حديث الأفق
الشيخ نهيان بن مبارك يخرج من مضارب
العرب لغزو الغرب ويعود على حصان
أبيض مدجج بالعلوم والمعارف
بقلم أحمد الجارالله
هكذا كانت البداية بالنسبة لصحافي مرهق هو في الاساس ينتمي الى مهنة المتاعب. ففي أمسية ذلك اليوم وصلت الكويت بعد رحلة عمل في الخارج. وفور وصولي رن الهاتف النقال, وكان المتكلم على الطرف الآخر الشيخ نهيان مبارك آل نهيان, وزير التربية والتعليم في دولة الامارات, ورئيس مجمعات كليات التقنية العالية, ورئيس جامعة زايد, والذي يجاهر بسعادته لان مهنته هي هوايته..
الشيخ نهيان بهذه المهمات التأهيلية التي يقوم بها, يعتبر صانع أجيال, وقد قال لي من الطرف الآخر من المكالمة, وبلغة الادب الجم, وبالعفوية القادمة من مضارب التاريخ المشرق القديم.. قال لي: سأكون سعيدا لو قبلت دعوتي غدا للمشاركة في مهرجان المفكرين والمبدعين.. أعرف أنك متعب, وأنك عائد لتوك من رحلة عمل, ولكني أريدك أن تكون معنا في المهرجان الذي يحضره عشرة رجال من اصحاب أكبر العقول في العالم ابدعوا في كل مناحي الفكر, وحازوا على أرفع جائزة وهي جائزة نوبل. إن وجود هذه النخبة العالمية يشكل فرصة لابنائنا في دولة الامارات كي ينهلوا من فكرها وعقلها وابداعها. لم أتردد في قبول دعوة الشيخ نهيان لان الرجل قريب من هذه العقول ومجاور لها, ولانني أرغب في تحليل شخصية هذا الرجل الذي غادر بلاده في يوم من الايام خارجا من مضارب العرب إلى عوالم أخرى معاصرة, وعاد من ثم الى الامارات ممتطيا صهوة حصان أبيض, وممتشقا سيفا فضيا, وممتلئا بمعارف الغرب, ولغاته, ومعايشا لابداعاته ومخيلاته..عاد الشيخ نهيان الى بلاده, حيث أحوالها الجوية والمناخية ساخنة على طول, من بلاد تتمتع فيها الطبيعة بالفصول الاربعة, محملا بالشهادات الجامعية العالية من جامعة اوكسفورد, والتي لا ينالها الا من كابد واجتهد, حيث لا مجال فيها للدلع والتساهل, وإلا عوقب الطالب بالعودة الى بلاده مكللا بعار الفشل وسوء الحظ والسمعة.
ورأيت أن الشيخ نهيان استطلع قادم الايام قبل أن يتولى مهامه العالية, وعرف أن العالم سيصبح قرية صغيرة, وسيفرض استحقاقه على الآخرين, كونه استحقاقا مقبولا ومنطقيا, يرتكز إلى ضرورات التقدم والحداثة, والتعامل مع التقنيات العالية التي اخترعها المبدعون وتخيلوها, ومن حق الجميع الافادة من هذه الابداعات عن طريق التعلم والتدريب.
أدرك الشيخ نهيان بن مبارك أن قادم الايام يحمل معه استحقاقات دولية على الناشئة, منها تأهيلهم وتحصينهم ضد أصحاب الأفكار التي تخاف من الجديد ومن التغيير ومن الابداع, وتخاف التكنولوجيا وما تضخه من معلومات حداثوية في مجتمعات العالم, ولذلك حضر المؤسسات التأهيلية مسبقا, وأصبح جاهزا لاستقبال العواصف..
الشيخ نهيان, صاحب الجسد النحيل, والذي عايش حداثة العصر وعرف كيف يحاورها ويستفيد منها ويفيد, ادرك ايضا أن من يقودون هذه الحداثة, ويحملون قيم النظام الدولي الجديد لن يأتوا اليه لاحقا ويطالبونه بتغيير مناهج التعليم, فلقد بنى جيلا يعرف الحداثة ويلتحم بمفرداتها, ويتقن ملاعبة الوسائل في مجال الاتصالات وتدفق المعلومات, ومقطوع الصلة بثقافة الموت وتفخيخ السيارات وبالمجادلات العقيمة حول البيضة والدجاجة ومن يسبق من.. جيل إماراتي جديد لا يريد أن يسمع شيئا عن حقوق المرأة, فهو التحق بمعاهد وكليات الشيخ نهيان بجنسيه, الصبيان والبنات, ودون تمييز, وتدرب على كل شيء متصل بمناحي الحياة..وبهذه الانجازات ألا يكون الشيخ نهيان سعيدا, سيما وأن هوايته صناعة الاجيال للمستقبل على الرغم من أنه مدجج بالمال والجاه والسلطة, وكان بإمكانه أن يتمتع بامتيازاته ويعيش حياة الترف المتناهي بعيدا عن ضجيج الصغار في مدارس الاطفال, وعن مشكلات الناشئة في الجامعات?!
