عبد الله بن علي العليان -
عرفت ظفار بسلطنة عمان في العالم القديم وعصور الحضارات المزدهرة. كالحضارات السومرية والفرعونية والبابلية والرومانية وغيرها من الحضارات والشعوب القديمة لوجود «اللبان» تلك الشجرة التاريخية المهمة في تلك العصور كما ورد في اللوحات القديمة والكتابات والرسوم نظرا لمكانة شجرة اللبان وأهميتها الثمينة دينيا واقتصاديا حيث تعد مدينة سمهرم شرق ولاية طاقة التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، إحدى المدن المهمة التي بنيت بعد ظهور تجارة اللبان مع الحضارات القديمة، وتفوقت أهميته التصديرية للخارج.
ولما كان اللبان السبب الأكثر بروزا عبر التاريخ في شهرة ظفار في العالم القديم، فقد شغلت مساحة حضارية مهمة في التاريخ لكونها مصدرا أساسيا لهذه المادة إلى جانب مادة الصمغ أيضا، وكان أثره كبيرا على تطور تاريخ المنطقة وعلى المنطقة الأوسع في الشرق الأوسط.
الاهتمام باللبان
وقد أثار “اللبان” في ظفار اهتمام المؤرخين الأوائل وكتبوا عن هذه السعة منذ عام 400 قبل الميلاد بدءا من المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت ثم بيليني وبطليموس وديودورس وسترابو وغيرهم..وهؤلاء جميعهم تركوا انطباعات وإشارات. كما تقول المصادر التاريخية. عن أممية اللبان وندرته في العالم، والتي كانت سببا في ازدهار المنطقة التي تحتكر إنتاج اللبان وكان الطلب التجاري عليه من العالم القديم، لا يضاهيه الطلب علي أية هلعة أخرى. وقد شكل ميناء سمهرم مركزا بحريا مهما لتصدير اللبان الى العالم القديم، بالإضافة إلى المراكز البرية المعروفة التي انتشرت على طول قوافل تجارة اللبان، كانت حضارات الشرق الأدنى تعتمد على ميناء سمهرم في جلب ما تحتاجه من اللبان اللازم لمعابدها.
ومن الطرق القديمة التي ورد ذكرها من المؤرخين والجغرافيين الأوائل، الطريق الذي يربط بين ظفار وشرق بلاد العرب حتى بلاد سومر في العراق. فالطريق البري يبدأ من ظفار غربا عن طريق النجد الى جنوبي مدن الجزيرة العربية مثل شبوة وحضرموت، ثم شمالا الى نجران حتى غزة، ويذكر لنا المؤرخ (سترابو) أن الرحلة البرية تسلك طريقا مباشرا عبر منطقة الربع الخالي. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الجغرافي بطليموس أول من رسم خريطة لمنطقة ظفار ظهرت نسخ منها في القرن الثاني عشر الميلادي، من مصادر عربية وأوروبية تعكس رؤية بطليموس لجغرافية المنطقة، حيث وضح موقع تصدير اللبان سمهرم، (خور ووري) وقد حدد بطليموس هذه المنطقة (ظفار) وسماها (سوق العمانيين). والحديث الذي يدور عن العلاقات التجارية الواسعة مع ظفار لا يتضح إلا إذا عدنا، كما يقول البروفيسور بوريس زاريتز. الى العصر الحجري الحديث حيث كانت هناك معابر الطرق التجارية وخاصة الربع الخالي، بدليل أن الأواني والمعدات التي تنتمي الى العصر الحجري الحديث قد وجدت على طول المنطقة وفي كل بقعة من شبه الجزيرة العربية. ووجدت بقايا هذه الحضارة في محافظة ظفار وفي شال عمان وفي المناطق الداخلية من اليمن، وفي منطقة عسير، وعثر على نماذج من فنون الرسم من تلك الحقبة على جدران الصخور والكهوف.
