مذكرات أمريكي سافر للعراق لإيقاف الاحتلال

    • مذكرات أمريكي سافر للعراق لإيقاف الاحتلال

      مذكرات أمريكي سافر للعراق لإيقاف الاحتلال
      بريان بكلي لـ"العربية.نت": لا بد من عودة المارينز للوطن لأنهم ليسوا وحوشا!!

      يؤمن بعض الأمريكيين بأن السياسة الأمريكية في العراق يجانبها الصواب، وتتباين الاعتراضات بين أقصى اليمين حيث يرى البعض بأن هذه السياسة هي اجتهاد خاطئ بحسن نية لحكومة الرئيس جورج بوش الحالية وبين أقصى اليسار حيث يرى آخرون بأن ما يحصل في العراق "جريمة" ارتكبت عن سابق تخطيط وترصد، ويتفاوت الأمريكيون في رد الفعل بين من اكتفى بالانزعاج وبين من قام بنشاط سياسي للتعبير عن معارضته بما في ذلك التصويت للديمقراطيين في عام 2004م أو المشاركة في المظاهرات الرافضة للحرب على العراق في مختلف الولايات الأمريكية.
      بريان بكلي، شاب أمريكي، تجاوز رد الفعل هذا للسفر فعلا للعراق للاطلاع على الأمور بنفسه والقيام بنشاطه السياسي المعارض هناك. بريان تحدث عن رحلته للعراق التي قام بها قبل عدة أشهر في مذكرات كتبها لموقع "العربية.نت"، وهذه المذكرات تساهم في فهم كيف يفكر أمريكي معارض لسياسة دولته في العراق، وكيف رأى الأمور من وجهة نظره عندما ذهب إلى هناك. فيما يلي نص ما قاله بريان:
      في محاولة لفعل شيء ردا على التقارير التي وردت في أبريل 2004م حول الحرب في الفلوجة ومقتل مئات المدنيين، قررت مجموعة من المدنيين تكوين مجموعة تسافر إلى العراق وتواجه الجيش الأمريكي. التقارير أشارت إلى أن قوات التحالف متجهة لجنوب النجف حيث برزت تحديات للاحتلال الآمن للمدينة. بعد تفكير عميق، قررت أن أترك مزرعتي وأصدقائي والسفر إلى عمان حيث التقيت بأربعة أمريكيين آخرين لنسعى جميعا لدخول العراق كوفد سلام.
      وضعنا خطتنا ورتبنا شؤوننا المالية ومواردنا العامة لرحلة النجف. كنا ندرك أننا سنمثل عاملا صغيرا في منع الهجوم على النجف، ولكننا كأمريكيين شعرنا بأن هذا أقصى ما يمكننا فعله مثل فترة الحرب العصيبة هذه. لقد تجاهلوا المظاهرات في الطرق، وقدم السياسيون مباركتهم لما يحدث، لكننا لم نستطع أن نترك مثل هذا الهجوم الضخم أن يحصل دون أن نفعل شيء.
      كان وصولنا إلى النجف معجزة بحد ذاتها، وقد قررنا حينها أن خير ما يمكن أن نفعله أن نتحدث للجنود الأمركيين أنفسهم. كان الجنود الأمريكيون متمركزين في المستشفى والتي توقفت عن تقديم الرعاية الصحية للسكان المحليين. لقد طلب حينها من المرضى أن يلجؤوا إلى عيادات أصغر والتي لم تستطع تحمل الاحتياجات الطبية المنهالة عليها، الأمر الذي جعلنا نخاف من أن يكون هذا سببا في أزمة صحية عامة.
