قدمهم فاضرب أعناقهم ! وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله , انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه , ثم أضرمه عليهم نارا ! قال : فقال له العباس : قطعت رحمك . قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم , ثم دخل فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر , وقال ناس : يأخذ بقول عمر , وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله بن رواحة . ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن , وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ; وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم , قال : { من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } 14 36 ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى , قال : { إن تعذبهم فإنهم عبادك } 5 118 الآية , ومثلك يا عمر مثل نوح قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } 71 26 , ومثلك يا ابن رواحة كمثل موسى , قال : { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } 10 88 " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم اليوم عالة , فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق ! " قال عبد الله بن مسعود : إلا سهيل ابن بيضاء , فإني سمعته يذكر الإسلام ! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم , حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا سهيل ابن بيضاء " قال : فأنزل الله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى آخر الثلاث الآيات . 12656 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عكرمة بن عمار , قال : ثنا أبو زميل , قال : ثني عبد الله بن عباس , قال : لما أسروا الأسارى - يعني يوم بدر - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين أبو بكر وعمر وعلي ؟ " قال : " ما ترون في الأسارى ؟ " فقال أبو بكر : يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة , وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار , وعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " فقال : لا والذي لا إله إلا هو ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبي الله , ولكن أرى أن تمكننا منهم , فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه , وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه , وتمكنني من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه , فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها . فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر , ولم يهو ما قلت . قال عمر : فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان , فقلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك , فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء , ولقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " - لشجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله : { حلالا طيبا } وأحل الله الغنيمة لهم .
      وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

      { والله عزيز } يقول : إن أنتم أردتم الآخرة لم يغلبكم عدو لكم , لأن الله عزيز لا يقهر ولا يغلب , وإنه { حكيم } في تدبيره أمره خلقه
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • قال الله جل وعلا على لسان عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة.


      وهذه من أعظم آيات القرآن في المعاني، ومعناها كثير لكن نحوم حولها وفق التالي:
      أولا معناها: الله جل وعلا أرحم بعباده من أنفسهم، فلما يحق العذاب على أحد فمعنى قطعا أنهم مستحق تماما للعذاب لو لم يكن عبدا متمردا مستحقا للعذاب لما عذبه الله لأن الله أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بالعبد من الوالدة بولدها، فقوله: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) يعني لو ما كانوا يستحقون أنت ما عذبتهم والأصل أنهم عبادك، مملوكون لك تفعل وتحكم فيهم ما تشاء (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ولم يقل عيسى هنا وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم

      ، أن الموقف موقف عظمة وخطب جليل ولا يريد عيسى أن يظهر بمظهر من يملي على ربه ما يفعل ولذلك قال بما يناسب واقع الحال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} بمعنى أنك لو غفرت غفرت وأنت قادر على أن تعذب لكن لحكمة لم تعذبهموإلا فليس عفو الله عمن يعفو عنه لضعف أو عجز كما يفعل بعض أهل الدنيا، تجيء مثلا لمدير ضعيف شخصية ويتأخر المدرس هو خوفا منه المدرس هذا له قرابات له شفاعات يقول سامحناك المرة هذه لن نكتب فيك، فهذا عفو لكنه ناجم عن ضعف،

      لكن عفو الله جل وعلا عمن يعفو عنه ناتج عن عزة وقدرة وإلا فإن الله قادر على أن يعذبهم ولذلك قال عيسى {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، هذه الآية ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة لا يردد ولا يقرأ إلا هذه الآية،

      وثبت عند مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله جل وعلا على لسان إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (36) سورة إبراهيم، وقول الله في هذه الآية على لسان عيسى {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ثم بكى صلى الله عليه وسلم فلما بكى جاءه جبرائيل بعد أن بعثه الله سل محمدا علام يبكي؟ والله أعلم بسببه فجاءه جبرائيل سأله فقال: (إني أخشى على أمتي) فبعث الله جل وعلا جبرائيل ليقول له: (إن الله لن يسوءك في أمتك) ولهذا قال العلماء إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة، أخذوها من هذا الحديث.

      أن الله وعد نبيه أنه لن يسوءه في أمته والله جل وعلا لن يخلف الميعاد والنبي صلى الله عليه وسلم يسوءه ألا ترحم أمته والله وعده ألا يسوءه فهذا على وجه الإجمال أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة.
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • "حسبي الله لااله الا هوعليه توكلت وهو رب العرش العظيم"


      قال الله تعالى: (("إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار

      لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم

      ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا

      ."عذاب النار ))


      روي أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ُسئلت عن أعجب ما رأته من رسول

      الله صلى الله عليه وسلم فبكت ثم قالت: كان كل أمره عجباً، أتاني في

      ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلدي جلده، ثم قال:

      ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله: والله

      إني لأحب قربك وأحب هواك- أي أحب ألاّ تفارقني وأحب مايسرك مما تهواه-

      قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام

      يصلي ويتهجد فبكى في صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض،

      ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر، رآه

      يبكي فقال يارسول الله: مايبكيك وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك

      وماتأخر؟ فقال له: افلا اكون عبدا شكورا يا بلال نزلت علي الليلة ايات ويل لمن قراهن ولم يتفكر فيهن

      : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ....) فقرأها إلى آخر السورة ثم قال: ويل

      لمن قرأها ولم يتفكر فيها. <...... LANGUAGE="Java......"> .....("منقوووول رغبة في الأجر")
      هذه الآيات التي أبكت نبينا صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة وأقضت

      مضجعه ولم تجعله يهنأ بالنوم في ليلته تلك فكان يقرأها في صلاته ويبكى

      قائماً وساجداً وبكى وهو مضطجعاً، نعم إنها لآيات عظيمة تقشعر منها

      الأبدان وتهتز لها القلوب ، قلوب أولى الألباب الذين يذكرون الله

      قياماً وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض وليست كل

      القلوب كذلك ! فهلا تفكرنا في ملكوت الله ؟ وهلا أكثرنا من ذكر الله ؟

      واستشعرنا عظمته سبحانه وتعالى ؟ لو فعلنا ذلك لبكينا من خشية الله

      عند سماع أو قراءة هذه الآيات ولكن لله المشتكى من قسوة في قلوبنا

      وغفلة في أذهاننا. اللهم أنر قلوبنا بنور القرآن ، اللهم إنا نسألك

      قلباً خاشعا ولساناً ذاكرا وقلباً خاشعاً وعلماً نافعاً وعملاً

      صالحاً.



      أن هذه الآيات هي الآيات العشر الأخيرة من

      سورة آل عمران وهذه الآية هي أول آية فيها.
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • البكاء بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

      حسن مظفر الرزو
      المكتب الاستشاري العلمي
      كلية الحدباء الجامعة

      ورد البكاء في أكثر من موضع بالقرآن الكريم
      ، والسنة النبوية الشريفة فأضاف له دلالة إسلامية رصينة نقلته من ميدان السلوك اليومي للفرد المسلم الى دائرة مفاهيمية جديدة تزيد من صلة العبد بخالقه، وترقى به الى مقامات عليّة على طريق التوبة، والإقلاع عن الذنوب، وتصفية النفس من الشوائب التي علقت بها نتيجة لاقتراف المعاصي، وتراكم الرّان على القلوب الغافلة عن ذكر الله .
      1. البكاء في القرآن الكريم :
      حفل القرآن الكريم بأكثر من موضع، في آياته، ورد فيها البكاء
      . بيد أن الذي ينقب وراء دلالة هذه اللفظة يجدها تحمل المعاني التالية :
      (الأول) كون البكاء صفة إنسانية ، ترتبط بالكيان الوجداني والنفسي لابن آدم، فتتدفق دموعه عند المصاب الجلل، أو إذا ضاقت به السبل. من أهم الشواهد القرآنية على هذه الدلالـة قـــوله تعالى: (
      وجاءوا أباهم عشاءً يبكون)
      ، وقوله تعالى: (
      تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون)
      ، وقوله تعالى: (
      وأنه هو أضحك وأبكى)
      .
      (الثاني) كون البكاء صفة كريمة يتصف بها الأتقياء والمؤمنين لفرط محبتهم للبارئ سبحانه وتعالى، ورقّة أفئدتهم، بسبب معرفتهم بخالقهم، طمعاً بجنته، وخوفاً من عذابه وغضبه. وقد وردت آيات كثيرة ترسي هذه الدلالة منها قوله تعالى: (
      ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)
      ، وقوله تعالى: (
      وإذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّداً وبكّياً)
      ، وقــوله تعالى: (
      إذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق)

      (الثالث) كونه النتيجة الفعلية لكل معصية يرتكبها ابن آدم في جناب الحق عز وجل، فيجهش صاحبها بالبكاء لشعوره بالخيبة والخسران، ولفتح باب التوبة عنها، والعودة الى طريق الهدى. من الآيات التي حملت بين ثناياها هذه الدلالة قوله تعالى: (
      أفمن هذا الحديث تعجبون وتضـحكون ولا تبـكون)
      ، وقــولــه تعالى:
      (
      فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون)
      .
      بات واضحاً من رحلتنا في رياض آيات القرآن الكريم بأن هناك دلالتين جديدتين قد أرستهما المفاهيم القرآنية ترتبطان بعلاقة ابن آدم مع خالقه عز وجل، فالطاعة تورث المحبة والرغبة على دوامها، مع زيادة في التقوى والورع الذي يزيد حساسية المرء في التعامل مع خالقه، فيشرع بالبكاء لفرط المحبة، وخوفاً من الوقوع في
      المعاصي التي تضعف أواصر المحبة. بالمقابل فإن المعصية تورث ابن آدم الذي يثوب الى رشده الشعور بالخسران والندم فيجهش بالبكاء على إضاعة الأوقات الثمينة بالمعاصي بدلاً من الاستزادة من الطاعات .
      2. البكاء في السنة النبوية الشريفة :
      إذا تعمقنا بالبحث في كتب الحديث ومسانيده، ونقّبنا عن ورود صفة البكاء بين ثناياها تنقيباً متأنياً، وجدنا بأن دلالة هذه الصفة، ومحاسنها، وآدابها قد احتوتها دائرة الأحاديث المنقولة عن رسول الله
      ، حتى استقام أمرها، ووضحت معانيها، وأسفر فجرها.
      فقد تعامل رسول اللهمع البكاء لكونه من الخصائص التي تلتصق بنفس المرء المسلم، فأباحها في المواطن التي تشكل تنفيساً عن الكرب، وعند فقدان الأحبة، أو لفرط السعادة. أخرج النسائي في سننه الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مات ميت من آل رسول اللهفاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله(دعهن يا عمر فإن العين دامعة والفؤاد مصاب والعهد قريب). ونقلت رواية أخــرى عن أسامـــة بن زيد رضي الله عنه قال أمرني رسول اللهفأتيته بابنة زينب ونفسها تقعقع كأنها في شن فقال رسول الله(لله ما أخذ وله ما أعطى وكل إلى أجل). قال: فدمعت عيناه فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله أترق أولم تنه عن البكاء ؟. فقال رسول الله(إنما هي رحمة جعلها الله في
      قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) .
      بيد أنه بالمقابل وضع حداً أمام بعض أنواع من البكاء التي تنشب عن فرط الحزن لفراق الأحبة، وما يصاحبها من عادات الجاهلية كصياح وعويل وما يلتحق بذلك من لطم خد وشق جيب، فنهى عنها أشد النهي وتوعدّ فاعليها بغضب الله تعالى وعقابه الأليم. أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ، والطبراني في معجمه، وصححه الحاكم في مستدركه حديث عامر بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري وقرظة بن كعب قالا: رخص لنا في البكاء عند المصيبة في
      غيـر نوح .
      إن زيادة معرفة رسول اللهوصحابته بصفات البارئ تعالى، وعمق التقوى التي تغلغلت في ثنايا نفوسهم الطاهرة قد زاد من رقة أفئدتهم، وفرط خشيتهم من اليوم الآخر وما يصاحبه من عذاب أليم للعصاة والمذنبين، فاقشعرت أبدانهم عند تلاوة آيات القرآن الكريم، أو ذكر الآخرة وأهوالها، فأجهشوا بالبكاء في ساعات صفائهم مع الله تعالى. نقل النسائي في سننه الكبرى عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبيوهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ـ يعني يبكي، ونقل ابن أبي شيبة في مصنفـه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: قال لي رسول اللها(اقرأ عليّ القرآن). قال: قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال(إني أشتهي أن أسمعه من غيري). قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه
      تسيل .
      من أجل هذا فقد ندب رســول اللـه صحابته، وأمته الى البـكاء، وبشّــر البكائين من خشية الله تعالى بالأجر العظيم يوم القيامة. أخرج ابن ماجة في سننه عَنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قوله: قَالَ رَسُول اللّهِ (ابْكُوا. فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا)؛ وأخرج الترمذي في جامعه الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله(لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في
      الضرع).
      لم يعد البكاء في عهدهكما كان في عهد الجاهلية، فقد تم تهذيبه كظاهرة إنسانية فقدت توجيهها الفطري بعد أن خالطتها شوائب الجاهلية، وأضحى ظاهرة إسلامية تنم عن الرحمة والرأفة عند رؤية معاناة الغير، ومشاركة وجدانية في
      أحزانهم. كما أنه قد استعير الى دائرة العبادة بعد أن أمسى مظهراً من مظاهر التقوى، وخشية الله تعالى، وايذاناً بالندم على إضاعة الأوقات بغير طاعة الله تعالى ونيل رضوانه، ودليلاً على هجران الذنوب والمعاصي .
      المصدر: مشاركة من الكاتب
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • بكاء الارض والسماء حقيقة علمية ثابثة لما ورد في القران الكريم

      مقالة رائعة عن دقة وصف القران الكريم لبكاء السماء وصوت الكون والنجوم المصابيح
      اخترت لكم مقالة بحق رائعة بمعنى الكلمة
      تتحدث عن الدخان وقول الحق للسماء والارض ائتيا طوعا او كرها والعلاقة بين هذه الايه الكريمة وما اقره العلماء عن صوت الكون وقت تكونه فى بدايته وذبذباته الصوتية الطائعة لله
      كذلك النجوم التى اطلق عليها العلماء باللفظ الصريح *****lights دون ان يقرؤا قوله تعالى عن النجوم بانها مصابيح وغيره الكثير الرائع فى هذا المقال الاكثر من رائع والمدعم بروابط لمقالات العلماء من موقع ناسا العالمى بالدليل والبرهان سبحان الله
      المقال

      [B] [/B]


      [B]السماء تتكلّم

      بدأت قصتي مع هذا البحث عندما قرأت مقالة لأحد الكتّاب يهاجم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. هذا الكاتب لم يرُق له أن يكون كتاب الله معجزاً من الناحية الكونية والعلمية. فهو يستغرب من أي حقيقة كونية يتحدث عنها القرآن تكون بعيدة عن المنطق المألوف.



      يقول هذا الكاتب: إن كتّاب الإعجاز العلمي يفسرون الآيات كما يحلوا لهم ويحمّلون النصوص القرآنية غير ما تحتمل من الدلالات والمعاني والتأويل.
      وسبحان الله! وبعدما قرأت هذه المقالة، وكعادتي تحوّلتُ إلى بعض المواقع العلمية لمتابعة أخبار الفضاء وجديد الاكتشافات، وبينما أقلب صفحات الإنترنت ظهرت لي مقالة غريبة بعنوان "الكون الناشئ يتكلم"!! وظننتُ بادئ الأمر أن هذا عنوان قصة من قصص الخيال العلمي أو قصيدة شعر أو قصة قصيرة، ولكن وجدتُ بأن هذا الخبر يبثه أحد أشهر مواقع الفضاء في العالم www.space.com وصاحب هذا الاكتشاف الجديد هو أحد علماء الفضاء وهو البروفيسور مارك ويتل من جامعة فيرجينيا.


      الكون في مراحله المبكرة عندما كان الغاز يتمدد ويتوسع ليشكل النجوم، وقد كانت النتيجة أمواجاً صوتية هادئة.

      لقد أثبت هذا العالم في بحثه أن الكون عندما كان في مراحله الأولى أي في مرحلة الغاز والغبار والحرارة العالية، أصدر موجات صوتية. وقد ساعد على انتشار هذه الأمواج وجود الغاز الكثيف الذي يملأ الكون والذي عمل كوسط مناسب لانتشار هذه الأصوات. هذا الاكتشاف هو نتيجة لدراسة الإشعاع الميكرويفي لخلفية الكون في مراحله الأولى بعد الانفجار الكبير.

      وقلت من جديد: سبحان الله! لماذا لا يُبدي صاحبنا كاتب الهجوم استغرابه لأمر كهذا؟ وهل يملك الكون لساناً وحنجرة ليتكلم بهما؟ وليت هذا الكاتب يعلم بأن القرآن تحدث بصراحة عن هذا الأمر! بل سوف نرى أكثر من ذلك، فقد تحدث القرآن عن أشياء أكثر دقة وبعبارات مباشرة وواضحة ولا تحتاج لتأويل، سوف نأتي الآن بأقوال هؤلاء العلماء الماديين من أفواههم، ونرى في كتاب الله تعالى حديثاً عنها، ليكون هذا إعجازاً كونياً مذهلاً؟
      أمواج صوتية تُسمع من بدايات الكون
      جاء في هذا الخبر العلمي الذي نشرته العديد من المجلات المتخصصة والمواقع العلمية على لسان كاتب المقال وبالحرف الواحد (1):









      "The universe expanded rapidly after the Big Bang, during a period called inflation. Later, it continued to expand at a slower rate as it cooled enough for gas to condense and form stars. All this time, density variations contributed characteristics to the sound that Whittle's team has determined."







      "لقد توسّع الكون بسرعة بعد الانفجار الكبير، خلال فترة تدعى التضخم. فيما بعد، تابع الكون توسُّعه بشكل أبطأ مما أدى إلى تبرد الغاز وتكثـفه وتشكيله للنجوم. كل هذا الوقت، ساهمت تغيرات الكثافة في تشكيل خصائص الصوت المحدد من قبل فريق ويتل".

      نرى من خلال تصريحات العلماء واكتشافهم أن الكون في مراحله المبكرة أي عندما كان في مرحلة الغاز الحار، وعندما بدأت النجوم بالتشكل من هذا الغاز الكوني، أصدر الكون صوتاً استمرّ حتى أصبح عمر الكون مليون سنة، وقد أمكن تحديد مواصفات هذا الصوت واتضح بأنه هادئ ومطيع، وبعد ذلك بدأت النجوم بالتشكل.
      لقد وجدتُ في هذا الكشف الكوني الجديد إجابة عن تساؤل شغلني لفترة طويلة في محاولة لفهم معنى قوله تعالى عن الكون في بدايات خلقه:(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].
      فقد قرأت تفاسير القرآن ووجدتُ أكثرهم يؤكد بأن كلام السماء هنا هو كلام حقيقي. فهذا هو الإمام القرطبي رحمه الله تعالى يقول في تفسير قوله تعالى: (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ): "وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى" (2).
      ذبذبات كونية هادئة
      ولكن هذه الحقيقة العلمية هل هي حقيقة فعلاً، أم أنها نظرية وتوقع؟ وكما نعلم لا يجوز لنا أبداً أن نقول في كتاب الله عز وجل برأينا دون يقين وتثبّت. لذلك فقد تطلّب هذا الأمر مني جولة واسعة في عالم الأخبار العلمية الجديدة ووجدتُ بأن جميع وسائل الإعلام الغربية قد تناولت هذا الخبر، وبالطبع لم يعارضه أحد لأنه مدعوم بالمنطق العلمي والعملي.
      والذي يتأمل القوانين الرياضية التي أودعها الله تعالى في الدخان أو الغاز يجد ومن خلال ما يسمى بهندسة ميكانيك السوائل أن أي غاز عندما يتمدد ويكبر حجمه يصدر عن هذا التمدد موجات قد تكون صوتية. وذلك بسبب التغير في كثافة الغاز وحركة جزيئاته واحتكاكها ببعض مما يولد هذه الأمواج.
      وهذا ما حدث فعلاً في بداية نشوء الكون عندما كان دخاناً، فالتوسع والتمدد أدى إلى احتكاك وتصادم مكونات هذا الحساء الكوني الحار، وإطلاق هذه الأصوات التي تشبه حفيف الشجر. حتى إن بعض العلماء قد رسموا خطاً بيانياً يمثل هذه الذبذبات الكونية (3)، ويوضح المخطط البياني المرفق أن الذبذبات كانت غير عنيفة بل أشبه بالفحيح.















      رسم تخطيطي للترددات الصوتية التي أطلقها الكون في مراحله الأولى. يمثل الخط الأفقي تردد الأمواج الصوتية، أما المحور العمودي فيمثل مستوى الصوت. وكما نرى من خلال هذا المنحني عدم وجود نتوءات حادة، بل هو منحن هادئ يدل على كون مطيع لخالقه غير متمرد على أمره. وتأمل معي دقة البيان القرآني عندما حدثنا عن كلام الكون في مراحله الأولى أي مرحلة الغاز أو الدخان: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].
      إن هذه الآية تتحدث بوضوح شديد عن كلام للكون وهو في مرحلة الدخان، ولكن لماذا سمى الله تعالى تلك المرحلة المبكرة من عمر الكون بالدخان؟ إن هذه الكلمة هي الأقدر على التعبير عن حقيقة الكون في ذلك الزمن. فالكون كان ممتلئاً بالغاز الحار جداً بالإضافة إلى الغبار الكوني، وكان هذا الغاز يشبه الغيوم (4).
      وبالفعل نجد أن العلماء استطاعوا رؤية غيوم من الغاز حول أحد النجوم البعيدة جداً على حافة الكون المرئي، ويؤكدون أن النجوم تتشكل من غيوم الغاز هذه.
      دقة كلمات القرآن
      إن القرآن اختصر كل هذه المصطلحات "غيوم من الغاز، غاز حار، غبار، ذرات متأينة.." اختصرها في كلمة جامعة ومعبرة وهي (دُخان)! أليست هذه الكلمة تدلّ على الغاز، وكذلك تدلّ على الحرارة، وأيضاً فيها إشارة إلى ما يشبه الغيوم؟ ليت هؤلاء العلماء قرءوا القرآن ووفَّروا على أنفسهم هذا الجهد في اختيار المصطلحات العلمية، لأن القرآن أعطانا التعبير الدقيق مباشرة فهو صادر من خالق هذا الكون وهو أعلم بأسراره!















      الدخان الكوني في بداية الخلق، نرى في هذه الصورة الغاز الحار الذي ساد الكون قبل بلايين السنين، ومعه كميات كبيرة من الغبار الكوني، ةالسؤال: أليست هذه مكونات الدخان؟ هذا ما حدثنا عنه القرآن في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان).





      ولكن من الأشياء الغريبة والملفتة للانتباه والتي يصرح بها العلماء اليوم ما يقوله البروفيسور ويتل في خبر علمي (5):

      "the cry from the birth of the cosmos can be heard".
      "يمكننا سماع البكاء الناتج عن ولادة الكون".
      وتخطر ببالي آية تحدث فيها البارئ تبارك وتعالى عن بكاء السماء فقال: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان: 29]. ولكن الأعجب من ذلك أن هذه الآية التي تتحدث عن بكاء السماء وردت في سورة الدخان!!!
      وهذا الخبر العلمي يعطي إمكانية حدوث الصوت والبكاء وغير ذلك مما لم نكن نفهمه من قبل. وهذا يؤكد أن كل كلمة في القرآن هي الحق، بل لماذا لا يكون هذا الصوت الكوني هو امتثال لأمر الله تعالى؟ فجميع العلماء يؤكدون أن توسع الكون وتمدد الغاز فيه أحدث هذه الأصوات ونتج عن هذا التمدد النجوم التي نراها اليوم. إذن المرحلة الثانية بعد مرحلة الغاز أو الدخان هي مرحلة النجوم، هذا ما يراه العلماء يقيناً.
      من الدخان إلى المصابيح
      ولكن ماذا عن المرحلة التالية للدخان في القرآن؟ ماذا يخبرنا كتاب الله تعالى؟ لو تأملنا الآية التي تلي آية الدخان مباشرة نجد قول الحق عز وجل: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12]. وكما نرى الآية تتحدث عن تزيين السماء بالنجوم، وهذا ما يقوله العلماء اليوم بالحرف الواحد كما رأينا!















