رمضان شهر مضاعفة الأجور -
راشد البوصافي: التفقه في أحكام الصيام واجب لنعبد الله على علم وبصيرة -
أوضح وليد بن سليمان القري أن شهر رمضان يرتفع بالمؤمن فكل يوم يبقى منه خيرمن اليوم الذي سبقه؛ لأن ما مضى لا يمكن تداركه. مضيفا: أن شهر رمضان هو شهرالقرآن كما أنه شهرالإنفاق بحيث ينفق المؤمن بقدر ما يستطيع ولا يحتقرالقليل فإن من بخل بالقليل كان أشد بخلا بالكثير فلينفق مما آتاه الله في هذا الشهر فالله يضاعف فيه الأجور ويجزل الثواب.
من جانبه أكّد راشد بن سالم البوصافي أن الصيام من العبادات الخفية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، فلهذا اختصها سبحانه بأن جعل الجزاء عنها مخفياً لا يعلم قدره ومقداره إلا هو. مؤكدا أن على المسلم أن يتفقه في أحكام أدائها حتى يؤديها بجميع شروطها وأركانها حتى تكون متقبلة عند الله خاصة أحكام مفطرات الصيام حتى يكون صيامه صياماً مبنياً على علم وبصيرة.. جاء ذلك أثناء الحديث معهما عن فضائل شهرالصيام وكيف يهيئ المسلم نفسه لاستقبال هذا الشهر الفضيل.. فإلى ما جاء في هذا اللقاء:
بداية يحدثنا وليد بن سليمان القري – أمين الفتوى بمكتب المفتي العام للسلطنة عن فضائل شهر رمضان وما ينبغي للمسلم أن يقوم به من أعمال تزيد من رصيده من الأجر والثواب حيث يقول: شهر رمضان نعمة عظيمة وفرصة كبيرة ومحطة من محطات الإيمان التي امتن الله بها على عباده ليتزودوا منها لخير الدين والدنيا والآخرة فلا بد أن يحسن المؤمن استغلال هذه النعمة ولا يكون الاستغلال إلا بالاستعداد الكامل والتركيز التام على هذا الشهر وكيفية الاستفادة منه وهذا الاستعداد لابد أن يشمل أثره الجانب الديني والدنيوي حتى يكون الفوز شاملا لحياة الإنسان في الدنيا وحياته في الدار الآخرة.
وضع الأهداف
وأوضح أن الاستعداد لرمضان يكون بعدة أمور أهمها أن يجعل المسلم لنفسه أهدافا محددة على المستوى النفسي والتعبدي والتطبيقي ففي الجانب النفسي لابد له أن يجدد التوبة لله تعالى ويصدق النية والعزم في الرجوع إليه فيرتقي بنفسه في سلم العبودية والقرب من الله درجة أو درجات بحسب همته وعزمه فيرصد ما عنده من خلل نفسي ليتجنبه وما يحتاج إليه من زيادة فيطلبه ويضع ذلك موضع التطبيق بداية من شهر شعبان فتكون الصورة النهائية لنفسه واضحة لديه لما ينبغي أن يكون عليه عند خروجه من شهر رمضان المبارك.
وفي الجانب التعبدي يضع لنفسه كذلك أهدافا واضحة فيحدد ورده من القرآن ومقدار ما سيقرؤه خلال أيام شهر رمضان ولياليه وكذلك يحدد أذكاره التي يريد المواظبة عليها وعدد الصلوات النوافل التي يريد اغتنام شهر رمضان في تأديتها وهكذا سائرالعبادات التي يريد أن يركز عليها في شهر رمضان يضع لها جميعا أهدافا محددة واضحة وأوقاتا معينة ثابتة وليبدأ من الآن حتى يتمكن من ضبط جدوله وتقويمه ليكون عند دخول الشهر الفضيل على أتم الاستعداد وقد جاوز مرحلة التقويم والتعديل في جدوله المحدد. وفي الجانب التطبيقي يحدد ما يريد أن يمارسه من الأخلاق والعبادات والأنشطة ويبدأ في جعلها في حيز التنفيذ في شهر شعبان ليكون جاهزا لاستقبال لشهر رمضان الكريم.
رمضان يرتفع بالمؤمن
وأضاف القري: ينبغي التنبه على عدة أمورعند وضع هذه الأهداف وتطبيقها.. الأمر الأول :هو أن شهر رمضان شهر مبارك يأتي بالخير العميم فتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين وكل ذلك يعني أن النفس في حالة إقبال على الخير فينبغي الاستفادة من إقبالها في تهذيبها وتربيتها وتعويدها على ما فيه سعادتها الدنيوية والأخروية ونجاتها من العذاب وفوزها بالثواب ويعني ذلك أيضا أن فيوض رحمة الله على عباده تكون أعظم ما تكون في هذا الشهر فينبغي المسارعة والتسابق والتنافس في مضمار الطاعة والعبادة للتعرض لهذه الفيوض والنفحات.
