نقلا عن موقع مدرسة الوارث
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
البارودي يرثي زوجته
التعريف بالشاعر :
هو محمود سامي البارودي شاعر مصري ولد عام 1838م لأسرة جركسية توفي أبوه وهو صغير السن ؛فتولت أمه تعليمه ، التحق بالمدرسة الحربية وتخرج ضابطا 1854م أحبّ البارودي الشعر منذ صغره وحفظ شعر الأقدمين واطّلع على الأدبين التركي والفارسي ، شارك في ثورة أحمد عرابي 1882م وعندما احتل الإنجليز مصر نفوه إلى سرنديب وفيها قال أعظم قصائده نظم البارودي الشعر في أغراضه المتنوعة كالفخر والرثاء والزهد والحكمة والوصف ، وله ديوان البارودي في أربعة أجزاء ، ومختارات من عيون الشعر العباسي ، ومختارات في النثر أسماها " قيد الأوابد ".
المناسبة :
قال البارودي هذه القصيدة في رثاء زوجته ، عندما جاءه خبر نعيها في منفاه بجزيرة سرنديب ، فكان نظمه لها تعبيراً عن مأساة النفي وفاجعة فقد الزوجة في وقت واحد .
1- هول الكارثة :
1- أَيــَدَ المَنــُونِ! قـدَحـْتِ أيَّ زِنادِ وأطــرْتِ أيَّةَ شعلةٍ بفــــــؤادي
2 - أوهنتِ عزمي وهو حملةُ فيلقٍ وحَطَمْتِ عودي وهو رمحُ طِرَادِ
المفردات:
الهمزة : لنداء القريب ، المنون : المنية ( الموت ) ، قدحت : قدح النار : أخرجها ،وقدح الزند : ضربه ، زناد : جمع زند وهو الحديدة التي تقدح بها النار ، أطرت ( طير ) : نشرت .
أوهنت : أضعفت ، عزمي : صبري ، حملة فيلق : الفيلق هو الجيش ج ( فيالق) ، حطمت : كسرت ، عودي : جسمي ، رمح طراد : الرمح يستخدم لملاحقة الأعداء .
الشرح :
ويجسد البيتان شعور البارودي بفداحة المصيبة التي نزلت به فيخاطب الموت الذي اقترب منه ومن داره فأصاب زوجته وهو في بلاد الغربة فاشعل النار في قلبه حزنا وكمدا مما أضعف صبره على غربته وجعله غير قادر على مواجهة أعدائه.
مواطن الجمال :
أيد المنون : أسلوب إنشائي( نداء) للقريب كناية عن قرب الموت منه ومن داره .
البيت الأول شبه الموت بالشخص الذي ضرب الحديدة فاشعلها فطارت شعلتها إلى قلبه ( استعارة مكنية ).
أوهنت عزمي وهو حملة فيلق : صور عزمه وصبره وتحمله بالجيش الكبير القادر على مواجهة الأعداء.
( أسلوب خبري)
حطمت عودي وهو رمح طراد : صور جسمه بالرمح الذي يستخدم لملاحقة الأعداء . ( أسلوب خبري )
2- آثار الفاجعة على نفسه :
3- لم أدر هل خطبٌ ألمَّ بساحتي فأناخَ، أم سهمٌ أصابَ سَوَادِي
4- أقذى العيونَ فأسبلتْ بمدامع تجري على الخدين كالْفِرْصَادِ
5- ما كنت أحسَبُنِي أُراعُ لحادث حتى مُنيِتُ به فأوهنَ آدِي
6- أبلتنِيَ الحسراتُ حتى لم يكدْ جسمي يلوحُ لأعينِ العُوَّادِ
7- أستنجدُ الزفراتِ وهي لوافحٌ وأُسَفِّهُ العبراتِ وهي بوادِي
8- لا لوعتي تدعُ الفؤادَ، ولا يدِي تَقْوى على ردِّ الحبيبِ الغادي
المفردات :
3- خطب : ج(خطوب) المصيبة ، ألَّم : نزل ، أناخ (نوخ): أقام بالمكان ، سوادي : شخصي أو قلبي .
4- أقذى العيون: جعل فيها القذى ، وهو ما يسقط في العين فيهيجها ويسيل دمعها. ، الفِرصاد: التوت الأحمر خاصة . والمراد به اللون الأحمر عامة، يريد أن دمعه ينزل دماً من فرط ألمه ووجده..
5- أراع : أخاف وأفزع ، مُنيت : ابتليت ، آدي (أدا): قوتي .
6- الحسرات : مفردها حسرة وهي شدة الألم ، يلوح (لوح) : يظهر ، العوادي : الذين يزورون المريض.
7- استنجد الزفرات : أستعين بها على تخفيف مصابي . ، الزفرات : مفردها زفرة ، وهي إخراج النفس بصوت مسموع ممدود . ، لوافح : حارقة ، أُسفه : أخفف ، العبرات: مفردها عبرة وهي: الدمعة قبل أن تفيض ، أو تردد البكاء في الصدر . أو الحزن بلا بكاء . ، بوادي : ظاهرة .
8- اللوعة : لوعة * الحب حرقته * التاع * فؤاده احترق من الشوق ، رد : إعادة ، الغادي : الذاهب من غير رجعة .
الشرح
ويخلص الشاعر إلى رسم النتائج المؤلمة التي ترتبت على فقد زوجته، ومظاهر الحزن التي يطالعها وتطالعه في الصباح والمساء، بل في كل ساعةٍ من ساعات الليل والنهار وكأن المصائب أقامت بداره وأصابت قلبه فسالت دموعه دما ، وضعف جسده ونحل حتى كاد لا يرى للذين جاءوا لزيارته ومواساته ، فهو يستعين بالتنهيد على تخفيف مصابه لكنها تحرق قلبه ويحاول التمسك وعدم البكاء لكن الدموع تتسابق ، وقداعتصر الحزن العميق قلبه ولا يستطيع إعادة الحبيب المفقود .
مواطن الجمال :
*أخطأ الشاعر استخدام (هل) للاستفهام وكان يفترض أن يستخدم( الهمزة) لأن الاستفهام يفيد التصور لا التصديق . وهو يفيد التعجب ( أسلوب إنشائي ) .
*مدامع تجري على الخدين كالفرصاد : شبه الدموع بالفرصاد وهو التوت الأحمر دلالة على أن دمعه ينزل دما من فرط ألمه ووجده .
*لم يكد جسمي يلوح لأعيت العواد : كناية عن ضعفه ومرضه نتيجة المصاب الأليم .
استنجد الزفرات ......... ، أسفه العبرات.......... ، لا لوعتي تدع الفؤاد,... أساليب خبرية
* البيت7 : فيه حسن تقسيم يضفي جمالا ووضوحا وموسيقى.
3- معاتبته للدهر :
9- يا دهــرُ! فيم فجعتني بحليلةٍ! كانت خُـــلاصةَ عُـدَّتي وعَتَادِي
10- إنْ كنْتَ لم ترحمْ ضنايَ لبعدِها أفَـــلا رحمْتَ من الأسى أولادِي
11- أفـــرَدْتَهُنَّ فلم ينمْنَ تــوجُّعـــاً قرحى العيون رواجفَ الأكبادِ
12- ألقيْنَ دُرَّ عُقُودِهن، وصغن مــــن دُرِّ الدمــــــــوع قلائَد الأجيادِ
13- يبكينَ مـن ولهٍ فـــراقَ حَفيَّـــــةٍ كانت لهن كثيـــــرةَ الإسعـــادِ
14- فخـدودهـنَّ من الدمـــــوع ندِيةٌ وقلوبُهنَّ من الهمـــــومِ صوادِي
المفردات :
9- فجعتني : الفجيعَةُ: الرزيّةُ: وقد فَجَعَتْهُ المصيبةُ، أي أوجعتْه ، الحليلة ، الزوجة ، .العُدّة والعَتادُ : يقال: أخذ للأمر عُدَّتَهُ وعَتَادَهُ، أي أُهْبَتَهُ وآلَتَهُ.
10 – ضناي(ضنا) : ضَنى يضنى ضنى فهو ضنيٌَ وضنِ : مرض مرضاً مخامراً كلما ظن برؤه نكس . واضناه المرض : أوجعه . والمضاناة : المعاناة . الأسى : الحزن.
11- أفردتهن : جعلتهم وحيدين بلا أم أو أب ، قرحى :مفردها (قريح) وهم الجرحى والمرضى ، رواجف : الرَجْفَةُ: الزلزلةُ. وقد رَجَفَتِ الأرض تَرْجُفُ رَجْفاً. والرَجَفانَ: الاضطرابُ الشديدُ ورواجف الأكباد دلالة على الاضطراب .
12- دُرّ : مفردها (درة ) وهي اللآلئ ، عُقُودهن : مفردها عُقد وهو ما يلبس في الرقبة ، قلائد : مفردها قلادة وهي العقود ، الأجياد: : مفردها جيْدُ ، وهو العنق .
13- وله : الوَلهُ: ذهابُ العقل، والتحيُّرُ من شدة الوجد ، حفية : بالغة الكرم والسعادة .
14 – ندية : رطبة ، صوادي (صدي): مفردها صادية ، وهي العطشى ، يريد أن قلوبهن محترقة بسبب الهموم والأحزان .
الشرح :
ويعاتب الدهر ـ على عادة الشعراء ـ فيما نزل به من مصيبة فقد زوجته التي كان يعتمد عليها في معظم شؤونه ، وهذا فيه من القساوة البالغة فلم يرحم الدهر تعبه ومرضه ولم يرحم صغاره من الحزن ، فقد صاروا وحيدين في دنياهم مضطربين في شؤونهم ، فقد صارت الدموع المنهمرة من عيونهن تغرق أعناقهن ، يبكين على فراق الكريمة التي بالغت وأفرطت في إسعادهن ، فقد ابتلت خدودهن من الدموع وقد اعدت الهموم السعادة عن قلوبهم .
مواطن الجمال :
* يا دهر : أسلوب إنشائي نداء .
* فيم فجعتني : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب والدهشة .
* أفلا رحمت من الأسى أولادي : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التمني .
* صغن من در الدموع قلائد الأجياد : كناية عن شدة البكاء واستمرار يته .
* قلوبهن من الهموم صوادي : كناية عن أن حرقة قلوبهن بسبب الهموم والأحزان
البيت (14) : صور الشاعر أولاده الورود التي لحقها الندى وقد فقدت ماءها لكثرة الهموم فهي عطشى في حاجة للماء .
4- فخر الشاعر بزوجته :
15- أسليلةَ القمرين! أيُّ فجيعةٍ حَلَّتْ لفقدكِ بين هذا النـادي؟!
16- أعْزِزْ عليَّ بأن أراكِ رهينـةً في جوفِ أغبرَ قاتٍِ الأســــدادِ
17- أو أن تَبِيِني عن قرارةِ منزلٍ كنتِ الضياءَ له بكلِّ ســـــــوادِ
18- لو كان هذا الدهرُ يقبل فديةً بالنفسِ عنكِ؛ لكنتُ أولَ فادِي
19- أو كان يرهبُ صولةً من فاتكٍ لفعلتُ فِعْلَ الحارثِ بنِ عُبـــاِد
المفردات :
15- أسليلة (سلل): الأنثى والولد سليل ، القمران : أراد بهما والديها ، النادي (ندو) : المكان يجلس فيه عليّة القوم .
16- أعزز : صعب على نفسي ، رهينة :مأخوذة رهناً ج(رهائن) ، جوف : باطن ، أغبر : من الغبار وهو التراب والمراد الأرض ، قاتم : غامق حالك الظلمة ، الأسداد : ج(سد) الحاجز بين شيئين .
17- تبيني : من البين : البعد والفراق أي تبتعدي ، قرارة : ما التصق في القدر من دهن ، والمراد منزلها ، سواد : عامة الناس .
18- فدية (فدي): الفداء ج(فِدّى ) ، فادي : مضحي بالنفس .
19- يرهب : يخاف ، صولة (صول) : السطوة في الحرب ، فاتك : منتقم ، الحارث بن عباد : من سادات الجاهلية وشعرائها وشجعانها ومن ذوي الرأي فيها، اعتزل حرب البسوس التي وقعت بين بكر وتغلب ابني وائل ، فلما قتل المهلهل ابنه بجيراً قال قصيدته اللامية المشهورة (قربا مربط النعامة مني) ، ثم قرب فرسه فجز ناصيتها وقطع ذنبها ، وآلى أن يأخذ بثأره ، فخاض الحرب ، فرجحت كفة قومه بكر على تغلب ، وأثخن في التغلبيين ، وقتل منهم عدداً كبيراً ، وأسر المهلهل ، ثم جز ناصيته وأطلقه.
الشرح :
يفخر الشاعر بنسب زوجته – على عادة الشعراء – بأنها تنمي لأسرة ذات مكانة وجاه وقد حلت بناديهم النكبات لفقدها ، ويعجب الشاعر من رؤيتها رهينة للقبر المظلم ، ويصعب عليه أن أن تبتعد عن هذا البيت الذي تعد من أسسه فقد كانت الضوء الذي يستنير به عامة الناس ، ولو كان الدهر يقبل فيك فدية كلان الشاعر أول من يفتديها بنفسه ، ولو كان يخاف سطوتي وانتقامي لفعلت مثل الحارث بن عباد وانتقمت منه لك .
مواطن الجمال :
* أسليلة القمرين : كناية عن رفعة منزلة أبويها .
* أيُّ فجيعةٍ حَلَّتْ لفقدكِ بين هذا النـادي؟!: أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب من عظم الفادحة .
* أعْزِزْ عليَّ بأن أراكِ رهينـةً : أسلوب تعجب (أفعِل بهِ)
* في جوفِ أغبرَ قاتٍِ الأســــدادِ : كناية عن القبر .
* قرارةِ منزلٍ : كناية عن التصاقها وارتباطها بالبيت .
* والدهر زمن من الأزمان لا ينفع ولا يضر، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبه .
4-التسليم بالقضاء والقدر :
20- لكنها الأقدارُ ليس بناجعٍ فيها سوى التسليم والإخلادِ
المفردات :
ناجع : نافع ، الإخلاد : الإذعان والخضوع لقضاء الله . البيت حكمة .
الشرح :
يسلم الشاعر لقضاء الله الذي لا ينفع معه سوى الخضوع له والتسليم به .
الشاعر والتجربة :
التجربة الشعرية الحقة إنما تكون وليدة المعاناة الذاتية والمعايشة الوجدانية؛ فكلما اكتوى الشاعر بنار التجربة كان تعبيره عنها أقرب إلى الصدق الفني وصدق العاطفة والشعور، وكان تعبيره ألصق بالبلاغة من كثير مما نقرؤه أو نسمعه من شعر، لا يحرك فينا عاطفة، ولا يثير لدينا إحساساً؛ لأنه لم ينبع من تجربة، ولم يتولد من معاناة، فجاء باهتاً، لا لون له، يتسم بالبرودة، ويفتقر إلى قوة التعبير وحرارة العاطفة.
والشعر العربي قديمه وحديثه غنيٌ بالنماذج الشعرية التي أودع فيها الشعراء تجاربهم ومعاناتهم في الحياة، فجاءت قوية معبرة، غنية بالصور البيانية والخيالية التي تحمل انفعال الشاعر بالحدث وتأثره به.
من ذلك مرثية محمود سامي البارودي الدالية في زوجته، وتعد من عيون الشعر العربي الحديث، ولاقت استحساناً في أوساط الشعراء والنقاد، وصادفت شهرةً في الأوساط الأدبية؛ لأنها تدفقت من شعور صادق، وعبر بها الشاعر عن معاناةٍ مؤلمة صهرت شعوره وعاطفته، فأتت أبياتها تحمل دفق الإحساس الذي عصرته الفاجعة، وعمق الجرح النازف الذي ولدته المصيبة.
الأفكار :
أفكار النص سهلة واضحة مترابطة تميل للتحليل والتعليل يتآثر الشاعر فيها بالتجربة الشعورية والشعراء الأقدمين ويتضح ذلك في عتابه للدهر .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الأسى والحزن الشديد لفقده زوجته وهو في بلاد الغربة مما زاده لوعة وحزناً على حال أولاده أيضاً .
الألفاظ :
جاءت مناسبة وملائمة لعاطفة الشاعر الحزينة ، وألفاظه عربية أصيلة موحية والعبارات جزلة محكمة تأثر بلغة الشعراء الأقدمين مثل : أقذى العيون ، الهموم الصوادي .
الصور والأخيلة :
تقليدية جزئية نابعة عن عاطفة صادقة وإحساس مرهف ، تعتمد على التشبيه والاستعارة والكناية ، ليس فيها تكلف ولا تصنع وإنما أبرزت المعاني في إيضاح وتجسيم وتشخيص لبيان أثر الفاجعة على نفسه .
المحسنات البديعية :
جاءت قليلة وطبيعية وبعيدة عن التكلف .
الأساليب :
نوع الشاعر فيها بين الخبرية التي تفيد التقرير أو الحث والإنشائية لإثارة الذهن والمشاعر والأحاسيس.
الموسيقا :
تنوعت الموسيقا في الأبيات بين :
(أ) الموسيقا الخارجية : وهي تتمثل في الوزن الواحد والقافية الموحدة وقد سار على نهج القدامى .
(ب) الموسيقا الداخلية :وهي نوعان :
1- داخلية ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة وحسن تقسيم العبارات .
2- الداخلية الخفية : وتتمثل في قدرة الشاعر على اختيار الألفاظ الموحية وترتيب الأفكار وصدق العاطفة وروعة الخيال وجمال التصوير .
الوحدة العضوية :
في أبيات البارودي ما يشبه الوحدة العضوية فرغم أنها تشتمل على أكثر من غرض كالحكمة والرثاء والفخر والعتاب ، إلا أن الجو النفسي والخيط الفكري الذي يربطها واحد وهو إظهار أثر الفاجعة على نفسه .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- الأفكار سهلة واضحة بعيدة عن التعقيد والغموض .
2- ألفاظه جزلة قوية بعيدة عن الغرابة .
3- أسلوبه سليم متين في نسيجه اللغوي .
4- الصور الخيالية تقليدية جزئية مستمدة من القديم .
5- قلة المحسنات البديعية والبعد عن الصنعة والتكلف .
6- السير على نهج الأقدمين في نظام القصيدة وتعدد الأغراض .
7- شيوع الحكمة في شعره .
8- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء .
سمات القديم في شعره :
1- التزام وحدة الوزن والقافية .
2- تعدد الأغراض في القصيدة .
3- التمسك بوحدة البيت .
4- الحرص على اللفظ العربي الجزل الأصيل .
5- الصور الخيالية تقليدية وجزئية منتزعة من البيئة العربية القديمة .
6- الإكثار من الحكمة .
سمات التجديد في شعره :
1- التحرر من المحسنات البديعية إلا ما جاء عفواً .
2- الاتجاه إلى الوحدة العضوية في القصيدة .
2- إظهار ذاتيته في شعره .
التعريف بالشاعر :
هو محمود سامي البارودي شاعر مصري ولد عام 1838م لأسرة جركسية توفي أبوه وهو صغير السن ؛فتولت أمه تعليمه ، التحق بالمدرسة الحربية وتخرج ضابطا 1854م أحبّ البارودي الشعر منذ صغره وحفظ شعر الأقدمين واطّلع على الأدبين التركي والفارسي ، شارك في ثورة أحمد عرابي 1882م وعندما احتل الإنجليز مصر نفوه إلى سرنديب وفيها قال أعظم قصائده نظم البارودي الشعر في أغراضه المتنوعة كالفخر والرثاء والزهد والحكمة والوصف ، وله ديوان البارودي في أربعة أجزاء ، ومختارات من عيون الشعر العباسي ، ومختارات في النثر أسماها " قيد الأوابد ".
المناسبة :
قال البارودي هذه القصيدة في رثاء زوجته ، عندما جاءه خبر نعيها في منفاه بجزيرة سرنديب ، فكان نظمه لها تعبيراً عن مأساة النفي وفاجعة فقد الزوجة في وقت واحد .
1- هول الكارثة :
1- أَيــَدَ المَنــُونِ! قـدَحـْتِ أيَّ زِنادِ وأطــرْتِ أيَّةَ شعلةٍ بفــــــؤادي
2 - أوهنتِ عزمي وهو حملةُ فيلقٍ وحَطَمْتِ عودي وهو رمحُ طِرَادِ
المفردات:
الهمزة : لنداء القريب ، المنون : المنية ( الموت ) ، قدحت : قدح النار : أخرجها ،وقدح الزند : ضربه ، زناد : جمع زند وهو الحديدة التي تقدح بها النار ، أطرت ( طير ) : نشرت .
أوهنت : أضعفت ، عزمي : صبري ، حملة فيلق : الفيلق هو الجيش ج ( فيالق) ، حطمت : كسرت ، عودي : جسمي ، رمح طراد : الرمح يستخدم لملاحقة الأعداء .
الشرح :
ويجسد البيتان شعور البارودي بفداحة المصيبة التي نزلت به فيخاطب الموت الذي اقترب منه ومن داره فأصاب زوجته وهو في بلاد الغربة فاشعل النار في قلبه حزنا وكمدا مما أضعف صبره على غربته وجعله غير قادر على مواجهة أعدائه.
مواطن الجمال :
أيد المنون : أسلوب إنشائي( نداء) للقريب كناية عن قرب الموت منه ومن داره .
البيت الأول شبه الموت بالشخص الذي ضرب الحديدة فاشعلها فطارت شعلتها إلى قلبه ( استعارة مكنية ).
أوهنت عزمي وهو حملة فيلق : صور عزمه وصبره وتحمله بالجيش الكبير القادر على مواجهة الأعداء.
( أسلوب خبري)
حطمت عودي وهو رمح طراد : صور جسمه بالرمح الذي يستخدم لملاحقة الأعداء . ( أسلوب خبري )
2- آثار الفاجعة على نفسه :
3- لم أدر هل خطبٌ ألمَّ بساحتي فأناخَ، أم سهمٌ أصابَ سَوَادِي
4- أقذى العيونَ فأسبلتْ بمدامع تجري على الخدين كالْفِرْصَادِ
5- ما كنت أحسَبُنِي أُراعُ لحادث حتى مُنيِتُ به فأوهنَ آدِي
6- أبلتنِيَ الحسراتُ حتى لم يكدْ جسمي يلوحُ لأعينِ العُوَّادِ
7- أستنجدُ الزفراتِ وهي لوافحٌ وأُسَفِّهُ العبراتِ وهي بوادِي
8- لا لوعتي تدعُ الفؤادَ، ولا يدِي تَقْوى على ردِّ الحبيبِ الغادي
المفردات :
3- خطب : ج(خطوب) المصيبة ، ألَّم : نزل ، أناخ (نوخ): أقام بالمكان ، سوادي : شخصي أو قلبي .
4- أقذى العيون: جعل فيها القذى ، وهو ما يسقط في العين فيهيجها ويسيل دمعها. ، الفِرصاد: التوت الأحمر خاصة . والمراد به اللون الأحمر عامة، يريد أن دمعه ينزل دماً من فرط ألمه ووجده..
5- أراع : أخاف وأفزع ، مُنيت : ابتليت ، آدي (أدا): قوتي .
6- الحسرات : مفردها حسرة وهي شدة الألم ، يلوح (لوح) : يظهر ، العوادي : الذين يزورون المريض.
7- استنجد الزفرات : أستعين بها على تخفيف مصابي . ، الزفرات : مفردها زفرة ، وهي إخراج النفس بصوت مسموع ممدود . ، لوافح : حارقة ، أُسفه : أخفف ، العبرات: مفردها عبرة وهي: الدمعة قبل أن تفيض ، أو تردد البكاء في الصدر . أو الحزن بلا بكاء . ، بوادي : ظاهرة .
8- اللوعة : لوعة * الحب حرقته * التاع * فؤاده احترق من الشوق ، رد : إعادة ، الغادي : الذاهب من غير رجعة .
الشرح
ويخلص الشاعر إلى رسم النتائج المؤلمة التي ترتبت على فقد زوجته، ومظاهر الحزن التي يطالعها وتطالعه في الصباح والمساء، بل في كل ساعةٍ من ساعات الليل والنهار وكأن المصائب أقامت بداره وأصابت قلبه فسالت دموعه دما ، وضعف جسده ونحل حتى كاد لا يرى للذين جاءوا لزيارته ومواساته ، فهو يستعين بالتنهيد على تخفيف مصابه لكنها تحرق قلبه ويحاول التمسك وعدم البكاء لكن الدموع تتسابق ، وقداعتصر الحزن العميق قلبه ولا يستطيع إعادة الحبيب المفقود .
مواطن الجمال :
*أخطأ الشاعر استخدام (هل) للاستفهام وكان يفترض أن يستخدم( الهمزة) لأن الاستفهام يفيد التصور لا التصديق . وهو يفيد التعجب ( أسلوب إنشائي ) .
*مدامع تجري على الخدين كالفرصاد : شبه الدموع بالفرصاد وهو التوت الأحمر دلالة على أن دمعه ينزل دما من فرط ألمه ووجده .
*لم يكد جسمي يلوح لأعيت العواد : كناية عن ضعفه ومرضه نتيجة المصاب الأليم .
استنجد الزفرات ......... ، أسفه العبرات.......... ، لا لوعتي تدع الفؤاد,... أساليب خبرية
* البيت7 : فيه حسن تقسيم يضفي جمالا ووضوحا وموسيقى.
3- معاتبته للدهر :
9- يا دهــرُ! فيم فجعتني بحليلةٍ! كانت خُـــلاصةَ عُـدَّتي وعَتَادِي
10- إنْ كنْتَ لم ترحمْ ضنايَ لبعدِها أفَـــلا رحمْتَ من الأسى أولادِي
11- أفـــرَدْتَهُنَّ فلم ينمْنَ تــوجُّعـــاً قرحى العيون رواجفَ الأكبادِ
12- ألقيْنَ دُرَّ عُقُودِهن، وصغن مــــن دُرِّ الدمــــــــوع قلائَد الأجيادِ
13- يبكينَ مـن ولهٍ فـــراقَ حَفيَّـــــةٍ كانت لهن كثيـــــرةَ الإسعـــادِ
14- فخـدودهـنَّ من الدمـــــوع ندِيةٌ وقلوبُهنَّ من الهمـــــومِ صوادِي
المفردات :
9- فجعتني : الفجيعَةُ: الرزيّةُ: وقد فَجَعَتْهُ المصيبةُ، أي أوجعتْه ، الحليلة ، الزوجة ، .العُدّة والعَتادُ : يقال: أخذ للأمر عُدَّتَهُ وعَتَادَهُ، أي أُهْبَتَهُ وآلَتَهُ.
10 – ضناي(ضنا) : ضَنى يضنى ضنى فهو ضنيٌَ وضنِ : مرض مرضاً مخامراً كلما ظن برؤه نكس . واضناه المرض : أوجعه . والمضاناة : المعاناة . الأسى : الحزن.
11- أفردتهن : جعلتهم وحيدين بلا أم أو أب ، قرحى :مفردها (قريح) وهم الجرحى والمرضى ، رواجف : الرَجْفَةُ: الزلزلةُ. وقد رَجَفَتِ الأرض تَرْجُفُ رَجْفاً. والرَجَفانَ: الاضطرابُ الشديدُ ورواجف الأكباد دلالة على الاضطراب .
