رؤية: بدر بن ناصر الشحيمي -
من فترة طويلة لم نلاحظ قصيدة نابعة من وجدان البيئة وخصوصا من شعراء الجيل الجديد إلا ما ندر ، وكثير من المتابعين والمهتمين تحدثوا وأشاروا بالبنان من خلال القراءات والانطباعات المعنية بهذا الجانب ، ولكن من ذهب من الشعراء إلى الضوء اللحظي والذي سرعان ما يخفت ويدور بهم في حلقة مفرغة ويصلون إلى المثل القائل ( لا طائل لا ماء ولا سماء) ووصل الأمر إلى إرباك ذائقة المتلقي وحصرها في زاوية ضيقة لتحقيق شيء ما في نفس يعقوب من خلال ما يتم تقديمه من نماذج شعرية يعتقدون بأن هذا هو الصحيح ، وسلط الكثيرون الضوء على هذه الصورة الباهتة لكي يتفاداها الشعراء ولكنهم ذهبوا إلى البهرجة والأمسيات التي يكثر فيها الهرج والمرج والتصفيق أكثر من الهدوء الذي يصل إلى الانتشاء والصعود على سلم القصيدة العميقة بالحضور وبالمستمعين وصولا إلى الاحتفاء بالشاعر عن جدارة .
إلى أن أتى شاعر المليون الموسم السادس بحكم إنه المنبر المتسلطن إعلاميا وبعث فينا روح التفاؤل والارتياح من خلال وجود شاعرين من شعراء السلطنة وهما الجميلان حمود بن وهقة وكامل البطحري اللذان قدما نماذج تستحق الإشادة بهما وذلك لعدة أسباب وأهمها التمسك بالهوية بأدق معانيها والانطلاق بالقصيدة عبر مراحل الأزمنة وهي محملة بعبق الأمكنة وبرونق أمجاد الشخوص لذلك تقوست لهما قلوب وعقول المتابعين من شتى الأقطار، لقد تم استثمار البيئة بكل تفاصيلها بإتقان وبحرفة المشغول بهم القصيدة على الرغم من حداثة تجربتهما لا شيء آخر ، لذا تجلت شمس الجودة في كل مفصل من مفاصل نصوصهم المكتنزة بالشعر وبالتراسل بين جميع أطراف القصيدة وبذلك تحقق الهدف وهنا أسوق بعض الأمثلة على سبيل الاختصار من بعض نصوص الشاعرين :- وأنا هنا لست بصدد تناول المشاركات كاملة ولكننا فقط أردت الإشارة إلى وضوح الألوان العمانية المشرقة من البيئة ومن التاريخ بشكل جلي على بعض القصائد رغم أنه لم تخل نصوص كل الشعراء المشاركين من هذه الخصوصية، إلا أن هناك نصوصا كان ارتباطها بالبيئة بشكل لافت سواء بالمفردات أو المكان أو الرموز .
يقول : حمود بن وهقة:
(عُمانيين حُب الأرض عز الدار والسلطان … )
هو هنا يتحدث بصيغة الجمع عن العلاقة الحميمة بالأرض وكان بالإمكان أن يحولها بصيغة المفرد ويصبح المعنى محدودا ومغلقا ، ولكنه أدرك بأنه يمثل وطنا وشعبا وليس هذا استدراك منه وإنما حس متجذر وصورة منقولة من الواقع ، وطبعا هذا الإصرار وصل إلى درجة الإلحاح وذلك من خلال تكرار الحديث عن هذه العلاقة في كل مشاركة سواء في النصوص الرئيسية أو أبيات التهيئة .
ونلاحظ في إحدى المقدمات للشاعر حمود حينما قال :
ركبنا البحر( وحن) أهله ومرّينا على الشطآن
ونقشنا عْمان بأية ديرة كنّا نمر بّْها
إشارة إلى التاريخ البحري العماني والذي لا يخفى على العارفين من الداخل والخارج ولكنه أصر على أن يستثمر هذا المنبر في إيصال رسالة للأجيال الجديدة،ولمن تشوش علمه في هذا الزمان بفعل المصادر المقروءة والمسموعة من الجهات الخارجية سواء بقصد أو بدون قصد ، وأن يؤكد ويذكّر بدور العمانيين قديما في إرساء دعائم الأخوة والتواصل بين شعوب العالم ومن خلال نشر الدين الحنيف ، وبناء المساجد ، وإغاثة المستغيث ، وترسيخ الجوانب الإنسانية السامية والتي يتميز بها العرب من عادات وتقاليد وصفات حميدة والتي بالفعل انبهر بها غيرهم وأخذوها عنهم ..