والأمر الثاني :الذي ينبغي التنبه له أن شهر رمضان لا يزيد على الثلاثين يوما ولا يتكرر في العام إلا مرة واحدة فالعاقل من جعل كل اهتمامه وتركيزه على الأهم العاجل فما عدا العبادة والتقرب واستغلال شهر رمضان لا يكون في أحسن حالاته إلا من باب المهم الذي يمكن تأخيره لما بعد رمضان فالحذر من تضييع وقت هذا الشهر الفضيل في أمر يمكن تداركه فيما بعد رمضان.
والأمر الثالث: هو أن شهر رمضان يرتفع بالمؤمن في تصاعد مستمر فكل يوم يبقى منه هو خير من اليوم الذي سبقه وهو أثمن لأن ما مضى لا يمكن تداركه وما هو قادم يمكن استغلاله وقد أودع الله في العشر الليالي الأخيرة من رمضان أعظم كنوز الثواب وأثمن جواهر الأجر فقد أودع فيها ليلة هي خيرمن ألف شهر يقضيه المؤمن في عبادة دائمة فهذه الليلة هي جائزة العبادة في شهر رمضان يهبها الله لكل مجتهد مخلص راغب في ثواب الله فالحذر من التقاعس والتخاذل والكسل فالأهداف لابد أن تكون في تصاعد يتناسب مع هذا الصعود الروحي والعمل لابد أن يكون في زيادة مستمرة تتناسب مع هذه الزيادة في الأجر.
والأمر الرابع: هو أن شهر رمضان هو شهر القرآن كما أنه شهر الخير والإنفاق في سبيل الله فقد كان صلى الله عليه وسلم لا ينشغل بغير القرآن في رمضان كما كان صلى الله عليه وسلم أعظم ما يكون إنفاقا في رمضان فعلى المؤمن ألا يفرط في هذين الأمرين وهما العناية بكتاب الله قراءة وتدبرا والإنفاق بقدرما يستطيع ولا يحتقر القليل فإن من بخل بالقليل كان أشد بخلا بالكثير فلينفق مما آتاه الله في هذا الشهر فالله يضاعف فيه الأجور ويجزل الثواب.
والأمر الأخير الذي أود التنبيه إليه أن الإخلاص هو رأس العبادة فعلى المؤمن أن يتوجه بعبادته خالصة لله وليعلم أن خزائن الله لا تنفذ وليس بينه وبين فتحها إلا إخلاص العمل والتوجه له سبحانه بالدعاء( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
يوم الشك
أيضا شاركنا الحديث راشد بن سالم البوصافي – باحث شؤون إسلامية أول حيث يقول: ينبغي على المسلم استثمار شهر رمضان لرفع رصيده من الحسنات والأجور وعليه أن يكون حريصاً دائماً على تطبيق فلسفة الاستقبال الناجح للضيف المرتقب.
وأشارأنه يجدر بنا التنبيه على أمر وهو أنه لا يصح شرعاً صيام يوم الشك وهو اليوم الأخير من شعبان (أي 30 من شعبان) وهو اليوم الذي يشك فيه الناس، أهو من شعبان أو من رمضان. ففي حديث الإمام الربيع من رواية عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (مَن صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم). ويوم الشك هو اليوم الذي يُشكّ فيه هل هو من رمضان أو من شعبان وهو يوم الثلاثين، فيحرم صومه إن كان بنية الاحتياط.
وكذلك لا يصح صيام يوم أو يومين قبل رمضان إلا أن يكون ذلك يصادف يوماً من الأيام التي اعتاد الإنسان صومها فلا حرج عليه في ذلك، أو كان يصوم صوما واجبا عليه لم يذكره ولا يدركه إلا بصوم آخر يوم من شعبان فلا حرج عليه في صومه لدلالة الحديث: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صومًا فليصمه).
صلاح وإخلاص
وأضاف البوصافي قائلا: إن الله تعالى تعبدنا بعبادات كثيرة وأمرنا أن نأتي هذه العبادات عن علمٍ وبصيرة في أمرها، ولا يرضى ربنا تبارك وتعالى أن نعبده جل وعلا بجهل، فمن عَبَدَ الله بجهلٍ لم يقبل الله تعالى منه عمله الذي عمله، فالله تعالى جعل مناط قبول الأعمال أمرين وهما: صلاح العمل والإخلاص فيه لله تعالى وحده، حيث يقول جلَّ وعلا ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)) ولا يكون العمل صالحاً إلا بالعلم والمعرفة والفقه بكيفية أدائه، ولا يقبل العمل وإن صلح وحسن إلا إذا أريد به وجه الله تعالى وحده لا شريك له في ذلك.
