احزان قديمه

    • احزان قديمه

      []وقفت على عروض كلامه .. استويت في مقعدي .. أطرقت برأسي يتمتم الطبيب ...
      إنك يا سيدي مصاب بالسرطان في الكلية ...
      تشعب الصدع عن الرؤية .. ! ضعفت قواعد الراحة بقلبي وانحلت عُرى الطمأنينة .. ما جال بخاطري سوى السيدة العجوز التي لا أمل لها بعد الله غيري ... إنها أمي ! كيف أنقل لها ثنائية هذا الحوار ... الذي قاومته .. رفضته .. إنه قضاء الله .. رغم أني طبيب في مدينة ( الباحة ) ..
      تمدني شمسها بالدفء وأشرب من وضوح الغيم فوق طبيعتها الساحرة .. رغم اعتياديتي لمسميات الأمراض واختلاف الأدوية كان لي جواب لا يقطع .. وشأو لا يلحظ .. إلا أنني وقفت عاجزاً تقتسمني الهموم ويتوزعني الفكر .. أقلب ذاك الحديث وأجماً حزيناً لا تسعفني ذاكرة الطبيب ما يفعل المريض حين يداهمه مرض مباغت .. ثم ... فاضت دموعي .. خرجت أدور في الشوارع .. انتصف الخطى إلى منزلي .. !! التبسني الذعر وتملكني الوجل والمهابة .. تارة اتضرع في طريقي متباطئاً في سيري وتارة أحث الخطى .. ودخلت على أمي .. بعد أن اتكلت على الله وأعطاني ذلك أن أكون رابط الجأش مطمئن القلب .. جرئ الصدر .. صادق العزيمة ..! اخبرتها ما دار بيني وبين الطبيب وعن ذاك الداء القاتل الذي بدت معالمه .. واستشرى في جسدي ودلت عليه الدلائل الواضحة ..!
      فاضت دموعها ... والدمع فيضة الملآن وبثة المكظوم .. ! بعد رداء العافية ما تحركت خواطري .. ولا هجس ضميري أن يتبدل حالي ... !! تقلبت ليلتي .. لعل الراحة تزورني .. أو يستقر بعين الهدوء ... وما استطعت .. ومع تباشير الصباح .. ومدّ النهار إلينا اسفاره خرجت من المنزل بقلب انتصف من المرض وتوجهت إلى المستشفى لأباشر عملي .. وأخفف آلام المرض .. وبعد أن فرغت من عملي تقدمت إلى إدارة المستشفى بإجازة .. وكتمت في داخلي .. آهات حارقة .. قد لا أعود .. ولا تنتهي الإجازة أبداً .. حين يضمني قبري .. وتحتويني ظلمته !!
      سرعان ما تعوذت من الشيطان الرجيم ودخلت المستشفى لأتلقى العلاج التجأت إلى الله وحده .. ورجوته في سمائه أن يرحمني لأجل هذه الأم المسكينة .. ولأول مرة أكره رائحة المستشفى وتخنقني علقمية العقاقير .. ! وأنا الطبيب الحاذق وعاضني الصبر في المحنة ووجدت أن المصيبة وقعت بألطف موقع حين أعطاني الله قوة إيمان .. فلم يجافني الكرى .. وكنت أعرف أن والدتي لم تكتحل بنوم وما هو مت تهويماً من بعد نبأ مرضي زارتها الأوصاب وسكنت المخاوف فؤادها ...!
      الأمر مفتتحه و أوائله موجعة ... وبواديه قاتلة .. وقد تكون تواليه أرماسا مظلمة والتجأت والدتي إلى الله تطلبه في النهار والاعتام .. في الأمساء والإصباح في كل وقت .. وكلما ضغطت علي أوجاع العلل اقتربت من الله أكثر لا أدري كيف ضاعت في تقاسيم أوجاعي .. ضربة الرحم وأواشج القربى ! فلن ينفعني أهلي ولا أحبابي سوى عودة صادقة إلى الله فقد اعجمتني الترجبة وامتحنني الألم حين غمز قناته بقلبي .. وما وجد الشيطان في غفلة يغتنمها لأني كسرت زهوته بالإيمان والتوكل على الرحمن..
      ولطالما ابتهلت والدتي بالدعاء .. كنت وحيدها .. ومعينها بعد الله في هذه الدنيا...
      بعدها كنت كرجل احجم عن عدوه .. وأسلمت أمري إلى الله انتظر غيث الفرج .. وأمطرت رحمة الله فقد بدت علامات اليمن وإمارات الخير .. واستبشر الجميع ... كانت ليلة ماطرة حامت في مدينتي عمها المطر ووسعها شاع فيها بداية شفائي .. أتى الطبيب مبتهجاً يسوق لي فواضل الشفاء وعطايا الإحسان من الله نظرت إلى والدتي وهي تصغي إلى طبيب يشرح الأمر يلخصه أم يفسره ثم بكيت وتماطرت دموعي شاكراً الله على استجابته لدعاء هذه الأم الحبيبة ولطفه بي ..!! في الغد .. شروقي من جديد مع نجمة الفجر فقد أبدل الله حزني السرمدي الواصب على تلونات ستضمني مدينة ( الباحة ) الجميلة أدور في شوارعها .. اتشهق هواءها .. أعود إلى المستشفى .. امسح الدموع الرطبة اقتطع من الأمس صبارية الذكرى وأحزان قديمة تمد في حاضري ظلها وأبدأ من جديد .. [/size][/font][/font][/size][/font]