ويقول أيضا :
(وصلنا تْراب أمريكا بعهد سعيد بن سلطان…)
ويلمح الشاعر إلى النفوذ العماني في عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي والذي اتسع إلى أقصى مداه، حيث امتدت الامبراطورية العمانية من بندر عباس على ضفاف الخليج العربي إلى ميناء زنجبار على الساحل الشرقي لإفريقيا، بالإضافة إلى بعض الجزر الواقعة في منطقة الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي بما فيها أرخبيل جزر القمر ، كما هو موثق في مراجع التاريخ ، وفي عهده بنى أسطولا تجاريا ضخما تسانده قوة بحرية فتية وتم ابرام اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1833، ثم أرسل السلطان سعيد بن سلطان سفينة عمانية (السلطانة) إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس أندرو جاكسون وكانت تقل أول سفير عماني في تلك البلاد وهو أحمد بن النعمان الكعبي ويعتبر أول مبعوث عربي يصل إلى هناك، كل هذه العناصر وظفها الشاعر بكل دهاء وبحبكة لا تقلل من جودة شعره ، ناهيك عن توظيف مقتنيات من التراث القديم التي يتفرد بها المجتمع العماني ويستخدمها الرجل مثل (اليديله ) وما يُلبس في العصر الحديث مثل: (المصر – الكمة – العمامة ) واشترك معه في ذلك الشاعر كامل البطحري ، وأيضا طريقة تشكيل العمامة لكل منطقة لها شكل يختلف عن الأخرى ، وحقيقة هذه أجزاء تدخل في تشكيل شخصية الشاعر وتنعكس على قصائده وربما بصورة غير مباشرة ويهدف الشاعر من الاستعانة بها لتكن حجة تعزز طرحه بدون أن تربك رشاقة قصيدته
ومن أبيات للشاعر كامل حيث يقول في سيرة السلطان قابوس ـ حفظه الله ـ :
كبر وألبستْه (الكمة) وشبّ حتى زان
عليه (المصر) بأخضر وأحمر ألوانه
ويقول في موقع آخر :
وطن لا عجب لىَ قالوا الناس جوّه حر
تأثر بدم رجال بقلوبهم غِيرة
(عمايمهم) تحارب بيوم الوغى ويخر
على ركبته من يأكل الغدر تفكيره
يقول كامل ابن البيئة الصحراوية والبحرية :
أمثّل وطن موجه .. رسل (غمزة) للبر
وبرّه بوجه البحر فتّح نواويره
وللأمكنة رمزية ودلالات تتوارى خلفها قصص من المعاني حينما يسقطها الشاعر في كيان النص ، وتغُنيه عن أشياء كثيرة وبذلك يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد غير المعنى الذي يريده هو؛ كذلك يميط اللثام عن جوانب خفية على من لا يعرف ، ويغري المتلقي للبحث والسؤال ليس في وطن الشاعر فقط وإنما يُمكن أن يسيّل لعاب رغبة البعيدين من حدود الوطن . ومن ذلك ما قاله الشاعر البطحري :
وحمران غمزة عين أهدت جبل سمحان
وسمحان بخّر هرمز بْريحة الْبانه
تبسم وطن في مولده وانجلت الاحزان
وكل الحروف تْزيّنت عند بيبانه
وأيضا من قصيدة للشاعر حمود بن وهقة :
كان الحكي مسجون في كهف جرنان
شق الظلام وشب سنّة وسنّة
وفي مقطوعة أخرى يقول :
كنّي حفيت اللي تقاسم خلّيلين
لآخر إماراتي ولاوّل عماني
لقد حصرت الجمل الوطنية في قصائد الشاعرين ووجدتها خمس وخمسين جملة يدل ذلك على أن حس المسؤولية وصل إلى أعلى ذروة من قمته ، ويدل على أنهم تخطوا مسافة النظرة القصيرة ، والتي لو ظلوا داخل دائرتها لما وصلوا لهذه المراحل المتقدمة .
