الولاية على.. تزويج البالغة العاقلة

    • الولاية على.. تزويج البالغة العاقلة

      إن المقصود بالبالغة العاقلة هي الحرة البالغة العاقلة بكراً أو ثيباً والفقهاء غير متفقين على استقلاليتهما في إجراء عقد الزواج،

      فمنهم من يجيز لها تزويج نفسها بنفسها بكراً كانت أو ثيباً، ومنهم من يمنع ذلك وإنما يجعل لغيرها ولاية تزويجها إن كانت بكراً، وبشرط استئذانها إن كانت ثيباً، ثم إن الفقهاء يختلفون في تحديد المعنى المراد من البكر والثيب، كما يختلفون فيما تصير به المرأة بالغة، وبناء على ما تقدم، ينقسم هذا الموضوع إلى المواضيع التالية:

      أولاً: من هي البالغة العاقلة؟
      ثانياً: المقصود بالبكر والثيب.
      ثالثاً: تزويج البالغة العاقلة البكر.
      رابعاً: تزويج البالغة العاقلة الثيب.
      ونتناول كل موضوع منها بشيء من التفصيل كالتالي:

      أولاً: تعريف البالغة العاقلة
      البلوغ لغة: هو الوصول
      واصطلاحا: هو انتهاء حد الصغر ويمكن تعريف البالغة بأنها الأنثى التي ظهرت عليها علامات البلوغ أو بلغت سن البلوغ.

      علامات البلوغ: إن علامات البلوغ في الأنثى هي: الحيض والاحتلام والحَبل وأدنى سن لظهور علامات بلوغ الأنثى من العمر تسع سنوات، وقال الشافعية استكمال تسع سنين قمرية.

      سن البلوغ: إن الأصل في البلوغ هو ظهور علاماته التي ذكرناها فإن لم توجد فالاعتبار بالسن وأولى ما قيل في السن هو بلوغ الذكر والأنثى خمس عشرة سنة لأن هذا هو الذي يشهد له حديث ابن عمر وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رده ولم يقبله مع المقاتلة يوم كان عمره أربع عشرة سنة، وقَبِله يوم كان عمره خمس عشرة سنة.

      وقال الإمام ابن العربي المالكي في اعتبار سن البلوغ خمس عشرة سنة لدلالة حديث ابن عمر فإن لم يكن هذا دليلا فكل عدد من السنين يذكر فإنه دعوى، والسن التي اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم أولى من سن لم يعتبرها ولاقام في الشرع دليل عليها.

      تعريف العاقلة: عُرف العقل بأنه ما يكون في التفكير والاستدلال وما به يتميز الحسن من القبيح والخير من الشر، والحق من الباطل والذي نريده بالعاقلة هي المكلفة شرعاً لأن العقل مناط التكليف وفقده يرفع التكاليف الشرعية، فإذا بلغ الإنسان ذكراً كان أو أنثى، وكانت أقواله وتصرفاته جارية على النهج المعتاد المألوف بين الناس، مما يستدل به على سلامة عقله من الخلل والانحراف الذي يعتبر ويعرف عند الناس بالجنون، فإنه يعتبر عاقلاً ويحكم بتكليفه شرعا لتوافر شرط التكليف وهو البلوغ عاقلا.

      ثالثا: تزويج البالغة العاقلة البكر
      إن الراجح من أقوال الفقهاء في مسألة تزويج البالغة العاقلة البكر هو ما يأتي:
      أ‌- لا ولاية إجبار لأحد على البالغة العاقلة البكر، فلا يجوز لوليها أبا كان أو غيره أن يزوجهما إلا بإذنها ورضاها.
      ب‌- إذا زوجها وليها من دون إذنها ورضاها فالنكاح مفسوخ إلا إذا أجازته.
      ج- لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها إلا إذا أذن لها وليها، فإن أذن فعبارتها صالحة لإنشاء عقد النكاح وإن لم يأذن وعقدت النكاح لنفسها فنكاحها باطل.
      د- إذا عضلها الوالي ولم يأذن لها بتزويج نفسها ولا بأن يزوجها بالكفؤ راجعت القاضي لرفع الظلم عنها.

      رابعاً: تزويج البالغة العاقلة الثيب
      إن الراجح في تزويج الثيب هو ما يستفاد مما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم من أن الثيب تستأمر، وهي أحق بنفسها من وليها وهذه الأحقية تشمل ضرورة إذنها ورضاها لتزويج وليها، وأنها لا تجبر على الزوج الكفؤ الذي يختاره لها الولي وأنه يجبر على تزويجها بالكفوء الذي تختاره عن طريق القضاء إذا رفض تزويجها به لأنه يكون عاضلاً، وإذن الثيب لوليها بتزويجها يجب أن يكون صريحاً بالقول ولا يكفي سكوتها، وأنها إذا أرادت تزويج نفسها بعبارتها بأن تكون طرفاً في عقد النكاح يشترط لها إذن الولي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي سواء كان في نكاح البكر أو الثيب وإذا عضلها الولي بعدم إذنه لها بالزواج بالكفؤ أو بعدم تزويجه لها به، فلا يجوز لها أن تباشر النكاح بنفسها، بل عليها مراجعة القاضي لتثبت العضل، ثم يأذن لها القاضي بأن تزوج نفسها أو يأذن للولي الذي يلي العاضل بتزويجها أو يزوجها القاضي.