مشيرا إلى أن فريضة الصيام من أجلِّ العبادات التي تعبدنا الله تعالى بها وهي ركن من أركان هذا الدين الحنيف، والصيام من العبادات الخفية التي لا يعلم حقيقتها وتحققها التحقق الشرعي إلا الله تعالى، فلهذا اختصها الله تعالى بأن جعل الجزاء مخفياً لا يعلم قدره ومقداره إلا هو، فقال كما جاء في الحديث القدسي:(الصوم لي وأنا أجزي به)، وذكرُ اختصاص الله تعالى بالجزاء الذي أعدَّه للصيام مع أنه جلَّ وعلا المثيب والمجازي على جميع الأعمال ظاهرها وباطنها، إلا أن ذلك يؤذن بعظم هذه العبادة وحساسيتها البالغة. ومع هذه الأهمية البالغة لفريضة الصيام المتمثلة في خفاء معايير قبولها المنوطة بتحقق صحة أدائها، فكان لزاماً على المسلم أن يتفقه في أحكام أدائها حتى يؤديها بجميع شروطها وأركانها لتصل إلى درجة الصحة، ومع الإخلاص لله تعالى وحده فيها تحظى هذه العبادة بالقبول عند الله تعالى، وهذه هي بغية كل مسلم.
مفطرات الصيام
وقال البوصافي: مما ينبغي أن يعتني به الإنسان المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يتفقه في أحكام مفطرات الصيام حتى لا يقع فيها ملتمساً لنفسه العذر في عدم معرفتها من قبل، فلا بدَّ له من ضبط أحكام الصيام حتى يكون صيامه صياماً مبنياً على علم وبصيرة، وأهم ما ننصح به الإنسان في هذه الأيام التي يستعد فيها لدخول واستقبال شهر رمضان المبارك، أن يقرأ في كتب الفقه في أبواب الصيام وأحكامه، فيقف على المسائل الشرعية المختلفة ويعيش في فقه الصيام أيامه هذه بشوق وعلمٍ للولوج في هذه العبادة العظيمة الجللة، وكذلك عليه بكتب فتاوى الصيام ليتعرف على المسائل التي يقع فيها الناس وأحكامها حتى يستفيد ويستزيد علماً ومعرفة بها.
اتقان الصيام
وأوضح البوصافي أنه لا شك أن كل مسلمٍ حريص على إتقان أداء صيامه وإلا لما كلَّف نفسه عناء مشقة الجوع والعطش، وما ذاك إلا من أجل أن يتقن عبادته وصيامه، وحتى يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الإتقان لابدَّ من معرفة ما لا يسع جهله مما يجوز فعله ومما لا يجوز أثناء الصيام، فالصائم غير ممنوع من كثير من الأمور والممارسات الحيوية حالة صيامه، لأنها لا تنافي فرضية الصيام، فكثيرٌ من الناس يمتنعون عن بعض الأشياء ظناً منهم أنها تفطر الصائم، أو أنها مما لا تجوز للصائم فعله وقت صيامه، فيتركونها جهلاً منهم سواءً كان من أمورالنظافة والطهارة أو كان من متطلبات النفس الطبيعية أو علاقات الناس فيما بينهم، فكم من الأسئلة التي ترد في مثل هذه الأمور التي يجهل الناس جوازها وقت الصيام، في حين يقع بعض الناس في مخالفات شرعية كبرى تهدُّ صيامهم هدَّاً وتقوض أركانه وهم لا يتورعون عنها بل ولا يسألون عن حكمها، فلا بدَّ إذاً من معرفة هذه الأمور معرفة جيدة.
السلعة غالية
وأشار إلى أن مما يدركه ويعلمه كل أحدٍ أن التاجر البارع هو من يمتلك التفكير السليم والتخطيط الدقيق والتنفيذ الأمين من أجل أن يحقق الربح الذي يصبو إليه، فما من تاجرإلا وينشد من تجارته الربح الوفير والغنم الوافر، سواء كان ذلك الربح مادياً أو كان معنوياً يتمثل في الأجر والمثوبة من الله عز وجلَّ، والإنسان المسلم وهو في شهر رمضان أمام سلعة غالية ثمينة المعاني والجوهر، فلا شك أن العاقل من يستثمر هذه الفرصة ليثقل رصيده من الحسنات بالحسنات، ولذلك كان لابدَّ للمرء المسلم من أن يستغل يومه الرمضاني من بدايته إلى نهايته لأنه من لم يخطط للنجاح فقد خطط للفشل شعر بذلك أو لم يشعر، فالتخطيط الواقعي السليم ليوم المسلم ينظم وقت الإنسان ويكسبه الرضا النفسي ليحصل على النتائج اليانعة التي خطط لها، وكذلك ينمي لدى الإنسان صفة المراقبة الذاتية والمحاسبة الدقيقة والنقد البنّاء لذاته من خلال ما تم إنجازه وما لم يتم، وللإنسان أن يضع المنهجية والتخطيط ليومه في شهر رمضان بنفسه معتمداً على خبراته السابقة وما قدراته وإمكانياته وهمته.
