نوافـذ .. عشوائية - omandaily

    • نوافـذ .. عشوائية - omandaily

      هدى حمـد -
      عندما أشاهد اكتظاظ السيارات أمام الأماكن التي يتوزع عليها مهرجان مسقط، أشعر كم أنّ الناس في عُمان وخصوصا القاطنين بعيدا عن مركز العاصمة بحاجة إلى بعض من الوقت الممتع بصحبة العائلة.
      ففي السنوات الأولى لانطلاق المهرجان عام 1998م، كنا نشعر بأننا على موعد مع شيء مختلف ومبهر في كل عام، ولا أدري هل تغير ذوقنا أم تغير المهرجان علينا!
      يُكابد البعض حساسية مُفرطة من المقارنة مع دول الجوار، ولكن ينبغي أن نُقارن بالفعل مع الدول الناجحة في إدارة مهرجاناتها، لدرجة أنك تذهب إليها فلا تجد فندقا لتبات فيه ما لم تكن قد حجزت سلفا. فهنالك محاولات ناجحة لإنعاش البلاد على كافة الأصعدة. انتعاش شرائي، انتعاش في رحلات الطيران، انتعاش في حجوزات الفنادق، بالرغم من أنّ عُمان تملك ربما ما لا يملكه الآخر من الأصالة والثقافة والتاريخ والجغرافيا، ولكن ما نفعها جميعا عندما تغيب الاستراتيجية!
      والسؤال: هل علينا أن نستذكر قوة التاريخ والتراث أم علينا أن نفكر بطرق تجعلنا في أول الركب.. أظن أنّ المقارنة ينبغي أن تعقد هنا لا في مكان آخر!
      لنتفق أنّ الحفلة الراقصة كانت خطأ أثار الكثير من الغضب على المهرجان وعلى إدارته. وهو بالفعل خطأ ما كان ينبغي أن يحدث وقد تمّ الاعتذار عنه. لكن المشكلة ليست هنا. فالمواطن ما كان ليُضخم قصة العرض الراقص في حد ذاتها إلا لأنّه أراد أن يصب جام غضبه على المهرجان الذي بات يخذل توقعاته.
      في هذا التوقيت من العام الذي يتصادف مع إجازة نصف السنة للطلاب ومع الطقس الجميل، من المفترض أن تنتعش الحياة في عُمان، وأن تجد الناس الكثير من الخدمات والعروض وأن تتجدد دماء الأفكار لتواكب التطلعات. ولكن ما نراه أن الجهات الحكومية ذاهبة هي الأخرى للتقلص من الوجود على أرض المهرجان!
      في حديقة العامرات تحديدا نشعر بالعشوائية، بغياب النظرة الجمالية، بالرغم من أنّ مساحتها جيدة وكان يمكن تهيئتها لعمل أشياء كثيرة.
      لقد تمّ إعدام القرية التراثية منذ انتقالها من حديقة القرم إلى حديقة العامرات. فقد فقدت طعمها ورونقها، وإن كان الناس فيها يُحاولون إضفاء دفق من المصداقية فيما يصنعون ويقدمون، إلا أنّ المكان غير مُهيأ.* فلا يُعقل أن تكون الأرضية عبارة عن أسمنت تمّ وضعه كما اتفق. فهذه ليست السنة الأولى في حديقة العامرات لنغفر أوجه القصور في الترتيب والتنظيم!
      لاحظتُ فكرة جميلة لشاب يلتقط الصور للزوار، ولكنه للأسف في مكان غير مناسب، بل لا يُرى، فلماذا لا تطور الفكرة كما نرى في دول آخرى، فيحظى الضيف العماني وغير العماني بصور تذكارية في أي ركن يُفضله ويُعبّر عن عراقة البلد. كما لاحظتُ في مقهى العريش حماس مجموعة من الشباب لتقديم الأكلات العمانية، وهي خطوة رائعة ولكن تحتاج للمزيد من الدعم.
      السؤال الأهم: لماذا لا تفكر إدارة المهرجان إلى جوار ترسيخ الماضي أن تُعطي المستقبل فرصة حقيقية عبر الشباب المبدعين في الأدب والثقافة والفن والمبتكرين الذين نعوّل عليهم المستقبل الأجمل. كم نحن في أمس الحاجة لتفشي هذه العدوى الإيجابية بين شبابنا، بدلا من انشغالهم* بتناقل الإشاعات، وتضخيم الصغائر. لماذا لا يقف هؤلاء الشباب ليتحدثوا عن ابتكاراتهم وأفكارهم التي تحولت إلى واقع. لماذا لا نسلّط ضوء الإعلام عليهم.. لماذا لا يأتي أصحاب الجيوب الممتلئة لتبني أفكارهم لتصعد البلاد سلم مجدها.
      بصراحة إلى زمن طويل جدا تمّ إغراق الإنسان العماني في الماضي والتراث، لدرجة أنّ مناهجنا وإعلامنا وفعالياتنا لا تكل ولا تمل من تكريس هذه الصورة عنا.
      آن الأوان لكي نُقدم الإنسان العماني في صورة يظهر فيها أنه ابن عصره. يبتكر ويكتشف ويكتب ويأخذ جوائز مهمة على مستوى العالم. ويمكن أن يكون المهرجان منبرا مهما لهؤلاء الشباب. وبالتالي يجد شاب اليوم شيئا يعنيه ويهمه في هذا المهرجان، بل ربما يُقدم له دعوة خفية لأن يعتني بما لديه من إمكانيات، لأن لها أرضية صالحة تنمو عليها منذ الآن.