بداية الروابط التجارية في ظفار
أعقب عهد العصر الحجري الحديث ما يسمى بالعصر البرونزي الذي يؤكد روابط شرق شبه الجزيرة العربية مع غربها ومع عمان ومع بلاد السومر في جنوب العراق، ويعود تاريخ النقوش الكتابية في حضارة السومريين الى نحو 3200 قبل الميلاد، وفي الفترة المعاصرة الى العهد الأخير من العصر الحجري في منطقتي ظفار والربع الخالي، وقد عثر على عدد من اللوحات السومرية « الكتابة القديمة» مكتوب عليها “بخور” وفي سجلات أخرى نجد معنى أدق وهو تعبير “البخور المستخرج من أشجار اللبان”. وهناك تعبيرات أخرى معناها البخور المطلوب للحكام والقساوسة. وتنبئ الكتابات الأولية أن هذا البخور كان يقاس عن طريق الوزن. وكان يخلط معه الزيت، والشحوم لاستخدامه لأغراض الطقوس الدينية وكعلاج وكبخور عطري، أما كلمة “الصمغ” فلم تظهر الا في الكتابات الآشورية اللاحقة في حوالي عام 1800 قبل الميلاد. وكان اللبان من واقع النقوش الكتابية يصدر الى بلاد ومناطق العراق القديم عن طريق البحر. كما أثبتت الاكتشافات قيام هذه التجارة عبر الطرق البرية. ويؤكد الباحثون أنه منذ حوالي 5000 سنة قبل الميلاد الى 1800 قبل الميلاد كانت هناك صلات تجارية مع الحضارة السومرية والبابلية والآشورية في بلاد العراق القديم حيث تتزايد الطلبات نحو العطور القادمة من شرقي شبه الجزيرة العربية ومناطق الربع الخالي وظفار، وكانت هذه التجارة مزدهرة أيضا مع الحضارة الفرعونية، فقد أشارت أدلة أثرية كثيرة على وجود علاقات مزدهرة بين الفراعنة في مصر وبين حضارة ظفار، والتي أطلقت عليها النصوص الفرعونية بلاد (بونت)، وأن أقدم ما ورد مسطرا على الآثار المصرية وصلتها ببلاد (بونت) هي البعثة التي أمر بإرسالها الملك ساحورع من الأسرة الخامسة في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد الى تلك البلاد، وبقيت مناظرها على بقايا جدران معبد في (أبو قير) ثم جاء ذكرها مرة ثانية على حجر بالرمو، وفيه تفصيل لما عادت به الحملة من خيرات بلاد بونت (ظفار) مثل الحيوانات وبعض الأ حجار نصف الكريمة، إلى جانب السلع الرئيسية من الرحلة وهي اللبان والبخور، وزادت صلة الفراعنة ببلاد ظفار في عهد الأسرة السادسة إلى حد كبير، وفي إحدى مقابر أمران وفي نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد بلغ من اهتمام الملوك بالتجارة مع بونت (ظفار) أن الملك منوحتب أرسل مدير خزائنه لإحضار البخور من ظفار، على أن أشهر رحلات الفراعنة إلى ظفار تلك الرحلة التي أمرت بها الملكة (حتشبسوت) منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد تحت قيادة وزيرها، ونقشت مناظرها على جدران معبد الدير البحري في طيبة والتي عادت من عمان محملة بخيرات بونت (ظفار) من بخور وعطور وأخشاب وحيوانات.
وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية، وفي مصر هذه الصلات التجارية منذ 1500 قبل الميلاد وقد كشفت الحفريات في منطقة غزة هذه العلاقة، حيث إنها كانت نقطة النهاية للتجارة البرية الغربية.
وفي النصف الثاني من الحقبة في الألف الأول قبل الميلاد ازداد الطلب على اللبان نتيجة الاستهلاك المتزايد في كل من بلاد ما بين النهرين وسوريا واليونان وروما حيث ارتفع الطلب إلى قمته في القرون الأولى الميلادية. وكان ذلك هو العصر الذي كان فيه اللبان أهم سلعة على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب الى الغرب وكذلك بلاد السند والصين.