12- دُرّ : مفردها (درة ) وهي اللآلئ ، عُقُودهن : مفردها عُقد وهو ما يلبس في الرقبة ، قلائد : مفردها قلادة وهي العقود ، الأجياد: : مفردها جيْدُ ، وهو العنق .
13- وله : الوَلهُ: ذهابُ العقل، والتحيُّرُ من شدة الوجد ، حفية : بالغة الكرم والسعادة .
14 – ندية : رطبة ، صوادي (صدي): مفردها صادية ، وهي العطشى ، يريد أن قلوبهن محترقة بسبب الهموم والأحزان .
الشرح :
ويعاتب الدهر ـ على عادة الشعراء ـ فيما نزل به من مصيبة فقد زوجته التي كان يعتمد عليها في معظم شؤونه ، وهذا فيه من القساوة البالغة فلم يرحم الدهر تعبه ومرضه ولم يرحم صغاره من الحزن ، فقد صاروا وحيدين في دنياهم مضطربين في شؤونهم ، فقد صارت الدموع المنهمرة من عيونهن تغرق أعناقهن ، يبكين على فراق الكريمة التي بالغت وأفرطت في إسعادهن ، فقد ابتلت خدودهن من الدموع وقد اعدت الهموم السعادة عن قلوبهم .
مواطن الجمال :
* يا دهر : أسلوب إنشائي نداء .
* فيم فجعتني : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب والدهشة .
* أفلا رحمت من الأسى أولادي : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التمني .
* صغن من در الدموع قلائد الأجياد : كناية عن شدة البكاء واستمرار يته .
* قلوبهن من الهموم صوادي : كناية عن أن حرقة قلوبهن بسبب الهموم والأحزان
البيت (14) : صور الشاعر أولاده الورود التي لحقها الندى وقد فقدت ماءها لكثرة الهموم فهي عطشى في حاجة للماء .
4- فخر الشاعر بزوجته :
15- أسليلةَ القمرين! أيُّ فجيعةٍ حَلَّتْ لفقدكِ بين هذا النـادي؟!
16- أعْزِزْ عليَّ بأن أراكِ رهينـةً في جوفِ أغبرَ قاتٍِ الأســــدادِ
17- أو أن تَبِيِني عن قرارةِ منزلٍ كنتِ الضياءَ له بكلِّ ســـــــوادِ
18- لو كان هذا الدهرُ يقبل فديةً بالنفسِ عنكِ؛ لكنتُ أولَ فادِي
19- أو كان يرهبُ صولةً من فاتكٍ لفعلتُ فِعْلَ الحارثِ بنِ عُبـــاِد
المفردات :
15- أسليلة (سلل): الأنثى والولد سليل ، القمران : أراد بهما والديها ، النادي (ندو) : المكان يجلس فيه عليّة القوم .
16- أعزز : صعب على نفسي ، رهينة :مأخوذة رهناً ج(رهائن) ، جوف : باطن ، أغبر : من الغبار وهو التراب والمراد الأرض ، قاتم : غامق حالك الظلمة ، الأسداد : ج(سد) الحاجز بين شيئين .
17- تبيني : من البين : البعد والفراق أي تبتعدي ، قرارة : ما التصق في القدر من دهن ، والمراد منزلها ، سواد : عامة الناس .
18- فدية (فدي): الفداء ج(فِدّى ) ، فادي : مضحي بالنفس .
19- يرهب : يخاف ، صولة (صول) : السطوة في الحرب ، فاتك : منتقم ، الحارث بن عباد : من سادات الجاهلية وشعرائها وشجعانها ومن ذوي الرأي فيها، اعتزل حرب البسوس التي وقعت بين بكر وتغلب ابني وائل ، فلما قتل المهلهل ابنه بجيراً قال قصيدته اللامية المشهورة (قربا مربط النعامة مني) ، ثم قرب فرسه فجز ناصيتها وقطع ذنبها ، وآلى أن يأخذ بثأره ، فخاض الحرب ، فرجحت كفة قومه بكر على تغلب ، وأثخن في التغلبيين ، وقتل منهم عدداً كبيراً ، وأسر المهلهل ، ثم جز ناصيته وأطلقه.
الشرح :
يفخر الشاعر بنسب زوجته – على عادة الشعراء – بأنها تنمي لأسرة ذات مكانة وجاه وقد حلت بناديهم النكبات لفقدها ، ويعجب الشاعر من رؤيتها رهينة للقبر المظلم ، ويصعب عليه أن أن تبتعد عن هذا البيت الذي تعد من أسسه فقد كانت الضوء الذي يستنير به عامة الناس ، ولو كان الدهر يقبل فيك فدية كلان الشاعر أول من يفتديها بنفسه ، ولو كان يخاف سطوتي وانتقامي لفعلت مثل الحارث بن عباد وانتقمت منه لك .
مواطن الجمال :
* أسليلة القمرين : كناية عن رفعة منزلة أبويها .
* أيُّ فجيعةٍ حَلَّتْ لفقدكِ بين هذا النـادي؟!: أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب من عظم الفادحة .
* أعْزِزْ عليَّ بأن أراكِ رهينـةً : أسلوب تعجب (أفعِل بهِ)
* في جوفِ أغبرَ قاتٍِ الأســــدادِ : كناية عن القبر .
* قرارةِ منزلٍ : كناية عن التصاقها وارتباطها بالبيت .
* والدهر زمن من الأزمان لا ينفع ولا يضر، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبه .
4-التسليم بالقضاء والقدر :
20- لكنها الأقدارُ ليس بناجعٍ فيها سوى التسليم والإخلادِ
المفردات :
ناجع : نافع ، الإخلاد : الإذعان والخضوع لقضاء الله . البيت حكمة .
الشرح :
يسلم الشاعر لقضاء الله الذي لا ينفع معه سوى الخضوع له والتسليم به .
الشاعر والتجربة :
التجربة الشعرية الحقة إنما تكون وليدة المعاناة الذاتية والمعايشة الوجدانية؛ فكلما اكتوى الشاعر بنار التجربة كان تعبيره عنها أقرب إلى الصدق الفني وصدق العاطفة والشعور، وكان تعبيره ألصق بالبلاغة من كثير مما نقرؤه أو نسمعه من شعر، لا يحرك فينا عاطفة، ولا يثير لدينا إحساساً؛ لأنه لم ينبع من تجربة، ولم يتولد من معاناة، فجاء باهتاً، لا لون له، يتسم بالبرودة، ويفتقر إلى قوة التعبير وحرارة العاطفة.
والشعر العربي قديمه وحديثه غنيٌ بالنماذج الشعرية التي أودع فيها الشعراء تجاربهم ومعاناتهم في الحياة، فجاءت قوية معبرة، غنية بالصور البيانية والخيالية التي تحمل انفعال الشاعر بالحدث وتأثره به.
من ذلك مرثية محمود سامي البارودي الدالية في زوجته، وتعد من عيون الشعر العربي الحديث، ولاقت استحساناً في أوساط الشعراء والنقاد، وصادفت شهرةً في الأوساط الأدبية؛ لأنها تدفقت من شعور صادق، وعبر بها الشاعر عن معاناةٍ مؤلمة صهرت شعوره وعاطفته، فأتت أبياتها تحمل دفق الإحساس الذي عصرته الفاجعة، وعمق الجرح النازف الذي ولدته المصيبة.
الأفكار :
أفكار النص سهلة واضحة مترابطة تميل للتحليل والتعليل يتآثر الشاعر فيها بالتجربة الشعورية والشعراء الأقدمين ويتضح ذلك في عتابه للدهر .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الأسى والحزن الشديد لفقده زوجته وهو في بلاد الغربة مما زاده لوعة وحزناً على حال أولاده أيضاً .
الألفاظ :
جاءت مناسبة وملائمة لعاطفة الشاعر الحزينة ، وألفاظه عربية أصيلة موحية والعبارات جزلة محكمة تأثر بلغة الشعراء الأقدمين مثل : أقذى العيون ، الهموم الصوادي .
الصور والأخيلة :
تقليدية جزئية نابعة عن عاطفة صادقة وإحساس مرهف ، تعتمد على التشبيه والاستعارة والكناية ، ليس فيها تكلف ولا تصنع وإنما أبرزت المعاني في إيضاح وتجسيم وتشخيص لبيان أثر الفاجعة على نفسه .
المحسنات البديعية :
جاءت قليلة وطبيعية وبعيدة عن التكلف .
الأساليب :
نوع الشاعر فيها بين الخبرية التي تفيد التقرير أو الحث والإنشائية لإثارة الذهن والمشاعر والأحاسيس.
الموسيقا :
تنوعت الموسيقا في الأبيات بين :
(أ) الموسيقا الخارجية : وهي تتمثل في الوزن الواحد والقافية الموحدة وقد سار على نهج القدامى .
(ب) الموسيقا الداخلية :وهي نوعان :
1- داخلية ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة وحسن تقسيم العبارات .
2- الداخلية الخفية : وتتمثل في قدرة الشاعر على اختيار الألفاظ الموحية وترتيب الأفكار وصدق العاطفة وروعة الخيال وجمال التصوير .
الوحدة العضوية :
في أبيات البارودي ما يشبه الوحدة العضوية فرغم أنها تشتمل على أكثر من غرض كالحكمة والرثاء والفخر والعتاب ، إلا أن الجو النفسي والخيط الفكري الذي يربطها واحد وهو إظهار أثر الفاجعة على نفسه .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- الأفكار سهلة واضحة بعيدة عن التعقيد والغموض .
2- ألفاظه جزلة قوية بعيدة عن الغرابة .
3- أسلوبه سليم متين في نسيجه اللغوي .
4- الصور الخيالية تقليدية جزئية مستمدة من القديم .
5- قلة المحسنات البديعية والبعد عن الصنعة والتكلف .
6- السير على نهج الأقدمين في نظام القصيدة وتعدد الأغراض .
7- شيوع الحكمة في شعره .
8- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء .
سمات القديم في شعره :
1- التزام وحدة الوزن والقافية .
2- تعدد الأغراض في القصيدة .
3- التمسك بوحدة البيت .
4- الحرص على اللفظ العربي الجزل الأصيل .
5- الصور الخيالية تقليدية وجزئية منتزعة من البيئة العربية القديمة .
6- الإكثار من الحكمة .
سمات التجديد في شعره :
1- التحرر من المحسنات البديعية إلا ما جاء عفواً .
2- الاتجاه إلى الوحدة العضوية في القصيدة .
2- إظهار ذاتيته في شعره .
،،،،،،،،،،،،،،،
عصفور الجنة
التعريف بالشاعر :
عبد الرحمن شكري شاعر عربي مصري جمع بين الثقافة العربية والثقافة الانجليزية ، أتم دراسته في مصر في مدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1909م وأرسل في بعثة إلى انجلترا عام 1912م وعاد ليعمل في وزارة التربية والتعليم وكان له حظ وافر من الثقافة والمعرفة بالأدبين العربي والانجليزي ، وإسهام بارز في النهوض بالشعر الحديث وتطويره ، أصدر عدداً من الدواوين من أبرزها : أضواء الفجر ، وزهر الربيع ، وأزهار الخريف ، وأناشيد الصبا ، وأصدر كتابين نثريين هما ( الخطرات ، والاعترافات ) .
كان شكري على رأس مدرسة الديوان مع زميليه المازني والعقاد ، ينشر آراءه في تجديد الشعر وفي نقد الإحيائيين ، ثم انقلب عليه رفيقاه وهاجماه في كتابهما ( الديوان ) تحت عنوان " صنم الألاعيب " مما كان سبباً في اعتزاله الحياة الأدبية .
مناسبة القصيدة :
يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن تجربة أليمة حزينة وهي بعد أحبابه عنه وتخلي أقرب الناس إليه عنه مما أفقده الثقة بالناس .
القصيدة:
1- دعوة الطائر للإقامة بقلب الشاعر :
1- ألا يا طائرَ الفِردو سِ قَلْبي لك بستانُ
2- ففيه الزهـرُ والماءُ وفيه الغصـن فينانُ
3- وفيهِ منكَ أنغــامٌ وفيه منكَ ألحــانُ
4- وللأشجــارِ أوتارٌ وناياتٌ وعيـــدانُ
المفردات:
1- ألا : أداة تنبيه واستفتاح ، الفردوس : الجنّة ، بستان : حديقة
2- فينان( فين ) : الأغصان الطويلة الحسنة
3- أنغام : مفردها نغمة وهي حسن الصوت ، ألحان : مفردها لحن وهو القطعة الموسيقية
4- أوتار :مفردها وتر وهو معلق القوس ، نايات : مفردها نأي وهي آلة من اليراع المثقوب ، عيدان : مفردها عود وهي كل خشبة رطبة أو يابسة ( أوتار ، نايات ، عيدان ) أدوات موسيقية .
الشرح :
يدعو الشاعر عصفور الجنة إلى أن يقيم في بستان قلبه الذي يمتلئ بالزهور والجداول والأشجار ذات الأغصان الطويلة الحسنة وقد امتلأت أجواء البستان بالنغمات الجميلة الصادرة عن عصفور الجنة وقد شاركت الطبيعة العصافير في الغناء بحفيف الأشجار ورقص الأغصان .
مواطن الجمال :
*ألا ، يا : أداة الاستفتاح وأداة النداء يدلان على مدى قرب الطائر من الشاعر ،(أسلوب إنشائي )
*قلبي بستان : تشبيه بليغ شبه القلب بالبستان دلالة على بعث الأمل والبهجة في النفس.
*وفيه منك أنغام ، وفيه منك ألحان : إسناد الأنغام والألحان للطائر يدل على إعجاب الشاعر بصوت الطائر.
*وللأشجار أوتار ونايات وعيدان : كناية عن البهجة والسرور المنبعثة في النفس .
**( الأساليب خبرية للتقرير توحي بالأمل في نفس الشاعر)
*يتضح في الأبيان مناجاة الشاعر للطبيعة وهيامه بها فأتخذ من عصفور الجنة رمزاً حيّاً فحاوره .
2- الطائر مُلْهِم للشعر :
5- ألا يا طائــــرَ الفردو س إن الشعر وجدانُ
6- وفي شدوكَ شعرُ النفـ ـس لا زورٌ وبهتانُ
7- فلا تقتــــــدِ بالناسِ فما في الخلقِ إنسانُ
8- وجُدْ لي منكَ بالشعرِ فإنَّــا فيـــه إخـوانُ
9- ألا يا طائــــرَ الفردو س قلبي منك ولهانُ
المفردات :
5- وجدان : هو كل إحساس أولي باللذة والألم , وهو حالة نفسية متأثرة بالألم واللذة .
6- شدوك : غناؤك ، زور :باطل ومضادها ( الحق ) ، بهتان : كذب وافتراء .
7- لا تقتد بالناس : لا تتبع أهواءهم ، الخلق : الناس ،
8- جُد : أعطي بسخاء وكرم ، إخوان : المراد بها الأصدقاء .
9- ولهان
وله) من اشتد حزنه حتى ذهب عقله ، والأم على طفلها ( حنت إليه ) .
الشرح :
يظهر الشاعر رأيه في الشعر فالشعر عنده معنى وفكر وعاطفة صادقة ، ويرى أن غناء الطائر يطرب ويسعد النفس بصدق وليس بالكذب والباطل ، ويدعو الشاعر الطائر بألا يتبع أهواء الناس لأنه لا يوجد بينهم من يستحق أن يطلق عليه إنسان ، فالطائر ملهم للشاعر بالشعر الجميل فكلا منهما ينشد ويسعد الآخرين ويبعث الأمل والبهجة في النفوس ، فالشاعر يحن إلى الطائر حزين لبعده عنه .
مواطن الجمال :
*إن الشعر وجدان : أسلوب خبري غرضه التقرير وعرض رأي الشاعر
*وفي شدوك شعر النفس : كناية عن إلهام الطائر الشعر للشاعر .
*فلا تقتد بالناس : أسلوب إنشائي نهي الغرض منه النصح والإرشاد .
*فما في الخلق إنسان : كناية عن فقدان الثقة بالناس جميعاً .
*وجد لي منك بالشعر : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه الترجي .
*قلبي منك ولهان : كناية عن الألم والحزن لبعد الأصدقاء عنه.
*يسود الأبيات جو من الحزن والألم والتشاؤم الذي ينبع من معاناة الشاعر وفقده الثقة بالناس .
3- تعجب الشاعر من ابتعاد الطائر عنه:
10- فهل تأنفُ منْ روضي وما في الروض ثعبانُ؟
11- وهل تنفرُ من جـــوِّي وما في الجوِّ عقبــانُ؟
12- وهل تنَفـــرُ من قلبي كأنَّ القلبَ خــــــوّانُ
13- فما لي مِنْكَ إسعــــادٌ ولا لي منكَ لقيــــانُ
المفردات :
10 – تأنف : تأبى وتكره ، روضي : مفردها روضة وهي الحديقة .
11- تنفر : تفزع وتبتعد ، عقبان : مفردها ( عُقاب ) وهي الطيور الجارحة .
12- خوّان : صيغة مبالغة من ( الخيانة ) أي كثير الغدر .
13- لقيان : مقابلة واجتماع .
الشرح :
يتسأل الشاعر عن سبب رفض الطائر الإقامة بقلبه هل لوجود ثعبان في أرض الرياض ، أم لوجود الطيور الجارحة في سماءها ، أم إنه يخاف الغدر والخيانة من هذا القلب ؛ لذلك حرمني من السعادة والهناء في طيب اللقاء .
مواطن الجمال :
*الأبيات ( 10 – 11 – 12) أساليب إنشائية ، استفهام الغرض منه التعجب
*استخدام النفي بـ ( ما ، و لا ) للتأكيد
*البيت (13) فيه حسن تقسيم يولد إيقاع موسيقي خلاب .
4- الإيمان بالقضاء والقدر
14- وللأقــــــــدارِ أحكامٌ وللمخلــــوقِ إذعانُ
15- أرى الأحداثَ إسراراً ستُمسي وهي إعلانُ
16- ويهفو بكَ ريبُ الدهـ ـرِ إنَّ الدهـــرَ طعّانُ
17- فلا حســــنٌ ولا شدوٌ ولا زهـرٌ وأَغَصـــانُ
المفردات :
14- الأقدار : مفردها ( القَدر ) وهو قضاء الله ، إذعان : خضوع واستسلام .
15- الأحداث : مفردها ( حدث ) وهي الأفعال ، إسرار : إخفاء *مضادها* إعلان : إظهار ووضوح.
16- يهفو ( هفو ) : الهفوة هي الذلة ، ريب : شك ، وريب الدهر حوادثه ، الدهر : الزمن ،
طعان : مبالغة في الطعن أي كثير الطعن .
17- حسن : جمال ، شدو : غناء .
الشرح :
إن القدر يحكم علينا وليس للإنسان إلا أن يخضع ويستسلم لحكم وقضاء الله ، وكل شيء يخفى علينا الآن لن يأتي الليل إلا ويكون واضحاً معلناً ، وإن التفكير في حوادث الدهر سيقودك للوقوع في الخطأ ؛ لأن الدهر بطبعه يحاول دائماً أن يوقع الإنسان في الخطأ ، والتفكير الدائم في حوادث الزمن يمنعك من الشعور بالجمال والبهجة ولا تستمتع بما حولك
مواطن الجمال :
*وللأقدار أحكام وللمخلوق إذعان : أسلوب خبري الغرض منه تقرير الإيمان بقضاء وحكم الله.
*إسرار ، إعلان : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
*البيت 15 : حكمة ( الذي يخفى علينا اليوم سيأتي الغد ونعلمه ) وهو ناتج عن خبرة الشاعر وتنوع ثقافته .
*الدهر طعان : استعارة مكنية شبه الدهر بالإنسان كثير الطعن وسر جمالها التشخيص والتجسيم .
*طعان : استخدام صيغة المبالغة للدلالة على كثرة نوائب الدهر.
*تكرار (لا) في البيت 17 : يفيد تأكيد عدم حدوث الاستمتاع بالحياة ومباهجها .
5- الإخلاص من طبع الشاعر
18- سيبقى لـــكَ في قلبي مـــوداتٌ وتَحنانُ
19- فإنْ ملّك أحبـــــابٌ وإن عقّك إخـــوانُ
20- وإنْ رابَكَ من عَيْشـِ كَ لوعاتٌ وأحزانُ
21- فجرّبْ عندَها قلبي فقلبي منكَ مـــلآنُ
22- وأسمعنْي من الشعرِ فإنَّا فيهِ خــــــلانُ
23- وهــل تفهمُ ما أعْني وهل للطيرِ أذهانُ؟!
المفردات :
18- مودات : جمع مودة وهي الحب ، تحنان : الحنين الشديد .
19- ملّك : سأمك ، أحباب : مفردها حبيب ، عقّك : خالفك ، إخوان : المراد الأصدقاء
20- رابك : نابك وأصابك ، لوعات : مفردها لوعة وهي حرقة الشوق .
21- ملآن : ممتلئ (ج) مِلاء .
22- خلان : مفردها خلٌ وخليل وهو الصديق المخلص .
23- أذهان : مفردها ذهن وهو الفهم والعقل
الشرح :
يخاطب الشاعر الطائر قائلاً بالرغم من بعدك عني فإن الحب والحنين لك يملأن قلبي ، فإذا سأم منك الأحباب وهجرك الأصحاب وأصبت بالحزن وحرقة القلب فعندها تعالى معي فأنا وأنت أصبنا بنفس الشيء فلنتسرى معا بإنشاد الشعر وتسمعني إنشادك الجميل فنحن أصدقاء أوفياء فيما نقول ، ثم يبرز الشاعر الغرض الحقيقي لما يقول من أن المقصود بالطائر هو الصديق فالطير ليس لديه عقل ليفهم ما قاله الشاعر لكن على الصديق أن يعي ما أقول .
مواطن الجمال :
*استخدام كلمة ( مودات) على صورة الجمع للدلالة على حب الشاعر الشديد للطائر .
*البيت 23 : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب .
التعليق على القصيدة :
جدة الموضوع :
تناول الشاعر في هذا النص موضوعاً جديداً غير مألوف عند الشعراء الإحيائيين ، وتلك من سمات مدرسة الديوان ، فهو يعبر عن تجربة ذاتية عاشها اقترنت بالتشاؤم والحزن وفقدان الثقة بالناس عالج من خلالها قضية إنسانية عامة تصيب البشر جميعاً ، وقد نزع الشاعر للرومانسية حيث نجد مناجاته للطبيعة وهيامه بها واتخاذه طائر الفردوس رمزاً حيّا يحاوره ويشتكي له .
الشاعر والتجربة
التجربة الشعرية في القصيدة ذاتية تقوم على التأمل والتحليل وتتسم بصدق العاطفة وعمق الفكرة ودقة التعبير.
الوحدة العضوية
تحققت الوحدة العضوية في أبيات القصيدة والمقصود بذلك :
1- وحدة الموضوع : فالأبيات تدور حول موضوع واحد وهو حب الشاعر وعشقه للشعر وبعد أصدقائه عنه .
2- وحدة الجو النفسي : فالشاعر يسيطر عليه جو نفسي واحد يتجلى في الألم والحزن والتشاؤم وفقدان الثقة بالناس .وكلها تسير في اتجاه شعوري واحد .
الأفكار
تتسم بالعمق والدقة والترابط المحكم فهو يتحدث أولا عن الأجواء التي يضفيها الشعر على نفس الشاعر ثم يظهر يبين تجربته الذاتية مع الناس التي جعلته يفقد الثقة فيهم ويتعجب من بعد الأقربين عنه ثم بين كيف أنه يؤمن بالقدر وسيظل قلبه محباً للناس بالرغم مما فعلوه فيه فهو جبل على الحب والوفاء .
العاطفة
تتسم بالصدق والقوة ، ويمتزج فيها الأمل مع الحزن والأسى .
الألفاظ
سهلة جميلة موحية بعيدة عن الغرابة ، يميل إلى تكرار بعض الكلمات تأكيداً للمعنى أو تنبيهاً للذهن .
يكثر الشاعر من استخدام بعض الحروف استعمالاً دقيقاً لخدمة المعنى .من ذلك: استخدامه حرف النسق (الواو) يفيد بيان مصاحبة الحدث أو إلحاقه بغيره ، وكذلك استخدام حرف النسق ( الفاء ) للدلالة على الترتيب والتعقيب .
يعاب على الشاعر أنه وضح في البيت (14) أنه يسلم بقضاء الله وحكمه ثم وصفه الدهر بالخيانة والغدر في ( إن الدهر طعان ) .
الصور
رسم الشاعر لنا في النص صورة كلية أجزاؤها : الشاعر و العصفور والبساتين والأنغام السحرية والأزهار و الأغصان والمياه .
وفي ثنايا الصورة الكلية صور جزئية من تشبيه واستعارة وكناية .
المحسنات البديعية
جاءت طبيعية وجميلة لخدمة المعنى وإبرازه منها الطباق .
الأساليب
اعتمد الشاعر على المزاوجة بين الأساليب الخبرية والإنشائية التي تثير الذهن وتحرك المشاعر .
الموسيقا
( أ ) خارجية :
تمثلت في وحدة الوزن والقافية ، وقد اختار لقافيته النون المضمومة المسبوقة بالمد لتلائم جو الحزن والأسى .
( ب ) داخلية :
1- ظاهرة : في المحسنات البديعية غير المتكلفة .
2- خفية : وتظهر في حسن اختيار الألفاظ الموحية ، والصور الجميلة المعبرة ، وحرارة العاطفة وصدقها .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- استخدام الألفاظ السهلة الموحية البعيدة عن الغرابة والتعقيد .
2- عمق الأفكار ودقتها وترابطها.
3- استخدام الصور الكلية والجزئية .
4- الإقلال من المحسنات البديعية إلا ما جاء طبيعياً .
5- التزام الوزن الواحد والقافية الواحدة .
مظاهر القديم في النص
1- الوزن الواحد والقافية الواحدة .
2- استخدام اللفظ العربي السهل الأصيل .
مظاهر الجديد في النص
1- الموضوع جديد غير مألوف .
2- رسم الصور الكلية .
3- التمسك بالوحدة العضوية ( وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي ).
4- البعد عن المحسنات البديعية المتكلفة .
المدرسة التي ينتمي لها الشاعر
يعد الشاعر أحد رواد مدرسة الديوان وقد ظهرت في النص خصائص هذه المدرسة منها :
1- تشخيص الطبيعة .
2- وضوح الأنين والشكوى والحزن والتشاؤم واليأس.
3- أن القصيدة كائن حي ، لكل جزء فيها وظيفته ومكانته .
4- البعد عن شعر المناسبات .
5- وضوح الجانب الفكري العقلي المتأثر بالفلسفة .
التعريف بالشاعر :
عبد الرحمن شكري شاعر عربي مصري جمع بين الثقافة العربية والثقافة الانجليزية ، أتم دراسته في مصر في مدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1909م وأرسل في بعثة إلى انجلترا عام 1912م وعاد ليعمل في وزارة التربية والتعليم وكان له حظ وافر من الثقافة والمعرفة بالأدبين العربي والانجليزي ، وإسهام بارز في النهوض بالشعر الحديث وتطويره ، أصدر عدداً من الدواوين من أبرزها : أضواء الفجر ، وزهر الربيع ، وأزهار الخريف ، وأناشيد الصبا ، وأصدر كتابين نثريين هما ( الخطرات ، والاعترافات ) .