التغذية السليمة
كما أوضح أن التغذية السليمة في رمضان لها أهميتها البالغة سواء كانت تغذية بدنية أو تغذية علمية روحية، فالمسلم الصائم يحتاج إلى ما يقيم له أود حياته ويكسبه الطاقة والقوة لمواصلة صيام يومه، فلابدَّ من التغذية السليمة النافعة التي تعود على المسلم بالصحة والنشاط. فالمحافظة على تناول وجبة السحور في آخر وقت الليل فقد ثبت في السنة تأخير السحور كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام الربيع في (المسند)، وأخرج الشيخان البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى أن مقدر الزمن بين السحور وصلاة الفجر (أي دخول وقت الصلاة) مقدار قراءة خمسين آية، ووجبة السحور ينبغي أن تحتوي في مادتها على السكريات والبروتينات والعناصر الغذائية الأساسية المهمة، فالمحافظة على السحور مما جاءت به السنة النبوية المطهرة وحثت عليه فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تسحروا فإن في السحور بركة. كما أن الإنسان يقضي سحابة نهار وهو صائم عن الأكل والشرب لا قوام له إلا على ما يتم تخزينه من وجبة السحور فيبقى يستهلكه النهار كله، وما إن يدنو النهار من الذهاب إلا ويكون ذلك المخزون الغذائي انتهى ونفد، فيحتاج الإنسان بعد الغروب إلى ما يعيد له طاقته وما يقيم به صلبه وبدنه، لتعويض ما فقده من الغذاء فترة الصيام، فينبغي للإنسان أن يحسن اختيار الطعام الذي يوقعه في معدته الخاوية التي فرغت تماماً من الغذاء، فيتخير الطعام الصحي السليم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على الرطب والماء فإن لم يجد رطباً أفطر على التمر والماء فإن لم يجد تمراً اقتصر في فطوره على الماء يحتسي منه سحوات قليلة، والطب الحديث أثبت حاجة البدن إلى السكريات الرطبة التي تتوفر في الرطب، لأن الرطب يحتوي على نسبة من السوائل القليلة بخلاف التمر فهو جاف نوعاً ما.
ثمرة الصيام
واختتم حديث بالقول: كتب الله تعالى الصيام على عباده المكلفين لتحقيق غايات شرعية مهمة ومقاصد ضرورية للإنسان في حياته فقال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )، فالثمرة التي شرع الصيام ليحققها هي التقوى، والتقوى هي الحصن الحصين للإنسان من الوقوع في مزالق الحياة، وركنا التقوى هما التخلي والتحلي، فالتخلي قبل التحلي ويكون عن كل ما نهى الله تعالى عنه، والتحلي يكون بالتحلي بكل ما أمر الله تعالى به.
والعبادات كلها شُرعت كي تحقق التقوى في قلب هذا الإنسان، ولكن خصت فريضة الصيام بالذكر على سبيل الخصوص بأنها من أجل التقوى (لعلكم تتقون)، لأن في الصيام تتحقق جميع صفات المتقين التي نصت عليها آية سورة آل عمران فالله تعالى يقول ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ…..) ثم ذكر صفات هؤلاء الذين اتقوا (المتقين) فقال سبحانه وتعالى ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، وكل هذه الصفات يحققها الصيام أو تتحقق أثناء الصيام، فإن في الصيام صبراً فالصائم يصبر على رغائب النفس العاتية وشهواتها الجامحة، ويصبر على الجوع والعطش، وفي الصيام يكون الصائم صادقاً بل حريصاً غاية الحرص على الصدق في القول والفعل، وفي الصيام يكون المسلم كثير العبادة والقنوت آناء الليل والنهار، والقنوت هو طول القيام والخضوع في العبادة، والمسلم يكون أكثر سخاءً وكرماً في شهر رمضان، وفي شهر الصيام يكثر الإنسان من التوبة والاستغفار في الليل والنهار خاصة في وقت السحر يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.* ومن أهم ثمرات الصيام التي يتحصل عليها الإنسان تربية النفس على الانضباط والانقياد والإذعان في امتثال أوامر الله تعالى، وحمل النفس على التحمل والصبر على كل ما يشق على النفس.
