زعفران هو قط صغير اختار أن يقيم بيننا قبل أن نختاره، وأظن جازمة أنه جاء لهدف معين، ولا أستبعد أن يكون هذا الهدف هو تعليمي ما لم تستطع الحياة أن تعلمنيه، لهذا ظهر في هذه الفترة من حياتي بالذات دون سواها، ولعل أهم الدروس التي علمني إياها هذا الصغير من اليوم الأول لوجوده في منزلي هو تصديق مقولة (من عاب ابتلى) فقد قضيت ما مضى من عمري اصدر الأحكام على من حولي من أفراد أسرتي ومعارفي ممن يهوون تربية الحيوانات، التي لم يستوعب عقلي حينها هذا الاستعداد لصرف مبالغ على حيوانات نحن أحوج إليها منها، والمشكلة أن جميع أفراد اسرتي تقريبا بمن فيهم إخوتي وزوجي وأفراد عائلته من محبي الحيوانات الأليفة بأنواعها، مع اختلاف الهدف من تربيتها بحكم التربية والنشأة طبعا، وكان الجميع محل سخرية وتهكم مني على الدوام، واتهام بالجنون بسبب هذا الهوس (المكلف ماديا)، لكن الدنيا دوارة كما يقال والعقاب دائما من جنس العمل، فاليوم دارت الدائرة علي وأصبحت- والفضل في ذلك لزعفران- محط سخرية الجميع، بل إن بعض افراد الأسرة جاءوا خصوصا عند سماعهم للخبر للتحقق من صحته، وفي غضون أسابيع قلب زعفران حياتي رأسا على عقب، وتوالت الدروس التي كان علي أن أتعلمها منه درسا تلو الاخر، لعل أثمنها كما ذكرت هو أن أتوقف عن اصدار الأحكام على الاخرين فما* نراه عيبا اليوم في تصرفات من حولنا سيأتي يوم علينا نأتي بمثله، وكثير مما كنا نراه في فترات سابقة عيبا* اصبح عادة مألوفة، فالعيب نسبي إلى حد كبير والخطأ ايضا كذلك، والأعراف غير ثابتة على الاطلاق، فما هو عرف سائد في صلالة يمكن أن يكون عيبا في نزوى، وما يمكن أن يكون مستنكرا في مصر يمكن أن يكون تقليدا في العراق، وما يمكن أن يكون عادة* في العصور القديمة يمكن أن يكون جريمة يعاقب عليها القانون اليوم، وهلم جرا…
قبل أيام كان أحدهم يعلق على هيئة زميل اختار أن يطيل شعره، وقد استنكر عليه الحضور هذا المظهر (غير اللائق) لكن الشعر الطويل كان مستحبا وسائدا بين رجال العرب على مر العصور، وكذلك استخدام الكحل والحناء الذي كان حتى عهد قريب يستخدم كزينة مشتركة للرجال والنساء، اليوم لا يتجرأ رجل أن يظهر في العامة برجل خضبت بالحناء وشعر طويل وعين كحيلة، لذا ربما علينا فعلا أن نراجع ذواتنا مرارا وتكرارا قبل أن نصدر الأحكام على الاخرين فقط لأنهم مختلفون، أو لأنهم يملكون الجرأة للإتيان بسلوك لم نعتده قد يتحول هذا السلوك الفردي الذي نستنكره إلى تقليد مجتمعي نمارسه علنا وخلافه يصبح هو العيب، المرة القادمة قبل أن تنتقد تصرف زميلك، أو طريقة لباس مراهق في مركز تجاري أو سلوك وافد من دولة أخرى، توقف قليلا وراجع نفسك، وفكر في تلك الحكمة (من عاب ابتلى) لأنها بالفعل حقيقة وواقع مر نعيشه، لكن المؤسف أننا لا نتعلم منه، رغم أن هذه الحكم والأمثال اختزنت تجارب حضارات على مر العصور، علينا بالفعل ان نتعلم كيف نتجاوز ظاهر الأشياء لأن الكتاب لا يقرأ من عنوانه دائما، فوراء هذه الأزياء الغريبة التي نستنكرها شخصيات رائعة حقا لو فقط أتحنا لأنفسنا تجاوز الملابس والتمعن فيما وراءها، لأنه أحيانا يحدث أن نقطع علاقتنا باشخاص رائعين لا لشيء سوى لأن كل منا كان يقف في زاوية مختلفة وهو ينظر إلى امر ما، أو اختلفنا في وجهة نظر تمسك كل منا بما كان يراه، لكن لو أن أحدنا كان من الحكمة بحيث يحاول أن يضع نفسه مكان الطرف الاخر ولو للحظة ما كانت الأمور ستتطور إلى ذلك الحد، مؤلم حقا أن يدرك المرء بأنه خسر أجمل علاقاته، وربما شتت شمل أسرته يوما، وقطع رحما لاختلاف بسيط في وجهة النظر، أنا على ثقة بأنه مر عليه يوم قد عض فيه أصابعه ندما عليها، لكن هيهات فقد فات آوان الندم، فلا ندم يمكن أن يعيد لأطفالك حياة الاستقرار التي حرموا منها إثر طلاق صدر بقرار متهور، ولا ندم قادر أن يمحي من قلوبهم جرحا سيبقى علامة فارقة في حياتهم للأبد، ولا ندم يمكن أن يعيد لك أحبابك الذين رحلوا عن الدنيا لتقدم لهم اعذارا على جرح سببه سوء الفهم منك لهم، فغادروا هذه الدنيا وجرح غائر في الروح لم يبرأ، وعلامَ؟ على أسباب بالفعل قد تكون تافهة حين نملك الشجاعة للنظر إلى أنفسنا في المراة ومواجهتها، أسباب بالفعل لا ترقى لقطيعة ولا حتى خلاف بسيط مع من نحب، الحياة قصيرة ومن المحزن أن نضيعها على خلافات بسيطة، ناتجة عن هواية إصدار الأحكام على من حولنا.