كان شكري على رأس مدرسة الديوان مع زميليه المازني والعقاد ، ينشر آراءه في تجديد الشعر وفي نقد الإحيائيين ، ثم انقلب عليه رفيقاه وهاجماه في كتابهما ( الديوان ) تحت عنوان " صنم الألاعيب " مما كان سبباً في اعتزاله الحياة الأدبية .
مناسبة القصيدة :
يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن تجربة أليمة حزينة وهي بعد أحبابه عنه وتخلي أقرب الناس إليه عنه مما أفقده الثقة بالناس .
القصيدة:
1- دعوة الطائر للإقامة بقلب الشاعر :
1- ألا يا طائرَ الفِردو سِ قَلْبي لك بستانُ
2- ففيه الزهـرُ والماءُ وفيه الغصـن فينانُ
3- وفيهِ منكَ أنغــامٌ وفيه منكَ ألحــانُ
4- وللأشجــارِ أوتارٌ وناياتٌ وعيـــدانُ
المفردات:
1- ألا : أداة تنبيه واستفتاح ، الفردوس : الجنّة ، بستان : حديقة
2- فينان( فين ) : الأغصان الطويلة الحسنة
3- أنغام : مفردها نغمة وهي حسن الصوت ، ألحان : مفردها لحن وهو القطعة الموسيقية
4- أوتار :مفردها وتر وهو معلق القوس ، نايات : مفردها نأي وهي آلة من اليراع المثقوب ، عيدان : مفردها عود وهي كل خشبة رطبة أو يابسة ( أوتار ، نايات ، عيدان ) أدوات موسيقية .
الشرح :
يدعو الشاعر عصفور الجنة إلى أن يقيم في بستان قلبه الذي يمتلئ بالزهور والجداول والأشجار ذات الأغصان الطويلة الحسنة وقد امتلأت أجواء البستان بالنغمات الجميلة الصادرة عن عصفور الجنة وقد شاركت الطبيعة العصافير في الغناء بحفيف الأشجار ورقص الأغصان .
مواطن الجمال :
*ألا ، يا : أداة الاستفتاح وأداة النداء يدلان على مدى قرب الطائر من الشاعر ،(أسلوب إنشائي )
*قلبي بستان : تشبيه بليغ شبه القلب بالبستان دلالة على بعث الأمل والبهجة في النفس.
*وفيه منك أنغام ، وفيه منك ألحان : إسناد الأنغام والألحان للطائر يدل على إعجاب الشاعر بصوت الطائر.
*وللأشجار أوتار ونايات وعيدان : كناية عن البهجة والسرور المنبعثة في النفس .
**( الأساليب خبرية للتقرير توحي بالأمل في نفس الشاعر)
*يتضح في الأبيان مناجاة الشاعر للطبيعة وهيامه بها فأتخذ من عصفور الجنة رمزاً حيّاً فحاوره .
2- الطائر مُلْهِم للشعر :
5- ألا يا طائــــرَ الفردو س إن الشعر وجدانُ
6- وفي شدوكَ شعرُ النفـ ـس لا زورٌ وبهتانُ
7- فلا تقتــــــدِ بالناسِ فما في الخلقِ إنسانُ
8- وجُدْ لي منكَ بالشعرِ فإنَّــا فيـــه إخـوانُ
9- ألا يا طائــــرَ الفردو س قلبي منك ولهانُ
المفردات :
5- وجدان : هو كل إحساس أولي باللذة والألم , وهو حالة نفسية متأثرة بالألم واللذة .
6- شدوك : غناؤك ، زور :باطل ومضادها ( الحق ) ، بهتان : كذب وافتراء .
7- لا تقتد بالناس : لا تتبع أهواءهم ، الخلق : الناس ،
8- جُد : أعطي بسخاء وكرم ، إخوان : المراد بها الأصدقاء .
9- ولهان

الشرح :
يظهر الشاعر رأيه في الشعر فالشعر عنده معنى وفكر وعاطفة صادقة ، ويرى أن غناء الطائر يطرب ويسعد النفس بصدق وليس بالكذب والباطل ، ويدعو الشاعر الطائر بألا يتبع أهواء الناس لأنه لا يوجد بينهم من يستحق أن يطلق عليه إنسان ، فالطائر ملهم للشاعر بالشعر الجميل فكلا منهما ينشد ويسعد الآخرين ويبعث الأمل والبهجة في النفوس ، فالشاعر يحن إلى الطائر حزين لبعده عنه .
مواطن الجمال :
*إن الشعر وجدان : أسلوب خبري غرضه التقرير وعرض رأي الشاعر
*وفي شدوك شعر النفس : كناية عن إلهام الطائر الشعر للشاعر .
*فلا تقتد بالناس : أسلوب إنشائي نهي الغرض منه النصح والإرشاد .
*فما في الخلق إنسان : كناية عن فقدان الثقة بالناس جميعاً .
*وجد لي منك بالشعر : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه الترجي .
*قلبي منك ولهان : كناية عن الألم والحزن لبعد الأصدقاء عنه.
*يسود الأبيات جو من الحزن والألم والتشاؤم الذي ينبع من معاناة الشاعر وفقده الثقة بالناس .
3- تعجب الشاعر من ابتعاد الطائر عنه:
10- فهل تأنفُ منْ روضي وما في الروض ثعبانُ؟
11- وهل تنفرُ من جـــوِّي وما في الجوِّ عقبــانُ؟
12- وهل تنَفـــرُ من قلبي كأنَّ القلبَ خــــــوّانُ
13- فما لي مِنْكَ إسعــــادٌ ولا لي منكَ لقيــــانُ
المفردات :
10 – تأنف : تأبى وتكره ، روضي : مفردها روضة وهي الحديقة .
11- تنفر : تفزع وتبتعد ، عقبان : مفردها ( عُقاب ) وهي الطيور الجارحة .
12- خوّان : صيغة مبالغة من ( الخيانة ) أي كثير الغدر .
13- لقيان : مقابلة واجتماع .
الشرح :
يتسأل الشاعر عن سبب رفض الطائر الإقامة بقلبه هل لوجود ثعبان في أرض الرياض ، أم لوجود الطيور الجارحة في سماءها ، أم إنه يخاف الغدر والخيانة من هذا القلب ؛ لذلك حرمني من السعادة والهناء في طيب اللقاء .
مواطن الجمال :
*الأبيات ( 10 – 11 – 12) أساليب إنشائية ، استفهام الغرض منه التعجب
*استخدام النفي بـ ( ما ، و لا ) للتأكيد
*البيت (13) فيه حسن تقسيم يولد إيقاع موسيقي خلاب .
4- الإيمان بالقضاء والقدر
14- وللأقــــــــدارِ أحكامٌ وللمخلــــوقِ إذعانُ
15- أرى الأحداثَ إسراراً ستُمسي وهي إعلانُ
16- ويهفو بكَ ريبُ الدهـ ـرِ إنَّ الدهـــرَ طعّانُ
17- فلا حســــنٌ ولا شدوٌ ولا زهـرٌ وأَغَصـــانُ
المفردات :
14- الأقدار : مفردها ( القَدر ) وهو قضاء الله ، إذعان : خضوع واستسلام .
15- الأحداث : مفردها ( حدث ) وهي الأفعال ، إسرار : إخفاء *مضادها* إعلان : إظهار ووضوح.
16- يهفو ( هفو ) : الهفوة هي الذلة ، ريب : شك ، وريب الدهر حوادثه ، الدهر : الزمن ،
طعان : مبالغة في الطعن أي كثير الطعن .
17- حسن : جمال ، شدو : غناء .
الشرح :
إن القدر يحكم علينا وليس للإنسان إلا أن يخضع ويستسلم لحكم وقضاء الله ، وكل شيء يخفى علينا الآن لن يأتي الليل إلا ويكون واضحاً معلناً ، وإن التفكير في حوادث الدهر سيقودك للوقوع في الخطأ ؛ لأن الدهر بطبعه يحاول دائماً أن يوقع الإنسان في الخطأ ، والتفكير الدائم في حوادث الزمن يمنعك من الشعور بالجمال والبهجة ولا تستمتع بما حولك
مواطن الجمال :
*وللأقدار أحكام وللمخلوق إذعان : أسلوب خبري الغرض منه تقرير الإيمان بقضاء وحكم الله.
*إسرار ، إعلان : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
*البيت 15 : حكمة ( الذي يخفى علينا اليوم سيأتي الغد ونعلمه ) وهو ناتج عن خبرة الشاعر وتنوع ثقافته .
*الدهر طعان : استعارة مكنية شبه الدهر بالإنسان كثير الطعن وسر جمالها التشخيص والتجسيم .
*طعان : استخدام صيغة المبالغة للدلالة على كثرة نوائب الدهر.
*تكرار (لا) في البيت 17 : يفيد تأكيد عدم حدوث الاستمتاع بالحياة ومباهجها .
5- الإخلاص من طبع الشاعر
18- سيبقى لـــكَ في قلبي مـــوداتٌ وتَحنانُ
19- فإنْ ملّك أحبـــــابٌ وإن عقّك إخـــوانُ
20- وإنْ رابَكَ من عَيْشـِ كَ لوعاتٌ وأحزانُ
21- فجرّبْ عندَها قلبي فقلبي منكَ مـــلآنُ
22- وأسمعنْي من الشعرِ فإنَّا فيهِ خــــــلانُ
23- وهــل تفهمُ ما أعْني وهل للطيرِ أذهانُ؟!
المفردات :
18- مودات : جمع مودة وهي الحب ، تحنان : الحنين الشديد .
19- ملّك : سأمك ، أحباب : مفردها حبيب ، عقّك : خالفك ، إخوان : المراد الأصدقاء
20- رابك : نابك وأصابك ، لوعات : مفردها لوعة وهي حرقة الشوق .
21- ملآن : ممتلئ (ج) مِلاء .
22- خلان : مفردها خلٌ وخليل وهو الصديق المخلص .
23- أذهان : مفردها ذهن وهو الفهم والعقل
الشرح :
يخاطب الشاعر الطائر قائلاً بالرغم من بعدك عني فإن الحب والحنين لك يملأن قلبي ، فإذا سأم منك الأحباب وهجرك الأصحاب وأصبت بالحزن وحرقة القلب فعندها تعالى معي فأنا وأنت أصبنا بنفس الشيء فلنتسرى معا بإنشاد الشعر وتسمعني إنشادك الجميل فنحن أصدقاء أوفياء فيما نقول ، ثم يبرز الشاعر الغرض الحقيقي لما يقول من أن المقصود بالطائر هو الصديق فالطير ليس لديه عقل ليفهم ما قاله الشاعر لكن على الصديق أن يعي ما أقول .
مواطن الجمال :
*استخدام كلمة ( مودات) على صورة الجمع للدلالة على حب الشاعر الشديد للطائر .
*البيت 23 : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب .
التعليق على القصيدة :
جدة الموضوع :
تناول الشاعر في هذا النص موضوعاً جديداً غير مألوف عند الشعراء الإحيائيين ، وتلك من سمات مدرسة الديوان ، فهو يعبر عن تجربة ذاتية عاشها اقترنت بالتشاؤم والحزن وفقدان الثقة بالناس عالج من خلالها قضية إنسانية عامة تصيب البشر جميعاً ، وقد نزع الشاعر للرومانسية حيث نجد مناجاته للطبيعة وهيامه بها واتخاذه طائر الفردوس رمزاً حيّا يحاوره ويشتكي له .
الشاعر والتجربة
التجربة الشعرية في القصيدة ذاتية تقوم على التأمل والتحليل وتتسم بصدق العاطفة وعمق الفكرة ودقة التعبير.
الوحدة العضوية
تحققت الوحدة العضوية في أبيات القصيدة والمقصود بذلك :
1- وحدة الموضوع : فالأبيات تدور حول موضوع واحد وهو حب الشاعر وعشقه للشعر وبعد أصدقائه عنه .
2- وحدة الجو النفسي : فالشاعر يسيطر عليه جو نفسي واحد يتجلى في الألم والحزن والتشاؤم وفقدان الثقة بالناس .وكلها تسير في اتجاه شعوري واحد .
الأفكار
تتسم بالعمق والدقة والترابط المحكم فهو يتحدث أولا عن الأجواء التي يضفيها الشعر على نفس الشاعر ثم يظهر يبين تجربته الذاتية مع الناس التي جعلته يفقد الثقة فيهم ويتعجب من بعد الأقربين عنه ثم بين كيف أنه يؤمن بالقدر وسيظل قلبه محباً للناس بالرغم مما فعلوه فيه فهو جبل على الحب والوفاء .
العاطفة
تتسم بالصدق والقوة ، ويمتزج فيها الأمل مع الحزن والأسى .
الألفاظ
سهلة جميلة موحية بعيدة عن الغرابة ، يميل إلى تكرار بعض الكلمات تأكيداً للمعنى أو تنبيهاً للذهن .
يكثر الشاعر من استخدام بعض الحروف استعمالاً دقيقاً لخدمة المعنى .من ذلك: استخدامه حرف النسق (الواو) يفيد بيان مصاحبة الحدث أو إلحاقه بغيره ، وكذلك استخدام حرف النسق ( الفاء ) للدلالة على الترتيب والتعقيب .
يعاب على الشاعر أنه وضح في البيت (14) أنه يسلم بقضاء الله وحكمه ثم وصفه الدهر بالخيانة والغدر في ( إن الدهر طعان ) .
الصور
رسم الشاعر لنا في النص صورة كلية أجزاؤها : الشاعر و العصفور والبساتين والأنغام السحرية والأزهار و الأغصان والمياه .
وفي ثنايا الصورة الكلية صور جزئية من تشبيه واستعارة وكناية .
المحسنات البديعية
جاءت طبيعية وجميلة لخدمة المعنى وإبرازه منها الطباق .
الأساليب
اعتمد الشاعر على المزاوجة بين الأساليب الخبرية والإنشائية التي تثير الذهن وتحرك المشاعر .
الموسيقا
( أ ) خارجية :
تمثلت في وحدة الوزن والقافية ، وقد اختار لقافيته النون المضمومة المسبوقة بالمد لتلائم جو الحزن والأسى .
( ب ) داخلية :
1- ظاهرة : في المحسنات البديعية غير المتكلفة .
2- خفية : وتظهر في حسن اختيار الألفاظ الموحية ، والصور الجميلة المعبرة ، وحرارة العاطفة وصدقها .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- استخدام الألفاظ السهلة الموحية البعيدة عن الغرابة والتعقيد .
2- عمق الأفكار ودقتها وترابطها.
3- استخدام الصور الكلية والجزئية .
4- الإقلال من المحسنات البديعية إلا ما جاء طبيعياً .
5- التزام الوزن الواحد والقافية الواحدة .
مظاهر القديم في النص
1- الوزن الواحد والقافية الواحدة .
2- استخدام اللفظ العربي السهل الأصيل .
مظاهر الجديد في النص
1- الموضوع جديد غير مألوف .
2- رسم الصور الكلية .
3- التمسك بالوحدة العضوية ( وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي ).
4- البعد عن المحسنات البديعية المتكلفة .
المدرسة التي ينتمي لها الشاعر
يعد الشاعر أحد رواد مدرسة الديوان وقد ظهرت في النص خصائص هذه المدرسة منها :
1- تشخيص الطبيعة .
2- وضوح الأنين والشكوى والحزن والتشاؤم واليأس.
3- أن القصيدة كائن حي ، لكل جزء فيها وظيفته ومكانته .
4- البعد عن شعر المناسبات .
5- وضوح الجانب الفكري العقلي المتأثر بالفلسفة .
،،،،،،،،،،،،
أغنية الجندول
التعريف بالشاعر:
علي محمود طه شاعر عربي ولد في مصر عام 1902م وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية ، عمل مهندساً ، ثم وكيلا لدار الكتب المصرية ، عُرِف بالنزعة التجديدية ورقة الشعر وعذوبته توفي عام 1949م ، أصدر عدة دواوين منها :
( الملاح التائه ، ليالي الملاح التائه ، أرواح وأشباح ، زهر وخمر ) ...
مناسبة القصيدة :
زار الشاعر مدينة فينيسيا بإيطاليا في صيف 1938م وكان الإيطاليون يحتفلون بالكرنفال المشهور ، ينطلقون في جماعات كل منها في جندول مزيّن بالمصابيح الملونة والورود يمرون في قنوات المدينة بين قصورها التاريخية والجسور الرائعة يمرحون ويغنون في ملابس تنكرية مما دفع الشاعر لنظم هذه القصيدة .
القصيدة
1- وصف ليلة بفينيسيا
أينَ مِنْ عَينيَّ هاتيكَ المجاليِ يا عروسَ البحرِ , يا حُلْمَ الخيالِ
أينَ عُشــاقُك سُمَّـــارُ اللَّيَالي أينَ من واديكِ يا مهـــدَ الجمـــالِ
موكبُ الغِيدِ وعيـدُ الكرنفال وَسُرَى الجُنْدُولِ في عرض القنــالِ
بين كأسٍ يتشهّى الكرمُ خمرَهْ
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثَغْـــرَهْ
التقتْ عيني بـه أوَّل مــــــرَّهْ
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِّ نظــرَهْ
المفردات :
هاتيك : الـ(ها) للتنبيه ، تيك للدلالة على المثنى ، المجال :موضع الجولان ، والجولان : ما تجول به الريح على وجه الأرض من تراب وحصى(جول) ، عروس البحر : لقب لفينيسيا ، حلم : ما يراه النائم في نومه (ج) أحلام ، الخيال: الشخص أو الطيف .، عشاق :مفردها عاشق وهو المفرط في الحب سمار: مفردها سامر وهم القوم يسهرون ليلاً للترفيه مهد :المهد فراش الصبي موكب : جمعها مواكب القوم الراكبون على السفن للزينة الغيد : جمع غادة وهي المرأة الحسناء الكرنفال: كلمة أجنبية تعني المهرجان سرى: سار ليلاً الجندول:كلمة أجنبية تعني المركب القنال(قنو): مفردها قناة مجرى للماء يتشهى (شهو):يرغب بشدة الكرم:شجر العنب والمراد الخمر ثغره:فمه
الشرح :
يبدأ الشاعر قصيدته بيان عجز عينيه عن الإحاطة بكل ما يجول حوله فقد تزينت فينيسيا كالعروس وكأن ما يراه حلم في الخيال ، فقد تجمع عاشقي جمال فينيسيا لإحياء لياليها وقد امتلأ واديها بالجمال والزينة والفرح والبهجة والسرور ، حيث موكب النساء الجميلات وعيد الكرنفال فقد تهادت المراكب في القناة ، وقد علت الكؤوس وامتلأت بالخمر و في وسط ذلك الجو وقعت عين الشاعر على الحبيبة التي رآها وأحبها من أول نظرة .
مواطن الجمال :
( أين من عيني هاتيك المجالي)
(أين عشاقك سمار الليالي)
( أين من واديك ) أساليب إنشائية طلبيه استفهام الغرض منها الدهشة والتعجب
( يا عروس البحر ) ، ( يا حلم الخيال ) ،( يا مهد الجمال ) أساليب إنشائية نداء للدلالة على النشوة والسحر وقربهما من نفس الشاعر .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره) استعارة مكنية حيث جعل الكرم إنسانا يرغب بأن يكون خمراً للكأس.
( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) استعارة مكنية حيث جعل الكأس إنسانا يتمنى ثغر الحبيب .
( التقت عيني به أول مرة ) ، ( فعرفت الحب من أول نظرة ) أساليب خبرية للتقرير .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره ) ( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) حسن التقسيم الذي يضفي الموسيقى جمالا وروعة .
2- سمات الحبيبة :
أينَ مِنْ عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , يا حلم الخيال
ذهبي الشعر , شرقي السمات مرح الأعطاف , حلو اللفتات
كلما قلت له : خذ . قال : هات ياحبيب الروح يا أنس الحياة
أنا من ضيع في الاوهام عمره
نسي التاريخ أو أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكره غيره
يوم ان قابلته أول مرة
المفردات :
السمات : جمع سِمة وهي المَلمَح ، مرح : شديد الفرح ، الأعطاف : جمع عطف وهو الجانب ، اللفتات :مفردها لفته واللفت هو اللّي والمراد الحركات ، أنس : الأنيس الصفي والخاص ، الأوهام : مفردها الوهم الغلط والسهو .
الشرح :
يستمر الشاعر في الحديث عن هذه الحبيبة التي التقى بها معدداً سماتها فهي ذهبية الشعر ذات سمات شرقية مرحة من كل الجوانب في كل حركاتها حلوة وتجاذبا أطراف الحديث في أنس وصفاء . وبدا الشاعر معترفاً بأنه أضاع عمره في الأوهام وقد محى الماضي ولم يبق سوى يوم لقائه بالحبيبة أول مرة .
مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( ذهبي الشعر شرقي السمات مرح الأعطاف حلو اللفتات ) حسن التقسيم يضفي موسيقا داخلية تؤثر في النفس .
( خذ ، هات ) طباق يوضح المعنى ويبرزه
( يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة ) أسلوب إنشائي نداء للدلالة على قرب المحبوب له وإحساسه به
( نسي التاريخ ) استعارة مكنية حيث جعل التاريخ إنسانا ينسى
3- الذكريات الجميلة في مصر :
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال
قلت والنشوة تسري في لساني هاجت الذكرى ، فأين الهرمان؟
أين وادي السحر صداح المغاني؟ أين ماء النيل ؟ أين الضفتان؟
آه لو كنت معي نختال عبره
بشراع تسبح الأنجم إثره
حيث يروي الموج في أرخم نبره
حلم ليل من ليالي كليوباترا
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال
المفردات :
النشوة : السكر رجل نشوان : أي سكران ، تسري : تنتشر ، هاجت :ثارت ، الهرمان : المراد أهرامات الجيزة ، السِّحر : الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ ودَقَّ فهو سِحْر ، صداح :صاح بصوت شديد مطرب ، المغاني : مفردها مَغنى وهي المواضع التي كان بها أهلوها ، الضفتان : ضفتي النيل الشرقية والغربية ، نختال :نسير في اختيال ، شراع : ساري المركب ، إثره : أي خلفه ، أرخم :أرق وألين والرخيم هو الرقيق اللين ، نبرة:صوت (ج) نبرات.
الشرح :
يستمر الشاعر في بيان أثر الجمال الذي حوله على نفسيته ففي خضم النشوة التي يعيشها هفت عليه ذكرياته الجميلة الخالدة في بلده مصر ، حيث الأهرامات الشامخة وماء النيل العذب الذي يترقرق بين ضفتيه الخصبتين ، فأثارت الذكريات في نفسه الأشجان وتخيل حبيبته التي رآها في فينيسيا ( كليوباترا) وقد ركبا مركبا يختال في مياه النيل في ليلة تملأ النجوم السماء يستمتعان بصوت الأمواج الرقيق اللين ،وقد غاب في عالم من السحر والنشوة .
مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( النشوة تسري في لساني ) تعبير جميل حيث شبه النشوة بالشيء الذي يسري ويؤثر في لسانه وكلامه
( أين الهرمان ) ( أين وادي السحر صداح المغاني) ( أين ماء النيل ) ( أين الضفتان ) أساليب إنشائية استفهام الغرض منه الحيرة والدهشة .
( تسبح الأنجم إثره ) استعارة مكنية حيث شبه الأنجم بإنسان يسبح خلف المركب ز
( يروي الموج في أرخم نبرة ) استعارة مكنية حيث شبه الموج بالإنسان الذي يروي قصة في صوت رقيق لين .
نقد القصيدة :
تمهيد :
هذه القصيدة من الشعر الغنائي ، حيث عبر الشاعر عن ذاتيته وتجربته العاطفية التي مرّ بها والنشوة والسعادة التي عاشها في كرنفال فينيسيا والتي تمثلت في حبه لفتاة إيطالية وذكرياته الخالدة في مصر .
والشاعر يسير على درب رواد مدرسة أبولو حيث يركز على النزعة العاطفية التي تصور وجدانه مناجياً أماكن الذكريات مشخصاً للطبيعة وعناصرها كما لو كانت كائن حي وتلك من سمات المدرسة الرومانسية خاصة ( مدرسة أبولو ) .
الأفكار :
تتسم الأفكار بالتسلسل والترابط ، حيث بدأها الشاعر بوصف احتفال الإيطاليون بليالي الكرنفال المليئة بالسحر والجمال وقد أنعكس هذا الجمال على نفسه بلقائه بفتاة إيطالية أنسته من فتنتها نفسه فتخيل أنه في مركب بنيل مصر وكأنه أنطونيو وهي كليوباترا .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الفرحة والنشوة والدهشة وقد كان لهذه العاطفة أثرها في التعبير والتصوير
الألفاظ :
استخدم الشاعر في هذه القصيدة ألفاظاً خلابة بديعة حتى قيل :" إن ألفاظه كالبخور ، فقد كان يحرق البخور في قصائده " فترابطت ألفاظه في جو من الدهشة والسعادة والنشوة مثل : عروس البحر ، حلم الخيال ، سمار الليالي ، موكب الغيد ، الجندول ، مرح الأعطاف ، حلو اللفتات ، صداح المغاني ....
تكرار الشاعر لبعض ألفاظ القصيدة أثرى المعنى وحقق جانب الإنشاد والغناء مثل تكرار البيت الأول في خاتمة كل مقطع .
تعتمد ألفاظه على الانفعالات الموسيقية والأصوات والألحان وما تثيره في نفس المتلقي من ذبذبات صوتية .
الأساليب :
نوّع الشاعر بين الأساليب الخبرية والإنشائية التي توحي بالدهشة والنشوة والسحر
فقد استخدم أسلوب النداء عدة مرات مثل : يا عروس البحر ، يا حلم الخيال ، يا مهد الجمال ، يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة .
كما استخدم أسلوب الاستفهام عدة مرات مثل : أين عشاقك؟ ، أين من واديك ؟، أين الهرمان ؟، أين وادي السحر ؟ ، أين ماء النيل ؟، أين الضفتان ؟ .
استخدم أيضا أسلوب الشرط : كلما قلت له خذ قال: هات
الصور والأخيلة
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر ، وتتمثل الصورة الكلية في مناظر من الكرنفال ولقاء الحبيبة والتسامر معها والنيل والمراكب وخطوطها الفنية تتضح في :
الصوت الذي تسمعه في : قلت ، قال ، يا حبيب الروح ، قلت ، أين ، يروي ، أرخم نبرة
الحركة التي نراها في : سُرى الجندول ، حلو اللفتات ، خذ ، هات ، نختال
اللون الذي نراه في : الكرم ، النيل ، النجم ، الموج ، ذهبي الشعر
أما الصور الجزئية فنجدها في التشبيه والاستعارة ويميل الشاعر فيها إلى التشخيص والتجسيم أي تحويل الأمور المعنوية إلى صور حسية وتلك سمة من سمات مدرسة أبولو
المحسنات البديعية
غير متكلفة وقد استخدم منها الشاعر الطباق وحسن التقسيم.