راشد البوصافي: التفقه في أحكام الصيام واجب لنعبد الله على علم وبصيرة -
أوضح وليد بن سليمان القري أن شهر رمضان يرتفع بالمؤمن فكل يوم يبقى منه خيرمن اليوم الذي سبقه؛ لأن ما مضى لا يمكن تداركه. مضيفا: أن شهر رمضان هو شهرالقرآن كما أنه شهرالإنفاق بحيث ينفق المؤمن بقدر ما يستطيع ولا يحتقرالقليل فإن من بخل بالقليل كان أشد بخلا بالكثير فلينفق مما آتاه الله في هذا الشهر فالله يضاعف فيه الأجور ويجزل الثواب.
من جانبه أكّد راشد بن سالم البوصافي أن الصيام من العبادات الخفية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، فلهذا اختصها سبحانه بأن جعل الجزاء عنها مخفياً لا يعلم قدره ومقداره إلا هو. مؤكدا أن على المسلم أن يتفقه في أحكام أدائها حتى يؤديها بجميع شروطها وأركانها حتى تكون متقبلة عند الله خاصة أحكام مفطرات الصيام حتى يكون صيامه صياماً مبنياً على علم وبصيرة.. جاء ذلك أثناء الحديث معهما عن فضائل شهرالصيام وكيف يهيئ المسلم نفسه لاستقبال هذا الشهر الفضيل.. فإلى ما جاء في هذا اللقاء:
بداية يحدثنا وليد بن سليمان القري – أمين الفتوى بمكتب المفتي العام للسلطنة عن فضائل شهر رمضان وما ينبغي للمسلم أن يقوم به من أعمال تزيد من رصيده من الأجر والثواب حيث يقول: شهر رمضان نعمة عظيمة وفرصة كبيرة ومحطة من محطات الإيمان التي امتن الله بها على عباده ليتزودوا منها لخير الدين والدنيا والآخرة فلا بد أن يحسن المؤمن استغلال هذه النعمة ولا يكون الاستغلال إلا بالاستعداد الكامل والتركيز التام على هذا الشهر وكيفية الاستفادة منه وهذا الاستعداد لابد أن يشمل أثره الجانب الديني والدنيوي حتى يكون الفوز شاملا لحياة الإنسان في الدنيا وحياته في الدار الآخرة.
وضع الأهداف
وأوضح أن الاستعداد لرمضان يكون بعدة أمور أهمها أن يجعل المسلم لنفسه أهدافا محددة على المستوى النفسي والتعبدي والتطبيقي ففي الجانب النفسي لابد له أن يجدد التوبة لله تعالى ويصدق النية والعزم في الرجوع إليه فيرتقي بنفسه في سلم العبودية والقرب من الله درجة أو درجات بحسب همته وعزمه فيرصد ما عنده من خلل نفسي ليتجنبه وما يحتاج إليه من زيادة فيطلبه ويضع ذلك موضع التطبيق بداية من شهر شعبان فتكون الصورة النهائية لنفسه واضحة لديه لما ينبغي أن يكون عليه عند خروجه من شهر رمضان المبارك.
وفي الجانب التعبدي يضع لنفسه كذلك أهدافا واضحة فيحدد ورده من القرآن ومقدار ما سيقرؤه خلال أيام شهر رمضان ولياليه وكذلك يحدد أذكاره التي يريد المواظبة عليها وعدد الصلوات النوافل التي يريد اغتنام شهر رمضان في تأديتها وهكذا سائرالعبادات التي يريد أن يركز عليها في شهر رمضان يضع لها جميعا أهدافا محددة واضحة وأوقاتا معينة ثابتة وليبدأ من الآن حتى يتمكن من ضبط جدوله وتقويمه ليكون عند دخول الشهر الفضيل على أتم الاستعداد وقد جاوز مرحلة التقويم والتعديل في جدوله المحدد. وفي الجانب التطبيقي يحدد ما يريد أن يمارسه من الأخلاق والعبادات والأنشطة ويبدأ في جعلها في حيز التنفيذ في شهر شعبان ليكون جاهزا لاستقبال لشهر رمضان الكريم.
رمضان يرتفع بالمؤمن
وأضاف القري: ينبغي التنبه على عدة أمورعند وضع هذه الأهداف وتطبيقها.. الأمر الأول :هو أن شهر رمضان شهر مبارك يأتي بالخير العميم فتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين وكل ذلك يعني أن النفس في حالة إقبال على الخير فينبغي الاستفادة من إقبالها في تهذيبها وتربيتها وتعويدها على ما فيه سعادتها الدنيوية والأخروية ونجاتها من العذاب وفوزها بالثواب ويعني ذلك أيضا أن فيوض رحمة الله على عباده تكون أعظم ما تكون في هذا الشهر فينبغي المسارعة والتسابق والتنافس في مضمار الطاعة والعبادة للتعرض لهذه الفيوض والنفحات.