      المراحل التي اكتشفها العلماء حديثاً لنشوء وتشكل النجوم من الدخان. فجميع العلماء يؤكدون أن المرحلة التالية للدخان هي مرحلة تشكل المصابيح أو النجوم شديدة اللمعان، وهذا ما أخبرنا به القرآن، عندما تحدث عن الدخان أولاً: (وهي دخان)، ثم تحدث في الآية التالية مباشرة عن النجوم اللامعة: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح)، فهل جاء هذا الترتيب بالمصادفة أم هو بتقدير الله سبحانه وتعالى القائل: (ذلك تقدير العزيز العليم)؟؟
      المصابيح الكونية
      فجميع علماء الفضاء يقررون أن الكون كان مليئاً بغاز حار ثم تبرد وأول ما تشكل هو النجوم. والقرآن يقرر بأن السماء أو الكون كان دخاناً ثم زيَّن الله السماء بالنجوم وسماها المصابيح، وهنا لا بدّ من تساؤل:
      لماذا لم يقل الله تعالى في هذه الآية بالذات: (وزينا السماء الدنيا بنجوم، أو كواكب أو مجرات...)؟ لماذا ذكر المصابيح في هذه المرحلة من عمر الكون عندما كان دخاناً؟ ونحن نعلم من خلال معاجم اللغة العربية بأن المصباح يستخدم لإضاءة الطريق، ونعلم بأن ضوء هذه النجوم لا يكاد يرى، فكيف سمى القرآن هذه النجوم بالمصابيح، فماذا تضيء هذه المصابيح؟
      هذا التساؤل تطلب مني رحلة شائكة في عالم الاكتشافات الكونية حول الكون المبكر وتشكل النجوم والدخان الكوني، ولكن الذي أدهشني بالفعل أن العلماء التقطوا صوراً رائعة للنجوم شديدة اللمعان أو الكوازرات، وأدركوا أن هذه النجوم الأقدم في الكون تضيء الطريق الذي يصل بيننا وبينها، وبواسطتها استطاع العلماء دراسة ما حولها واستفادوا من إضاءتها الهائلة والتي تبلغ ألف شمس كشمسنا!!!
      لذلك أطلقوا عليها اسماًَ جديداً وغريباً وهو "المصابيح الكاشفة" أي flashlights ، وسبحان الذي سبقهم إلى هذا الاسم فقال عن النجوم التي تزين السماء: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَابِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12].
















      نرى فيه النجوم البعيدة تظهر كالمصابيح المتلألئة في السماء. إن العلماء اليوم يسمون هذه النجوم "مصابيح" وقد سبقهم القرآن إلى هذا الاسم قبل 1400 سنة، فقال: (وزينّا السماء الدنيا بمصابيح). أليست هذه معجزة واضحة للقرآن؟
      ألا نرى من خلال هذا الاسم التطابق الكامل بين ما يكشفه العلم من حقائق كونية يقينية، وبين كلمات القرآن الكريم؟ ولكي يكون كلامنا موثقاً وعلمياً وفيه رد على أولئك المشككين بالإعجاز العلمي والكوني لكتاب الله تعالى، سوف نأتي بأقوال العلماء بحرفيتها ومن مصادرها.
      لقد جاء في إحدى المقالات بعنوان: "متى تشكلت الأبنية الكونية الأولى" (6)، يقولون بالحرف الواحد:








      "Since light from a quasar illuminates all of the material along its path to us, quasars serve as distant flashlights revealing the properties of the early universe".







      وهذا معناه: "بما أن النجوم اللامعة تُنير كل المادة على طول الطريق الواصل إلينا، فإن هذه النجوم تعمل مثل مصابيح كاشفة بعيدة تكشف خصائص الكون المبكر".

      وقد وجدتُ بأن جميع العلماء عندما يتحدثون عن هذه النجوم المبكرة البرّاقة يشبهونها بالمصابيح، حتى إن أحد هؤلاء العلماء يقول (7):






      "they act as the brightest flashlights"




      ومعنى هذا الكلام : "إن هذه النجوم تعمل مثل المصابيح الأكثر لمعاناً". (8).

      إن هؤلاء العلماء عندما رأوا هذه النجوم البعيدة، رأوا تطابقاً تاماً بينها وبين المصابيح التي تضيء لهم الطريق، ولذلك سارعوا إلى تسميتها بهذا الاسم، وسبحان من سبقهم إلى هذا الاسم، كيف لا يسبقهم وهو خالق المصابيح وخالق الكون!













      أحد النجوم البراقة أو الكوازارات يُرى على حافة الكون المرئي، ويبعد عنا آلاف الملايين من السنوات الضوئية، ويظهر تماماً كالمصباح المضيء في وسط الظلام الدامس، لاحظ أن إضاءة هذا النجم أكبر من إضاءة المجرات التي تظهر من حوله. وتبارك الله العظيم الذي خلق هذه النجوم وزين بها السماء وسماها قبل هؤلاء العلماء بالمصابيح!
      ونتساءل...
      ما معنى هذا التطابق والتوافق بين ما يكشفه العلماء في القرن الحادي والعشرين وبين كتاب أُنزل قبل أربعة عشر قرناً؟ وما معنى أن يسمي العلماء الأشياء التي يكتشفونها تسميات هي ذاتها في القرآن وهم لم يقرءوا القرآن؟
      إنه يعني شيئاً واحداً وهو أنكم أيها الملحدون المنكرون لكتاب الله وكلامه، مهما بحثتم ومهما تطورتم ومهما اكتشفتم، فسوف تعودون في نهاية الطريق إلى هذا القرآن، وسوف ترجعون إلى خالقكم ورازقكم والذي سخر لكم هذه الأجهزة لتشاهدوا خلق الله تعالى وآياته ومعجزاته، والذي تعهّد في كتابه بأنه سيُريكم آياته في الآفاق وفي القرآن حتى تستيقنوا بأن هذا القرآن هو كلام الله الحق. فهل تبيّن لكم الحقّ؟
      إذن استمعوا معي إلى هذا البيان الإلهي المحكم: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت: 53-54].
      وجوه متعددة لإعجاز الآيات
      في الآيتين السابقتين عدة معجزات لا يمكن إنكارها، وسوف نناقش هذه المعجزات دون أي تأويل، بل سنبقى في المعنى المباشر والواضح للآيات. وسوف نرى أن هذه المعاني شديدة الوضوح، وبما يتناسب مع الاكتشافات الكونية الحديثة.
      1- فالآية الكريمة تتحدث عن مرحلة مبكرة من عمر الكون في بدء الخلق، عندما كان الغاز الحار يملأ الكون، وهذا ما نجده في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ).
      2- لقد عبرت الآية أيضاً عن حقيقة الكون وقتها بكلمة واحدة هي: (دُخَانٌ)، وهذه الكلمة تعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة تلك المرحلة من عمر الكون واختصرت الجمل الكثيرة التي يطلقها العلماء للتعبير عن تلك المرحلة بكلمة واحدة فقط. وهذا إعجاز مذهل للقرآن الكريم في دقة كلماته وتوافقها مع العلم الحديث والحقائق اليقينية.
      3- تحدث القرآن عن قول السماء في ذلك الوقت وطاعتها لخالقها، وقد يستغرب البعض من هذا الأمر، فكيف تتكلم السماء؟ ولكن الأبحاث والاكتشافات الجديدة أثبتت إمكانية إصدار الأمواج الصوتية من الكون في مرحلة الدخان أو الغاز.
      4- لقد حددت الآية المرحلة التي تكلمت فيها السماء، وهي مرحلة الدخان، وهذا ما اكتشفه العلماء اليوم. فهم وجدوا بأن الكون في مرحلة الغاز الحار والغبار أصدر موجات صوتية نتيجة تمدده.
      5- المنحنيات البيانية التي رسمتها أجهزة الكومبيوتر لكلام الكون جاءت متناسبة مع قوله تعالى: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ). فهذه المنحنيات لم يظهر فيها أية نتوءات حادة أو عنف أو تمرد، بل كما أكد العلماء كان صوت الكون هادئاً وشبهوه بصوت الطفل الرضيع!
      6- يقول العلماء: إن المرحلة التالية للدخان (أو الغاز الحار والغبار) كانت تشكل النجوم اللامعة أو الكوازارات، وعندما درسوا هذه النجوم وجدوها تعمل عمل المصابيح فهي تكشف وتنير الطريق الواصل إلينا ويمكن بواسطتها رؤية الأجسام المحيطة بها. والإعجاز الأول هنا يتمثل في السبق العلمي للقرآن في تسمية هذه النجوم بالمصابيح، بما يتطابق مئة بالمئة مع ما يراه العلماء اليوم. أما الإعجاز الثاني فيتمثل في أن القرآن حدد المرحلة الزمنية التي تشكلت فيها هذه النجوم وهي المرحلة التالية لمرحلة الذخان.
      7- إننا نجد في قول الله تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)، حديثاً عن زينة السماء بالنجوم البراقة، وهذا ما يتحدث عنه العلماء اليوم. فهم يشبهون هذه النجوم والمجرات والتي تشكل النسيج الكوني باللآلئ التي تزين السماء!! وهذا سبق علمي للقرآن في استخدام التعابير الدقيقة والمتوافقة مع الواقع (9).
      8- لو تأملنا النص القرآني لوجدنا بأن الخطاب فيه موجه للكفار الذين لا يؤمنون بالخالق تبارك وتعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) [فصلت: 9-12].ِ وهذا يشير إلى أن هؤلاء الملحدين هم من سيكتشف هذه الحقائق الكونية، وهم من سيراها، وهذا سبق علمي للقرآن في تحديد من سيرى هذه الحقائق، لذلك وجَّه الخطاب لهم.
      خاتمة
      في هذه الوجوه المتعددة ردّ على دعوى أولئك الذين يهاجمون الإعجاز العلمي لكتاب الله تعالى، وردّ على كل من يعتقد بأن المسلمين ما داموا متخلفين علمياً وتقنياً، فلا يجب عليهم أن يبحثوا في الإعجاز العلمي! وردّ على من يقول بأن المسلمين ينتظرون دائماً الغرب الملحد ليقدم لهم الحقائق والاكتشافات العلمية، ثم ينسبوا هذه الاكتشافات للقرآن.
      بل على العكس من ذلك! ففي اكتشافات الغرب لهذه الحقائق وحديث القرآن عنها بدقة مذهلة وخطاب القرآن لهؤلاء الملحدين، في كل ذلك أكبر دليل على صدق كتاب الله تعالى، وأنه كتاب حقّ. ولو كان هذه القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، لنسبَ هذه الاكتشافات لنفسه، لماذا ينسبها لأعدائه من الملحدين ويخاطبهم بها؟؟
      وفي نهاية هذا البحث لا نملك إلا أن نسجد خشوعاً أمام عظمة كتاب الله تعالى وأمام عظمة إعجازه، ولا نملك إلا أن نردّد قول الحق جلّ وعلا: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 93].







      بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل

      www.kaheel7.com





      الهوامش

      (1) مقالة بعنوان "الكون الناشئ يتكلم" حول اكتشاف العالم الفلكي مارك ويتل من جامعة فيرجينيا. البروفيسور مارك ويتل هو مكتشف الصوت الكوني، وقد تحدث هذا العالم عن الأمواج الصوتية التي أطلقها الكون عندما كان عمره 380 ألف سنة، واستمر هذا الصوت الناتج عن تمدد وتوسع الكون حتى أصبح عمر الكون مليون سنة، عندها بدأت النجوم الأولى بالتشكل.. المقالة موجودة على موقع الفضاء على الرابط التالي:
      http://www.space.com/scienceastronomy/big_bang_sound_040601.html
      (2) انظر تفسير القرطبي حول قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].
      (3) انظر مقالة بعنوان: "الكون بدأ بفحيح وليس انفجار" على الرابط:
      http://www.newscientist.com/article.ns?id=dn5092
      (4) مثلاً انظر الروابط:
      http://abyss.uoregon.edu/~js/images/qhalo.mpg
      http://abyss.uoregon.edu/~js/images/NGC604.gif
      http://abyss.uoregon.edu/~js/glossary/globular_cluster.html
      (5) هذه التصريحات جاءت في مقالة بعنوان: "سماع بكاء ولادة الكون" على أخبار bbc في خبر منشور بتاريخ 23-6-2004 والرابط هو:
      http://news.bbc.co.uk/1/hi/sci/tech/3832711.stm
      (6) هذه المقالة متوفرة على موقع وكالة ناسا للفضاء على الرابط:
      http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101firstobj.html
      (7) في مقالة بعنوان: "الأبعد في الكون" متوفرة على الرابط:
      http://www.xs4all.nl/~carlkop/xquasar.html
      (8) وهذا قول لأحد العلماء، وهو كريستوفر تشرشل من قسم الفلك والفيزياء بولاية بن، حيث يقول واصفاً الكوازار كمصباح كوني: "إن إضاءة نجم لامع تعادل 1018 شمس كشمسنا"
      "A typical quasar's luminosity is somewhere in the order of 1018 suns," Churchill said, describing the quasar as a cosmic flashlight.
      المقالة متوفرة على الرابط:
      http://www.collegian.psu.edu/archive/2001/01/01-23-01tdc/01-23-01dnews-10.asp
      (9) انظر مقالة بعنوان (لمحة عن النسيج الكوني) لثلاثة من علماء الغرب الأكثر شهرة في هذا المجال وهم: عالم الفلك بول ميلر من معهد الفيزياء الفلكية بألمانيا، وجون فينبو من نفس المعهد، وبارن تومسون من معهد الفيزياء والفلك بالدانمارك، كما يرجى الاطلاع على التفاصيل على موقع المرصد الأوروبي الجنوبي بألمانيا على الرابط:
      http://www.eso.org/outreach/press-rel/pr-2001/pr-11-01.html



      [INDENT]منقول من موقع المهندس عبد الله الكحيل جزاه الله عن الإسلام كل خير ونفعنا بعلمه[/INDENT]



      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • التأثر والبكاء عند الاستماع لآيات القرآن الكريم:
      أخرج الترمذي (8) رحمه الله، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي) فقلت: يارسول الله، أَقرأ عليك وعليك أَُنزل؟! قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري). فقرأت سورة النساء حتى بلغت: (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء:41) قال: فرأيت عيني النبي صلى الله عليه وسلم تهملان.
      قال المباركفوري: (قال ابن بطال : إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية؛ لأنه مثَّل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف. وهو أمر يحق له طول البكاء. وقال الحافظ: والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته؛ لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيماً. فقد يفضي إلى تعذيبهم. وقال الغزالي: يستحب البكاء مع قراءة القرآن وعندها. وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود، ثم ينظر تقصيره في ذلك؛ فإن لم يحضره حزن فليبك على فَقْد ذلك، وأنه من أعظم المصائب) (9).
      وأيّاً ما كان سبب بكائه صلى الله عليه وسلم فإن هذا يدل على تأثره بالقرآن الكريم، ووقوفه عند آياته، لأن هذا القرآن كما أخبر الله عنه بقوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: 23).
      ومما يدل على شدة تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بآيات القرآن وبكائه منها ما رواه ابن مردويه بسنده، عن عطاء قال: (انطلقت أنا، وابن عمر، وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب. فقالت: يا عبيد، ما يمنعك من زيارتنا؟! قال: قول الشاعر: زُر غبّاً تزدد حبّاً (10). فقال ابن عمر: ذرينا، أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت: كلُّ أمره كان عجباً؛ أتاني في ليلتي حتى مسّ جلده جلدي، ثم قال: ذريني أتعبد ربي. قالت: فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تتعبد لربك. فقام وتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه لصلاة الصبح. قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. وفي رواية فقال: ويحك يا بلال! وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) (آل عمران: 190) ثم قال: (ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها) (11).
      (8) أخرجه في أبواب تفسير القرآن رقم (3215)، وهذا لفظه. والحديث أخرجه الشيخان أيضاً.
      (9) تحفة الأحوذي للمباركفوري (8/300، 301 ).
      (10) غبّاً: من غبَّ الرجل إذا جاء زائراً يوماً بعد أيام (لسان العرب 5/3204). وقد رُويت هذه العبارة حديثاً مرفوعاً من طريق عدد من الصحابة وكلها طرق واهية. قال البزار: لا يعلم في (زر غبّاً تزدد حبّاً) حديث صحيح. (كشف الآثار 2/390). وقال الذهبي في (الميزان): حديث باطل. وقد صححه الألباني في (صحيح الجامع) رقم (3562). [هذا التعليق مأخوذ من كتاب (موسوعة فضائل سور القرآن) للشيخ محمد بن رزق ابن طرهوني 1/219 من الحاشية'>.
      (11) أخرجه ابن حبان (انظر موارد الظمآن ص139). وذكره ابن كثير وعزاه لابن مردويه وعبد ابن حميد وغيرهما. وانظر:موسوعة فضائل سور القرآن (1/219).
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • «عوِّدوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التفكر».

      [B]لعلكم تتفكرون![/B]


      [B]عبد اللطيف بن عبد الله التويجري



      الواجب على المكلَّف أن يشغل نفسه بهذه العبادة الجليلة [B]في حدودها ومجالاتها المنظبطة، ويتعاهدها في جميع الأحوال؛ وذلك أن التفكير السليم يوصل صاحبه إلى الخير في الدنيا والآخرة[/B]
      لقد أنعم الله - عز وجل - علينا بنعم عظيمة سخَّرها لنا لنعرفه ونعظمه، ونعبده ونوحده، محققين الغاية [B]التي من أجلها خلقنا: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٦٥] وإن من أعظم هذه النعم نعمة العقل الذي هو آلة التفكير، وقد ورد الحديث عن هذه النعمة في أكثر من موضع في كتــاب الله، عز وجــل. قال – سبحانه وتعالى -: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٨٧].[/B]
      ولقد [B]جاء في القرآن الكريم الحث على التفكير في مواضع عديدة؛ حيث وردت مادة: (التفكر) في حوالي تسعة عشر موضعاً في القرآن الكريم[1]، وخُتمَت سبع آيات[2] من كتاب الله بقوله – تعالى -: {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في إشارة إلى أن هذه الآيات العظيمة التي تُذْكَر قبلها؛ لا ينتفع بها إلا ذوو العقول المتفكرة. [/B]
      وفي مواضع أخرى [B]جاء التشنيع والتوبيخ على القوم الذين عطلوا عقولهم وتفكيرهم، كما في سورة الحج: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٦٤].[/B]
      فضل التفكر وأهميته:
      إن هذه الآيات وغيرها تُظهر للمتأمل أهمية العقل والتفكير، وأنها نعمة ربانية عظيمة اختص اللهُ بها الإنسانَ، وجعلها مناط التكليف، وميَّزه بها عن غيره من بين سائر الجمادات والعجماوات، وقد نص بعض العلـماء على أن منزلة التفكُّر تعد من أفضل الأعـمال وأشرفهـا[3]؛ «وذلك لأن الفكرة عمل القلب، والعبادة عمل الجوارح، والقلب أشرف الجوارح؛ فكان عمله أشرف من عمل الجوارح»[4].
      ولقد كثر الحث [B]في كتاب الله - تعالى - على هذه العبادة الجليلة[5]؛ نظراً لأهميتها وفضلها العظيم؛ حيث إنها تورث العلم والمحبة، والنور والإيمان، وهي عبادة أهل الصلاح والتقوى، يقول الحسن بن عامر: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب الرسول # يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان: التفكر[6].[/B]
      مجالات التفكر وثماره:
      [B]جاء في التعريفات للجرجاني أن المراد بالتفكر هو: إعمال القلب في النظر في الأدلة[7].[/B]
      وما يعنينا من الأدلة هنا أنها الآيات الواردة [B]في كتاب الله - عز وجل - امتثالاً لقوله - تعالى -: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: ٩١٢]. [/B]
      ولو تأملنا مجال التفكر [B]في آيات القرآن لبرز لنا مجالان عظيمان أشار إليهما الإمام ابن القيِّم في كتابه القيِّم: مفتاح دار السعادة[8]:[/B]
      فالمجال الأول هو: التفكر [B]في الدليل القرآني: وفيه يكون التفكــر في آيــات الله المسموعة التــي حــث الله - عز وجل - على التفكر فيها وتدبُّرها في أكثر من نص في القرآن الكريم كقوله – تعالى -: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]، وقوله - تعالى -: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ١٢]؛ وذلك أن المرء يتفكر في هذه الأدلة حين سماعها أو تلاوتها، وما تتضمنه من دلائل باهرة تحث على توحيد الله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.[/B]
      ويتفكر أيضاً فيما [B]جاء فيها من معجزات ودلائل وبشارات ونذارات وعبرة وأحكام، ونحوها، ويتفكر في معجزة ألفاظه، وعظمة أحكامه، وقوة حججه وبراهينه... إلخ.[/B]
      فهذا التفكر يورث [B]في القلب محبةَ الخالق وتعظيمَه، وإخلاص العبادة له، والتوكل عليه، وزيادة الإيمان واليقين، وغير ذلك من مقامات العبودية وأعمال القلوب. [/B]
      والمجال الثاني: التفكر [B]في الدليل العياني: وهو آياته المشهودة، ولقد أثنى الله - عز وجل - على من يتفكر في ذلك، فقال – تعالى -: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ #٠٩١#) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ٠٩١ - ١٩١].[/B]
      وقد ثبت [B]في صحيح ابن حبان وغيره مرفوعاً: «لقد نزلت عليَّ الليلة آيةٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها... ثم تلا هذه الآية»[9]. [/B]
      فتأمَّل - رحمك الله - كيف أن الآيات الواردة [B]في القرآن تلفت الأنظار إلى الآيات المشاهَدة من أجل إعمال التفكر، وتأمَّل أيضاً كيف خُتِمت بالدعوة والحث على التفكر.[/B]
      تفكر - مثلاً - [B]في قوله – تعالى -: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: ٣] وتفكر أيضاً في هذه الآية، وما فيها من تجانس وتماثل وعبرة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ١٢] وتفكر في هذا المشهد البديع، والإعجاز الفريد: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْـجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ #^٨٦^#) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٨٦ - ٩٦].[/B]
      إلى غير ذلك من الآيات العظيمة المشاهَدة [B]في الآفاق، والمعجزات الباهرة المتقنة في هذا الكون الفسيح؛ فمشهد السماوات والأرض، ومشهد اختلاف الليل والنهار، ومشهد جميع المخلوقات، في تناسقها وإبداعها، لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا، ولو تلقيناه كمشهد جديد تتفتح عليه العيون أول مرة؛ لاهتزت له مشاعرنا، ولأحسسنا أن وراء ذلك حكيماً يدبر، وعليماً قادراً: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْـحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٣٥].[/B]
      ومن جميل ما يحكى [B]في هذا الباب ما قاله ابن الجوزي عن نفسه: (عَرَضَ لي في طريق الحجِّ خوفٌ من العرب، فسِرْنا على طريق خَيْبَرَ، فرأيت من الجبال الهائلة والطُّرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عَظَمَةُ الخالق - عز وجل - في صدري، فصار يعــرض لــي عـند ذكــر الطُّرُق نــوع تعظيمٍ لا أجده عند ذكر غيرها، فصحتُ بالنفس: ويحك! اعْبُري إلى البحـر، وانظـري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالاً هي أعظم من هذه. ثم اخرجي إلى الكون والتفتي إليه؛ فإنَّك تريْنَهُ بالإضافة إلى السماوات والأفلاك كَذَرَّةٍ في فلاةٍ. ثم جولي في الأفلاكِ، وطوفي حولَ العرشِ، وتلمَّحي ما في الجِنان والنيران. ثم اخرُجي عن الكُلِّ، والتفتي إليه؛ فإنك تشاهدين العالم في قَبْضَةِ القادر الذي لا تقفُ قدرتُهُ عند حدٍّ. ثم التفتي إليكِ، فتلمَّحي بدايتكِ ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلاَّ العدمُ، وفيما بعد البلى، وليس إلاَّ الترابُ.[/B]
      فكيفَ يأنسُ بهذا الوجودِ من نَظَرَ بعين فِكْرِهِ المبدأَ والمنتهى؟ وكيف يغفَلُ أربابُ القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟)[10].
      التفكر [B]في هذا الزمن:[/B]
      إن الملاحظ على كثير من المنتسبين إلى الإسلام [B]في زمننا يجد أنهم أصناف في تعاملهم مع التفكير:[/B]
      فقوم شُغِلوا عن التفكير السليم بتفكير عقيم، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فأصبح تفكيرهم الدائم [B]في الدنيا وملذَّاتها وزخرفها؛ فهم في تفكير وشغل في الليل والنهار، وأوصدوا على أنفسهم مجال التفكير النافع فتشوَّشَت العبادات، وقلَّ التفكير والاهتمام بالآخرة، ونسي كثيرٌ منهم نفسه ومحاسبتها، وتذكيرها بما خلقت له، وإلى أين مصيرها[11].[/B]
      وقوم جنحوا [B]في التفكير إلى ما وراء حدود العقل، واقتحموا أموراً لم يعطَ العقل القدرة على إدراكها وتصوُّرها، فعظموا العقل وقدَّموه على النقل فوُكِلوا إليه، فازدادوا حيرة وشكوكاً.[/B]
      وقوم تبلد عندهم التفكير فأصبحوا ينظرون إلى آيات الله المسموعة والمشهودة فلا يتحرك فيهم شيء؛ وكأنه حدث عادي يمر عليهم بدون تفكر ولا اعتبار!
      وقوم عطَّلوا تفكيرهم، وأسلموا عقولهم وتفكيرهم إلى غيرهم، فصاروا لا يرون إلا بأعينهم ولا يفكرون إلا بتفكيرهم، فقلدوا غيرهم وعطلوا تفكيرهم؛ فالحق ما قالوه والصحيح ما صححوه[12].
      والواجب على المكلَّف أن يشغل نفسه بهذه العبادة الجليلة [B]في حدودها ومجالاتها المنظبطة، ويتعاهدها في جميع الأحوال؛ وذلك أن التفكير السليم يوصل صاحبه إلى الخير في الدنيا والآخرة؛ لأن «أصل الخيـر والشـرِّ من قِبَل التفكـر؛ فإن الفِكْــرَ مبدأ الإرادة والطلـب في الزهـد والتـرك والحب والبغض، وأنفعُ الفِكْرِ الفكرُ في مصالح المعاد، وفي طـريق اجتلابها، وفي دفـع مفاسـد المعـاد، وفي طرق اجتنابها»[13].[/B]
      دعوة للتطبيق:
      إننا نعيش [B]في زمن كثرت فيه الفتن، وتلاطمت فيه المحن، وكثرت فيه المنكرات، زمنٍ يحس فيه المؤمن الصادق بغربة شديدة، لا يسليه فيها، ولا يذهبها عنه إلا العيش مع القرآن الكريم، والتفكر في معانيه، والنهل من معينه، والاتجاه إليه اتجاهاً صحيحاً بكامل أحاسيسه ومشاعره، بقلبه وقالبه: تلاوة وتدبراً، وتفكراً وتطبيقاً؛ فالعيش - مع القرآن الكريم - مزية لا تعدلها مزية، ومرتبة لا تفوقها المراتب؛ لأنه الملاذ عند الفتن، والمنقذ عند المصائب والمحن. [/B]
      وإن مما يحزُّ [B]في نفوس المصلحين والغيورين في واقعنا المعاصر بُعْدُ المسلمين عن القرآن الكريم، والعيش في رحابه، والتدبر في آياته، والتفكر في معانيه، والاطلاع على مقاصده وحكمه العظيمة؛ حيث إن استشعار ذلك كله هو الطريق الصحيح الموصل للامتثال والتعظيم لله رب العالمين، وهو الطريق الموصل أيضاً للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. [/B]
      إنها دعوة للجميع للتفكر والتأمل [B]في المجالات التي أمرنا الله - عز وجل - بالتفكر فيها والاعتبار بما فيها من الهدايات والمعاني؛ فالتفكر السليم أصل الخير على العبد في معاشه ومعاده. [/B]
      إنها دعوة للتفكر [B]في عَظَمة القرآن الكريم، والتفكر في معانيه وآياته والعيش في رحابه.[/B]
      وهي دعوة للتفكر [B]في آيات الله في الآفاق والأنفُس، وفي نعمه الظاهرة والباطنة. [/B]
      وهي دعوة للتفكر [B]في سِيَر الأنبياء والصالحين والمجددين، في سِيَرهم مع أقوامهم، وفي أحوالهم، وفي عاقبة أمرهم.[/B]
      وهي دعوة للتفكر [B]في النفس ومحاسبتها وإصلاحها وتهذيبها وتزكيتها.[/B]
      ودعـوة للتفكـر [B]في الدنيا والآخرة، وحقيقة كلٍّ منهما[14]. [/B]
      إنها دعوة للتفكر [B]في آلاء الله ونعمه، وأمره ونهيه؛ من أجل تجديد الإيمان، وفتح آفاق العلم والإحسان، وشغل القلب بأعظم الأعمال، والتعرف على عَظَمة الخالق - جل في علاه - والافتقار إليه، والانطراح بين يديه، والتلذذ بمناجاته، سبحانه وتعالى. [/B]
      إنها دعوة لإحياء هذه العبادة الجليلة «عبادة التفكر» موجَّهة لكل مسلم؛ كلٍّ على قدر استطاعته، [B]في البيت والمدرسة والمسجد؛ لنحيا حياة قرآنية ربانية. [/B]
      وإنها فرصة أيضاً لاغتنام هذا الشهر الفضيل الذي هو شهر القرآن لجعله بداية الانطلاق، وفرصة اللحاق بركب السلف الأخيار، الذين عرفوا فضل هذه النعمة فأعطوها حقها، وعَوَّدوا قلوبهم عليها[15]، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من الخير والفلاح، ولقد صدق القائل:
      إذا المرءُ كانت له فكرة
      ففي كلِّ شيءٍ له عبرة[16]