الموسيقا
وفق الشاعر فاستخدم بحرا موسيقيا غنائيا ( بحر الرمل ) وهو من البحور الصافية التي تتكرر فيها التفعيلة ( فاعلاتن ) ثلاث مرات في كل شطر ..كما حرص على التصريع في مطلع القصيدة .
وفي القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرية : تتمثل في خروج الشاعر عن نظام القصيدة التقليدية فبناها على نظام المقاطع وجعل كل مقطع يتكون من ثلاثة أبيات وأربعة أشطر على غرار الموشح الأندلسي ،، وعلى الرغم من خروج الشاعر على نظام القافية الواحدة ففقد حافظ على الروي الواحد في الأبيات المشطورة مستخدما الراء المفتوحة والهاء الساكنة في كل مرة ( وهذه سمة لمدرسة أبولو ).
2- داخلية : وهي نوعان :
أ – ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة.
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .
الوحدة العضوية :
تحققت الوحدة العضوية في القصيدة وهي وحدة الموضوع حيث لأنها تدور حول موضوع واحد ، ووحدة الجو النفسي حيث تسيطر على الشاعر عاطفة واحدة وهي الفرح والنشوة والدهشة وكلها نابعة من موقف شعوري سابق .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- تسلسل الأفكار وترابطها وترتيبها .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- اختيار الموسيقى الهادئة .
من سمات القديم
1- التزام وحدة الوزن .
2- بعض الصور مستمدة من القديم
من سمات الجديد
1- تحقق الوحدة العضوية.
2- التجديد في الموضوع حيث انطلق إلى التغزل في المرأة يستلهمها ويعيش في كنفها.
3- الاندماج في الطبيعة وتشخيصها.
4- الجمع بين الخيال الكلي والجزئي.
5- التحرر من المحسنات المتكلفة .
6- استخدام القافية المتنوعة .
7- التجديد في الشكل حيث نظمها على شكل الموشح.
التعريف بالشاعر:
علي محمود طه شاعر عربي ولد في مصر عام 1902م وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية ، عمل مهندساً ، ثم وكيلا لدار الكتب المصرية ، عُرِف بالنزعة التجديدية ورقة الشعر وعذوبته توفي عام 1949م ، أصدر عدة دواوين منها :
( الملاح التائه ، ليالي الملاح التائه ، أرواح وأشباح ، زهر وخمر ) ...
مناسبة القصيدة :
زار الشاعر مدينة فينيسيا بإيطاليا في صيف 1938م وكان الإيطاليون يحتفلون بالكرنفال المشهور ، ينطلقون في جماعات كل منها في جندول مزيّن بالمصابيح الملونة والورود يمرون في قنوات المدينة بين قصورها التاريخية والجسور الرائعة يمرحون ويغنون في ملابس تنكرية مما دفع الشاعر لنظم هذه القصيدة .
القصيدة
1- وصف ليلة بفينيسيا
أينَ مِنْ عَينيَّ هاتيكَ المجاليِ يا عروسَ البحرِ , يا حُلْمَ الخيالِ
أينَ عُشــاقُك سُمَّـــارُ اللَّيَالي أينَ من واديكِ يا مهـــدَ الجمـــالِ
موكبُ الغِيدِ وعيـدُ الكرنفال وَسُرَى الجُنْدُولِ في عرض القنــالِ
بين كأسٍ يتشهّى الكرمُ خمرَهْ
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثَغْـــرَهْ
التقتْ عيني بـه أوَّل مــــــرَّهْ
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِّ نظــرَهْ
المفردات :
هاتيك : الـ(ها) للتنبيه ، تيك للدلالة على المثنى ، المجال :موضع الجولان ، والجولان : ما تجول به الريح على وجه الأرض من تراب وحصى(جول) ، عروس البحر : لقب لفينيسيا ، حلم : ما يراه النائم في نومه (ج) أحلام ، الخيال: الشخص أو الطيف .، عشاق :مفردها عاشق وهو المفرط في الحب سمار: مفردها سامر وهم القوم يسهرون ليلاً للترفيه مهد :المهد فراش الصبي موكب : جمعها مواكب القوم الراكبون على السفن للزينة الغيد : جمع غادة وهي المرأة الحسناء الكرنفال: كلمة أجنبية تعني المهرجان سرى: سار ليلاً الجندول:كلمة أجنبية تعني المركب القنال(قنو): مفردها قناة مجرى للماء يتشهى (شهو):يرغب بشدة الكرم:شجر العنب والمراد الخمر ثغره:فمه
الشرح :
يبدأ الشاعر قصيدته بيان عجز عينيه عن الإحاطة بكل ما يجول حوله فقد تزينت فينيسيا كالعروس وكأن ما يراه حلم في الخيال ، فقد تجمع عاشقي جمال فينيسيا لإحياء لياليها وقد امتلأ واديها بالجمال والزينة والفرح والبهجة والسرور ، حيث موكب النساء الجميلات وعيد الكرنفال فقد تهادت المراكب في القناة ، وقد علت الكؤوس وامتلأت بالخمر و في وسط ذلك الجو وقعت عين الشاعر على الحبيبة التي رآها وأحبها من أول نظرة .
مواطن الجمال :
( أين من عيني هاتيك المجالي)
(أين عشاقك سمار الليالي)
( أين من واديك ) أساليب إنشائية طلبيه استفهام الغرض منها الدهشة والتعجب
( يا عروس البحر ) ، ( يا حلم الخيال ) ،( يا مهد الجمال ) أساليب إنشائية نداء للدلالة على النشوة والسحر وقربهما من نفس الشاعر .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره) استعارة مكنية حيث جعل الكرم إنسانا يرغب بأن يكون خمراً للكأس.
( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) استعارة مكنية حيث جعل الكأس إنسانا يتمنى ثغر الحبيب .
( التقت عيني به أول مرة ) ، ( فعرفت الحب من أول نظرة ) أساليب خبرية للتقرير .
( بين كأس يتشهى الكرم خمره ) ( وحبيب يتمنى الكأس ثغره ) حسن التقسيم الذي يضفي الموسيقى جمالا وروعة .
2- سمات الحبيبة :
أينَ مِنْ عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , يا حلم الخيال
ذهبي الشعر , شرقي السمات مرح الأعطاف , حلو اللفتات
كلما قلت له : خذ . قال : هات ياحبيب الروح يا أنس الحياة
أنا من ضيع في الاوهام عمره
نسي التاريخ أو أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكره غيره
يوم ان قابلته أول مرة
المفردات :
السمات : جمع سِمة وهي المَلمَح ، مرح : شديد الفرح ، الأعطاف : جمع عطف وهو الجانب ، اللفتات :مفردها لفته واللفت هو اللّي والمراد الحركات ، أنس : الأنيس الصفي والخاص ، الأوهام : مفردها الوهم الغلط والسهو .
الشرح :
يستمر الشاعر في الحديث عن هذه الحبيبة التي التقى بها معدداً سماتها فهي ذهبية الشعر ذات سمات شرقية مرحة من كل الجوانب في كل حركاتها حلوة وتجاذبا أطراف الحديث في أنس وصفاء . وبدا الشاعر معترفاً بأنه أضاع عمره في الأوهام وقد محى الماضي ولم يبق سوى يوم لقائه بالحبيبة أول مرة .
مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( ذهبي الشعر شرقي السمات مرح الأعطاف حلو اللفتات ) حسن التقسيم يضفي موسيقا داخلية تؤثر في النفس .
( خذ ، هات ) طباق يوضح المعنى ويبرزه
( يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة ) أسلوب إنشائي نداء للدلالة على قرب المحبوب له وإحساسه به
( نسي التاريخ ) استعارة مكنية حيث جعل التاريخ إنسانا ينسى
3- الذكريات الجميلة في مصر :
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال
قلت والنشوة تسري في لساني هاجت الذكرى ، فأين الهرمان؟
أين وادي السحر صداح المغاني؟ أين ماء النيل ؟ أين الضفتان؟
آه لو كنت معي نختال عبره
بشراع تسبح الأنجم إثره
حيث يروي الموج في أرخم نبره
حلم ليل من ليالي كليوباترا
أين من عيني هاتيك المجالي ياعروس البحر , ياحلم الخيال
المفردات :
النشوة : السكر رجل نشوان : أي سكران ، تسري : تنتشر ، هاجت :ثارت ، الهرمان : المراد أهرامات الجيزة ، السِّحر : الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ ودَقَّ فهو سِحْر ، صداح :صاح بصوت شديد مطرب ، المغاني : مفردها مَغنى وهي المواضع التي كان بها أهلوها ، الضفتان : ضفتي النيل الشرقية والغربية ، نختال :نسير في اختيال ، شراع : ساري المركب ، إثره : أي خلفه ، أرخم :أرق وألين والرخيم هو الرقيق اللين ، نبرة:صوت (ج) نبرات.
الشرح :
يستمر الشاعر في بيان أثر الجمال الذي حوله على نفسيته ففي خضم النشوة التي يعيشها هفت عليه ذكرياته الجميلة الخالدة في بلده مصر ، حيث الأهرامات الشامخة وماء النيل العذب الذي يترقرق بين ضفتيه الخصبتين ، فأثارت الذكريات في نفسه الأشجان وتخيل حبيبته التي رآها في فينيسيا ( كليوباترا) وقد ركبا مركبا يختال في مياه النيل في ليلة تملأ النجوم السماء يستمتعان بصوت الأمواج الرقيق اللين ،وقد غاب في عالم من السحر والنشوة .
مواطن الجمال :
تكرار البيت ( أين من عيني .................) الغرض منه الإنشاد والغناء
( النشوة تسري في لساني ) تعبير جميل حيث شبه النشوة بالشيء الذي يسري ويؤثر في لسانه وكلامه
( أين الهرمان ) ( أين وادي السحر صداح المغاني) ( أين ماء النيل ) ( أين الضفتان ) أساليب إنشائية استفهام الغرض منه الحيرة والدهشة .
( تسبح الأنجم إثره ) استعارة مكنية حيث شبه الأنجم بإنسان يسبح خلف المركب ز
( يروي الموج في أرخم نبرة ) استعارة مكنية حيث شبه الموج بالإنسان الذي يروي قصة في صوت رقيق لين .
نقد القصيدة :
تمهيد :
هذه القصيدة من الشعر الغنائي ، حيث عبر الشاعر عن ذاتيته وتجربته العاطفية التي مرّ بها والنشوة والسعادة التي عاشها في كرنفال فينيسيا والتي تمثلت في حبه لفتاة إيطالية وذكرياته الخالدة في مصر .
والشاعر يسير على درب رواد مدرسة أبولو حيث يركز على النزعة العاطفية التي تصور وجدانه مناجياً أماكن الذكريات مشخصاً للطبيعة وعناصرها كما لو كانت كائن حي وتلك من سمات المدرسة الرومانسية خاصة ( مدرسة أبولو ) .
الأفكار :
تتسم الأفكار بالتسلسل والترابط ، حيث بدأها الشاعر بوصف احتفال الإيطاليون بليالي الكرنفال المليئة بالسحر والجمال وقد أنعكس هذا الجمال على نفسه بلقائه بفتاة إيطالية أنسته من فتنتها نفسه فتخيل أنه في مركب بنيل مصر وكأنه أنطونيو وهي كليوباترا .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الفرحة والنشوة والدهشة وقد كان لهذه العاطفة أثرها في التعبير والتصوير
الألفاظ :
استخدم الشاعر في هذه القصيدة ألفاظاً خلابة بديعة حتى قيل :" إن ألفاظه كالبخور ، فقد كان يحرق البخور في قصائده " فترابطت ألفاظه في جو من الدهشة والسعادة والنشوة مثل : عروس البحر ، حلم الخيال ، سمار الليالي ، موكب الغيد ، الجندول ، مرح الأعطاف ، حلو اللفتات ، صداح المغاني ....
تكرار الشاعر لبعض ألفاظ القصيدة أثرى المعنى وحقق جانب الإنشاد والغناء مثل تكرار البيت الأول في خاتمة كل مقطع .
تعتمد ألفاظه على الانفعالات الموسيقية والأصوات والألحان وما تثيره في نفس المتلقي من ذبذبات صوتية .
الأساليب :
نوّع الشاعر بين الأساليب الخبرية والإنشائية التي توحي بالدهشة والنشوة والسحر
فقد استخدم أسلوب النداء عدة مرات مثل : يا عروس البحر ، يا حلم الخيال ، يا مهد الجمال ، يا حبيب الروح ، يا أنس الحياة .
كما استخدم أسلوب الاستفهام عدة مرات مثل : أين عشاقك؟ ، أين من واديك ؟، أين الهرمان ؟، أين وادي السحر ؟ ، أين ماء النيل ؟، أين الضفتان ؟ .
استخدم أيضا أسلوب الشرط : كلما قلت له خذ قال: هات
الصور والأخيلة
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر ، وتتمثل الصورة الكلية في مناظر من الكرنفال ولقاء الحبيبة والتسامر معها والنيل والمراكب وخطوطها الفنية تتضح في :
الصوت الذي تسمعه في : قلت ، قال ، يا حبيب الروح ، قلت ، أين ، يروي ، أرخم نبرة
الحركة التي نراها في : سُرى الجندول ، حلو اللفتات ، خذ ، هات ، نختال
اللون الذي نراه في : الكرم ، النيل ، النجم ، الموج ، ذهبي الشعر
أما الصور الجزئية فنجدها في التشبيه والاستعارة ويميل الشاعر فيها إلى التشخيص والتجسيم أي تحويل الأمور المعنوية إلى صور حسية وتلك سمة من سمات مدرسة أبولو
المحسنات البديعية
غير متكلفة وقد استخدم منها الشاعر الطباق وحسن التقسيم.
الموسيقا
وفق الشاعر فاستخدم بحرا موسيقيا غنائيا ( بحر الرمل ) وهو من البحور الصافية التي تتكرر فيها التفعيلة ( فاعلاتن ) ثلاث مرات في كل شطر ..كما حرص على التصريع في مطلع القصيدة .
وفي القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرية : تتمثل في خروج الشاعر عن نظام القصيدة التقليدية فبناها على نظام المقاطع وجعل كل مقطع يتكون من ثلاثة أبيات وأربعة أشطر على غرار الموشح الأندلسي ،، وعلى الرغم من خروج الشاعر على نظام القافية الواحدة ففقد حافظ على الروي الواحد في الأبيات المشطورة مستخدما الراء المفتوحة والهاء الساكنة في كل مرة ( وهذه سمة لمدرسة أبولو ).
2- داخلية : وهي نوعان :
أ – ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة.
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .
الوحدة العضوية :
تحققت الوحدة العضوية في القصيدة وهي وحدة الموضوع حيث لأنها تدور حول موضوع واحد ، ووحدة الجو النفسي حيث تسيطر على الشاعر عاطفة واحدة وهي الفرح والنشوة والدهشة وكلها نابعة من موقف شعوري سابق .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- تسلسل الأفكار وترابطها وترتيبها .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- اختيار الموسيقى الهادئة .
من سمات القديم
1- التزام وحدة الوزن .
2- بعض الصور مستمدة من القديم
من سمات الجديد
1- تحقق الوحدة العضوية.
2- التجديد في الموضوع حيث انطلق إلى التغزل في المرأة يستلهمها ويعيش في كنفها.
3- الاندماج في الطبيعة وتشخيصها.
4- الجمع بين الخيال الكلي والجزئي.
5- التحرر من المحسنات المتكلفة .
6- استخدام القافية المتنوعة .
7- التجديد في الشكل حيث نظمها على شكل الموشح.
،،،،،،،،،،
أنشودة المطر
لبدر شاكر السياب
التعريف بالشاعر :
بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر
المفردات :
السحر : قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
الشرح
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :
· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
2- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر :
تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود ..."
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرِّفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر
أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفالِ ، كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار
أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى
كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"
المفردات :
تثاءب : تصنّع الثوباء ، الثوباء حركة للفم لا إرادية من هجوم النوم أو الكسل ، تسح : تنزل وتنصب ، الثقال : الشيء الكريه للنفس ، يهذي : تكلم بغير معقول لمرض ، أفاق : تنبه ، لج : ألح ولزم الشيء ولم ينصرف عنه ، تهامس : تكلم بصوت منخفض ، التل : ما علا من الأرض (ج) تلال ، اللحود : مفردها لحد وهو القبر ، تسف : تأكل ، يلعن : يسب ، القدر : قضاء الله ، ينثر : ينشر ، يأفل : يغيب ، تنشج : ونَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجاً ونَشيجاً، إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، المزاريب : مفردها مزراب وهي مجاري للماء ، انهمر : سال بشدة ، الضياع : الفقد والهلاك ، المراق : المسال ، مقلتاك : عيناك ، تطيفان : تأتيان كالخيال ، المحار : حيوان بحري ينتج اللؤلؤ ، تهم : تشرع ، دثار : ما يتدثر به ( يتغطى به) الإنسان من كساء أو غيره ، واهب : معطي ، الردى : الموت والهلاك ، الصدى : رجع الصوت .
الشرح :
يستمر الشاعر في تداعي الذكريات التي تربطه بالوطن في تعبيرات رمزية رائعة ، فيرى دخول الليل وما زالت الغيوم تنزل المطر الذي أثقل كاهلها فيرى أبناء العراق الذين استفاقوا من غفوتهم للتحرر يحملون معهم الأمل الذي سيتحقق طالما أصروا عليه وقد أخذ بعض الرفاق البعيدين عن الوطن يتكلمون همسا أن العراق ما زالت في رقادها وذلها وهوانها فالشعب يعاني فيها في يأس وحزن ينعى حظه وقدره يحاول أن يتغلب على قهره بالغناء عندما يغيب القمر منشدا " مطر... مطر .."
ثم يوضح الشاعر أن المطر يبعث الحزن في نفسه ، فعندما ينهمر المطر ويسمع صوت وقع الماء من المزاريب وكأنه بكاء عنيف يشعر الإنسان الوحيد بالضياع والهلاك ولا ينتهي هذا الشعور كالشعور الناجم من رؤية الدم المسال والناس الجوعى أو الشعور بالحب المتجدد والحنين للوطن والشعور النابع من رؤية طفل أو ميت ، فالمطر يطلق هذا الشعور باستمرارية .
تمر علي هذه الأطياف أطياف الوطن مع هطول المطر فأقف أتأمل أمواج الخليج التي تحمل معها الأمل من جديد وقد رأيت الأحرار الذين يعدون أنفسهم لتخليص العراق من الظلم واسترداد ثرواتها المسلوبة وكأنهم سيشرقون بعراق جديد ولكن هذه المحاولات انتهت بالفشل وسالت دماء هؤلاء الأحرار ومن بقى منهم لاجئا بعيدا عن وطنه ليس له إلا أن ينادي على الخليج الذي يهب الخير والعطاء وكذلك الهلاك لصعوبة الحصول على خيراته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتفشل هذه الحركات التحررية .
مواطن الجمال :
· تثاءب المساء : استعارة مكنية شبه المساء إنسانا يتثاءب
· الغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال : استعارة مكنية شبه الغيوم بالمرأة التي تبكي بشدة .
· دموعها الثقال : كناية عن شدة ما يعانيه الوطن من ظلم وقهر .
· كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : : يربط الشاعر صورة الغيوم التي تذرف الدمع بصورة الطفل الذي فقد أمه ويبكي سألا عنها
· يستخدم الشاعر الطفل رمزا للمستقبل الذي يحمل الأمل في الحرية
· ويستخدم الشاعر الأم رمزا للوطن المستعمر .
· حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لا بد أن تعود : نلمح إصرار الشاعر وتحدي المناضل الطريد على تحرير الوطن وعودة العراق حرة كما كان.
· وإن تهامس الرفاق : الهمس هنا يدل على مدي الخوف والقلق الذي يملأ النفوس .
· تنام نومة اللحود : كناية عن الموت والخراب الذي حل بالوطن.
· تسف من ترابها وتشرب المطر: كناية عن الذل الذي تعيش فيه العراق.
· كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر : ربط الشاعر حال العراق بحال الصياد الذي نصب شباكه للصيد وأتى المطر وخرب عليه الصيد فأخذ يجمع شباكه لاعناً القدر الذي لم يمكنه من صيده .
· فالصياد رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة .
· وينثر الغناء حيث يأفل القمر : كناية عن الألم الذي يعانيه الشعب في وجود الظلم والاحتلال .
· تكرار كلمة " مطر " يدل على الثورة العارمة والصراع .
· أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
أساليب إنشائية استفهام غرضها التقرير .
· كالدم المراق .. كالجياع.. كالحب .. كالأطفال .. كالموتى : كلمات تحمل ترسبات الماضي في نفس الشاعر مما يوحي بالمفارقات الكامنة بنفسه .
· تمسح البروق سواحل العراق : استعارة مكنية شبه البروق بالإنسان الثائر ضد الظلم .
· النجوم والمحار : كناية عن الثروات الموجودة بالعراق .
· كأنها تهم بالشروق : كناية عن الأمل في زوال المستعمر .
· فيسحب الليل عليها من دم دثار : شبه الليل بالإنسان الذي يغطي ، والدم بالغطاء ، دلالة على العنف المتواجد في العراق .
· يا خليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى : أسلوب نداء يدل على بعد الشاعر وغربيه عن الوطن
· اللؤلؤ والمحار والردى : اللؤلؤ والمحار كناية عن مهنة الغوص والتي ارتبطت بالموت للدلالة على صعوبة العيش في العراق
· كأنه النشيج : كناية عن الألم الذي يعتصر العراق من المستعمر.
· عودة الصدى " يا واهب المحار والردى " تحمل دلالة ضياع خيرات العراق وثرواته .
الهم الذي يؤرق السياب :
أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر
المفردات :
يذخر : خبأ لوقت الحاجة ، الرعود : صوت السحاب المصطدم المحمل بالمطر ، البروق : مفردها برق وهوا للمعان الناتج من اصطدام السحب ببعضها ، فضّ : فض الشيء فرقه ، ختمها : ختم النحل أي ملأ خليته عسلا ، واختم الشيء أي أتمه ، ثمود : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة ، تئن : تتألم ، المهاجرين : المستعمرين ، يصارعون : يقاتلون ، المجاذيف : مفردها مجذاف وهو ما تتحرك به السفينة ، القلوع : مفردها قلع وهو الشراع ، عواصف : مفردها عاصفة وهي الريح الشديدة .
الشرح
في هذا المقطع يوضح السياب الهم الذي سبب له الأرق وهو المستعمر الذي غزا بلاده فنجده يعايش الموقف بالعراق فالثورة قائمة والعراقيون يستعدون للقاء المستعمر وحربه ولكن تفرقوا وتشتت أمرهم فلم يبق إلا صوت المطر الذي يضفي الحزن في النفس وكذلك القرى التي لحقها الدمار من جراء الصراع الذي دار بينهم وبين المستعمر لاقتلاع خيرات الخليج .
مواطن الجمال
· اسمع العراق : شخص الشاعر العراق بالإنسان الذي يتكلم .
· يذخر الرعود ، يخزن البروق : أساليب خبرية تدل على الثورة الموجودة داخل العراق .
· لم تترك الرياح من ثمود
في الوادي من أثر : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة وقد التبس الأمر على الشاعر بين قوم عاد وثمود فعاد هم من أخذوا بالريح الباردة " وهنا لجأ الشاعر إلى استخدام معاني القرآن الكريم "
· أكاد أسمع النخيل يشرب المطر : استعارة مكنية شبه النخيل بالإنسان الذي يشرب .
· أسمع القرى تئن : استعارة مكنية شبه القرى بالإنسان الذي يئن .
· المهاجرين يصارعون عواصف الخليج : شبه أهل العراق بالعواصف في ثورتهم .
نقد القصيدة
التمهيد ..
يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .
ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .
الأفكار :
أفكار القصيدة مترابطة ، وقد ابرز الشاعر أفكاره من خلال التشخيص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده يبدأ القصيدة بذكرياته الجميلة في العراق ثم يبين المناحي التي تبعث السرور في حياته والمناحي التي تثير الحزن فيها والأسى ، فينطلق مباشرة إلى الهم الذي يؤرقه ويؤرق العراق كلها وهو طمع المستعمر فيها .
العاطفة :
عاطفة الشاعر في هذه القصيدة إنسانية عامة ، فهو يريد أن يدفع الخطر عن وطنه المتمثل في المستعمر الغاصب لخيرات بلاده فحب الوطن والانتماء إلى الأرض يشترك فيه جميع الناس ، فالعاطفة صادقة " بين الألم والحزن والأمل والفرحة " نابعة من حب الشاعر لوطنه وأرضه وشعبه المقهور .
الألفاظ :
استخدم الشاعر الألفاظ السهلة الواضحة موحية فجاءت ملائمة للموضوع ، وقد استخدم الشاعر الرمز للتعبير عما يريد دون خوف مثل:
الطفل : رمز للمستقبل الذي يبشر بالأمل ، والأم : رمز للوطن ، والصياد : رمز للشعب اليائس الذي يصارع الحياة ، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات العراق .
الأساليب
تنوعت الأساليب في القصيدة بين الخبرية والإنشائية التي توحي بالصراع المرير والحزن
فمن الأساليب الإنشائية أكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة للأساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون والهدوء و يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها .
وكذلك استعان الشاعر بأسلوب التقديم لما حقه التأخير مثل تقديم الحال
كما ضمن الشاعر بعض الأساليب القرآنية ويعاب عليه الخلط بين عاد وثمود .
الصور والأخيلة :
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر فنجده يفصّل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل : " عيناك حين تبسمان " صورة كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل :" ترقص الأضواء كالأقمار في نهر ، كأنما تنبض في غوريهما النجوم ، وتغرقان في ضباب من أسى شفيف ، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء "
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشداً هائلا من الصور المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة إشعاعات تومض بصفة دورية.
المحسنات البديعية :
غير متكلفة وقد استخدم الشاعر بعض المتناقضات للتعبير عما بداخله من إحساس
كالموت والميلاد ، والظلام والضياء ، دفء وارتعاشة
الموسيقا
في القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرة : حيث تعتمد هذه القصيدة في بناء الموسيقا الخارجية على تفعيلة بحر الرجز " مُسْتَفْعِلُنْ " وصورها :" مُتَفْعِلُنْ ، مُسْتَعِلُن ، مُسْتَفْعِلْ ، مُتَفْعي " المتكررة مرات غير متساوية في كل سطر .
2- داخلية : الموسيقى الداخلية نوعان :
أ – ظاهرة : وتتمثل في المحسنات البديعية والمتناقضات .
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية التي تعبر عن الحالة الوجدانية ، والمتواليات الصوتية التي تحدث إيقاعاً يتوافق مع الجو النفسي والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .
الوحدة العضوية :
تتحقق الوحدة العضوية حيث نرى أن حب الوطن والانتماء إليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن بلاده ، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل إليه الوطن الجريح .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- عدم الالتزام بقافية واحدة .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص والاهتمام بالصورة الشعرية.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- البناء على وحدة التفعيلة
7- استخدام الرمز في قصائده .
8- التأثر بالآداب الغربية والصينية .
9- استخدام الأسطورة أو الحكايات المروية من التراث .
لبدر شاكر السياب
التعريف بالشاعر :
بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر
المفردات :
السحر : قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
الشرح
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :
· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
2- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر :
تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود ..."