الشيخ نهيان بن مبارك ليس من هذه الطائفة من الناس, فإلى جانب المال, فان جيوبه مليئة بالشهادات العلمية العالية, ورأسه مليء باتقان اللغات, فعرف لغة الأقوام وأمن مكرها, واستفاد من علمها وتقدمها, وحادثها ببلاغة وكأن لغتها هي لغته, ولقد شهدت على ذلك بنفسي, وتمنيت لو أن وزراء التربية في العالم العربي كلهم الشيخ نهيان..وأقولها بصدق: لقد استحوذ هذا الشيخ النحيل الجسد, المليء العقل, على تفكيري, خصوصا وأني أراه يستدعي العقول العالمية الكبيرة ويضعها أمام الناشئة في دولة الامارات. ولقد تذكرت في هذه اللحظة ذاك الاعرابي الذي رفع أكفه الى السماء داعيا: اللهم اعطني المال والعقل لأستخدم بهما اصحاب العقول. الشيخ نهيان لديه المال والعقل, ولديه افكار استخدام العقول, واذا ما سئل اي رجل مبدع في هذا العالم عن الشيخ نهيان سيقول: إني أعرفه, وأكلت على مائدته الدسمة, التي تشبع العين قبل المعدة.
الشيخ نهيان كثير السؤال, ويعرف أن السؤال هو الطريق الى تراكم المعرفة, لذلك هو يتقن التعامل مع اختراعات الآخرين, وتراه نهما أمام انتاجات العقول المبدعة, الرجل, بهذه المواصفات, صاحب برنامج يسبق برامج الآخرين, ويرهق مساعديه ومعاونيه لانه يريد انجاز كل شيء ومسابقة الزمن في هذا الانجاز.
من أقوال الشيخ نهيان أنك إن لم تضف شيئا على الحياة فانك زائد عليها والحياة ليست بحاجة اليك. والعجيب في هذا الرجل أنه لا ينسى الاسماء ولا ينسى ما يريد أن يعمله, ويعرف ما يقول. ولاشك أن تاريخ الامارات التربوي والسياسي سيتذكره.
كان يفهم بالاشارة, ويعرف أن قائده الشيخ زايد, رحمه الله, قال له بلغته الفطرية: إنقل معارف العالم الى بلادنا وخذ ما تحتاج, ولقد نقلها بالفعل الى الامارات, و لا اشك أنه سيصدرها الى الآخرين في يوم من الايام, بعد اجراء التحسينات عليها.
لقد قبلت دعوة الشيخ نهيان بن مبارك الى مهرجان العقول, وذهبت الى الامارات, وسكنت في فندق قصر الامارات الجديد والمذهل, والذي يعتبر لوحة في الابداع الهندسي والترفيهي. ولا تتعجبوا اذا قلت لكم أنكم لستم بحاجة, في هذا الفندق, الى استخدام الهاتف, او استدعاء النادل اذا ما احتجتم الى شيء, فقط اضمروا الطلب في صدوركم, ثم افتحوا اعينكم مع ابتسامة خفيفة لتجدوا طلباتكم امامكم, وباشارة منكم تدخلون الحمام, والحمام, من ذات نفسه, يعرف أنك تريد أخذ الدوش البارد او الساخن, ولقد استكثرت على نفسي استخدامه لاني وجدته في مستوى أكبر من رغباتي.. كل شيء في هذا »القصر« من صنع الخيال الجامح والاحلام, ويذكرك بقصور ايام زمان, قصور كسرى وأباطرة الروم, وفنون المعماريين في روما.. لقد رفضت أن يغلبني النعاس فيه لاني اردت أن امتع انظاري بما حولي من تقنيات عالية, وبأدوات تعمل كلها بالهمس واللمس.
إني أتمنى بهذه المناسبة أن يضع الشيخ نهيان تجربته في تأهيل الناشئة, بتصرف وزراء التربية والتعليم العرب ليفيدوا منها, على الاقل لنضمن أجيالا لا تتناقض مع مفاهيم العصر, ولا تعيش أيام الجاهلية.