      [1] ينظر كتاب: تدبر القرآن بين النظرية والتطبيق، لرقية العلواني: صفحة: (19).

      [2] كما في سورة يونس الآية (24) والرعد الآية (3) والنحل في موضعين الآية (11) و (69)، والروم الآية (21)، والزمر الآية (42)، والجاثية الآية (13).

      [3] يقول الحسن - رحمه الله تعالى - : (إن من أفضل العمل: الورع والتفكر). ينظر: (الزهد، لابن المبارك، صفحة: (96).

      [4] مفتاح دار السعادة: (1/180).

      [5] ينظر إحياء علوم الدين: (4/423).

      [6] تفسير ابن كثير: (2/185).

      [7] ينظر التعريفات، للجرجاني، ص: (167).

      [8] ينظر مفتاح دار السعادة: (1/187).

      [9] ينظر: صحيح ابن حبان: (620). قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (1468).

      [10] صيد الخاطر: (275، 276).

      [11] عن ذي النون أنه قال: (لا يتفكر القلب لغير الله، إلا كان عليه عقوبة). حلية الأولياء: (9/383).

      [12] ينظر كتاب: أفلا تتفكرون، صفحة: (8، 9).

      [13] الفوائد، لابن القيم: (198).

      [14] ينظركتاب: أفلا تتفكرون، فقد بسط القول في جميع ما ذُكِر.

      [15] قال أبو سليمان الداراني: «عوِّدوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التفكر». ينظر: حلية الأولياء: (9/274).

      [16] كان الإمام سفيان بن عيينة كثيراً ما يتمثل هذا البيت. ينظر حلية الأولياء: (7/306).
      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • [B]التربية الروحيَّة في الإسلام[/B]

      [B][B]مقدمَّة:[/B]
      لم يقتصر دين الإسلام على مجرَّد الدعوة للإيمان بالله فحسب؛ بل جاء للناس بمنهج تربوي كامل وشامل، [B]لشتَّى فروع التربية الَّتي تستند إليها المجتمعات الإنسانية، في عمليَّة التقدُّم والتطوُّر نحو الأفضل[/B]، وفي سـبيل تحقيق ما يصبو إليه أفرادها من سعادة ونجاح، وطمأنينة وسلام.
      [B]إن التربية الروحيَّة نواة التربية الإسلامية وجوهرها[/B]، وقد قامت على [B]قواعد قويَّة، وأسس متينة [/B]من شأنها توطيد أواصر الصلة بين المسلم وربِّه، وربط أسباب دنياه بأسباب آخرته. وقد رافقتها [B]التربية الأخلاقية كظلِّها[/B]، ثمَّ أُكملتا [B]بالتربية الاجتماعية[/B]، الَّتي كانت بمثابة الطابق الثالث في بناء التربية في الإسلام. وإن أهمَّ طاقة تنير هذا البناء : [B]دوام ذكر الله وتسبيحه، وتلاوة كتابه، والاستقامة على عبادته، والتضرُّع إليه بالدعاء[/B].
      إن من أبرز سمات تربية الإسلام الروحية، الاعتدال والتوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وأقرب مثال على ذلك العبادات الَّتي تُعنى بالجانبين الروحي والمادي في الإنسان، وقد جُعلت متنوِّعة ومتكرِّرة [B]ليبقى المسلم على طهارة روحية متجدِّدة تقرِّبه من الله[/B]، وتجذبه إليه كلَّما نأت به ماديَّات الحياة بعيداً عن الحضرة الإلهية.
      وقد ظهرت ميزة الاعتدال بشكل أوضح في كثير من الآيات القرآنية؛ ففي طائفة منها نجد حضّاً للمؤمنين على طلب المنزلتين الروحيَّة والماديَّة معاً كقوله تعالى: [B]{وابْتَغِ فيما آتاكَ الله الدَّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ من الدُّنيا وأَحْسِن كما أَحْسَن الله إليك ولاتَبْغِ الفَسادَ في الأَرضِ إنَّ الله لا يحبُ المُفسِدينَ}[/B] (28 القصص آية 77).
      وفي طائفة أخرى من الآيات يرشد الله المؤمنين لكي يَجْمَعوا في دعائهم بين طلب الدنيا وطلب الآخرة وذلك في قوله جلَّ وعلا: [B]{..فَمِنَ النَّاسِ من يقول ربَّنَا آتِنَا في الدُّنيا وما له في الآخرةِ من خَلاق * ومنهم من يقولُ ربَّنا آتِنَا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّار * أولئك لهم نصيبٌ ممَّا كَسَبُوا والله سريعُ الحِساب}[/B] (2 البقرة آية 200ـ202). [B]فالوسطيَّة [/B]بين الروحانيَّة المتطرِّفة، والماديَّة المفرطة الجامحة، أمر تستدعيه حياة المجتمع، والإسلام هو الَّذي تحقَّقت فيه هذه الميزة، وتفرَّد بها عن غيره، قال تعالى: [B]{وكَذلكَ جَعَلنَاكُم أمَّة وَسَطاً..} [/B](2 البقرة آية 143).

      وفي هذا الباب سنتناول أبرز الدعائم الَّتي قامت عليها تربية الروح في الإسلام، ونوجزها ضمن عدد من الفصول، ثمَّ ننتقل إلى التربية الأخلاقية في الإسلام بإذن الله.

      [B]الفصل الأوَّل:[/B]
      [B]ذكر الله وحسن الصلة به[/B]
      [B]سورة الأحزاب(33)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ياأيُّها الَّذين آمنوا اذكروا الله ذِكراً كثيراً[/B](41)[B] وسبِّحوه بُكْرَةً وأصيلا[/B](42)[B] هوَ الَّذي يُصلِّي عليكُمْ وملائِكَتُهُ ليخرجَكُم من الظُّلمات إلى النُّورِ وكان بالمؤمنين رحيماً[/B](43)[B] تحيَّتُهُمْ يومَ يَلْقَونَهُ سلامٌ وأَعدَّ لهم أجراً كريماً[/B](44)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن ذكر الله تعالى هو [B]قوام الحياة الروحية[/B]، وهو العنصر الفعَّال الَّذي يتفاعل داخل كيان الذاكر، ويتَّحد مع ذرَّات القلب [B]ليتحوَّل إلى طاقة نورانيَّة ربانيَّة[/B]، تولِّد في روح المؤمن [B]القوَّة والنشاط[/B]، وتدفعه للقيام [B]بالمزيد من الطاعات والعبادات والعمل المنتج[/B]، وهو عطاء مستمر لا ينقطع، [B]ومن ثمراته خروج المؤمن من الظلمات النفسيَّة والماديَّة إلى رحاب الحقِّ والحكمة والعمل الصالح[/B]، وهذا من رحمة الله بعباده وهو أرحم الراحمين.
      ـ في الدار الآخرة ـ يوم اللقاء العظيم مع حضرة الله ـ [B]يجد المؤمن كل سلام وتقدير ومحبَّة[/B]، مع التكريم في المُقَام، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      أعطيات الله تعالى سابقة لعباداتنا، فقد [B]رزقنا العقل [/B]لندرك عظمته وقدراته الخلاَّقة، [B]ووهبنا الحسَّ الروحي والفطرة السليمة[/B]، لنذوق حلاوة الإيمان، ومنحنا [B]أجساماً قويَّة[/B]، كاملة البنية، لنستعين بها على القيام بالعمل المطلوب منَّا، ولنسخِّرها مع جملة الطاقات الَّتي أودعها الله فينا [B]للتحرُّر من ظلمات الجهل والتقاليد[/B]، والخروج منها إلى [B]نور العلم والمعرفة واليقين[/B].
      ولما كان ذكر الله من أهم الأبواب الَّتي يَلِجُها المؤمن؛ للوصول إلى رحاب المعرفة الإلهيَّة، جاء الحضُّ عليه في آيات من القرآن الكريم، يفوق عددها عدد الآيات الَّتي تحضُّ على غيره من العبادات [B]المحدَّدة بأوقات معيَّنة[/B]، كما جاء الأمر [B]بالمداومة عليه في كل حين [/B]وعدم الانشغال عنه في أي حال من الأحوال، قال تعالى: [B]{..فاذكروا الله قِياماً وقُعوداً وعلى جُنُوبكم..}[/B] (4 النساء آية 103) فهو مطلوب بالليل والنهار، وفي البَرِّ أو البحر، في السفر أو الحضر، في الغنى أو الفقر، في الصحَّة أو السُّقم، في السرِّ أو الجَهْر، وعلى كل الأحوال.
      وليس الذكر مجرَّد تحريك للِّسان؛ بل هو [B]اتصال قلبي بالله، ونشاط روحي بنَّاء[/B]. والقلب الفارغ من الذكر يبقى [B]لاهياً حائراً مظلماً[/B]، ما لم يحصل له الاتصال بالله والأنس بمجالسته، فإذا امتلأ من نور ذكره، صحا صاحبه من لهوه، واهتدى بعد حيرته، [B]فأبصر طريقه وعلم من أين وإلى أين ينقل خطاه[/B]. ومن خير ما قيل في تصوير القلوب الخالية من الذكر والقلوب العامرة به، قول أحد العلماء العارفين:
      [B]قلـوب إذا منـه خلت فنفوس لأَحْرُف وسواس اللعين طروس [/B]
      [B]وإِن مُلِّئَت منه ومن نور ذكره فتلك بـدور أشـرقت وشـموس [/B]

      ولا يزال لسان العبد يلهج باسم الله حتَّى يحصل له الحضور الدائم معه، وحينها يفوز بالشـهود القلبي، [B]فلا يفتر عن مراقبة الله وذكره[/B]، إلى أن يحظى باليقين والطمأنينة المطلقَيْن، قال تعالى: [B]{الَّذين آمَنُوا وتَطْمَئِنُ قُلُوبُهم بذِكرِ الله ألاَ بذِكْرِ الله تَطمئِنُّ القُلوب}[/B] (13 الرعد آية 28) وإذا غلب الذكر على الذاكر [B]امتزج حبُّ المذكور بروحه[/B]، حتَّى تزول الحجب بينه وبين ربِّه، [B]ويلمس حقيقة وجوده بعين البصيرة[/B]، فيغدق عليه الحقُّ تعالى من العلوم والأنوار ما يليق بفضله وكرمه.
      ويجب أن يكون الذكر مقترناً بالتسبيح الَّذي هو تنزيه لله جلَّ وعلا عما لا يليق به من الصفات، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل التسبيح بقوله: [B]«من قال سبحان الله العظيم نَبتَ له غرس في الجنَّة»[/B] (أخرجه ابن مردويه). كما أخرج ابن أبي شيبة عن مصعب بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«إذا قال العبد: سبحان الله قالت الملائكة: وبحمده، وإذا قال: سبحان الله وبحمده، صلُّوا عليه»[/B]. وثواب الذكر هو صلاة الله وملائكته على العبد الذاكر المسبِّح لله [B]{هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيْكُم ومَلائِكَتُهُ..}، وصلاة الله رعاية لعبده، وعناية بأمره، ورفع لدرجاته، وصلاة الملائكة استغفار له ودعاء[/B]. وهذا من شأنه أن يخرجه من ظلمات الضلالة إلى نور الله؛ ونور الله واحد متَّصل شامل، وهو يشرق في قلوب المؤمنين، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرة التَّوحيد الَّتي يقوم عليها الوجود كله، وذلك أجرهم في الدنيا دار العمل، أمَّا أجرهم في الآخرة دار الجزاء فهو الأمان من عذاب الله يوم القيامة، والفوز بالأجر العظيم. والله واسع الرحمة بالمؤمنين حيث يقبل القليل من أعمالهم، ويعفو عن الكثير من ذنوبهم إذا أخلصوا وصدقوا في إيمانهم.
      [B]وتحيَّة المؤمنين الذاكرين يوم يلقون ربَّهم سلام[/B]؛ وهل هناك ما هو أجمل وأصفى من السَّلام؟ سلام من كلِّ خوف، ومن كلِّ تعب، ومن كلِّ كدٍّ، [B]سلام يتلقَّونه من الله تحمله إليهم الملائكة[/B]، وهم يدخلون عليهم من كلِّ باب، يبلِّغونهم التحيَّة العلويَّة، إلى جانب ما أَعَدَّ الله لهم من أجر كريم، فياله من تكريم.
      [B]سورة الزخرف(43)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ومن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحمنِ نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قرينٌ[/B](36)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن نور الله تعالى[B] يحصِّن قلب المؤمن ويضرب حوله سوراً منيعاً يصعب على الشيطان أن يخترقه[/B]، ولا يزال هذا السور قائماً ما اسـتقام الذاكر على ذكر الله تعالى. أمَّا من غفل عن الله وقطع اتصاله به، فهو أعزل أجرد لا حول له ولا قوَّة، [B]تغزوه نزغات الشيطان من شتَّى الاتجاهات[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      قضت سنَّة الله في الكون [B]أن يطرد النور الظلام[/B]، فما إن يظهر النور حتَّى يختفي الظلام، وبمجرَّد أن ينحسر النور وينطفئ، [B]يعود الظلام ليحلَّ من جديد[/B]. وبذرة النور الإلهي مزروعة في ساحة القلب الإنساني، وهي الفطرة الَّتي أودعها الله تعالى قلوب خلائقه، وهذه الساحة [B]تُشِعُّ وتضيء[/B]، وتنبض بالحياة الإيمانيَّة كلَّما مَسَّتها النفحات الإلهية، وتبقى هكذا مضيئة مشرقة [B]طالما بقي لها هذا الاتصال مع حضرة الله[/B]، فلا تكتنفها ظلمة أو غفلة.
      ولا يتحقَّق الاتصال بحضرة الله تعالى[B] إلا بكثرة ذكره[/B]، الَّذي تدخل ضمن دائرته بعض العبادات كالصَّلاة والحجِّ، وتندرج في أنواعه المداومة على قراءة القرآن الكريم بوعي وتبصُّر، وعندها تصبح ساحة القلب [B]مهبطاً للعلوم الربَّانية، وملتقى للأنوار الإلهيَّة[/B]، وبهذا يطمئنُّ القلب ويخشع، [B]وينقاد لأوامر الله [/B]بكل محبَّة ورغبة. أمَّا إذا أُهمل هذا القلب، وأعرض به صاحبه عن عطاء الله وتجلِّياته، [B]فإنه يغدو نفقاً للشيطان ينفذ من خلاله إلى أعماق نفسه، لينفث فيها سمومه وأفكاره، فيصبح أداة طيِّعة له[/B]، فقد أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«ما منكم من أحد إلا وقد وَكَّل الله به قرينه من الجن، قالوا: وإيَّاك يارسول الله؟ قال: وإيَّاي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».[/B] فكما أن الظلمات والنور لا يجتمعان في مكان واحد ووقت واحد، [B]كذلك فإن الشيطان لا يمكن أن يدخل قلباً استقرَّ فيه النور الإلهي[/B].
      فالقلب [B]إمَّا عرش للرحمن، وإمَّا عشٌّ للشيطان[/B]، والشقيُّ المحروم من أهمل قلبه، حتَّى جعل منه بؤرة، ينفث فيها الشيطان وساوسه وشروره، والسعيد الموفَّق من نظَّف سريرته، وطهَّر قلبه [B]فصار منزلاً لأنوار الله[/B]، وانتصر بذلك على شيطانه فابتعد عنه ولاذ بالفرار؛ كما كان شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الَّذي قال في حقِّه النبي صلى الله عليه وسلم : [B]«والله إن الشيطان ليفرُّ منك ياعمر»[/B] (رواه الشيخان).
      [B]سورة الأنفال(8)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{إنَّما المؤمنونَ الَّذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عليهِمْ آياتُهُ زادتْهُمْ إيماناً وعلى ربِّهِم يتوكَّلون[/B](2)[B]}[/B]
      [B]سورة الرعد(13)[/B]