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرِّفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر
أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفالِ ، كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار
أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى
كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"
المفردات :
تثاءب : تصنّع الثوباء ، الثوباء حركة للفم لا إرادية من هجوم النوم أو الكسل ، تسح : تنزل وتنصب ، الثقال : الشيء الكريه للنفس ، يهذي : تكلم بغير معقول لمرض ، أفاق : تنبه ، لج : ألح ولزم الشيء ولم ينصرف عنه ، تهامس : تكلم بصوت منخفض ، التل : ما علا من الأرض (ج) تلال ، اللحود : مفردها لحد وهو القبر ، تسف : تأكل ، يلعن : يسب ، القدر : قضاء الله ، ينثر : ينشر ، يأفل : يغيب ، تنشج : ونَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجاً ونَشيجاً، إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، المزاريب : مفردها مزراب وهي مجاري للماء ، انهمر : سال بشدة ، الضياع : الفقد والهلاك ، المراق : المسال ، مقلتاك : عيناك ، تطيفان : تأتيان كالخيال ، المحار : حيوان بحري ينتج اللؤلؤ ، تهم : تشرع ، دثار : ما يتدثر به ( يتغطى به) الإنسان من كساء أو غيره ، واهب : معطي ، الردى : الموت والهلاك ، الصدى : رجع الصوت .
الشرح :
يستمر الشاعر في تداعي الذكريات التي تربطه بالوطن في تعبيرات رمزية رائعة ، فيرى دخول الليل وما زالت الغيوم تنزل المطر الذي أثقل كاهلها فيرى أبناء العراق الذين استفاقوا من غفوتهم للتحرر يحملون معهم الأمل الذي سيتحقق طالما أصروا عليه وقد أخذ بعض الرفاق البعيدين عن الوطن يتكلمون همسا أن العراق ما زالت في رقادها وذلها وهوانها فالشعب يعاني فيها في يأس وحزن ينعى حظه وقدره يحاول أن يتغلب على قهره بالغناء عندما يغيب القمر منشدا " مطر... مطر .."
ثم يوضح الشاعر أن المطر يبعث الحزن في نفسه ، فعندما ينهمر المطر ويسمع صوت وقع الماء من المزاريب وكأنه بكاء عنيف يشعر الإنسان الوحيد بالضياع والهلاك ولا ينتهي هذا الشعور كالشعور الناجم من رؤية الدم المسال والناس الجوعى أو الشعور بالحب المتجدد والحنين للوطن والشعور النابع من رؤية طفل أو ميت ، فالمطر يطلق هذا الشعور باستمرارية .
تمر علي هذه الأطياف أطياف الوطن مع هطول المطر فأقف أتأمل أمواج الخليج التي تحمل معها الأمل من جديد وقد رأيت الأحرار الذين يعدون أنفسهم لتخليص العراق من الظلم واسترداد ثرواتها المسلوبة وكأنهم سيشرقون بعراق جديد ولكن هذه المحاولات انتهت بالفشل وسالت دماء هؤلاء الأحرار ومن بقى منهم لاجئا بعيدا عن وطنه ليس له إلا أن ينادي على الخليج الذي يهب الخير والعطاء وكذلك الهلاك لصعوبة الحصول على خيراته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتفشل هذه الحركات التحررية .
مواطن الجمال :
· تثاءب المساء : استعارة مكنية شبه المساء إنسانا يتثاءب
· الغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال : استعارة مكنية شبه الغيوم بالمرأة التي تبكي بشدة .
· دموعها الثقال : كناية عن شدة ما يعانيه الوطن من ظلم وقهر .
· كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : : يربط الشاعر صورة الغيوم التي تذرف الدمع بصورة الطفل الذي فقد أمه ويبكي سألا عنها
· يستخدم الشاعر الطفل رمزا للمستقبل الذي يحمل الأمل في الحرية
· ويستخدم الشاعر الأم رمزا للوطن المستعمر .
· حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لا بد أن تعود : نلمح إصرار الشاعر وتحدي المناضل الطريد على تحرير الوطن وعودة العراق حرة كما كان.
· وإن تهامس الرفاق : الهمس هنا يدل على مدي الخوف والقلق الذي يملأ النفوس .
· تنام نومة اللحود : كناية عن الموت والخراب الذي حل بالوطن.
· تسف من ترابها وتشرب المطر: كناية عن الذل الذي تعيش فيه العراق.
· كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر : ربط الشاعر حال العراق بحال الصياد الذي نصب شباكه للصيد وأتى المطر وخرب عليه الصيد فأخذ يجمع شباكه لاعناً القدر الذي لم يمكنه من صيده .
· فالصياد رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة .
· وينثر الغناء حيث يأفل القمر : كناية عن الألم الذي يعانيه الشعب في وجود الظلم والاحتلال .
· تكرار كلمة " مطر " يدل على الثورة العارمة والصراع .
· أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
أساليب إنشائية استفهام غرضها التقرير .
· كالدم المراق .. كالجياع.. كالحب .. كالأطفال .. كالموتى : كلمات تحمل ترسبات الماضي في نفس الشاعر مما يوحي بالمفارقات الكامنة بنفسه .
· تمسح البروق سواحل العراق : استعارة مكنية شبه البروق بالإنسان الثائر ضد الظلم .
· النجوم والمحار : كناية عن الثروات الموجودة بالعراق .
· كأنها تهم بالشروق : كناية عن الأمل في زوال المستعمر .
· فيسحب الليل عليها من دم دثار : شبه الليل بالإنسان الذي يغطي ، والدم بالغطاء ، دلالة على العنف المتواجد في العراق .
· يا خليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى : أسلوب نداء يدل على بعد الشاعر وغربيه عن الوطن
· اللؤلؤ والمحار والردى : اللؤلؤ والمحار كناية عن مهنة الغوص والتي ارتبطت بالموت للدلالة على صعوبة العيش في العراق
· كأنه النشيج : كناية عن الألم الذي يعتصر العراق من المستعمر.
· عودة الصدى " يا واهب المحار والردى " تحمل دلالة ضياع خيرات العراق وثرواته .
الهم الذي يؤرق السياب :
أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر
المفردات :
يذخر : خبأ لوقت الحاجة ، الرعود : صوت السحاب المصطدم المحمل بالمطر ، البروق : مفردها برق وهوا للمعان الناتج من اصطدام السحب ببعضها ، فضّ : فض الشيء فرقه ، ختمها : ختم النحل أي ملأ خليته عسلا ، واختم الشيء أي أتمه ، ثمود : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة ، تئن : تتألم ، المهاجرين : المستعمرين ، يصارعون : يقاتلون ، المجاذيف : مفردها مجذاف وهو ما تتحرك به السفينة ، القلوع : مفردها قلع وهو الشراع ، عواصف : مفردها عاصفة وهي الريح الشديدة .
الشرح
في هذا المقطع يوضح السياب الهم الذي سبب له الأرق وهو المستعمر الذي غزا بلاده فنجده يعايش الموقف بالعراق فالثورة قائمة والعراقيون يستعدون للقاء المستعمر وحربه ولكن تفرقوا وتشتت أمرهم فلم يبق إلا صوت المطر الذي يضفي الحزن في النفس وكذلك القرى التي لحقها الدمار من جراء الصراع الذي دار بينهم وبين المستعمر لاقتلاع خيرات الخليج .
مواطن الجمال
· اسمع العراق : شخص الشاعر العراق بالإنسان الذي يتكلم .
· يذخر الرعود ، يخزن البروق : أساليب خبرية تدل على الثورة الموجودة داخل العراق .
· لم تترك الرياح من ثمود
في الوادي من أثر : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة وقد التبس الأمر على الشاعر بين قوم عاد وثمود فعاد هم من أخذوا بالريح الباردة " وهنا لجأ الشاعر إلى استخدام معاني القرآن الكريم "
· أكاد أسمع النخيل يشرب المطر : استعارة مكنية شبه النخيل بالإنسان الذي يشرب .
· أسمع القرى تئن : استعارة مكنية شبه القرى بالإنسان الذي يئن .
· المهاجرين يصارعون عواصف الخليج : شبه أهل العراق بالعواصف في ثورتهم .
نقد القصيدة
التمهيد ..
يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .
ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .
الأفكار :
أفكار القصيدة مترابطة ، وقد ابرز الشاعر أفكاره من خلال التشخيص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده يبدأ القصيدة بذكرياته الجميلة في العراق ثم يبين المناحي التي تبعث السرور في حياته والمناحي التي تثير الحزن فيها والأسى ، فينطلق مباشرة إلى الهم الذي يؤرقه ويؤرق العراق كلها وهو طمع المستعمر فيها .
العاطفة :
عاطفة الشاعر في هذه القصيدة إنسانية عامة ، فهو يريد أن يدفع الخطر عن وطنه المتمثل في المستعمر الغاصب لخيرات بلاده فحب الوطن والانتماء إلى الأرض يشترك فيه جميع الناس ، فالعاطفة صادقة " بين الألم والحزن والأمل والفرحة " نابعة من حب الشاعر لوطنه وأرضه وشعبه المقهور .
الألفاظ :
استخدم الشاعر الألفاظ السهلة الواضحة موحية فجاءت ملائمة للموضوع ، وقد استخدم الشاعر الرمز للتعبير عما يريد دون خوف مثل:
الطفل : رمز للمستقبل الذي يبشر بالأمل ، والأم : رمز للوطن ، والصياد : رمز للشعب اليائس الذي يصارع الحياة ، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات العراق .
الأساليب
تنوعت الأساليب في القصيدة بين الخبرية والإنشائية التي توحي بالصراع المرير والحزن
فمن الأساليب الإنشائية أكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة للأساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون والهدوء و يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها .
وكذلك استعان الشاعر بأسلوب التقديم لما حقه التأخير مثل تقديم الحال
كما ضمن الشاعر بعض الأساليب القرآنية ويعاب عليه الخلط بين عاد وثمود .
الصور والأخيلة :
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر فنجده يفصّل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل : " عيناك حين تبسمان " صورة كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل :" ترقص الأضواء كالأقمار في نهر ، كأنما تنبض في غوريهما النجوم ، وتغرقان في ضباب من أسى شفيف ، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء "
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشداً هائلا من الصور المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة إشعاعات تومض بصفة دورية.
المحسنات البديعية :
غير متكلفة وقد استخدم الشاعر بعض المتناقضات للتعبير عما بداخله من إحساس
كالموت والميلاد ، والظلام والضياء ، دفء وارتعاشة
الموسيقا
في القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرة : حيث تعتمد هذه القصيدة في بناء الموسيقا الخارجية على تفعيلة بحر الرجز " مُسْتَفْعِلُنْ " وصورها :" مُتَفْعِلُنْ ، مُسْتَعِلُن ، مُسْتَفْعِلْ ، مُتَفْعي " المتكررة مرات غير متساوية في كل سطر .
2- داخلية : الموسيقى الداخلية نوعان :
أ – ظاهرة : وتتمثل في المحسنات البديعية والمتناقضات .
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية التي تعبر عن الحالة الوجدانية ، والمتواليات الصوتية التي تحدث إيقاعاً يتوافق مع الجو النفسي والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .
الوحدة العضوية :
تتحقق الوحدة العضوية حيث نرى أن حب الوطن والانتماء إليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن بلاده ، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل إليه الوطن الجريح .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- عدم الالتزام بقافية واحدة .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص والاهتمام بالصورة الشعرية.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- البناء على وحدة التفعيلة
7- استخدام الرمز في قصائده .
8- التأثر بالآداب الغربية والصينية .
9- استخدام الأسطورة أو الحكايات المروية من التراث .
،،،،،،،،،،
من شعر التأمل الفلسفي
فلسفة الحياة
التعريف بالشاعر:
إيليا أبو ماضي من كبار شعراء المهجر ، ولد بقرية ( المحيدثة ) بلبنان سنة 1889م وعندما بلغ العاشرة من عمره ، هاجر إلى مصر يطلب فيها حياة طيبة لم يجدها في لبنان واتجه إلى القراءة والتحرير في الصحف وظهرت شاعريته مبكرة ، فأصدر ديوانه الأول ( تذكار الماضي ) سنة 1911 ، وجرى فيه على طريقة البارودي والشعر العربي التقليدي .
ثم هاجر إلى أمريكا سنة 1912 م ومكث بها أربع سنوات لا يقول شعراً ، ولعله كان مشغولاً بتدبير عيشه ، ثم انضم إلى الرابطة القلمية بنيويورك حين تأسست سنة 1920 ، وفي سنة 1929 أصدر مجلة ( السمير ) ثم حولها إلى جريدة يومية ، ونشر سنة 1921 ديوانه ( الجداول ) ، وفي سنة 1940 ديوانه ( الخمائل ) .
وقد أتاحت له هجرته إلى أمريكا ثقافة ودراسة عميقة للحضارة الغربية والعربية وتكونت له منهما شخصية واضحة المعالم ، قوية الملامح ، وهو يصوغ الشعر معبراً عن نفسه وعن المجتمع الذي يعيش فيه ، ويتأمل الحياة وما فيها من صنوف الخير والشر ويعرض ذلك عرضاً صادقاً ، ونجد في شعره كثيراً من النظرات التأملية في الحياة وفي أسرار الوجود والنفس الإنسانية ، توفي سنة 1957 ، وقد نشر ديوانه ( تبر وتراب ) بعد وفاته .
مناسبة القصيدة :
كان إيليا أبو ماضي يشفق على المتشائمين الذين ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود ويعمون عن كل ما تحفل به الحياة من متعة وبهجة ولا يقدرون ما أسبغ الله عليهم من نعم لا تعد ولا تحصى ، وكان يرى أن الكآبة إنما يخلقها الإنسان لنفسه بينما في استطاعته أن يعيش سعيداً ، وهو في هذه القصيدة يدعو إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي أشرك فيه مظاهر الطبيعة المختلفة للاستمتاع بالحياة ونبذ الشكوى والخوف من الموت .
الفكرة الأولى : التفاؤل والاستمتاع بالحياة :
1. أيهــــــــــــذا الشاكي وما بِكَ داء كيفَ تغْدُو إذا غَـــــــدوتَ عليلا
2. إنّ شــــرّ الجناة في الأرض نفــــسٌ تتوقّى قبل الرحيـــــلِ الرَّحيلا
3. وترى الشـــــــوكَ في الورُودِ وتعمى إن ترى فوقها النـــــّدى إكليــلا
4. والذي نفسُهُ بِغيـــــــــــــــرِ جمال لا يرى في الحياةِ شيئاً جميــــلا
5. فتمتّعْ بالصُّبحِ ما دُمــــــــــــتَ فيهِ لا تخفْ أنْ يزولَ حتّى يــــزولا
المفردات :
1- أيهذا الشاكي : أي هذا أيها الشاكي ، الشاكي : المخبر بسوء أصابه ، داء ( دوأ
مرض وجمعها أدواء ، تغدو : تصبح ، عليلا : مريضاً .
2- الجناة : جمع جان ، وهو المذنب المقترف جريمة ، تتوقى : يتحذر ، الرحيل : المغادرة والمراد الموت.
3- تعمى : تصاب بالعمى : أي عدم رؤية الأشياء ، الندى : قطرات الماء المتكاثفة في أوائل الصباح على النبات ، إكليلا ( كلل
تاج والجمع أكاليل .
5- تمتع بالصبح : استمتع بمطلع النهار ، يزول : ينقشع ويذهب .
الشرح :
1- يتعجب الشاعر من الإنسان الذي يشتكي من الحياة ولم يصب بمرض متوجها إليه بنظرة تأملية فكيف يكون حاله إذن عندما يمرض .
2- فإن شر المذنبين في الأرض من يتحذر الموت ويخافه ويظل حبيساً لهذه الفكرة قبل أن يحن موعدها
3- إن نظرتك التشاؤمية للحياة جعلتك لا ترى في الوردة سوى الشوك ولا تتمتع بجمال الندى على أوراقها كالتاج على رأس الجميلة .
4- فالإنسان الذي لا يجعل الجمال من عناصر نفسه لا يرى في الكون شيئاً جميلا .
5- ويدعو الشاعر هذا المتشاءم بأن يستمتع بمطلع النهار الجديد طالما أنه موجود فيه ومن عناصره متفاعلا معه متفائلا بالحياة حتى يذهب وحده كطبيعة الأشياء .
مواطن الجمال :
أيهذا الشاكي وما بك داء : أسلوب نداء الغرض منه التعجب
ما بك داء : أسلوب خبري الغرض منه التقرير
كيف تغدو إذا غدوت عليلا : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب .
ما بك داء / عليلا : طباق سلب ، قيمته الفنية توضيح المعنى وإبرازه بالمتناقضات .
البيت الثاني : الأسلوب خبري الغرض منه التقرير ويمكن اعتبار البيت حكمة
الرحيل : كناية عن الموت وترك الحياة .
الرحيل الرحيلا : تكرار كلمة الرحيل لتوضيح المعنى وإبرازه ، والتكرار يعطي نغمة موسيقية جميلة .
ترى ، تتوقى استخدام الفعل المضارع دلالة على تجدد واستمرارية النظرة التشاؤمية والخوف المشوب بالحذر
تري / تعمى : طباق لتوضيح المعنى وإبرازه .
ترى فوقها الندى إكليلا : شبه الندى فوق أوراق الوردة بالتاج الموضوع على الرأس لزينتها .
البيت الرابع : أسلوب خبري الغرض منه التقرير ويعد أيضاً بيت حكمة
تمتع بالصبح : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
لا تخف : أسلوب إنشائي نهي الغرض منه النصح والإرشاد
استخدم الشاعر في البيت الخامس ( تخف ، يزول ، يزولا ) أفعالا مضارعة للدلالة على الخوف المتجدد من زوال السعادة من الحياة .
الفكرة الثانية: الطيور أدركت بفطرتها قيمة الحياة :
6- أدركتْ كُنْهها طيورُ الرّوابي فمنَ العـــار أنْ تظلَّ جهولا
7- تتغنّى والصقر قد ملك الجـوَّ عليها والصائــدونَ السّبيلا
8- تتغنّى وعمرها بعضُ عـــامٍ أفتبكي وقدْ تعيشُ طويــلا
9- فاطلب اللّهوَ مثلما تطلُبُ الأطـــــــــيارُ عندَ الهجيرِ ظلاً ظليلا
10- وتعلم حُبَّ الطبيعة منـها واتركِ القالَ للورَى والقيـلا
المفردات:
6- أدركت : عرفت بفطرتها ، كنهها : حقيقتها ، الروابي : مفردها رابية : وهو ما ارتفع من الأرض ، العار (عير
السبة والعيب ، جهولا: لاتعلم .
7- الصقر : من الطيور الجارحة ، ملك : تحكم في الأمر ، السبيلا : الطريق والمراد السماء .
9- اللهو : اللعب والمتعة ، الهجير : حر الظهيرة ، ظلا : مكان ليس فيه شمس
10 القال والقيل : الكلام غير النافع الذي يبعدك عن اجتلاء الجمال .
الشرح :
6- يقرر الشاعر أن الطيور بفطرتها أدركت حقيقة أمرها واستمتعت بالروابي ومن العيب عليك أيها المتشاءم أن تظل جاهلا بحقيقتك التي فطرك الله عليها .
7- فالطيور تحلق في السماء وتستمتع بوقتها وقد امتلأت السماء بالصقور والأرض بالصائدين الذين يطلبون هذه الطيور .
8- وهذه الطيور لا تعبأ بهم وتستمر في استمتاعها وهي تعلم أن عمرها لن يتعدي أشهر قليلة من العام فلماذا تندب أنت حظك باكيا مع انك ستعيش عمراً طويلاً .
9- فالتمس في حياتك كل ما يسعدها مثل ما تفعل الطيور وارتاح مثلها تماماً عندما تلتمس الظل وقت اشتداد الحر .
10- تأمل للطيور وحياتها وتعلم منها حب الحياة والاستمتاع بمباهج الطبيعة واترك كلام الناس غير النافع الذي يبعدك عن اجتلاء الجمال من حولك .
مواطن الجمال :
أدركت كنهها طيور الروابي : جعل الطيور تعقل وتتأمل وتدرك وتعي حقيقة خلقها وفي ذلك إعطاء ما لايعقل صفة العاقل .
فمن العار أن تظل جهولا : أسلوب خبري الغرض منه التوبيخ واللوم .
الصقر قد ملك الجو : كناية عن القوة والسيطرة
تتغنى وعمرها بعض عام : استخدم كلمة بعض للدلالة على صغر سنها ، وهي كناية عن التفاؤل والسعادة
أفتبكي وقد تعيش طويلا : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب
فاطلب اللهو ، تعلم حب الطبيعة منها ، اترك القال للورى والقيل : أساليب إنشائية أمر الغرض منها النصح والإرشاد
تطلب الأطيار عند الهجير ظلاً ظليلا : كناية عن الراحة والاستمتاع بكل وقت يمر علينا .
الفكرة الثالثة : الحياة ليست مكاناً للشقاء :
11- أنتَ للأرضِ أولاً وأخيـــــراً كنت مَلكا أو كنتَ عبداً ذليـــلا
12- كلُّ نجمٍ إلى الأفــــــولِ ولكنْ آفةُ النَّجمِ أن يخافَ الأفــــــولا
13- فإذا ما وجدتَ في الأرض ظلاً فتفيَّأ به إلى أن يحــــــــــــــولا
14- وتوقع إذا السماء اكفهــرت مطراً في السهولِ يُحيي السهو لا
15- ما أتينا إلى الحيـــاة لنشقى فأريحوا أهلَ العقولِ العقـــــولا
16- كلُّ من يجمعُ الهمـومَ عليه أخذتهُ الهمومُ أخذاً وبيـــــــلا
المفردات :
11- ذليلا : وضيعا.
12- الأفول : الغروب والزوال ، آفة ( أوف): عيب ونقص .
13- ظلا : الظل ظل الشيء خياله ، تفيأ : استظل به ، يحولا : يتحول لمكان آخر.
14- اكفهرت : غضبت ، السهول : مفردها سهل وهي الأرض المنبسطة .
15- نشقى : نتعب ونتألم ، أهل العقول : أصحاب العقول .
16- الهموم : مفردها :هم ، وهي المصائب والأحزان ، أخذته : قضت عليه ، وبيلا : وخيم العاقبة .
الشرح :
11- يبين الشاعر أن الحياة ليست مكانا للشقاء الإنساني حيث أن الإنسان مآله إلى التراب مهما كان ملكا أو عبدا .
12- وأن النجم لا بد وأن يدرك حقيقة أنه لا محالة زائل.
13- ويدعو المتشاءم بالاستمتاع بكل لحظة تمر عليه فإذا وجد بقعة ظليلة وقت الهجير فليستظل بها ولا يفكر في كون الظل سيتحول عنها
14- وعندما يرى غضبة السماء يتوقع نزول المطر بالخير ولا يتوقع الشر.
15- منها فنحن لم نأت إلى الحياة للشقاء والتعاسة وعلى كل من يملك عقلا أن يدرك ذلك ويريح عقله من التفكير.
16- فكل إنسان يجمع الهموم والأحزان ويجعلها شغله الشاغل في النهاية ستقضي عليه هذه الهموم وتسحقه .
مواطن الجمال :
أولا وأخيرا ، ملكا وعبدا : طباق يوضح المعنى ويبرزه
البين الحادي عشر : أسلوب خبري الغرض منه التقرير .
البيت الثاني عشر أسلوب خبري للتقرير
ولكن : تفيد الاستدراك
آفة النجم أن يخاف الأفولا : استعارة مكنية شبه النجم بالانسان الذي يخاف .
البيت الثالث عشر أسلوب شرط وعلاقة الشطر الثاني بالشطر الأول نتيجة بسبب .
السماء اكفهرت : استعارة مكنية شبه السماء بالانسان الغاضب
مطرا يحيي السهولا : مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون .
ما أتينا إلى الحياة لنشقى : أسلوب خبري للتقرير .
العقول العقولا تكرار كلمة العقول لتوضيح المعنى وإبرازه ، والتكرار يعطي نغمة موسيقية جميلة
يجمع الهموم : استعارة مكنية شبه الهموم بالشيء المادي الذي يجمع .
أخذته الهموم أخذا وبيلا : استعارة مكنية شبه الهموم بالمقاتل القوي الذي يسحق ما أمامه .
البيت السادس عشر بيت حكمة
الفكرة الرابعة : دعوة الشاعر للإنسان لكي يكون مصدراً للجمال
17- كنْ هَــــــــــزاراً في عشِّه يتغنّى ومع الكَبْــــــلِ لا يُبالي الكُبولا
18- لا غراباً يطاردُ الـــــدود في الأر ضِ وبُوماً في الليل يبكي الطّلولا
19- كُنْ غَديراً يسيرُ في الأرضِ رَقرا قاً فيسقي عن جانبيْهِ الحقـــولا
20- لا وعــــاءً يقيّد المــــــــاءَ حتَّى تستحيلَ المياه فيهِ وحــــــــولا
21- كنْ معَ الفجرِ نسمةً تُوسع الأز هارَ شماً وتارةً تقبيــــــــــــــلا
22- لا سمــوما منَ السوافي اللواتي تملأُ الأرضَ في الظلامِ عَويـــــلا
23- ومعَ الليلِ كــوكباً يُؤنسُ الغا باتِ والنهرَ والرُّبى والسّهـــولا
24- لا دُجى يكرهُ العــــوالمَ والنا سَ فيُلقي على الجميعِ سُــــدولا
25- أيَّهذا الشـــــاكي وما بك داءٌ كُنْ جميلا تَرَ الوجودَ جميــــــلا
المفردات
17- هزارا : طائر صغير الحجم صوته عذب ، الكبل : القيد جمع ( كبول ) ، يبالي : يهتم .
18- الطلولا : بقايا الديار المندثرة .
19- غديرا : نهرا عذبا ، رقراقا : تَرَقْرَقَ الشيء: تلألأ ولمع والمراد الصفاء والنقاء .
20- وعاء : إناء : تستحيل : تتحول ، وحولا : رديئة .
21- نسمة : ريحا خفيفة
22- سموما : رياح حادة تصحبها الغبار ، السوافي : جمع سافية وهي الريح المثيرة للغبار والرمال ، عويلا : رفع الصوت بالبكاء .
23- يؤنس : يسري ، والإيناس عكسه الإيحاش .
24- دجى : ظلام دامس ، سدولا : مفردها ( سدل ) وهي الأستار .
الشرح :
يعقد الشاعر مقارنة بين المتفاءل والمتشاءم ويحث الناس أن تكون مصدرا للتفاؤل ،
17- فيطلب من الإنسان أن يكون كالعصفور الذي يتغني سعيدا في كل وقت حتى وهو محبوسا في القفص.
18- ولا يكون متشاءما كالغراب الذي قبل الذل باحثا عن دودة الأرض طعاما له أو كالبومة التي تنعب ليلا باكيه على الأطلال .
19- يطلب من الإنسان أن يكون مثل النهر الصافي الذي يسقي الحقول على جانبيه فيحيي الأرض ويبث فيها السعادة فيشرق بالأمل في الأخر.
20- ولا يكون مثل الإناء الذي حبس فيه الماء حتى صار راكدا آسن يستحيل الانتفاع به .