ميناء سمهرم
يعتبر ميناء سهمرم (روري) الذي يقع شرق ولاية طاقة بمحافظة ظفار من الموانئ المشهورة لتصدير البخور والتجارة الأخرى إلى العالم القديم والوسيط منذ الألف الخامس قبل الميلاد كما تقول بعض المصادر التاريخية، ولاقت تجارة الكندر “اللبان” رواجا كبيرا من الحضارات القديمة لأسباب دينية “كانت الرفاهية التي تحفل بها سمهرم مرجعها إلى موقع وطبيعة الميناء، حيث يقع الميناء تقريبا في منتصف المسافة بين كل النقط البعيدة، مثل تلك اللاتي في الخليج العربي، وفي البحر الأحمر، والنقاط التي توجد في الهند (تقريبا على خط ستقيم غرب بومباي) والنقاط التي توجد في إفريقيا بالإضافة إلى النقاط التي على طول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية نفسها، وعند الوصول لهذه المنطقة، كان المسافرون يصطفون على طول الساحل قدر ما يمكنهم مرحبين وسعيدين بالميناء الخالي من العواصف، والميناء أشبه بمصب نهر هو مدخل وادي در بات وبالتقدير التقريبي فان المسافة بين الصخرتين الواسعتين عند مدخل الميناء (الانقطاعتين) تقريبا حوالي 300 متر وعرض الميناء المواجه لمدينة سمهرم هو 200 متر، والمدينة تبعد حوالي 800 متر من الصخور وربما كان عرض الميناء القديم عند المصب مساويا للمسافة بين الصخرتين وكان طوله يمتد الى ما وراء المدينة ويضيق بصورة ملحوظة عند هذه النقطة، لقد كان حجم الميناء مناسبا لسفن القرن الأول الميلادي”.
وكانت ظفار في ذلك العصر تسمى بأساء مختلفة مثل “بلاد بونت” عند الفراعنة و “أوفير” عند الرومان و”أوبار” عند بعض المؤرخين الأجانب والمسلمين “فقد دلت الاكتشافات الأثرية التي أجرتها البعثة الأمريكية في حصن سمهرم (خور ووري) الميناء الشهير لتصدير اللبان أن ظفار كان يطلق عليها في الزمن القديم (أوفير)، كما عثر على تنثر بالخط المسند يبين أهمية منطقة “سمهرم” التي يقول العالم الأثري وندل فيلبس أنها تزامنت مع مملكة حمير في القرن الأول الميلادي إلا أن بعض المؤرخين يؤكد أنها عبقت هذا التاريخ بعشرات القرون وربما يزيد. كانت ظفار مسرحا لتجارة مزدهرة ورائجة في العصور الغابرة وذكرت بعض المصادر أن النبي سليمان عليه السلام كان يرأس أسطوله في البحر الأحمر إلى “أوفير” لجلب البخور واللبان والفضة والذهب وان العلاقة بين مملكة سليمان و”أوفير” كانت علاقة صداقة. ويروي بعض المستشرقين المهتمين بالتاريخ القديم أن سفينة النبي سليمان عليه السلام رمت في بحيرة (سمهرم) وأخذت الجرار المملوءة باللبان تتدحرج من أعلى الجبل فتمتقع في السفينة التي أبحرت باللبان من (أوفير).. ويتحدث “بيرين” وكذلك “بيسترن” أن هذه المنطقة المنتجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة مهمة بل إنها كانت جزءا من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء. كانت الأهمية التجارية لهذا الميناء مجال تنافس وصراع بين الحضارات القديمة في فترات مختلفة وتذكر بعض المصادر أن الإغريق والرومان قاموا بعدة حملات للسيطرة على هذا الميناء “وقام الأسكندر الأكبر بإرسال ثلاث حملات لاكتشاف الشواطئ العربية عام 324 قبل الميلاد، وكان يقود إحداها الجنرال أندر ومتين، ولكن يبدو أن الفراعنة كانت لهم صلات تجارية أنشط مع المنطقة، نظرا لحاجتهم الماسة للمر، واللبان، والذهب، والأشجار النادرة، التي كانت منطقة ظفار مصدرها الأهم إن لم تكن الأوحد. فقد فكر قدماء المصريين بوسيلة أخرى كان من ثمارها شق قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر. ومن هذه القناة تنتقل السفن إلى جنوب الجزيرة العربية للحصول على البضائع المختلفة. ويقال إن اللبان الصافي لا تنبت أشجاره إلا في ظفار منذ آلاف السنين، ونتيجة لهذه الشهرة كان الإغريق يطلقون عليها البلاد السعيدة (أربيا فيلكيس) أما الرومان فيطلقون عليها بلاد البخور والعطور والقصور.
