إلى علي حاردان، في ذكراه السادسة - omandaily

    • إلى علي حاردان، في ذكراه السادسة - omandaily

      محمد الشحري -
      الكتابة إليك يا صديقي مرة في العام، لا تعد وفاءا لذكراك، فأنت تستحق أن يُكتب إليك دائما وعلى مدار العام، لكنها مشاغل الحياة ومنغصات الكتابة التي تحرقنا حتى تذرنا رمادا وترمينا في وجه الريح، هذا اضافة إلى استغراب البعض في جدوى الكتابة بين عالمين، عالمي المحسوس وعالمك المجهول، والمستتر عنا، لكني أعلم أن ما أكتبه سيصل إليك، عبر النسائم الباردة والضباب المتشكل حول جبل (اغيدان)( )، في نانا العشاق والكلمات المنحوتة من معاني الهيام والوله والحِكم المتربعات على عرش الاتعاظ والحكمة، في رزيم الإبل وحنينها إلى المعاطن والمبارك، في حداء الرعاة، وجلسات سمر الظعون، في فرحة الأطفال اللاهثين بعد لعبة (الاقات)( )، في صمت ليل الربيع، ومعزوفات المطر على أوراق التين المتساقطة.
      إنني على يقين بأني ما كتبته وما سأكتبه يصلك وتقرأه، وأشعر بنصائحك تنهمر عليّ، وهذا سرّ نجاحي لأني أشعر بأني على الدرب الصحيح وفي المكان الذي يريده كل معلم لتلميذه، وما يتمناه كل صديق لصديقه، رغم تبدل المسارات وتغير المسالك، لكني أشعر براحة الضمير تسري في عروقي وأنا أخط الأحرف وأنسج الكلمات، وتزداد ثقتي أكثر حينما أجد نفسي مع من اخترت الوقوف إلى جانبهم، من المهمشين والبسطاء، وممن لا يتقرب إليهم ولا يتزلف عندهم أحد، ولا تسبق اسمائهم الالقاب والنعوت والصفات، بل أسماء مجردة من البذخ اللفظي ومن الهالات الرسمية، هؤلاء هم أصدقائي وناسي الذين انحاز لهم ولعالمهم الجميل.
      صديقي العزيز، جرت العادة أن احدثك عن حال الأمة العربية ومآلها، لكني يا صديقي لا أدري كيف أحدثك عنها؟، ومن أين أبدأ؟ وكيف أنهي؟، أسئلة وحيرة تحوم حولي رأسي كما تحوم الجوارح حول الضحية، لكني سأحدثك عن مليتا في اقليم التفاح، فقد زرت مؤخرا جنوب لبنان ومعقل المقاومة التي وقفت بجانبها وكتبت عنها واحببتها، كما احببت بغداد والمدن الصامدات في وجه الأعداء والعملاء، المقاومة التي دحرت العدوان الصهيوني الذي حرمك من الذهاب إلى بيروت صيف 2006، وقد كتبت حينها قصيدتك التي تعتذر من بيروت، وتقول فيها:
      تأخرت عفوا عن الموعد
      وجئت ووردي ذابل في يدي
      فهل تعذرين عاشقا متعبا
      طوى في هواك صباه الندي.
      أنا يا صديقي أذكر هذه الأبيات حينما أنزل في بيروت، رئة الحرية العربية الوحيدة على ساحل البحر المتوسط بل أقول من المحيط إلى الخليج، وللمصادفة فقد كتبت لك منها رسالتي في ذكراك الرابعة، هذا عن بيروت أما المقاومة فهي تقف الآن مع الجيش العربي السوري في محاربة الفصائل والمجموعات المسلحة التي جاءت إلى سوريا، لتجلب الحرية للشعب، فإذا بها تقتله وتدمره البلد ولم تسلم منها تماثيل الشعراء والفلاسفة، حتى الأضرحة والمقامات نالها التدمير، بل أقول لك أن الشيخ العلامة محمد سعيد البوطي قد اغتيل في المسجد الذي يلقي فيه دروسه على يد هذه الجماعات، نعم الشيخ البوطي الذي كلفتني بالكتابة عن محاضرته التي أقامها في مدينة صلالة في يوليو2005، ضمن فعاليات مهرجان صلالة السياحي، ونشرنا عنه في صحيفة عمان.
      سأكتفي يا صديقي بهذه الشذرات من الأخبار وسأكتب إليك لاحقا ربما في مناسبة أخرى، سأكتب لك يقينا لأني أشعر بطهرانية حينما أنهي طقس الكتابة إليك.
      أشعر يا صديقي واستاذي أن العديد من الجهات التي تعني بالصحافة والكتابة لم تحتفي بك كما يليق بشاعر وصحفي رغم مرور ستة سنوات على رحيلك، لا جمعية الكتاب، ولا جمعية الصحفيين، مع أنك لا تسعى ولا ترضى عن حالات الاحتفاء الشخصي، وكنت دائما تبتعد عن المناسبات التي يتسابق إليها البعض، وكنت تترفع عن المديح والثناء، لكن حقك علينا أن نذكر بك الأجيال، لكي تعرف وتتعرف على قامة ثقافية مثلك.
      كان من واجب المؤسسة الثقافية حكومية كانت أم أهلية أن تعيد الاعتبار إلى الكتاب والمثقفين، لأن الأمة التي تحترم مثقفيها وكتابها، هي الأمة التي الجديرة بالاحترام والثناء.