أزاحت الستارة عن النافذة، وأخذت تنظر إلى ميدان المعركة عبر منظار أفكارها
الشجر كان يصارع الرياح الهوجاء بسيوفه الأغصان وأحجاره الأوراق
والرياح تقذف قنابل الهموم والمآسي على الأشجار الضئيلة
المعركة قائمة
اتجهت عيناها ناحية البحر الأسود
انعكاس سماء الليل قبّل صفحته
والهدوء نائمٌ على شاطئ السكينة
مواء قطة
اخترق لُبَّ إبصارها
أجفلت، وحركت رأسها عند باب المنزل
حيث تكوّمت قطة بجانب صندوق قمامة ضخم
قطة بيضاء، مُرقطة برقط بنية
ترتجف من هذا الصقيع المفاجئ
فما اعتادت إلا على حرارة تحرق الأبدان
الرياح كانت تصفع القطة
والقطة تتلقى الصفعات بصمت ومواء حاد وعيناها مغمضتان
مالت شفتي الفتاة ميل السخرية ورفعت نظارتها أعلى أنفها وقالت باقتضاب:
قسوة الطبيعة
أفلتت يدها، وانسدلت الستارة ملقيةً نظرات الفتاة أسفلها
سارت بضع خطوات وهي تلف بضع خصلات من شعرها حول إصبعها باستياء
وقفت أمام خزانة الملابس وفتحتها على مصراعيها
طير نظراتها أخذ يحلق في سماء الملابس وأخيراً استقر على كتف معطف أسود
ارتدته، وأمام المرآة بدأت أزرة المعطف تعانق أحبتها
سقط زر مع بضعة خيوط قصيرة
التقطت الفتاة الزر، تفحصته بيدها وبعدها تأففت وألقته بعيداً
المعطف كان واسعاً نوعاً ما، وطويلاً يصل للركب
انتعلت حذاءاً أسوداً ذو رقبة طويلة وخيوط أطول
عقدت شعرها الطويل، وأحسنت من وضع نظارتها
فتحت الدرج، وأخرجت قلادة لدائرة الوحدة، اخترقها سهم الضياع
وعند تلك الدائرة
ثلاث خرزات بيضاء لامعة كانت تطوّق العزلة
تقلّدت بها
وخرجت
صفعات الرياح، لم تكترث بحالها
فكانت خطواتها بطيئة متثاقلة
تنظر حولها، لا أثر للحياة
الشوارع أصابها الخرس، والأرصفة تحدق بالشارع
معركة الرياح مازالت مستمرة
ولم يُعرف من المنتصر حتى الآن
أخذت السحب تلتهم بياض الغيوم
فأصابتها غصة تكومت في حلق حزنها
فتلوّن وجه السحب بالبنفسجي
تجردت الأشجار من الأوراق
وباتت الهزيمة وشيكة
برق سؤال في سماء الجهل
"أليس من الصعب مراقبة الضحايا يقتلون أمام العين؟"
اعترت موجة من الخوف بحر جسدها
وضعت الفتاة يدها على ذراعها وضغطت بأناملها وهي ترتجف
لم تشعر بالدفء
فضمت يدها وأخذت تنفخ
رفعت رأسها وحلق طير نظراتها مرة أخرى في سماء أحلامها
أوصدت باب عيناها ودخلت لقصر خيالها
***
بجانب القصر
نهر أزرق، يرتوي منه حصان أبيض، مجنح ذو قرن ينتصف جبهته
عند ضفته تجلس ((هي)) وقدماها غائصتان في مياهه الضحلة
تحدق بلوحة النهر وتغرق أحلامها في دوامة السرحان
تنظر ((إليه))
كان مستنداً تحت ظل شجرة عملاقة
يتنفس بصمت
تقف وتتجه إليه وتلتقط ورقة صغيرة، وتبدأ بمداعبة أنفه وهو نائم
يعطس فجأة، ويستيقظ مندهشاً
ويرتفع صوت ضحكتها
وينظر إليها باستفهام
***
داخل القصر
يبدأن الرقص
بلطف يمسك يدها وذراعه تطوّق خصرها
تصيبها القشعريرة
وتزداد ضربات قلبها
يبتسم لها باطمئنان
فيتوقف قاربها من التلاطم بين أمواج الخجل
تتنهد بارتياح
فيتابعان الرقص
فتصمت الألسنة وتتحدث العيون
يصمت الجسد ويتحدث القلب
يتلاشى كل ما حولهما
ويغرقان بعشق في محيط الغرام
يختفي كل ما حولهما