عرفت ظفار بسلطنة عمان في العالم القديم وعصور الحضارات المزدهرة. كالحضارات السومرية والفرعونية والبابلية والرومانية وغيرها من الحضارات والشعوب القديمة لوجود «اللبان» تلك الشجرة التاريخية المهمة في تلك العصور كما ورد في اللوحات القديمة والكتابات والرسوم نظرا لمكانة شجرة اللبان وأهميتها الثمينة دينيا واقتصاديا حيث تعد مدينة سمهرم شرق ولاية طاقة التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، إحدى المدن المهمة التي بنيت بعد ظهور تجارة اللبان مع الحضارات القديمة، وتفوقت أهميته التصديرية للخارج.
ولما كان اللبان السبب الأكثر بروزا عبر التاريخ في شهرة ظفار في العالم القديم، فقد شغلت مساحة حضارية مهمة في التاريخ لكونها مصدرا أساسيا لهذه المادة إلى جانب مادة الصمغ أيضا، وكان أثره كبيرا على تطور تاريخ المنطقة وعلى المنطقة الأوسع في الشرق الأوسط.
الاهتمام باللبان
وقد أثار “اللبان” في ظفار اهتمام المؤرخين الأوائل وكتبوا عن هذه السعة منذ عام 400 قبل الميلاد بدءا من المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت ثم بيليني وبطليموس وديودورس وسترابو وغيرهم..وهؤلاء جميعهم تركوا انطباعات وإشارات. كما تقول المصادر التاريخية. عن أممية اللبان وندرته في العالم، والتي كانت سببا في ازدهار المنطقة التي تحتكر إنتاج اللبان وكان الطلب التجاري عليه من العالم القديم، لا يضاهيه الطلب علي أية هلعة أخرى. وقد شكل ميناء سمهرم مركزا بحريا مهما لتصدير اللبان الى العالم القديم، بالإضافة إلى المراكز البرية المعروفة التي انتشرت على طول قوافل تجارة اللبان، كانت حضارات الشرق الأدنى تعتمد على ميناء سمهرم في جلب ما تحتاجه من اللبان اللازم لمعابدها.
ومن الطرق القديمة التي ورد ذكرها من المؤرخين والجغرافيين الأوائل، الطريق الذي يربط بين ظفار وشرق بلاد العرب حتى بلاد سومر في العراق. فالطريق البري يبدأ من ظفار غربا عن طريق النجد الى جنوبي مدن الجزيرة العربية مثل شبوة وحضرموت، ثم شمالا الى نجران حتى غزة، ويذكر لنا المؤرخ (سترابو) أن الرحلة البرية تسلك طريقا مباشرا عبر منطقة الربع الخالي. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الجغرافي بطليموس أول من رسم خريطة لمنطقة ظفار ظهرت نسخ منها في القرن الثاني عشر الميلادي، من مصادر عربية وأوروبية تعكس رؤية بطليموس لجغرافية المنطقة، حيث وضح موقع تصدير اللبان سمهرم، (خور ووري) وقد حدد بطليموس هذه المنطقة (ظفار) وسماها (سوق العمانيين). والحديث الذي يدور عن العلاقات التجارية الواسعة مع ظفار لا يتضح إلا إذا عدنا، كما يقول البروفيسور بوريس زاريتز. الى العصر الحجري الحديث حيث كانت هناك معابر الطرق التجارية وخاصة الربع الخالي، بدليل أن الأواني والمعدات التي تنتمي الى العصر الحجري الحديث قد وجدت على طول المنطقة وفي كل بقعة من شبه الجزيرة العربية. ووجدت بقايا هذه الحضارة في محافظة ظفار وفي شال عمان وفي المناطق الداخلية من اليمن، وفي منطقة عسير، وعثر على نماذج من فنون الرسم من تلك الحقبة على جدران الصخور والكهوف.