      وقال أيضاً: [B]{الَّذين آمنوا وتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُم بذكْرِ الله ألا بذكْرِ الله تَطمئِنُّ القلوبُ[/B](28)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ للإيمان علائم وإشارات تدلُّ على صدق الإنسان في ادِّعائه؛ إنه لا يهدأ باله، [B]ولا تسكن نفسه إلا عندما يلزم محراب ذكر الله عزَّ وجل[/B]. وإذا ما سمع ذكره من غيره، وتليت عليه آياته انتابه شعور بعظمته وجلاله، [B]وسيطر عليه خشوع يمتزج به رجاء مرضاته[/B]، والوجل والخوف من حرمان رتبة القبول عنده.
      ـ غريزة الخوف هي إحدى الغرائز الفطرية في النفس البشريَّة، إلا أن التربية الإيمانيَّة [B]تهذِّبها وتوجِّهها نحو الله تعالى وحده[/B]، وتخلِّصها من الخوف ممَّا سواه، وليصبح الخوف من الله حافزاً للمؤمن وسبباً لطمأنينته، بدلاً من أن يكون عاملاً مثبِّطاً له.
      ـ [B]يجب أن تظهر ثمـرات الذكر والخشـية ـ الَّتي هي خـوف ممزوجٌ بالحـبِّ ـ في سـائر أعمالنا الخاصَّة والعامَّة[/B]، كانعكاسات إيمانيَّة طيِّبة لجمال هذا الذكر وصفاته.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      غريزة الخوف بمعناها الواسع مزروعة في أعماق النفس البشريَّة، غير أن التربية الإيمانيَّة تنظِّم هذه الغريزة وتوجِّهها كغيرها من الغرائز، حتَّى تبقى ضمن إطارها الصحيح [B]ليستفاد منها في إعمار قلب المؤمن بتقوى الله تعالى واستشعار عظمته وهيبته[/B]. والخوف من الله نوعٌ من السمو الروحي الَّذي يقرِّب الإنسان من خالقه سبحانه، فتراه [B]كلَّما ازداد منه خوفاً ازداد قرباً إليه [/B]لا هروباً. فالمؤمن الوَجِل من الله يخشى أن يخالف أوامره، ولا يغترُّ بالكثير من الأعمال والقربات الَّتي يقوم بها ابتغاء وجهه؛ بل يبقى خائفاً من عدم رضا الله عنها، وعدم اختتامها بخاتمة القبول، وقد قال تعالى في حقِّ هذا المؤمن وحقِّ من كان على شاكلته: [B]{والَّذين يُؤْتُون ما آتَوا وقُلوبُهُمْ وَجِلَةٌ أنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجعون * أولئك يُسَارِعُونَ في الخيراتِ وهُمْ لها سابقون}[/B] (23 المؤمنون آية 60ـ61) فكانت هذه الآيات أعظم شهادة لهم من الله، وأصدق تعبير عن حالهم، فهم يستصغرون كل عمل يعملونه من أجله، ويرون أنه أقلُّ بكثير ممَّا يتوجَّب عليهم من فروض الطاعة والولاء لخالقهم، فتراهم يتحرَّقون شوقاً للقيام بمزيد من الطاعات، والمسارعة في فعل الخيرات، ويتسابقون إلى الخير ولا يَدَعُون لحظة تمرُّ دون أن يشغلوها، بذكر أو عبادة أو عمل صالح، أو إصلاح بين الناس، أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، [B]فمن أحبَّ[/B][B]الله أحبَّ مخلوقاته حُبّاً به،[/B] لا فرق في ذلك بين إنسان وحيوان ونبات.
      والمؤمنون الذاكرون [B]صفوة مختارة من مخلوقات الله[/B]، تنتاب قلوبهم رعشة الإيمان المنعشة؛ كلَّما طرق سمعهم اسم الله، وتستيقظ فيهم عواطف متباينة لكنها سامية، نبيلة، [B]أدناها الحبُّ والشوق، وأعلاها الخوف والخشية[/B]، لأنهم يستشعرون عظمة من يقفون على بابه بشكل جليٍّ، وذلك لقوَّة إيمانهم، وشدَّة قربهم منه وكأنهم ماثلون بين يديه، قال تعالى: [B]{..وبَشِّر المُخْبِتِينَ * الَّذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَت قُلوبُهُم..}[/B] (22 الحج آية 34ـ35). وهؤلاء المخبتـون [B]ـ أي المتواضعـون المذعنون لله ـ[/B] الخاشـعون قد شـفَّت أرواحهم فارتقت، وصفت قلوبهم فاطمأنت، وإذا ما تناهى إلى سمع أحدهم [B]آية من آيات الله تتلى[/B]، تواضع وخشع، ولان قلبه وفاض دمعه، واستسلم بكليَّته إلى خالقه. وهذه صورة من صور[B] إعجاز القرآن الكريم في سرعة تأثيره في النفوس[/B]، وقوَّة جاذبيته لها؛ [B]إنه يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة[/B]، فإذا دخل نوره إلى القلب ذاق حلاوته، ووجد في كلماته النورانيَّة المنسجمة، [B]زيادة في الإيمان تبلغ درجة الاطمئنان[/B]. وقد وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة من أهل الكتاب عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال: [B]{وإذا سمعوا ما أُنْزِل إلى الرَّسُولِ ترى أعينَهُمْ تَفيضُ من الدَّمْعِ ممَّا عَرَفُوا من الحقِّ يقولونَ ربَّنا آمنَّا فاكْتُبْنَا مع الشَّاهِدِين}[/B] (5 المائدة آية 83) فمن عرف صغار شأنه أمام عظمة الله، آمن به وبما أرسله إيماناً نقيّاً خالياً من كلِّ شائبة،[B] فلا تسوِّل له نفسه أن يحيد عن دربه، ولا يسوِّغ له قلبه أن يشرك معه شيئاً من مخلوقاته، أو أن يتوكَّل على أحد منها في تصريف شؤونه وأحواله[/B]، بل يتوكَّل على الله وحده، ويبذل الأسباب الَّتي يملكها تنفيذاً لتعاليمه سبحانه وتعالى، في حسن التوكُّل، ثمَّ يفوِّض أمره إليه.
      [B]سورة الأعراف(7)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{واذكر ربَّكَ في نفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفَةً ودون الجهرِ من القولِ بالغُدُوِّ والآصال ولا تكن من الغافلين[/B](205)[B] إنَّ الَّذين عندَ ربِّكَ لا يستكبِرونَ عن عبادَتِهِ ويُسبِّحونَهُ وله يَسجُدون[/B](206)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ خير الذكر وأفضله [B]الذكر الممزوج بالخوف[/B]، الَّذي يصحبه [B]التضرُّع والتذلُّل لله[/B]، مع السكينة والخشية منه عزَّ وجل.
      ـ ذكر الله عبادة تتَّصف بكونها [B]دائمةً، ومطلقةً عن قيود الزمان والمكان[/B]، فأينما كان المؤمن [B]يجب أن يكون مع الله[/B]، وأيُّ وقت يمرُّ عليه يجب أن لا يغفل فيه عن ذكره، لاسيَّما في أوَّل نهاره وفي آخره، بالغدوِّ والآصال.
      ـ إن الملائكة الأطهار [B]لا يفترون عن هذه العبادة[/B]، ودأبهم التسبيح والسجود، شكراً لله على نعمائه، وتمجيداً لعظمته وكبريائه، [B]وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمن وحاله[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      في الآية الكريمة إرشاد وتوجيه إلى مداومة الذِّكر [B]النابض بالخوف والتضرُّع، الخافت الخفي[/B]، ويؤيِّد ذلك ما رواه أحمد وابن حبان عن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«خير الذِّكر الخفي»[/B]. فيستحسن للذاكر أن يكثر من خلوته بربِّه بعيداً عن أعين الناس، [B]استزادة في التأمُّل والتبتُّل، وابتعاداً عن الرِّياء والمفاخرة[/B]. والخلوةُ بالله هي [B]حضانة روحيَّة[/B]، وانقطاع عن كل العلائق المادية والمشاغل الدنيوية، حتَّى إذا بلغت الروح درجة عالية في الصفاء والرقي؛ [B]رجـع صاحبها إلى خوض غمار الدعوة إلى الله، والانتقال من مرحلة التأهُّل الذاتي إلى تأهيل الآخرين[/B]. وهذه الخلوة كانت [B]سنَّة جميع المرسلين[/B]، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر منها [B]في غار حراء[/B]، الَّذي كان الاعتكاف فيه بمثابة [B]الرَّحِمِ، الَّتي احتضنت روحه الشريفة[/B]، إلى أن اكتمل إعداده، وأصبح على استعداد لتلقِّي الوحي السماوي، والدعوة إلى دين الله.
      فإن لم يكن للمؤمن حظٌّ كبير من ذكر الله، الَّذي يمثِّل الغذاء الأساسي للروح، [B]خرج من الدنيا ولم يكتمل نموُّه الإيماني ونضجه الروحي[/B]، فلا تنطلق روحه في ملكوت السموات، [B]بل تبقى أسيرة العذاب والضيق والحرج[/B]، وفي ذلك قال [B]السيِّد المسيح عليه السَّلام: (لا يدخل ملكوت السموات من لم يولد ولادتين) [/B]أي الولادة الجسدية، والولادة الروحية. وذِكْرُ الله تعالى بوعي وخشوع، [B]طريق يسلكه الذاكرون[/B]، فتُفْتَح في وجوههم جميع الأبواب الموصدة، وتزول من أمامهم كلُّ الحُجب المانعة، [B]فيزول الوَقْرُ من الأسماع، وينجلي العمى عن البصائر، وتنقشع الظلمة عن القلوب والعقول[/B]. وعلى النقيض من ذلك حال الغافلين الَّذين أهملوا تغذية أرواحهم، وأسرفوا في الاهتمام بمتطلَّبات أجسادهم، فصدق فيهم قول الله تعالى: [B]{..لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبْصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعامِ بل هم أضلُّ أولئك هُمُ الغافلون}[/B] (7 الأعراف آية 179).
      وعندما يستحضر الذاكر جلال الله وعظمته، [B]ويهيمن عليه الشعور بالخوف من غضبه وعقابه، مع رجاء رحمته ومرضاته[/B]؛ تصفو روحه، ويرِّق قلبه فيتصل بالله، ويرتبط به برباط الحبِّ الَّذي يدفعه لمراقبته في جميع أحواله، وعدم الغفلة عنه ولو للحظة واحدة. وعندها يصل لأعلى مقامات القرب والشهود، ويتحقَّق بمقام الإحسان الَّذي عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [B]«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [/B](متفق عليه عن عمر رضي الله عنه ).
      [B]والله جليس الذاكرين[/B] ما ذكروه منفردين أو مجتمعين، مُسرِّين أو معلنين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [B]«يقول الله تعالى أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»[/B] (متفق عليه). وما من جماعة يجتمعون على ذكر الله إلا حفَّتهم الملائكة، [B]وذكرهم الله فيمن عنده[/B]، وعمَّهم بمغفرته ورحمته. روى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [B]«إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذِّكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عزَّ وجل، تنادَوْا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال: فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بهم، ما يقول عبادي: قالوا: يسبِّحونك ويكبِّرونك ويحمدونك ويمجِّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني: قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة وأشدَّ لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنَّة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ياربُّ ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً وأشدَّ لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فممَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فراراً وأشدَّ منها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»[/B].
      وأفضل أوقات الذِّكر طرفا النهار، حيث يُحسُّ الذاكر شدَّة ارتباطه بما حوله، ومن ثمَّ شدَّة ارتباطه بخالقه. [B]ومن افتتح نهاره بذكر الله، واختتمه به كان جديراً بأن يراقب الله ولا ينساه فيما بينهما[/B]، ولقد كثر في القرآن الكريم التوجيه إلى ذكر الله وتسبيحه، في الآونة الَّتي تشارك فيها ظواهر الكون، في التأثير على القلب البشري وترقيقه، وإرهافه، وتشويقه للاتصال بالله، قال تعالى: [B]{فاصبرْ على ما يقولونَ وسَبِّح بحمدِ ربِّك قبل طُلوعِ الشَّمسِ وقبل الغروب}[/B] (50 ق آية 39) وقال: [B]{واذكر اسمَ رَبِّك بُكْرَةً وأَصِيْلاً * ومن اللَّيلِ فاسجدْ له وسبِّحهُ ليلاً طويلاً}[/B] (76 الإنسان آية 25ـ26).
      وينبغي أن يقترن ذكر الله [B]بالصحوة الفكريَّة واليقظة الروحيَّة[/B]، فلا يذكره اللسان، ويغفل عنه القلب، فالإنسان أحوج ما يكون للاتصال بربِّه ليتقوَّى على نزغات الشيطان. فالله تعالى يقوِّي عزيمة عباده المؤمنين، ويشحذ همَّتهم لإحسان عبادته، والتوجُّه إليه، والاتصال به، فيزوِّدهم بما يغنيهم عمَّن سواه. ويضرب الله لعباده مثلاً بالملائكة الأطهار الَّذين هم دائبون على عبادته، يسبِّحونه، ويقدِّسونه، ويسجدون لجلاله، وقد اختصَّ السجود بالذِّكر [B]لأن العبد أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد[/B]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: ياويله! أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنَّة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ فلي النار» [/B](أخرجه مسلم وابن ماجه والبيهقي). وفي هذا قال أحد العارفين المحبِّين: [اعلم أنه لا شيء أنكأ على إبليس من ابن آدم في جميع أحواله في صلاته من سجوده، لأنه خطيئته، فكثرة السجود وتطويله [B]يحزن الشيطان وليس الإنسان بمعصوم من إبليس في صلاته إلا في سجوده[/B]، لأنه حينئذ يذكر الشيطان معصيته فيحزن، فيشتغل بنفسه عنك]، ولذلك أصبح دأب الشيطان المستمر، وشغله الشاغل الترصُّد للمؤمنين، والحيلولة بينهم وبين الذِّكر، قال تعالى: [B]{إنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينَكُمُ العداوَةَ والبَغْضَاءَ في الخمر والميسرِ ويَصُدَّكُم عن ذكرِ الله وعن الصَّلاة فهل أنتم مُنْتَهُون}[/B] (5 المائدة آية 91).
      وتُخبرنا الآية الكريمة بأن الملائكة الأطهار دائبون على تسبيح الله وذكره، لا يستكبرون عن عبادته ولا يقصِّرون. وهم الَّذين لا ينزغ في أنفسهم شيطان، ولا تستبدُّ بهم نزوة، ولا تغلبهم شهوة لأنهم مبرَّؤون من ذلك. فما أحوج الإنسان إلى الاقتداء بهم في كثرة ذكر الله وتسبيحه؛ وهو المخلوق الَّذي فُطِرَ على حبِّ الخير ولديه القابليَّة للشر، وفيه لمَّة من المَلَكِ ونزعة من الشيطان؛ فإنْ أَكثر من ذكر الله، [B]غلب عليه الخير واتَّصف بالصفات الملائكيَّة[/B]، وإن غفل عن ذكره تعالى، [B]تحكَّم به الشرُّ وصار الشيطان له قريناً[/B]، يأمره بالسوء والفحشاء، حتَّى يرديه في أودية الشقاء.
      [B]سورة الزُّمَر(39)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{أَفَمَنْ شَرَحَ الله صدرهُ للإسلامِ فهو على نُورٍ من رَبِّهِ فويلٌ للقاسيةِ قُلوبُهُم من ذكرِ الله أولئك في ضلالٍ مبين[/B](22)[B] الله نَزَّل أَحْسَن الحديثِ كتاباً متشابهاً مَثَانِيَ تقشَعِرُّ منه جلودُ الَّذين يخشونَ ربَّهُم ثمَّ تَلينُ جلودُهُمْ وقُلوبُهُمْ إلى ذكْرِ الله ذلك هُدى الله يهدي به من يشاءُ ومن يُضْلِلِ الله فما له من هَادٍ[/B](23)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن انشراح الصدر للإسلام يعني تفتُّح خلايا العقل والقلب والنفس، [B]لاستقبال العلم الإلهي المودع في رسالة الإسلام[/B]، ومن ثمَّ هضمه واستيعابه ليتمثَّل عملاً وأخلاقاً.
      ـ مَثَلُ القلوب القاسية الَّتي تراكمت عليها الحجب، وحالت دون وصول نور الله وهدايته إليها، فأضحت صلدة ميتة [B]كمثل البئر المهجورة الَّتي سدَّتها الصخور[/B]، فحالت دون نزول الغيث فيها، فجفَّت وغارت مياهها.
      ـ إن لذكر الله [B]حلاوة وعذوبة[/B] ترتعش لها أوصال الذاكر، وتُسْتقى منها برودة اليقين، وإن حلاوتها [B]لتزيد في كلِّ مرة [/B]أكثر من سابقتها.
      ـ من تعرَّض للهداية الإلهية وفتح لها مغاليق قلبه [B]أخذ بقسط وافر منها[/B]، ومن أعرض عنها [B]تشعَّبت به المسالك [/B]فلا هادي يرشده، ولا نور يضيء له الطريق.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      الكآبة والانقباض، والسرور والانشراح، [B]حالات متباينة ومختلفة تعتري النفس البشرية، وتعود في أصلها لأسباب كثيرة[/B]، قد تكون ظاهرة يسهل على الإنسان تحديدها ومعالجتها، وقد تكون خفيَّة وغامضة يصعب عليه معرفتها وإدراكها. والقرآن الكريم يعطينا من خلال هذه الآيات، [B]تفسيراً واضحاً لهذه الحالات[/B]، الَّتي تنتاب أحدنا فتجعله يشعر بالانشراح أو الانقباض؛ [B]فالانشراح [/B]علامة من علامات دخول النور للقلب المتصل بالله، أمَّا [B]الانقباض [/B]فهو أثر يخلِّفه البعد عن الله، والإعراض عن ذكره.
      وإن جوهر الإسلام نور إلهي يخترق حجب الصدور، ليشيع في القلوب [B]أجواء الراحة والسعادة النفسيَّة[/B]، وهذا النور القدسي عندما لا يجد في القلب مستقراً، [B]يعود من حيث أتى[/B]، تاركاً المُعرض عنه في ظلمات بعضها فوق بعض، ويصبح من العسير إزالتها. فالعاقل من يتفقَّد قلبه ويتأكَّد من سلامته من التلوُّث، ويراقب تقلُّباته خشية أن تتراكم عليه الآفات، فتحيله إلى قلب أجرد قاحل، لا ينبت إلا الشوك والضريع، [B]كما يسعى جاهداً لوقايته والمحافظة عليه بكثرة الذِّكر، الَّذي يستمطر به أنوار الله، فتتفجَّر ينابيع الحكمة المودعة في أعماقه على لسانه[/B]، وتتندَّى تربة هذا القلب فيشدُّها الحنين والشوق إلى بارئها، ويطلب صاحبها الصلة والوصال [B]بإرادة المحبِّ الظمآن، وبعزيمة العاشق الولهان[/B]!! فياحسرة على القاسية قلوبهم الَّذين إذا ذكر الله عندهم، وذُكِرَتْ دلائل قدرته وبدائع صنعته أمامهم، [B]أعرضت نفوسهم، وازدادت قلوبهم قسوة[/B]، فحُرموا من تذوُّق حلاوة الإيمان، مثلهم في ذلك كمثل المريض الَّذي تعاف نفسه أطايب الطعام. أخرج الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي»،[/B] وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«تُوْرِثُ القسوةَ في القلب ثلاثُ خصال: حبُّ الطعام، وحبُّ النوم، وحبُّ الراحة». [/B]وكما أن للقسوة أسبابها، [B]فللانشراح علاماته وأسبابه،[/B] أخرج الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: [B]«يارسول الله! أيُّ المؤمنين أَكْيَس؟ قال[/B]: [B]أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم له استعداداً، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع، فقال: وما آية ذلك يانبي الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».[/B]
      فالمؤمنون يتلقَّون القرآن الكريم بمحبَّة وقبول، لأنهم يوقنون أنه كتاب الله، الَّذي لا اختلاف في طبيعته، ولا في اتجاهاته، ولا في روحه، ولا في خصائصه، بل هو كلٌ متماسك، تتكرَّر مقاطعه وقصصه، وتوجيهاته ومشاهده، ولكنها لا تختلف ولا تتعارض، إنما تُعاد في مواضع متعددة، وفق حكمة تتحقَّق في الإعادة والتكرار في تناسق واستقرار، على أصول ثابتة متشابهة، لا تعارض فيها ولا اصطدام. والَّذين يخشون ربَّهم ويتَّقونه، ويعيشون في تطلُّع ورجاء، [B]يتلقَّون هذا الذِّكر في وجل وارتعاش، وفي تأثُّر شديد تقشعرُّ له الجلود، ثمَّ تهدأ نفوسهم، وتأنس قلوبهم بهذا الذِّكر[/B]، قال زيد بن أسلم: قرأ أُبَيُّ بن كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقُّوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [B]«اغتنموا الدُّعاء عند الرِّقة فإنها رحمة»[/B] (أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أُبي بن كعب)، وعن العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [B]«إذا اقشعرَّ جلد المؤمن من مخافة الله تحاتَّت عنه خطاياه كما يتحاتُّ عن الشجرة البالية ورقُها»[/B] (أخرجه البيهقي في الشعب والخطيب والبزار). وقال أحد المحبِّين الذاكرين: [ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة].
      وإن القلوب الطاهرة لترتعش حين تحرِّكها النفحات الإلهية نحو الهدى والاستجابة والإشراق، وهي على النقيض من قلوب الضالِّين الَّتي لا تقبل الهدى، ولا تجنح إليه؛ فتغدو قاسية غافلة لا تستشعر الأنوار الإلهية، ولا تتحسَّس العطايا الربانية.
      [B]سورة الحديد(57)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ألم يَأْنِ للَّذين آمنوا أن تخشعَ قُلوبُهُم لِذكْرِ الله وما نَزَلَ من الحقِّ ولا يكونوا كالَّذين أُوتوا الكتابَ من قبلُ فَطَالَ عليهِمُ الأمَدُ فقَسَتْ قُلوبُهُم وكثيرٌ منهم فاسقون[/B](16)[B] اعلموا أنَّ الله يُحيي الأرضَ بعد موتِها قد بيَّنَّا لكُمُ الآياتِ لعلَّكم تَعقلون[/B](17)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ لابدَّ للمؤمنين من شحذ هممهم [B]لاجتياز طريق الإيمان [/B]بمحبَّة الله تعالى وخشيته، حتَّى [B]تمتزج خلاياهم الروحية بأنواره القدسية[/B]، وتتفجَّر ينابيع عواطفهم [B]بذكره وتلاوة كتابه الكريم[/B].
      ـ لقد ابتعد الكثير من الناس عن المنابع الروحية لرسالات أنبيائهم ردحاً طويلاً من الزمن، [B]فتحجَّرت عواطفهم الإيمانية[/B]، وانحرفوا عن السلوك القويم الموصل إلى محبَّة الله تعالى ورضوانه.
      ـ إن الله تعالى قادر على أن [B]يحيي أرض القلوب بعد مواتها[/B].
      ـ تعاليم الله تعالى واضحة؛ فإذا [B]تدبَّرناها [/B]أدركنا ما فيها من خير ورشاد للفرد والمجتمع.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      بعض الصحابة الكرام توهَّجت قلوبهم بمحبَّة الله بمجرد مبايعتهم للنبي عليه السَّلام على الإسلام، ولم تمضِ عليهم أيَّام قليلة حتَّى تعرضوا لمختلف أنواع الابتلاء والتعذيب الجسدي، فصبروا وصابروا، ومنهم من استشهد، فما وهنوا ولا تراجعوا. وبعضهم الآخر أعلن إسلامه ظاهراً، ولم تنبض قلوبهم بروح الإسلام، [B]ولم تنصهر مشاعرهم بذكر الله[/B]، فكان عليهم أن يتنبَّهوا [B]لحسن إسلامهم[/B]، وإعمار قلوبهم بمحبَّة الله سبحانه وعشقه. [B]وهذه الآية تحمل لهم عتاباً مؤثِّراً من المولى الكريم[/B]، واستبطاءً لاستجابة قلوبهم الَّتي أفاض عليها من فضله، حيث بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم للإيمان، ونزَّل عليهم الآيات البيِّنات لتخرجهم من الظلمات إلى النور.
      إنه عتاب فيه ودٌّ ومحبَّة لاستثارة المشاعر بجلال الله والخشوع لذكره، وإلى جانب ذلك فيه [B]تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة[/B]، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ، [B]حين يمتدُّ بها الزمن دون جلاء[/B]، وما تنتهي إليه من القسوة، [B]حين تغفل عن ذكر الله[/B]، وما أشدَّ العذاب النفسي الَّذي يقع فيه من قسا قلبه بعد الإيمان! وما أخطر أن يقسوَ القلب فيفسق عن أمر الله، ويبتعد عن حوض عطائه النوراني الكريم. والعِبَرُ كثيرة في قسوة القلوب عند كثيرٍ من أتباع الرسالات السماوية، [B]الَّذين تحوَّلت عباداتهم إلى طقوس جوفاء، لا تنعش الروح ولا تغذِّي القلب[/B]؛ وكان جدير بهم أن يلتجئوا إلى الله تعالى، الَّذي يليِّن أرض القلوب بعد قسوتها، كما يحيي التربة بعد موتها.
      فلنسرع إلى مجالس الذِّكر والإيمان، [B]مجالس الحبِّ في الله مع الأولياء الصالحين[/B]، حيث تنتعش القلوب بالتجلِّيات الربَّانية والنفحات الإلهية، ولنسرع إلى [B]صلوات الجماعة[/B] ففيها عطاء وبركة، وإلى[B] كتاب الله[/B] نتدارس آياته بوعي وفهم، بعشق وحنين، ليتفتَّح ورد الإيمان، وتزهر أغصان العمل. عن مالك بن أنس أنه قال: بلغني أن عيسى عليه السَّلام قال لقومه: ([B]لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله تعالى، فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا فيها كأنكم عبيد، فإنَّما الناس رجلان معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية[/B]).
      [B]سورة البقرة(2)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ثُمَّ قَسَت قُلوبُكُم من بَعدِ ذلك فهي كالِحجارةِ أو أشَدُّ قَسوَةً وإنَّ من الحِجَارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأَنهَارُ وإنَّ منها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخرُجُ مِنهُ الماءُ وإنَّ منها لَما يَهبِطُ من خَشيَةِ الله وما الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ[/B](74)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ وصف الله تعالى قلوب الغافلين عن ذكره، بالصلابة والغلظة، [B]بسبب ما تراكم عليها من ظلمات المعاصي والذنوب[/B]، فصارت لا تتأثر بالعظات والمعجزات الإلهية [B]الَّتي تَلِيْنُ لها الصخور الصلدة[/B].
      ـ [B]إن قلوب الغافلين أكثر عقماً من الحجارة[/B]، بل الحجارة خير منها، إذ أن بعضها مكامن للماء، تتفجَّر منها الينابيع وتحمل الخير للجميع، وبعضها الآخر يلين ويتشقق لقلَّة صلابته، [B]بينما قلوب هؤلاء صمَّاءُ قاسية، لا يرجى منها خير، وما كانوا كذلك إلا لانقطاعهم عن الله[/B].
      ـ الله تعالى عليم بمخلوقاته، [B]لا يغفل عن عمل مهما صغر شأنه[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      الإنسان مخلوق بديع التكوين، معقَّد التركيب، يتألَّف من عناصر مختلفة متباينة لكنها متكاملة منسجمة، تترك بَصَماتها الواضحة على سـلوكه وانفعالاته. فهو [B]جسدٌ مادِّي ينتمي إلى الأرض، وروح تنتمي إلى ملكوت السموات وعالم الغيب[/B]، ومن جهة أخرى فهو يخضع لقوى يشدُّه بعضها إلى الأرض ـ منشأ جسده ـ وبعضها الآخر إلى الأعالي، حيث مصدر روحه، [B]وفي خضمِّ ذلك تدور صراعات عنيفة في داخله[/B]، يديرها ويتحكم فيها طرفان هما [B]العقل والقلب[/B] من جهة، [B]والنفس والأهواء[/B] من جهة أخرى، [B]وإن نتيجة هذا الصراع هي الَّتي تحدِّد الملامح الخاصَّة الَّتي تميِّز شخصية كلِّ إنسان[/B].
      فالشخصية الإنسانية تُصَنَّفُ في أنماط مختلفة، وفقاً لما يعتلج في وجدانها من البواعث والانفعالات، الَّتي تؤثِّر وتتأثَّر من خلالها بما حولها. والناس يتدرَّجون في الرقي والسمو، تبعاً للكيفية والمقدار الَّذي تتجاوب فيه عقولهم وقلوبهم مع شريعة الله، فأدنى الناس درجةً هم أولئك الَّذين يكادون يتساوون مع الجماد لقسوة قلوبهم؛ الَّتي لا تلين أمام آلاء الله ومعجزاته العظيمة، فلا خير يرجى منهم، لأنفسهم أو لمن حولهم، [B]وهم بذلك يضربون مثلاً سيِّئاً في التصلُّب والقسوة يفوق قسوة الحجارة[/B]؛ إذ أنَّ الحجارة ليست كلَّها صمَّاء عقيمة، بل إنَّ بعضها قد يكون مصدراً للخير والعطاء. ويُهيب تعالى بهؤلاء أن يتفكَّروا في خلق هذه الحجارة، الَّتي تتفاوت من حيث تكوينها والدور الَّذي خلقت من أجله، فإنَّ منها ما تتفجَّر منه العيون الصافية، جداول وأنهاراً وفيرة غزيرة، تحمل [B]أسباب استمرار الحياة إلى سائر المخلوقات[/B]، ومنها ما تنساب منه المياه بشكل يسير ضئيل، لكنه [B]يطفئ ظمأ العطشى ويلبِّي حاجاتهم[/B]، ومنها ما يمضي عليه ردحٌ من الزمن مثبت إلى الأرض كالجبال الشامخة، حتَّى إذا أراد الله بها أمراً [B]تكسَّرت وهبطت من علو[/B]، كما أصاب الجبل حين تبدَّى له نور الله أثناء مناجاة موسى عليه السَّلام فخشع وتصدَّع من هيبة الله وجلاله.
      ولعـلَّ أولئـك يدركون ـ إذا ما تفكَّروا في ذلـك كلِّه ـ أنَّ مخلوقات الله جميعاً هي مصدر خير لهذا الكون، وإن تفاوت مقداره بينها، [B]وحريٌّ بالإنسان أن يكون مصدراً للخير على الدوام[/B]، [B]لأنه مؤهَّل بما لم يؤهَّل به غيره من سائر المخلوقات، فهو أكرم الخلق على الله عزَّ وجل[/B]، لذلك نجد بين الناس من هو [B]منيب إلى الله[/B]، داعٍ إلى صراطه المستقيم، يضمُّ بين جوارحه [B]نفساً لوَّامة توَّاقة إلى لقاء الله عزَّ وجل[/B]، وقلباً نابضاً بذكر الله يفيض بالخير والعطاء على من حوله، [B]فتحيا قلوب الناس به[/B]، ومنهم أيضاً من لا يطيق الذنوب ويكثر من الاستغفار،[B] فهو في عداد التائبين، تفيض عيناه بالدمع عند تذكُّرِ ضعفه أمام قوَّة الله، والتفكُّر في ذنبه أمام سعة رحمة الله وغفرانه[/B]، ومنهم من لا يتحرك قلبه بالإيمان، ولا تستكين جوارحه لعظمة الله وجبروته، إلا إذا واجهته المحن وضاقت به السبل، عندها تنطلق صيحة الرجاء من أعماقه لحضرة الله طالبة النجاة، لأنه [B]إنسان غافل يحتاج إلى هزَّة عنيفة[/B]، توقظ مشاعره وتفتِّح بصيرته، ليستفيق ويعود إلى سبيل الرشاد.
      فمعيار الخير في ذات الإنسان إذن، [B]هو مقدار الحبِّ والإيمان وذِكْر الله الَّذي يعمر قلبه،[/B] وقد شَبَّهَتِ الآية [B]القلب بالنبع[/B]، [B]لأنهما كلاهما يشتركان بخاصيَّة التدفُّق ونشر الحياة، فإذا تدفَّق القلب بالحبِّ والإيمان عمَّر ما حوله بالنور والخير، وإذا تدفَّق النبع بالمياه العذبة حوَّل الصحارى القاحلة إلى واحات خضراء[/B]. وإن جفاف القلب كذلك يشبه جفاف النبع، فمن جفَّ قلبه فقد نضب من ماء محبَّة الله تعالى، وماء محبَّة الخلق، [B]فعاش بجسد حيٍّ وقلب ميت[/B]، فلا ينفع نفسه ولا ينفع غيره.
      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • [B]التربية الروحيَّة في الإسلام[/B]