قبل أيام كان أحدهم يعلق على هيئة زميل اختار أن يطيل شعره، وقد استنكر عليه الحضور هذا المظهر (غير اللائق) لكن الشعر الطويل كان مستحبا وسائدا بين رجال العرب على مر العصور، وكذلك استخدام الكحل والحناء الذي كان حتى عهد قريب يستخدم كزينة مشتركة للرجال والنساء، اليوم لا يتجرأ رجل أن يظهر في العامة برجل خضبت بالحناء وشعر طويل وعين كحيلة، لذا ربما علينا فعلا أن نراجع ذواتنا مرارا وتكرارا قبل أن نصدر الأحكام على الاخرين فقط لأنهم مختلفون، أو لأنهم يملكون الجرأة للإتيان بسلوك لم نعتده قد يتحول هذا السلوك الفردي الذي نستنكره إلى تقليد مجتمعي نمارسه علنا وخلافه يصبح هو العيب، المرة القادمة قبل أن تنتقد تصرف زميلك، أو طريقة لباس مراهق في مركز تجاري أو سلوك وافد من دولة أخرى، توقف قليلا وراجع نفسك، وفكر في تلك الحكمة (من عاب ابتلى) لأنها بالفعل حقيقة وواقع مر نعيشه، لكن المؤسف أننا لا نتعلم منه، رغم أن هذه الحكم والأمثال اختزنت تجارب حضارات على مر العصور، علينا بالفعل ان نتعلم كيف نتجاوز ظاهر الأشياء لأن الكتاب لا يقرأ من عنوانه دائما، فوراء هذه الأزياء الغريبة التي نستنكرها شخصيات رائعة حقا لو فقط أتحنا لأنفسنا تجاوز الملابس والتمعن فيما وراءها، لأنه أحيانا يحدث أن نقطع علاقتنا باشخاص رائعين لا لشيء سوى لأن كل منا كان يقف في زاوية مختلفة وهو ينظر إلى امر ما، أو اختلفنا في وجهة نظر تمسك كل منا بما كان يراه، لكن لو أن أحدنا كان من الحكمة بحيث يحاول أن يضع نفسه مكان الطرف الاخر ولو للحظة ما كانت الأمور ستتطور إلى ذلك الحد، مؤلم حقا أن يدرك المرء بأنه خسر أجمل علاقاته، وربما شتت شمل أسرته يوما، وقطع رحما لاختلاف بسيط في وجهة النظر، أنا على ثقة بأنه مر عليه يوم قد عض فيه أصابعه ندما عليها، لكن هيهات فقد فات آوان الندم، فلا ندم يمكن أن يعيد لأطفالك حياة الاستقرار التي حرموا منها إثر طلاق صدر بقرار متهور، ولا ندم قادر أن يمحي من قلوبهم جرحا سيبقى علامة فارقة في حياتهم للأبد، ولا ندم يمكن أن يعيد لك أحبابك الذين رحلوا عن الدنيا لتقدم لهم اعذارا على جرح سببه سوء الفهم منك لهم، فغادروا هذه الدنيا وجرح غائر في الروح لم يبرأ، وعلامَ؟ على أسباب بالفعل قد تكون تافهة حين نملك الشجاعة للنظر إلى أنفسنا في المراة ومواجهتها، أسباب بالفعل لا ترقى لقطيعة ولا حتى خلاف بسيط مع من نحب، الحياة قصيرة ومن المحزن أن نضيعها على خلافات بسيطة، ناتجة عن هواية إصدار الأحكام على من حولنا.