بداية الروابط التجارية في ظفار
أعقب عهد العصر الحجري الحديث ما يسمى بالعصر البرونزي الذي يؤكد روابط شرق شبه الجزيرة العربية مع غربها ومع عمان ومع بلاد السومر في جنوب العراق، ويعود تاريخ النقوش الكتابية في حضارة السومريين الى نحو 3200 قبل الميلاد، وفي الفترة المعاصرة الى العهد الأخير من العصر الحجري في منطقتي ظفار والربع الخالي، وقد عثر على عدد من اللوحات السومرية « الكتابة القديمة» مكتوب عليها “بخور” وفي سجلات أخرى نجد معنى أدق وهو تعبير “البخور المستخرج من أشجار اللبان”. وهناك تعبيرات أخرى معناها البخور المطلوب للحكام والقساوسة. وتنبئ الكتابات الأولية أن هذا البخور كان يقاس عن طريق الوزن. وكان يخلط معه الزيت، والشحوم لاستخدامه لأغراض الطقوس الدينية وكعلاج وكبخور عطري، أما كلمة “الصمغ” فلم تظهر الا في الكتابات الآشورية اللاحقة في حوالي عام 1800 قبل الميلاد. وكان اللبان من واقع النقوش الكتابية يصدر الى بلاد ومناطق العراق القديم عن طريق البحر. كما أثبتت الاكتشافات قيام هذه التجارة عبر الطرق البرية. ويؤكد الباحثون أنه منذ حوالي 5000 سنة قبل الميلاد الى 1800 قبل الميلاد كانت هناك صلات تجارية مع الحضارة السومرية والبابلية والآشورية في بلاد العراق القديم حيث تتزايد الطلبات نحو العطور القادمة من شرقي شبه الجزيرة العربية ومناطق الربع الخالي وظفار، وكانت هذه التجارة مزدهرة أيضا مع الحضارة الفرعونية، فقد أشارت أدلة أثرية كثيرة على وجود علاقات مزدهرة بين الفراعنة في مصر وبين حضارة ظفار، والتي أطلقت عليها النصوص الفرعونية بلاد (بونت)، وأن أقدم ما ورد مسطرا على الآثار المصرية وصلتها ببلاد (بونت) هي البعثة التي أمر بإرسالها الملك ساحورع من الأسرة الخامسة في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد الى تلك البلاد، وبقيت مناظرها على بقايا جدران معبد في (أبو قير) ثم جاء ذكرها مرة ثانية على حجر بالرمو، وفيه تفصيل لما عادت به الحملة من خيرات بلاد بونت (ظفار) مثل الحيوانات وبعض الأ حجار نصف الكريمة، إلى جانب السلع الرئيسية من الرحلة وهي اللبان والبخور، وزادت صلة الفراعنة ببلاد ظفار في عهد الأسرة السادسة إلى حد كبير، وفي إحدى مقابر أمران وفي نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد بلغ من اهتمام الملوك بالتجارة مع بونت (ظفار) أن الملك منوحتب أرسل مدير خزائنه لإحضار البخور من ظفار، على أن أشهر رحلات الفراعنة إلى ظفار تلك الرحلة التي أمرت بها الملكة (حتشبسوت) منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد تحت قيادة وزيرها، ونقشت مناظرها على جدران معبد الدير البحري في طيبة والتي عادت من عمان محملة بخيرات بونت (ظفار) من بخور وعطور وأخشاب وحيوانات.
وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية، وفي مصر هذه الصلات التجارية منذ 1500 قبل الميلاد وقد كشفت الحفريات في منطقة غزة هذه العلاقة، حيث إنها كانت نقطة النهاية للتجارة البرية الغربية.
وفي النصف الثاني من الحقبة في الألف الأول قبل الميلاد ازداد الطلب على اللبان نتيجة الاستهلاك المتزايد في كل من بلاد ما بين النهرين وسوريا واليونان وروما حيث ارتفع الطلب إلى قمته في القرون الأولى الميلادية. وكان ذلك هو العصر الذي كان فيه اللبان أهم سلعة على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب الى الغرب وكذلك بلاد السند والصين.
