مختصر جامع العلوم والحكم

    • مختصر جامع العلوم والحكم

      بسم الله الرحمن الرحيم


      ¤جامع العلوم والحكم ¤

      الحديث الأول (1)

      عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول
      :(إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ،
      ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو أمرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه)
      رواه البخاري ومسلم .


      هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الدين ، فروي عن الشافعي أنه قال :هذا الحديث ثلث العلم ، ويدخل في سبعين بابا من الفقه .

      وعن الإمام أحمد رضي الله عنه قال :أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث :

      1.حديث عمر (إنما الأعمال بالنيات ).

      2.وحديث عائشة :(من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد).

      3.وحديث النعمان بن بشير (الحلال بين والحرام بين).

      قوله (إنما الأعمال بالنيات) :

      اي حظ العامل من عمله نيته .، فإذا كانت صالحه ، فعمله صالح فله أجره ، وإن كانت فاسدة ، فعمله فاسد ، فعليه وزره .


      وقوله (وإنما لكل امرئ مانوى ) :

      إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا مانواه به ، فإن نوى خيرا حصل له خيرا ، وإن نوى به شرا حصل له شرا .

      عن يحيى بن كثير قال :تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل .

      وعن زبيد اليامي قال :إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب.

      وعن سفيان الثوري قال :ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي ، لأنها تتقلب علي .

      وعن مطرف بن عبدالله قال:صلاح القلب بصلاح العمل ، وصلاح العمل بصلاح النية .

      وقال الفضيل بن عياض:إنما يريد الله عزوجل منك نيتك وإرادتك .
      • القرآن جنتي

      تم تحرير الموضوع 5 مرة, آخر مرة بواسطة روؤيا ().

    • ¤جامع العلوم والحكم¤

      الحديث (2)

      عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال :بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صل الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ،

      وقال :يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

      ( الأسلام :أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ).

      قال :صدقت .فعجبنا له يسأل ويصدقه ، قال فأخبرني عن الأيمان ؟

      قال : ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ، ورسله ، واليوم الأخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره) قال :صدقت .

      قال :فأخبرني عن الأحسان ؟

      قال : (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك ).

      قال فأخبرني عن الساعة ؟

      قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ).

      قال :فأخبرني عن أماراتها ؟

      قال : (أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان
      ثم انطلق،فلبثت مليا .

      ثم قال : (ياعمر أتدري من السائل)؟ قلت :الله ورسوله أعلم ، قال : (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .

      هذا حديث عظيم الشأن ، يشتمل شرح الدين كله .

      فسر الرسول صىلى الله عليه وسلم ، الأسلام بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل وهي .(الشهادة وعمل اللسان وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)

      وفسر الإيمان بألأعتقاد الباطن .(وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره .)

      وفي مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الأسلام علانية ، والأيمان في القلب ).

      ومن هنا قال المحققون من العلماء :
      كل مؤمن مسلم ، فإن من حقق الأيمان ورسخ في قلبه ، قام بأعمال الأسلام كما قال صل الله عليه وسلم : (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدكله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
      فلا يتحقف القلب بالأيمان إلا وتنبعث الجوارح في أعمال الإسلام ، وليس كل مسلم مؤمنا ، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفا فلا يتحقق القلب به تحققا تاما مع عمل جوارحه بأعمال الإسلام فيكون مسلما ، وليس مؤمن الإيمان التام .

      كما قال تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الأيمان في قلوبكم )[الحجرات :14]

      ¤جامع العلوم والحكم¤
      تابع الحديث (2)

      تعريف الأحسان :
      ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : (أن تعبد الله كأنك تراه ....)

      يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة ، وهي استحضار قربه وأنه بين يديه كأنه يراه ، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ..

      قال بعضهم :خف الله على قدر قدرته عليك ، واستحي من الله على قدر قربه منك

      جاء ذكر الأحسان في موضع كثيره في القرآن :

      تارة مقرونا بالأيمان ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)الكهف:30

      وتارة مقرونا بالأسلام :
      كقوله تعالى : (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ) البقرة:112

      ومقرونا بالتقوى كقوله : (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

      قال تعالى : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) يونس :26

      وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة ، وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الأحسان.

      ، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة كأنه يراه بقلبه وينظر إليه في حال عبادته

      ، فكان جزاء ذلك النظر إلى الله عيانا في الآخرة .

      وعكس ذلك ما أخبر الله تعالى به عن جزاء الكفار في الآخرة
      (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) المطففين :15

      وجعل ذلك جزاء لحالهم في الدنيا ، وهو تراكم الران على قلوبهم حتى حجبت عن معرفته ومراقبته في الدنيا فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة .

      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      تابع الحديث (2)/3

      قول جبريل عليه السلام (أخبرني عن الساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)يعني :

      أن علم الخلق كلهم في وقت الساعة سواء .

      وهذه إشارة إلى أن الله تعالى استأثر بعلمها ، ولهذا جاء أن العالم إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول : لا أعلمه وأن ذا لا ينقصه شيئا ، بل هو من ورعه ودينه ، لأن فوق كل ذي علم عليم .

      ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه،قال النبي صلى الله عليه وسلم : (في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى، ثم تلا :{إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافي الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرض تموت إن الله غليم خبير }لقمان:34 .

      قوله : (فأخبرني عن أماراتها ):يعني عن علاماتها التي تدل على اقترابها .

      ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للساعة علامتين :الأولى :

      (أن تلد الأمة ربتها ) والمراد بربتها سيدتها ومالكتها ، وهذه إشارة إلى فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق .ويكثر أمهات الأولاد .

      وقيل بأنه يكثر جلب الرقيق حتى تجلب البنت فتعتق، ثم تجلب الأم فتشتريها البنت، وتستخدمها وهي جاهلة بأنها أمها .
      وقيل أن الأماء يلدن الملوك .
      وقال وكيع :معناه أن تلد العجم العرب والعرب ملوك العجم وأرباب لهم .

      والعلامة الثانية :
      (أن ترى الحفاة العراة العالة)
      والمراد بالعالة :الفقراء .
      وقوله :
      (رعاء الشاة يتطاولون في البنيان )المراد:
      أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم وتكثر أموالهم حتى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانه .
      ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة يرجع إلى أن الأمور توسد إلى غير أهلها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة:

      (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ).

      فإنه إذا صار الحفاة العراء رعاء الشاة رؤوس الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى يتطاولون في البنيان ، فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا .

      ï»·ن رأس الناس من كان فقيرا عائلا فصار ملكا على الناس ، فإنه لا يكاد يعطي الناس حقوقهم بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال .

      وقد قال بعض السلف:لأن تمد يدك إلى فم التنين فيقضمها خير لك من أن تمدها إلى يد غني قد عالج الفقر .

      وقوله (يتطاولون في البنيان ) دليل على ذم التباهي والتفاخر خصوصا بالتطاول في البنيان .
      خرج أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة مشرفة ، فقال :ماهذا ؟ قالوا :هذه لفلان ، رجل من الأنصار ، فجاء صاحبها فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ، فعل ذلك مرارا ، فهدمها الرجل ).

      وخرج الطبراني عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل بناء ، وأشار بيده هكذا على رأسه ، أكثر من هذا فهو وبال ).


      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (3)

      عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال :
      :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (بني الأسلام على خمس :شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
      المراد من هذا الحديث أن الأسلام مبني على هذه الخمس ، فهي كالآركان والدعائم لبنيانه
      ، فلا يثبت البنيان بدونها ، وبقية خصال الأسلام كتتمه البنيان ، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينقض بنقص ذلك ..بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الأسلام يزول بفقدها جميعها .
      وهذه الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض

      وروي أنه لايقبل بعضها بدون بعص كما في مسند أحمد عن زياد بن نعيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أربع فرضهن الله في ألأسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا :الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت).
      قال ابن مسعود :من لم يزك فلا صلاة له
      .ونفي القبول هنا لا يراد به نفي الصحه ولا وجوب الأعاده بتركه ، وإنما يرادانتفاء الرضا به ومدح عامله والثناء بذلك عليه في الملأ الأعلى والمباهاة به الملائكة.

      فمن قام بهذه الأركان على وجهها حصل له القبول بهذا المعنى ، ومن أتى ببعضها دون بعض لم يحصل له ذلك وإن كان لا يعاقب على ما أتى به منها عقوبة تاركه ، بل تبرأ به
      ذمته ، وقد يثاب عليها أيضا.
      وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعل ،
      فاسم الشجرة يشمل ذلك كله .
      ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة وإنما يقال هي شجرة ناقصه.
      وقد ضرب الله مثل الأيمان بقوله
      :{ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } إبراهيم :24
      وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن والمسلم بالنخلة،
      ولو زال شيء من فروع النخلة أو ثمرها ، لم يزل بذلك عنها اسم النخله بالكلية وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر .

      : ¤جامع العلوم والحكم¤
      الحديث (4)

      عن أبي عبد الرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال :
      حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :
      (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربعة كلمات :

      يكتب رزقه وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد . فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ،
      فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل وبعمل
      أهل النار حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري ومسلم. قوله (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة):
      قال أبن مسعودإن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعرة وظفر فتمكث أربعين يوما ، ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة فذلك جمعها .
      وقوله : (ثم يكون علقة مثل ذلك) :يعني أربعين يوما .والعلقة :قطعة دم .
      (ثم يكون مضغة مثل ذلك) يعني أربعين يوما ، والمصغة :قطعة من لحم .
      (ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد) .
      هذ الحديث يدل على أنه يتقلب في مائة وعشرين يوما ثلاثة أطوار ، في كل أربعين يوما منها يكون في طور ، فيكون في الأربعين الأولى نطفة ، ثم في الأربعين الثانية علقة ، ثم في الأربعين الثالثة مضغة ، ثم بعد المائة وعشرين يوما ينفخ فيه الملك الروح ويكتب له هذه الأربع كلمات .
      قال تعالى {ولقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } [المؤمنون12-14]

      قوله (ثم برسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات. .....)
      ظاهر الحديث أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد تمام أربعة أشهر وعشرا .
      وعليه ذهب اﻹمام أحمد إلى أن الطفل إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر ، صلي عليه حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات

      الكتابة التي تكتب للجنين في بطن أمه غير كتابة المقادير السابقة لخلق الخلائق المذكورةفي قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }[الحديد:22].

      كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة).
      وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة ، فقال رجل : يارسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال :اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ :{فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى }[الليل :5]
      وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق ، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، وقد قيل إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم يقولون بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق يقولون ماذا سبق لنا
      وبكى بعض الصحابة عند موته فسئل عن ذلك فقال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله قبض خلقه قبضتين فقال :هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء في النار ، ولا أدري في أي القبضتين كنت ؟)

      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (5)

      عن أم المؤمنين أم عبدالله رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) رواه البخاري.


      هذا الحديث أصل من أصول الأسلام، كما أن حديث (الأعمال بالنيات)
      ميزان للأعمال في باطنها .

      وهو ميزان للأعمال في ظاهرها ، فكماأن كل عمل لايراد به وجه الله تعالى
      فليس لعامله فيه ثواب ،
      فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله

      وكل من أحدث في الدين مالم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء.
      قوله (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد):
      أي أن كل من كان عمله خارجا عن الشرع ليس متقيدا بالشرع فهو مردود.

      وقوله (ليس عليه أمرنا)

      إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت حكم الشريعة .

      فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول ، ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود .
      الأعمال قسمان :عبادات ، ومعاملات

      فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله، فعمله باطل ومردود عليه قال تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله }[الشورى:21]

      رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قائما في الشمس ، فسأله ، فقيل :إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ما دام الرسول يخطب إعظاما لسماع خطبة النبي صل الله عليه وسلم ولا يستظل وأن يصوم ..(فأمره الرسول أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه).

      لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قربة يوفى بنذره ، مع أن القيام عباده في الصلاة والبروز في الشمس قربه للمحرم

      ، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل موطن ، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة.

      ومن عمل عملا أصله مشروع وقربه ثم أدخل فيه ماليس بمشروع أو أخل فيه بمشروع ،

      فهذا مخالف للشريعة .كمن أخل بالجماعة للصلاة المكتوبة فلا يقال له عمله مردود بل ناقص .
      وإن زاد عليها ماليس بمشروع ،
      فزيادته مردودة عليه بمعنى أنها لاتكون قربه ولا يثاب عليها كمن زاد ركعة عمدا في صلاته فإن تعمد بطلت صلاته .
      وتارة لا يبطله ولا يرده من أصله
      ، كمن توضأ أربعا أربعا أو صام الليل مع النهار وواصل في صيامه.
      وقد يبدل بعض ما يؤمر به في العبادة بما هو منهي عنه
      ، كمن ستر عورته في الصلاة بثوب محرم أو توضأ للصلاة بماء مغصوب أو صلى في بقعة غصب .،
      فهذا قد اختلف العلماء فيه :هل عمله مردود من أصله أو أنه غير مردود .وتبرأ به الذمه .وأكثر الفقهاء على أنه ليس بمردود من أصله ولا يؤمر بإعادتها .
      وقد تفرع عن هذا الحديث الكثير من الأقول والمسائل للفائده راجع ص (78-84)

      • القرآن جنتي
    • : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (6)

      عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الحلال بين وإن الحرام بين ، ، وبينهما أمور مشتبهات يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسدكله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب) رواه البخاري .

      قوله (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) معناه:
      أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه ، وكذلك الحرام المحض ، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحرام أم من الحلال ؟ وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ويعلمون من أي القسمين .


      الحلال المحض :مثل أكل الطيبات من الزرع والثمار وبهيمة الأ·نعام وشرب الأطعمة الطيبة ، ولبس ما يحتاج إليه والنكاح وغيره إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع أو م
      الميراث أو هبة أو غنيمة .
      والحرام المحض: مثل أكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وشرب الخمر ، ونكاح المحارم، ولباس الحرير للرجال ، ومثل أكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن مالا يحل بيعه ، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو تدليس أو نحو ذلك .

      أما المشتبه :فمثل أكل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه ، إما من ألأعيان كالخيل والبغال والحمير ، والضب ، وشرب ما اختلف في تحريمه من ألأنبذة التي يسكر كثيرها ، ولبس ما اختلف في إباحه لبسه من جلود السباع ، ونحوها ، وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العينه والتورق ونحو ذلك وبنحو هذا المعنى فسر المشتبهات أحمد وإسحاق وغيرهما من ألأئمة .
      قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكمل له ولأمته الدين ، ولهذا أنزل عليه بعرفه قبل موته {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا } [المائدة:3}.
      وقال رسول الله صل الله عليه وسلم : (تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزغ عنها إلا هالك ) .
      قد تكون هناك أمور مشتبه التي لا يتبين أنها حلال ولا حرام لكثير من الناس كما أخبر النبي صل الله عليه وسلم وقد يتبين لبعض الناس أنها حلال أو حرام لما عنده من مزيد علم وكلام الرسول دليل على أن هناك أناس يعرفون ويميزون الشبهات حلالها من حرامها والكثير لا يعلمها .
      قوله ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).

      قسم الناس في الأمور المشتبه إلى قسمين قسم مشتبه عليه وقسم لا يعلمها و
      قسم ثالث لم يذكره لظهور حكمه وهو العالم بها والمتبع ما دله علمه عليها ، وهذا القسم أفضل الأقسام .لأ·نه علم حكم الله واتبع علمه وأما من لم يعلم حكم الله فيها فهم قسمان :
      1-من يتقي هذه الشبهات لاشتباهها عليه ، فهذا استبرأ لدينه وعرضه .
      ومعنى استبرأ:طلب البراءة لدينه وعرضه من النقص والشين .

      قال أحد السلف :من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء الظن به .
      وهذا دليل على أن طلب البراءة للعرض ممدوح كطلب البراءة للدين .
      2-من يقع في الشبهات مع كونها مشتبهة عنده ، فأما من أتى شيئا مما يظنه الناس شبهة ، لعلمه بأنها حلال في نفس الأمر فلا حرج عليه ولكن إذا خشي من طعن الناس عليه بذلك ، كان تركها استبراء لعرضه فيكون حسنا .وهذا كفعل النبي عندما رآه الصحابة واقفا مع صفيه فقال (إنها صفية بنت حي ).
      قوله(كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن حمى الله محارمه)
      هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمن وقع في الشبهات ،
      وأنه يقرب وقوعه في الحرام المحض .
      قال أبو الدرداء رضي الله عنه:تمام التقوى أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرام ، حجابا بينه وبين الحرام .
      وقال الحسن :ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام .

      قوله : (ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسدكله،ألا وهي القلب).
      فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه ، واجتنابه للمحرمات واتقاء للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه ، فإن كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله ، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها ، وإن كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما يحبه ولو كرهه الله ، فسدت حركات الجوارح كلها ، وانبعثت إلى كل المعاصي و المشتبهات بحسب اتباع الهوى .

      ولهذا يقال :القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنود .فإن كان الملك صالحا كانت صالحه ، وإن كان فاسدا كانت فاسدة .
      ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم قال تعالى {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }[الشعراء:88-89].
      قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (لن يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه )
      (اللهم إني أسألك قلبا سليما )
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (7)

      عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدين النصيحة ).قلنا :لمن ؟ قال : (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم .
      هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه .
      النصح يكون :
      1-للمسلمين عموما ،لقوله صلى الله عليه وسلم (حق المسلم على المسلم ست ) فذكر منها (وإذا استنصحك فانصح له) رواه مسلم .
      2- ولولاة الأمور في أمورهم ونصح ولاة الأمور لرعاياهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم لم يحطها بنصيحة إلا لم يدخل الجنة ) رواه البخاري ومسلم .
      قال الخطابي :النصيحة هي :إرادة الخير للمنصوح له .وأصله في اللغه الخلوص ، يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع.
      معنى النصيحة لله سبحانه :صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته.
      النصيحة لكتابه:الأيمان به والعمل بمافيه.
      والنصيحة لرسوله :التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه .
      والنصيحة لعامة المسلمين :إرشادهم إلى مصالحهم . .
      قال بعض أهل العلم :النصيحة هي عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان ، وهي على وجهين :أحدهما فرض والآخر نافلة ،
      فالنصيحة المفترضه لله :هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ، ومجانبة ماحرم.
      أما النصيحة النافله :هي إيثار محبته على محبة نفسه وذلك أن يعرض له أمران ، أحدهما لنفسه ، والآخر لربه ، فيبدأ بما كان لربه ، ويؤخر ما كان لنفسه .

      أنواع النصح :

      دفع الأ·ذى والمكروه عنهم ، وإيثار فقيرهم وتعليم جاهلهم ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق ، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومحبة إزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه.

      كان عمر بن عبد العزيز يقول :ياليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به ، فكلما عملت فيكم وقع مني عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي.

      قال الفضيل بن عياض رحمة الله:ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة .

      وسئل ابن المبارك أي الأعمال أفضل ؟قال النصح لله.

      وقال معمر أنصح الناس لك من خاف الله فيك .

      وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم:من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه.

      وقال الفضيل بن عياض رحمة الله : المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير .

      وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، فقال :إن كنت فاعلا ولا بد ففيما بينك وبينه .
      وقال الإمام أحمد رحمه الله:ليس على المسلم نصح الذمي وعليه نصح المسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (والنصح لكل مسلم ).
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 8)

      عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة،فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الأسلام وحسابهم على الله).رواه البخاري ومسلم .



      قوله(عصموا مني دماءهم وأموالهم)

      يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورا بالقتال ، وبقتل كل من أبى الأسلام ، وهذا كله بعد الهجره إلى المدينة

      ، ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الأسلام الشهادتين فقط .ويعصم دمه بذلك .والدليل أنكاره على أسامة قتله لمن قال :لا إله إلا الله .


      ويتبين من هذا أن كلمتي الشهادتين بمجردهما تعصم من أتى بهما .فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة ، وقام بشرائع الأسلام ، فله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وإن أخل فإن كانوا جماعة لهم منعه قوتلوا .

      قال تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم }. [التوبة:5].


      وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغز عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذانا وإلا غار عليهم ، لأ·حتمال دخولهم الأسلام .

      وكان يوصي سراياه : (إن سمعتم مؤذنا أو رأيتم مسجدا فلا تقتلوا أحدا).



      وفي هذا وقع تناظر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين.

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:لما توفي رسول الله صل الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده ، وكفر من كفر من العرب

      ، قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر :كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزوجل)،

      فقال أبوبكر رضي الله عنه:والله لأ قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدو نه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ،

      فقال عمر :فوالله ماهو إلا أن رئيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.

      فأبو بكر رضي الله عنه أخذ قتالهم من قوله (إلا بحقه ) فدل على أن قتال من أتى بالشهادتين بحقه جائز.

      ومن حقه أداء حق المال الواجب.

      وعمر رضي الله عنه ظن أن مجرد الأتيان بالشهادتين يعصم الدم تمسكا بعموم أول الحديث .

      كما ظن طائفة من الناس أن مجرد من أتى بالشهادتين امتنع عن دخول النار في الآخرة تمسكا بعموم اللفظ .

      وعليه من ترك الصلاة فإنه يقاتل لأنها حق البدن .

      قال سعيد بن جبير:قال عمر بن الخطاب:لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة .

      هذ الكلام في قتال الطائفة الممتنعة عن شيء من هذه الواجبات .

      أماقتل الواحد الممتنع ، فأكثر العلماء على أنه يقتل .



      قوله صلى الله عليه وسلم (إلا بحقها )
      قد سبق أن ابو بكر أدخل هذ الحق فعل الصلاة والزكاة

      ، وأن من العلماء من أدخل فيه فعل الصوم والحج أيضا . ومن حقها ما يبيح دم المسلم من المحرمات .

