التسامح والمروءة سمتان إيجابيتان مع التمسك بالخصوصية وعدم الذوبان | جريدة عمانالخميس, 11 جمادى الأول 1435هـ. 13 مارس 2014م
الرئيس التنفيذي
د. إبراهيم بن أحمد الكندي
رئيس التحرير
سيف بن سعود المحروقي
الأغبري: الأمة بحاجة إلى نماذج تؤمن بالعيش المشترك وتنبذ العنف والتطرف -
المؤرخون أجمعوا على حسن سيرة طالب الحق أيام الأمويين -
عرض- سيف الخروصي -
اصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية (مكتب الإفتاء) كتاب (الإباضية بين حراسة الدين وسياسة الدنيا) لمؤلفه الدكتور اسماعيل بن صالح الأغبري تناول فيه 22عنوانا 288 صفحة من القطع المتوسطة.
تحدث فيه عن الأمة الإسلامية بين مفترق الطرق ولماذا الحديث عن المذهب الإباضي والإباضية والانتخاب الحر النزيه (الديمقراطية) ومسمى الإباضية والإمام جابر بن زيد وابوعبيدة مسلم بن ابي كريمة التميمي وكيفية اختيار أبي عبيدة طلبة العلم والآراء العقدية للمدرسة الإباضية والتواصل الثقافي الفقهي والفقه المقارن في المدرسة الإباضية والعيش المشترك والدولة الرستمية والعيش المشترك في عمان ووجوب المعاملة بالتي هي أحسن وعلماء الأمة وجهود التقريب وعلماء الإباضية وجهود التقريب بين المسلمين ونظرية المعرفة والتعارف ثم الاعتراف وائمة وسلاطين الإباضية في ميادين الوساطة ومؤسسة الإفتاء في عمان حفاظا على الهوية ومرونة مع الآخر والتسمي بالإسلام دون الانتماء المذهبي والمجامع الاسلامية والآمال المعقودة عليها ثم فهرسة المصادر والمراجع .
وقد قدم الأغبري لمؤلفه مقدمة نقطف من زهورها قوله: إن الله امر بالوحدة ونهى عن الفرقة وحث على الاجتماع وحذر من النزاع وأوجب الوفاق ونهى عن الشقاق وأن سيدنا محمد جامع ما تشتت وألف بين القلوب فتراصت صفوفا بعد فرقة واجتمعت أقوام بعد تنازع فكانوا لمحمد انصارا وإني كنت بين إقدام وإحجام وأخذ ورد في إذاعة هذه الصفحات من أضواء خالدة لقوم أثبت الدهر وحوادث اليوم مما يسمى بالربيع صدق لهجتهم وصواب موقفهم وسلامة موردهم وصفاء منابعهم وعذوبة مشاربهم ففي العقيدة تنزيه لله تعالى لا تشبيه ولا تجسيم إيمانهم اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان وفي العبادة لله تعالى تراهم خشعا ولربهم سجدا فأكرم بهم من كمثلهم؟ وفي السياسة تداول للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة لمن يلي أمر المسلمين لا حاكم بالتعيين والنص ولا خليفة بالوصاية ولا رئاسة بالجبر ولا حكم بالقهر لا فضل لقوم على آخرين ولا اشتراط لقبيلة في السلطة ولوكانت القبيلة قريشا او بني هاشم فبنو باهلة وبنو هاشم سواء بسواء تجمعهم التقوى وتفرقهم المعصية .
العرب والأمازيغ (البربر) والأكراد والأتراك والفرس أمة واحدة انقاهم اتقاهم يلي منهم أمر المسلمين أكثرهم صلتهم بخالقهم الملك والإمامة والخلافة ورئاسة الدولة وإمارة المؤمنين لمن اختارته مجالس أهل الحل والعقد لأهليته الدينية وخبرته الإدارية لا لشرط القرشية اوالعلوية فإن سلك المحجة صار على المسلمين حجة لزمت طاعته ووجبت نصرته وحرمت معاداته وإن حاد عن المنهج فاستباح حرم الاسلام وانتهك قيم الدين واستبد بالأمر وضيق منافذ الاسلام وسهل سبل الانحلال لم تلزم الطاعة ولا تجب النصرة لأن الخلافة والرئاسة تقتضي حراسة الدين وسياسة الدنيا ولكن لزم النصح والارشاد والتبيين والتوضيح من خلال المنابر المتاحة .