الشيخ نهيان بن مبارك يخرج من مضارب
العرب لغزو الغرب ويعود على حصان
أبيض مدجج بالعلوم والمعارف
بقلم أحمد الجارالله
هكذا كانت البداية بالنسبة لصحافي مرهق هو في الاساس ينتمي الى مهنة المتاعب. ففي أمسية ذلك اليوم وصلت الكويت بعد رحلة عمل في الخارج. وفور وصولي رن الهاتف النقال, وكان المتكلم على الطرف الآخر الشيخ نهيان مبارك آل نهيان, وزير التربية والتعليم في دولة الامارات, ورئيس مجمعات كليات التقنية العالية, ورئيس جامعة زايد, والذي يجاهر بسعادته لان مهنته هي هوايته..
الشيخ نهيان بهذه المهمات التأهيلية التي يقوم بها, يعتبر صانع أجيال, وقد قال لي من الطرف الآخر من المكالمة, وبلغة الادب الجم, وبالعفوية القادمة من مضارب التاريخ المشرق القديم.. قال لي: سأكون سعيدا لو قبلت دعوتي غدا للمشاركة في مهرجان المفكرين والمبدعين.. أعرف أنك متعب, وأنك عائد لتوك من رحلة عمل, ولكني أريدك أن تكون معنا في المهرجان الذي يحضره عشرة رجال من اصحاب أكبر العقول في العالم ابدعوا في كل مناحي الفكر, وحازوا على أرفع جائزة وهي جائزة نوبل. إن وجود هذه النخبة العالمية يشكل فرصة لابنائنا في دولة الامارات كي ينهلوا من فكرها وعقلها وابداعها. لم أتردد في قبول دعوة الشيخ نهيان لان الرجل قريب من هذه العقول ومجاور لها, ولانني أرغب في تحليل شخصية هذا الرجل الذي غادر بلاده في يوم من الايام خارجا من مضارب العرب إلى عوالم أخرى معاصرة, وعاد من ثم الى الامارات ممتطيا صهوة حصان أبيض, وممتشقا سيفا فضيا, وممتلئا بمعارف الغرب, ولغاته, ومعايشا لابداعاته ومخيلاته..عاد الشيخ نهيان الى بلاده, حيث أحوالها الجوية والمناخية ساخنة على طول, من بلاد تتمتع فيها الطبيعة بالفصول الاربعة, محملا بالشهادات الجامعية العالية من جامعة اوكسفورد, والتي لا ينالها الا من كابد واجتهد, حيث لا مجال فيها للدلع والتساهل, وإلا عوقب الطالب بالعودة الى بلاده مكللا بعار الفشل وسوء الحظ والسمعة.
ورأيت أن الشيخ نهيان استطلع قادم الايام قبل أن يتولى مهامه العالية, وعرف أن العالم سيصبح قرية صغيرة, وسيفرض استحقاقه على الآخرين, كونه استحقاقا مقبولا ومنطقيا, يرتكز إلى ضرورات التقدم والحداثة, والتعامل مع التقنيات العالية التي اخترعها المبدعون وتخيلوها, ومن حق الجميع الافادة من هذه الابداعات عن طريق التعلم والتدريب.
أدرك الشيخ نهيان بن مبارك أن قادم الايام يحمل معه استحقاقات دولية على الناشئة, منها تأهيلهم وتحصينهم ضد أصحاب الأفكار التي تخاف من الجديد ومن التغيير ومن الابداع, وتخاف التكنولوجيا وما تضخه من معلومات حداثوية في مجتمعات العالم, ولذلك حضر المؤسسات التأهيلية مسبقا, وأصبح جاهزا لاستقبال العواصف..
الشيخ نهيان, صاحب الجسد النحيل, والذي عايش حداثة العصر وعرف كيف يحاورها ويستفيد منها ويفيد, ادرك ايضا أن من يقودون هذه الحداثة, ويحملون قيم النظام الدولي الجديد لن يأتوا اليه لاحقا ويطالبونه بتغيير مناهج التعليم, فلقد بنى جيلا يعرف الحداثة ويلتحم بمفرداتها, ويتقن ملاعبة الوسائل في مجال الاتصالات وتدفق المعلومات, ومقطوع الصلة بثقافة الموت وتفخيخ السيارات وبالمجادلات العقيمة حول البيضة والدجاجة ومن يسبق من.. جيل إماراتي جديد لا يريد أن يسمع شيئا عن حقوق المرأة, فهو التحق بمعاهد وكليات الشيخ نهيان بجنسيه, الصبيان والبنات, ودون تمييز, وتدرب على كل شيء متصل بمناحي الحياة..وبهذه الانجازات ألا يكون الشيخ نهيان سعيدا, سيما وأن هوايته صناعة الاجيال للمستقبل على الرغم من أنه مدجج بالمال والجاه والسلطة, وكان بإمكانه أن يتمتع بامتيازاته ويعيش حياة الترف المتناهي بعيدا عن ضجيج الصغار في مدارس الاطفال, وعن مشكلات الناشئة في الجامعات?!