      وقد ورد تفسير حقها عند الطبراني وابن جرير من حديث أنس عن النبي صل الله عليه وسلم قال : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها و حسابهم على الله عزوجل، قيل وما حقها ؟ قال :زنى بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس ، فيقتل به ).


      ويشهد للحديث ما جاء في الصحيحين حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ).

      وقوله (وحسابهم على الله عزوجل )
      يعني أن الشهادتين مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تعصم دم صاحبها وماله في الدنيا إلا أن يأتي ما يبيح دمه.وأما اﻵخرة فحسايه على الله عزوجل .

      وقد استدل بهذا من يرى قبول توبة الزنديق وهو المنافق إذا أظهر العود إلى الأسلام ، ولم يرى قتله بمجرد ظهور نفاقه

      ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين ، يجريهم على أحكام المسلمين في الظاهر مع علمه بنفاق بعصهم في الباطن ،

      وهذا قول الشافعي واحمدفي رواية عنه .وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء . والله أعلم.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم¤
      الحديث (9)

      عن ابي هريرة رضي الله عنه قال :

      سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذينةمن قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) رواه مسلم .


      أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمتثال لأمره واجتناب نهيه ، شغلا عن المسائل فقال (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. ....).

      ونهى أن تكون همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع أو لا تقع .

      مثل السؤال هل انا في الجنه ام في النار وسؤال الصحابه للرسول عن الحج أفي كل عام ؟

      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)

      ولم يكن الرسول يرخص في المسائل إلا للأعراب والوفود لتأليف قلوبهم أما المهاجرين والأنصار الذين رسخ اﻹيمان في قلوبهمة، فنهوا عنه .

      ففي المسند عن أبي أمامة قال :كان الله قد أنزل {يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.قال :فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته.

      وفي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال :ما رأيت قوما أخير من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ماسألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرءان .

      وكان الصحابة يسألون أحيانا عن حكم حوادث قبل وقوعها للعمل بها .

      فالسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل به لا للمراء والجدال .

      ولهذا المعنى كره الصحابة والتابعين السؤال عن الحوادث قبل وقوعها ولا يجيبون عن ذلك .
      عن عمر رضي الله عنهما قال : لا تسألوني عما لم يكن ، فإني سمعت عمر رضي الله عنه لعن السائل عما لم يكن .

      وكان زيد بن ثابت إذا سئل عن شيء يقول :كان هذا ، فإن قالوا :لا ، قال دعوه حتى يكون .

      روى ثوبان عن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( سيكون أقوام من أمتي يغلطون فقهاءهم بعضل المسائل أولئك شرار أمتي)

      وقال الحسن :شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يغمون بها عباد الله.

      قال اï»·وزاعي :إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما .

      في جملة الحديث:

      من امتثل ما أمر به النبي صل الله عليه وسلم، حصل له النجاة في الدنيا والآخرة ، ومن خالف واشتغل بخواطره وما يستحسنه

      وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم .

      وقوله (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. ....)
      يؤخذ منه أن النهي أشد من الأمر ، لأن النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه ، والأمر قيد بحسب الاستطاعة .

      قال بعضهم :أعمال البر يعملها البر والفاجر ، وأما المعاصي فلا يتركها إلا صديق .

      عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اتق المحارم تكن أعبد الناس).

      وهذا يدل على أن اجتناب المحرمات ، أفضل من الأكثار من النوافل .لأن اجتناب المحرمات فرض وذاك نفل .


      وفي قوله (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).

      دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله وقدر على بعضه فإنه يأتي بما أمكن منه
      وتتفرع منه العديد من مسائل الطهارة والصلاة وزكاة الفطر والوقوف بعرفه فكلها على حسب الأستطاعه يأتي بها المكلف.


      ¤جامع العلوم والحكم
      ¤
      الحديث (10)

      عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله طيب لا يقبل ألا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال :{ياأيها الرسل كلو من الطيبات واعملوا صالحا } [المؤمنون:51].

      وقال تعالى :{ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }[البقرة :172].

      ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟! ) رواه مسلم .

      قوله : (إن الله طيب):أي طاهر والمعنى أن الله سبحانه وتعالى مقدس منزه عن النقائص والعيوب كلها .

      وقوله : (لا يقبل إلا طيبا ):معناه في هذا الحديث الصدقة .والمراد هنا لا يقبل من الصدقات إلا ما كان طيبا.

      وقيل إن المعنى أعم من ذلك وهو أنه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبا من المفسدات كالرياء والعجب.


      في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل من العمل ولا يزكوا إلا بأكل الحلال ،

      وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله .
      فإنه قال بعد تقريره : : (إن الله لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)..........

      المراد أن الرسل وأممهم مأمورين بالأكل من الطيبات والعمل الصالح فما دام الأكل حلال فالعمل الصالح مقبول .

      قال سعد بن أبي وقاص يارسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ،

      والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملا أربعين يوما ،

      وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ).رواه الطبراني .


      قوله (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام. .........فأنى يستجاب لذلك؟ !).


      هذا الكلام فيه أشارة إلى آداب الدعاء وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته وإلى ما يمنع إجابته .


      الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء :

      1.إطالة السفر

      ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : )دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد لولده ) اخرجه ابو داود وابن ماجه والترمذي .

      فمتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء ؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة وتحمل المشاق .

      2.حصول التبذل في اللباس والهيئه بالشعث والاغبرار ،

      وهو أيضا من المقتضيات لأجابة الدعاء لقول رسول الله (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ).

      3.مد يديه إلى السماء:

      وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته لحديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين ) رواه احمد وابو داود
      والترمذي وابن ماجة .


      أما ما يمنع الدعاء فقد أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو التوسع في الحرام أكلا وشربا ويشهد له حديث أن رسول الله قال لسعد (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ).


      قيل لسعد :تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ فقال :ما رفعت إلى فمي لقمه إلا وأنا عالم من أين مجيئها ومن أين خرجت.


      قوله (فأنى يستجاب له ):معناه كيف يستجاب له .وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الأجابة أيضا.

      وكذلك ترك الواجبات كما في حديث (أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع استجابة دعاء الأخيار وفعل الطاعات يكون موجبا لاستجابة الدعاء ).ويشهد له حديث الثلاث الذين انطبقت عليهم الصخره استجيب لهم لما أخلصوا بأعمالهم لله .

      قال وهب بن منبه :مثل الذي يدعوا بغير عمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

      وعنه قال :العمل الصالح يبلغ الدعاء ثم تلا قوله تعالى:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }[فاطر :10]

      وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : يكفي مع البر من الدعاء مثل ما يكفي الطعام من الملح.

      وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.

      قال بعض السلف:لا تستبطئ الإجابة،وقد سددت طرقها بالمعاصي .


      • القرآن جنتي

      تم تحرير الموضوع 1 مرة, آخر مرة بواسطة روؤيا ().

    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 11)

      عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته قال :حفظت من رسول الله صل الله عليه وسلم :

      (دع ما يريبك إلى مالا يريبك ).رواه النسائي والترمذي وقال :حديث حسن صحيح .

      معنى الحديث:

      الوقوف عند الشبهات واتقائها ، فإن الحلال المحض لا يحصل لمؤمن في قلبه منه ريب ، واضطراب وقلق بل تسكن إليه النفس ويطمئن القلب ، وأما الشبهات فيحصل بها للقلوب القلق والأضطراب الموجب للشك .


      قال أبو عبد الرحمن العمري :إذا كان العبد ورعا ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه .


      وقال الفضيل :يزعم الناس أن الورع شديد ، وما ورد علي أمران إلا أخذت بأشدهما ، فدع ما يريبك إلى مالا يريبك .

      وقد يستدل بهذا الحديث على أن الخروج من اختلاف العلماء أفضل ، ï»·نه أبعد عن الشبهة.

      وهو ليس على إطلاقه ï»·ن في بعض المسائل ثبتت فيها الرخصه وليس لها معارض فاتباع الرخصه أولى من اجتنابها .

      مثال ذلك ماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)، فإن شكه في الصلاة لا يقطعها لوجود النهي .


      وإن كان للرخصة معارض من السنة أو عمل الأئمة فالأولى تركه لأ·ن الأ·مة قد أجارها الله من يظهر أهل باطلها على أهل حقها .

      يجب التفطن إلى أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها ، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه ، فإنه لا يحتمل له ذلك بل ينكر عليه ،

      كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق :يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول : (هما ريحانتاي من الدنيا).


      وسأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها ، فقال :إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل ، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ، ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها ، فلا يفعل .














      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 12)

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ) رواه الترمذي. حديث حسن.

      هذ الحديث أصل عظيم من أصول الأدب .
      جماع آداب الخير وأزمته تتفرع من أربعة احاديث :

      1-قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).

      2-وقوله صل الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه).

      3-وقولة صلى الله عليه وسلم (لا تغضب ).

      4-وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يحب ï»·خيه ما يحب لنفسه).

      معنى الحديث :

      أن من حسن إسلامه ترك مالا يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من اï»·قوال واï»·فعال .


      فحسن اﻹسلام يقتضي ترك مالا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها.
      فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه .


      والعمل بما يعنيه من طاعة وعبادة وذكر لله ليصل لدرجة اﻹحسان واﻹستحياء من الله .

      قال بعضهم :استحي من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك..

      قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله:من عد كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه .



      دخلوا على بعض الصحابه في مرضه ووجهه يتهلل فسألوه عن سبب تهلل وجهه ، فقال : ما من عمل اوثق عندي من خصلتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وكان قلبي سليما للمسلمين.


      قال مورق العجلي : امر انا ف طلبه منذا كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدا ، قالوا : وما هو ؟ قال : الكف عما لا يعنيني .

      قال سهل بن عبدالله التستري:من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق .


      وقال معروف:كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عزوجل.

      هذ الحديث يدل على أن ترك مالا يعني المرء من حسن إسلامه .


      ومن حسن إسلامه تضاعفت حسناته ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      " إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلهاىحتى يلقى الله عزوجل).


      الزيادة هنا حسب إحسان اﻹسلام وإخلاص النية والحاجة إلى ذلك العمل وفضله ، كالنفقة في الجهاد والحج واï»·قارب .

      قال تعالى {وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}[النساء:40].


      والكافر إذا أسلم وحسن إسلامه تبدل سيئاته في الشرك حسنات .

      خرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن جبير عن ابي فروة شطب:

      (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ، ولم يتركةحاجة ولا داجة فهل له من توبة ؟ فقال :أسلمت ؟

      فقال :نعم ، قال :فافعل الخيرات واترك السيئات فيجعلها الله لك خيرات كلها ، قال:وغدراتي وفجراتي ؟ قال نعم ، قال فما زال يكبر حتى توارى ).
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 13)

      عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صل الله عليه وسلم :
      ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري .

      المراد ب(لا يؤمن) نفي بلوغ حقيقته ونهايته ، فإن الإيمان كثيرا ما ينتفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته.

      ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ).


      اختلف العلماء في مرتكب الكبائر :هل يسمى مؤمنا ناقص الأيمان ، أم يقال له مسلم وليس بمؤمن على قولين .

      1-مرتكب الصغائر يسمى مؤمن ناقص الأيمان ، ينقص من إيمانه بقدر معصيه .

      2-أنه يسمى مسلم وهو المختار عند أهل السنة والجماعة .

      قال ابن عباس رضي الله عنهما : الزاني ينزع منه نور الأيمان .

      وقال أبو هريرة : ينزع منه الأيمان ، فيكون فوقه كالظله ، فإن تاب عاد إليه .

      وقال عبدالله بن رواحه وأبو الدرداء :الأيمان كالقميص ، يلبسه اﻹنسان تارة ، ويخلعه تارة أخرى.

      والمعنى :أنه إذا كمل خصال الأيمان لبسه ، فإذا نقص منها شيئا نزعه .

      (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

      أي أن من جملة خصال الأيمان الواجبه أن يحب المرءلأخيه المؤمن ما يحبه لنفسه ويكره له ما يكرهه لنفسه ، فإذا زال ذلك عنه نقص إيمانه بذلك.

      عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ).رواه البخاري ومسلم .


      المؤمن يسره مايسر أخاه المؤمن ويريد لأخيه المؤمن مايريد لنفسه من الخير ، وهذا يكون لمن كان سليم الصدر من الغش والغل والحقد والحسد .

      فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير، أو يساويه فيه ؛ فالحاسد يحب أن يمتاز على الناس بفضله ، وينفرد به عنهم ، والأيمان يقتضي خلاف ذلك .

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنين :رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله القرآن ، فهو يقرؤه آناء الليل وآناء النهار).

      الحسد هنا تمني الرجل نفس ما أعطي أخوه من أهل ومال وعلم .

      فإن كان التمني دنيوي فلا خير فيه .قال تعالى {ولا تتمنوا مافضل الله به بعضكم على بعض }[النساء:32].

      أما إن كان الحسد بمعنى تمني النعمة التي مع الغير لمصلحه دينيه دون تمني زوالها
      كان حسنا .

      كأن يقول لو عندي ماعند فلان من مال وعلم لفعلت كذا وكذا من افعال الخير فهما في الأجر سواء .

      قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني لأمر على الأية من كتاب الله، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم .

      وقال الشافعي :وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء .

      وكان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أمره وأعماله:أخرج إلي ماء أو تمرات أفطر عليها ؛ ليكون لك مثل أجري.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 14)

      عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

      (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم.


      معنى الحديث:

      أن هذه الثلاث خصال هي حق الأسلام التي يستباح بها دم نن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والقتل بكل واحدة من هذه الخصال الثلاث متفق عليه بين المسلمين .

      أما الثيب فأجمع المسلمون على أن حده الرجم حتى يموت.

      لدليل رجم النبي صلى الله عليه وسلم لماعز والغامدية ، وكان في القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه.

      (والشيخ والشيخه إذا زنيا فارجموهما البته نكالا من الله والله عزيز حكيم ).


      وقد استنبط ابن عباس من القرآن من قوله تعالى { يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير }[المائدة :15].

      فمن كفر بالرجم ، فقد كفر بالقرآن لأن. الرجم مما أخفوه اهل الكتاب .


      وفي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا :البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ).


      فإن المحصن قد تمت عليه النعمة بنيل الشهوة بالنكاح ، فإذا أتاها بعد ذلك من فرج محرم عليه ، أبيح دمه .

      ، وقد يكون الفرج لا يستباح بحال ، إما مطلقا كاللواط أو من يطأ ذات محرم فهما يكونان خلفا عنه ويكتفى به إباحة الدم .


      أما النفس بالنفس ، فمعناه أن المكلف إذا قتل نفسا بغير حق عمدا فإنه يقتل بها .

      قال تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد الأنثى بالأنثى }[البقرة :78].

      ويستثني منه صور :

      1-أن يقتل الوالد ولده ، فالجمهور على أنه لا يقتل به لأنه سبب وجوده .

      وقال مالك أن تعمد قتله فإنه يقتل وإن حذفه بسيف او عصا لم يقتل .

      2-أن يقتل الحر عبدا فالأكثرون على أنه لا يقتل به .

      3-أن يقتل المسلم كافراا إذكان محاربا أو ذميا أو معاهد فالجمهور على أنه لايقتل المسلم بكافر .


      سفك الدم الحرام ، يقوم مقام إثارة الفتن المؤدية إلى سفك الدماء كتفريق جماعة المسلمين ، وشق العصا ، والمبايعة الأمام ثاني ودال الكفار على عورات المسلمين ، وقطع الطريق.


      قوله (التارك لدينه المفارق للجماعة) فالمراد به :

      ترك اﻹسلام وارتد عنه وفارق جماعة المسلمين .ولهذا يستتاب ويطلب منه العودة للإسلام وإلزامه بقضاء مافاته في زمن الردة من العبادات وفيه خلاف مشهور بين العلماء في حكم اعادة العبادة بعد الرجوع للإسلام .


      وأيضا قد يترك دينه ويفارق الجماعة وهو مقر بالشهادتين ويدعي الإسلام كمن جحد شيئا من أركان الأسلام أو سب أو كفر بالملائكة أو النبيين أو الكتب المذكوره في القرآن.

      أو جحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، أو استهان بالقرآن وألقاه في القاذورات .

      عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من بدل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 15)


      عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

      ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت؛ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ؛ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيغه.) رواه البخاري ومسلم.


      قوله ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر).:
      فليفعل كذا وكذ يدل على أن هذه الخصال من خصال الأيمان. وقد سبق القول أن الأعمال تدخل في الإيمان.


      وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالصبر والسماحة .

      قال الحسن : المراد :الصبر عن المعاصي والسماحة بالطاعة.

      أعمال الإيمان تارة تتعلق بحقوق الله ، كأداء الواجبات وترك المحرمات ، ومن ذلك قول الخير والصمت عن غيره.

      عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ) رواه البخاري

      وتارة تتعلق بحقوق عباد كإكرام الضيف ، وإكرام الجار، واالكف عن أذاه.


      قوله (فليقل خيرا أو ليصمت :(
      أمر بقول الخير ، وبالصمت عما عداه ، وهذا يدل على أنه الكلام إما أن يكون خيرا ، فيكون مأمور بقوله ، وإما أن يكون غير خير فيكون مأمور بالصمت عنه .


      قال تعالى :{إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق:17-18].


      وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن شماله يكتب السيئات.


      قال بعض أهل السلف :يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره .فكل ساعه لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات ..

      روي عن ابن مسعود قال :إياكم وفضول الكلام حسب أمرئ مابلغ حاجته.

      وعن النخعي قال : يهلك الناس في فضول المال و الكلام.


      كثرة الكلام توجب قساوة القلب كما في الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير الله يقسي القلب ، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي).

      كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويقول :هذا أوردني الموارد.


      قوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره):امر بأكرام الجار والنهي عن أذاه.


      عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل (أي الذنب أعظم ؟ قال :أت تجعل لله ندا وهو خالقك ، قيل :ثم أي ؟ قال :أن تزاني حليلة جارك ) رواه البخاري ومسلم.


      وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
      لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).

      عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : (قيل يارسول الله إن فلانه تصلي بالليل ، وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطه، قال :لا خير فيها هي في النار وقيل له أن فلانه تصلي المكتوبة ، وتصوم رمضان ، وتتصدق بالأثوار (لبن جامد)، وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدا ، قال :هي في الجنه) رواه الحاكم.

      أولى الجيران بالأحسان اقربهم لك.
      ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت (قلت يارسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال :إلى أقربهما منك بابا).

      وقال طائفة من السلف:حد الجوار أربعون دارا وقيل مستدار أربعين دارا من كل جانب .
      من انواع الأحسان للجار:

      1.مواساته عند حاجته عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة فيقول :يارب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه ) رواه البخاري.

      2.أهدائه مما يطبخ عن أبي ذر قال (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم إذا طبخت مرقا ، فأكثر ماءه ، ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك ، فأصبهم منها بمعروف ) رواه مسلم .


      عدم منعه فيما فيه حاجه في جداره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يمنعن أحدكم جاره ، أن يغرز خشبة في جداره ) رواه البخاري ومسلم.

      ذهب أحمد ومالك أنه يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره فيجب عندها كف اï»·ذى بمنعه .


      قوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيغه):المراد إحسان ضيافته.
      عن أبي شريح رضي الله عنه قال : أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته أذناي حين تكلم به قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيغه جائزته ، قالوا :وما جائزته ؟ قال :يوم وليلة ، قال :والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدقة ) رواه البخاري ومسلم.


      وعن شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ، وما أنفق عليه بعد ذلك ، فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يؤثمه قالوا :يارسول الله وكيف يؤثمه ؟ قال :يقيم عنده ولا شيء له يقريه به ) رواه مسلم .

      قال عبدالله بن عمر:من لم يضف فليس من محمد صلى الله عليه وسلم ولا من إبراهيم عليه السلام.

      قال أبو هريرة لقوم نزل عليهم ، فاستضافهم فلم يضيفوه ، فتنحى ونزل فدعاهم إلى طعام فلم يجيبوه ، فقال لهم :لا تنزلون الضيف ولا تجيبون الدعوة ما أنتم من الأسلام على شيء ، فعرفه رجل منهم فقال له :انزل عافاك الله ، قال :هذا شر وشر ، لا تنزلون إلا من تعرفون .


      النصوص تدل على وجوب الضيافه يوما وليلة . وقال أحمد :له المطالبة بذلك إذا منعه لأنه حق له واجب .

      قال الليث بن سعد :لو نزل الضيف بالعبد أضافه من المال الذي بيده وللضيف أن يأكل وإن لم يعلم أن سيده أذن له ،لأن الضيافة واجبه .

      أما اليومان الأخران وهما الثاني والثالث فهما تمام الضيافة .


      كان ابن عمر يمتنع من الأكل من مال من نزل عليه فوق ثلاثة أيام ، ويأمر أن ينفق عليه من ماله .

      -هل تجب الضيافة على من لا يجد شيئا أم لا تجب ؟

      لا يحل للضيف أن يستضيف من هو عاجز عن ضيافته.

      وقد روي من حديث سلمان قال : ( نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ماليس عندنا ).

      فإذا نهي المضيق أن يتكلف للضيف ماليس عنده دل على أنه لا تجب عليه المواساة للضيف إلا بما عنده ، فإذا لم يكن عنده فضل لم يلزمه شيء، وأما إذا آثر على نفسه كما فعل الأنصاري الذي نزل فيه { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:9].فذلك مقام فضل وإحسان وليس بواجب .

      ولو علم الضيف أنهم يضيفونه بقوتهم وقوت صبيانهم، وأن الصبية يتأذون بذلك لم يجز له استضافتهم .

      ولصاحب المنزل أن يأمر الضيف بالتحول عنه بعد الثلاثة لأنه قضى ما عليه ، وفعل ذلك الأمام أحمد رحمه الله .