وقال: إن التسامح والمروءة سمتان ايجابيتان لكن بشرط عدم الذوبان والتمسك بالخصوصية والحفاظ على الهوية فقد كان ائمة الإباضية وعلى رأسهم الوارث بن كعب الخروصي وعبدالملك بن حميد ثم الصلت بن مالك الخروصي ثم ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف وسيف بن سلطان* ثم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي كانوا أكثر تسامحا مع المخالف قاتلوا من أجل تخليص المسلمين الحنفية في الهند والسند وخلصوا مسلمي افريقيا الشرقية الشافعية من نير الاحتلال الا انهم استمسكوا بمذهبهم وحافظوا على هويتهم مع عدم إكراه مخالف على فكر ومذهب إن هذه الصفحات أصلها مقالات مسلسلة بلغت ثلاثين مقالا* تم نشرها وحيث اني تلقيت رسائل واتصالات لا حصر لها تطلب صياغتها في كتاب فوجدت أناسا قد أخرجوها في مطويات يتداولونها وما كنت أظنها أن تبلغ ما بلغت إذ عثرت عليها بين ايدي طلبة العلم مصفوفة ثم تلقيت طلبا بل تلقيت أمرا بضرورة إخراجها على شكل كتاب وحيث ان طلبه لا يرد والاستجابة لأمره امر لازم عزمت أن انشرها عاجلا مع صياغة جديدة وإضافات عديدة تخالف صياغتها الصحفية والإعلامية مع عزمي أن أتدارك ما عليها من خلل معروف لدي في طبعات لا حقة وإنما كانت الظروف داعية للإسراع بإخراجها رغبة في بيان مزايا المحكمة ومن سار على منهاجهم من خلفائهم الإباضية.
وأوضح أن كل عمل بشري يعتريه الخلل والنقص ولكن مع وجود الشيء مع خلله خير من عدمه.
ولإن كان الامام جابر بن زيد يكتب الشيء اليوم ثم يرى غدا غيره خيرا منه فكيف بمثلي .
إن الأمة بحاجة الى نماذج تؤمن بالعيش المشترك وتنبذ العنف وترفض التطرف فالتطرف والتزمت نباتات كريهة تأباها التربية الاسلامية لذلك لزم تذكير شباب الأمة بذلك.
إنه لزم على خلف الإباضية أن يبذلوا الجهد ويستفرغوا الوسع في بيان ما هم عليه من تراث يسر الناظرين فهم البديل لو أحسنوا التعامل مع ما يجري في العالم الإسلامي حاليا .
إن المنهج الذي يتبعه أئمة وسلاطين وفقهاء عمان قديما وحديثا من حيث المرونة والتسامح هو المنهج الاسلامي الأصيل.
إن عمان بقيادتها وعلمائها مؤهلون بالقيام بالوساطات النزيهة ولذلك كل وساطة عمانية غالبا ما يكتب لها النجاح فالعمانيون لا يتصيدون في الماء العكر إن العمانيين كافة مدعوون للتكاتف والترابط أكثر فأكثر فكم من متربص بعمان لا يسره حال أمنها واستقرارها وكم من متربص يموت غيظا وهو يرى بلادنا آمنة مطمئنة متجانسة إن كان من عتب وملاحظات فيمكن ايصالها عن طريق مجلس الشورى والدولة او عن طريق المخاطبات لصناع القرار ولا ينبغي لنا تقليد الآخرين في تجمهر الشارع فكم من مغرض يتمنى إشرارة من ذلك .
ومن العناوين التي جاءت في هذا الكتاب (العيش المشترك في اليمن) يقول الأغبري (إن التعايش المشترك بين الإباضية وغيرهم على مر العصور سمة بارزة حتى قال أبو حمزة الشاري (تـ129هـ) (الناس منا ونحن منهم إلا مشركا بالله عابد وثن أو كافرا من أهل الكتاب) مع ملاحظة ان أبا حمزة قرر هذا المبدأ وجهر به وهو في حالة حرب أيام قيامه بأمر الأمة كجندي من جنود طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي الحضرمي إذ سار الكندي (130هـ) في الناس سيرة حسنة فحمده الناس واثنوا عليه.