ميناء سمهرم
يعتبر ميناء سهمرم (روري) الذي يقع شرق ولاية طاقة بمحافظة ظفار من الموانئ المشهورة لتصدير البخور والتجارة الأخرى إلى العالم القديم والوسيط منذ الألف الخامس قبل الميلاد كما تقول بعض المصادر التاريخية، ولاقت تجارة الكندر “اللبان” رواجا كبيرا من الحضارات القديمة لأسباب دينية “كانت الرفاهية التي تحفل بها سمهرم مرجعها إلى موقع وطبيعة الميناء، حيث يقع الميناء تقريبا في منتصف المسافة بين كل النقط البعيدة، مثل تلك اللاتي في الخليج العربي، وفي البحر الأحمر، والنقاط التي توجد في الهند (تقريبا على خط ستقيم غرب بومباي) والنقاط التي توجد في إفريقيا بالإضافة إلى النقاط التي على طول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية نفسها، وعند الوصول لهذه المنطقة، كان المسافرون يصطفون على طول الساحل قدر ما يمكنهم مرحبين وسعيدين بالميناء الخالي من العواصف، والميناء أشبه بمصب نهر هو مدخل وادي در بات وبالتقدير التقريبي فان المسافة بين الصخرتين الواسعتين عند مدخل الميناء (الانقطاعتين) تقريبا حوالي 300 متر وعرض الميناء المواجه لمدينة سمهرم هو 200 متر، والمدينة تبعد حوالي 800 متر من الصخور وربما كان عرض الميناء القديم عند المصب مساويا للمسافة بين الصخرتين وكان طوله يمتد الى ما وراء المدينة ويضيق بصورة ملحوظة عند هذه النقطة، لقد كان حجم الميناء مناسبا لسفن القرن الأول الميلادي”.
وكانت ظفار في ذلك العصر تسمى بأساء مختلفة مثل “بلاد بونت” عند الفراعنة و “أوفير” عند الرومان و”أوبار” عند بعض المؤرخين الأجانب والمسلمين “فقد دلت الاكتشافات الأثرية التي أجرتها البعثة الأمريكية في حصن سمهرم (خور ووري) الميناء الشهير لتصدير اللبان أن ظفار كان يطلق عليها في الزمن القديم (أوفير)، كما عثر على تنثر بالخط المسند يبين أهمية منطقة “سمهرم” التي يقول العالم الأثري وندل فيلبس أنها تزامنت مع مملكة حمير في القرن الأول الميلادي إلا أن بعض المؤرخين يؤكد أنها عبقت هذا التاريخ بعشرات القرون وربما يزيد. كانت ظفار مسرحا لتجارة مزدهرة ورائجة في العصور الغابرة وذكرت بعض المصادر أن النبي سليمان عليه السلام كان يرأس أسطوله في البحر الأحمر إلى “أوفير” لجلب البخور واللبان والفضة والذهب وان العلاقة بين مملكة سليمان و”أوفير” كانت علاقة صداقة. ويروي بعض المستشرقين المهتمين بالتاريخ القديم أن سفينة النبي سليمان عليه السلام رمت في بحيرة (سمهرم) وأخذت الجرار المملوءة باللبان تتدحرج من أعلى الجبل فتمتقع في السفينة التي أبحرت باللبان من (أوفير).. ويتحدث “بيرين” وكذلك “بيسترن” أن هذه المنطقة المنتجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة مهمة بل إنها كانت جزءا من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء. كانت الأهمية التجارية لهذا الميناء مجال تنافس وصراع بين الحضارات القديمة في فترات مختلفة وتذكر بعض المصادر أن الإغريق والرومان قاموا بعدة حملات للسيطرة على هذا الميناء “وقام الأسكندر الأكبر بإرسال ثلاث حملات لاكتشاف الشواطئ العربية عام 324 قبل الميلاد، وكان يقود إحداها الجنرال أندر ومتين، ولكن يبدو أن الفراعنة كانت لهم صلات تجارية أنشط مع المنطقة، نظرا لحاجتهم الماسة للمر، واللبان، والذهب، والأشجار النادرة، التي كانت منطقة ظفار مصدرها الأهم إن لم تكن الأوحد. فقد فكر قدماء المصريين بوسيلة أخرى كان من ثمارها شق قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر. ومن هذه القناة تنتقل السفن إلى جنوب الجزيرة العربية للحصول على البضائع المختلفة. ويقال إن اللبان الصافي لا تنبت أشجاره إلا في ظفار منذ آلاف السنين، ونتيجة لهذه الشهرة كان الإغريق يطلقون عليها البلاد السعيدة (أربيا فيلكيس) أما الرومان فيطلقون عليها بلاد البخور والعطور والقصور.