سماوات – «رونق البادية»..فارسة المرادّات.. - omandaily

    • سماوات – «رونق البادية»..فارسة المرادّات.. - omandaily

      مسعود الحمداني -
      تناولتُ الثلاثاء الماضي في هذه الصفحة ظاهرة (المرادّات) أو (المشاكيات) في منتصف ونهاية الثمانينيات من القرن الماضي والتي كانت هذه الصفحة ساحة لها، ولشعرائها، وأثمرت ازدهارا شعريا ثريا في تلك الفترة، غير أنها اتخذت منحىً آخر في بعض الأوقات، شكّلت تعدّيا على الأشخاص، وابتعد بعض الشعراء عن القضايا المطروحة، وأدب الحوار أحيانا، ودخل بعضهم في أمور قبلية، وعرقية، ومناطقية، مما اضطر محرر الصفحة آنذاك المرحوم الشاعر ربيع العلوي إلى وقف نشر المرادّات التي تخرج عن الإطارالأدبي* العام.
      ولعل أشهر المرادّات كان بطلها شخصية تسمّي نفسها (رونق البادية) امتاز شعرها بالجزالة، والغزارة، وقوة السبك، ومتانة المعنى، والإلمام بتفاصيل دقيقة عن بعض الشعراء، وهو ما أتاح لها مساحة كبيرة للمناورة، والتحرك، والرد المناسب والحاسم، حيث كان الآخرون يجهلون كل شيء عنها ، ولا يعرفون إن كانت هذه الشخصية رجلا أم امرأة!!..وشكّلت هذه الشخصية محورا للمرادات بين الشعراء، ومحاولات محمومة للوصول إلى أي خيط يقودهم إلى معرفة خباياها، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
      وكانت هذه الشخصية ترد على كثير من الشعراء، ولم يستطع كثير منهم مجاراتها، نظرا لمواصفات شعرها، ورصانة معانيها، وجهلهم بشخصيتها الحقيقية، وكان ممن دخل في معارك شعرية معها في تلك الفترة الشاعر محمد بن علي بهوان، ومحفوظ الفارسي، وسعيد بن مسلم بن عامر جيد، وسعيد الشعشعي، وعلي السناني، وربيع العلوي، وغيرهم الكثير، وكانت تنتقل للنشر في جرائد أخرى إذا مُنعت قصيدتها من النشر في عمان..(وسنحاول في وقت لاحق نشر بعض المرادات الشعرية بين (رونق البادية) وشعراء آخرين للتعرّف عن كثب على نمط المشاكيات في تلك المرحلة).
      وشكّلت الأسماء المستعارة والوهمية حيّزا كبيرا من المرادّات، وكان بعض الشعراء يتحفون تحت أسماء نسائية كي يطرحوا قضية معينة، أو يشاركوا في الرد على شاعر آخر، وكان بعض الشعراء يسعون من وراء الكتابة بألقاب أنثوية لتشجيع العنصر النسائي للمشاركة في الحراك الشعري آنذاك حيث كان تقبّل المجتمع للشاعرات محدودا وحذرا وغير مشجع (وهذه قضية سنتناولها في عمود آخر)، ولعل وضع ضوابط جديدة للنشر بأسماء مستعارة فيما بعد كانت سببا في الحد من انتشار هذه الظاهرة.
      عموما كانت صفحة الشعر والساحة الشعبية بشكل عام في ذلك الوقت أكثر حراكا، ونشاطا، وحيوية، رغم صعوبة التواصل، وقلة أدوات المعرفة والاتصالات، ومحدودية الانتشار، إضافة إلى عوائق أخرى، إلا أن المرادات شكّلت عنصرا اجتماعيا شعريا هاما جمع الشعراء دون أن يلتقوا وجها لوجه، ودون سابق معرفة، إلا أن الشعر كان هو المحرك الأساسي لهم، وكان الشعراء يكتبون قصائدهم ليس طمعا في شهرة، أو وصولا إلى غاية، ولكنهم كانوا مخلصين حد التعظيم للشعر..والشعر وحده.
      زمنٌ ذهب بكل ما فيه، وجاء زمنٌ آخر، لا يكاد يخرج فيه الشاعر من (بيضته) حتى يكيل السباب للإعلام، وللعالم، لإنهما تجاهلا موهبته!!..ويجري شعراء* آخرون وراء أوهام الشهرة ولو دفعوا مقابل ذلك (ماء وجوههم وأراقوا في سبيلها ماء وجه القصيدة).
      ولله في خلقه شؤون