حقيقة في مثل هذه القنوات التي تطل بالشعراء على الجهات وحتى الغارقة منها في العزلة من العالم تُختبر شاعريتهم ، ويُقاس الفكر الذي يتمتعون به ، وتُوزن مهاراتهم وقدراتهم وعلى ذلك يُميزون عن سواهم . وقد يتضح ذلك من أساليب تناول الأفكار ، ومتى ، وكيف ، ولماذا ؟! ونجد أجوبة كثيرة ولكن هناك أجوبة تشدنا بجاذبية فيها من الإقناع ما يكفي وصولا إلى الحال الذي يمكنا من الحكم عليها ، كما فعل الشاعر حمود بن وهقة في قصيدة (دعوة إلى التعايش)، وهي قصيدة جعلتنا نتماهى معها ونتوحد مع أجزائها ، يُشرّح لنا واقع الأمة المصابة بفيروس الموت وهي الفتنة، داء استشرى في جسدها وأكل منه وشرب ، فتنة بين الفرق والمذاهب الإسلامية، والكلام حول هذا الموضوع ذو شجون اقتنصه الشاعر وفي وقته ، وهو فعلا حديث الساعة وإن كانت سُقيت بذرته منذ زمن بعيد ، ولكن بدأت مواسم الحصاد في واقعنا المعايش والحقيقية في ما يسمى بدول الربيع العربي، وقبلها في العراق، وتمت تغذية هذا البلاء من قنوات وجدت خُصصا لتنشيطه حتى ظهر على السطح ، أراد الشاعر حمود أن يشير إلى لسان هذا المد وينبهنا قبل وصوله ، ووجد كل الأسباب مهيأة لضمان وصول رسالته ، وهذه بعض من مقتطفات دعوة إلى التعايش رسالة إلى غير المدركين بحالة الوئام في مجتمعنا حيث يقول :
خلّوا جسد عثمان في قبر عثمان
كافي وحوش الألسنة ينهشنّه
تتاجروا بْدم الصحابة إلى الآن
من حكّموا المصحف بروس الأسنّة
ويضرب مثلا للتآلف ونبذ التعصب بسلطنتنا الغالية عُمان وهذه نعمة نحمد الله ونشكره عليها وكل ذلك نتيجة للوعي الذي ميز الله به هذا الشعب الطيب والمتسامح الرافض لمثل هذه الأفكار السوداوية:
هذي عمان إن كنت ما تعرف عمان
عقولنا ثوب التطرف رمنّه
نعانق المسجد بعد صوت الآذان
ونسجد إباضية وشيعة وسُنّة
هذه صورة ؛ وهناك الكثير من صور مشاركة هذين الشاعرين في شاعر المليون والكثرة هنا في التفرد وعزفهم سمفونية الخصوصية ومن هذه السمفونية المفردات..
من فترة طويلة لم نلاحظ قصيدة نابعة من وجدان البيئة وخصوصا من شعراء الجيل الجديد إلا ما ندر ، وكثير من المتابعين والمهتمين تحدثوا وأشاروا بالبنان من خلال القراءات والانطباعات المعنية بهذا الجانب ، ولكن من ذهب من الشعراء إلى الضوء اللحظي والذي سرعان ما يخفت ويدور بهم في حلقة مفرغة ويصلون إلى المثل القائل ( لا طائل لا ماء ولا سماء) ووصل الأمر إلى إرباك ذائقة المتلقي وحصرها في زاوية ضيقة لتحقيق شيء ما في نفس يعقوب من خلال ما يتم تقديمه من نماذج شعرية يعتقدون بأن هذا هو الصحيح ، وسلط الكثيرون الضوء على هذه الصورة الباهتة لكي يتفاداها الشعراء ولكنهم ذهبوا إلى البهرجة والأمسيات التي يكثر فيها الهرج والمرج والتصفيق أكثر من الهدوء الذي يصل إلى الانتشاء والصعود على سلم القصيدة العميقة بالحضور وبالمستمعين وصولا إلى الاحتفاء بالشاعر عن جدارة .
إلى أن أتى شاعر المليون الموسم السادس بحكم إنه المنبر المتسلطن إعلاميا وبعث فينا روح التفاؤل والارتياح من خلال وجود شاعرين من شعراء السلطنة وهما الجميلان حمود بن وهقة وكامل البطحري اللذان قدما نماذج تستحق الإشادة بهما وذلك لعدة أسباب وأهمها التمسك بالهوية بأدق معانيها والانطلاق بالقصيدة عبر مراحل الأزمنة وهي محملة بعبق الأمكنة وبرونق أمجاد الشخوص لذلك تقوست لهما قلوب وعقول المتابعين من شتى الأقطار، لقد تم استثمار البيئة بكل تفاصيلها بإتقان وبحرفة المشغول بهم القصيدة على الرغم من حداثة تجربتهما لا شيء آخر ، لذا تجلت شمس الجودة في كل مفصل من مفاصل نصوصهم المكتنزة بالشعر وبالتراسل بين جميع أطراف القصيدة وبذلك تحقق الهدف وهنا أسوق بعض الأمثلة على سبيل الاختصار من بعض نصوص الشاعرين :- وأنا هنا لست بصدد تناول المشاركات كاملة ولكننا فقط أردت الإشارة إلى وضوح الألوان العمانية المشرقة من البيئة ومن التاريخ بشكل جلي على بعض القصائد رغم أنه لم تخل نصوص كل الشعراء المشاركين من هذه الخصوصية، إلا أن هناك نصوصا كان ارتباطها بالبيئة بشكل لافت سواء بالمفردات أو المكان أو الرموز .