الشيخ نهيان بن مبارك ليس من هذه الطائفة من الناس, فإلى جانب المال, فان جيوبه مليئة بالشهادات العلمية العالية, ورأسه مليء باتقان اللغات, فعرف لغة الأقوام وأمن مكرها, واستفاد من علمها وتقدمها, وحادثها ببلاغة وكأن لغتها هي لغته, ولقد شهدت على ذلك بنفسي, وتمنيت لو أن وزراء التربية في العالم العربي كلهم الشيخ نهيان..وأقولها بصدق: لقد استحوذ هذا الشيخ النحيل الجسد, المليء العقل, على تفكيري, خصوصا وأني أراه يستدعي العقول العالمية الكبيرة ويضعها أمام الناشئة في دولة الامارات. ولقد تذكرت في هذه اللحظة ذاك الاعرابي الذي رفع أكفه الى السماء داعيا: اللهم اعطني المال والعقل لأستخدم بهما اصحاب العقول. الشيخ نهيان لديه المال والعقل, ولديه افكار استخدام العقول, واذا ما سئل اي رجل مبدع في هذا العالم عن الشيخ نهيان سيقول: إني أعرفه, وأكلت على مائدته الدسمة, التي تشبع العين قبل المعدة.
الشيخ نهيان كثير السؤال, ويعرف أن السؤال هو الطريق الى تراكم المعرفة, لذلك هو يتقن التعامل مع اختراعات الآخرين, وتراه نهما أمام انتاجات العقول المبدعة, الرجل, بهذه المواصفات, صاحب برنامج يسبق برامج الآخرين, ويرهق مساعديه ومعاونيه لانه يريد انجاز كل شيء ومسابقة الزمن في هذا الانجاز.
من أقوال الشيخ نهيان أنك إن لم تضف شيئا على الحياة فانك زائد عليها والحياة ليست بحاجة اليك. والعجيب في هذا الرجل أنه لا ينسى الاسماء ولا ينسى ما يريد أن يعمله, ويعرف ما يقول. ولاشك أن تاريخ الامارات التربوي والسياسي سيتذكره.
كان يفهم بالاشارة, ويعرف أن قائده الشيخ زايد, رحمه الله, قال له بلغته الفطرية: إنقل معارف العالم الى بلادنا وخذ ما تحتاج, ولقد نقلها بالفعل الى الامارات, و لا اشك أنه سيصدرها الى الآخرين في يوم من الايام, بعد اجراء التحسينات عليها.
لقد قبلت دعوة الشيخ نهيان بن مبارك الى مهرجان العقول, وذهبت الى الامارات, وسكنت في فندق قصر الامارات الجديد والمذهل, والذي يعتبر لوحة في الابداع الهندسي والترفيهي. ولا تتعجبوا اذا قلت لكم أنكم لستم بحاجة, في هذا الفندق, الى استخدام الهاتف, او استدعاء النادل اذا ما احتجتم الى شيء, فقط اضمروا الطلب في صدوركم, ثم افتحوا اعينكم مع ابتسامة خفيفة لتجدوا طلباتكم امامكم, وباشارة منكم تدخلون الحمام, والحمام, من ذات نفسه, يعرف أنك تريد أخذ الدوش البارد او الساخن, ولقد استكثرت على نفسي استخدامه لاني وجدته في مستوى أكبر من رغباتي.. كل شيء في هذا »القصر« من صنع الخيال الجامح والاحلام, ويذكرك بقصور ايام زمان, قصور كسرى وأباطرة الروم, وفنون المعماريين في روما.. لقد رفضت أن يغلبني النعاس فيه لاني اردت أن امتع انظاري بما حولي من تقنيات عالية, وبأدوات تعمل كلها بالهمس واللمس.
إني أتمنى بهذه المناسبة أن يضع الشيخ نهيان تجربته في تأهيل الناشئة, بتصرف وزراء التربية والتعليم العرب ليفيدوا منها, على الاقل لنضمن أجيالا لا تتناقض مع مفاهيم العصر, ولا تعيش أيام الجاهلية.