
تحقيق: أحمد بن عبدالله الحسني -
سوق بركاء المتهالك بمحلاته القديمة والمهملة التي تحول بعضها إلى مخازن في مبان قديمة لا تتوفر فيها الشروط والمواصفات الصحية والبيئية والفنية أصبح ملاذًا للأيدي العاملة الوافدة، السائبة منها وغير القانونية، تمارس البيع غير المرخص أمام مرأى الجميع.*
تسع سنوات ونيف السنة على صدور المرسوم السلطاني رقم 11 / 2005 لتطوير سوق بركاء، إلا أن المشروع لم يرَ النور حتى هذه اللحظة. وبالتطوير المعتزم ربما ستختفي ظاهرة البيع غير المرخص، فيما يتساءل أصحاب المحلات التجارية و(المعوضين) عن ماهية الخطط والإجراءات التي تقوم بها الجهات تجاه تطوير هذا السوق، والمدة الزمنية المتبقية للبدء في المشروع، كما أن الانتظار الطويل والوعود الكثيرة أجبرت بعض الباعة على غلق محلاتهم والانتقال إلى جهات أخرى بسبب انعدام الحركة الشرائية. المسؤولون يؤكدون عدم الإبلاغ عن تجاوزات للقوى العاملة الوافدة في السوق القديم، إلا أن مصادر تتحدث عن بلاغات متكررة لفريق التفتيش حول هذه الظاهرة فيما يواصل هؤلاء العمال ممارسة عملهم بحرية تامة، ليس هذا فحسب بل تم إبلاغ مركز الشرطة حول وافد يعمل بدون بطاقة ولكنه أُخلي سبيله بحجة أن القضية ليست من اختصاص الشرطة، فيما يؤكد السكان مزاولة بعض الوافدين البيع في السوق بحرية تامة منذ 25 عاما.
البعض يعزي أسباب التأخير إلى خط سير الطريق الساحلي في السوق، بالإضافة للتعويضات العالقة للمحلات والمنازل والتي تمت إزالتها بموجب المرسوم السلطاني السامي للمنفعة العامة، إلا أن المسؤولين ثمّنوا المشروعات الكبيرة التي ستقام في بركاء مطالبين بسرعة تنفيذ المشروع والذي من المؤمل أن يمثل الوجهة الواعدة للسياحة في الولاية وخصوصا حصنها التاريخي المجاور للسوق.
مشروعات جديدة تشهدها ولاية بركاء التابعة لمحافظة جنوب الباطنة، منها القائمة ومنها المستقبلية، كما أنها أصبحت محط أنظار المستثمرين والتجار لكونها حلقة الوصل بين مسقط والباطنة، وما زالت الحركة التجارية تنمو يوما بعد آخر، كما أن اعتزام الحكومة تطوير السوق القديم سيشكل لبنة إضافية جديدة للمشروعات العديدة لكونه يحتفظ بجاذبية كبيرة لكثير من سكان الولاية، وخاصة كبار السن، الذين يجدون في أرجائه نكهة القديم، وذاكرة تجارية وتاريخية، وقد أولت الحكومة هذا السوق جُل اهتمامها لتعيد له رونقه وذلك بصدور مرسوم سلطاني سام بتقرير صفة المنفعة العامة لتطويره، إلا أن وضع السوق بحالته القديمة بحاجة إلى الإسراع بتطويره بسبب معاناة أصحاب المحلات وكذلك بعض السكان المتمثلة في العديد من الإشكاليات المتعلقة بتنفيذ هذا السوق.