      [B][B]مقدمَّة:[/B]
      لم يقتصر دين الإسلام على مجرَّد الدعوة للإيمان بالله فحسب؛ بل جاء للناس بمنهج تربوي كامل وشامل، [B]لشتَّى فروع التربية الَّتي تستند إليها المجتمعات الإنسانية، في عمليَّة التقدُّم والتطوُّر نحو الأفضل[/B]، وفي سـبيل تحقيق ما يصبو إليه أفرادها من سعادة ونجاح، وطمأنينة وسلام.
      [B]إن التربية الروحيَّة نواة التربية الإسلامية وجوهرها[/B]، وقد قامت على [B]قواعد قويَّة، وأسس متينة [/B]من شأنها توطيد أواصر الصلة بين المسلم وربِّه، وربط أسباب دنياه بأسباب آخرته. وقد رافقتها [B]التربية الأخلاقية كظلِّها[/B]، ثمَّ أُكملتا [B]بالتربية الاجتماعية[/B]، الَّتي كانت بمثابة الطابق الثالث في بناء التربية في الإسلام. وإن أهمَّ طاقة تنير هذا البناء : [B]دوام ذكر الله وتسبيحه، وتلاوة كتابه، والاستقامة على عبادته، والتضرُّع إليه بالدعاء[/B].
      إن من أبرز سمات تربية الإسلام الروحية، الاعتدال والتوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وأقرب مثال على ذلك العبادات الَّتي تُعنى بالجانبين الروحي والمادي في الإنسان، وقد جُعلت متنوِّعة ومتكرِّرة [B]ليبقى المسلم على طهارة روحية متجدِّدة تقرِّبه من الله[/B]، وتجذبه إليه كلَّما نأت به ماديَّات الحياة بعيداً عن الحضرة الإلهية.
      وقد ظهرت ميزة الاعتدال بشكل أوضح في كثير من الآيات القرآنية؛ ففي طائفة منها نجد حضّاً للمؤمنين على طلب المنزلتين الروحيَّة والماديَّة معاً كقوله تعالى: [B]{وابْتَغِ فيما آتاكَ الله الدَّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ من الدُّنيا وأَحْسِن كما أَحْسَن الله إليك ولاتَبْغِ الفَسادَ في الأَرضِ إنَّ الله لا يحبُ المُفسِدينَ}[/B] (28 القصص آية 77).
      وفي طائفة أخرى من الآيات يرشد الله المؤمنين لكي يَجْمَعوا في دعائهم بين طلب الدنيا وطلب الآخرة وذلك في قوله جلَّ وعلا: [B]{..فَمِنَ النَّاسِ من يقول ربَّنَا آتِنَا في الدُّنيا وما له في الآخرةِ من خَلاق * ومنهم من يقولُ ربَّنا آتِنَا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّار * أولئك لهم نصيبٌ ممَّا كَسَبُوا والله سريعُ الحِساب}[/B] (2 البقرة آية 200ـ202). [B]فالوسطيَّة [/B]بين الروحانيَّة المتطرِّفة، والماديَّة المفرطة الجامحة، أمر تستدعيه حياة المجتمع، والإسلام هو الَّذي تحقَّقت فيه هذه الميزة، وتفرَّد بها عن غيره، قال تعالى: [B]{وكَذلكَ جَعَلنَاكُم أمَّة وَسَطاً..} [/B](2 البقرة آية 143).

      وفي هذا الباب سنتناول أبرز الدعائم الَّتي قامت عليها تربية الروح في الإسلام، ونوجزها ضمن عدد من الفصول، ثمَّ ننتقل إلى التربية الأخلاقية في الإسلام بإذن الله.

      [B]الفصل الأوَّل:[/B]
      [B]ذكر الله وحسن الصلة به[/B]
      [B]سورة الأحزاب(33)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ياأيُّها الَّذين آمنوا اذكروا الله ذِكراً كثيراً[/B](41)[B] وسبِّحوه بُكْرَةً وأصيلا[/B](42)[B] هوَ الَّذي يُصلِّي عليكُمْ وملائِكَتُهُ ليخرجَكُم من الظُّلمات إلى النُّورِ وكان بالمؤمنين رحيماً[/B](43)[B] تحيَّتُهُمْ يومَ يَلْقَونَهُ سلامٌ وأَعدَّ لهم أجراً كريماً[/B](44)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن ذكر الله تعالى هو [B]قوام الحياة الروحية[/B]، وهو العنصر الفعَّال الَّذي يتفاعل داخل كيان الذاكر، ويتَّحد مع ذرَّات القلب [B]ليتحوَّل إلى طاقة نورانيَّة ربانيَّة[/B]، تولِّد في روح المؤمن [B]القوَّة والنشاط[/B]، وتدفعه للقيام [B]بالمزيد من الطاعات والعبادات والعمل المنتج[/B]، وهو عطاء مستمر لا ينقطع، [B]ومن ثمراته خروج المؤمن من الظلمات النفسيَّة والماديَّة إلى رحاب الحقِّ والحكمة والعمل الصالح[/B]، وهذا من رحمة الله بعباده وهو أرحم الراحمين.
      ـ في الدار الآخرة ـ يوم اللقاء العظيم مع حضرة الله ـ [B]يجد المؤمن كل سلام وتقدير ومحبَّة[/B]، مع التكريم في المُقَام، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      أعطيات الله تعالى سابقة لعباداتنا، فقد [B]رزقنا العقل [/B]لندرك عظمته وقدراته الخلاَّقة، [B]ووهبنا الحسَّ الروحي والفطرة السليمة[/B]، لنذوق حلاوة الإيمان، ومنحنا [B]أجساماً قويَّة[/B]، كاملة البنية، لنستعين بها على القيام بالعمل المطلوب منَّا، ولنسخِّرها مع جملة الطاقات الَّتي أودعها الله فينا [B]للتحرُّر من ظلمات الجهل والتقاليد[/B]، والخروج منها إلى [B]نور العلم والمعرفة واليقين[/B].
      ولما كان ذكر الله من أهم الأبواب الَّتي يَلِجُها المؤمن؛ للوصول إلى رحاب المعرفة الإلهيَّة، جاء الحضُّ عليه في آيات من القرآن الكريم، يفوق عددها عدد الآيات الَّتي تحضُّ على غيره من العبادات [B]المحدَّدة بأوقات معيَّنة[/B]، كما جاء الأمر [B]بالمداومة عليه في كل حين [/B]وعدم الانشغال عنه في أي حال من الأحوال، قال تعالى: [B]{..فاذكروا الله قِياماً وقُعوداً وعلى جُنُوبكم..}[/B] (4 النساء آية 103) فهو مطلوب بالليل والنهار، وفي البَرِّ أو البحر، في السفر أو الحضر، في الغنى أو الفقر، في الصحَّة أو السُّقم، في السرِّ أو الجَهْر، وعلى كل الأحوال.
      وليس الذكر مجرَّد تحريك للِّسان؛ بل هو [B]اتصال قلبي بالله، ونشاط روحي بنَّاء[/B]. والقلب الفارغ من الذكر يبقى [B]لاهياً حائراً مظلماً[/B]، ما لم يحصل له الاتصال بالله والأنس بمجالسته، فإذا امتلأ من نور ذكره، صحا صاحبه من لهوه، واهتدى بعد حيرته، [B]فأبصر طريقه وعلم من أين وإلى أين ينقل خطاه[/B]. ومن خير ما قيل في تصوير القلوب الخالية من الذكر والقلوب العامرة به، قول أحد العلماء العارفين:
      [B]قلـوب إذا منـه خلت فنفوس لأَحْرُف وسواس اللعين طروس [/B]
      [B]وإِن مُلِّئَت منه ومن نور ذكره فتلك بـدور أشـرقت وشـموس [/B]

      ولا يزال لسان العبد يلهج باسم الله حتَّى يحصل له الحضور الدائم معه، وحينها يفوز بالشـهود القلبي، [B]فلا يفتر عن مراقبة الله وذكره[/B]، إلى أن يحظى باليقين والطمأنينة المطلقَيْن، قال تعالى: [B]{الَّذين آمَنُوا وتَطْمَئِنُ قُلُوبُهم بذِكرِ الله ألاَ بذِكْرِ الله تَطمئِنُّ القُلوب}[/B] (13 الرعد آية 28) وإذا غلب الذكر على الذاكر [B]امتزج حبُّ المذكور بروحه[/B]، حتَّى تزول الحجب بينه وبين ربِّه، [B]ويلمس حقيقة وجوده بعين البصيرة[/B]، فيغدق عليه الحقُّ تعالى من العلوم والأنوار ما يليق بفضله وكرمه.
      ويجب أن يكون الذكر مقترناً بالتسبيح الَّذي هو تنزيه لله جلَّ وعلا عما لا يليق به من الصفات، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل التسبيح بقوله: [B]«من قال سبحان الله العظيم نَبتَ له غرس في الجنَّة»[/B] (أخرجه ابن مردويه). كما أخرج ابن أبي شيبة عن مصعب بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«إذا قال العبد: سبحان الله قالت الملائكة: وبحمده، وإذا قال: سبحان الله وبحمده، صلُّوا عليه»[/B]. وثواب الذكر هو صلاة الله وملائكته على العبد الذاكر المسبِّح لله [B]{هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيْكُم ومَلائِكَتُهُ..}، وصلاة الله رعاية لعبده، وعناية بأمره، ورفع لدرجاته، وصلاة الملائكة استغفار له ودعاء[/B]. وهذا من شأنه أن يخرجه من ظلمات الضلالة إلى نور الله؛ ونور الله واحد متَّصل شامل، وهو يشرق في قلوب المؤمنين، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرة التَّوحيد الَّتي يقوم عليها الوجود كله، وذلك أجرهم في الدنيا دار العمل، أمَّا أجرهم في الآخرة دار الجزاء فهو الأمان من عذاب الله يوم القيامة، والفوز بالأجر العظيم. والله واسع الرحمة بالمؤمنين حيث يقبل القليل من أعمالهم، ويعفو عن الكثير من ذنوبهم إذا أخلصوا وصدقوا في إيمانهم.
      [B]وتحيَّة المؤمنين الذاكرين يوم يلقون ربَّهم سلام[/B]؛ وهل هناك ما هو أجمل وأصفى من السَّلام؟ سلام من كلِّ خوف، ومن كلِّ تعب، ومن كلِّ كدٍّ، [B]سلام يتلقَّونه من الله تحمله إليهم الملائكة[/B]، وهم يدخلون عليهم من كلِّ باب، يبلِّغونهم التحيَّة العلويَّة، إلى جانب ما أَعَدَّ الله لهم من أجر كريم، فياله من تكريم.
      [B]سورة الزخرف(43)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ومن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحمنِ نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قرينٌ[/B](36)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن نور الله تعالى[B] يحصِّن قلب المؤمن ويضرب حوله سوراً منيعاً يصعب على الشيطان أن يخترقه[/B]، ولا يزال هذا السور قائماً ما اسـتقام الذاكر على ذكر الله تعالى. أمَّا من غفل عن الله وقطع اتصاله به، فهو أعزل أجرد لا حول له ولا قوَّة، [B]تغزوه نزغات الشيطان من شتَّى الاتجاهات[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      قضت سنَّة الله في الكون [B]أن يطرد النور الظلام[/B]، فما إن يظهر النور حتَّى يختفي الظلام، وبمجرَّد أن ينحسر النور وينطفئ، [B]يعود الظلام ليحلَّ من جديد[/B]. وبذرة النور الإلهي مزروعة في ساحة القلب الإنساني، وهي الفطرة الَّتي أودعها الله تعالى قلوب خلائقه، وهذه الساحة [B]تُشِعُّ وتضيء[/B]، وتنبض بالحياة الإيمانيَّة كلَّما مَسَّتها النفحات الإلهية، وتبقى هكذا مضيئة مشرقة [B]طالما بقي لها هذا الاتصال مع حضرة الله[/B]، فلا تكتنفها ظلمة أو غفلة.
      ولا يتحقَّق الاتصال بحضرة الله تعالى[B] إلا بكثرة ذكره[/B]، الَّذي تدخل ضمن دائرته بعض العبادات كالصَّلاة والحجِّ، وتندرج في أنواعه المداومة على قراءة القرآن الكريم بوعي وتبصُّر، وعندها تصبح ساحة القلب [B]مهبطاً للعلوم الربَّانية، وملتقى للأنوار الإلهيَّة[/B]، وبهذا يطمئنُّ القلب ويخشع، [B]وينقاد لأوامر الله [/B]بكل محبَّة ورغبة. أمَّا إذا أُهمل هذا القلب، وأعرض به صاحبه عن عطاء الله وتجلِّياته، [B]فإنه يغدو نفقاً للشيطان ينفذ من خلاله إلى أعماق نفسه، لينفث فيها سمومه وأفكاره، فيصبح أداة طيِّعة له[/B]، فقد أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«ما منكم من أحد إلا وقد وَكَّل الله به قرينه من الجن، قالوا: وإيَّاك يارسول الله؟ قال: وإيَّاي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».[/B] فكما أن الظلمات والنور لا يجتمعان في مكان واحد ووقت واحد، [B]كذلك فإن الشيطان لا يمكن أن يدخل قلباً استقرَّ فيه النور الإلهي[/B].
      فالقلب [B]إمَّا عرش للرحمن، وإمَّا عشٌّ للشيطان[/B]، والشقيُّ المحروم من أهمل قلبه، حتَّى جعل منه بؤرة، ينفث فيها الشيطان وساوسه وشروره، والسعيد الموفَّق من نظَّف سريرته، وطهَّر قلبه [B]فصار منزلاً لأنوار الله[/B]، وانتصر بذلك على شيطانه فابتعد عنه ولاذ بالفرار؛ كما كان شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الَّذي قال في حقِّه النبي صلى الله عليه وسلم : [B]«والله إن الشيطان ليفرُّ منك ياعمر»[/B] (رواه الشيخان).
      [B]سورة الأنفال(8)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{إنَّما المؤمنونَ الَّذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عليهِمْ آياتُهُ زادتْهُمْ إيماناً وعلى ربِّهِم يتوكَّلون[/B](2)[B]}[/B]
      [B]سورة الرعد(13)[/B]