21- و يطلب من الإنسان أن يكون مثل نسمة الفجر العليلة التي تمتع الطبيعة والزهور بالشم والتقبيل فتضفي عليها السعادة والنشوة.
22- ولا يكون كالرياح الحارة المحملة بالغبار فتملأ الأرض خوفا ورهبة وصياحا وعويلا
23- ويطلب من الإنسان أن يكون كوكبا منيرا يسري الغابات والنهر والربى والسهول في وقت الليل.
24- ولا يكون كالظلام الحالك الذي يكره العالم بأسره فيغطيه بالأستار كأنه الميت.
25- ثم يدعو الشاعر هذا الإنسان بأن يجعل الجمال في نفسه فسيرى الوجود جميلا ويسعد به دون شقاء وألم قائلا له " كن جميلا ترى الوجود جميلا " .
مواطن الجمال :
كن هزارا في عشه يتغنى : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
وشبه الإنسان المتفائل بالطائر المغرد الذي لا يبالي القيود ويستمتع بالحياة .
لا غرابا ......... وبوما ......... شبه الإنسان المتشائم بالغراب الذي قبل الذل مطاردا دودة الأرض وكذلك البوم الذي ينعق باكيا على ما مضى ، والغراب والبوم رمزا للتشاؤم .
كن غديرا ............ أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
وشبه الإنسان المتفائل بالنهر العذب الصافي الذي يشع الحياة فيما حوله من حقول .
لا وعاء يقيد الماء: استعارة مكنية شبه الوعاء بالإنسان الذي يقيد الماء فيحد من حركته ، كما شبه الماء بالإنسان الذي قيد بوثاق فلا يستطيع الحركة .
وقد شبه الإنسان المتشاءم بإناء الماء الذي يحيل الماء الصافي إلى أسن .
كن مع الفجر نسمة : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد .
يشبه الإنسان المتفائل بالنسمة التي تداعب الأزهار .
لا سموما ............. تشبيه الإنسان المتشائم بريح السموم ؛ تلك الرياح التي تثير الغبار وتقضي على الحياة وتسبح في الفضاء مثيرة الهم والحزن .
ومع الليل كوكبا يؤنس الغابات ...... شبه الإنسان المتفائل بالنجم المتألق في السماء وقت الليل فيرسل الأنس والاطمئنان .
لا دجى يكره ............ شبه الإنسان المتشائم بالليل الموحش الذي يطمس معالم كل شيء .
وسر جمال التشبيهات السابقة يكمن في تشخيص الشاعر المعنويات مما أضفى عليها عنصر الحركة .
نقد القصيدة :
الشاعر والتجربة
نجد في شعر أبي ماضي قوة وحياة وحب للطبيعة ، كما نلمس أيضاً أبعاداً فلسفية . فالحياة في نظره واقع على الإنسان أن يعيشه كما هو . فهو يؤمن نوعاً ما بالقضاء والقدر . ومن هذه النظرة التأملية للحياة أراد الشاعر أن يدعونا من خلال هذه القصيدة إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي أشرك فيه مظاهر الطبيعة المختلفة للاستمتاع بالحياة ونبذ الشكوى والخوف من الموت .
الأفكار :
أفكار النص سهلة واضحة مترابطة تميل للتحليل والتعليل والمقارنة والاستقصاء حيث يبدأ بالدعوة للتفاؤل والبعد عن التشاؤم ينتقل من خلالها للتدليل على صحة دعواه من خلال الطبيعة وبعض مظاهرها ثم يقارن بين مظاهر الطبيعة التي تبعث في النفس الأمل والفرح والسعادة وبين مظاهر أخري تبعث في النفس اليأس والحزن والكآبة ويستخلص من كل ذلك حقيقة دعواه أن الإنسان عندما يجعل الجمال عنصراً من حياته سيرى كل شيء جميلا .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الإنكار والتفاؤل والأمل وقد كان لهذه العاطفة أثرها في التعبير والتصوير
الألفاظ :
استخدم الشاعر ألفاظاً سهلة لخدمة معانيه ، ذات ظلال وإيحاءات دقيقة ، وفي نسق تعبيري جميل ، ونجده أكثر في ذم التشاؤم والمشائمين .
الصور والأخيلة :
لجأ الشاعر إلى التصوير باستخدام المقابلة بين صورتين إحداهما مشرقة تنبض بالحياة والحركة والأخرى عابسة تدعو إلى اليأس وذلك ليحبب إلى نفوسنا الإشراق والابتسام . فكانت الصور وتشخيص المعنويات هي المعين للشاعر في إبراز عواطفه .
المحسنات االبديعية :
جاءت طبيعية وبعيدة عن التكلف متضافرة مع الخيال في التعبير ونقل تجربة الشاعر وإغنائها وتلاءمت مع طبيعة المقارنة بين المتفائلين والمتشائمين .
الأساليب :
راوح الشاعر في أساليبه بين الجمل الخبرية والإنشائية ، حيث استخدم النداء والاستفهام والأمر والنهي لإثارة الذهن والمشاعر والأحاسيس .
الموسيقا :
تنوعت الموسيقا في الأبيات بين :
(أ) الموسيقا الخارجية : وهي تتمثل في وحدة الوزن ( بحر الخفيف ) والقافية الموحدة ( اللام المسبوقة بحرف المد ).
(ب) الموسيقا الداخلية :وهي نوعان :
1- داخلية ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة والمقابلات الصورية .
2- الداخلية الخفية : وتتمثل في قدرة الشاعر على اختيار الألفاظ الموحية وترتيب الأفكار وصدق العاطفة وروعة الخيال وجمال التصوير .
ونتج عن اتحاد الموسيقى الداخلية والخارجية نسمات موسيقية متدفقة رقيقة ناعمة ساهمت في نقل التجربة بوضوح .
الوحدة العضوية :
تحققت في القصيدة الوحدة العضوية المتمثلة في :
وحدة الموضوع : لأن الأبيات كلها تدور حول موضوع واحد هو الدعوة إلى التفاؤل والاستمتاع بالحياة .
وحدة الجو النفسي : فقد سيطر على الشاعر عاطفة التفاؤل والإقبال على الحياة وإنكار التشاؤم . وقد سارت كلها في اتجاه شعوري واحد .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- الألفاظ سهلة واضحة قريبة من لغة الحياة .
2- تتسم الأفكار بالعمق والترابط والتحليل والتعليل .
3- يجمع بين التصوير الكلي والجزئي .
4- ينوع بين الأساليب الخبرية والإنشائية .
5- المحسنات البديعية طبيعية غير متكلفة .
مظاهر القديم في النص :
1- الوزن الواحد والقافية الواحدة .
2- بعض الصور الجزئية مستمدة من القديم .
مظاهر الجديد في النص :
1- الموضوع جديد ( دعوة إلى التفاؤل ).
2- اختيار عنوان للنص تدور حوله الأفكار .
3- الامتزاج بالطبيعة وتشخيصها .
4- استخدام الصور الكلية .
5- الوحدة العضوية .
المدرسة التي ينتمي إليها الشاعر :
ينتمي الشاعر إلى مدرسة المهجر الرومانسية ومن سمات هذه المدرسة :
1- التجديد في الموضوع.
2- التأمل في حقائق الحياة والكون والدعوة إلى التفاؤل .
3- الاتجاه إلى الطبيعة وتشخيصها .
4- استبطان النفس الإنسانية والمشاركة الوجدانية.
5- التمسك بالوحدة العضوية.
6- التساهل في الاستعمال اللغوي.
7- الاهتمام بالصور الشعرية.
8- النزعة الروحية المأخوذة من المجتمعات الشرقية .
فلسفة الحياة
التعريف بالشاعر:
إيليا أبو ماضي من كبار شعراء المهجر ، ولد بقرية ( المحيدثة ) بلبنان سنة 1889م وعندما بلغ العاشرة من عمره ، هاجر إلى مصر يطلب فيها حياة طيبة لم يجدها في لبنان واتجه إلى القراءة والتحرير في الصحف وظهرت شاعريته مبكرة ، فأصدر ديوانه الأول ( تذكار الماضي ) سنة 1911 ، وجرى فيه على طريقة البارودي والشعر العربي التقليدي .
ثم هاجر إلى أمريكا سنة 1912 م ومكث بها أربع سنوات لا يقول شعراً ، ولعله كان مشغولاً بتدبير عيشه ، ثم انضم إلى الرابطة القلمية بنيويورك حين تأسست سنة 1920 ، وفي سنة 1929 أصدر مجلة ( السمير ) ثم حولها إلى جريدة يومية ، ونشر سنة 1921 ديوانه ( الجداول ) ، وفي سنة 1940 ديوانه ( الخمائل ) .
وقد أتاحت له هجرته إلى أمريكا ثقافة ودراسة عميقة للحضارة الغربية والعربية وتكونت له منهما شخصية واضحة المعالم ، قوية الملامح ، وهو يصوغ الشعر معبراً عن نفسه وعن المجتمع الذي يعيش فيه ، ويتأمل الحياة وما فيها من صنوف الخير والشر ويعرض ذلك عرضاً صادقاً ، ونجد في شعره كثيراً من النظرات التأملية في الحياة وفي أسرار الوجود والنفس الإنسانية ، توفي سنة 1957 ، وقد نشر ديوانه ( تبر وتراب ) بعد وفاته .
مناسبة القصيدة :
كان إيليا أبو ماضي يشفق على المتشائمين الذين ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود ويعمون عن كل ما تحفل به الحياة من متعة وبهجة ولا يقدرون ما أسبغ الله عليهم من نعم لا تعد ولا تحصى ، وكان يرى أن الكآبة إنما يخلقها الإنسان لنفسه بينما في استطاعته أن يعيش سعيداً ، وهو في هذه القصيدة يدعو إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي أشرك فيه مظاهر الطبيعة المختلفة للاستمتاع بالحياة ونبذ الشكوى والخوف من الموت .
الفكرة الأولى : التفاؤل والاستمتاع بالحياة :
1. أيهــــــــــــذا الشاكي وما بِكَ داء كيفَ تغْدُو إذا غَـــــــدوتَ عليلا
2. إنّ شــــرّ الجناة في الأرض نفــــسٌ تتوقّى قبل الرحيـــــلِ الرَّحيلا
3. وترى الشـــــــوكَ في الورُودِ وتعمى إن ترى فوقها النـــــّدى إكليــلا
4. والذي نفسُهُ بِغيـــــــــــــــرِ جمال لا يرى في الحياةِ شيئاً جميــــلا
5. فتمتّعْ بالصُّبحِ ما دُمــــــــــــتَ فيهِ لا تخفْ أنْ يزولَ حتّى يــــزولا
المفردات :
1- أيهذا الشاكي : أي هذا أيها الشاكي ، الشاكي : المخبر بسوء أصابه ، داء ( دوأ

2- الجناة : جمع جان ، وهو المذنب المقترف جريمة ، تتوقى : يتحذر ، الرحيل : المغادرة والمراد الموت.
3- تعمى : تصاب بالعمى : أي عدم رؤية الأشياء ، الندى : قطرات الماء المتكاثفة في أوائل الصباح على النبات ، إكليلا ( كلل

5- تمتع بالصبح : استمتع بمطلع النهار ، يزول : ينقشع ويذهب .
الشرح :
1- يتعجب الشاعر من الإنسان الذي يشتكي من الحياة ولم يصب بمرض متوجها إليه بنظرة تأملية فكيف يكون حاله إذن عندما يمرض .
2- فإن شر المذنبين في الأرض من يتحذر الموت ويخافه ويظل حبيساً لهذه الفكرة قبل أن يحن موعدها
3- إن نظرتك التشاؤمية للحياة جعلتك لا ترى في الوردة سوى الشوك ولا تتمتع بجمال الندى على أوراقها كالتاج على رأس الجميلة .
4- فالإنسان الذي لا يجعل الجمال من عناصر نفسه لا يرى في الكون شيئاً جميلا .
5- ويدعو الشاعر هذا المتشاءم بأن يستمتع بمطلع النهار الجديد طالما أنه موجود فيه ومن عناصره متفاعلا معه متفائلا بالحياة حتى يذهب وحده كطبيعة الأشياء .
مواطن الجمال :
أيهذا الشاكي وما بك داء : أسلوب نداء الغرض منه التعجب
ما بك داء : أسلوب خبري الغرض منه التقرير
كيف تغدو إذا غدوت عليلا : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب .
ما بك داء / عليلا : طباق سلب ، قيمته الفنية توضيح المعنى وإبرازه بالمتناقضات .
البيت الثاني : الأسلوب خبري الغرض منه التقرير ويمكن اعتبار البيت حكمة
الرحيل : كناية عن الموت وترك الحياة .
الرحيل الرحيلا : تكرار كلمة الرحيل لتوضيح المعنى وإبرازه ، والتكرار يعطي نغمة موسيقية جميلة .
ترى ، تتوقى استخدام الفعل المضارع دلالة على تجدد واستمرارية النظرة التشاؤمية والخوف المشوب بالحذر
تري / تعمى : طباق لتوضيح المعنى وإبرازه .
ترى فوقها الندى إكليلا : شبه الندى فوق أوراق الوردة بالتاج الموضوع على الرأس لزينتها .
البيت الرابع : أسلوب خبري الغرض منه التقرير ويعد أيضاً بيت حكمة
تمتع بالصبح : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
لا تخف : أسلوب إنشائي نهي الغرض منه النصح والإرشاد
استخدم الشاعر في البيت الخامس ( تخف ، يزول ، يزولا ) أفعالا مضارعة للدلالة على الخوف المتجدد من زوال السعادة من الحياة .
الفكرة الثانية: الطيور أدركت بفطرتها قيمة الحياة :
6- أدركتْ كُنْهها طيورُ الرّوابي فمنَ العـــار أنْ تظلَّ جهولا
7- تتغنّى والصقر قد ملك الجـوَّ عليها والصائــدونَ السّبيلا
8- تتغنّى وعمرها بعضُ عـــامٍ أفتبكي وقدْ تعيشُ طويــلا
9- فاطلب اللّهوَ مثلما تطلُبُ الأطـــــــــيارُ عندَ الهجيرِ ظلاً ظليلا
10- وتعلم حُبَّ الطبيعة منـها واتركِ القالَ للورَى والقيـلا
المفردات:
6- أدركت : عرفت بفطرتها ، كنهها : حقيقتها ، الروابي : مفردها رابية : وهو ما ارتفع من الأرض ، العار (عير

7- الصقر : من الطيور الجارحة ، ملك : تحكم في الأمر ، السبيلا : الطريق والمراد السماء .
9- اللهو : اللعب والمتعة ، الهجير : حر الظهيرة ، ظلا : مكان ليس فيه شمس
10 القال والقيل : الكلام غير النافع الذي يبعدك عن اجتلاء الجمال .
الشرح :
6- يقرر الشاعر أن الطيور بفطرتها أدركت حقيقة أمرها واستمتعت بالروابي ومن العيب عليك أيها المتشاءم أن تظل جاهلا بحقيقتك التي فطرك الله عليها .
7- فالطيور تحلق في السماء وتستمتع بوقتها وقد امتلأت السماء بالصقور والأرض بالصائدين الذين يطلبون هذه الطيور .
8- وهذه الطيور لا تعبأ بهم وتستمر في استمتاعها وهي تعلم أن عمرها لن يتعدي أشهر قليلة من العام فلماذا تندب أنت حظك باكيا مع انك ستعيش عمراً طويلاً .
9- فالتمس في حياتك كل ما يسعدها مثل ما تفعل الطيور وارتاح مثلها تماماً عندما تلتمس الظل وقت اشتداد الحر .
10- تأمل للطيور وحياتها وتعلم منها حب الحياة والاستمتاع بمباهج الطبيعة واترك كلام الناس غير النافع الذي يبعدك عن اجتلاء الجمال من حولك .
مواطن الجمال :
أدركت كنهها طيور الروابي : جعل الطيور تعقل وتتأمل وتدرك وتعي حقيقة خلقها وفي ذلك إعطاء ما لايعقل صفة العاقل .
فمن العار أن تظل جهولا : أسلوب خبري الغرض منه التوبيخ واللوم .
الصقر قد ملك الجو : كناية عن القوة والسيطرة
تتغنى وعمرها بعض عام : استخدم كلمة بعض للدلالة على صغر سنها ، وهي كناية عن التفاؤل والسعادة
أفتبكي وقد تعيش طويلا : أسلوب إنشائي استفهام الغرض منه التعجب
فاطلب اللهو ، تعلم حب الطبيعة منها ، اترك القال للورى والقيل : أساليب إنشائية أمر الغرض منها النصح والإرشاد
تطلب الأطيار عند الهجير ظلاً ظليلا : كناية عن الراحة والاستمتاع بكل وقت يمر علينا .
الفكرة الثالثة : الحياة ليست مكاناً للشقاء :
11- أنتَ للأرضِ أولاً وأخيـــــراً كنت مَلكا أو كنتَ عبداً ذليـــلا
12- كلُّ نجمٍ إلى الأفــــــولِ ولكنْ آفةُ النَّجمِ أن يخافَ الأفــــــولا
13- فإذا ما وجدتَ في الأرض ظلاً فتفيَّأ به إلى أن يحــــــــــــــولا
14- وتوقع إذا السماء اكفهــرت مطراً في السهولِ يُحيي السهو لا
15- ما أتينا إلى الحيـــاة لنشقى فأريحوا أهلَ العقولِ العقـــــولا
16- كلُّ من يجمعُ الهمـومَ عليه أخذتهُ الهمومُ أخذاً وبيـــــــلا
المفردات :
11- ذليلا : وضيعا.
12- الأفول : الغروب والزوال ، آفة ( أوف): عيب ونقص .
13- ظلا : الظل ظل الشيء خياله ، تفيأ : استظل به ، يحولا : يتحول لمكان آخر.
14- اكفهرت : غضبت ، السهول : مفردها سهل وهي الأرض المنبسطة .
15- نشقى : نتعب ونتألم ، أهل العقول : أصحاب العقول .
16- الهموم : مفردها :هم ، وهي المصائب والأحزان ، أخذته : قضت عليه ، وبيلا : وخيم العاقبة .
الشرح :
11- يبين الشاعر أن الحياة ليست مكانا للشقاء الإنساني حيث أن الإنسان مآله إلى التراب مهما كان ملكا أو عبدا .
12- وأن النجم لا بد وأن يدرك حقيقة أنه لا محالة زائل.
13- ويدعو المتشاءم بالاستمتاع بكل لحظة تمر عليه فإذا وجد بقعة ظليلة وقت الهجير فليستظل بها ولا يفكر في كون الظل سيتحول عنها
14- وعندما يرى غضبة السماء يتوقع نزول المطر بالخير ولا يتوقع الشر.
15- منها فنحن لم نأت إلى الحياة للشقاء والتعاسة وعلى كل من يملك عقلا أن يدرك ذلك ويريح عقله من التفكير.
16- فكل إنسان يجمع الهموم والأحزان ويجعلها شغله الشاغل في النهاية ستقضي عليه هذه الهموم وتسحقه .
مواطن الجمال :
أولا وأخيرا ، ملكا وعبدا : طباق يوضح المعنى ويبرزه
البين الحادي عشر : أسلوب خبري الغرض منه التقرير .
البيت الثاني عشر أسلوب خبري للتقرير
ولكن : تفيد الاستدراك
آفة النجم أن يخاف الأفولا : استعارة مكنية شبه النجم بالانسان الذي يخاف .
البيت الثالث عشر أسلوب شرط وعلاقة الشطر الثاني بالشطر الأول نتيجة بسبب .
السماء اكفهرت : استعارة مكنية شبه السماء بالانسان الغاضب
مطرا يحيي السهولا : مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون .
ما أتينا إلى الحياة لنشقى : أسلوب خبري للتقرير .
العقول العقولا تكرار كلمة العقول لتوضيح المعنى وإبرازه ، والتكرار يعطي نغمة موسيقية جميلة
يجمع الهموم : استعارة مكنية شبه الهموم بالشيء المادي الذي يجمع .
أخذته الهموم أخذا وبيلا : استعارة مكنية شبه الهموم بالمقاتل القوي الذي يسحق ما أمامه .
البيت السادس عشر بيت حكمة
الفكرة الرابعة : دعوة الشاعر للإنسان لكي يكون مصدراً للجمال
17- كنْ هَــــــــــزاراً في عشِّه يتغنّى ومع الكَبْــــــلِ لا يُبالي الكُبولا
18- لا غراباً يطاردُ الـــــدود في الأر ضِ وبُوماً في الليل يبكي الطّلولا
19- كُنْ غَديراً يسيرُ في الأرضِ رَقرا قاً فيسقي عن جانبيْهِ الحقـــولا
20- لا وعــــاءً يقيّد المــــــــاءَ حتَّى تستحيلَ المياه فيهِ وحــــــــولا
21- كنْ معَ الفجرِ نسمةً تُوسع الأز هارَ شماً وتارةً تقبيــــــــــــــلا
22- لا سمــوما منَ السوافي اللواتي تملأُ الأرضَ في الظلامِ عَويـــــلا
23- ومعَ الليلِ كــوكباً يُؤنسُ الغا باتِ والنهرَ والرُّبى والسّهـــولا
24- لا دُجى يكرهُ العــــوالمَ والنا سَ فيُلقي على الجميعِ سُــــدولا
25- أيَّهذا الشـــــاكي وما بك داءٌ كُنْ جميلا تَرَ الوجودَ جميــــــلا
المفردات
17- هزارا : طائر صغير الحجم صوته عذب ، الكبل : القيد جمع ( كبول ) ، يبالي : يهتم .
18- الطلولا : بقايا الديار المندثرة .
19- غديرا : نهرا عذبا ، رقراقا : تَرَقْرَقَ الشيء: تلألأ ولمع والمراد الصفاء والنقاء .
20- وعاء : إناء : تستحيل : تتحول ، وحولا : رديئة .
21- نسمة : ريحا خفيفة
22- سموما : رياح حادة تصحبها الغبار ، السوافي : جمع سافية وهي الريح المثيرة للغبار والرمال ، عويلا : رفع الصوت بالبكاء .
23- يؤنس : يسري ، والإيناس عكسه الإيحاش .
24- دجى : ظلام دامس ، سدولا : مفردها ( سدل ) وهي الأستار .
الشرح :
يعقد الشاعر مقارنة بين المتفاءل والمتشاءم ويحث الناس أن تكون مصدرا للتفاؤل ،
17- فيطلب من الإنسان أن يكون كالعصفور الذي يتغني سعيدا في كل وقت حتى وهو محبوسا في القفص.
18- ولا يكون متشاءما كالغراب الذي قبل الذل باحثا عن دودة الأرض طعاما له أو كالبومة التي تنعب ليلا باكيه على الأطلال .
19- يطلب من الإنسان أن يكون مثل النهر الصافي الذي يسقي الحقول على جانبيه فيحيي الأرض ويبث فيها السعادة فيشرق بالأمل في الأخر.
20- ولا يكون مثل الإناء الذي حبس فيه الماء حتى صار راكدا آسن يستحيل الانتفاع به .
21- و يطلب من الإنسان أن يكون مثل نسمة الفجر العليلة التي تمتع الطبيعة والزهور بالشم والتقبيل فتضفي عليها السعادة والنشوة.
22- ولا يكون كالرياح الحارة المحملة بالغبار فتملأ الأرض خوفا ورهبة وصياحا وعويلا
23- ويطلب من الإنسان أن يكون كوكبا منيرا يسري الغابات والنهر والربى والسهول في وقت الليل.
24- ولا يكون كالظلام الحالك الذي يكره العالم بأسره فيغطيه بالأستار كأنه الميت.
25- ثم يدعو الشاعر هذا الإنسان بأن يجعل الجمال في نفسه فسيرى الوجود جميلا ويسعد به دون شقاء وألم قائلا له " كن جميلا ترى الوجود جميلا " .
مواطن الجمال :
كن هزارا في عشه يتغنى : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
وشبه الإنسان المتفائل بالطائر المغرد الذي لا يبالي القيود ويستمتع بالحياة .
لا غرابا ......... وبوما ......... شبه الإنسان المتشائم بالغراب الذي قبل الذل مطاردا دودة الأرض وكذلك البوم الذي ينعق باكيا على ما مضى ، والغراب والبوم رمزا للتشاؤم .
كن غديرا ............ أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد
وشبه الإنسان المتفائل بالنهر العذب الصافي الذي يشع الحياة فيما حوله من حقول .
لا وعاء يقيد الماء: استعارة مكنية شبه الوعاء بالإنسان الذي يقيد الماء فيحد من حركته ، كما شبه الماء بالإنسان الذي قيد بوثاق فلا يستطيع الحركة .
وقد شبه الإنسان المتشاءم بإناء الماء الذي يحيل الماء الصافي إلى أسن .
كن مع الفجر نسمة : أسلوب إنشائي أمر الغرض منه النصح والإرشاد .
يشبه الإنسان المتفائل بالنسمة التي تداعب الأزهار .
لا سموما ............. تشبيه الإنسان المتشائم بريح السموم ؛ تلك الرياح التي تثير الغبار وتقضي على الحياة وتسبح في الفضاء مثيرة الهم والحزن .
ومع الليل كوكبا يؤنس الغابات ...... شبه الإنسان المتفائل بالنجم المتألق في السماء وقت الليل فيرسل الأنس والاطمئنان .
لا دجى يكره ............ شبه الإنسان المتشائم بالليل الموحش الذي يطمس معالم كل شيء .
وسر جمال التشبيهات السابقة يكمن في تشخيص الشاعر المعنويات مما أضفى عليها عنصر الحركة .
نقد القصيدة :
الشاعر والتجربة
نجد في شعر أبي ماضي قوة وحياة وحب للطبيعة ، كما نلمس أيضاً أبعاداً فلسفية . فالحياة في نظره واقع على الإنسان أن يعيشه كما هو . فهو يؤمن نوعاً ما بالقضاء والقدر . ومن هذه النظرة التأملية للحياة أراد الشاعر أن يدعونا من خلال هذه القصيدة إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي أشرك فيه مظاهر الطبيعة المختلفة للاستمتاع بالحياة ونبذ الشكوى والخوف من الموت .
الأفكار :
أفكار النص سهلة واضحة مترابطة تميل للتحليل والتعليل والمقارنة والاستقصاء حيث يبدأ بالدعوة للتفاؤل والبعد عن التشاؤم ينتقل من خلالها للتدليل على صحة دعواه من خلال الطبيعة وبعض مظاهرها ثم يقارن بين مظاهر الطبيعة التي تبعث في النفس الأمل والفرح والسعادة وبين مظاهر أخري تبعث في النفس اليأس والحزن والكآبة ويستخلص من كل ذلك حقيقة دعواه أن الإنسان عندما يجعل الجمال عنصراً من حياته سيرى كل شيء جميلا .
العاطفة :
تسيطر على الشاعر عاطفة الإنكار والتفاؤل والأمل وقد كان لهذه العاطفة أثرها في التعبير والتصوير
الألفاظ :
استخدم الشاعر ألفاظاً سهلة لخدمة معانيه ، ذات ظلال وإيحاءات دقيقة ، وفي نسق تعبيري جميل ، ونجده أكثر في ذم التشاؤم والمشائمين .