      • القرآن جنتي
    • ما شااء الله عليك

      اجتهاااد كبير منك اخيتي الكريمة روؤيا
      شاكرك عليهااا
      وجزاك الله عنا خير الجزاااء

      تقديري
    • [I]ماشاءالله تعالى
      إجتهاد عظيم جدا
      و معلومات مفيده جدا
      في ميزان حسناتك إن شاءالله تعالى
      بارك المولى الغفور فيكي و في و الديكي
      و جزاكي المولى الغفار خير الجزاء
      [/I]
      عذرااااااااااااااااااااااااااا ..صلي على النبي محمد صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه أجمعين.. // قبل أن تغادر صفحتي :79253.imgcache:
    • : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 16)

      عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:أوصني .قال:لا تغضب )، فرد مرارا قال : (لا تغضب ) رواه البخاري.

      هذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير.

      ، ليحفظها عنه خشية أن لا يحفظها لكثرتها ،، ووصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغضب ، ثم رددهذه المسألة عليه مرارا .

      ، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر ، وأن التحرز منه جماع الخير .

      قال جعفر بن محمد :الغضب مفتاح كل شر .
      وقيل لابن المبارك اجمع لنا حسن الخلق في كلمة قال:ترك الغضب .)

      قوله صلى الله عليه وسلم لمن اوصاه : (لا تغضب) يحتمل أمرين :

      1.أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع وكف الأذى والصفح وكظم الغيظ وغيرها من الأخلاق الحميدة.

      فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه .

      2.أن يكون المراد:لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك .بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به ، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان كالآمر الناهي له .

      ولهذا قال تعالى {ولما سكت عن موسى الغضب }الأعراف:154].

      فإذا لم يتمثل الأنسان ما يأمره به غضبه ، وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شر الغضب قال تعالى {وإذا ماغضبوا هم يغفرون}[الشورى:37].

      وقال أيضا {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }[آل عمران :134].

      كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من غضب بتعاطي أسباب تدفع عنه الغضب ، وتسكنه ، ويمدح من ملك نفسه عند غضبه .

      ففي الصحيحين عن سليمان بن صرد قال:

      (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

      ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).


      وخرج الأمام أحمد من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع).

      قيل :إن المعنى في هذا أن القائم متهيئ للانتقام والجالس دونه في ذلك ، والمضجع أبعد عنه ، فأمر بالتباعد عن حالة الانتقام ،

      ويشهد لذالك حديث سنان بن سعد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الغضب جمرة في قلب اللأنسان توقد ، ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئا فليجلس ولا يعدونه الغضب ).

      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).

      قال عمر بن عبدالعزيز:قد أفلح من عصم من الهوى والغضب والطمع .

      وقال الحسن :أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان ، وحرمه على النار :من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب

      الواجب على المؤمن أن تكون شهوته مقصورة على طلب ما أباحه الله له ، وربما تناولها بنية صالحة فأثيب عليها، وأن يكون غضبه دفعا للأذى في الدين له أو لغيره وانتقاما ممن عصى الله ورسوله .

      وهذه كانت حال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا ينتقم لنفسه ، ولكن إذا انتهكت حرمات الله .


      فلما رأى النخامة في قبلة المسجد تغيظ وحكها وقال : (إن أحدكم إذا كان في الصلاة ، فإن الله حيال وجهه ، فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة )

      خدمه انس عشر سنين فما قال له أف قط ، ولا قال له لشيء فعله لم فعلت كذا ، ولا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا .


      وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه لا يواجه بما يكره ، بل تعرف الكراهة في وجهه .

      كما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه .

      قال عطاء بن أبي رباح :ما ابكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فيهدم عمل خمسين سنة أو ستين سنه أو سبعين سنة ، ورب غضبة قد أقحمت صاحبها مقحما ما استقاله . خرجه أبن ابي الدنيا.
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 17)

      عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

      ( إن الله كتب اﻹحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم .

      قوله (إن الله كتب الأحسان على كل شيء):

      معناه :إن الله كتب الأحسان إلى كل شيء أو في كل شيء أو كتب ألأحسان في الولاية على كل شيء، فيكون المكتوب عليه غير مذكور ، وإنما المذكور المحسن إليه .

      لفظ الكتابة يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاءوالأصولين خلافا لبعضهم .

      قال تعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}[النساء:103].

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
      قيام شهر رمضان (إني خشيت أن يكتب عليكم ).

      لفظ كتب هنا يقتضي الوجوب .

      الأحسان :تارة يكون للوجوب كالأحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة والأحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه على ماسبق ذكره ، وتارة يكون للندب كصدقة التطوع ونحوها.

      هذا الحديث يدل على وجوب الأحسان في كل شيء من الأعمال ، لكن إحسان كل شيء بحسبه.

      1. الأحساب في الأتيان بالواجبات الظاهره والباطنه على وجه كمال واجباتها فهو واجب

      مثل ترك المحرمات وترك ظاهرها وباطنها قال تعالى {وذروا ظاهر الأثم وباطنه}الأنعام:120] .


      2.الأحسان فيها بإكمال مستحباتها ، فليس بواجب .مثال :الصبر على المقدورات :فأن يأتي بالصبر عليها على وجهه من غير تسخط ولا جزع .

      3.الأحسان في معاملة الخلق ومعاشرتهم :القيام بما أوجب الله من حقوق ذلك كله .
      والأحسان في سياسة الخلق وولايتهم .

      وما زاد على الواجب ليس بواجب .

      4.الأحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب :إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسلسها وأوحاها من غير زيادة في التعذيب ، فإنه إيلام لا حاجة إليه .

      وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ولعله ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال.

      (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) :

      أي أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة القتل ، وهذا يدل على وجوب الأسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه .

      وأسهل الوجوه في قتل الأدمي ضربه بالسيف على العنق قال تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب }[محمد:4].

      وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية تغزوا في سبيل الله قال لهم : (لا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا).

      القتل المباح يكون على وجهين :

      1.أن يكون قصاص فلا يجوز التمثيل فيه بالمقتص منه ، بل يقتل كما قتل .

      والدليل في الصحيحين (خرجت جارية عليها أوضاح -حلي من فضه -بالمدينة فرماها يهودي بحجر ، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان قتلك ؟ فرفعت رأسها ، فقال لها الثالثة :فلان قتلك ، فخفضت رأسها ، فدعابه رسول الله صلى الله عليه فرضخ رأسه بين حجرين .)

      2.لاقود إلا بالسيف ، وهو قول الثوري .

      آداب التعامل مع البهائم :
      1.النهي عن التحريق بالنار للهوام.

      عن ابن مسعود قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا بقرية نمل قد أحرقت

      ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عزوجل ). رواه احمد والنسائي وابو داود.

      قال أحمد :لا يشوى السمك في النار وهو حي .

      ونهت أم الدرداء عن تحريق البراغيث بالنار .


      2.النهي عن تصبير البهائم:

      وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت .

      ففي الصحيحين عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم ).

      3.النهي أتخاذها هدفا.

      عن ابن عمر (أنه مر بقوم نصبوا دجاجة يرمونها ، فقال ابن عمر :من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا ) مخرج في الصحيحين.

      4.الرفق بها عند ذبحها .

      -عن أبي سعيد الخدري قال : (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يجر شاة بأذنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:دع أذنها وخذ بسالفها ) اي مقدم العنق . رواه ابن ماجه .

      -عن ابن عباس قال: (مر رسول الله صلى الله عليه برجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها ، فقال :أفلا قبل هذا ؟ هل تريد أن تميتها موتات ).رواه الطبراني والخلال .

      قال الأمام أحمد :تقاد إلى الذبح قودا رفيقا ، وتوارى السكين عنها ، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح ،، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار .وقال :ماأبهمت عليه البهائم فلم تبهم أنها تعرف ربها ، وتعرف أنها تموت .

      -الأمر بقطع الأوداج عند الذبح
      عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج) رواه ابو داود.
      -سوقها للذبح سوقا جميلا
      عن ابن سرين أن عمر رأى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها ، فقال له:ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا.
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 18)

      عن أبي ذر جندب بن جنادة ، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنه تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي
      حديث حسن .


      هذه وصية عظيمه جامعة لحقوق الله وحقوق عباده ، فإن حق الله على عباده أن يتقوه حق تقاته ، والتقوى وصية الله للأولين والأخرين قال تعالى{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }[النساء:131].


      وأصل التقوى :أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه

      ، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه .


      قال معاذ بن جبل :ينادى يوم القيامة أي المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر ، قالوا له :من المتقون ؟ قال :قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله بالعبادة .


      قال ابن عباس المتقون: الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به .

      وقال الحسن:المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم ، وأدوا ما افترض الله عليهم .

      قال الحسن :ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام .

      قال الثوري :إنما سموا متقين لأنهم اتقوا مالا يتقى .

      قوله (اتق الله حيثما كنت):

      مراده في السر والعلانية حيث يراه الناس وحيث لا يرونه .

      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة).

      وما يعين على التقوى هو استحضار واستشعار قرب الله تعالى من العبد وأنه مطلع عليه قبل إطلاع البشر عليه فيستحي من نظره إليه .

      وهو علامة كمال الأيمان ومحبة الخلق له .

      قوله (وأتبع السيئة الحسنه تمحها):

      أمر بفعل ما يمحوا السيئات وهو أن يتبعها بالحسنة قال تعالى {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين }[هود:114 ]


      وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      (أذنب عبد ذنبا فقال :رب أني عملت ذنبا فاغفر لي فقال الله :علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ، ثم أذنب ذنبا آخر إلى أن قال في الرابعة فليفعل ماشاء ) .

      يعني مادام على هذه الحال كلما أذنب استغفر منه .


      قيل للحسن :ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ، ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود ، فقال :ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه ، فلا تملوا من الأستغفار .

      -في الكتاب تفصيل لمسألة الذنوب وتكفيرها لم أذكرها .والأفضل الرجوع إليها .

      قوله (وخالق الناس بخلق حسن :(
      هذه من خصال التقوى ، ولا تتم التقوى إلا به ، كثير من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده ، فنص على الأمر بإحسان العشرة للناس .

      قال الحارث المحاسبي :ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومه:حسن الوجه مع الصيانه وحسن الخلق مع الديانه ، وحسن الأخاء مع الأمانة.


      وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان ، وأن صاحبه أحب الناس إلى الله وأقربهم من النبيين مجلسا.

      قال صلى الله عليه وسلم : (مامن شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) رواه احمد وابو داود والترمذي .


      قال الحسن :حسن الخلق :الكرم والبذل والاحتمال .

      وقال الشعبي :حسن الخلق:البذلة والعطية والبشر الحسن .

      وقال ابن المبارك:هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى .


      وقال بعض أهل العلم :حسن الخلق كظم الغيظ ، وإظهار الطلاقة والبشر إلا للمبتدع والفاجر والعفو عن الزالين إلا تأديبا وإقامة الحد وكف الأذى عن كل مسلم أو معاهدإلا تغيير منكر أو أخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعد .


      خرج الطبراني من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ألا أدلكم على أكرم أخلاق أهل الدنيا وألأخرة ؟ أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفوا عمن ظلمك ).
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 19)

      عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال : (يا غلام إني أعلمك كلمات :احفظ الله يحفظك ،احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ،لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك ،وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي حسن صحيح .



      هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم امور الدين حتى قال بعض العلماء : تدبرت هذا الحديث ، فادهشني وكدت أطيش فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه .


      قوله (احفظ الله ) يعني :

      احفظ حدوده ، وحقوقه ، وأوامره ونواهيه ، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده ، فلا يتجاوز ه .

      قوله( يحفظك)يعني :

      أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، فإن الجزاء من جنس العمل قال تعالى :{وأوفوا بعهد الله أوف بعهدكم }[البقرة:40].


      قال ابن المنكدر :إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر .


      فمن حفظ الله حفظه الله من كل أذى .قال بعض السلف:من اتقى الله فقد حفظ نفسه ، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه ، والله غني عنه .


      قوله (احفظ الله تجده تجاهك) معناه :

      أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه ، وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويحفظه ويسدده .

      قال تعالى:{إن الله مع الذين أتقوا والذين هم محسنون }[النحل :128]



      كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو متمتع بقوته وعقله فوثب وثبه شديدة فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارح حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر .


      وعكس هذا ان بعض السلف رأى شيخا يسال الناس ، فقال : ان هذا ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره .



      كتب بعض السلف إلى أخ له :أما بعد ، فإن الله معك فمن تخاف ؟ وإن كان عليك فمن ترجو؟

      من عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه ، عامله الله باللطف والأعانة في حال الشدة .

      عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد ، فليكثر الدعاء في الرخاء ).رواه الترمذي .


      قوله( رفعت الأقلام وجفت الصحف):

      كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها أمد بعيد .

      قال تعالى {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}[الحديد :22].


      وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) .


      وفيه أيضا عن جابر (أن رجلا قال :يارسول الله ففيم العمل اليوم ؟أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل ؟

      قال :لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال :ففيم العمل ؟ قال :اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 20)
      عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى "إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري .

      قوله (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى :(

      يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين ، وأن الناس تداولوه بينهم ، وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن .

      قوله (إذا لم تستح فاصنع ما شئت):
      في معناه قولان :

      1.أنه تهديد ووعيد والمعنى :إذا لم يكن لك حياء فاعمل ماشئت فالله يجازيك عليه قال تعالى {اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير }[فصلت:40].

      2.أنه أمر ومعناه أن من لم يستحي صنع مايشاء .

      فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء .
      فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر .


      عن سلمان الفارسي قال :إن الله إذا أراد بعبد هلاكا ، نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء ، لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ، فإذا كان مقيتا ممقتا ، نزع منه الأمانة ، فلم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا كان خائنا مخونا ، نزع منه الرحمة ، فلم تلقاه إلا فظا غليظا ، فإذا كان فظا غليظا نزع ربقة الأيمان من عنقه .فإذا نزع ربقه الأيمان من عنقه لم تلقه إلا شيطانا لعينا ملعنا .


      وقال العباس :الحياء والأيمان في قرن ، فإذا نزع الحياء تبعه الأخر .


      جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء من الأيمان.

      ففي الصحيحين عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول :إنك لتستحي كأنه يقول :قد أضر بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:دعه فإن الحياء من الأيمان ).

      وفي الصحيحين أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الحياء لا يأتي إلا بخير ).


      انواع الحياء :
      1.ماكان خلقا وجبلة غير مكتسب التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها ..

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج العصري : (إن فيك لخلقين يحبهما الله ، قلت ماهما ؟ قال :الحلم والحياء ، قلت أقديما كان أو حديثا ؟ قال بل قديما ، قلت الحمد لله الذي جعلني على خلقين يحبهما الله) رواه أحمد .

      2.حياء مكتسب من معرفة الله ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده ، وهذا من أعلى خصال الأيمان .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : (استحي من الله كما تستحي رجلا من صالح عشيرتك ).


      فإذا سلب الحياء الغريزي والمكتسب ، لم يبقى له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة ، فصار كأنه لا إيمان .


      الحياء الممدوح في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل ، وترك القبيح، لا الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده ، فليس هو من الحياء ، إنما هو ضعف وخور وعجز ومهانة .

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      • القرآن جنتي
    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 21)

      عن أبي عمرو ،وقيل :أبي عمرة سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال : قلت :يارسول الله قل لي في الأسلام قولا لا أسأل عنه أحد غيرك ، قال : (قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم.


      قوله : (قل لي في الأسلام ........لا أسأل عنه أحد): طلب منه أن يعلمه كلاما جامعا لأمر الأسلام كافيا حتى لا يحتاج بعده إلى غيره ..


      قوله ( قل آمنت بالله ثم استقم ).:

      معناه في تفسير قوله تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}فمن مات عليها فهو
      من أهل الأستقامة .


      قال أبو بكر في تفسير : (ثم استقاموا) قال :لم يشركوا بالله شيئا .وعنه قال:لم يلتفتوا إلى إله غيره.

      وروي ان ابن عباس قال :استقاموا على أداء فراضه .

      وعن قتادة قال:استقاموا على طاعة الله .
      وكان الحسن إذا قرأ هذه الأية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .


      الاستقامة :هي سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها كذلك .فصارت الوصية جامعة لخصال الدين كلها .


      قوله تعالى {فاستقيموا إليه واستغفروه}.
      إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها ، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة .


      فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : (اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنه تمحها).

      وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن تطيق الاستقامة حق الاستقامة ، كما خرجه الأمام أحمد وابن ماجة من حديث ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

      : (استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ).


      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سددوا وقاربوا ).


      فالسداد هو حقيقة الاستقامة ، وهو الأصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد .

      المقاربة :أن تصيب ماقرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه .


      فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد ، كمافسر أبو بكر الصديق وغيره قوله :{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}.

      بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره ، فمتى استقام القلب على معرفة الله ، وعلى خشيته ، وإجلاله ، ومهابته ،ومحبته ، وإرادته ، ورجائه ، ودعائه والتوكل عليه ، والأعراض عما سواه ، استقامت الجوارح ملها على طاعة الله ،

      فإن القلب هو ملك الأعضاء ،وهي جنوده ، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه .


      ولا يستقيم القلب إلا بإستقامة اللسان ؛ فأنه ترجمان القلب والمعبر عنه ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة ، صاه بعد ذلك بحفظ اللسان .

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 22)

      عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما:أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :أرأيت إذا صليت المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة؟ قال (نعم) رواه مسلم.


      معنى حرمت الحرام :اجتنبته
      معنى أحللت الحلال:فعلته معتقدا حله .


      والمعنى أنه يفعل ماليس بمحرم عليه ، ولا يتعدى ما أبيح له إلى غيره، ويتجنب المحرمات .


      قال تعالى :{ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلال طيبا }[ااتوبة:37].

      هذا الحديث يدل على أن من قام بالواجبات ، وانتهى عن المحرمات ، دخل الجنة .


      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أعرابيا قال : (يارسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال :تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، و تؤدي الزكاة المفروضة ، ، وتصوم رمضان، قال :والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم، من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ).


      عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم (أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، قال :تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري.

      ثبت في بعض الأحاديث الصحيحة أن ارتكاب الكبائر يمنع دخول الجنة ، كقوله (لا يدخل الجنة قاطع ) وقوله (لايدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ) وقوله : (لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا )
      وغيره ...


      قال بعض السلف : إن الرجل ليحبس على باب الجنة مائة عام بالذنب كان يعمله في الدنيا .فهذه كلها موانع .

      الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنة على مجرد التوحيد كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : (مامن عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ، ورسوله إلا حرم الله على النار ).رواه الشيخانان

      التوحيد سبب لدخول الجنة وللنجاة من النار، لكن له شروط ، وهي الأتيان بالفرائض ، وموانع وهي اجتناب الكبائر .

      قال الحسن للفرزدق :إن للا إله إلا الله شروطا ، فإياك وقذف المحصنة .


      وقيل للحسن :إن ناسا يقولون :من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة، فقال:من قال لا إله إلا الله ، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
      وقيل لوهب بن منبه :أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال :بلى ولكن مامن مفتاح إلا وله أسنان ، إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك .


      وهذا يشبه ماروي عن ابن عمر أنه سئل عن لا إله إلا الله هل يضر معها عمل كما لاينفع مع تركها عمل ؟ فقال ابن عمر : عش ولا تغتر .

      قال تعالى {أفرئيت من اتخذ إلهه هواه }[الجاثية :23].


      قال الحسن :هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه وقال قتاده :هو الذي كلما هوى شيئا ركبه ، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى .


      من أطاع الشيطان في معصية، فقد عبده قال تعالى {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين }[يس:60].
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 23)

      عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الأيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله ضياء ، والقرءان حجة لك أو عليك ؛ كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم.


      قوله : (الطهور شطر الأيمان ):فسر بعضهم هنا بترك الذنوب ،قال تعالى:{إنهم أناس يتطهرون }[الأعراف:82].


      والصحيح الذي عليه الأكثرون :أن المراد بالطهور :التطهر بالماء من الأحداث .


      وقال البعض الأخر الشطر :هو الجزء ، لا أنه النصف بعينه ، فيكون الطهور جزءا من الإيمان . وعليه اختلف الناس في معنى كون الطهور بالماء شطر الأيمان .


      عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مامنكم من أحد يتوضأ فيبلغ ، أو يسبغ الوضوء ، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، وإلا فتحت له أبواب الجنة الثمان يدخل من أيها شاء ).


      الوضوء من خصال الأيمان الخفية التي لايحافظ عليها إلا مؤمن .

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ).

      قوله (والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد تملآن أو تملآ ما بين السموات واï»·رض).


      الحمد لله :اتفقت كل الأحاديث على أنه يملأ الميزان .

      وقيل :أنه ضرب مثلى، وإن المعنى لوكان الحمد جسما لملأ الميزان .


      وقيل :بل الله عزوجل يمثل أعمال بني آدم وأقوالهم صورا ترى يوم القيامة وتوزن ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يأتي القرآن يوم القيامة تقدمه البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف) النهايه ج 3ص 403.


      روايه مسلم (أو تملآن مابين السماء والأرض). فشك الراوي في الذي يملأ مابين السماء والأرض هل هو الكلمتان أو إحداهما .


      وعلى كل حال فالتسبيح دون الحمد في الفضل .كما جاء في حديث علي وأبي هريرة أن التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه .وسبب ذلك أن التحميد إثبات المحامد كلها لله ، فدخل في ذلك إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها ، والتسبيح هو تنزيه الله عن النقائص والعيوب والآفات ، والأثبات أكمل من السلب .


      قوله (الصلاة نور ،والصدقة برهان ، والصبر ضياء .) وفي بعض نسخ (صحيح مسلم ) والصيام ضياء .


      فهذه الأعمال أنوار كلها :

      فالصلاه نور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حافظ العبد على صلاته ، فأقام وضوءها ، وركوعها ، وسجودها ، والقراءة فيها قالت له :حفظك الله كما حفظتني، وصعد بها إلى السماء، ولها نور حتى تنتهي إلى الله عز وجل، فتشفع لصاحبها.