      وقال أيضاً: [B]{الَّذين آمنوا وتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُم بذكْرِ الله ألا بذكْرِ الله تَطمئِنُّ القلوبُ[/B](28)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ للإيمان علائم وإشارات تدلُّ على صدق الإنسان في ادِّعائه؛ إنه لا يهدأ باله، [B]ولا تسكن نفسه إلا عندما يلزم محراب ذكر الله عزَّ وجل[/B]. وإذا ما سمع ذكره من غيره، وتليت عليه آياته انتابه شعور بعظمته وجلاله، [B]وسيطر عليه خشوع يمتزج به رجاء مرضاته[/B]، والوجل والخوف من حرمان رتبة القبول عنده.
      ـ غريزة الخوف هي إحدى الغرائز الفطرية في النفس البشريَّة، إلا أن التربية الإيمانيَّة [B]تهذِّبها وتوجِّهها نحو الله تعالى وحده[/B]، وتخلِّصها من الخوف ممَّا سواه، وليصبح الخوف من الله حافزاً للمؤمن وسبباً لطمأنينته، بدلاً من أن يكون عاملاً مثبِّطاً له.
      ـ [B]يجب أن تظهر ثمـرات الذكر والخشـية ـ الَّتي هي خـوف ممزوجٌ بالحـبِّ ـ في سـائر أعمالنا الخاصَّة والعامَّة[/B]، كانعكاسات إيمانيَّة طيِّبة لجمال هذا الذكر وصفاته.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      غريزة الخوف بمعناها الواسع مزروعة في أعماق النفس البشريَّة، غير أن التربية الإيمانيَّة تنظِّم هذه الغريزة وتوجِّهها كغيرها من الغرائز، حتَّى تبقى ضمن إطارها الصحيح [B]ليستفاد منها في إعمار قلب المؤمن بتقوى الله تعالى واستشعار عظمته وهيبته[/B]. والخوف من الله نوعٌ من السمو الروحي الَّذي يقرِّب الإنسان من خالقه سبحانه، فتراه [B]كلَّما ازداد منه خوفاً ازداد قرباً إليه [/B]لا هروباً. فالمؤمن الوَجِل من الله يخشى أن يخالف أوامره، ولا يغترُّ بالكثير من الأعمال والقربات الَّتي يقوم بها ابتغاء وجهه؛ بل يبقى خائفاً من عدم رضا الله عنها، وعدم اختتامها بخاتمة القبول، وقد قال تعالى في حقِّ هذا المؤمن وحقِّ من كان على شاكلته: [B]{والَّذين يُؤْتُون ما آتَوا وقُلوبُهُمْ وَجِلَةٌ أنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجعون * أولئك يُسَارِعُونَ في الخيراتِ وهُمْ لها سابقون}[/B] (23 المؤمنون آية 60ـ61) فكانت هذه الآيات أعظم شهادة لهم من الله، وأصدق تعبير عن حالهم، فهم يستصغرون كل عمل يعملونه من أجله، ويرون أنه أقلُّ بكثير ممَّا يتوجَّب عليهم من فروض الطاعة والولاء لخالقهم، فتراهم يتحرَّقون شوقاً للقيام بمزيد من الطاعات، والمسارعة في فعل الخيرات، ويتسابقون إلى الخير ولا يَدَعُون لحظة تمرُّ دون أن يشغلوها، بذكر أو عبادة أو عمل صالح، أو إصلاح بين الناس، أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، [B]فمن أحبَّ[/B][B]الله أحبَّ مخلوقاته حُبّاً به،[/B] لا فرق في ذلك بين إنسان وحيوان ونبات.
      والمؤمنون الذاكرون [B]صفوة مختارة من مخلوقات الله[/B]، تنتاب قلوبهم رعشة الإيمان المنعشة؛ كلَّما طرق سمعهم اسم الله، وتستيقظ فيهم عواطف متباينة لكنها سامية، نبيلة، [B]أدناها الحبُّ والشوق، وأعلاها الخوف والخشية[/B]، لأنهم يستشعرون عظمة من يقفون على بابه بشكل جليٍّ، وذلك لقوَّة إيمانهم، وشدَّة قربهم منه وكأنهم ماثلون بين يديه، قال تعالى: [B]{..وبَشِّر المُخْبِتِينَ * الَّذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَت قُلوبُهُم..}[/B] (22 الحج آية 34ـ35). وهؤلاء المخبتـون [B]ـ أي المتواضعـون المذعنون لله ـ[/B] الخاشـعون قد شـفَّت أرواحهم فارتقت، وصفت قلوبهم فاطمأنت، وإذا ما تناهى إلى سمع أحدهم [B]آية من آيات الله تتلى[/B]، تواضع وخشع، ولان قلبه وفاض دمعه، واستسلم بكليَّته إلى خالقه. وهذه صورة من صور[B] إعجاز القرآن الكريم في سرعة تأثيره في النفوس[/B]، وقوَّة جاذبيته لها؛ [B]إنه يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة[/B]، فإذا دخل نوره إلى القلب ذاق حلاوته، ووجد في كلماته النورانيَّة المنسجمة، [B]زيادة في الإيمان تبلغ درجة الاطمئنان[/B]. وقد وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة من أهل الكتاب عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال: [B]{وإذا سمعوا ما أُنْزِل إلى الرَّسُولِ ترى أعينَهُمْ تَفيضُ من الدَّمْعِ ممَّا عَرَفُوا من الحقِّ يقولونَ ربَّنا آمنَّا فاكْتُبْنَا مع الشَّاهِدِين}[/B] (5 المائدة آية 83) فمن عرف صغار شأنه أمام عظمة الله، آمن به وبما أرسله إيماناً نقيّاً خالياً من كلِّ شائبة،[B] فلا تسوِّل له نفسه أن يحيد عن دربه، ولا يسوِّغ له قلبه أن يشرك معه شيئاً من مخلوقاته، أو أن يتوكَّل على أحد منها في تصريف شؤونه وأحواله[/B]، بل يتوكَّل على الله وحده، ويبذل الأسباب الَّتي يملكها تنفيذاً لتعاليمه سبحانه وتعالى، في حسن التوكُّل، ثمَّ يفوِّض أمره إليه.
      [B]سورة الأعراف(7)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{واذكر ربَّكَ في نفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفَةً ودون الجهرِ من القولِ بالغُدُوِّ والآصال ولا تكن من الغافلين[/B](205)[B] إنَّ الَّذين عندَ ربِّكَ لا يستكبِرونَ عن عبادَتِهِ ويُسبِّحونَهُ وله يَسجُدون[/B](206)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ خير الذكر وأفضله [B]الذكر الممزوج بالخوف[/B]، الَّذي يصحبه [B]التضرُّع والتذلُّل لله[/B]، مع السكينة والخشية منه عزَّ وجل.
      ـ ذكر الله عبادة تتَّصف بكونها [B]دائمةً، ومطلقةً عن قيود الزمان والمكان[/B]، فأينما كان المؤمن [B]يجب أن يكون مع الله[/B]، وأيُّ وقت يمرُّ عليه يجب أن لا يغفل فيه عن ذكره، لاسيَّما في أوَّل نهاره وفي آخره، بالغدوِّ والآصال.
      ـ إن الملائكة الأطهار [B]لا يفترون عن هذه العبادة[/B]، ودأبهم التسبيح والسجود، شكراً لله على نعمائه، وتمجيداً لعظمته وكبريائه، [B]وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمن وحاله[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      في الآية الكريمة إرشاد وتوجيه إلى مداومة الذِّكر [B]النابض بالخوف والتضرُّع، الخافت الخفي[/B]، ويؤيِّد ذلك ما رواه أحمد وابن حبان عن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«خير الذِّكر الخفي»[/B]. فيستحسن للذاكر أن يكثر من خلوته بربِّه بعيداً عن أعين الناس، [B]استزادة في التأمُّل والتبتُّل، وابتعاداً عن الرِّياء والمفاخرة[/B]. والخلوةُ بالله هي [B]حضانة روحيَّة[/B]، وانقطاع عن كل العلائق المادية والمشاغل الدنيوية، حتَّى إذا بلغت الروح درجة عالية في الصفاء والرقي؛ [B]رجـع صاحبها إلى خوض غمار الدعوة إلى الله، والانتقال من مرحلة التأهُّل الذاتي إلى تأهيل الآخرين[/B]. وهذه الخلوة كانت [B]سنَّة جميع المرسلين[/B]، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر منها [B]في غار حراء[/B]، الَّذي كان الاعتكاف فيه بمثابة [B]الرَّحِمِ، الَّتي احتضنت روحه الشريفة[/B]، إلى أن اكتمل إعداده، وأصبح على استعداد لتلقِّي الوحي السماوي، والدعوة إلى دين الله.
      فإن لم يكن للمؤمن حظٌّ كبير من ذكر الله، الَّذي يمثِّل الغذاء الأساسي للروح، [B]خرج من الدنيا ولم يكتمل نموُّه الإيماني ونضجه الروحي[/B]، فلا تنطلق روحه في ملكوت السموات، [B]بل تبقى أسيرة العذاب والضيق والحرج[/B]، وفي ذلك قال [B]السيِّد المسيح عليه السَّلام: (لا يدخل ملكوت السموات من لم يولد ولادتين) [/B]أي الولادة الجسدية، والولادة الروحية. وذِكْرُ الله تعالى بوعي وخشوع، [B]طريق يسلكه الذاكرون[/B]، فتُفْتَح في وجوههم جميع الأبواب الموصدة، وتزول من أمامهم كلُّ الحُجب المانعة، [B]فيزول الوَقْرُ من الأسماع، وينجلي العمى عن البصائر، وتنقشع الظلمة عن القلوب والعقول[/B]. وعلى النقيض من ذلك حال الغافلين الَّذين أهملوا تغذية أرواحهم، وأسرفوا في الاهتمام بمتطلَّبات أجسادهم، فصدق فيهم قول الله تعالى: [B]{..لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبْصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعامِ بل هم أضلُّ أولئك هُمُ الغافلون}[/B] (7 الأعراف آية 179).
      وعندما يستحضر الذاكر جلال الله وعظمته، [B]ويهيمن عليه الشعور بالخوف من غضبه وعقابه، مع رجاء رحمته ومرضاته[/B]؛ تصفو روحه، ويرِّق قلبه فيتصل بالله، ويرتبط به برباط الحبِّ الَّذي يدفعه لمراقبته في جميع أحواله، وعدم الغفلة عنه ولو للحظة واحدة. وعندها يصل لأعلى مقامات القرب والشهود، ويتحقَّق بمقام الإحسان الَّذي عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [B]«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [/B](متفق عليه عن عمر رضي الله عنه ).
      [B]والله جليس الذاكرين[/B] ما ذكروه منفردين أو مجتمعين، مُسرِّين أو معلنين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [B]«يقول الله تعالى أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»[/B] (متفق عليه). وما من جماعة يجتمعون على ذكر الله إلا حفَّتهم الملائكة، [B]وذكرهم الله فيمن عنده[/B]، وعمَّهم بمغفرته ورحمته. روى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [B]«إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذِّكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عزَّ وجل، تنادَوْا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال: فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بهم، ما يقول عبادي: قالوا: يسبِّحونك ويكبِّرونك ويحمدونك ويمجِّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني: قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة وأشدَّ لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنَّة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ياربُّ ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً وأشدَّ لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فممَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فراراً وأشدَّ منها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»[/B].
      وأفضل أوقات الذِّكر طرفا النهار، حيث يُحسُّ الذاكر شدَّة ارتباطه بما حوله، ومن ثمَّ شدَّة ارتباطه بخالقه. [B]ومن افتتح نهاره بذكر الله، واختتمه به كان جديراً بأن يراقب الله ولا ينساه فيما بينهما[/B]، ولقد كثر في القرآن الكريم التوجيه إلى ذكر الله وتسبيحه، في الآونة الَّتي تشارك فيها ظواهر الكون، في التأثير على القلب البشري وترقيقه، وإرهافه، وتشويقه للاتصال بالله، قال تعالى: [B]{فاصبرْ على ما يقولونَ وسَبِّح بحمدِ ربِّك قبل طُلوعِ الشَّمسِ وقبل الغروب}[/B] (50 ق آية 39) وقال: [B]{واذكر اسمَ رَبِّك بُكْرَةً وأَصِيْلاً * ومن اللَّيلِ فاسجدْ له وسبِّحهُ ليلاً طويلاً}[/B] (76 الإنسان آية 25ـ26).
      وينبغي أن يقترن ذكر الله [B]بالصحوة الفكريَّة واليقظة الروحيَّة[/B]، فلا يذكره اللسان، ويغفل عنه القلب، فالإنسان أحوج ما يكون للاتصال بربِّه ليتقوَّى على نزغات الشيطان. فالله تعالى يقوِّي عزيمة عباده المؤمنين، ويشحذ همَّتهم لإحسان عبادته، والتوجُّه إليه، والاتصال به، فيزوِّدهم بما يغنيهم عمَّن سواه. ويضرب الله لعباده مثلاً بالملائكة الأطهار الَّذين هم دائبون على عبادته، يسبِّحونه، ويقدِّسونه، ويسجدون لجلاله، وقد اختصَّ السجود بالذِّكر [B]لأن العبد أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد[/B]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: ياويله! أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنَّة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ فلي النار» [/B](أخرجه مسلم وابن ماجه والبيهقي). وفي هذا قال أحد العارفين المحبِّين: [اعلم أنه لا شيء أنكأ على إبليس من ابن آدم في جميع أحواله في صلاته من سجوده، لأنه خطيئته، فكثرة السجود وتطويله [B]يحزن الشيطان وليس الإنسان بمعصوم من إبليس في صلاته إلا في سجوده[/B]، لأنه حينئذ يذكر الشيطان معصيته فيحزن، فيشتغل بنفسه عنك]، ولذلك أصبح دأب الشيطان المستمر، وشغله الشاغل الترصُّد للمؤمنين، والحيلولة بينهم وبين الذِّكر، قال تعالى: [B]{إنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينَكُمُ العداوَةَ والبَغْضَاءَ في الخمر والميسرِ ويَصُدَّكُم عن ذكرِ الله وعن الصَّلاة فهل أنتم مُنْتَهُون}[/B] (5 المائدة آية 91).
      وتُخبرنا الآية الكريمة بأن الملائكة الأطهار دائبون على تسبيح الله وذكره، لا يستكبرون عن عبادته ولا يقصِّرون. وهم الَّذين لا ينزغ في أنفسهم شيطان، ولا تستبدُّ بهم نزوة، ولا تغلبهم شهوة لأنهم مبرَّؤون من ذلك. فما أحوج الإنسان إلى الاقتداء بهم في كثرة ذكر الله وتسبيحه؛ وهو المخلوق الَّذي فُطِرَ على حبِّ الخير ولديه القابليَّة للشر، وفيه لمَّة من المَلَكِ ونزعة من الشيطان؛ فإنْ أَكثر من ذكر الله، [B]غلب عليه الخير واتَّصف بالصفات الملائكيَّة[/B]، وإن غفل عن ذكره تعالى، [B]تحكَّم به الشرُّ وصار الشيطان له قريناً[/B]، يأمره بالسوء والفحشاء، حتَّى يرديه في أودية الشقاء.
      [B]سورة الزُّمَر(39)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{أَفَمَنْ شَرَحَ الله صدرهُ للإسلامِ فهو على نُورٍ من رَبِّهِ فويلٌ للقاسيةِ قُلوبُهُم من ذكرِ الله أولئك في ضلالٍ مبين[/B](22)[B] الله نَزَّل أَحْسَن الحديثِ كتاباً متشابهاً مَثَانِيَ تقشَعِرُّ منه جلودُ الَّذين يخشونَ ربَّهُم ثمَّ تَلينُ جلودُهُمْ وقُلوبُهُمْ إلى ذكْرِ الله ذلك هُدى الله يهدي به من يشاءُ ومن يُضْلِلِ الله فما له من هَادٍ[/B](23)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ إن انشراح الصدر للإسلام يعني تفتُّح خلايا العقل والقلب والنفس، [B]لاستقبال العلم الإلهي المودع في رسالة الإسلام[/B]، ومن ثمَّ هضمه واستيعابه ليتمثَّل عملاً وأخلاقاً.
      ـ مَثَلُ القلوب القاسية الَّتي تراكمت عليها الحجب، وحالت دون وصول نور الله وهدايته إليها، فأضحت صلدة ميتة [B]كمثل البئر المهجورة الَّتي سدَّتها الصخور[/B]، فحالت دون نزول الغيث فيها، فجفَّت وغارت مياهها.
      ـ إن لذكر الله [B]حلاوة وعذوبة[/B] ترتعش لها أوصال الذاكر، وتُسْتقى منها برودة اليقين، وإن حلاوتها [B]لتزيد في كلِّ مرة [/B]أكثر من سابقتها.
      ـ من تعرَّض للهداية الإلهية وفتح لها مغاليق قلبه [B]أخذ بقسط وافر منها[/B]، ومن أعرض عنها [B]تشعَّبت به المسالك [/B]فلا هادي يرشده، ولا نور يضيء له الطريق.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      الكآبة والانقباض، والسرور والانشراح، [B]حالات متباينة ومختلفة تعتري النفس البشرية، وتعود في أصلها لأسباب كثيرة[/B]، قد تكون ظاهرة يسهل على الإنسان تحديدها ومعالجتها، وقد تكون خفيَّة وغامضة يصعب عليه معرفتها وإدراكها. والقرآن الكريم يعطينا من خلال هذه الآيات، [B]تفسيراً واضحاً لهذه الحالات[/B]، الَّتي تنتاب أحدنا فتجعله يشعر بالانشراح أو الانقباض؛ [B]فالانشراح [/B]علامة من علامات دخول النور للقلب المتصل بالله، أمَّا [B]الانقباض [/B]فهو أثر يخلِّفه البعد عن الله، والإعراض عن ذكره.
      وإن جوهر الإسلام نور إلهي يخترق حجب الصدور، ليشيع في القلوب [B]أجواء الراحة والسعادة النفسيَّة[/B]، وهذا النور القدسي عندما لا يجد في القلب مستقراً، [B]يعود من حيث أتى[/B]، تاركاً المُعرض عنه في ظلمات بعضها فوق بعض، ويصبح من العسير إزالتها. فالعاقل من يتفقَّد قلبه ويتأكَّد من سلامته من التلوُّث، ويراقب تقلُّباته خشية أن تتراكم عليه الآفات، فتحيله إلى قلب أجرد قاحل، لا ينبت إلا الشوك والضريع، [B]كما يسعى جاهداً لوقايته والمحافظة عليه بكثرة الذِّكر، الَّذي يستمطر به أنوار الله، فتتفجَّر ينابيع الحكمة المودعة في أعماقه على لسانه[/B]، وتتندَّى تربة هذا القلب فيشدُّها الحنين والشوق إلى بارئها، ويطلب صاحبها الصلة والوصال [B]بإرادة المحبِّ الظمآن، وبعزيمة العاشق الولهان[/B]!! فياحسرة على القاسية قلوبهم الَّذين إذا ذكر الله عندهم، وذُكِرَتْ دلائل قدرته وبدائع صنعته أمامهم، [B]أعرضت نفوسهم، وازدادت قلوبهم قسوة[/B]، فحُرموا من تذوُّق حلاوة الإيمان، مثلهم في ذلك كمثل المريض الَّذي تعاف نفسه أطايب الطعام. أخرج الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]«لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي»،[/B] وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [B]«تُوْرِثُ القسوةَ في القلب ثلاثُ خصال: حبُّ الطعام، وحبُّ النوم، وحبُّ الراحة». [/B]وكما أن للقسوة أسبابها، [B]فللانشراح علاماته وأسبابه،[/B] أخرج الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: [B]«يارسول الله! أيُّ المؤمنين أَكْيَس؟ قال[/B]: [B]أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم له استعداداً، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع، فقال: وما آية ذلك يانبي الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».[/B]
      فالمؤمنون يتلقَّون القرآن الكريم بمحبَّة وقبول، لأنهم يوقنون أنه كتاب الله، الَّذي لا اختلاف في طبيعته، ولا في اتجاهاته، ولا في روحه، ولا في خصائصه، بل هو كلٌ متماسك، تتكرَّر مقاطعه وقصصه، وتوجيهاته ومشاهده، ولكنها لا تختلف ولا تتعارض، إنما تُعاد في مواضع متعددة، وفق حكمة تتحقَّق في الإعادة والتكرار في تناسق واستقرار، على أصول ثابتة متشابهة، لا تعارض فيها ولا اصطدام. والَّذين يخشون ربَّهم ويتَّقونه، ويعيشون في تطلُّع ورجاء، [B]يتلقَّون هذا الذِّكر في وجل وارتعاش، وفي تأثُّر شديد تقشعرُّ له الجلود، ثمَّ تهدأ نفوسهم، وتأنس قلوبهم بهذا الذِّكر[/B]، قال زيد بن أسلم: قرأ أُبَيُّ بن كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقُّوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [B]«اغتنموا الدُّعاء عند الرِّقة فإنها رحمة»[/B] (أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أُبي بن كعب)، وعن العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [B]«إذا اقشعرَّ جلد المؤمن من مخافة الله تحاتَّت عنه خطاياه كما يتحاتُّ عن الشجرة البالية ورقُها»[/B] (أخرجه البيهقي في الشعب والخطيب والبزار). وقال أحد المحبِّين الذاكرين: [ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة].
      وإن القلوب الطاهرة لترتعش حين تحرِّكها النفحات الإلهية نحو الهدى والاستجابة والإشراق، وهي على النقيض من قلوب الضالِّين الَّتي لا تقبل الهدى، ولا تجنح إليه؛ فتغدو قاسية غافلة لا تستشعر الأنوار الإلهية، ولا تتحسَّس العطايا الربانية.
      [B]سورة الحديد(57)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ألم يَأْنِ للَّذين آمنوا أن تخشعَ قُلوبُهُم لِذكْرِ الله وما نَزَلَ من الحقِّ ولا يكونوا كالَّذين أُوتوا الكتابَ من قبلُ فَطَالَ عليهِمُ الأمَدُ فقَسَتْ قُلوبُهُم وكثيرٌ منهم فاسقون[/B](16)[B] اعلموا أنَّ الله يُحيي الأرضَ بعد موتِها قد بيَّنَّا لكُمُ الآياتِ لعلَّكم تَعقلون[/B](17)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ لابدَّ للمؤمنين من شحذ هممهم [B]لاجتياز طريق الإيمان [/B]بمحبَّة الله تعالى وخشيته، حتَّى [B]تمتزج خلاياهم الروحية بأنواره القدسية[/B]، وتتفجَّر ينابيع عواطفهم [B]بذكره وتلاوة كتابه الكريم[/B].
      ـ لقد ابتعد الكثير من الناس عن المنابع الروحية لرسالات أنبيائهم ردحاً طويلاً من الزمن، [B]فتحجَّرت عواطفهم الإيمانية[/B]، وانحرفوا عن السلوك القويم الموصل إلى محبَّة الله تعالى ورضوانه.
      ـ إن الله تعالى قادر على أن [B]يحيي أرض القلوب بعد مواتها[/B].
      ـ تعاليم الله تعالى واضحة؛ فإذا [B]تدبَّرناها [/B]أدركنا ما فيها من خير ورشاد للفرد والمجتمع.
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      بعض الصحابة الكرام توهَّجت قلوبهم بمحبَّة الله بمجرد مبايعتهم للنبي عليه السَّلام على الإسلام، ولم تمضِ عليهم أيَّام قليلة حتَّى تعرضوا لمختلف أنواع الابتلاء والتعذيب الجسدي، فصبروا وصابروا، ومنهم من استشهد، فما وهنوا ولا تراجعوا. وبعضهم الآخر أعلن إسلامه ظاهراً، ولم تنبض قلوبهم بروح الإسلام، [B]ولم تنصهر مشاعرهم بذكر الله[/B]، فكان عليهم أن يتنبَّهوا [B]لحسن إسلامهم[/B]، وإعمار قلوبهم بمحبَّة الله سبحانه وعشقه. [B]وهذه الآية تحمل لهم عتاباً مؤثِّراً من المولى الكريم[/B]، واستبطاءً لاستجابة قلوبهم الَّتي أفاض عليها من فضله، حيث بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم للإيمان، ونزَّل عليهم الآيات البيِّنات لتخرجهم من الظلمات إلى النور.
      إنه عتاب فيه ودٌّ ومحبَّة لاستثارة المشاعر بجلال الله والخشوع لذكره، وإلى جانب ذلك فيه [B]تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة[/B]، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ، [B]حين يمتدُّ بها الزمن دون جلاء[/B]، وما تنتهي إليه من القسوة، [B]حين تغفل عن ذكر الله[/B]، وما أشدَّ العذاب النفسي الَّذي يقع فيه من قسا قلبه بعد الإيمان! وما أخطر أن يقسوَ القلب فيفسق عن أمر الله، ويبتعد عن حوض عطائه النوراني الكريم. والعِبَرُ كثيرة في قسوة القلوب عند كثيرٍ من أتباع الرسالات السماوية، [B]الَّذين تحوَّلت عباداتهم إلى طقوس جوفاء، لا تنعش الروح ولا تغذِّي القلب[/B]؛ وكان جدير بهم أن يلتجئوا إلى الله تعالى، الَّذي يليِّن أرض القلوب بعد قسوتها، كما يحيي التربة بعد موتها.
      فلنسرع إلى مجالس الذِّكر والإيمان، [B]مجالس الحبِّ في الله مع الأولياء الصالحين[/B]، حيث تنتعش القلوب بالتجلِّيات الربَّانية والنفحات الإلهية، ولنسرع إلى [B]صلوات الجماعة[/B] ففيها عطاء وبركة، وإلى[B] كتاب الله[/B] نتدارس آياته بوعي وفهم، بعشق وحنين، ليتفتَّح ورد الإيمان، وتزهر أغصان العمل. عن مالك بن أنس أنه قال: بلغني أن عيسى عليه السَّلام قال لقومه: ([B]لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله تعالى، فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا فيها كأنكم عبيد، فإنَّما الناس رجلان معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية[/B]).
      [B]سورة البقرة(2)[/B]