ويسقطان معاً في مصب شلال الهيام
***
ولكن فجأة
يعود طير نظراتها إلى عش الواقع
ويلقي عليها ريش الصدمة
وتخرج هي من باب القصر بغصن أملٍ مكسور
تتابع طريقها
وتقف في وسط الشارع
تنزع القلادة وتستفهم:
أَيَقتُل الخيال؟
تأخذ نفساً عميقاً وهي تتألم
فتنفس الرياح الباردة لم يكن بالأمر السهل
تهتز طاولة الألم وتسقط كؤوس الأفكار
وينسكب ماء الهاجس
بسبب
اختراق سكاكين الرياح المتجمدة عظامها النحيلة
استيقظ الهدوء على منبه أنينها
من بعيد، تأتي سيارة
أنوارها تشع في عينا الفتاة
فقلبت سواد الليل إلى نهار
تمر غيمة حالمة على أرض معتقداتها
فأغلقت عيناها فجأة، وفتحتهما ببطء واضعةً يدها تحاول عابثة حجب ضوء السيارة
تقترب السيارة أكثر وأكثر مسرعة
وهي مازالت تحدق في ضوءها بنظرات تائهة
لم يبق سوى القليل وتحدث المأساة
وعلى صفحة وجهها، أمسكت مشاعرها ريشة وغمستها في حبر القناعة
ورسمت على الصفحة ابتسامة هاجسٍ منتظر
وتصطدم السيارة بها
و
وتسقط النظارة بعد أن يتوسطها الشرخ
وتنكسر القلادة بعد تحطم الدائرة
وينفصل السهم بعد تناثر الحلقة
وتتدحرج الخرزات بجانب جسدها النازف
ويهوى جسدها وهي تنظر للفراغ بابتسامة حزينة
وتخرج روحها من جسدها تجري
فتتعثر الروح بصندوق قلبها
تنتصب خائفة
وبسرعة
تُحلّق مبتعدة تسابق صدى أنفاسها الأخيرة
تلاشت السيارة فور سقوط الفتاة
واختفت جثتها
واختبأت نظراتها الكسيرة خلف صخور الموت
ولم يبق
سوى
أنفاسها الأخيرة
نظارتها المكسورة
قلادتها المحطمة
خرزاتها المتناثرة
روحها الضائعة
هاجسها المنتظر
و
خيالها الدائم
الشجر كان يصارع الرياح الهوجاء بسيوفه الأغصان وأحجاره الأوراق
والرياح تقذف قنابل الهموم والمآسي على الأشجار الضئيلة
المعركة قائمة
اتجهت عيناها ناحية البحر الأسود
انعكاس سماء الليل قبّل صفحته
والهدوء نائمٌ على شاطئ السكينة
مواء قطة
اخترق لُبَّ إبصارها
أجفلت، وحركت رأسها عند باب المنزل
حيث تكوّمت قطة بجانب صندوق قمامة ضخم
قطة بيضاء، مُرقطة برقط بنية
ترتجف من هذا الصقيع المفاجئ
فما اعتادت إلا على حرارة تحرق الأبدان
الرياح كانت تصفع القطة
والقطة تتلقى الصفعات بصمت ومواء حاد وعيناها مغمضتان
مالت شفتي الفتاة ميل السخرية ورفعت نظارتها أعلى أنفها وقالت باقتضاب:
قسوة الطبيعة
أفلتت يدها، وانسدلت الستارة ملقيةً نظرات الفتاة أسفلها
سارت بضع خطوات وهي تلف بضع خصلات من شعرها حول إصبعها باستياء
وقفت أمام خزانة الملابس وفتحتها على مصراعيها
طير نظراتها أخذ يحلق في سماء الملابس وأخيراً استقر على كتف معطف أسود
ارتدته، وأمام المرآة بدأت أزرة المعطف تعانق أحبتها
سقط زر مع بضعة خيوط قصيرة
التقطت الفتاة الزر، تفحصته بيدها وبعدها تأففت وألقته بعيداً
المعطف كان واسعاً نوعاً ما، وطويلاً يصل للركب
انتعلت حذاءاً أسوداً ذو رقبة طويلة وخيوط أطول
عقدت شعرها الطويل، وأحسنت من وضع نظارتها
فتحت الدرج، وأخرجت قلادة لدائرة الوحدة، اخترقها سهم الضياع
وعند تلك الدائرة
ثلاث خرزات بيضاء لامعة كانت تطوّق العزلة
تقلّدت بها
وخرجت
صفعات الرياح، لم تكترث بحالها