      والصدقة برهان :والبرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس، ومنه حديث أبي موسى :إن روح المؤمن تخرج من جسده لها برهان كبرهان الشمس .


      أما الصبر ،فإنه ضياء ، وهو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس بخلاف القمر، فإنه نور محض، فيه إشراق بغير إحراق.

      ولما كان الصبر شاقا على النفوس ، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها ، وكفها عما تهواه ، كان ضياء، فإن معنى الصبر في اللغة :الحبس ، ومنه قتل الصبر :وهو أن يحبس الرجل حتى يقتل .

      الصبر المحمود أنواع :

      صبر على طاعة الله، صبر عن معاصي الله عزوجل، وصبر على أقدار الله عزوجل.
      والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة.

      والصيام يجمع بينها كلها . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الصوم نصف الصبر ).

      قوله ( القرآن حجة لك أو عليك )
      قال بعض السلف :ماجالس أحد القرآن فقام عنه سالما بل ، إما أن يربح أو أن يخسر ثم قرأ قوله تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارة }[الأسراء:82].
      قال ابن مسعود رضي الله عنه : (القرآن شافع مشفع وحامل مصدق ، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره قاده إلى النار).

      قوله (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ).


      دل على أن الأنسان إما ساع في هلاك نفسه ، أو في فكاكها ، فمن سهى في طاعة الله، فقد باع نفسه لله وأعتقها من عذابه ، ومن سعى في معصية الله تعالى فقد باع نفسه بالهوان .

      قال تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة }[التوبة:111 ].

      وفي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه {وأنذر عشيرتك الأقربين }[الشعراء:214]. (يامعشر قريش ، اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا ...

      قال محمد بن الحنفية :إن الله عز وجل حعل الجنة ثمنا لأنفسكم ، فلا تبيعوها بغيرها .
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 24)

      عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل أنه قال : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا .ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم .ياعبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم .ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم .ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئا .ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم مانقص ذلك من ملكي شيئا .ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصياها لكمةثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) ) رواه مسلم.

      قوله (فيما يرويه عن ربه:ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي).

      يعني أنه منع نفسه من الظلم لعباده .قال تعالى {وما أنا بظلام للعبيد}[ق:29].

      والظلم :أن يعاقب بذنوب غيره .وهو ممايدل على أن الله قادر على الظلم ، ولكنه لا يفعله فضلا منه وجودا وكرما وإحسانا إلى عباده .


      قال أبي بن كعب :لو أن الله تعالى عذب أهل سمواته وأهل أرضه ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم .

      قوله (وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) :
      أنه تعالى حرم الظلم على عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم .

      والظلم نوعان :ظلم النفس وأعظمه الشرك ، وظلم العبد لغيره .

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه الشيخان.


      وقال أيضا (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد }[هود :102].

      قوله (ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته ..........فاستغفروني أغفر لكم ) يعني:

      أن جميع الخلق مفتقرون إلى تعالى في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم ، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق ، فإنه يحرمهما في الدنيا ، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه ، أوبقته خطاياه في الآخرة .

      قال تعالى :
      { من يهد الله فهو المهتد ومن يضللل فلن تجد له وليا مرشدا}[الكهف :17] .

      وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم ، من الطعام والشراب والكسوة وغيرها، كما يسألونه الهداية والمغفرة

      .وفي الحديث (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع).


      وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته . وهو بذلك يظهر حاجته لله ، وافتقاره لله وذلك يحبه الله.


      قوله (كلكم ضال إلا من هديته ) قد يظن أنه معارض لقوله عزوجل (خلقت عبادي حنفاء ) وفي روايه (مسلمين فاجتالتهم الشياطين ) وليس كذلك .فإن الله خلق بني آدم وفطرهم على قبول الأسلام ، ولكن لابد من تعليم الإسلام بالفعل .

      قال تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الأيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا }[الشورى :52 ].


      وعليه يجب على الإنسان أن يطلب الهداية من الله عزوجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).

      قوله (ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني):

      اي أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعا ولا ضرا ، فإن الله تعالى في نفسه غني حميد لا حاجة له بطاعات العباد ولا يعود نفعها إليه ،وإنما هم ينتفعون بها ، ولا يتضرر بمعاصيهم وإنما هم يتضررون بها .

      قال تعالى :
      {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا }[آل عمران : 176 ].



      قوله (ياعبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئا. .........مانقص ذلك من ملكي شيئا).

      إشارة إلى أن ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ، ولو كانوا كلهم بررة أتقياء ، قلوبهم على قلب أتقى رجل منهم ، ولا ينقص ملكه بمعصية العاصين ، ولو كان الجن والأنس كلهم عصاة فجرة قلوبهم على قلب أفجر رحل منهم .

      وهذا الكلام دليل على أن الأصل في التقوى والفجور هو القلب ..

      فإن الله غني بذاته عمن سواه .وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، فملكه ملك كامل لا ينقص فيه بوجه من الوجوه على أي وجه كان .

      قوله (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، مانقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. :(

      المراد بهذا كمال قدرته سبحانه وكمال ملكه ، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ، ولا تنقص بالعطاء ،ولو أعطى الأولين والآخرين من الجن والأنس جميع ما سألوه في مقام واحد ، وفي ذلك حث الخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به .


      وفي الصحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يد الله ملأى ، لا يغيضها نفقه ، سحاء الليل والنهار ، فرأيتم ما أنفق ربكم منذ خلق السموات والأرض ؟ فإنه لم يغيض مافي يمينه ).


      وقال ايضا (إذا دعا أحدكم ، فلا يقل :اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة ، وليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء )

      قال ابو سعيد الخدري :إذا دعوتم الله فارفعوا في المسألة ، فإن ماعنده لا ينفده شيء ، وإذا دعوتم فاعزموا ، فإن الله لا مستكره له .


      قوله(ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصياها لكم ثم أوفيكم إياها):

      اي أنه سبحانه يحصي أعمال عباده، ثم يوفيهم إياها عليها ، قال تعالى :{ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد} [الكهف:49].


      قوله (ثم أوفيكم إياها).:
      الظاهر توفيتها يوم القيامة كما قال تعالى {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}
      [آل عمران :185 ].

      ويحتمل أن المراد :أنه يوفي عباده جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى :{من يعمل سوءا يجز به }[النساء :123].

      روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر ذلك بأن المؤمنين يجازون بسيئاتهم في الدنيا ، وتدخر لهم حسناتهم في الآخرة فيوفون أجورها.

      أما الكافر فإنه يعجل له في الدنيا ثواب حسناته ، وتدخر له سيئاته ، فيعاقب بها في الآخرة ،وتوفيه الأعمال هي توفية جزاءها من خير أو شر .

      فالشر يجازى به مثله من غير زيادة ، إلا أن يعفو الله عنه ، والخير تضاعف الحسنة منه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله قال تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[الزمر :10].


      قوله (فمن وجد خيرا فليحمد الله)
      أي أنه مأمور حينئذ بالحمد لله على ما وجد من جزاء الأعمال الصالحة .
      ،(ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).
      أي أنه مأمور بلوم نفسه على ما فعلت من الذنوب التي وجد عاقبتها في الدنيا .
      وفيه إشارة إلى أن الخير كله من الله فضل على العبد من غير استحقاق له ،والشر كله من عند ابن آدم من اتباع هوى نفسه قال تعالى :{ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك }[النساء:79].
      قال علي رضي الله عنه:لا يرجون عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ، فالله سبحانه إذا أراد توفيق عبد وهدايته ، أعانه ووفقه لطاعته ، فكان ذلك فضلا منه ورحمة ، وإذا أراد الله خذلان عبد وكله إلى نفسه ، وخلى بينه وبينها ، فأغواها الشيطان لغفلته عن ذكر الله ، واتبع هواه وكان أمره فرطا .
      قال سلمان الفارسي :إن المسلم ليبتلى ، فيكون كفارة لما مضى ومستعتبا فيما بقي ، وإن الكافر يبتلى ، فمثله كمثل البعير أطلق فلم يدر لم أطلق وعقل .

      قال مسروق :والله لو أتاني آت ، فأخبرني أن لا يعذبني لا جتهدت في العبادة ، ، قيل:كيف ذلك ؟ قال : حتى تعذرني نفسي إن دخلت النار أن لا ألومها .
      وكان قيس بن عامر يقول والله لأجتهدن ثم والله لأجتهدن ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإلا لم ألم نفسي .


      وكان مطرف بن عبدالله يقول :اجتهدوا في العمل ، فإن يكن الأمر كما نرجوا من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة ، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر ، لم نقل {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل }[فاطر :37].
      نقول قد عملنا فلم ينفعنا ذلك .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      • القرآن جنتي
    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 26).

      عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس :تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ،والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة).رواه البخاري ومسلم.

      قوله (على كل سلامي من الناس عليه صدقة):

      قال أبو عبيد الله :السلامي في الأصل عظم يكون في فرس البعير.

      قال:فكأن معنى الحديث على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة ، يشير أبو عبيدة إلى أن السلامى اسم لبعض العظام الصغار التي في الأبل ، ثم عبر بها عن العظام في الجملة بالنسبة إلى الأدمي وغيره .

      ذكر الأطباء أن جميع عظام البدن مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى السمسمانيات.
      وبعضهم يقول :هي ثلاث مائة وستون عظما ، والذي يظهر أنها مائتان وخمسة وستون عظما ، والباقية صغار لا تظهر وتسمى السمسمانية .

      معنى الحديث :

      أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عبده
      .فيحتاج على كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه ليكون ذلك شكرا لهذه النعمة .

      قال تعالى {يا أيها الأنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك }[الانفطار :6-8].

      وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
      : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ).


      قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم }[التكاثر -8].

      قال :النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العباد :فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم ،
      وهو قوله تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }[الأسراء:36].


      قال سليمان التميمي :إن الله أنعم على عباده على قدره ،
      وكلفهم الشكر على قدرهم حتى رضي منهم الشكر بالاعتراف بقلوبهم بنعمه ، وبالحمد بألسنتهم عليها ،


      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يصبح :اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك ،
      فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر ، فقد أدى شكر ذلك اليوم ، ومن قالها حين يمسي شكر ليلته ).
      رواه أبو داود والنسائي .
      حسنه أبن باز
      وضعفه الألباني


      الشكر درجتين :

      1.واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات فهذا لابد منه .

      ودليله ماخرجه أبو داود من حديث أبي الأسود الديلي قال:

      (كنا عند أبي ذر فقال :يصبح على كل سلامي من أحدكم في كل يوم صدقة ، فله بكل صلاة صدقة ،
      وصيام صدقة ، وحح صدقة ، وتسبيح صدقة ، وتكبير صدقة ،وتحميد صدقة ،
      فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأعمال الصالحات وقال :يجزيء أحدكم من ذلك ركعتا الضحى ).

      وفي حديث صحيح آخر (فإن لم يفعل فليمسك عن الشر ، فإنه له صدقة).


      قال بعض السلف :الشكر ترك المعاصي.


      وقال بعضهم :الشكر أن لا يستعان بشيء من النعم على معصية .


      2.الشكر المستحب :

      وهو وهو العمل بالنوافل ، وهي درجة السابقين المقربين .

      فكان النبي يجتهد في العبادة حتى تتفطر قدماه ،
      فإذا قيل له :لم تفعل هذا وقد غفر لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول :أفلا أكون عبدا شكورا ؟).


      وقال بعض السلف :لما قال الله عز وجل {اعملوا آل داود شكرا }[سبأ :13].
      لم يأت عليهم ساعة من ليل أو نهار إلا وفيهم مصل يصلي .

      أنواع الصدقة التي أشار إليها الحديث :

      1.الصدقة المتعدية ، كالأصلاح ، وإعانة الرجل على دابته يحمله عليها أو يرفع متاعه عليها ،
      والكلمة الطيبة ، ويدخل فيه السلام ، وتشميت العاطس ، وإزالة الأذى عن الطريق، وألأمر بالمعروف
      ، والنهي عن المنكر ، ودفن النخامة في المسجد ، وإعانة ذي الحاجة الملهوف ، وإسماع الأصم
      ، وتبصير المنقوص بصره ، وهداية الأعمى .

      2. الصدقة القاصرة النفع على صاحبها :

      كالتسبيح ، والتهليل ، والمشي إلى الصلاة ، وصلاة ركعتي الضحى ،
      وإنما كانتا مجزئتين عن ذلك كله ، لأن في الصلاة استعمال الأعضاء كلها في الطاعة والعبادة ،
      فتكون كافية في شكر نعمه سلامة هذه الأعضاء .

      ويشترط في هذه الأعمال إخلاص النية
      قال تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس
      ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما }[النساء :114]

      روي عن الحسن وابن سيرين أن فعل المعروف يؤجر عليه وإن لم يكن له فيه نية .

      سئل الحسن عن الرجل يسأله آخر حاجة وهو يبغضه ،
      فيعطيه حياء هل له فيه أجر ؟ فقال :إن ذلك لمن المعروف، وإن في المعروف لأجرا
      .

      • القرآن جنتي
    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 26).

      عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس :تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ،والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة).رواه البخاري ومسلم.

      قوله (على كل سلامي من الناس عليه صدقة):

      قال أبو عبيد الله :السلامي في الأصل عظم يكون في فرس البعير.

      قال:فكأن معنى الحديث على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة ، يشير أبو عبيدة إلى أن السلامى اسم لبعض العظام الصغار التي في الأبل ، ثم عبر بها عن العظام في الجملة بالنسبة إلى الأدمي وغيره .

      ذكر الأطباء أن جميع عظام البدن مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى السمسمانيات.
      وبعضهم يقول :هي ثلاث مائة وستون عظما ، والذي يظهر أنها مائتان وخمسة وستون عظما ، والباقية صغار لا تظهر وتسمى السمسمانية .

      معنى الحديث :

      أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عبده .فيحتاج على كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه ليكون ذلك شكرا لهذه النعمة .

      قال تعالى {يا أيها الأنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك }[الانفطار :6-8].

      وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ).


      قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم }[التكاثر -8].

      قال :النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العباد :فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }[الأسراء:36].


      قال سليمان التميمي :إن الله أنعم على عباده على قدره ، وكلفهم الشكر على قدرهم حتى رضي منهم الشكر بالاعتراف بقلوبهم بنعمه ، وبالحمد بألسنتهم عليها ،


      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال حين يصبح :اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك ، فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر ، فقد أدى شكر ذلك اليوم ، ومن قالها حين يمسي شكر ليلته ).
      رواه أبو داود والنسائي .
      حسنه أبن باز
      وضعفه الألباني


      الشكر درجتين :

      1.واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات فهذا لابد منه .

      ودليله ماخرجه أبو داود من حديث أبي الأسود الديلمي قال:

      (كنا عند أبي ذر فقال :يصبح على كل سلامي من أحدكم في كل يوم صدقة ، فله بكل صلاة صدقة ، وصيام صدقة ، وحح صدقة ، وتسبيح صدقة ، وتكبير صدقة ،وتحميد صدقة ، فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأعمال الصالحات وقال :يجزيء أحدكم من ذلك ركعتا الضحى ).

      وفي حديث صحيح آخر (فإن لم يفعل فليمسك عن الشر ، فإنه له صدقة).


      قال بعض السلف :الشكر ترك المعاصي.


      وقال بعضهم :الشكر أن لا يستعان بشيء من النعم على معصية .


      2.الشكر المستحب :

      وهو وهو العمل بالنوافل ، وهي درجة السابقين المقربين .

      فكان النبي يجتهد في العبادة حتى تتفطر قدماه ، فإذا قيل له :لم تفعل هذا وقد غفر لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول :أفلا أكون عبدا شكورا ؟).


      وقال بعض السلف :لما قال الله عز وجل {اعملوا آل داود شكرا }[سبأ :13].لم يأت عليهم ساعة من ليل أو نهار إلا وفيهم مصل يصلي .

      أنواع الصدقة التي أشار إليها الحديث :

      1.الصدقة المتعدية ، كالأصلاح ، وإعانة الرجل على دابته يحمله عليها أو يرفع متاعه عليها ، والكلمة الطيبة ، ويدخل فيه السلام ، وتشميت العاطس ، وإزالة الأذى عن الطريق، وألأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ودفن النخامة في المسجد ، وإعانة ذي الحاجة الملهوف ، وإسماع الأصم ، وتبصير المنقوص بصره ، وهداية الأعمى .

      2. الصدقة القاصرة النفع على صاحبها :

      كالتسبيح ، والتهليل ، والمشي إلى الصلاة ، وصلاة ركعتي الضحى ، وإنما كانتا مجزئتين عن ذلك كله ، لأن في الصلاة استعمال الأعضاء كلها في الطاعة والعبادة ، فتكون كافية في شكر نعمه سلامة هذه الأعضاء .

      ويشترط في هذه الأعمال إخلاص النية
      قال تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما }[النساء :114]

      روي عن الحسن وابن سيرين أن فعل المعروف يؤجر عليه وإن لم يكن له فيه نية .

      سئل الحسن عن الرجل يسأله آخر حاجة وهو يبغضه ، فيعطيه حياء هل له فيه أجر ؟ فقال :إن ذلك لمن المعروف، وإن في المعروف لأجرا .

      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 27)

      عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البر حسن الخلق ،واﻹثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس )رواه مسلم .

      وعن وابصه بن معبد رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر ؟) قلت نعم ، قال : استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والأثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك).حديث حسن .رواه احمد والدارمي.

      الحديثين اشتملا على تفسير البر بحسن الخلق و بما اطمأنت إليه النفس والقلب .

      قال أبو الدرداء :الخير في طمأنينية ، والشر في ريبة .

      وروي عن ابن مسعود من وجه منقطع أنه قيل له :أرأيت شيئا يحيك في صدورنا ، لاندري أحلال هو أم حرام ؟ فقال :إياكم والحكاكات ، فإنهن الأثم .

      البر يطلق باعتبارين معينين :

      1.باعتبار معاملة الخلق بالأحسان إليهم .

      كالأحسان للوالدين فيقال :بر الوالدين .

      .والحج المبرور لقوله صلى الله عليه وسلم: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).وعند سئل الرسول عن الحج المبرور قال: (إطعام الطعام وإفشاء السلام ).وفي روايه (طيب الكلام ).

      وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : البر شيء هين :وجه طلق وكلام لين.

      2.المعنى الثاني للبر :هو فعل جميع.

      الطاعات الظاهرة والباطنة قال تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى ....} [البقرة :177].


      قوله (البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس).:

      يدل على أن الله فطر عباده على معرفة الحق ، والسكون إليه وقبوله .والنفور عن ضده .

      وقد يدخل هذا في قوله (كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحس فيها من جدعاء)؟

      قال أبو هريرة رضي الله عنه:اقرءوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلقه الله }[الروم :30].


      الحق والباطل لا يلتبس أمرهما على المؤمن البصير بل يعرف الحق بالنور الذي عليه .فيقبله قلبه ، وينفر عن الباطل فينكره ولا يعرفه .

      ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : سيكونة في آخر الزمان قوم يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آبائكم فإياكم وإياهم ).


      دل حديث وابصة وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه فما سكن إليه القلب وانشرح إليه الصدر ، فهو البر والحلال ، وما كان خلاف ذلك فهو ألأ¹ثم والحرام .

      وقوله (الأثم ماحاك في الصدر ، ، وكرهتأن يطلع عليه الناس ).

      إشارة إلى أن الأثم في الصدر حرجا وضيقا وقلقا واضطرابا ، فلم ينشرح له الصدر .ولهذا ينكره الناس .


      قال ابن مسعود رضي الله عنه:ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح .

      وقوله (وإن أفتاك المفتون):

      يعني أن ما حاك في صدر الأنسان ، فهو إثم وإن أفتاه غيره بأنه ليس بأثم ، فهذه مرتبه ثانية ، وهو أن يكون الشيء مستنكرا عند فاعله دون غيره .وقد جعله أيضا إثما .

      وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره بالأيمان ، وكان المفتي يفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي .


      فأما ماكان مع المفتي به دليل شرعي ، ، فالواجب على المستفتي الرجوع إليه .وإن لم ينشرح له صدره.

      وهذا كالرخص الشرعية ، مثل القصر في السفر ، والمرض ، وقصر الصلاة في السفر ، ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال .فهذا لا عبرة به .

      فالرجوع إلى الأمور المشتبهة إلى حواز القلب ، دلت عليه النصوص النبوية ، وفتاوى الصحابة .
      فالصادق يتميز من الكذب بسكون القلب إليه ، ومعرفته ، وبنفوره عن الكذب وإنكاره .
      كما قال الربيع بن خثيم إن للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره .
      قال ابن المهدي :معرفة الحديث إلهام

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 28)

      عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا :يارسول الله كأنها موعظة مودع ، فأوصنا ، قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم بعدي فيسري اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ).
      رواه أبو داود والترمذي ، حسن صحيح .


      قوله (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ).:

      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يعظ أصحابه في غير الخطب الراتبة ، كخطب الجمع والأعياد ، قال تعالى {وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}[النساء :125].
      كان لا يديم وعظهم بل يتخولهم به أحيانا ،

      كما في الصحيحين عن أبي وائل قال : كان عبدالله بن مسعود يذكرنا كل يوم خميس ، فقال له رجل :يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال :ما يمنعني أن أحدثكم ألا كراهة أن أملكم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا.

      قوله (ذرفت منهى العيون ووجلت منها القلوب):

      هذان الوصفان بهما مدح الله المؤمنين عند سماع الذكر قال تعالى {وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }[الحج:34-35].


      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكرالساعة ، اشتد غضبه وعلا صوته واحمرت عيناه كأنه منذر جيش يقول :صبحكم ومساكم .