      في أوقات الأزمات يلجأ الناس المتدينون عادة للصلوات والعلاج الروحي. إن محاصرة قوات المارينز الأمريكية لمدينة ينظر إليها أنها مدينة مقدسة وقيادة السيارات العسكرية داخلها يمثل تدنيسا لأراض مقدسة وإهانة لسلطة المدينة المحلية. المسلمون مطلوب منهم في دينهم الدفاع عن الدين عندما يتعرض للهجوم. لقد تجاوز شباب المارينز الذين لا تزيد أعمارهم عن 18 عاما والذين جاؤوا من أحياء المدن الأمريكية الداخلية والمناطق القروية، تجاوزوا "الخط الأحمر" الذي رسمه "آية الله"، القائد الديني الأعلى في العراق. هؤلاء المارينز لم يكونوا يدركون قداسة مدينة النجف.
      لم أقابل أحدا حزن على رحيل صدام. لقد قهر صدام الناس لعقود طويلة، وكان هؤلاء متعطشين للعدل، وكانوا مليئين بالأمل أن هذا سيأتي بعد اجتياح العراق. لقد صبر الناس حتى الآن لمدة 18 شهرا، وما زالوا حتى الآن ينتظرون ثمار "التحرير". لقد كانت "الثورة" على صدام خلال سنوات الحصار أمرا شبه مستحيل.
      الآن بعد سقوط صدام، أصبحت السجون أكثر ازدحاما مما كانت عليه في عهده، واستخدمت المستشفيات كقواعد عسكرية غير متاحة لعموم الناس، ودنست المساجد، وتم إسكات صوت الصحف. هذا ليس هو التحرير الذي وعد به الشعب العراقي.
      منذ أن عدت لأمريكا وأنا أشعر بالالتزام بالحديث للناس في الكنائس والجامعات ومجموعات السلام والعدل عن تجربتنا في العراق. لقد جعلنا الاستقبال الحار الذي قوبلنا به من الشعب العراقي في حالة من التواضع والارتياح. وبالرغم أنني كنت رجل أمريكي أبيض، فقد عوملت كضيف شرف. لم أكن في وضع يساعدني على إخبار الشعب العراقي كيف يديرون حياتهم ودولتهم. العراقيون بلا شك قادرون تماما وجاهزون لفعل ذلك لوحدهم.
      أيضا شعرت أنني علي واجبا نحم شباب المارينز الأمريكي الذين كان لي الحظ في مقابلتهم في النجف. لم نجد هؤلاء وحوشا كما صوروا لنا. لقد قدم لنا هؤلاء الشباب الماء والظل، وتحدثوا عن إخلاصهم وتضحياتهم، ولكنهم في نفس الوقت عبروا عن اشتياقهم لعائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم. كثير منهم إن لم يكن معظمهم ذهبوا للعراق على أساس أنهم سيحررون الشعب العراقي من ديكتاتور متوحش، ولكنني أحسست بأنهم يشعرون أنهم استغلوا من قادتهم السياسيين وأسيء فهمهم من قبل أمريكا.
      لقد كان همهم الكبير هو حماية أسرهم والعودة للوطن لمزرعتهم الصغيرة وطاولة الشواء في فناء المنزل. إنهم يعانون من عزلة أكبر الآن بعد اشتداد الرأي العام في العراق ضدهم. لقد صار من غير الممكن للجنود الأمريكيين الاستمتاع بالتجول في المناطق العامة وهم عزل من السلاح، ولم يستطيعوا الاعتماد على حدسهم في الثقة في الآخرين لأن كثيرون قتلوا بهذه الطريقة.
      يجب علينا أن نلزم أنفسنا بحماية الخطوط الرفيعة التي تربط ثقافاتنا بين بعضها البعض لأن هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من بعضنا البعض. لا نستطيع أن نسمح لاحتلال غير قانوني مفروض بالقوة من قبل القوات الأمريكية أن يدمر علاقة الرخاء التي كان يمكن أن تربطنا مع العراق، ولا يمكننا أن نقبل تضحيات شبابنا ليقتلوا ويموتوا من أجل وعود كاذبة.
      أعيدوهم إلى الوطن ..