والأمر الثاني :الذي ينبغي التنبه له أن شهر رمضان لا يزيد على الثلاثين يوما ولا يتكرر في العام إلا مرة واحدة فالعاقل من جعل كل اهتمامه وتركيزه على الأهم العاجل فما عدا العبادة والتقرب واستغلال شهر رمضان لا يكون في أحسن حالاته إلا من باب المهم الذي يمكن تأخيره لما بعد رمضان فالحذر من تضييع وقت هذا الشهر الفضيل في أمر يمكن تداركه فيما بعد رمضان.
والأمر الثالث: هو أن شهر رمضان يرتفع بالمؤمن في تصاعد مستمر فكل يوم يبقى منه هو خير من اليوم الذي سبقه وهو أثمن لأن ما مضى لا يمكن تداركه وما هو قادم يمكن استغلاله وقد أودع الله في العشر الليالي الأخيرة من رمضان أعظم كنوز الثواب وأثمن جواهر الأجر فقد أودع فيها ليلة هي خيرمن ألف شهر يقضيه المؤمن في عبادة دائمة فهذه الليلة هي جائزة العبادة في شهر رمضان يهبها الله لكل مجتهد مخلص راغب في ثواب الله فالحذر من التقاعس والتخاذل والكسل فالأهداف لابد أن تكون في تصاعد يتناسب مع هذا الصعود الروحي والعمل لابد أن يكون في زيادة مستمرة تتناسب مع هذه الزيادة في الأجر.
والأمر الرابع: هو أن شهر رمضان هو شهر القرآن كما أنه شهر الخير والإنفاق في سبيل الله فقد كان صلى الله عليه وسلم لا ينشغل بغير القرآن في رمضان كما كان صلى الله عليه وسلم أعظم ما يكون إنفاقا في رمضان فعلى المؤمن ألا يفرط في هذين الأمرين وهما العناية بكتاب الله قراءة وتدبرا والإنفاق بقدرما يستطيع ولا يحتقر القليل فإن من بخل بالقليل كان أشد بخلا بالكثير فلينفق مما آتاه الله في هذا الشهر فالله يضاعف فيه الأجور ويجزل الثواب.
والأمر الأخير الذي أود التنبيه إليه أن الإخلاص هو رأس العبادة فعلى المؤمن أن يتوجه بعبادته خالصة لله وليعلم أن خزائن الله لا تنفذ وليس بينه وبين فتحها إلا إخلاص العمل والتوجه له سبحانه بالدعاء( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
يوم الشك
أيضا شاركنا الحديث راشد بن سالم البوصافي – باحث شؤون إسلامية أول حيث يقول: ينبغي على المسلم استثمار شهر رمضان لرفع رصيده من الحسنات والأجور وعليه أن يكون حريصاً دائماً على تطبيق فلسفة الاستقبال الناجح للضيف المرتقب.
وأشارأنه يجدر بنا التنبيه على أمر وهو أنه لا يصح شرعاً صيام يوم الشك وهو اليوم الأخير من شعبان (أي 30 من شعبان) وهو اليوم الذي يشك فيه الناس، أهو من شعبان أو من رمضان. ففي حديث الإمام الربيع من رواية عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (مَن صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم). ويوم الشك هو اليوم الذي يُشكّ فيه هل هو من رمضان أو من شعبان وهو يوم الثلاثين، فيحرم صومه إن كان بنية الاحتياط.
وكذلك لا يصح صيام يوم أو يومين قبل رمضان إلا أن يكون ذلك يصادف يوماً من الأيام التي اعتاد الإنسان صومها فلا حرج عليه في ذلك، أو كان يصوم صوما واجبا عليه لم يذكره ولا يدركه إلا بصوم آخر يوم من شعبان فلا حرج عليه في صومه لدلالة الحديث: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صومًا فليصمه).
صلاح وإخلاص
وأضاف البوصافي قائلا: إن الله تعالى تعبدنا بعبادات كثيرة وأمرنا أن نأتي هذه العبادات عن علمٍ وبصيرة في أمرها، ولا يرضى ربنا تبارك وتعالى أن نعبده جل وعلا بجهل، فمن عَبَدَ الله بجهلٍ لم يقبل الله تعالى منه عمله الذي عمله، فالله تعالى جعل مناط قبول الأعمال أمرين وهما: صلاح العمل والإخلاص فيه لله تعالى وحده، حيث يقول جلَّ وعلا ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)) ولا يكون العمل صالحاً إلا بالعلم والمعرفة والفقه بكيفية أدائه، ولا يقبل العمل وإن صلح وحسن إلا إذا أريد به وجه الله تعالى وحده لا شريك له في ذلك.