يقول : حمود بن وهقة:
(عُمانيين حُب الأرض عز الدار والسلطان … )
هو هنا يتحدث بصيغة الجمع عن العلاقة الحميمة بالأرض وكان بالإمكان أن يحولها بصيغة المفرد ويصبح المعنى محدودا ومغلقا ، ولكنه أدرك بأنه يمثل وطنا وشعبا وليس هذا استدراك منه وإنما حس متجذر وصورة منقولة من الواقع ، وطبعا هذا الإصرار وصل إلى درجة الإلحاح وذلك من خلال تكرار الحديث عن هذه العلاقة في كل مشاركة سواء في النصوص الرئيسية أو أبيات التهيئة .
ونلاحظ في إحدى المقدمات للشاعر حمود حينما قال :
ركبنا البحر( وحن) أهله ومرّينا على الشطآن
ونقشنا عْمان بأية ديرة كنّا نمر بّْها
إشارة إلى التاريخ البحري العماني والذي لا يخفى على العارفين من الداخل والخارج ولكنه أصر على أن يستثمر هذا المنبر في إيصال رسالة للأجيال الجديدة،ولمن تشوش علمه في هذا الزمان بفعل المصادر المقروءة والمسموعة من الجهات الخارجية سواء بقصد أو بدون قصد ، وأن يؤكد ويذكّر بدور العمانيين قديما في إرساء دعائم الأخوة والتواصل بين شعوب العالم ومن خلال نشر الدين الحنيف ، وبناء المساجد ، وإغاثة المستغيث ، وترسيخ الجوانب الإنسانية السامية والتي يتميز بها العرب من عادات وتقاليد وصفات حميدة والتي بالفعل انبهر بها غيرهم وأخذوها عنهم ..
ويقول أيضا :
(وصلنا تْراب أمريكا بعهد سعيد بن سلطان…)
ويلمح الشاعر إلى النفوذ العماني في عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي والذي اتسع إلى أقصى مداه، حيث امتدت الامبراطورية العمانية من بندر عباس على ضفاف الخليج العربي إلى ميناء زنجبار على الساحل الشرقي لإفريقيا، بالإضافة إلى بعض الجزر الواقعة في منطقة الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي بما فيها أرخبيل جزر القمر ، كما هو موثق في مراجع التاريخ ، وفي عهده بنى أسطولا تجاريا ضخما تسانده قوة بحرية فتية وتم ابرام اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1833، ثم أرسل السلطان سعيد بن سلطان سفينة عمانية (السلطانة) إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس أندرو جاكسون وكانت تقل أول سفير عماني في تلك البلاد وهو أحمد بن النعمان الكعبي ويعتبر أول مبعوث عربي يصل إلى هناك، كل هذه العناصر وظفها الشاعر بكل دهاء وبحبكة لا تقلل من جودة شعره ، ناهيك عن توظيف مقتنيات من التراث القديم التي يتفرد بها المجتمع العماني ويستخدمها الرجل مثل (اليديله ) وما يُلبس في العصر الحديث مثل: (المصر – الكمة – العمامة ) واشترك معه في ذلك الشاعر كامل البطحري ، وأيضا طريقة تشكيل العمامة لكل منطقة لها شكل يختلف عن الأخرى ، وحقيقة هذه أجزاء تدخل في تشكيل شخصية الشاعر وتنعكس على قصائده وربما بصورة غير مباشرة ويهدف الشاعر من الاستعانة بها لتكن حجة تعزز طرحه بدون أن تربك رشاقة قصيدته
ومن أبيات للشاعر كامل حيث يقول في سيرة السلطان قابوس ـ حفظه الله ـ :
كبر وألبستْه (الكمة) وشبّ حتى زان
عليه (المصر) بأخضر وأحمر ألوانه
ويقول في موقع آخر :
وطن لا عجب لىَ قالوا الناس جوّه حر
تأثر بدم رجال بقلوبهم غِيرة
(عمايمهم) تحارب بيوم الوغى ويخر
على ركبته من يأكل الغدر تفكيره
