*
هل سمعتم بكتاب الماء؟؟ أولِ معجم طبي لغوي في التاريخ؟؟
أنا مندهشٌ مثلكم عند سماعي بهذا الكتاب أول مرة، والذي زاد من اندهاشي أن مؤلِّفَ هذا المعجم عماني الأصل، وُلِدَ في ولاية صحار وانتقل إلى العراق كعادة العمانيين في تلك الأيام.
أبو محمد عبدالله بن محمد الأزدي الصحاري صاحب هذا الكتاب ولد في أواسطِ القرن الرابع الهجري بصحار وتوفي في عام 456هـ في بلنسية بالأندلس. وكما إن الكتابَ لم يحظَ على الشهرةِ الكبيرة فإن مؤلِّفَه أيضا لم ينلْ تلك الشهرة[1]، وغابت ترجمته، ولم تذكر كما أشار المحقق إلا سطور قليلة وردت في كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي اصيبعة) [2] يقول فيها: "هو أبو محمد عبدالله بن محمد الأزدي.. ويُعرف بابن الذهبي.. أحد المعتنين بصناعة الطب ومطالعة كتب الفلاسفة، وكان كلفا بصناعة الكيمياء، مجتهدا في طلبها. وتوفي ببلنسية "من ديار الأندلس" في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة. ولابن الذهبي من الكتب: مقالة في أن الماء لا يغذو".
ويظهر من خلال تصفح هذا الكتاب أن الصحاري قد اطلع على الكثير من الكتب سواء اللغوية منها والطبية، والتي على أساسها بنى كتابه هذا، كما أنه صاحب ثقافة واسعة، ويظهر ذلك في أمور عدة أذكر منها:
1-تسميته كتاب الماء بهذا الاسم، على غرار كتاب (العين) لشيخه الفراهيدي الذي فاق به من كان قبله، يقول: "فإني لما رأيتُ أبا عبدالرحمن الخليل بن أحمد، رحمه الله، قد أغرب في كتاب (العين) فبزَّ من كان قبله، وعنّى به من جاء بعده... عزمتُ على أن أكتبَ كتابا يجمع بين الطب والعربية، ويضم الأمراض والعلل والأدواء...". فمما يبدو أنه اطلع اطلاعا واسعا على كتاب العين وتأثر فيه بتسمية كتابه هذا بنفس طريقة تسمية الفراهيدي لكتابه، فقد سماه بذلك لأنه ابتدأ الكتاب بالحديث عن الماء كما ابتدأ الفراهيدي كتابه بحرف العين.*
*
2- التنوع في أخذه العلم والاطلاع عن كثير من العلماء والأطباء كابن سينا مثلا حين يقول: "وهو فنٌ من فنون الصنعة لم نعرف من أجاده إجادة شيخنا العلامة ابن سينا".
3-سفره في طلب العلم في بقاع الأرض، فهاجر للبصرة ثم بلاد فارس فتتلمذ على يدي البيروني، ثم رحل إلى بلاد الأندلس ماراً ببلاد الرافدين والشام وبيت المقدس.
إن كتاب الماء للأزدي الصحاري كتاب قيّم يضم بين دفتيه علماً غزيرا اجتهد مؤلِّفُه في الحصول على المعلومة، وتدوينها، فهي خلاصة تجربة طويلة. لذا فإنه علينا أن نعطي هذا الكتاب حقه في الدراسة، والتعريف به، لاسيما لسبقه في مجاله هذا. كما أبعث برسالة لوزارة التراث والثقافة للعمل على إعادة طباعة هذا الكتاب وتسويقه التسويق الأمثل حتى يصل لأكبر شريحة من المتابعين للمشهد الثقافي العماني.
*
[1] لمّح المحقق لبعض الأسباب التي أدَّتْ لاندثار مثل هذه العلوم والمعارف، كما يمكن لمتابعي التاريخ الوقوف على أسبابٍ كثيرة لغياب تلك العلوم ومؤلفيها.
[2] انظر مقدمة كتاب الماء بتحقيق الدكتور هادي حسن حمودي، سلطنة عمان: وزارة التراث والثقافة، ج1، ط1، 1996م، ص8