مشيرا إلى أن فريضة الصيام من أجلِّ العبادات التي تعبدنا الله تعالى بها وهي ركن من أركان هذا الدين الحنيف، والصيام من العبادات الخفية التي لا يعلم حقيقتها وتحققها التحقق الشرعي إلا الله تعالى، فلهذا اختصها الله تعالى بأن جعل الجزاء مخفياً لا يعلم قدره ومقداره إلا هو، فقال كما جاء في الحديث القدسي:(الصوم لي وأنا أجزي به)، وذكرُ اختصاص الله تعالى بالجزاء الذي أعدَّه للصيام مع أنه جلَّ وعلا المثيب والمجازي على جميع الأعمال ظاهرها وباطنها، إلا أن ذلك يؤذن بعظم هذه العبادة وحساسيتها البالغة. ومع هذه الأهمية البالغة لفريضة الصيام المتمثلة في خفاء معايير قبولها المنوطة بتحقق صحة أدائها، فكان لزاماً على المسلم أن يتفقه في أحكام أدائها حتى يؤديها بجميع شروطها وأركانها لتصل إلى درجة الصحة، ومع الإخلاص لله تعالى وحده فيها تحظى هذه العبادة بالقبول عند الله تعالى، وهذه هي بغية كل مسلم.
مفطرات الصيام
وقال البوصافي: مما ينبغي أن يعتني به الإنسان المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يتفقه في أحكام مفطرات الصيام حتى لا يقع فيها ملتمساً لنفسه العذر في عدم معرفتها من قبل، فلا بدَّ له من ضبط أحكام الصيام حتى يكون صيامه صياماً مبنياً على علم وبصيرة، وأهم ما ننصح به الإنسان في هذه الأيام التي يستعد فيها لدخول واستقبال شهر رمضان المبارك، أن يقرأ في كتب الفقه في أبواب الصيام وأحكامه، فيقف على المسائل الشرعية المختلفة ويعيش في فقه الصيام أيامه هذه بشوق وعلمٍ للولوج في هذه العبادة العظيمة الجللة، وكذلك عليه بكتب فتاوى الصيام ليتعرف على المسائل التي يقع فيها الناس وأحكامها حتى يستفيد ويستزيد علماً ومعرفة بها.
اتقان الصيام
وأوضح البوصافي أنه لا شك أن كل مسلمٍ حريص على إتقان أداء صيامه وإلا لما كلَّف نفسه عناء مشقة الجوع والعطش، وما ذاك إلا من أجل أن يتقن عبادته وصيامه، وحتى يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الإتقان لابدَّ من معرفة ما لا يسع جهله مما يجوز فعله ومما لا يجوز أثناء الصيام، فالصائم غير ممنوع من كثير من الأمور والممارسات الحيوية حالة صيامه، لأنها لا تنافي فرضية الصيام، فكثيرٌ من الناس يمتنعون عن بعض الأشياء ظناً منهم أنها تفطر الصائم، أو أنها مما لا تجوز للصائم فعله وقت صيامه، فيتركونها جهلاً منهم سواءً كان من أمورالنظافة والطهارة أو كان من متطلبات النفس الطبيعية أو علاقات الناس فيما بينهم، فكم من الأسئلة التي ترد في مثل هذه الأمور التي يجهل الناس جوازها وقت الصيام، في حين يقع بعض الناس في مخالفات شرعية كبرى تهدُّ صيامهم هدَّاً وتقوض أركانه وهم لا يتورعون عنها بل ولا يسألون عن حكمها، فلا بدَّ إذاً من معرفة هذه الأمور معرفة جيدة.
السلعة غالية
وأشار إلى أن مما يدركه ويعلمه كل أحدٍ أن التاجر البارع هو من يمتلك التفكير السليم والتخطيط الدقيق والتنفيذ الأمين من أجل أن يحقق الربح الذي يصبو إليه، فما من تاجرإلا وينشد من تجارته الربح الوفير والغنم الوافر، سواء كان ذلك الربح مادياً أو كان معنوياً يتمثل في الأجر والمثوبة من الله عز وجلَّ، والإنسان المسلم وهو في شهر رمضان أمام سلعة غالية ثمينة المعاني والجوهر، فلا شك أن العاقل من يستثمر هذه الفرصة ليثقل رصيده من الحسنات بالحسنات، ولذلك كان لابدَّ للمرء المسلم من أن يستغل يومه الرمضاني من بدايته إلى نهايته لأنه من لم يخطط للنجاح فقد خطط للفشل شعر بذلك أو لم يشعر، فالتخطيط الواقعي السليم ليوم المسلم ينظم وقت الإنسان ويكسبه الرضا النفسي ليحصل على النتائج اليانعة التي خطط لها، وكذلك ينمي لدى الإنسان صفة المراقبة الذاتية والمحاسبة الدقيقة والنقد البنّاء لذاته من خلال ما تم إنجازه وما لم يتم، وللإنسان أن يضع المنهجية والتخطيط ليومه في شهر رمضان بنفسه معتمداً على خبراته السابقة وما قدراته وإمكانياته وهمته.