يقول كامل ابن البيئة الصحراوية والبحرية :
أمثّل وطن موجه .. رسل (غمزة) للبر
وبرّه بوجه البحر فتّح نواويره
وللأمكنة رمزية ودلالات تتوارى خلفها قصص من المعاني حينما يسقطها الشاعر في كيان النص ، وتغُنيه عن أشياء كثيرة وبذلك يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد غير المعنى الذي يريده هو؛ كذلك يميط اللثام عن جوانب خفية على من لا يعرف ، ويغري المتلقي للبحث والسؤال ليس في وطن الشاعر فقط وإنما يُمكن أن يسيّل لعاب رغبة البعيدين من حدود الوطن . ومن ذلك ما قاله الشاعر البطحري :
وحمران غمزة عين أهدت جبل سمحان
وسمحان بخّر هرمز بْريحة الْبانه
تبسم وطن في مولده وانجلت الاحزان
وكل الحروف تْزيّنت عند بيبانه
وأيضا من قصيدة للشاعر حمود بن وهقة :
كان الحكي مسجون في كهف جرنان
شق الظلام وشب سنّة وسنّة
وفي مقطوعة أخرى يقول :
كنّي حفيت اللي تقاسم خلّيلين
لآخر إماراتي ولاوّل عماني
لقد حصرت الجمل الوطنية في قصائد الشاعرين ووجدتها خمس وخمسين جملة يدل ذلك على أن حس المسؤولية وصل إلى أعلى ذروة من قمته ، ويدل على أنهم تخطوا مسافة النظرة القصيرة ، والتي لو ظلوا داخل دائرتها لما وصلوا لهذه المراحل المتقدمة .
حقيقة في مثل هذه القنوات التي تطل بالشعراء على الجهات وحتى الغارقة منها في العزلة من العالم تُختبر شاعريتهم ، ويُقاس الفكر الذي يتمتعون به ، وتُوزن مهاراتهم وقدراتهم وعلى ذلك يُميزون عن سواهم . وقد يتضح ذلك من أساليب تناول الأفكار ، ومتى ، وكيف ، ولماذا ؟! ونجد أجوبة كثيرة ولكن هناك أجوبة تشدنا بجاذبية فيها من الإقناع ما يكفي وصولا إلى الحال الذي يمكنا من الحكم عليها ، كما فعل الشاعر حمود بن وهقة في قصيدة (دعوة إلى التعايش)، وهي قصيدة جعلتنا نتماهى معها ونتوحد مع أجزائها ، يُشرّح لنا واقع الأمة المصابة بفيروس الموت وهي الفتنة، داء استشرى في جسدها وأكل منه وشرب ، فتنة بين الفرق والمذاهب الإسلامية، والكلام حول هذا الموضوع ذو شجون اقتنصه الشاعر وفي وقته ، وهو فعلا حديث الساعة وإن كانت سُقيت بذرته منذ زمن بعيد ، ولكن بدأت مواسم الحصاد في واقعنا المعايش والحقيقية في ما يسمى بدول الربيع العربي، وقبلها في العراق، وتمت تغذية هذا البلاء من قنوات وجدت خُصصا لتنشيطه حتى ظهر على السطح ، أراد الشاعر حمود أن يشير إلى لسان هذا المد وينبهنا قبل وصوله ، ووجد كل الأسباب مهيأة لضمان وصول رسالته ، وهذه بعض من مقتطفات دعوة إلى التعايش رسالة إلى غير المدركين بحالة الوئام في مجتمعنا حيث يقول :
خلّوا جسد عثمان في قبر عثمان
كافي وحوش الألسنة ينهشنّه
تتاجروا بْدم الصحابة إلى الآن
من حكّموا المصحف بروس الأسنّة
ويضرب مثلا للتآلف ونبذ التعصب بسلطنتنا الغالية عُمان وهذه نعمة نحمد الله ونشكره عليها وكل ذلك نتيجة للوعي الذي ميز الله به هذا الشعب الطيب والمتسامح الرافض لمثل هذه الأفكار السوداوية:
هذي عمان إن كنت ما تعرف عمان
عقولنا ثوب التطرف رمنّه
نعانق المسجد بعد صوت الآذان
ونسجد إباضية وشيعة وسُنّة
هذه صورة ؛ وهناك الكثير من صور مشاركة هذين الشاعرين في شاعر المليون والكثرة هنا في التفرد وعزفهم سمفونية الخصوصية ومن هذه السمفونية المفردات..