الصور والأخيلة :
لجأ الشاعر إلى التصوير باستخدام المقابلة بين صورتين إحداهما مشرقة تنبض بالحياة والحركة والأخرى عابسة تدعو إلى اليأس وذلك ليحبب إلى نفوسنا الإشراق والابتسام . فكانت الصور وتشخيص المعنويات هي المعين للشاعر في إبراز عواطفه .
المحسنات االبديعية :
جاءت طبيعية وبعيدة عن التكلف متضافرة مع الخيال في التعبير ونقل تجربة الشاعر وإغنائها وتلاءمت مع طبيعة المقارنة بين المتفائلين والمتشائمين .
الأساليب :
راوح الشاعر في أساليبه بين الجمل الخبرية والإنشائية ، حيث استخدم النداء والاستفهام والأمر والنهي لإثارة الذهن والمشاعر والأحاسيس .
الموسيقا :
تنوعت الموسيقا في الأبيات بين :
(أ) الموسيقا الخارجية : وهي تتمثل في وحدة الوزن ( بحر الخفيف ) والقافية الموحدة ( اللام المسبوقة بحرف المد ).
(ب) الموسيقا الداخلية :وهي نوعان :
1- داخلية ظاهرة : تتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة والمقابلات الصورية .
2- الداخلية الخفية : وتتمثل في قدرة الشاعر على اختيار الألفاظ الموحية وترتيب الأفكار وصدق العاطفة وروعة الخيال وجمال التصوير .
ونتج عن اتحاد الموسيقى الداخلية والخارجية نسمات موسيقية متدفقة رقيقة ناعمة ساهمت في نقل التجربة بوضوح .
الوحدة العضوية :
تحققت في القصيدة الوحدة العضوية المتمثلة في :
وحدة الموضوع : لأن الأبيات كلها تدور حول موضوع واحد هو الدعوة إلى التفاؤل والاستمتاع بالحياة .
وحدة الجو النفسي : فقد سيطر على الشاعر عاطفة التفاؤل والإقبال على الحياة وإنكار التشاؤم . وقد سارت كلها في اتجاه شعوري واحد .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- الألفاظ سهلة واضحة قريبة من لغة الحياة .
2- تتسم الأفكار بالعمق والترابط والتحليل والتعليل .
3- يجمع بين التصوير الكلي والجزئي .
4- ينوع بين الأساليب الخبرية والإنشائية .
5- المحسنات البديعية طبيعية غير متكلفة .
مظاهر القديم في النص :
1- الوزن الواحد والقافية الواحدة .
2- بعض الصور الجزئية مستمدة من القديم .
مظاهر الجديد في النص :
1- الموضوع جديد ( دعوة إلى التفاؤل ).
2- اختيار عنوان للنص تدور حوله الأفكار .
3- الامتزاج بالطبيعة وتشخيصها .
4- استخدام الصور الكلية .
5- الوحدة العضوية .
المدرسة التي ينتمي إليها الشاعر :
ينتمي الشاعر إلى مدرسة المهجر الرومانسية ومن سمات هذه المدرسة :
1- التجديد في الموضوع.
2- التأمل في حقائق الحياة والكون والدعوة إلى التفاؤل .
3- الاتجاه إلى الطبيعة وتشخيصها .
4- استبطان النفس الإنسانية والمشاركة الوجدانية.
5- التمسك بالوحدة العضوية.
6- التساهل في الاستعمال اللغوي.
7- الاهتمام بالصور الشعرية.
8- النزعة الروحية المأخوذة من المجتمعات الشرقية .
،،،،،،،،،،،
المقامة السونية
المقامة :
هي شكل درامي قصصي بطله نموذج إنساني عادة ما يكون مكّداً ، ويقوم على حدث طريف مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لوناً من ألوان النقد أو الثورة أو السخرية ، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية .
التعريف بالكاتب :
سعيد بن راشد بن بشير الخروصي الأزدي ، من مشاهير علماء عمان ، له شعر في الوعظ ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وله عدة مقامات منها هذه المقامة السونية نسبة إلى بلدة سوني وهو الاسم القديم للعوابي.
جو النص :
تروي هذه المقامة قصة رجل شحاذ محتال هو ( أبو عبيد الفلوجي ) كان يجول في بلاد عمان ويعمل في الظاهر خلاف ما يبطن فيظهر للناس ورعه وتقواه ويخفي شروره واقترابه من الشيطان ويتفنن في أساليب الاحتيال للحصول على المال الذي ينفقه في حياة اللهو والترف والمجون .
تحليل النص
1- جدب الأرض سبب الرحيل عنها إلى مكان آخر وهو ( سوني
" روى اليافث بن تمّام قال : أجدَبت أرضُنا ذاتَ سنةٍ ، حتى منعَ الطوى من السِّنةِ ، وأقوت منَ الأَقواتِ الربوعُ والمرابعُ ، فَلذا تجافَينا عن المضاجعِ ، وأسكتَ السماءَ عن الرّجع ، والأرضَ عن الصَّدع ، ولم يبقَ وسنانُ يغُطُ ولا بعيرٌ يَؤُطُّ ، وطالما استْقَيْنا فلم نُسْقَ ديمةً فحينئذٍ أزمعتُ التّرحالَ إلى سوني القديمة ، فلمْ أزل أنجدُ وأغورُ ، وأغورُ وأقطعُ الدَّمثَ والوعورَ ، والصحاري والصّخورَ إلى أن وافيْتُ جنابَها الرحيبَ ، وروضَها العشيبَ ، وزهرَها القشيبَ .
المفردات:
أجدبت :أقفرت- نقيض الخِصْبِ ، الطوى
طوي) الجوع ، السِّنة : النوم ، أقوت : أقفرت ، الربوع : مفردها رَبْع وهي الديار ، المرابع :مفردها مَربَعُ – الأرض يقام فيها زمن الربيع والمطر ، الصدع : التشقق دلالة على الجفاف ، وسنان : كثير النعاس ، يغط :ينخر ، يؤط : يئن من التعب ، ديمة (دوم) : المطر يطول زمانه (ج) ديم ، أزمعت : قررت ، أنجد : السير في المرتفعات ، أغور : السير في المنخفضات ، الدمث : المكان اللين ذو الرمل ، الوعور : الماكن الصعب السير فيها ، القشيب : الجديد .
الشرح :
يروي لنا اليافث بن تمام أحداث هذه المقامة حيث أصاب بلاده الجفاف والجدب وساد الجوع في قومه وقل الطعام ولم ينزل المطر مما جعل الناس جميعا يعانون من الفقر وطلبوا إلى الله إنزال المطر ولكن لم تأتي سحابة واحدة ولذلك قرر اليافث الرحيل إلى بلدة سوني ( العوابي ) يلتمس فيها الرزق ، وأخذ يقطع الطرق الوعرة والسهلة إلى أن وصل إلى أرضها الرحبة والرياض الممتلئة بالعشب وأزهارها الجديدة .
مواطن الجمال :
استخدم الكاتب المحسنات البديعية مثل :
* السجع في : (سنة ، سِنة ) ، ( المرابع ، المضاجع ) ، ( الرجع ، الصدع ) ، ( يغط ، يؤط) ، (ديمة ، القديمة) ، ( أغور ، الوعور ، الصخور ) ، ( الرحيب ، القشيب ، العشيب ).
* الطباق في : (أنجد ، أغور) ، ( الدمث ، الوعور ) .
* الجناس في : ( سنة ، السِّنة) ( أقوت ، الأقوات ) .
• علاقة ( لذا تجافينا عن المضاجع ) بما قبلها : علاقة نتيجة بسبب .
2- اجتماع الناس حول ( أبي عبيد الفلوجي ) ؛ لفصاحته وبلاغته:
فما لبثُ إلا لمحةَ ناظر ، أو كخطفةِ طائرٍ حتَّى رأيتُ الجماعةَ ينقَضّون ولا انقضاضَ الشُهب ، ويوفضون ولا الوفوضُ إلى النَّصب فبادرت مع الزُّمر لأعلمَ الخبر ، فإذا بنادٍ رحيبٍ قد احتوى على الأحمقِ واللبيبِ ، وأهلِ العُرفِ والمُعَرِّفات ، واجتمعوا ولا الجمع بعرفاتٍ ، فإذا بوسطِ الدِّسْتِ كَهْلٌ أعرجُ ، متكئٌ على عصا أعوجَ ، وقد اكتسى حُلّةَ الزَّهادةِ ، وعليه سيماءُ العبادةِ ، وقد تلثّمَ بطُرّته وأظهر بعضَ عِرَّتّهٍ ، وهو ينادي بلسانٍ أسلقَ صَهصلقَ .
المفردات :
لبثت : بقيت ، ينقضون : يهجمون في جماعات ، يوفضون : يسرعون ، النصب : حجارة للذبح ، الزمر : الجماعة ، الأحمق : الغبي ، اللبيب:الذكي ، العُرف : المعروف ، المُعرفات : المكرومات ، الدست :صدر البيت أو الحشد ، كهل : عجوز ، أعرج : يسير على قدم واحدة ، طرته : جانب الثوب الذي لا هدب له ، عرته : جسده ، أسلق : مؤذي ، صهصلق: شديد .
الشرح :
وقد لاحظ اليافث أن أهل البلدة يتدافعون ويتسارعون بخطى واسعة ، فتعجب من ذلك وأسرع مع هذه الجماعات المتدفقة ليعرف ما الخبر فرأى مجلس واسع وقد اجتمع فيه كل أهل القرية وقد وقف بوسطهم عجوز أعرج يستند على عصا معوج وقد لبس لباس الفقراء وظهرت عليه علامات العباد الأتقياء وقد غطى بغض وجهه بثوبه البالي الذي يظهر بعض جسده وأخذ يخطب في الناس بلسان شديد مؤذي .
مواطن الجمال :
* ما لبثت إلا لمحة ناظر أو كخطفة طائر : كناية عن قصر المدة التي لبثها في سوني.
* ينقضون ولا انقضاض الشهب : شبه حركتهم السريعة بحركة الشهاب وهي كناية عن الحركة السريعة الخاطفة .
* اجتمعوا ولا الجمع بعرفات : شبه اجتماع أهل سوني بوقفة عرفات " دلالة على تأثر الشاعر بالدين الإسلامي.
****المحسنات البديعية :
* السجع في :ناظر – طائر ، الشهب – النصب ، الزمر – الخبر ، رحيب – اللبيب ، المعرفات – عرفات ، أعرج –أعوج ، الزهادة – العبادة ، طرته – عرته .
* الطباق في : الأحمق – اللبيب .
* الجناس في : المعرفات – عرفات ، أعرج – أعوج ، طرته – عرته .
3- وصف أخلاق أهل هذا الزمان :
أيها الناسُ ذَهبَ الوفاءُ وغاضَ ، وتفجرَ الغدرُ وفاضَ ، وضرَسَ الدّهرُ بانيابهِ على الكِرامِ فَعَضَّ ، وأناخَ عليهم بجِرانِهِ فَرضَّ ، وقطعَ ريشَ جناحهِ فحصَّ ، وبعثَ منهُ الخوافي فخصَّ ، وعصفتْ عواصفُ الرمل فهبّتْ ، وغَمضت عيونُ الذّلِّ فما هَبّتْ ، وتوقّدت نارُ الباطلِ فشبَّتْ ، وتقاربت فئةُ الحق فما شَبَّتْ ، وأفقدَ الحياءَ فذهبَ ، وحصّن الرغيفَ ولا تحصين ، ورفض الفقير ولا رفْض الكنيف ، وصعرتْ عنهُ الخدودُ ولا تصعير المحيف .
المفردات :
غاض : يبس ، فاض : سال ، ضرس : عضّ ، جرانه : مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره ، فرضّ: أصبح فريضة ، فحصّ :قل ريشه (ج) حُصٌّ ، الخوافي : الطيور ، خصّ :أختص به أناس دون غيرهم – نقبض عمَّ ، شبت : اشتعلت ، الكنيف:الساتر ، صعرت:تمايلت كبرا ، المحيف : الجانبين .
الشرح :
بدأ ( أبو عبيد الفلّوجي ) معددا صفات أهل زمانه قائلا : لقد رحل عنا الوفاء وحل محله الغدر ، وأصاب الدهر الكرام في مالهم فلم يخرجوا ما كانوا معتادين عليه وساد الذل والباطل بين الناس وضاع الحياء وزاد الفقر وعز علينا أن نجد رغيف خبز ونبذ الفقير في المجتمع وتمايل الناس عنه .
مواطن الجمال :
* ذهب الوفاء وغاض : استعارة مكنية شبه الوفاء بالبحر الذي يبس .
* تفجر الغدر وفاض : استعارة مكنية شبه الغدر بعين الماء المتفجرة .
* ضرس الدهر بأنيابه : استعارة مكنية شبه الدهر بالوحش الذي يعض .
* أناخ عليهم بجرانه : استعارة مكنية شبه الدهر بالناقة التي أناخت رقبتها .
* غمضت عيون الذل : استعارة مكنية شبه الذل بالإنسان الذي يغمض عينية .
* حصن الرغيف : كناية عن بخل الناس .
*****المحسنات البديعية :
* السجع في : غاض – فاض ، عضّ – فرضّ ، حصّ – خصّ ، هبت – شبت ، الكنيف – المحيف .
* الطباق في : غاض – فاض .
* الجناس في : فعضّ – فرضّ ، فحصّ – فخصّ .
* الترادف في : ضرس – عضّ .
4- استجلاب عطف الناس باستخدام قوة البيان لأخذ أموالهم :
فهل من حُرٍّ مُغيثٍ لأعرجَ مُستغيثٍ ، قد غادره الدّهرُ لِقاء ، بعد التمكينِ والارتقاءِ ، والحجبةِ والحجبِ ، والكتائب والكُتُبِ ، والكنوزِ والبزّة ، والجوائزِ والعِزّة ، والصوارمِ والصواهل ، والذّوابِلِ والذلائل ، والعلمِ والأقلامِ ، والقلعِ والأعلام ، واليعملات والعُمّال ، والحُمول والأحمال ، والمِلْحِ والمِلاحَة ، والصُّبوح والصَّباحةِ ، والحُللِ والحَلائِلِ ، والخوفِ والخلائِلِ ، والراحةِ والرّاح ، والأسرِة والسَّماحِ ، والحبورِ والمحابِرِ ، والصّبر والصّنابرِ ، وكان جميع ذلك كخيالٍ في هجعةٍ ، أو كسرابٍ ببقعة .
المفردات:
الارتقاء : الارتفاع ، الحجبة : مفردها حاجب- وهوالبواب ، الحجب :مفردها حجاب وهو الساتر ، الكتائب : مفردها كتيبة وهي الفرقة من الجيش ، البزة : الهيئة والشارة ، الصوارم : السيوف ، الصواهل : الخيل ، الذوابل : مفردها ذابل وهو المتبختر المختال ، الذلائل: مفردها ذلول وهو الطريق الممهد ، القلع :الراكب والمصارع ، الأعلام : مفردها علم وهي السفينة ، اليعملات : الناقة النجيبة ، الحمول:مفردها حَمْلُ وهو البعير عليه الهودج ، أحمال : مفردها حِمل وهو ما يوضع على ظهر البعير ، الملح : الشيء المليح ، المِلاحة : الحسن ، الصبوح :شراب الصباح ، الصباحة : شدة الحمرة ، الحلل: مفردها حُلة وهي الثياب الجديدة ، الحلائل: مفردها حليلة وهي الجارية أو الزوجة ، الخوف : الضجة والجلبة ، الخلائل : مفردها خليلة وهي الصديقة الوفية ، الراحة :الارتياح ، الراح : الارتياح والخمر ، الأسرة:أهل الرجل وعشيرته(ج) أسر ، السّماح :التسامح والتساهل ، الحبور : الفرح والسرور ، المحابر : مجالس اللهو والفرح ، الصّبر: الكومة من الطعام ، الصّنابر : الدقيق أو الرقيق من كل شيء – مفردها الصنبر ، هجعة : النومة الخفيفة أول الليل .
الشرح :
وبدأ ( أبو عبيد الفلّوجي ) يسألهم أن يساعدوه بعد أن غدر به الزمن فبعد العز والشرف وعلو المنزلة والبوابين والبيوت المستترة والحراس والكتب والأموال الهيئة العظيمة والسيوف والخيل والطرق الممهدة التي نسير فيها بخيلاء والمعارف والسفن والنياق والخدم والجميلات من النساء وتناول اجمل أنواع الشراب في الصباح ولبس الثياب الجديدة وامتلاك الجواري والزوجات والارتياح وشرب الخمر والمسامرة والتسامح بين الأهل وكثرة مجالس اللهو ، كل ذلك أصبح كالخيال الذي نراه في جوف الليل أو كالسراب في وقت الهجير .
مواطن الجمال :
* السجع في : مغيث – مستغيث ، الحجب – الكتب ، البزة – العزة ، الصواهل – الذلائل ، الأقلام – الأعلام ، العمال – الأحمال ، الملاحة – الصباحة ، الحلائل – الخلائل ، الراح – السماح ، المحابر – الصنابر ، هجعة – بقعة
* الجناس في : الحلائل – الخلائل
**استخدم الكلمات السابقة للدلالة على العز والغنى
5- حياة الفلوجي الحقيقية من لهو وترف ومجون :
قال اليافث بن تمام : فرثَتِ الجماعةُ لذلّتهِ بعد عزتّهِ ، وحَبّوه لبلاغته ورِثةِ حِلَّتهِ ، فجعلَ يحمدُ شُكراً ، ويشيدُ للجماعة ذكراً ، وأسرع يتعارجُ ولا عَرَجَ ، ويتراوغُ ليُجهلَ منهُ المَخرج ، فقفوت أثره متوارياً ، حتى أمِن الرقيبَ والسّاعيا ، ثم أجفلَ إجفالَ حمارٍ ، وانساب مسرعاً إلى غارٍ ، فتماديتُ في السعي إليه ، حتى ولِجتُ سِربه عَليه ، فإذا معهُ شادنٌ أقمرُ ، وبيدهِ كأسٌ أنورُ ، وحيالُهُ شَطرَنجُ ومِزْهَرُ ، وحولَه صحائِفُ وصِحافٌ ، ومن الأطعمةِ أصنافٌ ، وهو طَوراً ينقشُ العودَ ، وطَوراً يتناولُ بِنتَ العنقودِ ، ويغردُ بتلاحينَ ، ويرقُصُ ولا رقصَ المجانينِ ، وينشد ُبصوتٍ رخيمٍ ، ولفظٍ مستقيمٍ ، ويقول شعراً :
" أبيات الشعر بالكتاب"
المفردات:
يتراوغ : يخادع ، أجفل : أسرع ، انساب : اندفع ، ولج: دخل فيه ، سربه : جماعته ، شادن : ولد الظبية (ج) شوادن ، أنور : مشرق اللون .
الشرح :
يستمر اليافث في وصف ما رآه فيقول : لقد عطف أهل سوني على حال أبي عبيد لذله بعد العزة وحبّوه لبلاغته وفصاحة لسانه وأجزلوا له العطايا ، فأخذ يحمدهم ويشكرهم على ذلك وأسرع يمشي مسرعا مظهرا العرج في مشيته ويسير في طرقات فرعية حتى لا يعرف طريقه أحد وقد أخذ حب الفضول الراوي ليتتبع أثره فإذا به يراه عندما أمن الطريق من الناس أسرع يجري مسرعا نحو غار في الجبل مما دفع الراوي إلى الاستمرار في متابعته حتى دخل عليه في جماعته فإذا بالحال غير الحال فقد وجد معه فتى جميل الطلعة ، ووجده يحمل في يده كأس مشرق لامع وبجواره شطرنج ونرد للتسالي واللعب وحوله أوراق وكتب وأنواع مختلفة من الطعام ، وهو في وسط ذلك يعزف على العود مرة ويشرب الخمر مرة أخرى ويغني بألحان عذبه ويرقص مثل المجانين وقد أنشد قائلا: ابدأ صباحك بالشراب الجميل واتبع ذلك بالراحة والاستمتاع بما حولك فالإحساس بالمتعة يزيل الهم من القلوب فالنعيم كله في شرب الثغور من الكؤوس .
مواطن الجمال :
* أجفل إجفال حمار : شبه طريقة جري أبي عبيد بطريقة جري الحمار دلالة على السرعة .
* معه شادن أقمر : شبه الفتى الذي كان معه بابن الظبي دلالة على شدة جماله .
* بنت العنقود : كناية عن الخمر .
* تجلو القلوب من التراح : جعل القلب موطن الهموم وجعل الراحة مزيل لهذه الهموم .
* السجع في : عزته – حلته ، شكرا – ذكرا ، عرج – مخرج ، متواريا – ساعيا ، حمار – غار ، إليه – عليه ، أقمر – أنور –مزهر ، صحاف – أصناف ، العود – العنقود ، تلاحين – مجانين ، رخيم – مستقيم .
* الطباق في : يتعارج – لا عرج .
6- النصح والإرشاد لأبي عبيد الفلوجيّ :
" النص بالكتاب"
المفردات :
أولاك : أعطاك ، ذرني: دعني ، أتقلب : أعيش ، أجن : أحصد ، استنقذ: استخلص ، الضرم : النار ، واسِ : صبّر ، موجما : سكت عجزا عن الكلام ، مترنما : مغنياً ، باديا : ( بدو ) ظاهرا ، المكر :الخداع ، أنشبت :علقت فيه ،أظفر : أفوز ، الأكابر : مفردها الأكبر وهو العالي في قومه ، عرجّت : عرج الشيء ارتفع وعلا – وعرج فلان أصابه العرج ، المنابر : مفردها منبر وهو مرقاة يرتقيها الخطيب أو الواعظ في المسجد ، مجن : اللعب الصاخب ، هزل : مزح – ومضادها جد ، البليه : الغبي x النبيه ، تزندق : آمن بأزلية العالم ، الشّوم :خشب صلد يستعمل في صنع مقابض أيدي العدد والآلات – والمراد التعصب ، شاهر : المشهور والمعروف ، المحاريب : مفردها محراب وهو مكان العبادة ، مفتهما : فقيها ، الحاضِر : عدم الرحيل عن الشيء ، النّزر : القليل ، السِّلم : الاستسلام ، باقل : بائع البقول ، اخِّر :اسقط وتنازل ، العاذل : الحاسد ، النّائل : كثير النوال والعطاء ، النية : ما يضمره الإنسان بداخله ، جنانك : قلبك ، الأشقياء : مفردها شقي وهم المجرمين ، الحِمام : الموت، يوسفي : نسبة لسيدنا يوسف في جماله ، هاماني : نسبة إلى هامان في تكبره وعناده وكفره ، سحباني : نسبة إلى سحبان بن وائل أخطب أهل عمان ، ساساني : نسبة إلى الفرس في وقاحتهم ، السرّوجي : نسبة للسروج ومفردها سُرج وهو رحل الدابة ، المَحجَّة : الطريق المستقيم ، الملل : مفردها ملة وهي الدين ، هيهات : بعُد ، البلقع : المكان الخالي ، غيّه : ضلاله ، هفوته : خطئه ، حبوته : ما يختص به من مال وثوب ،
الشرح :
ودار بين الراوي و بطل المقامة الحوار التالي :
الراوي : عيب عليك ما تفعل ، هل نسيت الله الذي أفاض عليك من نعمه ، ولم تراقبه في عملك حتى نسيت عقابه .
البطل : اتركني وشأني استمتع بكل ما حولي من نعمة والله غفور رحيم بنا ، فأنا أحصد الثمار التي استخلصها لي وأترك الخشب للنار المشتعلة تأكله وأنصحك بأن تصبر نفسك على حالك ولا تبخل بمالك على غيرك ولا يضرك عيب الآخرين ، فقد تعاظم المكر بين الناس ففعلت مثلهم فوصفوني بالماكر سعيت للحصول على كل ما عجز الأكابر عن الحصول عليه ومشيت كالأعرج حتى علت مكانتي بين الناس فقد أوصلتني فصاحتي إلى أغلى الأشياء والكنوز . ( ويستمر البطل في تقديم النصح للراوي ) كن مثل أهل الزمان الذي تعيش فيه وسايرهم في أسلوبهم فهذا الزمن للعب واللهو والمرح والكذب والخداع وقد تساوى الذكي والغبي والجاهل والعالم والعاقل والمجنون ولا بد لك من الغلبة في كل الأحوال وقد أصبح العاقل يحرم من العطاء والكرم والمتزندق يعطى له بسخاء ، وهذا نظام هذا الزمن فعليك أن تخلط بين الجد والزيف وتترك التعصب للعاقل يشقى به ونساير من نجالس بما يحب سواء أكان خاملا أم جادا ، فكن فقيها في المسجد والعب في مجالس اللهو وكن ماجنا مع الماجن وصاحب فضل مع الفاضل واحرص على عدم ترك القليل ولا تستسلم للأمر الواقع واترك ما صعب الوصول إليه واغنم بما سهل أمامك وإذا أخذت بعض البقول من الباقل تسد به رمقك فقد ضاعت بلاغتك هباء فخادع الناس ولا تستمع لقول الحاسدين وكن شريك للناس جميعا في مالهم فيكثروا لك العطايا ، وتب إلى الله قبل الموت حتى تحصل على الأجر الوفير في الآخرة .
الراوي : ما أحسن بنائك الجسدي وما أقبح ما تضمره في نفسك ، فقد يظهر لسانك الفصاحة ويبطن قلبك الخفة والخداع إن الباطل الذي تؤمن به سوف يبطل سعيك فأنت تعمل مثل المجرمين المحتالين وترجو جزاء المتقين ، هل تعتقد أن الموت سيعطيك الفرصة كي تتوب إذا أقدم ، لن يحدث هذا بل سيحل بك الدمار والهلاك وستندم على ما قدمت يداك ( وسأل الراوي الفتى )من هذا الماكر ؟
الفتى : إنه أبو عبيد السروجي .
( وطمع الراوي برده إلى الطريق المستقيم بعيدا عن الأديان التي لا يؤمن بها وطلب منه الإقلاع عن ما يفعل ليتدارك الخطأ الذي وقع فيه ويتوب .
البطل : إن ما تطلبه صعب جدا وبعيد المنال .
الراوي : ومن يضلل الله فما له من هاد .
وقد أخبر الراوي أهل البلدة يما رأى فندموا على هذه الفعلة التي فعلها واغتاظوا لما حصل عليه منهم ولكنهم دعوا له الله بأن يدفع عنه وعن المسلمين كل ضيق وهم .
مواطن الجمال :
* أنشبت أظافري : استعارة مكنية شبه نفسه بالحيوان المفترس.
* فكم بنفيس بلغتني بلاغتي : كم تدل على كثرة ما ناله البطل من أموال.
* استخدام أساليب الإنشاء الطلبي الأمر والنهي للنصح والإرشاد .
* يوسفي الجمال : شبه البطل بسيدنا يوسف في جماله .
* هاماني الأفعال : شبه البطل بهامان في عناده وعصيانه .
* سحباني الفصاحة : شبه البطل بسحبان بن وائل في الفصاحة .
* ساساني الوقاحة : شبه البطل بالفرس في وقاحتهم .
* أتيت لتشرب البحر : كناية عن استحالة إقناعه .
* عضوا أناملهم لهفوته : كناية عن ندمهم على غلطته .