      قوله (يارسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا :(

      يدل على أنه كان صلى الله عليه وسلم قد أبلغ في تلك الموعظة مالم يبلغ في غيرها.فلذالك فهموا أنها موعظة مودع ، فإن المودع يستقصي مالا يستقصي غيره في القول والفعل .


      وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات

      فقال :إني فرطكم على الحوض ، فإن عرصه كما بين أيلة إلى الجحفة، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا ، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ).


      قوله (فأوصنا):يعني وصية جامعة كافية ، وصية ينفعهم التمسك بها بعده .

      قوله (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة):
      هاتان الكلمتان يجمعان سعادة الدنيا والأخرة.
      أما التقوى ، فهي كافلة بسعادة الأخرة لمن تمسك بها ، وهي وصية الله للأولين والأخرين ،

      قال تعالى :{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إياكم أن اتقوا الله }[النساء :131].

      أما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا .

      قال علي رضي الله عنه:إن الناس لا يصلحهم إلا إمام برا أو فاجر ، إن كان فاجرا عبد المؤمن فيه ربه .وحمل الفاجر فيها إلى أجله.

      قال الحسن :هم يلون من أمورنا خمسا :الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود ، والله مايستقيم الدين إلا بهم ، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح بهم أكثر مما يفسدون مع أن والله إن طاعتهم لغيظ وإن فرقتهم لكفر .

      قوله (وإن تأمر عليكم عبد ).:

      في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
      قال : اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي ، كأن رأسه زبيبة ).


      قوله (فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي.........):

      هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه ، وفي الأعمال والأقوال والأعتقاد ،

      وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أمته على بضع وسبعين فرقة ، وإنها كلها في النار إلا فرقة واحدة .وهي من كان على ماهو عليه وأصحابه .


      قال مجاهد :إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماصنع عمر فخذوا منه .

      وعن الشعبي أنه قال :انظروا ما اجتمعت عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم .


      وصف الخلفاء بالراشدين ، لأنهم عرفوا الحق وقضوا به .

      (المهديين ) :يعني أن الله يهديهم للحق ، ولا يضلهم عنه ،.

      فالأقسام ثلاث :
      الراشد: عرف الحق واتبعه .
      الغاوي :عرفه ولم يتبعه .
      الضال :لم يعرفه بالكلية
      كل راشد فهو مهتد
      وكل مهتد هداية تامه فهو راشد
      لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا .


      قوله (عضوا عليها بالنواجذ):
      كناية عن شدة التمسك بها .
      والنواجذ:ألأضراس .

      قوله(وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة :( تحذير للأمة

      من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة ، وأكد ذلك بقوله (كل بدعة ضلالة ).
      البدعة :ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه .
      قوله (كل بدعة ضلالة :(
      من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء ، وهو أصل من أصول الدين .
      أما البدعة التي لها أصل فهي حسنه كقول عمر بن الخطاب نعمة البدعه عندما جمع الناس لصلاة التراويح .فهي لها أصل أن النبي صلى بهم ولكنه خشي أن تفرض في زمن نزول الوحي فامتنع عنها ، أما زمن عمر فلا وحي وألأصل موجود ،فقال حسنت البدعة
      قال الشافعي :أن أصل البدعة المذمومة ماليس لها أصل من الشريعة يرجع إليه،
      .وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة ، يعني لها أصل من السنة يرجع إليه ،
      وإنما هي بدعة لغة لا شرعا ، لموافقتها السنة .

      ومنها :كتابة تفسير الحديث والقرآن.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 29).


      عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قلت: يارسول أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال :لقد سألت عن شيء عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه :تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت).ثم قال له : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل )، ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون}[السجدة :16-17].ثم قال : (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت بلى يارسول الله. قال (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ).ثم قال (ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟) قلت بلى يارسول الله. فأخذبلسانه ثم قال : كف عليك هذا ) قلت :يانبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال :على مناخرهم -إلا خصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي .حسن صحيح .

      قوله (أخبرني بعمل يدخلني الجنة. .) تقدم شرحه في الحديث 22 .
      وفيه دليل على أن الأعمال سبب لدخول الجنة .

      أما قوله (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ):المراد والله أعلم أن العمل بنفسه لا يستحق به أحد الجنة لولا أن الله عز وجل جعله بفضله ورحمته سببا لذلك ، فالجنة وأسبابها كل من فضل الله ورحمته .


      قوله(سألت عن شيء عظيم):لأن دخول الجنة والنجاة من النار أمر عظيم جدا، ولأجله أنزل الله الكتب والرسل.


      قوله (وإنه ليسر على من يسره الله):إشارة إلى أن التوفيق كله بيد الله عزوجل، فمن يسر عليه الهدى اهتدى ، ومن لم ييسره عليه لم يتيسر له ذلك.

      قال تعالى {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى }[الليل :5-10].

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعملوا فكل ميسر لما خلق له .)


      قوله (ألا أدلك على أبواب الخير ):دله على أبواب الخير من النوافل بعد الواجبات ، فإن أفضل أولياء الله هم المقربون الذين يتقربون إليه بالنوافل بعد أداء الفرائض .

      قوله (الصوم جنة ).

      الجنة :هي ما يستجن به العبد كالمجن الذي يقيه عند القتال من الضرب ، فكذلك الصيام يقي صاحبه من المعاصي في الدنيا ، قال تعالى {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }[البقرة :183].


      قال بعض السلف :الغيبة تخرق الصوم ، والأستغفار يرقعه ، فمن استطاع منكم أن لا يأتي بصوم مخرق فليفعل .


      قال ابن المنكدر :الصائم إذا اغتاب خرق ، وإذا استغفر رقع .


      قوله (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار):دل على أن الصدقة يكفر بها السيئات إما مطلقا أو صدقة السر .

      قوله (صلاة الرجل في جوف الليل :(
      يعني أنها تطفئ الخطيئة أيضا كالصدقة


      في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ).

      روي عن جماعة من الصحابة :أن الناس يحترقون بالنار من الذنوب ، وكلما قاموا إلى صلاة من الصلوات المكتوبة أطفئوا ذنوبهم
      .

      قوله (وصلاة الرجل من جوف الليل):
      ذكر أفضل أوقات التهجد بالليل ، وهو جوف الليل ،

      خرج النسائي والترمذي من حديث أمامة قال :قيل :يارسول الله أي الدعاء أسمع ؟ قال :جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات ).


      قوله (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه.......)


      رأس الأمر ، يعني به :الدين الذي بعث به وهو الإسلام .وجاء تفسبره في رواية أخرى بالشهادتين .


      أما قوام الدين الذي يقوم به الدين كما يقوم به الفسطاط على عموده ، فهو الصلاة ،
      .

      وأما ذروة سنامه وهو أعلى مافيه فهو الجهاد ، وهذا يدل على أنه أفضل الأعمال بعد الفرائض .


      وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه، قال : قلت يارسول الله ، أي العمل أفضل ؟
      قال :إيمان بالله وجهاد في سبيله ).


      قوله (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ..........كف عليك هذا ....

      يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله ، وأن من ملك لسانه ، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه .

      والمراد بحصائد الألسنة :جزاء الكلام المحرم وعقوباته ، فإن الأنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ، ثم يحصد يوم القيامة مازرع ، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة ، ومن زرع شرا من قول أو عمل ، حصد غدا الندامة .
      وظاهر الحديث يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم .

      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين مافيها يزل بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب).


      قال ابن بريدة :رأيت ابن عباس رضي الله عنهما آخذ بلسانه وهو يقول :ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم .وإلا فاعلم أنك ستندم .
      قال الحسن:اللسان أمير البدن ، فإذا جنى على الأعضاء شيئا ، جنت ، وإذا عف عفت.
      قال يحيى بن أبي كثير :ما صلح منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله ،ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 30)

      عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها ) حديث حسن .رواه الدارقطني.

      قال عبيد بن عمير :إن الله عز وجل أحل حلالا، وحرم حراما ، وما أحل فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو .


      قال أبو بكر السمعاني :هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه.
      فمن عمل بهذا الحديث، فقد حاز الثواب ، وأمن العقاب .

      وحكي عن بعضهم :أن هذا الحديث أنفرد بذكر أصول العلم وفروعه وأنه جمع الدين في أربع كلمات .

      الفرائض :مافرضه الله على عباده وألزمهم القيام به ، كالصلاة والزكاة والصيام والحج .

      اختلف العلماء بمعنى الفرض والواجب هل بمعنى واحد ام لا.

      المحارم :هي التي حماها الله تعالى ومنع من قربانها وارتكابها وانتهاكها .

      قال تعالى {قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم أن لاتشركوا به شيئا }[الأنعام :51].

      وقوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن }[الأعراف :33].

      أما المنهي عنه ، فقد اختلف الناس :هل يستفاد منه التحريم أم لا؟

      وأما حدود الله التي نهى عن اعتدائها ، فالمراد بها جملة ما أذن في فعله ، سواء كان على طريق الوجوب ، أو الندب أو الأباحة.

      ، واعتداؤها :وهو تجاوز ذلك إلى ارتكاب مانهى عنه .

      قال تعالى { وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}[الطلاق:1].

      والمراد :أن من لم يحاوز ما أذن له فيه إلى مانهى عنه فقد حفظ حدود الله ، ومن تعدى ذلك فقد تعدى حدود الله.


      وقد تطلق الحدود ، ويراد بها نفس المحارم، وحينئذ يقال لا تقربوا حدود الله. قال تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها }[البقرة :187].والمراد :النهي عن ارتكاب مانهى عنه في الأية من محظورات الصيام والأعتكاف في المساجد.


      ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم :مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها ، كمثل قوم اقتسموا سفينة.... ) الحديث المشهور
      وأراد بالقائم على حدود الله المنكر للمحرمات والناهي عنها .


      وقال بعضهم المراد النهي عن تجاوز هذه الحدود ، وتعديها عند إقامتها على أهل الجرائم .

      أما المسكوت عنه: فهو مالم يذكر حكمه بتحليل ، ولا إيجاب ، ولا تحريم فيكون معفوا عنه ، لاحرج على فاعله .
      ومما ينبغي أن يعلم :
      أن ذكر الشيء بالتحليل والتحريم مما قد يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة ، فإن دلالة هذه النصوص قد تكون بطريق النص والتصريح وقد تكون بطريق العموم والشمول ، وقد تكون دلالته بطريق الفحوى والتنبيه .
      وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة. وقد تكون من باب القياس .
      وما أنتفى فيه ذلك كله ، فلا يوجب حكمه.
      الموضوع يحتوي على مسائل فقهيه ومسائل فرعيه فالرجوع للكتاب أولى من أختصاره هنا .
      قوله : (فلا تبحثوا عنها :(
      يحتمل هذا النهي أن يكون بزمن النبي صلى الله عليه وسلم خوف التكليف به .فقبول العافية فيه وترك البحث عنه والسؤال خير
      وهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون ، قالها ثلاث).رواه مسلم .

      والمتنطع :هو المتعمق الباحث عما لا يعنيه .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      • القرآن جنتي
    • : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 31).


      عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال : (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )..
      حديث حسن رواه ابن ماجة .

      اشتمل الحديث على وصيتين عظيمتين :إحداهما الزهد في الدنيا، وأنه مقتض لمحبة الله عزوجل لعبده .

      قال تعالى {تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علو في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}[القصص:79-83].

      في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

      ( مر بالسوق واناس كنفيه (اي بجانب ) فمر بجدي أسك ميت ، فتناوله ، فأخذ بأذنه فقال :أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا :مانحب أنه لنا بشيء ،ومانصنع به ؟ قال :أتحبون أنه لكم ؟ قالوا: والله لو كان حيا ، كان عيبا فيه لأنه أسك ، فكيف وهو ميت ؟فقال :والله ، للدنيا أهونةعلى الله من هذا عليكم ).

      والثانية :الزهد فيما أيدي الناس ، وأنه مقتض لمحبة الناس .

      الزهد في الشيء :هو الأعراض عنه لاستقلاله ، واحتقاره ،وارتفاع الهمة عنه .
      يقال شيء زهيد :أي قليل حقير .

      قال أبو مسلم الخولاني:ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ،ولا إضاعة المال ، إنما الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق مما في يديك ، وإذا أصبت بمصيبة ، كنت أشد رجاءا لأجرها وذخرها من إياها لو بقيت لك .


      فسر بعضهم الزهد في القلب بثلاث :

      1.أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يده نفسه ، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته ، فإن الله سبحانه و تعالى ضمن أرزاق عباده ، وتكفل بها،

      قال تعالى :{وفي السماء رزقكم وما توعدون }[الذاريات :22].

      قال الحسن :إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عزوجل.

      قيل لأبي حازم الزاهد :ما مالك ؟ قال :لي مالان لا أخشى معهما الفقر : الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.

      من حقق اليقين، وثق بالله في أموره كلها ، ورضي بتدبيره له ، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاء وخوفا ، ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكرهة ، كان زاهدا في الدنيا حقيقة .وكان من أغنى الناس ، وإن لم يكن له شيءمن الدنيا .

      2.أن يكون العبد إذا أصيب في الدنيا من ذهاب مال ، أو ولد أو غير ذلك ، أرغب في ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له ، وهذا ينشأ من كمال اليقين .

      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا).

      قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
      من زهد في الدنيا ، هانت عليه المصيبات .

      3.أن يستوي عند العبد حامده وذامه في الحق ، وهذه من علامات الزهد في الدنياة، واحتقارها ، وقلة الرغبة فيها ،

      فإن :من عظمت الدنيا عنده اختار المدح وكره الذم ، فربما ترك الكثير من الحق خشية الذم ، وعلى فعل الكثير من الباطل رجاء المدح.

      قال ابن مسعود رضي الله عنه:اليقين أن لا ترضى الناس بسخط الله .

      وقال الحسن :الزاهد الذي إذا رأى أحدا قال :هو أفضل مني ..

      وهذا يرجع إلى أن الزاهد حقيقة هو ألزاهد في مدح نفسه وتعظيمها .

      واختلف العلماء في انواع الزهاد وبسطوا مسائل تتعلق في الزهد للأستزاده أوصي بالرجوع للكتاب .


      قوله (ازهد في الدنيا يحبك الله ):
      يدل على أن الله يحب الزاهدين في الدنيا.


      عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الأخرة نيته ، جمع الله عليه أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ).
      رواه ابن ماجة في سننه .
      قال وهب :إنما الدنيا والأخرة كرجل له امرأتان :إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.

      والدنيا لا تذم لذاتها بل لمن آثرها وانغمس فيها .

      قال ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه :أنتم أكثر صلاة وصوما وجهادا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم كانوا خيرا منكم ، قالوا :وكيف ذلك ، قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا ، وأرغب منكم في الأخرة .


      قوله (وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ايأس مما في أيدي الناس تكن غنيا ) خرجه الطبراني .


      قال الحسن :لا تزال كريما على الناس، أو لا يزال الناس يكرمونك مالم تعاط ما في أيديهم ، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك.


      قال أيوب السختياني :لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان :العفة عما في أيدي الناس ، والتجاوز عما يكون منهم .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




      ¤جامع العلوم والحكم ¤

      الحديث ( 32)


      عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :لا ضرر ولا ضرار).حديث حسن

      قوله :لا ضرر ولا ضرار ):

      اختلف العلماء في معناهما الضرر والضرار
      منهم من قال :هما بمعنى واحد على وجه التأكيد .والمشهور أن بينهما فرقا .

      الضرر هو الاسم .

      والضرار:الفعل

      فالمعنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع ، وإدخال الضرر بغير حق كذلك .

      وقيل الضرر:أن يدخل على غيره ضررا بما ينتفع هو به .

      والضرار:أن يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له به ..

      وقيل الضرر أن يضر بمن لا يضره .
      والضرار :أن يضر بمن قد أضر به على وجه غير جائز.


      وبكل حال إدخال الضرر على أحد يستحقه ، إما لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته ، أو كونه ظلم غيره .فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل .فهذا ليس بضرر ولا ضرار.

      ألحاق الضرر بغير حق نوعين :

      الأول :أن لا يكون في ذلك غرض سوى الضرر للغير .فهو قبيح ومحرم .كالأضرار بالوصية .
      قال تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار }[ النساء :12].

      -ومنها الرجعة في النكاح بقصد الأضرار قال تعالى {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه }[البقرة :231].
      وغيرها كثير .

      -.أن يكون له غرض آخر صحيح ، مثل أن يتصرف بملكه بما فيه مصلحة له ، فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره ، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه توفيرا له فيتضرر الممنوع بذلك .

      مثل أن يحفر بئر بالقرب من بئر جاره، فيذهب ماؤها .

      أو كمن يضر بجيرانه بالروائح الكريهة المنبعثة من بيته .

      أو كمن له ملك في أرض غيره ، ويتضرر صاحب الأرض بدخوله .فإنه يجبر على إزالته لدفع الضرر.

      ومثل وجوب العمارة على الشريك الممتنع من العمارة ، وإيجاب البيع إذا تعذرت القسمة .

      والثاني :هو منع الجار من الانتفاع بملكه والارتفاق به ، فإن كان ذلك يضر بمن انتفع بملكه فله المنع ، كمن له جدار واه ولا يحمل أن يطرح عليه الخشب.

      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :لا يمنعن أحدكم جاره، أن يغرز خشبة على جداره ).

      قال أبو هريرة:مالي أراكم عنها معرضين ، ، والله لأرمين بها بين أكتافكم ،

      وقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على محمد بن مسلمة أن يجري ماء جاره في أرضه ، وقال :لتمرن به ولو على بطنك .

      ومما ينهى عنه منعه للضرر منع الماء والكلأ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
      قال :لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ).

      ومما يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر):أن الله لم يكلف عباده فعل ما يضرهم البته .

      فإن ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم ودنياهم .

      ولهذا اسقط الطهارة بالماء عن المريض قال تعالى {مايريد الله ليجعل عليكم من حرج }[المائدة: 6].


      وأسقط الصيام عن المريض والمسافر قال تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريدةبكم العسر }[البقرة :185].
      وغيرها ...
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 33)


      عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :لو يعطى الناس بدعواهم ، لأدعى رجال أموال قوم ودماءهم ،لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ).حديث حسن رواه البيهقي .


      دلت أحاديث كثيره على معنى الحديث منها في الصحيحين عن الأشعث بن قيس قال :كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (شاهداك أو يمينه ، قلت :إذا يحلف ولا يبالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر ، لقي الله وهو غضبان ، فأنزل الله تصديق ذلك ، ثم قرأ {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا }
      [آل عمران :77].

      أختلف العلماء في هذا الباب على قولين:
      1.أن البينة على المدعي أبدا . واليمين على المدعى عليه أبدا .

      ورأوا أن لا يقضى بشاهد ويمين لأن اليمين لا تكون على المدعي. بل تكون جانب المدعى عليه .

      2.أنه يرجح جانب أقوى المتداعيين ، وتجعل اليمين في جانبه .وهذا مذهب مالك .

      قوله (واليمن على المدعى عليه ):
      يدل على أن من ادعي عليه دعوى فأنكر ، فإن عليه اليمين ، وهذ قول أكثر الفقهاء .

      وقال مالك إنما تجب اليمين على المنكر إذا كان بين المتداعيين نوع مخالطة ، خوفا من أن يبتذل السفهاء الرؤساء بطلب أيمانهم .

      الحديث يشتمل على الكثير من المسائل تتعلق باليمين . اوصي بالكتاب للتعمق وفهم المزيد .

      اختلف الفقهاء هل يستحق الحلف في جميع حقوق الأدمين كقول الشافعي ورواية عن أحمد لا يستحلف إلا فيما يقضي فيه بالنكول.

      ، أو لا يستحلف إلا فيما يصح بذله كما هو المشهور عن أحمد

      ، أو لا يستحلف إلا في كل دعوى لا تحتاج إلى شاهدين كما حكي عن مالك .

      أما حقوق الله عزوجل؛ فمن العلماء من قال :لا يستحلف فيها بحال.

      وقال أبو حنيفة ومالك والليث والشافعي :إذا اتهم فإنه يستحلف .

      مثل من تزوج من لا تحل له ثم ادعى الجهل أنه يحلف على دعواه .

      وكذلك طلاق السكران :يحلف أنه ماكان يعقل .
      وكذا طلاق الناسي :يحلف على نسيانه .

      المؤتمن في حقوق الأدمين فهل يقبل يمينه ام لا ؟ فيه ثلاث أقوال :

      1.لا يمين عليه لأنه صدقه بائتمانه ولا يمين مع التصديق .

      2.عليه اليمين لأنه منكر ، فيدخل في عموم قوله (اليمين على من انكر ).وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك.

      3.لا يمين عليه إلا أن يتهم وهو نص أحمد.

      أما إذا قامت قرينة تنافي حال الائتمان ففد اختل معنى الائتمان .

      قوله (البينة على المدعي واليمين على من أنكر ):
      إنما أريد به إذا أدعى على رجل مايدعيه لنفسه ، وينكر أنه ادعاه عليه ، ولهذا قال في أول الحديث :لو يعطى الناس بدعواهم، لأدعى رجال دماء قوم وأموالهم ).

      أما من ادعى ماليس له مدع لنفسه منكر لدعواه فهذا أسهل من الأول ، ولا بد للمدعي هنا من بينة ،

      ولكن يكتفى من البينة هنا بمالا يكتفى بها في الدعوة على المدعي لنفسه المنكر .


      ويشهد لذلك مسائل :

      1-اللقطعة إذا جاء من يصفها ، فإنها تدفع إليه بغير بينة بالأتفاق .

      2-الغنيمة إذا جاء من يدعي منها شيئا وأنه له واستولى عليه الكفار وأقام على ذلك مايبين أنه له اكتفى به .

      3-المغصوب إذا علم ظلم الولاة ، فطلب ردها من بيت المال.

      كان عمر بن عبد العزيز يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة .

      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 34)

      عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان ) رواه مسلم .