فكانت خطواتها بطيئة متثاقلة
تنظر حولها، لا أثر للحياة
الشوارع أصابها الخرس، والأرصفة تحدق بالشارع
معركة الرياح مازالت مستمرة
ولم يُعرف من المنتصر حتى الآن
أخذت السحب تلتهم بياض الغيوم
فأصابتها غصة تكومت في حلق حزنها
فتلوّن وجه السحب بالبنفسجي
تجردت الأشجار من الأوراق
وباتت الهزيمة وشيكة
برق سؤال في سماء الجهل
"أليس من الصعب مراقبة الضحايا يقتلون أمام العين؟"
اعترت موجة من الخوف بحر جسدها
وضعت الفتاة يدها على ذراعها وضغطت بأناملها وهي ترتجف
لم تشعر بالدفء
فضمت يدها وأخذت تنفخ
رفعت رأسها وحلق طير نظراتها مرة أخرى في سماء أحلامها
أوصدت باب عيناها ودخلت لقصر خيالها
***
بجانب القصر
نهر أزرق، يرتوي منه حصان أبيض، مجنح ذو قرن ينتصف جبهته
عند ضفته تجلس ((هي)) وقدماها غائصتان في مياهه الضحلة
تحدق بلوحة النهر وتغرق أحلامها في دوامة السرحان
تنظر ((إليه))
كان مستنداً تحت ظل شجرة عملاقة
يتنفس بصمت
تقف وتتجه إليه وتلتقط ورقة صغيرة، وتبدأ بمداعبة أنفه وهو نائم
يعطس فجأة، ويستيقظ مندهشاً
ويرتفع صوت ضحكتها
وينظر إليها باستفهام
***
داخل القصر
يبدأن الرقص
بلطف يمسك يدها وذراعه تطوّق خصرها
تصيبها القشعريرة
وتزداد ضربات قلبها
يبتسم لها باطمئنان
فيتوقف قاربها من التلاطم بين أمواج الخجل
تتنهد بارتياح
فيتابعان الرقص
فتصمت الألسنة وتتحدث العيون
يصمت الجسد ويتحدث القلب
يتلاشى كل ما حولهما
ويغرقان بعشق في محيط الغرام
يختفي كل ما حولهما
ويسقطان معاً في مصب شلال الهيام
***
ولكن فجأة
يعود طير نظراتها إلى عش الواقع
ويلقي عليها ريش الصدمة
وتخرج هي من باب القصر بغصن أملٍ مكسور
تتابع طريقها
وتقف في وسط الشارع
تنزع القلادة وتستفهم:
أَيَقتُل الخيال؟
تأخذ نفساً عميقاً وهي تتألم
فتنفس الرياح الباردة لم يكن بالأمر السهل
تهتز طاولة الألم وتسقط كؤوس الأفكار
وينسكب ماء الهاجس
بسبب
اختراق سكاكين الرياح المتجمدة عظامها النحيلة
استيقظ الهدوء على منبه أنينها
من بعيد، تأتي سيارة
أنوارها تشع في عينا الفتاة
فقلبت سواد الليل إلى نهار
تمر غيمة حالمة على أرض معتقداتها
فأغلقت عيناها فجأة، وفتحتهما ببطء واضعةً يدها تحاول عابثة حجب ضوء السيارة
تقترب السيارة أكثر وأكثر مسرعة
وهي مازالت تحدق في ضوءها بنظرات تائهة
لم يبق سوى القليل وتحدث المأساة
وعلى صفحة وجهها، أمسكت مشاعرها ريشة وغمستها في حبر القناعة
ورسمت على الصفحة ابتسامة هاجسٍ منتظر
وتصطدم السيارة بها
و
وتسقط النظارة بعد أن يتوسطها الشرخ
وتنكسر القلادة بعد تحطم الدائرة
وينفصل السهم بعد تناثر الحلقة
وتتدحرج الخرزات بجانب جسدها النازف
ويهوى جسدها وهي تنظر للفراغ بابتسامة حزينة
وتخرج روحها من جسدها تجري
فتتعثر الروح بصندوق قلبها
تنتصب خائفة
وبسرعة
تُحلّق مبتعدة تسابق صدى أنفاسها الأخيرة
تلاشت السيارة فور سقوط الفتاة
واختفت جثتها
واختبأت نظراتها الكسيرة خلف صخور الموت
ولم يبق
سوى
أنفاسها الأخيرة
نظارتها المكسورة
قلادتها المحطمة
خرزاتها المتناثرة
روحها الضائعة
هاجسها المنتظر
و
خيالها الدائم