الأيدي العاملة الوافدة ما زالت تمارس البيع غير المرخص لأسباب ربما يرجحها البعض لعدم تنظيم السوق أو غياب المراقبة، وعلق سعادة الشيخ ماجد بن خليفة الحارثي والي بركاء قائلا: إن المكتب لم يتلق أية شكاوى أو إثارة المشكلة من قبل المواطنين أو الإبلاغ عن ممارسة الأيدي العاملة الوافدة البيع غير المرخص في السوق القديم، لكنه طالب بزيادة فرق التفتيش، مضيفا إن تطوير سوق ولاية بركاء القديم سيضيف لبنة جديدة إلى المشروعات الحالية والمستقبلية، مثمّنا سعادته جهود الحكومة في جلب الاستثمارات إلى الولاية، كما أشاد بالمشروعات التي تقوم بها الحكومة مثل الطريق الساحلي والأسواق الكبيرة وغيرها من المشروعات الخدمية لكون الولاية تحتضن مجموعة من المشروعات الكبيرة مثل جامعة عمان والمدينة الطبية وسوق السيارات المستعملة ومشروع التنين الذهبي وإنشاء العديد من المجمعات التسويقية، بالإضافة إلى مشروعات خدمية مثل محطة تحلية المياه (المرحلة الثالثة) والمدينة اللوجستية وسوق الأسماك والميناء البري لخط سكك القطار وكذلك مشروع الصرف الصحي الذي بدأ تنفيذه في مركز الولاية وسوف يستكمل بقيه قرى الولاية لاحقا، كما يتم حاليا إنشاء ميناء الصيد البحري.
(عمان) ومن خلال جولتها في السوق القديم، بالتعاون مع مراسل الولاية الزميل سيف السيابي، التقت خلالها بالعديد من التجار والسكان الذين أرجعوا أسباب تأخير مشروع السوق إلى تعويضات الطريق الساحلي.
وقال البائع ناصر بن سيف العامري: إن حركة السوق تتناقص منذ فترة طويلة بسبب إغلاق بعض المحلات، كما أن إيجارات المحلات بدأت في الهبوط، وأن السوق الحالي يشكل (بؤرة) للغش بسبب الأيدي العاملة الوافدة.
وأضاف: إن أغلب الحركة التجارية انتقلت إلى جهة مدخل السوق حيث توجد الأسواق الكبيرة.
وعزا البائع عبدالله بن خميس النعماني انخفاض الحركة الشرائية إلى تدهور حالة السوق، وأيضا بسبب تعويضات الطريق الساحلي والذي يمر عبر السوق، معبرا عن أمله في تنفيذ هذا المشروع الحيوي والذي طال انتظاره، مضيفا إن ولاية بركاء تعتبر منفذًا إلى الباطنة وأصبحت تحتضن أسواقا متفرعة ومجمعات تسويقية كبيرة، وكذلك للمنطقة الصناعية ستكون رديفا المنطقة الصناعية بمنطقة المعبيلة بولاية السيب بمحافظة مسقط لكونها لا تبعد سوى 25 كيلومترا فقط، وكذلك فإن سوق التنين سيمثل وجهة العمانيين ويمثل هذه المشروعات فإنه من المتوقع أن تزداد الحركة التجارية والسياحية في الولاية خلال السنوات القادمة وخاصة عند جاهزية الطريق الساحلي.
ويتساءل المواطن محمد بن حمود البلوشي عن ماهية المعوقات التي أدت إلى تأخير تنفيذ المشروع، وقال: إن أصحاب المحلات يتلقون وعودا بالتنفيذ في أقرب وقت ولكن مضى على هذه الوعود سنوات عديدة، كما أن المحلات أصبحت مخازن وهي في الأصل لا تصلح لتخزين البضائع بسبب تهالكها وعدم وجود المواصفات، هذا بالإضافة إلى (غزو) الحشرات والزواحف في السوق وذلك بسبب وجود أكوام من القمامة ومخلفات المحلات المنهارة.
ونبه المواطن سليمان بن سيف الحراصي إلى تزايد عمل الأيدي العاملة الوافدة السائبة قائلا: إن السوق يوجد به بعض هذه الأيدي العاملة منذ 25 عاما (بدون بطاقة)، وتعمل أغلب هذه الأيدي في المقاهي، كما أن نشاطها يتزايد بشكل يومي بقيادة سيارات النقل، وهذا التزايد يرجع إلى وجود المزارع في الولاية، وأشاد سليمان الحراصي بالجهود الأمنية التي نفذت حملات منذ سنوات عديدة وطالب بتكرارها مرة أخرى لكون هذه الأيدي العاملة في تزايد وتمارس شتى أنواع الغش والبيع غير المرخص، كما أن السوق الحالي يضم العديد من المخازن غير القانونية.