*****المحسنات البديعية :
* السجع في : مولاك – أولاك ، رقيبك – نصيبك ، النعمة – الرحمة ،خيرك – غيرك ، موجما – مترنما ، زمانك – إخوانك ، لعب – مضطرب – كذب ، مكر – غدر ، البليه – الفقيه – السفيه ، محروم – مكروم ، الكلام – النظام ، بنيتك – لسانك ، جنانك – لسانك ، الاشقياء – الأتقياء ، الجمال – الأفعال ، الفصاحة – الوقاحة ، الفلوجي – السروجي ، المحجة – المعوجة ، المتاب – الثواب ، البحر – الصخر ، الحسنات والسيئات ، هفوته – حبوته .
* الطباق في : النبيه – البليه ، الجاهل – الفقيه ، العاقل – السفيه ، الأشقياء – الأتقياء .
* المقابلة في : فأيمنت بالحسنات ،وأشأم بالسيئات .
* الجناس في : النبيه والبليه ، تغلب وتقلب ، محروم ومكروم ، خدع وصدع .
نقد المقامة
1- تعكس المقامة بعض ملامح البيئة العمانية وما فيها من فوضى اجتماعية وإصابة بعض النفوس من فساد الأخلاق نتيجة للفقر وتفكير الناس للحصول على المال بالطرق الشريفة .
2- استخدم الكاتب الأساليب الإنشائية والخبرية للإثارة والإقناع ، كما استخدم الأسلوب المنمق المزخرف المسجع في قالب قصصي مشوق وعرض الحادثة بأسلوب مليء بالجمل والأمثال والأشعار الرقيقة والإكثار من أساليب الجناس والسجع والطباق والمقابلة .
3- لغة الكاتب قوية فقد استخدم عددا من المترادفات اللغوية جملا ومفردات .
4- يعرض الكاتب مشهدين إحداهما لفئة تتحايل على الناس بالمكر والدهاء وهذا أسلوب الكدية ، والثاني لأناس يرضون بما قسمه الله لهم على الرغم من الفقر والبؤس والقحط .
5- استعان الكاتب بعنصر الحوار ليصور الكثير من المظاهر .
المقامة :
هي شكل درامي قصصي بطله نموذج إنساني عادة ما يكون مكّداً ، ويقوم على حدث طريف مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لوناً من ألوان النقد أو الثورة أو السخرية ، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية .
التعريف بالكاتب :
سعيد بن راشد بن بشير الخروصي الأزدي ، من مشاهير علماء عمان ، له شعر في الوعظ ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وله عدة مقامات منها هذه المقامة السونية نسبة إلى بلدة سوني وهو الاسم القديم للعوابي.
جو النص :
تروي هذه المقامة قصة رجل شحاذ محتال هو ( أبو عبيد الفلوجي ) كان يجول في بلاد عمان ويعمل في الظاهر خلاف ما يبطن فيظهر للناس ورعه وتقواه ويخفي شروره واقترابه من الشيطان ويتفنن في أساليب الاحتيال للحصول على المال الذي ينفقه في حياة اللهو والترف والمجون .
تحليل النص
1- جدب الأرض سبب الرحيل عنها إلى مكان آخر وهو ( سوني

" روى اليافث بن تمّام قال : أجدَبت أرضُنا ذاتَ سنةٍ ، حتى منعَ الطوى من السِّنةِ ، وأقوت منَ الأَقواتِ الربوعُ والمرابعُ ، فَلذا تجافَينا عن المضاجعِ ، وأسكتَ السماءَ عن الرّجع ، والأرضَ عن الصَّدع ، ولم يبقَ وسنانُ يغُطُ ولا بعيرٌ يَؤُطُّ ، وطالما استْقَيْنا فلم نُسْقَ ديمةً فحينئذٍ أزمعتُ التّرحالَ إلى سوني القديمة ، فلمْ أزل أنجدُ وأغورُ ، وأغورُ وأقطعُ الدَّمثَ والوعورَ ، والصحاري والصّخورَ إلى أن وافيْتُ جنابَها الرحيبَ ، وروضَها العشيبَ ، وزهرَها القشيبَ .
المفردات:
أجدبت :أقفرت- نقيض الخِصْبِ ، الطوى

الشرح :
يروي لنا اليافث بن تمام أحداث هذه المقامة حيث أصاب بلاده الجفاف والجدب وساد الجوع في قومه وقل الطعام ولم ينزل المطر مما جعل الناس جميعا يعانون من الفقر وطلبوا إلى الله إنزال المطر ولكن لم تأتي سحابة واحدة ولذلك قرر اليافث الرحيل إلى بلدة سوني ( العوابي ) يلتمس فيها الرزق ، وأخذ يقطع الطرق الوعرة والسهلة إلى أن وصل إلى أرضها الرحبة والرياض الممتلئة بالعشب وأزهارها الجديدة .
مواطن الجمال :
استخدم الكاتب المحسنات البديعية مثل :
* السجع في : (سنة ، سِنة ) ، ( المرابع ، المضاجع ) ، ( الرجع ، الصدع ) ، ( يغط ، يؤط) ، (ديمة ، القديمة) ، ( أغور ، الوعور ، الصخور ) ، ( الرحيب ، القشيب ، العشيب ).
* الطباق في : (أنجد ، أغور) ، ( الدمث ، الوعور ) .
* الجناس في : ( سنة ، السِّنة) ( أقوت ، الأقوات ) .
• علاقة ( لذا تجافينا عن المضاجع ) بما قبلها : علاقة نتيجة بسبب .
2- اجتماع الناس حول ( أبي عبيد الفلوجي ) ؛ لفصاحته وبلاغته:
فما لبثُ إلا لمحةَ ناظر ، أو كخطفةِ طائرٍ حتَّى رأيتُ الجماعةَ ينقَضّون ولا انقضاضَ الشُهب ، ويوفضون ولا الوفوضُ إلى النَّصب فبادرت مع الزُّمر لأعلمَ الخبر ، فإذا بنادٍ رحيبٍ قد احتوى على الأحمقِ واللبيبِ ، وأهلِ العُرفِ والمُعَرِّفات ، واجتمعوا ولا الجمع بعرفاتٍ ، فإذا بوسطِ الدِّسْتِ كَهْلٌ أعرجُ ، متكئٌ على عصا أعوجَ ، وقد اكتسى حُلّةَ الزَّهادةِ ، وعليه سيماءُ العبادةِ ، وقد تلثّمَ بطُرّته وأظهر بعضَ عِرَّتّهٍ ، وهو ينادي بلسانٍ أسلقَ صَهصلقَ .
المفردات :
لبثت : بقيت ، ينقضون : يهجمون في جماعات ، يوفضون : يسرعون ، النصب : حجارة للذبح ، الزمر : الجماعة ، الأحمق : الغبي ، اللبيب:الذكي ، العُرف : المعروف ، المُعرفات : المكرومات ، الدست :صدر البيت أو الحشد ، كهل : عجوز ، أعرج : يسير على قدم واحدة ، طرته : جانب الثوب الذي لا هدب له ، عرته : جسده ، أسلق : مؤذي ، صهصلق: شديد .
الشرح :
وقد لاحظ اليافث أن أهل البلدة يتدافعون ويتسارعون بخطى واسعة ، فتعجب من ذلك وأسرع مع هذه الجماعات المتدفقة ليعرف ما الخبر فرأى مجلس واسع وقد اجتمع فيه كل أهل القرية وقد وقف بوسطهم عجوز أعرج يستند على عصا معوج وقد لبس لباس الفقراء وظهرت عليه علامات العباد الأتقياء وقد غطى بغض وجهه بثوبه البالي الذي يظهر بعض جسده وأخذ يخطب في الناس بلسان شديد مؤذي .
مواطن الجمال :
* ما لبثت إلا لمحة ناظر أو كخطفة طائر : كناية عن قصر المدة التي لبثها في سوني.
* ينقضون ولا انقضاض الشهب : شبه حركتهم السريعة بحركة الشهاب وهي كناية عن الحركة السريعة الخاطفة .
* اجتمعوا ولا الجمع بعرفات : شبه اجتماع أهل سوني بوقفة عرفات " دلالة على تأثر الشاعر بالدين الإسلامي.
****المحسنات البديعية :
* السجع في :ناظر – طائر ، الشهب – النصب ، الزمر – الخبر ، رحيب – اللبيب ، المعرفات – عرفات ، أعرج –أعوج ، الزهادة – العبادة ، طرته – عرته .
* الطباق في : الأحمق – اللبيب .
* الجناس في : المعرفات – عرفات ، أعرج – أعوج ، طرته – عرته .
3- وصف أخلاق أهل هذا الزمان :
أيها الناسُ ذَهبَ الوفاءُ وغاضَ ، وتفجرَ الغدرُ وفاضَ ، وضرَسَ الدّهرُ بانيابهِ على الكِرامِ فَعَضَّ ، وأناخَ عليهم بجِرانِهِ فَرضَّ ، وقطعَ ريشَ جناحهِ فحصَّ ، وبعثَ منهُ الخوافي فخصَّ ، وعصفتْ عواصفُ الرمل فهبّتْ ، وغَمضت عيونُ الذّلِّ فما هَبّتْ ، وتوقّدت نارُ الباطلِ فشبَّتْ ، وتقاربت فئةُ الحق فما شَبَّتْ ، وأفقدَ الحياءَ فذهبَ ، وحصّن الرغيفَ ولا تحصين ، ورفض الفقير ولا رفْض الكنيف ، وصعرتْ عنهُ الخدودُ ولا تصعير المحيف .
المفردات :
غاض : يبس ، فاض : سال ، ضرس : عضّ ، جرانه : مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره ، فرضّ: أصبح فريضة ، فحصّ :قل ريشه (ج) حُصٌّ ، الخوافي : الطيور ، خصّ :أختص به أناس دون غيرهم – نقبض عمَّ ، شبت : اشتعلت ، الكنيف:الساتر ، صعرت:تمايلت كبرا ، المحيف : الجانبين .
الشرح :
بدأ ( أبو عبيد الفلّوجي ) معددا صفات أهل زمانه قائلا : لقد رحل عنا الوفاء وحل محله الغدر ، وأصاب الدهر الكرام في مالهم فلم يخرجوا ما كانوا معتادين عليه وساد الذل والباطل بين الناس وضاع الحياء وزاد الفقر وعز علينا أن نجد رغيف خبز ونبذ الفقير في المجتمع وتمايل الناس عنه .
مواطن الجمال :
* ذهب الوفاء وغاض : استعارة مكنية شبه الوفاء بالبحر الذي يبس .
* تفجر الغدر وفاض : استعارة مكنية شبه الغدر بعين الماء المتفجرة .
* ضرس الدهر بأنيابه : استعارة مكنية شبه الدهر بالوحش الذي يعض .
* أناخ عليهم بجرانه : استعارة مكنية شبه الدهر بالناقة التي أناخت رقبتها .
* غمضت عيون الذل : استعارة مكنية شبه الذل بالإنسان الذي يغمض عينية .
* حصن الرغيف : كناية عن بخل الناس .
*****المحسنات البديعية :
* السجع في : غاض – فاض ، عضّ – فرضّ ، حصّ – خصّ ، هبت – شبت ، الكنيف – المحيف .
* الطباق في : غاض – فاض .
* الجناس في : فعضّ – فرضّ ، فحصّ – فخصّ .
* الترادف في : ضرس – عضّ .
4- استجلاب عطف الناس باستخدام قوة البيان لأخذ أموالهم :
فهل من حُرٍّ مُغيثٍ لأعرجَ مُستغيثٍ ، قد غادره الدّهرُ لِقاء ، بعد التمكينِ والارتقاءِ ، والحجبةِ والحجبِ ، والكتائب والكُتُبِ ، والكنوزِ والبزّة ، والجوائزِ والعِزّة ، والصوارمِ والصواهل ، والذّوابِلِ والذلائل ، والعلمِ والأقلامِ ، والقلعِ والأعلام ، واليعملات والعُمّال ، والحُمول والأحمال ، والمِلْحِ والمِلاحَة ، والصُّبوح والصَّباحةِ ، والحُللِ والحَلائِلِ ، والخوفِ والخلائِلِ ، والراحةِ والرّاح ، والأسرِة والسَّماحِ ، والحبورِ والمحابِرِ ، والصّبر والصّنابرِ ، وكان جميع ذلك كخيالٍ في هجعةٍ ، أو كسرابٍ ببقعة .
المفردات:
الارتقاء : الارتفاع ، الحجبة : مفردها حاجب- وهوالبواب ، الحجب :مفردها حجاب وهو الساتر ، الكتائب : مفردها كتيبة وهي الفرقة من الجيش ، البزة : الهيئة والشارة ، الصوارم : السيوف ، الصواهل : الخيل ، الذوابل : مفردها ذابل وهو المتبختر المختال ، الذلائل: مفردها ذلول وهو الطريق الممهد ، القلع :الراكب والمصارع ، الأعلام : مفردها علم وهي السفينة ، اليعملات : الناقة النجيبة ، الحمول:مفردها حَمْلُ وهو البعير عليه الهودج ، أحمال : مفردها حِمل وهو ما يوضع على ظهر البعير ، الملح : الشيء المليح ، المِلاحة : الحسن ، الصبوح :شراب الصباح ، الصباحة : شدة الحمرة ، الحلل: مفردها حُلة وهي الثياب الجديدة ، الحلائل: مفردها حليلة وهي الجارية أو الزوجة ، الخوف : الضجة والجلبة ، الخلائل : مفردها خليلة وهي الصديقة الوفية ، الراحة :الارتياح ، الراح : الارتياح والخمر ، الأسرة:أهل الرجل وعشيرته(ج) أسر ، السّماح :التسامح والتساهل ، الحبور : الفرح والسرور ، المحابر : مجالس اللهو والفرح ، الصّبر: الكومة من الطعام ، الصّنابر : الدقيق أو الرقيق من كل شيء – مفردها الصنبر ، هجعة : النومة الخفيفة أول الليل .
الشرح :
وبدأ ( أبو عبيد الفلّوجي ) يسألهم أن يساعدوه بعد أن غدر به الزمن فبعد العز والشرف وعلو المنزلة والبوابين والبيوت المستترة والحراس والكتب والأموال الهيئة العظيمة والسيوف والخيل والطرق الممهدة التي نسير فيها بخيلاء والمعارف والسفن والنياق والخدم والجميلات من النساء وتناول اجمل أنواع الشراب في الصباح ولبس الثياب الجديدة وامتلاك الجواري والزوجات والارتياح وشرب الخمر والمسامرة والتسامح بين الأهل وكثرة مجالس اللهو ، كل ذلك أصبح كالخيال الذي نراه في جوف الليل أو كالسراب في وقت الهجير .
مواطن الجمال :
* السجع في : مغيث – مستغيث ، الحجب – الكتب ، البزة – العزة ، الصواهل – الذلائل ، الأقلام – الأعلام ، العمال – الأحمال ، الملاحة – الصباحة ، الحلائل – الخلائل ، الراح – السماح ، المحابر – الصنابر ، هجعة – بقعة
* الجناس في : الحلائل – الخلائل
**استخدم الكلمات السابقة للدلالة على العز والغنى
5- حياة الفلوجي الحقيقية من لهو وترف ومجون :
قال اليافث بن تمام : فرثَتِ الجماعةُ لذلّتهِ بعد عزتّهِ ، وحَبّوه لبلاغته ورِثةِ حِلَّتهِ ، فجعلَ يحمدُ شُكراً ، ويشيدُ للجماعة ذكراً ، وأسرع يتعارجُ ولا عَرَجَ ، ويتراوغُ ليُجهلَ منهُ المَخرج ، فقفوت أثره متوارياً ، حتى أمِن الرقيبَ والسّاعيا ، ثم أجفلَ إجفالَ حمارٍ ، وانساب مسرعاً إلى غارٍ ، فتماديتُ في السعي إليه ، حتى ولِجتُ سِربه عَليه ، فإذا معهُ شادنٌ أقمرُ ، وبيدهِ كأسٌ أنورُ ، وحيالُهُ شَطرَنجُ ومِزْهَرُ ، وحولَه صحائِفُ وصِحافٌ ، ومن الأطعمةِ أصنافٌ ، وهو طَوراً ينقشُ العودَ ، وطَوراً يتناولُ بِنتَ العنقودِ ، ويغردُ بتلاحينَ ، ويرقُصُ ولا رقصَ المجانينِ ، وينشد ُبصوتٍ رخيمٍ ، ولفظٍ مستقيمٍ ، ويقول شعراً :
" أبيات الشعر بالكتاب"
المفردات:
يتراوغ : يخادع ، أجفل : أسرع ، انساب : اندفع ، ولج: دخل فيه ، سربه : جماعته ، شادن : ولد الظبية (ج) شوادن ، أنور : مشرق اللون .
الشرح :
يستمر اليافث في وصف ما رآه فيقول : لقد عطف أهل سوني على حال أبي عبيد لذله بعد العزة وحبّوه لبلاغته وفصاحة لسانه وأجزلوا له العطايا ، فأخذ يحمدهم ويشكرهم على ذلك وأسرع يمشي مسرعا مظهرا العرج في مشيته ويسير في طرقات فرعية حتى لا يعرف طريقه أحد وقد أخذ حب الفضول الراوي ليتتبع أثره فإذا به يراه عندما أمن الطريق من الناس أسرع يجري مسرعا نحو غار في الجبل مما دفع الراوي إلى الاستمرار في متابعته حتى دخل عليه في جماعته فإذا بالحال غير الحال فقد وجد معه فتى جميل الطلعة ، ووجده يحمل في يده كأس مشرق لامع وبجواره شطرنج ونرد للتسالي واللعب وحوله أوراق وكتب وأنواع مختلفة من الطعام ، وهو في وسط ذلك يعزف على العود مرة ويشرب الخمر مرة أخرى ويغني بألحان عذبه ويرقص مثل المجانين وقد أنشد قائلا: ابدأ صباحك بالشراب الجميل واتبع ذلك بالراحة والاستمتاع بما حولك فالإحساس بالمتعة يزيل الهم من القلوب فالنعيم كله في شرب الثغور من الكؤوس .
مواطن الجمال :
* أجفل إجفال حمار : شبه طريقة جري أبي عبيد بطريقة جري الحمار دلالة على السرعة .
* معه شادن أقمر : شبه الفتى الذي كان معه بابن الظبي دلالة على شدة جماله .
* بنت العنقود : كناية عن الخمر .
* تجلو القلوب من التراح : جعل القلب موطن الهموم وجعل الراحة مزيل لهذه الهموم .
* السجع في : عزته – حلته ، شكرا – ذكرا ، عرج – مخرج ، متواريا – ساعيا ، حمار – غار ، إليه – عليه ، أقمر – أنور –مزهر ، صحاف – أصناف ، العود – العنقود ، تلاحين – مجانين ، رخيم – مستقيم .
* الطباق في : يتعارج – لا عرج .
6- النصح والإرشاد لأبي عبيد الفلوجيّ :
" النص بالكتاب"
المفردات :
أولاك : أعطاك ، ذرني: دعني ، أتقلب : أعيش ، أجن : أحصد ، استنقذ: استخلص ، الضرم : النار ، واسِ : صبّر ، موجما : سكت عجزا عن الكلام ، مترنما : مغنياً ، باديا : ( بدو ) ظاهرا ، المكر :الخداع ، أنشبت :علقت فيه ،أظفر : أفوز ، الأكابر : مفردها الأكبر وهو العالي في قومه ، عرجّت : عرج الشيء ارتفع وعلا – وعرج فلان أصابه العرج ، المنابر : مفردها منبر وهو مرقاة يرتقيها الخطيب أو الواعظ في المسجد ، مجن : اللعب الصاخب ، هزل : مزح – ومضادها جد ، البليه : الغبي x النبيه ، تزندق : آمن بأزلية العالم ، الشّوم :خشب صلد يستعمل في صنع مقابض أيدي العدد والآلات – والمراد التعصب ، شاهر : المشهور والمعروف ، المحاريب : مفردها محراب وهو مكان العبادة ، مفتهما : فقيها ، الحاضِر : عدم الرحيل عن الشيء ، النّزر : القليل ، السِّلم : الاستسلام ، باقل : بائع البقول ، اخِّر :اسقط وتنازل ، العاذل : الحاسد ، النّائل : كثير النوال والعطاء ، النية : ما يضمره الإنسان بداخله ، جنانك : قلبك ، الأشقياء : مفردها شقي وهم المجرمين ، الحِمام : الموت، يوسفي : نسبة لسيدنا يوسف في جماله ، هاماني : نسبة إلى هامان في تكبره وعناده وكفره ، سحباني : نسبة إلى سحبان بن وائل أخطب أهل عمان ، ساساني : نسبة إلى الفرس في وقاحتهم ، السرّوجي : نسبة للسروج ومفردها سُرج وهو رحل الدابة ، المَحجَّة : الطريق المستقيم ، الملل : مفردها ملة وهي الدين ، هيهات : بعُد ، البلقع : المكان الخالي ، غيّه : ضلاله ، هفوته : خطئه ، حبوته : ما يختص به من مال وثوب ،
الشرح :
ودار بين الراوي و بطل المقامة الحوار التالي :
الراوي : عيب عليك ما تفعل ، هل نسيت الله الذي أفاض عليك من نعمه ، ولم تراقبه في عملك حتى نسيت عقابه .
البطل : اتركني وشأني استمتع بكل ما حولي من نعمة والله غفور رحيم بنا ، فأنا أحصد الثمار التي استخلصها لي وأترك الخشب للنار المشتعلة تأكله وأنصحك بأن تصبر نفسك على حالك ولا تبخل بمالك على غيرك ولا يضرك عيب الآخرين ، فقد تعاظم المكر بين الناس ففعلت مثلهم فوصفوني بالماكر سعيت للحصول على كل ما عجز الأكابر عن الحصول عليه ومشيت كالأعرج حتى علت مكانتي بين الناس فقد أوصلتني فصاحتي إلى أغلى الأشياء والكنوز . ( ويستمر البطل في تقديم النصح للراوي ) كن مثل أهل الزمان الذي تعيش فيه وسايرهم في أسلوبهم فهذا الزمن للعب واللهو والمرح والكذب والخداع وقد تساوى الذكي والغبي والجاهل والعالم والعاقل والمجنون ولا بد لك من الغلبة في كل الأحوال وقد أصبح العاقل يحرم من العطاء والكرم والمتزندق يعطى له بسخاء ، وهذا نظام هذا الزمن فعليك أن تخلط بين الجد والزيف وتترك التعصب للعاقل يشقى به ونساير من نجالس بما يحب سواء أكان خاملا أم جادا ، فكن فقيها في المسجد والعب في مجالس اللهو وكن ماجنا مع الماجن وصاحب فضل مع الفاضل واحرص على عدم ترك القليل ولا تستسلم للأمر الواقع واترك ما صعب الوصول إليه واغنم بما سهل أمامك وإذا أخذت بعض البقول من الباقل تسد به رمقك فقد ضاعت بلاغتك هباء فخادع الناس ولا تستمع لقول الحاسدين وكن شريك للناس جميعا في مالهم فيكثروا لك العطايا ، وتب إلى الله قبل الموت حتى تحصل على الأجر الوفير في الآخرة .
الراوي : ما أحسن بنائك الجسدي وما أقبح ما تضمره في نفسك ، فقد يظهر لسانك الفصاحة ويبطن قلبك الخفة والخداع إن الباطل الذي تؤمن به سوف يبطل سعيك فأنت تعمل مثل المجرمين المحتالين وترجو جزاء المتقين ، هل تعتقد أن الموت سيعطيك الفرصة كي تتوب إذا أقدم ، لن يحدث هذا بل سيحل بك الدمار والهلاك وستندم على ما قدمت يداك ( وسأل الراوي الفتى )من هذا الماكر ؟
الفتى : إنه أبو عبيد السروجي .
( وطمع الراوي برده إلى الطريق المستقيم بعيدا عن الأديان التي لا يؤمن بها وطلب منه الإقلاع عن ما يفعل ليتدارك الخطأ الذي وقع فيه ويتوب .
البطل : إن ما تطلبه صعب جدا وبعيد المنال .
الراوي : ومن يضلل الله فما له من هاد .
وقد أخبر الراوي أهل البلدة يما رأى فندموا على هذه الفعلة التي فعلها واغتاظوا لما حصل عليه منهم ولكنهم دعوا له الله بأن يدفع عنه وعن المسلمين كل ضيق وهم .
مواطن الجمال :
* أنشبت أظافري : استعارة مكنية شبه نفسه بالحيوان المفترس.
* فكم بنفيس بلغتني بلاغتي : كم تدل على كثرة ما ناله البطل من أموال.
* استخدام أساليب الإنشاء الطلبي الأمر والنهي للنصح والإرشاد .
* يوسفي الجمال : شبه البطل بسيدنا يوسف في جماله .
* هاماني الأفعال : شبه البطل بهامان في عناده وعصيانه .
* سحباني الفصاحة : شبه البطل بسحبان بن وائل في الفصاحة .
* ساساني الوقاحة : شبه البطل بالفرس في وقاحتهم .
* أتيت لتشرب البحر : كناية عن استحالة إقناعه .
* عضوا أناملهم لهفوته : كناية عن ندمهم على غلطته .
*****المحسنات البديعية :
* السجع في : مولاك – أولاك ، رقيبك – نصيبك ، النعمة – الرحمة ،خيرك – غيرك ، موجما – مترنما ، زمانك – إخوانك ، لعب – مضطرب – كذب ، مكر – غدر ، البليه – الفقيه – السفيه ، محروم – مكروم ، الكلام – النظام ، بنيتك – لسانك ، جنانك – لسانك ، الاشقياء – الأتقياء ، الجمال – الأفعال ، الفصاحة – الوقاحة ، الفلوجي – السروجي ، المحجة – المعوجة ، المتاب – الثواب ، البحر – الصخر ، الحسنات والسيئات ، هفوته – حبوته .
* الطباق في : النبيه – البليه ، الجاهل – الفقيه ، العاقل – السفيه ، الأشقياء – الأتقياء .
* المقابلة في : فأيمنت بالحسنات ،وأشأم بالسيئات .
* الجناس في : النبيه والبليه ، تغلب وتقلب ، محروم ومكروم ، خدع وصدع .
نقد المقامة
1- تعكس المقامة بعض ملامح البيئة العمانية وما فيها من فوضى اجتماعية وإصابة بعض النفوس من فساد الأخلاق نتيجة للفقر وتفكير الناس للحصول على المال بالطرق الشريفة .
2- استخدم الكاتب الأساليب الإنشائية والخبرية للإثارة والإقناع ، كما استخدم الأسلوب المنمق المزخرف المسجع في قالب قصصي مشوق وعرض الحادثة بأسلوب مليء بالجمل والأمثال والأشعار الرقيقة والإكثار من أساليب الجناس والسجع والطباق والمقابلة .
3- لغة الكاتب قوية فقد استخدم عددا من المترادفات اللغوية جملا ومفردات .
4- يعرض الكاتب مشهدين إحداهما لفئة تتحايل على الناس بالمكر والدهاء وهذا أسلوب الكدية ، والثاني لأناس يرضون بما قسمه الله لهم على الرغم من الفقر والبؤس والقحط .
5- استعان الكاتب بعنصر الحوار ليصور الكثير من المظاهر .