      دل الحديث على وجوب إنكار المنكربحسب القدرة عليه .وأما انكار القلب فلا بد منه .
      فمن لم ينكر بقلبه المنكر دل على ذهاب الأيمان من قلبه .


      قال علي :إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله ).


      قال ابن مسعود هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر .إشارة إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك .


      أما الأنكار باللسان واليد فإنما يجب بحسب الطاقة .


      قال ابن مسعود :يوشك من عاش منكم أن يرى منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .


      خرج أبن ابي الدنيا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :من حضر معصية فكرهها ، فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها).


      يتبين من هذا أن الأنكار بالقلب فرض على كل مسلم ، في كل حال ، وأما الأنكار باليد واللسان فبحسب القدرة .


      كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :مامن قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا ؛ إلا يوشك الله أن يعمهم بعقابه ) أخرجه ابو داوود .

      وخرج ابو داوود من حديث عدي بن عميرة قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروا فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة)).


      قال سعيد بن جبير :قلت لابن عباس :آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر ؟ قال:إن خفت أن يقتلك فلا ، ثم عدت فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت فقال لي مثل ذلك ، وقال :إن كنت لا بد فاعلا ، ففيما بينك وبينه .

      وعليه يكون إصلاح الأمراء والسلاطين الفاسدين بأزالة مافعلوه من المنكرات

      ، مثل أن يريق خمورهم وآلات الطرب ونحوه أو أن يبطل بيده ماأمروا به من الظلم.

      إن كان له قدرة على ذلك .وكل هذا جائز وليس من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم الذي ورد المهي عنه . وهو الخروج بالسيف فهو منهي عنه خشية الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين .

      قال الفضيل بن عياض وغيره ، متى خاف على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو أخذ ماله، سقط أمرهم ونهيهم .


      قال أحمد :لا يتعرض إلى السلطام فإن سيفه مسلول.

      أما حديث (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ):

      يدل على أنه إذا علمةأنه لا يطيق الأذى ، ولا الصبر عليه ، فإنه لا يتعرض حينئذ للأمر وهذا حق ، وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر لذلك .

      قوله (وذلك أضعف الأيمان ):

      يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الأيمان ، ويدل على أن من قدر على خصلةمن خصال الإيمان وفعلها ، كان أفضل ممن تركها عجزا عنها .


      قوله (من رأى منكم منكرا ):

      يدل على أن الأنكار متعلق بالرؤية ، فلو كان مستورا فلم يره ، ولكن علم بة، فالمنصوص عن أحمد أنه لا يتعرض له ،وأن لا يفتش عما استراب به .إما إذا تحقق المنكر وعلم موضعه فإنه ينكره كمن سمع صوت الغناء أو رآه في مكان .


      وأما تسور الجدران على من علم اجتماعهم على منكر ، فقد أنكره الأئمه .لأنه داخل في التجسس المنهي عنه .

      قيل لأبن مسعود فلان تقطر لحيته خمرا ، فقال :نهانا الله عن التجسس .

      المنكر الذي يجب إنكاره:ماكان مجمعا عليه ، وأما المختلف ففيه خلاف .

      الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل على رجاء ثوابه ، وتارة خوف العقاب في تركه ، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه ، وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته .


      قال بعض السلف :وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله ، وأن لحمي قرض بالمقاريض.
      وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز يقول لأبيه :وددت أني غلت بي وبك القدور في الله تعالى.

      وعلى كل حال يتعين الرفق في الأنكار .


      قال سفيان الثوري :لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال:رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى ،عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر ، عالم بما نهى .


      قال أحمدة:الناس محتاجون إلى مدارة ورفق الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق .فلا حرمة له .

      قال أحمد :يأمر بالرفق والخضوع ، فإن أسمعوه ما يكره ، لا يغضب ، فيكون يريد أن ينتصر لنفسه .
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 35)


      عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

      :لا تحاسدوا، ولا تناجسوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يكذبه، ولا يحقره ، التقوى هاهنا )
      ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام :دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم.


      قوله (لا تحاسدوا):يعني لا يحسد بعضكم بعضا ، والحسد مركوز في طباع البشر ، وهو أن الأنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل .

      وينقسموا على ذلك إلى أقسام :

      1.منهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل .

      2.منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه .

      3.ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه .وهو شرهما وأخبثهما .وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه .وهو ذنب إبليس حيث كان حسد آدم عليه السلام لما رآه فاق الملائكة .


      الحسد صفه شيطانيه ويتصف بها اليهود قال تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ماتبين لهم الحق}[البقرة :109].


      خرج أبو داود من حديث أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو العشب ).


      انواع الحسد:

      1.أن تدعوه نفسه للحسد ولكنه لايبديه ولا يتمنى زوال النعمه عن صاحبها فلا إثم عليه
      .
      2.أن يحدث نفسه بذلك اختيارا ،ويبديه في نفسه ويتمنى زوال نعمة أخيه ، فهو كالمصر على المعصية.


      3.وقسم إذا حسد لم يتمنى زوال نعمة المحسود ، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله .ويتمنى أن يكون مثله .


      فإن كانت فضائل دنيويه فلا خير فيها ، وإن كانت فضائل دينية ، فهو حسن .


      ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا حسد إلا في اثنين :رجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ).وهذا هو الغبطه ، سماه حسدا من باب الا ستعاره .


      4.قسم إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته ، وفي الأحسان إلى المحسود بإسداء الأحسان إليه ، والدعاء له ونشر فضله .وإزالة ما وجد في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبة ، وهو من أعلى درجات الإيمان .


      قوله ( ولا تناجشوا):هو أن يزيد في السلعة من لايريد شراءها ، لنفع البائع ، أو لإضرار المشتري .

      والنجش في اللغة معناه :إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمخادعة ، فسمي الصائد ناجشا ؛ لأنه يثير السمكة بحيلته .


      فيكون المعنى :لا تتخادعوا ، ولا يعامل بعضكم بعضا بالمكر والاحتيال .

      ويدخل تحت النجش كل انواع المعاملات المنهي عنها كالغش والتدليس والغبن وكتمان عيب السلعة .ونحوه...


      وقوله (ولا تباغضوا).:نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والأخوة يتحابون بينهم .


      قال تعالى :{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون }[ المائدة :91 ].


      قوله (ولا تدابروا):

      قال أبو عبيد :التدابر المصارعة والهجران ، مأخوذ من أن يولي الرجل صاحبه دبره ، والصرم من القطع .

      وفي الصحيحين عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ).

      وهذا في الأمور الدنيوية ، أما في الدين ، فتجوز الزيادة على الثلاث نص عليه أحمد .

      واستدل بقصة الثلاث الذين خلفوا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرانهم .


      وماكان في معنى التأديب تجوز الزيادة فيه على الثلاث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا .


      قوله (ولا يبع بعضكم على بيع بعض):

      تكاثر النهي عن ذلك .ففي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :لا يبيع الرجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ).
      ومعناه:أن يكون قد باع منه شيئا فيبذل للمشتري سلعته ليشتريها ، ويفسخ بيع الأول .

      قوله (وكونوا عباد الله إخوانا):

      تعليل لما تقدم وإشاره إلى أن ترك الحسد والتباغض والتدابر وبيع بعصهم على بعض يجعلهم إخوانا .


      عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :تهادوا ، فإن الهدية تذهب وحر الصدر ).رواه الترمذي .

      قال الحسن :المصافحة تزيد في المودة.

      وقال مجاهد :بلغني أنه إذا تراءى المتحابان ، فضحك أحدهما إلى الأخر ، وتصافحا ، تحاتت خطاياهما كما يتحات الورق من الشجر


      قوله (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره).:

      مأخوذ من قوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم }[الحجرات :10].

      المؤمنون إخوه أمروا بما يوجب تآلف القلوب ونهو عما ينفرها . فيوصل له النفع ، ويكف عنه الضرر.

      قوله (التقوى هاهنا، و يشير إلى صدره ثلاث مرات):

      فيه إشارة إلى أن كرم الخلق عند الله بالتقوى وأن التقوى محله القلب ولا يطلع عليه إلا الله.قال تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجران:13].

      قوله (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم):

      أي يكفيه من الشر احتقار أخيه المسلم ، فإنه إنما يحقر أخاه المسلم لتكبره عليه ،

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
      ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ) رواه مسلم .


      قوله (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ):

      لا يحل إيصال الأذى إلى المسلم بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق قال تعالى:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }[الأحزاب :58].


      قال رجل لعمر بن عبد العزيز:اجعل كبير المسلمين عندك أبا ، وصغيرهم ابنا ، وأوسطهم أخا ، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه .

      ومن كلام يحيى بن معاذ الرازي:ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة:إن لم تنفعه ، فلا تضره ، وإن لم تفرحه ، فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 36).


      عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة
      ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم.



      قوله (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ).:

      اي الجزاء من جنس العمل .

      الكربة :الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب ، وتنفيسها أن يخفف عنه منها .والتفريج هو أن يزيل عنه الكربة فتنفرج عنه كربته ، وبزول همه وغمه ، فجزاء التنفيس التنفيس .


      خرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا :أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع ، أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة ، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمنا كسا مؤمنا على عري ، كساه الله من خضر الجنة .


      قوله (كربة من كرب يوم القيامة):
      الكربة هي الشدائد العظيمة وليس كل أحد يحصل له كربه في الدنيا.



      وقيل :لأن كرب الدنيا بالنسبه إلى الأخرة كل شيء ، فادخر الله جزاء تنفيس الكرب عنده ، لينفس به كرب الأخرة .


      قوله (ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة ):وهذا يدل على أن الأعسار قد يحصل في الأخرة ، قال تعالى {وكان يوما على الكافرين عسيرا}[الفرقان:26].


      والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحدى أمرين :إما بإنظاره إلى الميسرة قال تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة}[الفرقان :26].


      وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسرا قال لصبيانه :تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه ).


      قوله (ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والأخرة ).:


      روي عن بعض السلف أنه قال :أدركت قوما لم يكن لهم عيوب ، فذكروا عيوب الناس ، فذكر الناس لهم عيوبا ، وأدركت قوما كانت لهم عيوب ، فكفوا عن عيوب الناس ، فنسيت عيوبهم .


      اعلم أن الناس على ضربين :

      1.من كان مستورا لايعرف بشيء من المعاصي ، فإذا وقعت منه هفوة ، أو زلة ، فإنه لا يجوز هتكها ، ولا كشفها ولا التحدث بها لأن ذلك غيبة محرمة .


      قال تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والأخرة}[النور :19].


      والمراد إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه ، أو اتهم به مما هو بريء منه ، كما في قصة الأفك .


      قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف :اجتهد أن تستر العصاة ، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الأسلام ، وأولى الأمور ستر العيوب ، وهومثل من جاء تائبا نادما وأقر بحد .ولم يستفسر ولم يفسره ، بل يؤمر بأن يرجع ويستر نفسه .


      2.من كان مشهورا بالمعاصي ، معلنا بها لا يبالي بما ارتكب منها ، ولا بماقيل له ، فهذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة كما نص بذلك الحسن البصري.ويقام عليه الحد .

      قوله (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ):
      وفي حديث ابن عمر :ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ).

      بعث الحسن البصري قوما من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم : مروا بثابت البناني ، فخذوه معكم ، فأتوا ثابتا فقال :أنا معتكف ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه ،
      فقال : قولوا له :ياأعمش أما تعلمةأن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة ، فرجعوا إلى ثابت ، فترك اعتكافه وذهب معهم .


      كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استخلف قالت جارية منهم:الأن لايحلبها ، فقال أبوبكر:بلى وإني لأرجوا أن لا يغيرني مادخلت فيه عن شيء .

      وإنما كانوا يقومون بالحلاب ، لأن العرب كانت لاتحلب النساء منهم ، وكانوا يستقبحون ذلك ، وكان الرجال إذا غابوا احتاج النساء. إلى من يحلب لهن .


      قال مجاهد:صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني ، وكان كثير من الصالحين يشترط على أصحابه أن يخدمهم في السفر .

      قوله:
      (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ......الجنة ) :
      الطريق الحقيقي هو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، المؤدية إلى حصول العلم ، مثل حفظه ودراسته ، ومذاكرته ...وغيرها مما يتوصل به للعلم .


      قوله (سهل الله له به طريقا إلى الجنة ):
      قد يراد أن الله يسهل له العلم الذي يطلبه ، وسلك طريقه ، ويسره عليه ، فإن العلم طريق يوصل إلى الجنة.


      وقد يكون مراده أن الله ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى والانتفاع به والعمل بمقتضاه ، فيكون سببا لهدايته ولدخول الجنة بذلك .

      قوله (ماجلس قوم في بيت من بيوت الله.........).

      يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته .

      ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :خيركم من تعلم القرآن وعلمه ).


      أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جزاء الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله أربعة أشياء :

      1..تنزل السكينة عليهم ، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال :كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس ، فتغشته سحابه ، فجعل تدور وتدور ، وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال :تلك السكينة تنزلت للقرآن ).

      2.غشيان الرحمة قال تعالى {إن رحمت ربك قريب من المحسنين }[الأعراف:56]
      خرج البزار من حديث أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر ، فإذا أتوا إليهم حفوابهم ....) الخ..


      3.أن الملائكة تحف بهم ، لقوله في حديث رواه أبو هريرة (فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ).


      4.أن الله يذكرهم فيمن عنده

      .وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :يقول الله عزوجل:أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ).


      قوله (ومن بطأ به عمله لم يسرع به تسبه )
      معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة .

      قال تعالى { ولكل درجات مما عملوا} [الأنعام :132].


      فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله ، لم يسرع به نسبه ، فيبلغه تلك الدرجات ، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال ، لا على الأنساب .

      قال تعالى {فإذا نفخ في الصور فلاانساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون }
      [المؤمنون : 101].

      عن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين )

      يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب، وإن قرب ، وإنما تنال بالأيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانا وعملا، فهو أعظم ولاية له ، سواء كان له نسب قريب ، أو لم يكن

      .وفي هذا المعنى يقول بعضهم :
      لعمرك ما النسان إلا بدينه ....
      فلا تترك التقوى اتكالا على النسب .
      لقد رفع الأسلام سلمان فارس ....
      وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب .
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 37).


      عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، ، قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ،ثم بين ،فمن هم بحسنة فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها ، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة ، فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) ) رواه البخاري ومسلم.



      أنظر أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى ،وتأمل هذه الألفاظ.

      قوله( عنده)يدل على الأعتناء بالأعمال كونها تكون عنده .

      قوله (كاملة) تدل على تأكيد وشدة الاعتناء بها .

      وقوله (كتبها سيئة واحدة) تأكيد تقليلها ب (واحده).ولم يؤكدها ب (كاملة).


      وفي صحيح مسلم عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :يقول الله :من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ).


      كتابة الحسنات والهم بالحسنة والسيئة أربعة أنواع :


      1.عمل الحسنات ،فتضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائةضعف إلى أضعاف كثيرة ، ومضاعفة الحسنة بعشر أمثالها لازم لكل الحسنات.


      قال تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }.[ألأنعام :160].


      قال تعالى {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبه والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }[261 ]. دل على أن النفقه في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف .


      خرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

      :إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ).

      خرج ابن حبان في صحيحه من حديث عيسى بن المسيب ، عن نافع عن ابن عمر قال :

      لما نزلت هذه الأية {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل }[البقرة :261].

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :رب زد أمتي ، فأنزل الله تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}[البقرة :245] ،

      قال: رب زدأمتي ، فأنزل الله تعالى:{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[الزمر :10].


      2.عمل السيئات ، فتكتب السيئة بمثلها من غير مضاعفة .


      قال تعالى { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون }[الأنعام :ئ160].

      قوله :كتب له سيئة واحدة ) إشارة إلى أنها غير مضاعفة ، والسيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان والمكان كما في الشهور الحرم.

      قال تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم }[التوبة :36].

      جعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم .


      قال قتادة :إعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك.

      روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

      قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة :يعني بغير مكة أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة .

      وعن مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات .


      قال ابن جريج :بلغني أن الخطيئة بمكة بمائة خطيئة ، والحسنة على نحو ذلك .


      وقد تضاعف السيئات بشرف فاعلها .وقوة معرفته بالله وقربه منه ، فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم جرما ممن عصاه على بعد.

      ولهذا توعد الله خاصة عباده على المعصية بمضاعفة الجزاء، وإن كان قد عصمهم منها ، ليبين لهم فضله عليهم بعصمتهم .


      قال تعالى {يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين }[الأحزاب :30-35].



      3.الهم بالحسنات فتكتب حسنة كاملة ؛ وإن لم يعملها عن أبي هريرة رضي الله في حديث خرجه مسلم (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ، فأنا أكتبها له حسنة) والظاهر أن المراد بالتحدث :حديث النفس وهو الهم بالشيء.


      قال أبو الدرداء :من أتى فراشه ، وهو ينوي أن يصلي من الليل ، فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له مانوى .


      وروي عن سعيد بن المسيب قال :من هم بصلاة، أو صيام أو حج ، أو عمرة ، أو غزوة فحيل بينه وبين ذلك ، بلغه الله تعالى مانوى.


      4.الهم بالسيئات من غير عمل لها ،
      ففي الحديث أنها تكتب له حسنة كاملة
      ففي حديث ابي هريرة قال (إنما تركها من جراي ) :يعني من أجلي .


      أما من هم بمعصية ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين ، أو مراءاة لهم ، فقد قيل :إنه يعاقب على تركها بهذه النية ، ï»·نه قدم خوف المخلوقين على خوف الله محرم.وكذلك قصد الرياء محرم لهذا يعاقب على تركه .


      قال الفضيل بن عياض :كانوا يقولون :ترك العمل للناس رياء والعمل لهم شرك .


      أما من سعى في حصولها بما أمكنه ، ثم حال بينه وبينها القدر ، فقد ذكر جماعة أنه يعاقب عليها حينئذ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تكلم به أو تعمل ).


      ومن المتأخرين من قال :لا يعاقب على التكلم بما هم به مالم تكن المعصية التي هم بها قولا محرما، كالقذف ، والغيبة ، والكذب .

      فأما ماكان متعلقا بعمل الجوارح ، فلا يأثم بمجرد الكلام ما هم به كمن قال لو عندي مال لعملت فيه المعاصي كما عمل فلان فهذه ليست معصيه بل هو هم يدور بذهنه وليس عنده مال ينفقه في المعاصي .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 38)


      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

      ( إن الله قال :من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ،كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه).رواه البخاري.


      قيل أن هذا الحديث أشرف حديث روي في ذكر الأولياء.

      قال تعالى { من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب }:

      يعني فقد أعلمته بأني محارب له ، حيث كان محاربا لي بمعاداته أوليائي .

      فأولياء الله تجب موالاتهم ، وتحرم معاداتهم ، كما أن أعداءه تجب معاداتهم ، وتحرم موالاتهم قال تعالى { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}[الممتحنة :1].


      اعلم رحمك الله أن جميع المعاصي محاربة لله تعالى .

      قال الحسن :ابن آدم هل لك بمحاربة الله من طاقة ،؟

      فإن من عصى الله فقد حاربه ، لكن كلما كان الذنب أقبح، كانت المحاربة لله أشد ، ولهذا سمى الله أكلة الربا ، وقطاع الطريق محاربين لله تعالى ورسوله .


      قوله (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).:

      لما ذكر أن معاداة أوليائه محاربة له ، ناسب بعد ذلك ذكر وصف أوليائه الذين تحرم معاداتهم وتجب موالاتهم ، فذكر مايتقرب به إليه ،

      وأصل الولاية :القرب .
      وأصل العداوة :البعد .

      فأولياء الله هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه ،
      وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم منه .

      فقسم أولياءه المقربين إلى قسمين:

      1.من تقرب إليه بآداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات وترك المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده
      قال عمر بن عبدالعزيز في خطبته :

      أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم ، وذلك لأن الله تعالى إنما افترض على عباده هذه الفرائض ليقربهم منه ويوجب لهم رضوانه ورحمته .

      مثال على ذلك :عدل الراعي في رعيته والصلاة ونحوها....


      2.من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل ،
      وهي درجة السابقين المقربين، وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات ، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع .

      وذلك يوجب محبة الله .

      قال تعالى { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم }. ]] المائدة : 54].

      إشارة إلى أن من أعرض عن حبنا ، وتولى عن قربنا ، لم نبال، واستبدلنا به من هو أولى بهذه المنحة منه وأحق .

      وصف الذين يحبهم الله ويحبونه ، فقال {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}:

      يعني أنهم يعاملون المؤمنين بالذلة واللين وخفض الجناح، ويعاملون الكافرين بالعزة والشدة عليهم ، والغلظة لهم ، فلما أحبوا الله ، أحبو أولياءه الذين يحبونه.

      قال فرقد السبخي :قرأت في بعض الكتب :من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه ، ومن أحب الدنيا ، لم يكن عنده آثر من هوى نفسه ، والمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء زمرته أول الزمر يوم القيامة .


      ومن اعظم ما يتقرب به العبد إلى الله من النوافل:

      1.كثرة تلاوة القرآن، وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم .
      ،
      قال خباب بن الأرت لرجل :تقرب إلى الله تعالى ما استطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.

      قال عثمام :لو طهرت قلوبكم ماشبعتم من كلام ربكم .


      وقال ابن مسعود :من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله.


      قال بعض العارفين لمريد :أتحفظ القرآن ؟ قال :لا فقال :واغوثاه بالله لمريد لا يحفظ القرآن فبم يتنعم ؟ فبم يترنم ؟فبم يناجي ربه تعالى؟

      كان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ، ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام قائلا يقول له :

      إن كنت تزعم حبي ...فلم جفوت كتابي .
      أما تأملت مافيه ...من لطيف عتابي.

      2.كثرة ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلب واللسان .


      ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ).

      3.محبة أحبابه وأوليائه فيه.

