وكيل الثقافة اليمني هشام علي لـ « عمان »: نحتاج إلى مراجعة كتاباتنا النقدية ولا أختصر الواقع في خطأ

    • وكيل الثقافة اليمني هشام علي لـ « عمان »: نحتاج إلى مراجعة كتاباتنا النقدية ولا أختصر الواقع في خطأ

      لا فتور في العلاقات الثقافية بين عُمان واليمن والبيروقراطية خنقت كل شيء -
      ادوارد سعيد مثال لي والخوف من المحاولة يجمّد القلم في كفي -
      حاوره في صنعاء ـ سامي الشاطبي -

      يعد المثقف المفكر هشام علي بن علي وكيل وزارة الثقافة اليمنية أحد أبرز الاسماء التي تشتغل وبتأن على المختلف وغير المؤتلف في المشهد الثقافي اليمني، في رسالة يهدف من خلالها لتحقيق جملة من الامال وتتلخص في افادة المجتمع اليمني من عصارة فكر عدد لا يستهان به من المفكرين العرب…لهشام العشرات من الاصدارات منها (جبل شمسان، وطن يؤلفه الكلام، النهضة الفكرية في اليمن، رؤية اليمن، ادوارد سعيد بين عالمين، والكثير الكثير..)
      الى جانب اشتغالاته الإبداعية نجد الاستاذ هشام علي كوكيل لوزارة الثقافة اليمنية ساعيا لتحقيق هدف الثقافة، على المستوى الأول إيجاد مجتمع واع والمستوى الثاني تعزيز العلاقات الثقافية اليمنية العربية ..ومن المهم الاشارة في هذا السياق إلى انه رأس أول وفد ثقافي من الشطر الجنوبي إلى السلطنة عام 1988.
      وفي هذا اللقاء الذي خص به « الثقافي» يتحدث هشام علي عن تجربته الفكرية والثقافية، في شهادة لمبدع وكاتب كبير امتدت تجربته لأكثر من اربعة عقود..:
      • لا يبدو ان احداً ما يقّيد فضاء المفكر اليمني هشام علي النقدي والبحثي ، ففضاؤك ممتد وبلا حدود، من جبل شمسان مروراً بوطن الشاعر الكبير المرحوم عبدالله البردوني وبكتابات المستشرقين الاجانب عن اليمن وانتهاءً بادوارد سعيد..كيف جعلت الفضاء ملكا لك عكس الكثير من البحاث المحكومين والمقيدين سلفا؟
      فضاء الكتابة مفتوح وليس له حدود.. هذه هي الثقافة وقضاياها لا تتوقف عند حد معين. وبالنسبة لي، لم أتقيّد بحدود اليمن في كتاباتي، فالثقافة العربية هي سياق أكبر تندغم الثقافة اليمنية في إطاره، رغم تأكيدي على الخصوصية الثقافية، لكنّها خصوصية لا تعني العزلة، بل هي تأكيد على التنوع الثقافي. وكذلك الأمر في علاقتنا بالثقافة العالمية، واليمن لم تكن في يوم من الأيام، معزولة عن العالم.
      • يفهم القارئ العماني من ذلك بان كتابك الصادر قبل عدة سنوات والمعنون بـ” رؤية اليمن ” يأتي في هذا السياق؟
      نعم.. تعرضت لهذا الموضوع في كتابي “رؤية اليمن” لكتابات مستشرقين ورحالة وسياسيين أجانب، وكذا تعرضت لبعض الأعمال السينمائية التي اتخذت اليمن موضوعاً لها.
      وكذلك تعرضت للشاعر الفرنسي ارثر رامبو الذي جاء إلى اليمن في أواخر القرن التاسع عشر، وكان قد كف عن كتابة الشعر، لكنّه عاش حياته في عدن تاجراً ومغامرا وحالما بشعرية المكان ورفيقه في مدينة عدن التي كان يحلم بالعودة اليها وهو على فراش الموت.
      • رفدت الحياة الثقافية اليمنية على مدى عقود بنتاجات بلغت عشرات الكتب النقدية والفكرية..ما هي أهم المؤثرات في حياتك التي كوّنت ذلك الفكر والذائقة المغايرة التي كان لها الأثر في ذلك العطاء؟ .
      الاجابة على هذا السؤال تعني الحديث عن رحلة عمر ومسيرة تجارب صعبة وشاقة بقدر حلاوتها وروعتها. ولهذا أرجو أن تعفيني عن الاجابة هنا، حتى لا اختصر واقع في خطأ الاختصار.
      • تنغمس كثيراً في البحث والتقصي، فمنشوراتك دائمة في الصحافة المحلية..تتناول الكثير من الشخصيات العربية المبدعة..اثرها وتقدم خلاصة فكرها في كتابات تهدف الى استفادة المجتمع اليمني منها.. تقدمها وتقدم نتاجها بأسلوب سردي مبهر ..فؤاد فودة.. الايطالي بابلو…؟
      ليس هذا سؤالا ولكني اعتبره رأياً في اسلوبي في الكتابة. وهو رأي اعتز به. والسرد الغالب في كتاباتي يشير إلى رغبة خفيّة في كتابة الرواية، بيد اني عجزت عن ارتياد هذه التجربة السردية التي أحلم بها.