ومن جانبه نوه سعادة محمد بن راشد القنوبي عضو مجلس الشورى ممثل الولاية إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ المرسوم السلطاني والقاضي بتطوير سوق الولاية القديم لما يشكله الوضع الحالي للسوق من معاناة لأصحاب المحلات وكذلك تأخر بعض تعويضات الطريق الساحلي والتي أثرت بالفعل على البدء في تطوير السوق، وتساءل سعادة العضو عن أسباب تأخير تنفيذ المشروع قائلا: للأسف أن وضع السوق الحالي لا يعكس التطور الذي تشهده ولاية بركاء المتمثل في المشروعات الحكومية والتجارية، كما أن الولاية تشهد حركة سياحية وخاصة حصن الولاية والذي يقع بالقرب من السوق.
وتحدث يونس بن عبدالرحيم بن عبدالرحمن البلوشي ممثل الولاية بالمجلس البلدي لمحافظة جنوب الباطنة عن أهمية تطوير سوق الولاية لكونه يشكل حركة تجارية نشطة طوال الأسبوع، وفي الوقت نفسه عامل جذب سياحي، وقال: إن سوق الولاية يمثل أهمية اقتصادية لأبناء الولاية لكون العديد من السكان يعملون في هذا السوق، كما يمثل أيضا وجهة للعديد من أبناء محافظات السلطنة للتسوق وخاصة أن الولاية تحتضن العديد من المجمعات التسويقية، كما أن سوق الأسماك يمثل أيضا وجهة للعديد من الباحثين عن الأسماك الطازجة، مضيفا إن الحاجة ملحة لتنفيذ المرسوم السلطاني لتطوير السوق ليكون وجهة حقيقية لأبناء السلطنة وكذلك الزوار والسياح.

وفي الكم الهائل من هذه المشروعات التي ستقام على أرض بركاء فإن سوق العقار يبدو مقلقًا للغاية من الارتفاع السريع للأراضي، ورجح بعض أصحاب المكاتب والسكان أسباب هذا الارتفاع إلى تنفيذ المشروعات الحالية مثل طريق الباطنة السريع الجنوبي، وكذلك سوق التنين الصيني الذي لم يتبق على افتتاحه سوى أيام معدودة، بالإضافة إلى جامعة عمان وأيضا المدينة الطبية في الفليج، وأرض المعارض، وتوسعة حديقة النسيم وبناء مشروع ضخم فيها من قبل شركة كويتية، ومشروع المدينة الزرقاء الذي بدأ العمل فيه، ومن خلال حديث (عمان) مع أحد السماسرة ذكر أن الولاية شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعار العقار خلال السنتين الماضيتين حيث بلغ متوسط الأسعار في ولاية بركاء 12000 ريال عماني للأراضي، ويصل بعض أسعار قطع الأراضي إلى 30 ألف ريال، ويبلغ أقل سعر لقطع الأراضي نحو 7000 ريال. وأضاف: إن الأسعار كانت منخفضة بشكل كبير قبل 6 أشهر، وارتفعت الأسعار بصورة سريعة نتيجة الطلب الهائل على الأراضي.
وأشار إلى أن أسعار بعض الأراضي بلغت في وقت سابق 4000 ريال والآن ارتفعت إلى 7000 ريال مثل القريحة والسوادي، وبعضها كان 15000 والآن 25000 مثل الفليج القديم، ومن خلال الاستثمارات الحالية في الولاية وسوق العقار وكذلك المشروعات الكبيرة فإن مستقبل الولاية سيكون واعدا خلال السنوات القليلة القادمة وخاصة أن الولاية يقام عليها حاليا ميناء للصيد البحري والذي سيعزز سوق الأسماك والذي سيتم بناؤه على أحدث المواصفات إلى جانب مشروع تطوير السوق القديم.