      ففي سنن أبي داود عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
      إن من عباد الله لأناس ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله تعالى، قالوا : يارسول الله من هم ؟ قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى منابر من نور ، ولا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }[يونس:62].

      قوله (فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها):

      المراد أن من اجتهد بالتقرب إلى الله تعالى بالفرائض ثم بالنوافل قربه إليه .، ورقاه من درجة الأيمان إلى درجة الأحسان ، فيصير يعبد الله كأنه يراه .ويمتلئ قلبه بمعرفة الله ، ومحبته ، وعظمته ، وخوفه،

      ومهابته،وإجلاله ، والشوق إليه ، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهد له بعين البصيرة .


      ساكن في القلب يعمره.
      ...لست أنساه فأذكره
      غاب عن سمعي وعن بصري
      ....فسويدا القلب تبصره.


      قال الفضيل بن عياض :إن الله تعالى يقول:كذب من ادعى محبتي ونام عني ، أليس كل محب يحب خلوة محبوبه ؟.

      أوصت امرأة أولادها فقالت لهم :تعودوا حب الله وطاعته ، فإن المتقين ألفوا الطاعة ، فاستوحشت جوارحهم من غيرها ، فإن عرض لهم الملعون بمعصية، مرت المعصية بهم محتشمة فهم لها منكرون .


      قوله (ولئن سألني لأعطينه ،ولئن استعاذني لأعيذنه ). :

      يعني أن هذا المحبوب المقرب ، له عند الله منزلة خاصة تقتضي أنه إذا سأل الله شيئا أعطاه إياه، وإذا أستعاذه به من شيء أعاذه منه ، وإن دعاه أجابه ، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على الله تعالى .

      وقد كان كثير من السلف الصالح معروفا بإجابة الدعوة .


      في صحيح الحاكم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله ï»·بره ، منهم البراء بن مالك ).


      وأن البراء لقي زحفا من المشركين، فقال له المسلمين:أقسم على ربك :فقال :أقسمت عليك يارب لما منحتنا أكتافهم ، فمنحهم أكتافهم ،.


      وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة ، فكذب عليه رجل ، فقال اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ،وأطل عمره .وعرضه للفتن ، فأصاب الرجل ذلك كله ، فكان يتعرض للجواري في السكك ويقول :شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد .

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 39)

      عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن الله تجاوز لي عن أمتي ألخطأ والنسيان ،، وما استكرهوا عليه ).حديث حسن .رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهم .

      أي إن الله رفع لي عن أمتي الخطأ ، أو ترك ذلك عنهم..

      قوله (الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
      فأما الخطأ والنسيام ، فقد صرح القرآن بالتجاوز عنهما ، قال تعالى:
      {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }
      [البقرة :286].


      وفي الصحيح عن عمرو بن العاص سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب ، فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر .).


      قال الحسن :لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين :يعني داود وسليمان لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، فإنه أثنى على هذا بعلمه ، وعذر هذا باجتهاده .


      أما الإكراه فصرح القرآن أيضا بالتجاوز عنه قال تعالى { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن باﻹيمان }[النحل :106].


      الخطأ :هو أن يقصد بفعله شيئا ، فيصادف فعله غير ماقصده ، مثل أن يقصد قتل كافر ، فيصادف قتله مسلما.

      النسيان :أن يكون ذاكرا لشيء ، فينساه عند الفعل ، وكلاهما معفو عنه .

      ولكن رفع الأثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم ،

      وفي هذا خلاف بين العلماء بطول شرحه
      مثال ذلك من نسي التسمية على الذبيحه هل تأكل .

      لو تكلم في صلاة ناسيا هل تبطل .
      لو أكل ناسيا هل يعيد صومه .
      لو جامع ناسيا هل يعيد صومه .

      العلماء بين قولين أحدهما يعيد أن نسي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
      ( من نام عن صلاة أو نسيها ، فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك.)


      ومنهم من قال لايعيد لنسيانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم :من أكل أو شرب ناسيا ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه).


      مالك قال بإعادة الصوم لمن أكل أو شرب ناسيا لأنه بمنزلة إعادة الصلاة والجمهور يقولون :إنه أتى بنية الصيام ، وإنما ارتكب بعض محظوراته ناسيا فيعفى عنه .

      حكم المكره:

      المكره نوعان :
      1.من لا اختيار له بالكلية ، ولا قدرة له على الامتناع .

      ، كمن اكره على ضرب غيره حتى مات ، ولا قدرة له على الامتناع ، أو أضجعت ، ثم زني بها من غير قدرة لها على الامتناع ، فهذا لا إثم عليه بالأتفاق ، ولا يترتب عليه حنث في يمينه عند الجمهور .


      2.من أكره بصرب أو غيره حتى فعل

      ، فهذا الفعل يتعلق به التكليف ، فإن أمكنه أن لا يفعل فهو مختار للفعل ، لان هدفه دفع الضررعنه ، فهو مختار من وجه ، غير مختار من وجه آخر .لهذا اختلف الناس هل هو مكلف أم لا ؟

      الإكراه على الأقوال ،

      اتفق العلماء على صحته ، وأن من أكره على قول محرم إكراها معتبرا ، له أن يفتدي به ، ولا إثم عليه ، والدليل قوله تعالى:
      { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان} [النحل :106].

      قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار (وإن عادوا فعد ) وكان المشركين قد عذبوه حتى يوافقهم على مايريدون من الكفر ففعل .

      وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
      ( لا تشركوا بالله وإن قطعتم وحرقتم ) ) المراد الشرك بالقلوب .

      قال تعالى:
      {وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما }[لقمان :15].
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      • القرآن جنتي
    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 40)

      عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : (كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ).وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري.

      هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ، ولكن ينبغي أن يكون فيها على جناح سفر :يعني جهازه للرحيل .

      قال تعالى {ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرة هي دار القرار}[غافر :39].


      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مالي والدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ).

      دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال يا أبا ذر أين متاعكم ؟ ؟ فقال:إن لنا بيتا نتوجه إليه ، فقال :إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا ، فقال :إن صاحب المنزل لا يدعنا ها هنا .

      قال بعض الحكماء :عجبت ممن الدنيا مولية عنه ، واٍلآخرة مقبلة إليه يشتغل بالمدبرة ، ويعرض عن المقبلة .


      قال الحسن :لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار ، وتقريب الآجال ، هيهات قد صحبا نوحا وعادا وثمود وقرونا بين ذلك كثير ، فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ، ووردوا على أعمالهم ، وأصبح الليل والنهار غضين جديدين ، لم يبلهما ما مرا به ، مستعدين لمن بقي بمثل ما أصابا به من مضى .

      كان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله :أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها وكان هذا دأبه إذا أراد النوم .

      قوله (وخذ من صحتك لسقمك ، ومن حياتك لموتك ).:

      يعني اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم ، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت ،


      في صحيح البخاري عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ).

      وفي صحيح الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه (اغتنم خمسا قبل خمس:شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ).


      وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بادروا بالأعمال ستا:طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة ).

      والمراد من أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال فبعضها يشغل عنه .إما في خاصة الأنسان ، كفقره وغناه ومرضه وهرمه وموته ، وبعضها عام كقيام الساعة وخروج الدجال.

      وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي قال :لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس ، آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)..


      قال تعالى {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أحلها }[المنافقون:10-11].

      روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا (ما من ميت يموت إلا ندم، قالوا:وما ندامته :قال :إن كان محسنا ، ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا ، ندم أن لا يكون استعتب )..

      وعلى هذا يتعين على المؤمن اغتنام مابقي من عمره .

      قال سعيد بن جبير : كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة .

      وقال بكر المزني :ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول :ياابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي ، ولا ليلة إلا تنادي :ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي .

      اغتنم في الفراغ فضل ركوع ..
      فعسى أن يكون موتك بغته .
      كم صحيح مات من غير سقم ....
      ذهبت نفسه الصحيحة فلته .
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 42)


      عن أبي محمد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) حديث صحيح.


      معنى الحديث :أن الأنسان لا يكون مؤمنا كامل الأيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها ، فيحب ما أمر به ويكره مانهى عنه .


      قال تعالى {فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدون حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }[الأحزاب :36].


      وذم الله تعالى من كره ما أحبه الله، وأحب ما كرهه الله ، قال تعالى {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }[محمد:9].


      إذا زادت محبة العبد أتى بما ندب إليه منه فكان ذلك فضلا ، ويكره ما كرهه الله تعالى
      تنزيها صار ذلك فضلا .


      وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين ).


      فلا يكون المؤمن مؤمنا حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله .

      والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات ، قال تعالى :{قل إن كان آباؤكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره }
      [التوبة :24] .

      وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان :أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ).


      قال يحيى بن معاذ:ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده .
      وسئل رويم عن المحبة فقال: الموافقة في جميع الأحوال .

      قال أحدهم :

      تعصي الإله وأنت تزعم حبه
      ........هذا لعمري في القياس شنيع .
      لوكان حبك صادقا لأطعته ........
      إن المحب لمن يحب مطيع .
      فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله.
      قال تعالى {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[القصص:50].
      وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ، ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء .
      وكذلك المعاصي، إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه.

      وكذلك حب الأشخاص :الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب على المؤمن محبة الله من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما .
      ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الأيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا لله .
      وتحريم موالاة أعداء الله ومايكرهه الله عموما .

      وبهذا يكون الدين كله لله (ومن أحب لله ، وأبغض لله، وأعطى لله ، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ).
      ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه ، كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب ، فيجب عليه التوبة من ذلك .والرجوع إلى اتباع ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبة الله ورسوله ورضاهما على هوى نفسه ومراداتها كلها .

      الهوى قد يطلق ويراد به :الميل عن الحق كما في قوله تعالى { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله }[ص:26].

      وقد يطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقا ، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره وربما استعمل بمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه ..

      سئل صفوان بن عسال :هل سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الهوى ؟ فقال :سأله أعرابي عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم ، فقال : المرء مع من أحب )
      والهوى هنا بمعنى المحبة المحمودة .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (43)

      عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تنعالى :، يا ابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي ، ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه الترمذي . حديث حسن .

      (تضمن الحديث الأسباب الثلاثة التي يحصل بها المغفرة. )

      1.الدعاء مع الرجاء .فالدعاء مأمور بهى، وموعود عليه بالأجابة .

      قال تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [غافر :60].

      وفي حديث خرجه الطبراني مرفوعا :من أعطي الدعاء ، أعطي الأجابة ، لأن الله يقول {ادعوني أستجب لكم }.
      ومن أعظم شروط الأجابة: حضور القلب ، ورجاء الأجابة من الله تعالى .

      عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :ادعوا الله وأنتم موقنين بالأجابة ، فإن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه).رواه الترمذي .


      ولهذا نهي العبد أن يقول في دعائه :اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، فإن الله لا مكره له .
      ونهي أن يستعجل ، ويترك الدعاء لاستبطائه الإجابة ، وجعل ذلك من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة ، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء.

      وجاء في الأثار :أن العبد إذا دعا ربه وهو يحبه قال :ياجبريل لا تعجل بقضاء حاجة عبدي ، فإني أحب أن أسمع صوته .
      ومن أدمن قرع الباب ، يوشك أن يفتح له .
      ومن رحمة الله تعالى بعبده أن العبد يدعوه بحاجة من الدنيا، فيصرفها عنه ، ويعوضه خيرا منها ، إما أن يصرف عنه بذلك سوءا أو يدخرها له في الأخرة ، أو يغفر له بها ذنبا .
      عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
      ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث :إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها ، قالوا إذا نكثر ؟ قال :الله أكثر ).
      قوله (إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي :(
      يعني على كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أسكثره ، وفي الصحيح ع
      عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيئ).


      اعلم رحمك الله أن ذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم ، فهي صغيرة في جنب الله ومغفرته .
      2.الاستغفار ولو عظمت الذنوب ، وبلغت عنان السماء.
      قال تعالى {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم }[البقرة :199].

      كثيرا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة ، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح .
      وتارة يفرد الاستغفار ، ويرتب عليه المغفرة .
      يروى عن لقمان أنه قال لأبنه :يابني عود لسانك :اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لايرد فيها سائلا .
      وقال الحسن :أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ، وفي طرقكم ، وفي أسواقكم ، وفي مجالسكم ، وأينما كنتم فإنكم ماتدرون متى تنزل المغفرة .

      ويشهد لهذا مافي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      ( أن عبدا أذنب ذنبا ، فقال :رب أذنبيت ذنبا فاغفر لي ، قال الله تعالى:علم عبدي أن له ربا يغفر ذنبا ، فقال :رب أذنبيت ذنبا فاغفر لي ، قال الله تعالى:علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ به ، غفرت لعبدي ، ثم مكث ماشاء الله، ثم أذنب ذنبا آخر ، فذكر مثل الأول مرتين أخرين) .

      وفي رواية لمسلم :أنه قال في الثالثة : قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ) :

      والمعنى مادام على هذا الحال كلما أذنب استغفر .

      والظاهر أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار.

      وأما الاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب ، فهو دعاء مجرد ، إن شاء الله أجابه، وإن شاء رده .

      وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة .

      قال الضحاك :ثلاثة لا يستجاب لهم ، فذكر منهم :رجل مقيم على امرأة زنا كلما قضى منها شهوته ، قال :رب اغفر لي ما أصبت من فلانة ، فيقول الرب تحول عنها وأغفر لك ، وأما مادمت عليه مقيما لا أغفر لك ....ألخ .

      وأفضل الاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار
      كأن يقول :اللهم اغفر لي .
      جمهور العلماء على جواز أن يقول التائب أتوب إلى الله وأن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية، فإن العزم على ذلك واجب .

      واستحب جماعة من السلف الزيادة على قوله :أستغفر الله وأتوب إليه ) .

      وأفضل أنواع الاستغفار :أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ،ثم يثني بالاعتراف بذنبه ثم يسأل الله المغفرة.

      كمافي حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :سيد الاستغفار أن يقول العبد :اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) اخرجه البخاري .

      قالت عائشة رضي الله عنها:طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا .


      قال أبو هريرة:إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم ألف مرة ، وذلك على قدر ديتي .

      3.التوحيد ، وهو السبب الأعظم ، فمن فقدهى، فقد المغفرة ، ومن جاء به ، فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة .

      قال تعالى:
      {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويعفر ما دون ذلك لمن يشاء }[النساء :48].


      فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة ، لكن هذا مع مشيئة الله عزوجل، فإن شاء غفر له ، وإن شاء أخذه بذنوبه ، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار ، بل يخرج منها ، ثم يدخل الجنة .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 43)

      عن أبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألحقوا الفرائص بأهلها ،فما أبقت الفرائض ، فلأولى رجل ذكر ).خرجه البخاري ومسلم.



      هذا الحديث يشتمل على أحكام المواريث .

      اختلف العلماء في معنى (ألحقوا الفرائض بأهلها ).؛

      قالت طائفة :الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى. والمراد:أعطوا الفرائض المقدرة لمن سماها الله لهم ، فما بقي بعد هذه الفرائض ، فيستحقه أولى الرجال .

      والمراد بالأولى :الأقرب
      ،
      قوله:

      (فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ).المراد:إن المراد به العصبة البعيدة خاصة، كبني الأخوة والأعمام وبنيهم ، دون العصبة القريب .

      الموضوع يشتمل على مسائل فقهيه كثيره ومتنوعه مابين خلاف وتفصيل فالرجوع للكتاب أولى من سردها هنا .

      والتحقيق في ذلك :أن كل مادل عليه القرآن ، ولو بالتنبيه فليس هو مما أبقته الفرائض ، بل هو من إلحاق الفرائض المذكورة في القرآن بأهلها ،

      كتوريث الأولاد ذكورهم وإناثهم الفاضل عن الفروض للذكر مثل حظ الأنثين ، وتوريث الإخوة ذكورهم وإناثهم كذلك ،

      ودل ذلك بطريق التنبيه على أن الباقي يأخذه الذكر منهم عند الانفراد بطريق الأولى ،

      ودل أيضا بالتنبيه على أن الأخت تأخذ الباقي مع البنت كما كانت تأخذه مع أخيها ، ولا يقدم عليها من هو أبعد منها ، كابن الأخ والعم وابنه .فإن أخاها إذا لم يسقطها فكيف يسقطها من هو أبعد منه ؟

      فهذا كله من باب إلحاق الفرائض بأهلها ، ومن باب قسمة المال بين أهل الفرائض على كتاب الله .

      وأما من لم يذكر باسمه من العصبات في القرآن ، كابن الأخ والعم وابنه ،
      فإنما دخل في عمومات مثل قوله تعالى{وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }[النساء:33].
      فإن لم يوجد للمال وارث غيرهم ، انفرد به ، و يقدم منهم الأقرب فالأقرب ،

      لأنه أولى رجل ذكر ، وإن وجدت فروض لا تستغرق المال، كأحد الزوجين أو الأم ، أو ولد الأم ، أو بنات منفردات ، أو أخوات منفردات ، فالباقي كله لأولى ذكر من هؤلاء ..

      ، واستدل بعضهم بقوله (فمابقي فلأولى رجل ذكر :(

      على أن لاميراث لذوي الأرحام ؛لأنه لم يجعل حق الميراث لمن لم يذكر في القرآن إلا الأقرب من الذكور ،

      وهذا الحكم يختص بالعصبات دون ذوي الأرحام .فإن من ورث ذوي الأرحام ، ورث ذكورهم وإناثهم .
      ..
      وأجاب من يرى توريث ذوي الأرحام بأن هذا الحديث دل على توريث العصبات ، لا على نفي توريث غيرهم .

      وتوريث ذوي الأرحام مأخوذ مت أدلة أخرى ، فيكون ذلك زيادة على مادل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 44)


      عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الرضاعة تحرم ماتحرم الولادة ) رواه البخاري .ومسلم .


      أجمع العلماء على العمل بهذه الحديث في الجملة ، وأن الرضاع يحرم ما يحرم النسب ،

      مايحرم من النسب :

      .الولادة والنسب قد يؤثران التحريم في النكاح وهو على قسمين :

      1.تحريم مؤبد على الأنفراد وهو نوعان :

      أ.ما يحرم بمجرد النسب ، فيحرم على الرجل أصوله وإن علون ، وفروعه وإن سفلن ، وفروع أصله الأدنى وإن سفلن ، وفروع أصوله البعيدة دون فروعهن.

      ، فدخل في أصوله أمهاته وإن علون من جهة أبيه وأمه ، وفروعه بناته وبنات أولاده وإن سفلن ، وفي فروع أصله الأدنى أخواته من الأبوين ، أو من أحدهما .وبناتهن وبنات الإخوة وأولادهم وإن سفلن ،


      ودخل في فروع أصوله البعيدة العمات والخالات وعمات الأبوين وخالاتهما وإن علون ، فلم يبق من الأقارب حلالا للرجل سوى فروع أصوله البعيدة ، وهن بنات العم وبنات العمات ، وبنات الخال ، وبنات الخالات .


      ب.ما يحرم من النسب مع سبب آخر وهو المصاهرة ، فيحرم على الرجل حلائل آبائه ، وحلائل أبنائه ،، أمهات نسائه ، وبنات نسائه المدخول بهن ، فيحرم على الرجل أم امرأته وأمهاتها من جهة الأم والأب وإن علون ، ويحرم عليه بنات امرأته ،

      وهن الربائب وبناتهن وإن سفلن ، وكذلك بنات بني زوجته وهن بنات الربائب نص عليه الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله ولايعلم فيه خلاف .
      ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة أبيه وإن علا ، وبأمرأة ابنه وإن سفلن .

      ودخول هؤلاءفي التحريم بالنسب ظاهر ، لأن تحريمهن من جهة نسب الرجل بسبب المصاهرة.
      بالنسبة للمرأة فإنها تشترك مع الرجل في النسب المضاف إلى المصاهرة .
      فيحرم عليها أصولها وإن علوا ، وفروعها وإن سفلوا ، وفروع أصلها الأدنى وإن سفلوا من أخواتها ، وأولاد الإخوة وإن سفلوا ، وفروع أصولها البعيدة وهم الأعمام والأخوال وإن علوا دون أبنائهم ، فكله بالنسل المجرد .
      أما النسب المضاف إلى المصاهرة ، فيحرم عليها نكاح أبي زوجها وإن علا، ونكاح ابنه وإن سفل بمجرد العقد ، ويحرم عليها زوج ابنتها وإن سفلت بالعقد ، وزوج أمها وإن علت ، لكن بشرط الدخول بها .

      2.التحريم المؤبد على الاجتماع دون الانفراد ، وتحريمه يختص بالرجال لاستحالة إباحة جمع المرأة بين الزوجين .

      ، فكل امرأتين بينهما رحم محرم يحرم الجمع بينهما مثل أن بجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها .فإنه يباح عند الأكثرين ، وكرهه بعض السلف .
      فإذا علم مايحرم من النسب ، فكل مايحرم منه ، فإنه يحرم منع الرضاع نظيره .
      فيحرم على الرجل أن يتزوج أمهاته من الرضاعة وإن علون ، وبناته من الرضاعة وإن سفلن ، وأخواته من الرضاعة وبنات أخواته من الرضاعة وعماته وخالاته من الرضاعة وإن علو دون بناتهن .

      ومعنى هذا أن المرأة إذا أرضعت طفلا الرضاع المعتبر في المدة المعتبره،صارت أما له بنص كتاب الله .

      المدة المعتبره هي (سنتين )وهي فترة الرضاعه التي حددها الشارع قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة }. وكل رضعة زاد عمر المرتضع عن عامين فلا يثبت فيه التحريم لأن الشرط أن يكون الرضاع في وقته وهو عمر السنتين فقط لا أكثر .