      • عن مكتبة الإرشاد بصنعاء صدر كتابك (النهضة الفكرية والتاريخية في اليمن) حيث تناولت النهضة التاريخية والفكرية في اليمن في عصر التأسيس القرن 19حتى بداية القرن العشرين، وفي النهضة الفكرية في اليمن بين عامي 1930-1962م والنهضة والثورة…ما الذي دعاك الى تناول موضوع النهضة الفكرية والتاريخية اليمنية؟
      الكتاب الذي تشير اليه كان حصيلة عقد من الزمان من البحث والتحليل للكتابة عن المثقفين والنهضة في اليمن، وهو يتناول مرحلة تأسيسية مهمة من تاريخ اليمن وثقافته ودور المثقفين اليمنيين خلال مرحلة تمتد من بداية القرن العشرين وحتى بداية الثورة اليمنية 1962م. والكتاب جزء من مشروع كبير أتمنى ان أجد الفرصة لاستكماله في كتاب قادم يتناول السنوات والعقود التي اعقبت الثورة إلى مرحلة الوحدة وما بعدها.
      • أين تتجلى الوحدة اليمنية والتي تتعرض لهزات عنيفة في أيامنا هذه في كتاباتك؟
      في عملي الفكري التزمت رؤية موحدة لليمن وعالجت قضايا الثقافة والابداع على هذا الاساس.
      • تطرقت بشيء من التفصيل في كتابك “وطن يؤلفه الكلام” الى مواضيع تتعلق بالشاعر الكبير المرحوم عبدالله البردوني ..وقد بدا سعيك لتفصيلها حثيثاً..الحداثة في فكر عبد الله البردوني..المناحي الفكرية في فكر البردوني.. قراءة مغايرة لقصيدة مصطفى للشاعر البردوني ؟
      البردوني كان يؤسس في كتاباته الشعرية والنثرية لوطن اسمه اليمن . وقد تتبعت كتاباته الفكرية والسياسية على نحو خاص، ووجدت انّه لم يكن يكتب قضايا اليمن ومشكلاتها السياسية، بل كان يعيش تلك المشكلات وينغمس فيها ليقدم رأياً ويعرض فكراً يقرأ تلك الاحداث. ولهذا السبب جعلت عنوان كتابي عن البردوني” وطن يؤلفه الكلام،” وكان هذا عنواناً لدراسة في شعر البردوني. ولكنّي حين درست كتاباته الفكرية والسياسية وجدت ان البردوني هو نفسه في شعره ونثره، مرتبط باليمن وبتحولات المجتمع والسياسة والتاريخ كأنه يقرأ كتاب اليمن الحي، أو كأنه يحبس نبض الحياة في المجتمع ، يقرأ الآتي ويستبصر المستقبل.
      اما قراءة قصيدة “مصطفى” فقد انطلقت في قراءتها من ذلك النفي الذي أعلنه البردوني حين سأله البعض، هل كان “مصطفى” هو الزعيم السياسي والمناضل التقدمي عبد الفتاح اسماعيل الذي قُتل في أحداث يناير1986م ، وترك اثراً في نفوس اليمنيين الذين لم يصدقوا انه قد قتل؟. بديهي ان البردوني لم يكن يكتب قصيدة مباشرة يرثي بها عبد الفتاح اسماعيل. لكنّه استحضر ربما بغير قصد في شخصية مصطفى الشعرية، سيرة ذلك المناضل الأسطوري، ورسم ملامحها دون ان يصرّح بذلك. حاولت ان اقرأ قصيدة مصطفى قراءة مغايرة حسب ما جاء في السؤال. واتمنى ان أكون موفقاً في تلك القراءة .
      • كيف تقيّم المشهد النقدي اليمني وهل ساهمت الثقافة في خلق المجتمع المدني.؟
      هذا التقييم ضروري ومهم. ونحن نحتاج فعلاً إلى مراجعة كتاباتنا النقدية وتقييم المشهد النقدي اليمني. الا ان هذا العمل يتعذر علي القيام به، لا سيما ان غالبية الكتابات النقدية تقع في شباك المجاملة أو التجريح ولا تخضع للموضوعية والعلمية. ومن المؤسف القول انه ليس لدينا منابر فكرية للنقد، كما ان الاكاديميين في الجامعات اليمنية يتعالون عن المساهمة في النقد أو يخشون من هذه المشاركة وهم يكادون ان يكونوا خارج المتن النقدي التطبيقي ويكتفون بالعمل التعليمي وحسب.