لقد سجل هذا البعد الحضاري من فن التعامل الاسلامي عدد من المؤرخين كابن فرج الأصفهاني في كتاب الأغاني استبشر أهل اليمن عامة بمقدم طالب الحق عبدالله بن يحيى وجنده وزهدوا في ولاة بني أمية فإذا بهم يلتفون حوله بمختلف مذاهبهم مما سهل عليه التغلب على العامل الأموي ابراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي ومع نشوة الغلبة المنتصرين في الحرب فآمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم حتى لقب بطالب الحق اعترافا بحسن سيرته وعند ماتمكن من ابراهيم بن جبلة لم يتجاوز حدود الإسلام في معاملته ولم ينتقم منه لسوء سيرته بل حبسه يوما ثم أمر بإطلاق سراحه أراد من حبسه حمايته من ثورة العامة عليه فهو حبس للحفاظ عليه ثم أذن له بالتوجه الى صنعاء حسب اختياره ويرى الدكتور فرحات الجعبيري أن أحوال اليمن انقلبت من الحالة التي وصفها طالب الحق أيام الأمويين من أنه رأى جورا ظاهرا وعسفا شديدا وسيرة في الناس قبيحة الى حالة من الرضا التام والتسليم المطلق من العامة لطالب الحق فالمؤرخون أجمعوا على حسن سيرته حتى كثر جمعه .
ومما قاله في تعامل طالب الحق مع أهل صنعاء: لم يكد طالب الحق يؤمن بالاستقرار والأمن في حضرموت ويلتفت الناس من حوله حتى تطلع الى تخليص أهل صنعاء مما يجدونه من العنت من الوالي الأموي القاسم بن عمر فاستعد القاسم لملاقاة طالب الحق فاستخلف على صنعاء الضحاك بن الزمن وكان ذلك عام 129هـ لكن طالب الحق استطاع على القاسم وجنده ولما أراد أحد قواد طالب الحق وهو إبرهة بن الصباح اتباع المنهزمين نهاه طالب الحق عن ذلك لأن اتباع المدبر لا يصح عند طالب الحق وهنا مرة أخرى تتجلى المعاملة الاسلامية في الحرب.
دخل طالب الحق صنعاء فوقع في يده الضحاك بن زمل وابراهيم بن جبلة الذي سبق أن وقع في يده في حضرموت فما كان منه إلا حبسهما ثم قال لهما حبستكما خوفا عليكما من العامة وليس عليكما مكروه فأقيما إن شئتما أو أشخصا فاختارا الخروج طوعا دون أدنى أذى ثم جمع الأمول من خزائن الولاة ثم وزعها على الناس ولم يأذن لأصحابه في شيء منها .
قال الإمام نور الدين السالمي
وطالب الحق بصنعاء حكما
بجعله في أهلها واحتشما
لم يأخذن عند مضيق يومه
شيئا لنفسه ولا لقومه
تعففا منهم ومن كمثلهم
أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
كانوا يموتون على ما أبصروا
من الهدى ما بدلوا ما غيروا
ويؤكد الدكتور فرحات الجعبيري إن طالب الحق اتخذ اجراءات ثلاثة تحفظ الحقوق وهي الإجراء العسكري (لا سبيل للإجهاز على المدبرين وملاحقة الفارين) والإجراء السياسي (أحسن التصرف مع عمال بني أمية ابراهيم بن جبلة والضحاك بن زمل فلم يتعرض لهما بسوء بل أبعدهما عن العامة خوفا عليهما) والإجراء المالي (كانت خزائن الولاة مملوءة بالأموال التي أخذت من العامة فأحصاها طالب الحق ووزعها على فقراء صنعاء ولم يسمح لأحد من الإباضية بأخذ شيء منها) والإجراء الاجتماعي (خطب طالب الحق بعد صيرورة الأمر إليه في اليمن خطبة أبان فيها منهجه وطمأن أهل اليمن خاصة غير الإباضية بأنه لا خوف على أحد ولا تمييز في المعاملة وإنه ما جاء رغبة في السيادة ولكن رفعا للظلم وإن العدل يسع الجميع) ومع ذلك خير الناس بإحدى ثلاث: أولها: من اقتنع بفكره ورغب في الإنضواء تحت لوائه له ما لطالب الحق وعليه ما على طالب الحق وأنصاره.
وثانيا: من لزم داره ولا يقوى على الخروج مع طالب الحق أو لا يرغب فله ذلك وله أيضا الأمان.
وثالثا: من كره ولم يرغب في البقاء تحت حكمه ورغب الخروج ليس عليه من بأس وهو آمن على نفسه وأهله وأمواله حتى يخرج.