      سئل ابن عباس عن رجل له جاريتان ، أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما أيحل للغلام أن يتزوج الجارية ، فقال:لا ، اللقاح واحد .
      ولد الزنا هل تنتشر الحرمة إلى الزاني صاحب اللبن ؟
      الجمهور تحرم بنت الزنا على ابيها الزاني وخالفهم الشافعي .
      وهذا التحريم بالرضاع يختص بالمرتضع نفسه ، وينتشر إلى أولاده ، ولا ينتشر تحريمةإلى من في درجة المرتضع من إخوانه وأخواته ، ولا إلى من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواته وخالاته

      ، فتباح المرضعة نفسهالأبي المرتضع من النسب ولأخيهي، وتباح أم المرتضع وأخته منه لأبي المرتضع من الرضاعة ولأخيه
      هذا قول الجمهور.


      وقالوا :يباح أن يتزوج أخت أخيه من الرضاعة وأخت ابنته من الرضاعة ، حتى قال الشعبي :هي أحل من ماء قدس (بحيرة كانت قرب حمص ).

      وقد استثنى كثير من الفقهاء مما يحرم من النسب صورتين فقالوا:لايحرم نظيرهما من الرضاع :

      1.أم الأخت ، فتحرم من النسب ، ولا تحرم من الرضاع .
      2.أخت الابن ، فتحرم من النسب دون الرضاع .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 45).

      عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول :إن الله عزوجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام )، فقيل:يارسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟قال :لا ، هو حرام )، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك :قاتل الله اليهود، إن الله حرم عليهم الشحوم فأجملوها ثم باعوه فأكلوا ثمنه ) خرجه البخاري ومسلم.

      يدل الحديث على أن ماحرم الله الانتفاع به ،
      فإنه يحرم بيعه ، وأكل ثمنه كما جاء مصرحا به في الرواية .ولقوله (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ).

      وهذه كلمة عامة تطرد في كل ماكان

      المقصود الانتفاع به حراما ، وهو قسمان :
      1.ماكان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه كالأصنام ، فإن منفعتها المقصوده منها الشرك بالله .ويلحق بها ماكانت منفعته مخرمه ، ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال والصور وآلات الطرب وشراء الجواري للغناء .واللأسلحة في الفتنة ونحوها .
      2.ما ينتفع به مع إتلاف عينه ،فإذا كان المقصود منه محرما فإنه يحرم ييعه مثل بيع الخمر والخنزير والميتة ، مع أن في بعضها منافعىغير محرمة كأكل الميتة للمضطر ، ودفع الغصة بالخمر ، وإطفاء الحريق به ، والخرز بشعر الخنزير ، ولما كانت هذه المنافع غير مقصوده، لم يعبأ بها وحرم البيع ، لكون المقصود الأعظم من الخنزير والميتة أكلهما ، ومن الخمر شربها .

      وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له :أرئيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ، فقال :لا هو حرام ).

      وقد اختلف الناس في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم : هو حرام ).
      قالت طائفة :ألانتفاع المذكور بشحوم الميته حرام .

      وقالت طائفة :بل أراد أن بيعها حرام ، وإن كان قد ينتفع بها بهذه الوجوه ، ولكن المقصود الأعظم هو الأكل ، فلا يباح بيعها .

      واختلف العلماء في الانتفاع بشحوم الميتة فرخص فيها عطاء ، إلا أن إسحاق قال :إذا احتيج إليه . وقال أحمد يجوز إذا لم يمسه بيده .

      وقالت طائفة :لايجوز ذلك ، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة .

      بقية أجزاء الميتة ، مثل الشعر والقرن ، والجلد ، عند من يقول بطهارتها ؛ جاز بيعها .قبل الدبغ .
      أما الجمهور الذين يرون نجاسة الجلد للميتة قبل الدبغ فمنعوا بيعه حينئذ ؛ لأنه جزء من الميتة .
      اما الكلب فقد ثبت في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ).
      وفي صحيح مسلم عن رافع بن خديج سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب ،وكسب الحجام ).

      وعليه اختلف العلماء في بيع الكلب ،
      فأكثرهم حرموه .
      وقال أبو هريرة :هو سحت ،
      وحرم بيعه لأنه نجس، ولأنه لم يجز الأنتفاع بالكلب إلا للحاجة ولخسته ومهانته ، فإنه لاقيمة له إلا عند ذوي الشح والمهانة وهو متيسر الوجود .

      ورخص طائفة في بيع ما يباح اقتناؤه من الكلاب ، ككلب الصيد
      وهو قول عطاء والنخعي وأبي حنيفة رحمه الله تعالى.
      ورواية عن مالك إنما نهي عن بيع مايحرم اقتناؤه.
      أما بيع الهر فقد أختلف العلماء في كراهته ..
      أما بقية الحيوانات التي لا تؤكل ، كالحشرات ونحوها لايجوز بيعه ولهذا لايصح بيع العلق لمص الدم ولا الديدان للاصطياد ونحو ذلك .
      أما مافيه نفع للاصطياد ، كالفهد والبازي والصقر فحكى أكثر الأصحاب في جواز بيعها .
      ولا يحوز بيع القرد .
      ونهي عن بيع جيف الكفار إذا قتلوا أي جثث الكفار لاتباع لأهلها .

      خرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين فأعطوه بجيفته مالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادفعوا إليهم جيفته ، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدية ، فلم يقبل منهم شيئا).

      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 47)

      عن المقدام بن معد يكرب قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محال ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه) رواه أحمد والترمذي وغيره .حديث حسن.

      هذا الحديث أصل في جامع لأصول الطب كلها.
      وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خثيمة قال :لو تستعمل الناس هذه الكلمات ، لسلموا من الأمراض والأسقام ، ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة.

      قلة الطعام او الغذاء يوجب رقة القلب ، وقوة الفهم ، وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب .وكثرة الغذاء يوجب ضد ذلك .
      قاا الحسن :يا ابن آدم كل في ثلث بطنك ، واشرب في ثلثه ، ودع ثلث بطنك يتنفس ويتفكر .

      قال رجل لأبن عمر :ألا أجيئك بجوارش ؟ قال :وأي شيء هو ؟ قال :شيء يهضم الطعام إذا أكلته ، قال :ما شبعت منذ أربعة أشهر .
      وليس ذاك أني لا أقدر عليه ولكن أدركت أقواما يجوعون أكثر مما يشبعون .
      عن عمروبن قيس قال :إياكم والبطنه فإنها تقسي القلب .
      وعن سلمة بن سعيد قال :إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله .
      قال مالك بن دينار :ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه ، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه .
      وكان يقال :لاتسكن الحكمة معدة ملأى.
      عرض الطعام على بعض أصحاب الحسن ، فقال له :أكلت حتى لا أستطيع أن آكل ، فقال الحسن :سبحان الله ويأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل .!
      عن عثمان بن وائدة قال :كتب إلي سفيان الثوري :إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك ، فأقل من الأكل .
      قال يشر بن الحارث :ماشبعت منذ خمسين سنة ، قال :ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال ، لأنه إذا شبع من الحلال ، دعته نفسه إلى الحرام ، فكيف من هذه الأقذار ؟
      وعن إبراهيم بن أدهم قال :من ضبط بطنه ضبط دينه ، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان .والشبع يميت القلب ، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك.
      ندب الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد إلى التقليل من الطعام وقال : حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ).

      وفي الصحيح أنه قال : المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ).
      والمعنى :أن المؤمن يأكل بآداب الشرع ، فيأكل في معى واحد، والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم فيأكل في سبعة أمعاء .

      وندب صلى الله عليه وسلم مع التقليل من الأكل ببعض الطعام إلى الإثار بالباقي منه فقال :طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة .


      وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا سمينا ، فجعل يومئ بيده إلى بطنه ويقول :لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك).

      وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ).

      وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحوعون كثيرا ، ولايشربون كثيرا ، ويقللون من أكل الشهوات ، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام ، إلا أن الله لايختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ، ولهذا كان ابن عمر يتشبه به ؛ مع قدرته على الطعام.

      ففي الصحيحين عن عائشة قالت:
      ( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض ) .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      : ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 48)

      عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها :إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر ) خرجه البخاري ومسلم.

      النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير ، وإبطال خلافه ، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين :


      1.النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته و كتبه ورسله واليوم ، ويبطن مايناقض ذلك كله .أو بعضه .
      1.النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحه ، ويبطن مايخالف ذلك .
      قالت طائفة من السلف :خشوع النفاق أن ترى الجسد خاشعا ، والقلب ليس بخاشع .
      قال الأوزاعي :قد خاف عمر النفاق على نفسه .
      سئل الإمام أحمد :ماتقول فيمن لايخاف على نفسه النفاق ؟ فقال :ومن يأمن على نفسه النفاق ؟.
      قال الشعبي:من كذب فهو منافق .

      ومن أعظم خصال النفاق العملي :أن يعمل الإنسان عملا ، ويظهر أنه قصد به الخير ، وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سيء ، فيتم له ذلك ، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ، ويفرح بمكره وحمد الناس له على ما أظهره .
      ،_ وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكروة في هذه الأحاديث وهي خمس :
      1.أن يحدث بحديث لم يصدق به ، وهو كاذب له ،،

      وفي (المسند ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كبرت خيانة أخاك حديثا وهو لك مصدق ، وأنت به كاذب ).

      قال الحسن :كان يقال :النفاق اختلاف السر والعلانية ، والقول والعمل ، والمدخل ، والمخرج ، وكان يقال :أس النفاق الذي بني عليه النفاق الكذب .
      2.إذا وعد أخلف وهو على نوعين :
      أ.أن يعد ومن نيته أن لايفي بوعده ، وهذا أشر الخلق ، ولو قال :أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل كان كاذبا وخلفا ، قاله الأوزعي.

      ب.أن يعد ومن نيته أن يفي ثم يبدوا له ، فيخلف من غير عذر له في الخلف .

      في سنن أبي داود عن مولى لعبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن عبدالله بن عامر بن ربيعة ، قال :جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي بيتنا وأنا صبي ، فخرجت لألعب ، فقالت أمي :يا عبدالله تعال أعطيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما أردت أن تعطيه ؟ قالت :أردت أن أعطيه تمرا ، فقال :أما إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة ).
      اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد ، فمنهم من أوجبه مطلقا . والكثير منهم
      لا يوجبونه مطلقا .
      3.إذا خاصم فجر:يعني أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعوا إليه الكذب
      كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ).
      وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ).
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه ، فلا يأخذه ، إنما أقطع له قطعة من النار ).وقال صلى الله عليه وسلم :إن من البيان لسحرا ).
      فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ،، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات. وخصال النفاق .
      4.إذا عاهد غدر، ولم يف بالعهد ، وقد أمر الله بالوفاء بالعهد .قال تعالى {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}.[الإسراء :34].
      وفي الصحيحين لكل غدار لواء يوم القيامة يعرف به ).
      وفي رواية (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال :ألا هذه غدرة فلان ).

      والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ، ولو كان المعاهد كافر
      عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :من قتل نفسا معاهدا بغير حقها لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ).
      رواه البخاري .
      5.الخيانه في الأمانة ، فإذا ائتمن الرجل أمانة ، فالواجب عليه أن يؤديها ، قال تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }[النساء :58].
      الأمانة تكون في الصلاة والصوم والحديث والودائع .
      ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون تغير عليه حضور القلب ورقته و خشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك نفاقا .

      جاء في صحيح مسلم عن حنظلة الأسيدي (أنه مربه أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي ، فقال مالك ؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر ، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا الجنة والنار كأنهما رأي العين ، فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيرا

      ، قال أبو بكر :فوالله أنا لكذلك ، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :مالك ياحنظلة ؟ قال :نافق حنظلة يارسول الله ، وذكر له مثل ما قال لأبي بكر ،

      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكن ، ولكن ياحنظلة ساعة وساعة ).
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث ( 49)

      عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا ، وتروح بطانا ).رواه ألأمام احمد والترمذي وغيره .
      حديث حسن صحيح .


      هذا الحديث أصل في التوكل ، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق
      ، قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه }[الطلاق :2-3].
      وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أبي ذر وقال له : لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ).
      يعني:لو أنهم حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم .
      قال بعض السلف :بحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك حسن توكلك عليه ، فكم من عبد من عباده قد فوض إليه أمره ، فكفاه منه ما أهمه .
      وحقيقة التوكل :هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها .
      وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه .
      قال سعيد بن جبير:التوكل جماع الإيمان .
      قال الحسن :إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته .
      وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
      يقول :
      (اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته ).
      واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها .فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل ،
      فالسعي بالجوارح طاعة له ، والتوكل بالقلب عليه إيمان به كما قال الله تعالى : {ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم }[النساء:71].
      {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل }[الأنفال 60].

      قال سهل التستري :من طعن في الحركة :يعني في السعي والكسب فقد طعن في السنة ، ومن طعن في التوكل ، فقد طعن في الإيمان .فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته ، فمن عمل على حاله ، فلا يتركن سنته .
      تنقسم أعمال العبد لثلاث:
      1.الطاعات التي أمر الله عباده بها ، وجعلها سببا للنجاة من النار ودخول الجنة ، فهذه لابد من فعله مع التوكل على الله فيه ، والاستعانة به عليه ، ومن قصر فيه استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدرا .
      قال يوسف بن اسباط :كان يقال :اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله ، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ماكتب له .

      2.ما أجرى الله العادة به في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه .كالأكل والشرب والجوع ، والشرب عند العطش والاستظلال من الحر فهذا واجب على المرء تعاطي أسبابه ، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله ، فهو مفرط يستحق العقوبة .

      ولكن الله قد يقوي بعض عباده عليه .فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه وينهى أصحابه ويقول لهم :إني لست كهيئتكم ، إني أطعم وأسقى ).

      وفي روايه (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ) .والأظهر أنه أراد بذلك أن الله يقويه ويغذيه بما يورده على قلبه .
      وقد كان لكثير من السلف من القوة على ترك الطعام. فقد كان ابن الزبير يواصل ثمانية أيام .وكان ابو الجوزاء يواصل في صومه سبعة أيام ، ثم يقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها .
      وكان إبراهيم التيمي يمكث شهرين لا يأكل شيئا غير أنه يشرب شربة حلوى .
      وكان حجاج بن فرافضه يبقى أكثر من عشرة أيام لا يأكل ولايشرب ولاينام .
      فمن كان له قوة على مثل هذا فعمل بمقتضى قوته ولم يضعفه عن طاعة الله فلا حرج عليه.
      3.ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم والأغلب ، وقد يخرق العادة في ذلك لمن شاء من عباده .


      صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب )، ثم قال: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون).

      قال بعض السلف :توكل تسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف .
      وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ماحل ودعوا ماحرم ).

      هل التوكل افضل أم الكسب ؟

      ظاهر كلام أحمد أن الكسب أفضل ، فإنه لما سئل عمن يقعد ولا يكتسب ويقول :توكلت على الله، فقال :ينبغي للناس كلهم التوكل على الله ، ولكن يعودون أنفسهم على الكسب .
      وقال الفضيل :لم يفعل الأنبياء ولا غيرهم ، وكان الأنبياء يؤجرون أنفسهم والرسول صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر ولم يقولوا :نقعد حتى يرزقنا اللع عزوجل قال تعالى {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله }[الجمعة :10].
      اعلم أن ثمرة التوكل الرضا بالقضاء ، فمن وكل أموره إلى الله ورضي بما يقتضيه له ، ويختاره ، فقد حقق التوكل عليه .
      قال ابن ابي الدنيا :بلغني عن بعض الحكماء قال:التوكل على ثلاث درجات :
      1.ترك الشكاية
      2.الرضا
      3.المحبة .

      فترك الشكاية درجة الصبر والرضا سكون القلب بماقسم الله له ، وهي أرفع من الأولى ، والمحبة أن يكون حبه لما يصنع الله به .

      فالأولى للزاهدين .
      والثانيه للصادقين
      والثالثة للمرسلين .

      فالتوكل على الله إن صبر على مايقدره الله له من الرزق .فهو صابر .

      وإن رضي بما يقدره له بعد وقوعه، فهو راضي .

      وإن لم يكن له اختيار بالكلية ولا رضا إلا فيما يقدر له ، فهو درجة المحبين العارفين .

      كما كان يقول عمر بن عبد العزيز :أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر .
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث(50)

      عن عبدالله بن بسر قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال :يارسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي ، فباب نتمسك به جامع قال : لايزال لسانك رطبا من ذكر الله).رواه أحمد .
      أمر الله المؤمنين بأن يذكروه ذكر كثيرا، ومدح من ذكره كذلك .قال تعالى :{واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }[الجمعة :10].


      في صحيح مسلم عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جبل يقال له جمدان فقال :سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا :ومن المفردون يارسول الله،؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ).

      قال عمر بن عبدالعزيز ليلة عرفه بعرفة عند قرب الإفاضة :ليس السابق اليوم من سبق بعيره ، وإنما السابق من غفر له .

      خرج الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( استكثروا من الباقيات الصالحات ، قيل :وماهن يارسول الله ،؟ قال :التكبير والتسبيح والتهليل والحمد لله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله ).

      وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ).

      قال معاذ :ï»·ن أذكر الله من بكرة إلى الليل ، أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله من بكرة إلى الليل .

      قال الحسن :أحب عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكرا وأتقاهم قلبا .

      قال كعب :من أكثر ذكر الله برئ من النفاق .
      قال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه :علامة حب الله كثرة ذكره .

      ولهذا ورد فضل الذكر في الأسواق ومواطن الغفلة .
      والذكر المطلق يدخل فيه الطلاة ، وتلاوة القرآن ، وتعلمه، وتعليمه ، والعلم النافع ، كما يدخل في التسبيح والتكبير والتهليل .
      ومنهم من رجح التلاوة على التسبيح ونحوه بعد الفجر والعصر .

      سئل الأوزاعي عن ذلك فقال :كان هديهم ذكر الله فإن قرأ ، فحسن ، وظاهر هذا أن الذكر في هذا الوقت أفضل من التلاوة ، وكذا قال إسحاق في التسبيح عقيب المكتوبات مائة مرة:إن أفضل من التلاوة حينئذ.

      ويستحب أحياء مابين العشاءين بالصلاة والذكر .ويستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل ، كما دلت الأحاديث الصحيحه .

      ويستحب الذكر بعد الصلاتين اللتين لا تطوع بعدهما .، وهما الفجر والعصر ، فيشرع الذكر بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس وهما أفضل أوقات النهار للذكر .قال تعالى:
      { وسبحوه بكرة وأصيلا}[الأحزاب :4].

      وقال أيضا:{وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب }[ق:39].
      ويشرع للإنسان أن يذكر الله آناء الليل وأطراف النهار عند قيامه بمصالحه الدنيويه .
      .فيشرع له ذكر الله ،وحمده على أكله، وشربه ،وركوبه دابته ،وعند الذبح، ويشرع له حمد الله على عطاسه ،وعند رؤية أهل البلاء في الدين أو الدنيا .وغيرها ...
      خرج النسائي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة (أن النبي صلى الله عليه مر به وهو يحرك شفتيه ، فقال :ماذا تقول يا أبا أمامة ،؟ قال :أذكر ربي ، قال :ألا أخبرك بأكثر أو أفضل من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل ؟أن تقول سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد مافي الأرض والسماء، وسبحان الله ملء ما في الأرض والسماء ، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه ، وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه ، وسبحان الله عدد كل شيء ، وسبحان الله ملء كل شيء ، وتقول الحمد لله مثل ذلك .).

      تم بحمد الله
      • القرآن جنتي
    • ¤جامع العلوم والحكم ¤
      الحديث (25)

      عن أبي ذر رضي الله عنه:أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا :يارسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال :أوليس قد جعل الله لكن ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ؛ وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا :يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) ) رواه مسلم.


      معنى الحديث أن الفقراء ظنوا أن لا صدقة إلا بالمال ، وهم عاجزين عن ذلك ، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع أنواع فعل المعروف والأحسان صدقة .

      وفي صحيح مسلم عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كل معروف صدقة ).

      أنواع الصدقة بغير المال :

      الأحسان إلى الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكف عن معصية ، وتعليم العلم وإقراء القرآن ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والسعي في جلب النفع للناس ، ودفع الأذى عنهم ، وكذلك الدعاء للمسلمين والاستغفار لهم .


      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس ، قيل :يارسول ومن أين لنا صدقة نتصدق بها ؟ قال :إن أبواب الخير لكثيرة :التسبيح ، والتكبير ، والتحميد ، والتهليل والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق ، وتسمع الأصم ،وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته ،وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث ،وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف ،فهذا كله صدقة منك على نفسك )
      صحيح ابن حبانى.

      وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يارسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الأيمان والجهاد في سبيله ، قلت :فأي الرقاب أفضل؟ قال :أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا ، قلت :فإن لم أفعل قال :تعين صانعا وتصنع لأخرق ، قلت :يارسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال:تكف شرك عن الناس فإنها صدقة).

      قوله (وفي بضع أحدكم صدقة):

      أي أنه يؤجر على جماعه لأهله بنية طلب الولد الذي يترتب الأجر على تربيته وتأديبه في حياته ، ويحتسبه عند موته ، وأما إذا لم ينو شيئا بقضاء شهوته ، فهذا قد تنازع الناس في دخوله في هذا الحديث .

      في لفظ للبخاري (إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها ، فهو له صدقة).

      دل على أنه يؤجر إذا احتسبها عند الله .

      قوله:
      (أرأيت لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر):

      هذا يسمى عند الأصولين قياس العكس

      .ومنه قول ابن عباس رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى ، قال :من مات يشرك بالله دخل النار )وقلت :من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ) صحيح .


      تكاثرت النصوص بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال ،

      عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

      ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخيرلكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا:بلى يارسول الله قال : ذكر الله عزوجل ). حديث حسن.

      عن أبي الدرداء قال :لأن أقول الله أكبر مائة مرة ، أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار


      • القرآن جنتي