      • كمتابع ارى بانك تستعد لكتابة عمل ادبي …أليس كذلك؟
      ارجوا ن يتحقق ذلك. فحلم الكتابة الأدبية يراودني، ولكنّ ليس بالأحلام وحدها تتحقق الكتابة الابداعية. والخوف من المحاولة أو التجربة هو ما يجمّد القلم في كفي.
      • بعد كل تلك السنوات من الانغماس الجدي في عوالم الكتابة النقدية الاستشرافية ما الذي جنيته؟
      لا ادري ما الذي تقصده بجدوى الكتابة في سؤالك، لكنّي أقول لك ان الكتابة بالنسبة لي حياة عشتها اختيارا. لم اكسب اشياء مادية وطبيعية الحال، وهو أمر معروف في بلادنا. لكنني امتلكت فضاء رحباً للتحليق بحرية في هذا العالم الواسع.
      • الفكر لا حدود تقيّده أو تحد من امتداده، وهذا هو بالضبط ما التقطته في كتابك الجديد (ادوارد سعيد.. وتفكيك الثقافة الامبريالية) والصادر في صنعاء قبل أيام.فمن نقطة قصيّة في الأرض تتمثل في اليمن، تطل إلى نقطة قصيّة أخرى تتمثل في أمريكا، لتنهل من فكر مثقف عربي عاش فيها وانتج فكرا يعم الكرة الارضية..انه “إدوارد سعيد هذا المفكر الذي لم يحظً بالقدر الذي يستحقه من الدراسة والتحليل في العالم الثالث”…لماذا ادوارد سعيد بالذات ..هل ثمة ما يربط فكر سعيد بما يعتمل في الداخل اليمني..؟
      محاولتي لتحقيق مقاربة فكرية لهذا المفكر العربي الفلسطيني الامريكي أو تعبير أكثر شمولاً، المفكر الكوني ادوارد سعيد، انطلقت من طبيعة فكرة المتفرد، الفكر النقدي المتميز ، فهذا المفكر الذي درس وعاش في الولايات المتحدة الامريكية ووصل إلى قمة الهرم العلمي في أكبر جامعاتها. كما انه استطاع ان يحتل موقعاً في صدارة الكتابات النقدية في امريكا وأوروبا.
      وفوق هذا وذاك ، اخترق المركزية الغربية في الفكر والثقافة ، وشق لنفسه موقعاً خاصاً، بدأه ينتقد الكتابات الاستشراقية وأتمه بنقد الثقافة الامبريالية وهيمنتها على ثقافات العالم. بهذا شكّل ادوارد سعيد بالنسبة لي نموذجا ومثالاً، وقد حاولت دراسة فكره بالطريقة التي كان يريدها، أي الاّ يكون له تابعون، بل كتّاب يمضوه على طريقته النقدية ..ربما لم أوفق في هذا الكتاب لكنني اصر على الاستمرار والمواصلة.
      • متى ستتوقف عن الكتابة؟
      لا يمكن للكاتب ان يتوقف عن الكتابة الاّ إذا كان ثمة ظروف تجبره على ذلك.
      • في جانب عمان..ولكونك وكيلاً لوزارة الثقافة ..هل ثمة ما يمكن طرحه لتعزيز العلاقة الثقافية اليمنية العمانية..؟
      بمناسبة عمان والعلاقات مع عمان أود ان أذكر هنا انني رأست اول وفد ثقافي من الشطر الجنوبي الى سلطنة عمان ، كان ذلك في عام 1988م كما اتذكر بعد ان عادت العلاقات السياسية بين البلدين. وقد تعرفت على كثير من المثقفين العمانيين. كذلك اسعدني الحظ بالتعرف على السيد فيصل بن علي وزير الثقافة السابق، رحمة الله ، وقد رافقته مرتين، الاولى اثناء زيارته لعدن قبل الوحدة اليمنية، والثانية عند زيارته لصنعاء في 1997م كما اظن. وهو رجل فاضل ومتواضع ويكن حباً غامرا لليمن وأهلها.
      وقد اذهلني بمعرفته لكثير من القيادات السياسية اليمنية في حركة القوميين العرب، الذين عاش معهم في القاهرة وبيروت، وهو رجل يحمل رؤية رائعة للثقافة والعلاقات الثقافية بين اليمن وعمان اذكر كذلك صداقتي بالأديب والشاعر الرائع سيف الرحبي لأكثر من عشرين عاماً.
      • برأيك ما هي اسباب فتور العلاقة الثقافية اليمنية العمانية؟
      ليس ثمة فتور في العلاقات الثقافية بين اليمن وسلطنة عمان. وكل ما في الامر البيروقراطية في العمل الثقافي الرسمي التي تخنق كل شيء وفي رأيي ان العلاقات المباشرة بين المثقفين والادباء والفنانين في البلدين يمكن ان ثبت الحرارة والحركة في هذه العلاقات ونأمل ان نجد جسوراً للتواصل واللقاء.