فطالب الحق لم يتعرض البتة لمن خالفه في المذهب من أهل اليمن لذلك أحبه أهلها.
مارس 13, 2014
الرئيس التنفيذي
د. إبراهيم بن أحمد الكندي
رئيس التحرير
سيف بن سعود المحروقي
الأغبري: الأمة بحاجة إلى نماذج تؤمن بالعيش المشترك وتنبذ العنف والتطرف -
المؤرخون أجمعوا على حسن سيرة طالب الحق أيام الأمويين -
عرض- سيف الخروصي -
اصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية (مكتب الإفتاء) كتاب (الإباضية بين حراسة الدين وسياسة الدنيا) لمؤلفه الدكتور اسماعيل بن صالح الأغبري تناول فيه 22عنوانا 288 صفحة من القطع المتوسطة.
تحدث فيه عن الأمة الإسلامية بين مفترق الطرق ولماذا الحديث عن المذهب الإباضي والإباضية والانتخاب الحر النزيه (الديمقراطية) ومسمى الإباضية والإمام جابر بن زيد وابوعبيدة مسلم بن ابي كريمة التميمي وكيفية اختيار أبي عبيدة طلبة العلم والآراء العقدية للمدرسة الإباضية والتواصل الثقافي الفقهي والفقه المقارن في المدرسة الإباضية والعيش المشترك والدولة الرستمية والعيش المشترك في عمان ووجوب المعاملة بالتي هي أحسن وعلماء الأمة وجهود التقريب وعلماء الإباضية وجهود التقريب بين المسلمين ونظرية المعرفة والتعارف ثم الاعتراف وائمة وسلاطين الإباضية في ميادين الوساطة ومؤسسة الإفتاء في عمان حفاظا على الهوية ومرونة مع الآخر والتسمي بالإسلام دون الانتماء المذهبي والمجامع الاسلامية والآمال المعقودة عليها ثم فهرسة المصادر والمراجع .
وقد قدم الأغبري لمؤلفه مقدمة نقطف من زهورها قوله: إن الله امر بالوحدة ونهى عن الفرقة وحث على الاجتماع وحذر من النزاع وأوجب الوفاق ونهى عن الشقاق وأن سيدنا محمد جامع ما تشتت وألف بين القلوب فتراصت صفوفا بعد فرقة واجتمعت أقوام بعد تنازع فكانوا لمحمد انصارا وإني كنت بين إقدام وإحجام وأخذ ورد في إذاعة هذه الصفحات من أضواء خالدة لقوم أثبت الدهر وحوادث اليوم مما يسمى بالربيع صدق لهجتهم وصواب موقفهم وسلامة موردهم وصفاء منابعهم وعذوبة مشاربهم ففي العقيدة تنزيه لله تعالى لا تشبيه ولا تجسيم إيمانهم اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان وفي العبادة لله تعالى تراهم خشعا ولربهم سجدا فأكرم بهم من كمثلهم؟ وفي السياسة تداول للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة لمن يلي أمر المسلمين لا حاكم بالتعيين والنص ولا خليفة بالوصاية ولا رئاسة بالجبر ولا حكم بالقهر لا فضل لقوم على آخرين ولا اشتراط لقبيلة في السلطة ولوكانت القبيلة قريشا او بني هاشم فبنو باهلة وبنو هاشم سواء بسواء تجمعهم التقوى وتفرقهم المعصية .
العرب والأمازيغ (البربر) والأكراد والأتراك والفرس أمة واحدة انقاهم اتقاهم يلي منهم أمر المسلمين أكثرهم صلتهم بخالقهم الملك والإمامة والخلافة ورئاسة الدولة وإمارة المؤمنين لمن اختارته مجالس أهل الحل والعقد لأهليته الدينية وخبرته الإدارية لا لشرط القرشية اوالعلوية فإن سلك المحجة صار على المسلمين حجة لزمت طاعته ووجبت نصرته وحرمت معاداته وإن حاد عن المنهج فاستباح حرم الاسلام وانتهك قيم الدين واستبد بالأمر وضيق منافذ الاسلام وسهل سبل الانحلال لم تلزم الطاعة ولا تجب النصرة لأن الخلافة والرئاسة تقتضي حراسة الدين وسياسة الدنيا ولكن لزم النصح والارشاد والتبيين والتوضيح من خلال المنابر المتاحة .