      قال الله تعالى: [B]{ثُمَّ قَسَت قُلوبُكُم من بَعدِ ذلك فهي كالِحجارةِ أو أشَدُّ قَسوَةً وإنَّ من الحِجَارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأَنهَارُ وإنَّ منها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخرُجُ مِنهُ الماءُ وإنَّ منها لَما يَهبِطُ من خَشيَةِ الله وما الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ[/B](74)[B]}[/B]
      [B]ومضات:[/B]
      ـ وصف الله تعالى قلوب الغافلين عن ذكره، بالصلابة والغلظة، [B]بسبب ما تراكم عليها من ظلمات المعاصي والذنوب[/B]، فصارت لا تتأثر بالعظات والمعجزات الإلهية [B]الَّتي تَلِيْنُ لها الصخور الصلدة[/B].
      ـ [B]إن قلوب الغافلين أكثر عقماً من الحجارة[/B]، بل الحجارة خير منها، إذ أن بعضها مكامن للماء، تتفجَّر منها الينابيع وتحمل الخير للجميع، وبعضها الآخر يلين ويتشقق لقلَّة صلابته، [B]بينما قلوب هؤلاء صمَّاءُ قاسية، لا يرجى منها خير، وما كانوا كذلك إلا لانقطاعهم عن الله[/B].
      ـ الله تعالى عليم بمخلوقاته، [B]لا يغفل عن عمل مهما صغر شأنه[/B].
      [B]في رحاب الآيات:[/B]
      الإنسان مخلوق بديع التكوين، معقَّد التركيب، يتألَّف من عناصر مختلفة متباينة لكنها متكاملة منسجمة، تترك بَصَماتها الواضحة على سـلوكه وانفعالاته. فهو [B]جسدٌ مادِّي ينتمي إلى الأرض، وروح تنتمي إلى ملكوت السموات وعالم الغيب[/B]، ومن جهة أخرى فهو يخضع لقوى يشدُّه بعضها إلى الأرض ـ منشأ جسده ـ وبعضها الآخر إلى الأعالي، حيث مصدر روحه، [B]وفي خضمِّ ذلك تدور صراعات عنيفة في داخله[/B]، يديرها ويتحكم فيها طرفان هما [B]العقل والقلب[/B] من جهة، [B]والنفس والأهواء[/B] من جهة أخرى، [B]وإن نتيجة هذا الصراع هي الَّتي تحدِّد الملامح الخاصَّة الَّتي تميِّز شخصية كلِّ إنسان[/B].
      فالشخصية الإنسانية تُصَنَّفُ في أنماط مختلفة، وفقاً لما يعتلج في وجدانها من البواعث والانفعالات، الَّتي تؤثِّر وتتأثَّر من خلالها بما حولها. والناس يتدرَّجون في الرقي والسمو، تبعاً للكيفية والمقدار الَّذي تتجاوب فيه عقولهم وقلوبهم مع شريعة الله، فأدنى الناس درجةً هم أولئك الَّذين يكادون يتساوون مع الجماد لقسوة قلوبهم؛ الَّتي لا تلين أمام آلاء الله ومعجزاته العظيمة، فلا خير يرجى منهم، لأنفسهم أو لمن حولهم، [B]وهم بذلك يضربون مثلاً سيِّئاً في التصلُّب والقسوة يفوق قسوة الحجارة[/B]؛ إذ أنَّ الحجارة ليست كلَّها صمَّاء عقيمة، بل إنَّ بعضها قد يكون مصدراً للخير والعطاء. ويُهيب تعالى بهؤلاء أن يتفكَّروا في خلق هذه الحجارة، الَّتي تتفاوت من حيث تكوينها والدور الَّذي خلقت من أجله، فإنَّ منها ما تتفجَّر منه العيون الصافية، جداول وأنهاراً وفيرة غزيرة، تحمل [B]أسباب استمرار الحياة إلى سائر المخلوقات[/B]، ومنها ما تنساب منه المياه بشكل يسير ضئيل، لكنه [B]يطفئ ظمأ العطشى ويلبِّي حاجاتهم[/B]، ومنها ما يمضي عليه ردحٌ من الزمن مثبت إلى الأرض كالجبال الشامخة، حتَّى إذا أراد الله بها أمراً [B]تكسَّرت وهبطت من علو[/B]، كما أصاب الجبل حين تبدَّى له نور الله أثناء مناجاة موسى عليه السَّلام فخشع وتصدَّع من هيبة الله وجلاله.
      ولعـلَّ أولئـك يدركون ـ إذا ما تفكَّروا في ذلـك كلِّه ـ أنَّ مخلوقات الله جميعاً هي مصدر خير لهذا الكون، وإن تفاوت مقداره بينها، [B]وحريٌّ بالإنسان أن يكون مصدراً للخير على الدوام[/B]، [B]لأنه مؤهَّل بما لم يؤهَّل به غيره من سائر المخلوقات، فهو أكرم الخلق على الله عزَّ وجل[/B]، لذلك نجد بين الناس من هو [B]منيب إلى الله[/B]، داعٍ إلى صراطه المستقيم، يضمُّ بين جوارحه [B]نفساً لوَّامة توَّاقة إلى لقاء الله عزَّ وجل[/B]، وقلباً نابضاً بذكر الله يفيض بالخير والعطاء على من حوله، [B]فتحيا قلوب الناس به[/B]، ومنهم أيضاً من لا يطيق الذنوب ويكثر من الاستغفار،[B] فهو في عداد التائبين، تفيض عيناه بالدمع عند تذكُّرِ ضعفه أمام قوَّة الله، والتفكُّر في ذنبه أمام سعة رحمة الله وغفرانه[/B]، ومنهم من لا يتحرك قلبه بالإيمان، ولا تستكين جوارحه لعظمة الله وجبروته، إلا إذا واجهته المحن وضاقت به السبل، عندها تنطلق صيحة الرجاء من أعماقه لحضرة الله طالبة النجاة، لأنه [B]إنسان غافل يحتاج إلى هزَّة عنيفة[/B]، توقظ مشاعره وتفتِّح بصيرته، ليستفيق ويعود إلى سبيل الرشاد.
      فمعيار الخير في ذات الإنسان إذن، [B]هو مقدار الحبِّ والإيمان وذِكْر الله الَّذي يعمر قلبه،[/B] وقد شَبَّهَتِ الآية [B]القلب بالنبع[/B]، [B]لأنهما كلاهما يشتركان بخاصيَّة التدفُّق ونشر الحياة، فإذا تدفَّق القلب بالحبِّ والإيمان عمَّر ما حوله بالنور والخير، وإذا تدفَّق النبع بالمياه العذبة حوَّل الصحارى القاحلة إلى واحات خضراء[/B]. وإن جفاف القلب كذلك يشبه جفاف النبع، فمن جفَّ قلبه فقد نضب من ماء محبَّة الله تعالى، وماء محبَّة الخلق، [B]فعاش بجسد حيٍّ وقلب ميت[/B]، فلا ينفع نفسه ولا ينفع غيره.
      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • الدموع
      [B]الدموع .. قدرة الهية .. ورحمة ربانية

      اذا جرح أي مكان في جسدك فسيخرج دما .. حتي العين ستخرج دما .. فما [B]هو السر الذي يجعلها تخرج عند البكاء ماءا .. و ليس دما !!![/B]
      من أين أتت هذه القنوات الدمعية .. ومن الذي أجرى الدمع بها .. و لماذا ؟
      وكيف كنا سنفرج همومنا و كروبنا .. بدونها ..
      وكيف تصنفت الى دموع الحب و التضرع و الخشية و الرهبة لرب العالمين ..
      كالعادة يعطينا رب العالمين حالة أو بعض الحالات الاستثنائية .. لنعرف ماذا كان يمكن أن يكون الحال .. و لأي حد وصلت رحمته

      وهذه واحدة من هذه الحالات
      نيودلهى: وضعت حالة الفتاة الهندية "رشيدة خاتون " من قرية باتنا، الواقعة في شمال شرق الهند الأطباء فى حيرة بسبب حالتها النادرة التي لم يجدوا لها تفسيرا والتى تجعلها تبكى دما بدلا من الدموع…
      [/B]

      [B]
      وقدس الأهالي رشيدة بعد أن [B]قال
      رجال الدين أنها معجزة، وأصبح لها مريدوها الذين يتدفقون يوميا إلى منزلها، ويمطرونها هى وأسرتها بالهدايا طالبين فقط رضاها .[/B]
      [B]وقالت رشيدة عن أنها لاتشعر بأى ألم حين تتساقط الدماء من عينيها ولكنها تصاب بالصدمة لرؤية الدم يخرج من عينيها بدلا من الدموع .[/B]


      وهذا [B]هو تفسير فضيل الشيخ محمد متولي الشعراوي[/B]

      للآية الكريمة
      [B]قال الحق تبارك وتعالى : ( وأنه هو أضحك وأبكى ) سورة النجم[/B]
      أكثرنا يمر على هذه الآية الكريمة ولا يلتفت إليها ..
      ولكن هذه الآية فيها
      إعجاز من الله سبحانه وتعالى يقول الحق سبحانه وتعالى :
      ( [B]وأنه
      هو أضحك وأبكى ) معناه أن الضحك والبكاء من الله .. وكونه من الله سبحانه وتعالى يكون لجميع خلقه ..
      فالله يعطي الخلق جميعا ذلك هو عدل الله..
      فإذا نظرت إلى الدنيا كلها تجد أن الضحك والبكاء موحدان
      بين البشر جميعا على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم ..
      فلا توجد ضحكة إنجليزية وضحكة أمريكية وضحكة افريقية ..
      بل هي ضحكة واحدة للبشر جميعا ولا يوجد بكاء آسيوي أو بكاء أسترالي ..
      وإنما هو بكاء واحد.. !!
      فالغة الضحك والبكاء موحدة بين البشر جميعا وهي إذا اصطنعت تختلف . وإذا جاءت
      طبيعية تكون موحدة .. ولذلك إذا اصطنع أحدنا البكاء أو أصطنع الضحك فإنك تستطيع أن تميزه بسهولة
      عن ذلك الانفعال الطبيعي الذي يأتي من الله ومن العجيب أنك ترى مثلا الفيلم الكوميدي الذي صنع
      في أمريكا يضحك أهل أوربا والذي صنع في آسيا مثلا يضحك أهل استراليا بل إن هناك من أعطاهم
      الله موهبة القدرة على إضحاك شعوب الدنيا كلها .. أفلام عاطفية تبكي العالم كله ..
      فبعض الأفلام مثلا إذا قدمته بأي لغة أبكى الناس ..
      وهكذا تنزل أحيانا الرحمات من الله فتفيض العيون بالدموع ..
      وأحيانا يريد الله أن يروح عن النفوس فتتعالى الضحكات ولكن قد يقول بعض الناس ..
      إن هناك ما يضحك واحدا ولا يضحك الآخر .. وأن هناك مشهدا يبكي إنسانا , في حين تتحجر الدموع
      في العيون فلا يبكي إنسان آخر في نفس الموقف ..
      نقول إنك لم تفهم الآية .. فقوله تعالى :
      ( وأنه هو أضحك وأبكي ) ليس معناه
      بالضرورة أن الناس تضحك معا وتبكي معا .. ولكن معناه أن الإنسان لا يستطيع أن يضحك نفسه ,
      ولا أن يبكي نفسه عن شعور صادق وبلا اصطناع .. ولكن ذلك من الله .. ولذلك انعدمت فيه الإرادة
      البشرية .. فليس لك واحد منا ضحكة تميزه .. بل نحن نبكي جميعا بلغة واحدة .. وليس لكل واحد منا
      قادرا على أن يضحك ضحكة طبيعية بإرادته كأن يقول إنني سأضحك الآن فيضحك .. ولا يستطيع إنسان
      أن يبكي بكاء طبيعيا كأن يقول أنا سأبكي الآن فيبكي .. إلا أن يصطنع الضحك أو البكاء بشكل غير
      طبيعي ولكن يأتي الضحك والبكاء من الله حين يكون طبيعيا .. ولأنه يأتي من الله فهو موحد بين
      البشر جميعا .. فإذا كنت لا تستطيع أن تضحك نفسك أو تبكي نفسك ..
      [/B]فكيف تدعى أنك سيد نفسك ..
      ولماذا لا تسلم لخالقك ؟


      **/ المصدر //
      من كتاب الأدلة المادية على وجود الله
      فضيلة الشيخ / محمد متولي الشعراوي . رحمه الله [B]تعالى
      [/B]

      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • الكتب [B]» تفسير البغوي » سورة الأنفال » تفسير قوله تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " [/B]



      ( [B]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتو
      كلون ( 2 ) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( 3 ) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ( 4 ) )

      ( إنما المؤمنون ) يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله ، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم ، ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) خافت وفرقت قلوبهم ، وقيل : إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه . ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) تصديقا ويقينا . وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل : فما زيادته ؟ قال : إذا ذكرنا الله - عز وجل - وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإيمان فرائض وشرائط وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان . ( وعلى ربهم يتوكلون ) أي : يفوضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه .

      ( أولئك هم المؤمنون حقا ) يعني يقينا . قال ابن عباس : برئوا من الكفر . قال مقاتل : حقا لا شك في إيمانهم . وفيه دليل على أنه ليس لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمنا حقا لأن الله تعالى إنما وصف بذلك قوما مخصوصين على أوصاف مخصوصة ، وكل أحد لا يتحقق وجود تلك الأوصاف فيه .

      وقال ابن أبي نجيح : سأل رجل الحسن فقال : أمؤمن أنت ؟ فقال : إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا بها مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الآية ، فلا أدري أمنهم أنا أم لا ؟

      وقال علقمة : كنا في سفر فلقينا قوما فقلنا : من القوم ؟ قالوا : نحن المؤمنون حقا ، فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود فأخبرناه بما قالوا ، قال : فما رددتم عليهم ؟ قلنا : لم نرد عليهم [ ص: 327 ] شيئا ، قال أفلا قلتم أمن أهل الجنة أنتم ؟ إن المؤمنين أهل الجنة .

      وقال سفيان الثوري : من زعم أنه مؤمن حقا أو عند الله ، ثم لم يشهد أنه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف .

      ( لهم درجات عند ربهم ) قال عطاء : يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم . وقال الربيع بن أنس : سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس المضمر سبعين سنة . ( ومغفرة ) لذنوبهم ( ورزق كريم ) حسن يعني ما أعد لهم في الجنة .
      [/B]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • [INDENT]
      متى تبكي على نفسك؟







      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تجدها ضعيفة أمام الشهوات ، عظيمة أمام المعاصي



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما ترى المنكر ولا تنكره ... وعندما ترى الخير فتحتقره



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تدمع عينك لمشهد مؤثر في فيلم ... بينما لا تتأثر عند سماع القرآن الكريم



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تبدأ بالركض خلف دنيا زائلة ...بينما لم تنافس أحدا على طاعة الله



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تتحول صلاتك من عبادة إلى عادة ..ومن ساعة راحة إلى شقاء ابكِ على نفسك.. !



      عندما يتحول حجابك إلى شكل اجتماعي ...وتستركِ إلى أمر تجبرين عليه



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      إن رأيت في نفسك قبول للذنوب .. وحب لمبارزة علام الغيوب



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما لا تجد لذة العبادة .. ولا متعة الطاعة



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تمتلئ بالهموم وتغرقها الأحزان ... وأنت تملك الثلث الأخير من الليل



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تهدر وقتك فيما لا ينفع ..وأنت تعلم أنك محاسب فتغفل



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      عندما تدرك أنك أخطأت الطريق ...وقد مضى الكثير من العمر



      .•:*¨`*:•ابك على نفسك.•:*¨`*:•.


      بكاء المشفق .. التائب.. العائد ...الراجي رحمة مولاه..وأنت تعلم أن باب التوبة مفتوح ما لم تصل الروح إلى الحلقوم

      [/INDENT]
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • قصة معبرة والله تدمع لها العين وتزيدنا مقربة الى الله


      قصة أعجب من العجب ، حدثت لأخينا الدكتور حسام عبد السلام جمعة ،
      وهو يناجي بارئه في غياهب الخضم و ظلماته ،
      نوردها نقلا علها تصيب ما تصيب من أولي الألباب ،
      قصة فيها من العبر و المواعظ ما يعجز
      عن
      ضربه في الطويل من الدهور .
      فضلا طالعها ففيها خير عميم و إجابات لكثير من عسير السؤال .

      ( كُـتـبـت هذه القصة بعد 3 أشهرمن حدوثها ) ...

      يقول صاحب القصة :

      لقد اعتدت مع صديقين لي أن نذهب للغوص والصيد مرتين في الشهر وفى هذا اليوم أنهيت عملي متأخرا وخشيت أن أؤخر صديقيَ ولكنهما انتظراني ، أما الصديق الأول (طلعت مدني) فقد اعتدت الذهاب معه منذ عام 1994 م أما صديقي الأخر فاسمه Manning فلبيني الجنسية وقد أسلم
      قبل عام وسمى نفسه ( يوسف ) وخرجنا للبحر كعادتنا وسجلنا في مكتب حرس الحدود في أبحر وقت عودتنا كما توقعناها آن ذاك الساعة 07:00 من مساء نفس اليوم ، واتجهنا بالقارب إلى منطقه تسمى (( الوسطانى )) وهي حوالي 20 كم غرب جدة . ووصلنا الساعة 12:30 بعد منتصف النهار وأنزلنا المرساة الأولى ولكنها لم تثبت بسبب الأمواج إلا بعد عدة محاولات ووضعنا مرساة أخرى إضافية زيادة في الحرص حيث كان لي قبل عدة سنوات تجربه قاسيه انفصل فيها القارب عن المرساة ولكنني استطعت بفضل الله
      أن أصل إليه بعد 5 ساعات من السباحة المتواصلة ..

      تأكدنا من تثبيت المرساتين ونزلنا ثلاثتنا للغوص وكان هذا خطأ إذ أننا لم نترك واحدا منا على ظهر القارب فقد غلبتنا
      رغبتنا في أن نكون سويا تحت البحر وألهتنا الثقة الزائدة بالنفس
      عن
      أخذ الحيطة نظرًا لخبرتنا الطويلة بالغوص ، كان الموج قويًا ذلك اليوم وكان الصيد وفيرا وبعد 40 دقيقه صعدنا إلى ظهر القارب للراحة .

      تأكدنا مرة أخرى من ثبات المرساتين ثم نزلنا للغطسة الثانية 03:30 ظهرًا وكعادتنا طلبنا من أحدنا أن يغوص قريبا من المرساة .

      وبعد 30 دقيقه وجدت أن المرساة مقطوعة فذهب ( طلعت ) للتأكد من المرساة فلم يجدها ولم استطع الصعود لأننى أحتاج إلى دقيقتين لتحقيق تعادل الضغط وعند صعودي رأيت في وجه ( طلعت ) الذعر وهو يصرخ القارب !!
      الذي صار على بعد 300 متر تقريبًا وقاربنا طوله حوالي 22 مترا فتبادر إلى ذهني تجربتي التي حدثت
      قبل
      5 سنوات وكيف أننى استطعت بعد 5 ساعات من السباحة المتواصلة للوصول إلى القارب وهنا كان خطأي الثاني وخدعتني مرة أخرى ثقتي الزائدة بالنفس ولو أننى استقبلت من أمري ما استدبرت لأدركت في تلك اللحظة أن الأمر اليوم مختلف تماما فقد كان الجو آنذاك أفضل والأمواج اهدأ بل الذي ساهم في لحاقي بالقارب آنذاك أن المرساة المتدلية من القارب اصطدمت بالصخور فأبطأت حركته أما هذه المرة فليس ثمة صخور ولا شعب مرجانية بل بحر مفتوح وأمواج قوية وبدون تفكير وحرصا منى على أن أكسب كل دقيقه ألقيت بستره الغوص الطفوية واسطوانة الهواء والبندقية وانطلقت في اتجاه القارب بأسرع قوة وفى هذه الأثناء مر قارب صيد بيني وبين القارب فصرخت بأعلى صوتي ولكنهم لم يروني أو يسمعوني فأكملت السباحة وكان الوقت 04:00 عصرا ولكن سرعان ما أدركت أن الموج مختلف هذه المرة وبعد سباحة ساعة من الزمن وجدت أن المسافة بيني وبين القارب ثابتة لاتتغير وبعد ساعتين في تمام الساعة السادسة أدركت أن المهمة لن تكون سهله فقد تغير مسار القارب عدة مرات وبدأت المسافة بين وبين القارب تزداد .

      لم افقد الثقة .. لم يكن هناك أي شعب مرجانية أو قطع صخرية فهذه منطقة تخلو من كل ذلك وأقرب منطقة بها شعب مرجانية تسمى 'أبو طير' ولكن الموج لن يساعدني في الذهاب إليها كما أن هدفي الأول هو اللحاق بالقارب وبالرغم من أن الشمس بدأت بالغروب والقارب مازال يبتعد إلا أن تجربتي الناجحة السابقة أمدت في حبل ثقتي الزائفة بنفسي فضاعفت قواي لألحق بالقارب …وجن الليل وابتلع الظلام كل أثر للقارب ، وهنا توقفت أنظر ، استرجع وألوم نفسي…

      ثلاث أرواح تذهب بسبب خطأ فادح كهذا…
      كيف يكون ذالك ؟؟

      ما أسخف أن يفقد الإنسان حياته بهذه ألطريقة وأخذت أنظر إلى 'جدة' من على بعد وأنا في قلب البحر الأحمر أراها متلألئة مضيئة وكانت معالمها الواضحة ونافورتها أمامي تبعث في نفسي شيئًا من الطمأنينة وهناك في قلب البحر حيث لايسمــعـني إلا
      الله ولا يراني إلا الله
      بدأت أناجي خالقي وأدعوا أن يُخرجني من كربي هذا .

      ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )

      أدعوه دعاء يونس عسى
      الله
      أن يُخرجني كما أخرج نبيه مما هو أعظم - لا من قلب البحر فحسب بل من قلب الحوت - تذكرت آنذاك أنه قد فاتتني صلاة العصر فتوضأت من ماء البحر وصليت وقرأت المعوذات ولأول مرة في حياتي أجد للوضوء معنى غير المعنى الذي كنت أجده وأنا على اليابسة آمنـًا مطمئنا ، توضأت من ماء البحر ولم يكن وضوء مثل الذي عهدت بل كان بمثابة وقاء ودرع يحوط بي ويحميني من كل ما أخشى وأحاذر أما الأجزاء التي لم يغطيها الوضوء فأخذت أقرأ المعوذات وأنفخ في يديَ وأمسح بهما جسدي وأحرص أن لا أترك جزءا منه بغير درع ووقاية وأكثرت من دعائي .
      ( باسم
      الله
      الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السمع العليم )
      ( أعوذ بكلمات
      الله التامات من شر ما خلق أعوذ بكلمات الله
      التامات من شر ما أجد وأحاذر )

      ولا تسألوني كيف لم يباغتني الذعر والخوف آنذاك فأنا نفسي في عجب من ذلك إلا أنها رحمة من
      الله ولطفه وسكينته التي تنزل على عباده لم يكن هناك خوف بل اعتقاد كامل لاشك فيه أن الله الكريم القوى العزيز سيخرجني من هذه المحنة وأن هذا المنظر المؤنس الذي أراه لمدينة جُـدة من على بعد سيقربه الله
      لي ويأخذ بيديَ لأصل إليه .
      كان لابد لي أن أستمر في السباحة فالموج عال والوقوف يعنى الغرق وليس لدي سترة سباحه تساعدني على الطفو فوق الماء ولأول مرة في حياتي أرى النجوم بهذا الوضوح وأرى القمر بازغـًا مؤنسـًا في تلك الليلة ولأول مرة في حياتي أشعر أننى لا أعدو أن أكون نقطة في بحر لا أختلف كثيرًا
      عن أي نقطة أخرى ليس لها وزن وبدأت أستعيد يومي وأتساءل عن
      أصدقائي الاثنين هل تحركوا في اتجاهي بدأت اصرخ لعلهم قريبون منى ولكن لا أحد يجيبني أرى أنوار بعض الصيادين من على بعد ثم تختفي رأيت من على بعد نافورة جدة وبرجـًا ومبنى كبير فقررت السباحة في اتجاه المبنى ولكن بعد ساعات من الجهد وجدت أننى لم أحقق أي تقدم فالمسافة بيني وبين المبنى أراها ثابتة لا تتغير فالمد القوي يعيدني إلى حيث بدأت واتجاه الريح يأخذني نحو الميناء والذي فيه خطر على حياتي نظرا لوجود السفن العملاقة التي حتما ستسحقني إن دخلتُ تلك المنطقة ..

      دعاء المضطر

      وبدأتُ لمناجاة
      الله
      بأعلى صوتي والتركيز في الدعاء دعاء المضطر وبدأت أراجع نفسي وأسترجع سنوات عمري واسأل. أغاضب أنت علي يا ربى ؟
      لا تأخذني بعملي وعاملني بفضلك ولطفك وكرمك إن لم يكن بك علي غضبٌ فلا أبالى العيش أو الموت أصرخ بأعلى صوتي وكأني أملك المكان هو سبحانه وأنا والبحر وأصبحت في سباق مع الزمن كل دقيقه
      لها
      وزنها وقدرها فلا أدرى أتكون الدقيقة الأخيرة وهل تكون هذه الدقيقة هي ما بقي لي على الدنيا أستغفر بها ربى وأشترى بها رضاه والحياة الخالدة ..

      يداي تجدف بكل قواها خشية الغرق وعقلي يسترجع بكل قواه شريط العمر وما قدمتْ يداي ، وقلبي يدعوا بكل قوة ليغسل كـل ما جناه لعلي ألقى
      الله بقلب سليم وبالرغم من أن الله لم يخذلني من قبل وبالرغم من ثقتي برحمته ولطفه وكرمه إلا أنه بدأ يدخل في نفسي إحساس بأن الموت قد يكون هو ما كتب الله لي في هذه الليلة وبدأت أفقد قواي أصبح احتمال الموت ولقاء الله هو أحلى الاحتمالات بدأت استسلم ورأيت المبنى الكبير يصغر ويصغر وابتلعني الظلام الحالك فقررت أن احتفظ بطاقتي وأحاول الطفو فوق سطح الماء ما استطعت رأيت بعض الصيادين فحاولت الوصول إليهم دون جدوى ورأيت كشافات أملتُ أن يكون حرس الحدود في طريقهم إليَ ولكنهم غيروا اتجاههم فجأة فأصابني الإحباط لا أدري كيف مرت تلك ألليلة بتلك السرعة بدأًًً الليل ينقشعُ فوجدتُ نفسي قد ابتعدتُ كثيرًا عن
      الشاطئ وبدأتْ أشعـةُ النور تجلى ظلمةُ الليل فصليت الفجر وفى هذا الوقت رأيت من على بُعـدٍ مدخنة التحلية والتي كانت هي هدفي للوصول إليها ذلك الصباح وفجأة رأيت صيادًا على مرأى مني فأخذتُ أسبحُ إليه بكل قوتي وكلما اقتربت تبين لي أنه يرفعُ المرساة فصرخت بكل صوتي فتوقف كالذي سمع صوتـًا ولكن الموج حال بين عينيه أن تراني واتخذ طريقه في الاتجاه الآخر ولكن وجوده في هذه المنطقة أشعرني بالأمل من أن هذه منطقه يقصدها الصيادون ولابد لي أن أجـدُ أحدًا أخر ، وبالفعل رأيتُ صيادًا آخر وكررتُ نفس المحاولة السابقة ولكن مرة أخرى حال الموجُ بيني وبينه وقررت أن استغل يومي بان أسبحَ في اتجاه محطة التحلية حيث كان اتجاه الريح وسبحت لمدة 9 ساعات متتالية حتى توسطتْ الشمسُ قبة السماء وأشعة الشمس تحرق رأسي كأنها نار منصبة عليّ و بدلـة الغوصُ تقطعُ لحمى …
      وأنا بين الدعاء والرحمة واللطف وملامة النفس
      عن
      الخطأ الفادح الذي أقحمت فيه نفسي إلى هذا الموقف العصيب المهلك وألوم نفسي على إلقائي للسترة التي بها أستطيع أن أطفوا .