التغذية السليمة
كما أوضح أن التغذية السليمة في رمضان لها أهميتها البالغة سواء كانت تغذية بدنية أو تغذية علمية روحية، فالمسلم الصائم يحتاج إلى ما يقيم له أود حياته ويكسبه الطاقة والقوة لمواصلة صيام يومه، فلابدَّ من التغذية السليمة النافعة التي تعود على المسلم بالصحة والنشاط. فالمحافظة على تناول وجبة السحور في آخر وقت الليل فقد ثبت في السنة تأخير السحور كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام الربيع في (المسند)، وأخرج الشيخان البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى أن مقدر الزمن بين السحور وصلاة الفجر (أي دخول وقت الصلاة) مقدار قراءة خمسين آية، ووجبة السحور ينبغي أن تحتوي في مادتها على السكريات والبروتينات والعناصر الغذائية الأساسية المهمة، فالمحافظة على السحور مما جاءت به السنة النبوية المطهرة وحثت عليه فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تسحروا فإن في السحور بركة. كما أن الإنسان يقضي سحابة نهار وهو صائم عن الأكل والشرب لا قوام له إلا على ما يتم تخزينه من وجبة السحور فيبقى يستهلكه النهار كله، وما إن يدنو النهار من الذهاب إلا ويكون ذلك المخزون الغذائي انتهى ونفد، فيحتاج الإنسان بعد الغروب إلى ما يعيد له طاقته وما يقيم به صلبه وبدنه، لتعويض ما فقده من الغذاء فترة الصيام، فينبغي للإنسان أن يحسن اختيار الطعام الذي يوقعه في معدته الخاوية التي فرغت تماماً من الغذاء، فيتخير الطعام الصحي السليم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على الرطب والماء فإن لم يجد رطباً أفطر على التمر والماء فإن لم يجد تمراً اقتصر في فطوره على الماء يحتسي منه سحوات قليلة، والطب الحديث أثبت حاجة البدن إلى السكريات الرطبة التي تتوفر في الرطب، لأن الرطب يحتوي على نسبة من السوائل القليلة بخلاف التمر فهو جاف نوعاً ما.
ثمرة الصيام
واختتم حديث بالقول: كتب الله تعالى الصيام على عباده المكلفين لتحقيق غايات شرعية مهمة ومقاصد ضرورية للإنسان في حياته فقال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )، فالثمرة التي شرع الصيام ليحققها هي التقوى، والتقوى هي الحصن الحصين للإنسان من الوقوع في مزالق الحياة، وركنا التقوى هما التخلي والتحلي، فالتخلي قبل التحلي ويكون عن كل ما نهى الله تعالى عنه، والتحلي يكون بالتحلي بكل ما أمر الله تعالى به.
والعبادات كلها شُرعت كي تحقق التقوى في قلب هذا الإنسان، ولكن خصت فريضة الصيام بالذكر على سبيل الخصوص بأنها من أجل التقوى (لعلكم تتقون)، لأن في الصيام تتحقق جميع صفات المتقين التي نصت عليها آية سورة آل عمران فالله تعالى يقول ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ…..) ثم ذكر صفات هؤلاء الذين اتقوا (المتقين) فقال سبحانه وتعالى ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، وكل هذه الصفات يحققها الصيام أو تتحقق أثناء الصيام، فإن في الصيام صبراً فالصائم يصبر على رغائب النفس العاتية وشهواتها الجامحة، ويصبر على الجوع والعطش، وفي الصيام يكون الصائم صادقاً بل حريصاً غاية الحرص على الصدق في القول والفعل، وفي الصيام يكون المسلم كثير العبادة والقنوت آناء الليل والنهار، والقنوت هو طول القيام والخضوع في العبادة، والمسلم يكون أكثر سخاءً وكرماً في شهر رمضان، وفي شهر الصيام يكثر الإنسان من التوبة والاستغفار في الليل والنهار خاصة في وقت السحر يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.* ومن أهم ثمرات الصيام التي يتحصل عليها الإنسان تربية النفس على الانضباط والانقياد والإذعان في امتثال أوامر الله تعالى، وحمل النفس على التحمل والصبر على كل ما يشق على النفس.