وقال: إن التسامح والمروءة سمتان ايجابيتان لكن بشرط عدم الذوبان والتمسك بالخصوصية والحفاظ على الهوية فقد كان ائمة الإباضية وعلى رأسهم الوارث بن كعب الخروصي وعبدالملك بن حميد ثم الصلت بن مالك الخروصي ثم ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف وسيف بن سلطان* ثم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي كانوا أكثر تسامحا مع المخالف قاتلوا من أجل تخليص المسلمين الحنفية في الهند والسند وخلصوا مسلمي افريقيا الشرقية الشافعية من نير الاحتلال الا انهم استمسكوا بمذهبهم وحافظوا على هويتهم مع عدم إكراه مخالف على فكر ومذهب إن هذه الصفحات أصلها مقالات مسلسلة بلغت ثلاثين مقالا* تم نشرها وحيث اني تلقيت رسائل واتصالات لا حصر لها تطلب صياغتها في كتاب فوجدت أناسا قد أخرجوها في مطويات يتداولونها وما كنت أظنها أن تبلغ ما بلغت إذ عثرت عليها بين ايدي طلبة العلم مصفوفة ثم تلقيت طلبا بل تلقيت أمرا بضرورة إخراجها على شكل كتاب وحيث ان طلبه لا يرد والاستجابة لأمره امر لازم عزمت أن انشرها عاجلا مع صياغة جديدة وإضافات عديدة تخالف صياغتها الصحفية والإعلامية مع عزمي أن أتدارك ما عليها من خلل معروف لدي في طبعات لا حقة وإنما كانت الظروف داعية للإسراع بإخراجها رغبة في بيان مزايا المحكمة ومن سار على منهاجهم من خلفائهم الإباضية.
وأوضح أن كل عمل بشري يعتريه الخلل والنقص ولكن مع وجود الشيء مع خلله خير من عدمه.
ولإن كان الامام جابر بن زيد يكتب الشيء اليوم ثم يرى غدا غيره خيرا منه فكيف بمثلي .
إن الأمة بحاجة الى نماذج تؤمن بالعيش المشترك وتنبذ العنف وترفض التطرف فالتطرف والتزمت نباتات كريهة تأباها التربية الاسلامية لذلك لزم تذكير شباب الأمة بذلك.
إنه لزم على خلف الإباضية أن يبذلوا الجهد ويستفرغوا الوسع في بيان ما هم عليه من تراث يسر الناظرين فهم البديل لو أحسنوا التعامل مع ما يجري في العالم الإسلامي حاليا .
إن المنهج الذي يتبعه أئمة وسلاطين وفقهاء عمان قديما وحديثا من حيث المرونة والتسامح هو المنهج الاسلامي الأصيل.
إن عمان بقيادتها وعلمائها مؤهلون بالقيام بالوساطات النزيهة ولذلك كل وساطة عمانية غالبا ما يكتب لها النجاح فالعمانيون لا يتصيدون في الماء العكر إن العمانيين كافة مدعوون للتكاتف والترابط أكثر فأكثر فكم من متربص بعمان لا يسره حال أمنها واستقرارها وكم من متربص يموت غيظا وهو يرى بلادنا آمنة مطمئنة متجانسة إن كان من عتب وملاحظات فيمكن ايصالها عن طريق مجلس الشورى والدولة او عن طريق المخاطبات لصناع القرار ولا ينبغي لنا تقليد الآخرين في تجمهر الشارع فكم من مغرض يتمنى إشرارة من ذلك .
ومن العناوين التي جاءت في هذا الكتاب (العيش المشترك في اليمن) يقول الأغبري (إن التعايش المشترك بين الإباضية وغيرهم على مر العصور سمة بارزة حتى قال أبو حمزة الشاري (تـ129هـ) (الناس منا ونحن منهم إلا مشركا بالله عابد وثن أو كافرا من أهل الكتاب) مع ملاحظة ان أبا حمزة قرر هذا المبدأ وجهر به وهو في حالة حرب أيام قيامه بأمر الأمة كجندي من جنود طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي الحضرمي إذ سار الكندي (130هـ) في الناس سيرة حسنة فحمده الناس واثنوا عليه.