      ثانياً: المقصود بالبكر والثيب
      أ‌- البكر: البكر حقيقة هي المرأة العذراء أي التي بقيت فيها العُذرة ولكن هذا المعنى للبكر ليس وحده هو المقصود من كلمة ( البكر ) وإنما يشمل أيضاً ( البكر) في الحكم لا في الحقيقة أي التي تعتبر في الحكم بكراً، وإن لم تكن بكراً في الحقيقة، وعلى هذا يكون المراد من كلمة ( بكر ) هو كل أنثى تعتبر في الحكم بكراً سواء كانت بكراً حقيقية لبقاء غشاء البكارة فيها أو مع زواله كما في الأحوال التالية:

      • من زالت بكاراتها بغير وطء: لا خلاف بين أهل العلم في أن من زالت بكارتها بغير وطء كوثبة أو طفرة أو حدة حيضة أو طول التعنيس، أو بضرب أو بعود أو بإصبع فإنها في حكم البكر التي بقيت فيها العذرة.
      • الوطء في الدبر والمباشرة فيما دون الفرج: إذا وطئت البكر في دبرها فإنها تبقي في حكم البكر ( أن بكارتها باقية فعلا ولأنها غير موطوءة في قبلها، وكذلك تبقي بحكم البكر إذا حصلت لها مباشرة فيما دون الفرج، كما لو عقد قران امرأة بكر على رجل، وحصلت له معها خلوة شرعية ومباشرة فيما دون الفرج دون أن يدخل بها ثم فارقها بفسخ أو طلاق فإنها تبقى في الحكم بكراً.
      • الموطوءة بالزنا: إذا وطئت المرأة بالزنى فزالت بكارتها به، فعند المالكية هي في حكم البكر بل قالوا: حتى لو ولدت من الزنا، فإنها تبقى في حكم البكر، لأن الزنا وطء حرام فلا اعتبار له ولا احترام، وعند أبي حنيفة إذا زالت عذريتها بالزنا فهي في حكم البكر وتزوج كما تُزوج الأبكار.
      • من خلقت بغير بكارة: ومن خلقت بغير بكارة فحكمها حكم الأبكار.

      ب‌- المقصود بالثيب: هي من زالت عذرتها- بكارتها- حقيقة وهي من زالت بكارتها بوطء بعقد نكاح جائز أو فاسد أو شبهة عقد، فلا تزوج من قبل وليها جبراً إذا كانت بالغة.

      الولاية على تزويج السفيه
      تعريف السفه والسفيه في اللغة:
      السفه في اللغة هو الخفة والطيش والسفيه هو الجاهل ومن يبذر ماله فيما لا ينبغي، وجاء في كتاب الله العزيز قوله تعالى: ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً).
      وقال الزمخشري في معنى السفهاء هم المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي.

      وفي الاصطلاح الفقهي: لا يخرج عن معناه الذي قاله اللغويون والمفسرون، فقد جاء في مشكاة الأنوار لابن نجيم وقد غلب في عرف الفقهاء على تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى الشرع والعقل.

      الحجر على السفيه والولاية عليه
      السفيه يحجز عليه حفظاً لماله من الضياع فإذا بلغ الصغير سفيها ثبتت الولاية عليه في ماله لمن كانت له الولاية عليه لصغره وإن بلغ رشيداً ثم طرأ عليه السفه حجر عليه القاضي وثبتت الولاية عليه لمن ينصبه القاضي وليا عليه.

      زواج السفيه وإذن الولي فيه
      هل يملك السفيه الولاية على تزويج نفسه أم لا يملك ذلك إلا بإذن وليه؟ إن الراجح من أقوال الفقهاء هو أنه يصح زواج السفيه بإذن الولي بمهر المثل إن عينه له ولم يجحف بمال السفيه أي استأصله، وكذلك إذا أذن له بالزواج ولم يعين له مهراً، فيزوج بمهر المثل ووجد أن هذا المهر يستأصل ماله أو معظمه ففي الحالتين النكاح صحيح ويجب المهر المسمى.

      وإن تزوج السفيه بدون إذن الولي فزواجه صحيح لحاجته إلى الزواج لقضاء الشهوة بقرينة رجولته وغريزته الجنسية أو لحاجته إلى خدمة زوجية لأنه يحتاج إلى خدمة من يباح له النظر إلى عورته في حال صحته ومرضه وليس غير الزوجة يباح لها ذلك.

      وإن من المرغوب فيه دائما هو حصول السفيه على إذن الولي بالزواج وأن يتشاور معه فيمن يتزوجها وفي مقدار المهر الذي تتحمله أمواله حتى يقدم على الزواج على بينة من الأمر ودون إضرار به أو بمن يتزوجها.
      منقول