      وأمل.
      مرت علي 10 ساعات منذ بدأت السباحة تجاه التحلية وبحمد
      الله
      وكرمه أحرزت تقدماً جيداً حتى أصبحت مقابل مدخنة التحلية أرى عمائر الكورنيش ورأيت فـرقـاطـة خاصة بحرس الحدود، بل ورأيت كابينة الفرقاطة من على بُـعـد ولكن حال الموج بيني وبينهم، بل قل ردمني الموج ولم يصل صراخي إلى آذانهم… خلعت زعانفي وحملتها بيدي وأخذت ألـوّح بها وأصرخ بأعلى صوتي ولكن دون فائدة، ورأيت طائرة الدفاع المدني تحلق في الجو ولكنها بعيدة عني ولم أتخيل في تلك اللحظة أنهم جميعاً خرجوا بحثاً عني، أخذت نظارة الغوص أعرضها للشمس لعلهم يروا انعكاس الشمس على زجاجة النظارة ولكن هيهات أن أميز بين أمواج البحر المتلاطمة.
      وفقدت الأمل في كل هذه الطرق وأخذت أسابق الزمن لاستغلال ما تبقى من النهار
      قبل غروب الشمس، وكل حلمي آنذاك أن أصل إلى الشاطئ وأخرج منه وأترجى أحد البائعين أن يسقيني ماء ويطعمني قطعة من البسكويت ، وأبحث عن سيارة أجرة وأطلب من السائق أن يأخذني لبيتي وأعده بأنني سأعوضه عن الضرر الذي سيلحق بمقعد سيارته من جراء بلل الماء. وبدأ العطش يشتد علي وخيل لي أنني قد أجد عبوة ماء ملقاة في البحر من إحدى السفن أو القوارب، وبلغ العطش مني كل مبلغ فشربت بعض الماء المالح، وتذكرت آنذاك نصيحة الأطباء لي بالإكثار من شرب الماء حتى لا تتأثر حصوة الكلى عندي مرة أخرى وتذكرت ألم حصوة الكلى الذي باغتني قبل (3) أسابيع واحتجت لتخفيف الألم أن آخذ أشد أنواع المسكنات، فدعوت الله أن يلطف بي فيصرف عني ألم حصوة الكلى لعلمي ويقيني أن الألم الذي أصابني قبل
      بضع أسابيع لو باغتني الآن فإنه يعني حتماً الموت.

      الأمل يتضاعف :

      أخذت أضاعف مجهودي للوصول إلى الشاطئ وفجأة تحول اتجاه الرياح فاستخرت
      الله
      .
      ( اللهم إني استخيرك بعلمك أستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن في هذا الأمر وهو توجهي لهذا المبنى الشامخ على طريق الكورنيش الذي أراه من على بعد خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه )
      وفجأة أصبح اتجاه الرياح إلى التحلية وأصبحت العمارة بجانبي بعد أن كانت أمامي وبدأت شمس يوم الجمعة بالغروب، وجن الليل وأظلمت الدنيا مرة أخرى من حولي، قربت من التحلية وسمعت أذان المغرب فكان للأذان معنى غير المعنى الذي عرفته طوال حياتي، بل وكأني أسمعه لأول مرة في حياتي
      '
      الله أكبر.. الله
      أكبر…'
      أمل كبير برب كبير أكبر من كل محنة وكرب وكان هذا الأذان أول صوت بشر أسمعه على مدى أربع وعشرين ساعة فكان بمثابة بشرى من رب كريم أنه سينجيني بلطفه من هذا الكرب. وتوضأت وصليت المغرب وأكملت مسيرتي نحو التحلية المضيئة أمامي ، ومرة أخرى تغير اتجاه الرياح ودفعني نحو البحر فذهب كل جهودي للوصول إلى التحلية أدراج الرياح فأصابني الإحباط، وعلمت بعد ذلك أن
      الله
      لطف بي أن لم أقترب أكثر من التحلية نظراً لوجود شفاطات ضخمة لم أكن لأفلت منها لو أنني اقتربت من الشاطئ ولكان موتاً محققاً.

      وهنا باغتني الشيطان لأول مرة بكل قواه كأني أسمعه يحدثني بصوت عال في عرض البحر ويقول لي
      'لقد خذلك ربك، يريد
      الله
      أن يذلك، ويلعب بك وستموت بعد ذلك لا محالة'
      سمعت صوت الشيطان مستهزئاً ساخراً، والعجيب في الأمر أن الصوت لم يكن من داخلي ولكنه صوت كأنه آت من الخارج أنظر حولي فلا أرى إلا الأمواج والبحر ولا أسمع إلا تلاطم الأمواج وهذا الصوت الساخر المستهزئ.
      بادرت مرة أخرى بالوضوء وقاية وأمناً وحماية، ودعوت
      الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وقرأت المعوذات ونفخت في يدي ومسحت كل جزء من جسدي، وأصرخ بأعلى صوتي حتى يرتفع صوتي عن
      صوت الشيطان الساخر وأقول
      'يامعين أعني، يا مغيث أغثني'
      وأصلي على سيد الخلق أجمعين محمد
      صلىاللهعليهوسلم بأعلى صوتي لعل الله
      يحن علي بصلاتي على أحب خلقه إليه
      ' صاحب شفاعة اليوم الأعظم'،
      وهنا سمعت أذان العشاء ومرة أخرى كان للأذان في نفسي أعمال هي من أعمال الآخرة وسكينة وطمأنينة وبشرى

      ولو أنني سئلت أي الاثنين أشد عذاباً وتنكيلاً بي أهي الشمس الضارية الحارقة تسلخ جلدي بسياط لهيبها وتحرق جسدي بألسنة نيرانها ، أم البرد القارس المؤلم الذي يفتت العظم ويمزق الجسد من الألم في منتصف الليل والقشعريرة والرجفة التي تصاحبها كل ليلة لما استعطت أن أجيب!
      وكل الذي حال بيني وبين الموت من البرد في الليلتين هو أحقر من أن أذكره في قصتي هذه ولكني استحضرت فيه معنى العبودية والضعف الكامل لله. هل يمكن أن يصدق أن الذي حال بيني وبين الموت من البرد هي قطرات البول الساخنة الذي حرصت أن احتبسها في النهار وأبقيها ليلاً عندما تشتد علي القشعريرة وأخشى أن تنخفض درجة حرارتي 'Hypothermia' فتكون هذه القطرات في داخل بدلة الغوص قطرات الحياة الدافئة.

      ما أضعفك ياابن أدم وما أجرأك على خالقك وأنت من أنت وهو سبحانه من هو..
      'يأ أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم'.

      أخذ مني الإرهاق كل مأخذ ووصلت إلى نقطة الاستسلام. اشتدت علي القشعريرة فدعوت
      الله
      أن يخلصني من هذا الكابوس وناجيت ربي أسأله يارب لم يعد لي من قوة فقد يكون من الأفضل أن تأخذني إليك برحمتك. تذكرت والدي وزوجتي وبناتي الثلاث ودعوت لهم فإني أعلم أنهم ليسوا ممن يقدر على تحمل مثل هذا الامتحان.

      وأحسست براحة عميقة فكنت أخشى أن أنجو ثم أعلم بأن أصدقائي لم ينجوا فألوم نفسي. كيف أنجوا ويهلكون؟ واستحضرت معنى أن الغريق في الجنة فأصبحت أرى نعيم الجنة في الموت وأعيش جحيم الماء في الحياة الذي أصبح أشبه ما يكون بماء نار مسكوب على وأصرخ بأعلى صوتي من الألم وقد كثرت جروحي وآلامي.

      نظرت نظرة أخيرة فوجدت نفسي أبتعد أكثر فأكثر
      عن اليابسة وعلمت أن البحر يبتلعني. استجمعت شتات فكري وأمري واستحضرت معنى الشهادة واستشهدت وأسلمت نفسي لله وأغمضت عيني واجتهدت في استقبال القبلة وودعت كل ما في الدنيا من ذكريات وآلآم وأفراح وأتراح واستقبلت ربي أدعوه أن يكتب لي الجنة وأن يكون ماء البحر قد غسل ذنوبي كلها وحمدت الله
      على هذه الميتة وأنني لم أمت موت الفجاءة حيث لا وقت للمراجعة والاستغفار.

      تخيلت نفسي أشرب ماء البحر وأن الكرة الأرضية تنشق من تحتي وأنا أنزل فيها وبدأت في النزول وفجأة ناداني صوت صارخ 'إنما هي شعرة بين حفظ النفس والانتحار وفيها مصيرك إلى جنة أو إلى نار' إنك تنتحر'. فدفعت نفسي ثانية بكل ما تبقى لي من قوة وبدأت أسبح مرة أخرى ولكن قواي ما لبثت أن خانتني ثانية والقشعريرة استنزفت ما بقي لدي من قوة وأجد صعوبة في التنفس فعلمت أنها علامة ما
      قبل الموت. وبدأت أغوص وفجأة موجة قوية ترفعني إلى السطح فأخذت نفساً عميقاً بما تبقى لي من قوة فاستشعرت يد الله تحملني وترفعني ونسمة هواء عجيبة كأنها ملئت بروح السماء وأنظر حولي فأرى أربعة أو خمسة دلافين 'Dolphins' يطوفون بي في هذا الليل المظلم يصدرون تلك الأصوات الجميلة والتي طالما ظننتها صورة من صور تسبيحهم لخالقهم فأدركت أنها علامات الحياة يرسلها الله
      لي ليعلمني أنه سبحانه منجيني ولو بعد حين.

      موج يرفعني ويحول بيني وبين البحر أن يبلعني ونسمة هواء معبأة بروح السماء تملأ رئتي وجسدي بالحياة. ومجموعة دلافين تطوف وتسبح بحمد ربها بلغة لا نفقهها. أنزل
      الله علي السكينة مرة أخرى وبدأت أفكر مرة أخرى بالنجاة. رأيت السفن من على بعد طوابير ينتظرون دخول الميناء وهم كقطع من المدن، قررت السباحة تجاههم بالرغم من علمي بخطورة ذلك ولكن ليس لي من خيار وبعض هذه السفن راسية ومحركاتها العملاقة مغلقة لعلى أصل إلى أحداها ولا أسحق بمحركاتها توجهت إلى أصغرها واستطعت الاقتراب وأخذت أصرخ بأعلى صوتي باللغتين لعل أحداً يسمعني ومازلت في الثلث الأخير من الليل ولكن دون فائدة. ألهمني الله أن أضع أحد زعنفي تحت رأسي لأريح قدمي ولأستند على الزعنف لثوان قليلة فوجدت أن الموج يرفعني عندما أضع الزعنف تحت وجهي وأتخذه كوسادة وأغفو لثوان قليلة قبل
      أن يلطمني الموج ويوقظني.

      وألهمني
      الله
      في تلك الآونة أن أدعوه بقوله تعلى :-
      (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع
      الله
      قليلاً ما تذكرون)
      ولم أعلم آنذاك أن كلمة 'المضطر' لم ُتذكر في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في هذه الآية الثانية والستين من سورة النمل.

      وبينما أنا أصارع الموت في الثلث الأخير من الليل بما تبقى لي من قوة وأصّبر نفسي وأقرأ هذه الأية إذا بخبطة قوية تأتين من الخلف فوضعت نظارة الغوص فرأيت سمكة قرش من نوع 'White Tip' ولي في أنواع القروش علم ودراية.

      وكأنه يقول لي ماذا تفعل هنا أو أنه يدرسني وهذه من عادات القرش فبصره ضعيف ويعتمد على جسده في تحديد ماهية فريسته ووزنها ونوعها وتحليلاً للجسم بل طعمه وجنسه. وفجأة تبدد التعب والعطش وعادت لي قوتي أحسست بهرمون الإدرنالين 'Adrenaline Rush' كأنما ينسكب في دمي سكباً ليعيد لي الحياة والقوة للحفاظ عليها، وعلمت بعد ذلك دور هرمون الإدرينالين الذي يفرز من غدتي الكظر 'وهما الغدتان المتواجدتان فوق الكليتين' تحت أي ضغط أو توتر وهذا الهرمون يساعد على بدء مجموعة من التفاعلات الحيوية التي خلقت من أجل مساعدة الجسم على التعامل مع الأزمة والتكيف معها. ففي البداية من هذه التفاعلات يفرز الكبد السكر في الدم للإمداد ببعض الطاقة حتى يستعد الجسم للهجوم أو الهرب، وعندئذ يكون التنفس أسرع حتى يمد الجسم بالمزيد من الأكسجين ثم يزداد معدل ضربات القلب حتى تضخ الدم بصورة أكبر لكي تحمل السكر الزائد والأكسجين إلى المخ والعضلات، كما يؤدي إفراز الإدرينالين إلى تأثيرات عديدة على الجسم، أهمها يزيد من قوة انقباض العضلة القلبية ويزيد من سرعة نظم القلب مما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في النتاج القلبي، كذلك يؤدي إفراز الإدرينالين إلى انقباض الأوعية الدموية المحيطية وتحويل سريان الدم من الجلد والأحشاء إلى العضلات الهيكلية والدماغ. فكانت تلك الضربة القوية هي أكثر ما أحتاج إليه لمواصلة المقاومة وعدم الاستسلام ولكني ضحكت في نفسي وناجيت ربي


      'يارب أهذا الذي ينقصني؟'
      أدعوك ربي أن تنجيني .
      فترسل لي قرشاً؟
      أستجديك ربي بألوهيتك وربوبيتك أن أردت أن تأخذني إليك فخذني قطعة واحدة لا في فم هذا القرش ممزقاً أشلاء، لم أر في حياتي قرشاً بهذا القرب وبدأ يحوم حولي فأخذت أحوم حول نفسي لأتأكد من نوعه فتيقنت أنه 'White Tip' وهذا النوع من القروش قوي وذكي بل وعنده قدرة الصعود فوق الشعب المرجانية في حالة تعبه لفريسته، وقد رأيت مثله من
      قبل
      وإن لم يكن بذلك الحجم في رحلة صيد وكنت أحمل سمكاً قد صدته فهاجم صيدي فألقيت له بالصيد كاملاً بما فيها بندقية الصيد لأفدي بها نفسي.

      دعوت ربي أن يسخر لي هذا الوحش وأكثرت من الدعاء
      'أعوذ بكلمات
      الله
      التامات من شر ما خلق'
      'بسم
      الله
      الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم'

      واستمر القرش يحوم حولي وحجمه أكبر مني بكثير وقدرت طوله حوالي (3) أمتار، وازداد دعائي وتذللي إلى
      الله الذي يقول للشيء كن فيكون، والعجيب في الأمر أن الله ألهمني أن أدعوه بأن يسخر لي هذا الوحش الفتاك ولم يلهمني أن أدعوه بصرفه عني. مرت ثلاث ساعات ومازال القرش يحوم حولي فتيقنت آنذاك أنه لم يؤمر بأن يفتك بي وإلا لفعل ذلك منذ ساعات فاطمأننت، بدأ فجر يوم السبت ينشق، توضأت لصلاة الفجر وأحسست مرة أخرى بقوة الوقاية والحماية والتحصين والدرع الذي يحيط بي بوضوئي هذا وصليت الفجر وأنا أحاذر من هذا القرش وأدعو الله
      أن يسخره لخدمتي ويقيني شر هذا البحر وينجيني منه.

      ماذا يريد القرش؟!
      بعد الصلاة فوجئت بالقرش يقترب مني أكثر ويحوم حولي وكأنه يريد الهجوم عندئذ أدركت أنه إن هجم علي فأنا هالك لا محالة وعسى لو رأى مني محاولة للرد أن يعدل
      عن رأيه فجمعت كل ما تبقى لي من قوة. وقررت أن ألقي بجسدي كله عليه
      إن اقترب مني لعله يظن أن بي قوة ففعلت وارتطمت به فغاص إلى الأعماق ثم عاد مرة أخرى إلى السطح كأنه يقول لي
      'يا عبدالله لم أرد إيذائك أو قتلك أو أكلك فلم يؤذن لي أن أفعل ولو أ ُذن لي لما رأيتني إلا وقد سلبت قطعة من جسدك وأنت لا تشعر.
      وعاد يحوم حولي ببطء كأنه يعلمني أنه موكل بمرافقتي في رحلتي هذه.
      فأصبح بعد ذلك بالنسبة لي بمثابة سمكة عادية تحوم حولي تؤنس وحشتي ، وعندما أضاءت الدنيا أصبح بمقدوري أن أتيقن بما لاشك فيه أن القرش هو من الفصيلة التي ذكرت آنفاً وأنه لا يريد الفتك بي بإذن خالقه فأصبح القرش أنيسي بعد أن كان همي ومصدر قلقي وخوفي .

      أخذت اقترب من السفن ونسيت الآلام والعطش وقد غمرتني فرحة النجاة من القرش والاقتراب من السفن . وفي هذه الآونة سمعت صوت محرك(حوامة حرس الحدود) توقعت أنهم لن يروني كما حدث
      قبل
      ذلك طوال الأربعين ساعة الماضية ولكنهم كانوا يقصدونني واقتربوا مني فخلعت زعانفي ورفعتها كما فعلت في محاولاتي السابقة لجلب الانتباه إلي،
      وصاح أحدهم :
      أأنت الدكتور حسام جمعة ؟
      فأجبت 'بنعم' فقال 'أبشر لقد نجوت'.
      حاولوا رفعي أولاً من يدي فسقطت من آلامي ثم ألقوا إلي سلماً وصعدت الحوامة ولم أستطع الوقوف ولكني سجدت لله طويلاً فقال أحدهم أتركوه يسجد لله وباغتني النوم وأنا ساجد لله.
      وقيل لي بعد ذلك أنني لو تابعت سباحتي في اتجاه السفن الضخمة لفتكت بي القروش هناك حيث إنها منطقة تلقي فيها المواشي المريضة تسمى 'بحر المواشي'
      قبل
      أن تصل إلى الميناء وتكثر فيها القروش ولما بقي مني قطعة واحدة ليتعرفوا بها علي.
      وذهبوا بي إلى مركز الحوامات وقدم لي سكبة من الماء لم أذق في حياتي أطعم من مذاقها كأنها سكبت ماء الجنة.

      وكان اسم الحوامة 'زفاف' وبالفعل كان يوم زفافي مرة أخرى للدنيا وكانت فرحة منقذي بي من سلاح الحدود غير معقولة وكأنما زفت لهم حياتهم كذلك من جديد، وعلمت بعد ذلك أن المسافة التي قطعتها في 40ساعة حوالي 50 كيلو متراً أي تقريباً المسافة من جدة إلى نقطة تفتيش الشميسي القريبة من مكة المكرمة. أما بالنسبة لأصدقائي 'طلعت مدني'، و'يوسف' فقد علمت أنه تم العثور عليهم من
      قبل
      متطوعين 'فريق/ محمد دباغ' يوم الجمعة في السابعة صباحاً فحمدا لله على نجاتهم، وعلمت أن كل بيوت جدة كانت تدعو لنجاتي ممن أعرف ولا أعرف ومساجد وأئمة دعوا لي في تلك الجمعة الحاسمة من حياتي.
      حصوة الكلى اختفت!

      ذهبوا بي إلى المستشفى وتعجب الأطباء من معدلات الأملاح في الدم وغيرها من التحاليل التي يتعذر الحياة بمثل هذه المعدلات والأرقام. أما حصوة الكلى التي كانت عندي
      قبل أسابيع فبقدرة الله سبحانه وتعالى اختفت تماماً ولم تترك أثراً في الأشعة وأغلب الظن أن الله
      تكفل بها وشفاني وخلصني منها وأنا في البحر. ولم أنم لمدة يومين بعد نجاتي ومازلت اليوم بعد أسبوعين من الحادثة أنام ما لا يزيد على ثلاث ساعات في اليوم.

      وتسألني اليوم ما الذي حدث لك؟ أقول لك إن
      الله
      أراد بي لطفاً وخيراً عظيماً يوم كتب الأرزاق والآجال واختار لي أسمي بسابق علمه.
      'فجمعتي الحاسمة' تلك ستبقى لي ما حييت فاصلاً كالسيف الحاسم بين حياتي قبلها وحياتي بعدها. فما أنا اليوم ذلك الذي كنته بالأمس
      قبل جمعتي الحاسمة تلك وقد نذرت إلى ربي نذوراً كبيرة. أبسطها ألا أتكاسل عن صلاة الفجر في المسجد وأن أسخر حياتي للدعوة إلى الله وأن أسعى لتسخير وتجنيد قصتي هذه التي هي من آيات الله لإحياء النفوس وتذكير الناس والعودة بهم إلى الله وأن أمتثل قول الله
      تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).
      وإنني اليوم لأنظر بعين غير تلك التي كنت أنظر بها وأسمع بأذن غير تلك التي كنت أسمع بها وكل الأعمال والشعائر صبغت عندي بصبغة السماء فلا الآذان هو الآذان الذي كنت أعرفه ولا الوضوء هو الوضوء ولا الصلاة هي الصلاة ولا طعم الماء هو طعم الماء ولا تعظيم النعمة هو تعظيمها ولا الشعور بالأمان هو الشعور بالأمان ولا تقدير الصحة والعافية هو هو ولا الدعاء هو الدعاء.
      كنت أنظر الدعاء 'كمسدس ماء' واليوم أعلم أنه أشد وأمضى من أقوى قنبلة ذرية على وجه الأرض بل وفي تشبيهي هذا إنقاص للمعنى وسوء أدب مع خالق السماء والأرض. ولكني اجتهد في تقريب المعنى ما استطعت.

      وأدركت ما في هذه الأمة من خير عظيم. أصدقاء أعرفهم وغيرهم لا أعرفهم ذهبوا للبحث عني بالقوارب طوال الليل والنهار. وأناس لا أعرفهم ولا يعرفونني هجروا مضاجعهم وقاموا الليل يدعون
      الله أن يحميني وأنا هناك في وسط البحر. فأبى الله
      إلا أن يكون أرحم من قلوب الرحماء من أمته وأن يكتب لهم الأجر ولي النجاة.

      تذكرت قول
      الله تعالى ( وذا النون إذ ذهب مغاضبــاً فظن أن لن نقدر عليه
      فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين* فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) الأنبياء 87-88

      (ويضرب
      الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)' إبراهيم 25 (ويضرب الله
      الأمثال للناس والله بكل شي عليم ) النور: 35 (تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت 43
      أما القرش فلا تسألوني عنه ولا
      عن الضربة التي أمر أن يوجهها إلي في تلك المنطقة بالذات 'منطقة الكليتين فالأطباء يعلمون ما فوق الكلية' الغدة فوق الكلوية' المسئولة عن
      إفراز هرمونات الكاتاكولامينز '***echolamine' وما دورها في مثل هذه المواقف.
      كل الذي أعرفه هو أن تلك الضربة التي أمر
      الله هذا القرش بها كانت بمثابة القوة التي أعانتني أن أواصل مسيرتي نحو تحقيق واجب الحفاظ على النفس والنجاة من الموت ولم يؤمر القرش بغير هذه الضربة مستجيباً لله الخالق الذي له الأمر من قبل
      ومن بعد (وكأين من أية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).

      أخوكم الدكتور حسام عبدالسلام جمعة
      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...
    • إنشاد: أبو علي وأسامة السلمان عرضت في قناة المجد في برنامج للحقيقة
      فقط في حلقة : الفريضة المنسية ( [B]عن
      صلاة الفجر ) ..

      [/B]










      روح الانْسَان مِثل الزّهورْ ، كُلمَا ذَكر اللهْ أزهَر وَانشَرح صَدرهْ ، وَكلمَّا غَفل عَن ذكْرِ الله ذَبل وَأنقَبضَ صَدرَهُ. ...