لقد سجل هذا البعد الحضاري من فن التعامل الاسلامي عدد من المؤرخين كابن فرج الأصفهاني في كتاب الأغاني استبشر أهل اليمن عامة بمقدم طالب الحق عبدالله بن يحيى وجنده وزهدوا في ولاة بني أمية فإذا بهم يلتفون حوله بمختلف مذاهبهم مما سهل عليه التغلب على العامل الأموي ابراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي ومع نشوة الغلبة المنتصرين في الحرب فآمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم حتى لقب بطالب الحق اعترافا بحسن سيرته وعند ماتمكن من ابراهيم بن جبلة لم يتجاوز حدود الإسلام في معاملته ولم ينتقم منه لسوء سيرته بل حبسه يوما ثم أمر بإطلاق سراحه أراد من حبسه حمايته من ثورة العامة عليه فهو حبس للحفاظ عليه ثم أذن له بالتوجه الى صنعاء حسب اختياره ويرى الدكتور فرحات الجعبيري أن أحوال اليمن انقلبت من الحالة التي وصفها طالب الحق أيام الأمويين من أنه رأى جورا ظاهرا وعسفا شديدا وسيرة في الناس قبيحة الى حالة من الرضا التام والتسليم المطلق من العامة لطالب الحق فالمؤرخون أجمعوا على حسن سيرته حتى كثر جمعه .
ومما قاله في تعامل طالب الحق مع أهل صنعاء: لم يكد طالب الحق يؤمن بالاستقرار والأمن في حضرموت ويلتفت الناس من حوله حتى تطلع الى تخليص أهل صنعاء مما يجدونه من العنت من الوالي الأموي القاسم بن عمر فاستعد القاسم لملاقاة طالب الحق فاستخلف على صنعاء الضحاك بن الزمن وكان ذلك عام 129هـ لكن طالب الحق استطاع على القاسم وجنده ولما أراد أحد قواد طالب الحق وهو إبرهة بن الصباح اتباع المنهزمين نهاه طالب الحق عن ذلك لأن اتباع المدبر لا يصح عند طالب الحق وهنا مرة أخرى تتجلى المعاملة الاسلامية في الحرب.
دخل طالب الحق صنعاء فوقع في يده الضحاك بن زمل وابراهيم بن جبلة الذي سبق أن وقع في يده في حضرموت فما كان منه إلا حبسهما ثم قال لهما حبستكما خوفا عليكما من العامة وليس عليكما مكروه فأقيما إن شئتما أو أشخصا فاختارا الخروج طوعا دون أدنى أذى ثم جمع الأمول من خزائن الولاة ثم وزعها على الناس ولم يأذن لأصحابه في شيء منها .
قال الإمام نور الدين السالمي
وطالب الحق بصنعاء حكما
بجعله في أهلها واحتشما
لم يأخذن عند مضيق يومه
شيئا لنفسه ولا لقومه
تعففا منهم ومن كمثلهم
أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
كانوا يموتون على ما أبصروا
من الهدى ما بدلوا ما غيروا
ويؤكد الدكتور فرحات الجعبيري إن طالب الحق اتخذ اجراءات ثلاثة تحفظ الحقوق وهي الإجراء العسكري (لا سبيل للإجهاز على المدبرين وملاحقة الفارين) والإجراء السياسي (أحسن التصرف مع عمال بني أمية ابراهيم بن جبلة والضحاك بن زمل فلم يتعرض لهما بسوء بل أبعدهما عن العامة خوفا عليهما) والإجراء المالي (كانت خزائن الولاة مملوءة بالأموال التي أخذت من العامة فأحصاها طالب الحق ووزعها على فقراء صنعاء ولم يسمح لأحد من الإباضية بأخذ شيء منها) والإجراء الاجتماعي (خطب طالب الحق بعد صيرورة الأمر إليه في اليمن خطبة أبان فيها منهجه وطمأن أهل اليمن خاصة غير الإباضية بأنه لا خوف على أحد ولا تمييز في المعاملة وإنه ما جاء رغبة في السيادة ولكن رفعا للظلم وإن العدل يسع الجميع) ومع ذلك خير الناس بإحدى ثلاث: أولها: من اقتنع بفكره ورغب في الإنضواء تحت لوائه له ما لطالب الحق وعليه ما على طالب الحق وأنصاره.
وثانيا: من لزم داره ولا يقوى على الخروج مع طالب الحق أو لا يرغب فله ذلك وله أيضا الأمان.
وثالثا: من كره ولم يرغب في البقاء تحت حكمه ورغب الخروج ليس عليه من بأس وهو آمن على نفسه وأهله وأمواله حتى يخرج.
فطالب الحق لم يتعرض البتة لمن خالفه في المذهب من أهل اليمن لذلك أحبه أهلها.
مارس 13, 2014