مَتاهة الضّياع . نص

    • مَتاهة الضّياع . نص

      متاهة الضّياع.. خاطرة .

      أمرّ بغابة ، أتأمل سنوات الضياع ، جسدٌ مُدنّس بالخطايا .. أنظرُ في أَعْماق الظلام .. كل الإنسانيات كالحيّات ،وإنسانيتي ضعيفة ، تتألّم ، تتوجّع وتتوهّم .
      فضاءٌ بشساعته غير معلوم ، مجهول ، وأنا ضائع ، تعيسٌ بوحدتي وجسدي يحمل اسمي، كالجنين في رحم أُمه ، أتلمّس بعض الأمل .. خوفي يزداد .. وأنا غير مُحصّن منذكرياتي اللعينة ، ذكرياتٌ دنّستها خطايا .. كائناتٌ تُفزعني أمكنتها ..وساوسٌتخترق أحشائي ويُشوّش أفكاري ، ظِلالٌ شاحبة ، تُضايقني ، أختنق ، أقتربُ من جرْفٍ، فينهار ، تنسدّ الحُفرة ، وتُسوى الأرض ، يبتلع الجرف جُثّة تذوب أو تختلط بالتراب ، لم أرَ من حثا الرّمل عليها !! ربما ، إنسانيتي لا تحتمل بها ، كأنّي مَسعور بالخطايا ، سواداً يُخيّم على المكان ، وأنا في زحمة الظلْمة أتحطّم ، أغيبب عيداً .. أتذكّر حالاً ، الصداقة والحُب .. ليت صديقي حبيباً قريباً، صديقاً نقياً ، لا يدعُني للخطايا ، لا يتركني لتفترسني.
      أحسستُ بأني فوق الرّمل طافٍ ، كما "البوياتْ" التي يضعُها البحار على شبك الصّيد، فتطفو فوق سطح البحر ، وانا عن البحر غير بعيد .. غضبٌ يُلازمني وحنْقٌ يقتلني .. أختنق .. أتلمّس حنجرتي ..أُحررّها من قبضةٍ تقتلع قلبي وتنزع روحي .. تخلصتُ من الحُفرة والجرف المُنهار والرّمل ، أبتعدتُ عن الخطايا ، عن كل ما يُدنّس إنسانيتي ، ولم يزل الخَيَار قائماً .. ذكرياتٌ تفتُك بي ، بمرارة كما الكثبان الرملية التي انهارتْ على الجرف، فانسدّتْ فتحته .. تصدّعتْ نفسي ، تصدّعت سعادتي ..وحبيبي يُلاحقني بخطايا لعينة، ليت النسيانَ قد حلّ وسكنَ بجمجمتي ، كي لا أرى ثمن الخطايا .!.غابة الضّياع ثعلبٌ في لُبْس أجساد البشر ، هذا الثعلب الماكر ، يتجسّد في بشريّتي ، وأنا أهرب ،خوفي يقتلني ..لا أعلم ماذا ينتظرني ؟ربما يصرعني الثعلبُ .. ربما ليس ثعلبٌ ، ربما هو وحش سينقضّ عليّ على حينَ غفلةٍ مني .. يلتقط حجراً يغوص في مكان مُظلمٍ ، يجرّني إلى فراغه المُوحش . ينفتح ،قاعٌ عميق ، هُوّته تُخفيني .. يرتعش جسدي ، يهتزّ . أبحث عن إنسٍ غيري ، عن جَمْع يُبعدني عن هذا المكان المُظلم ، الموحش !!.
      كثبانٌ رملية تتقلّب ، فضاء مُتسع يتمدّد .. فراغ .. سُكون ، خوف يُرعدني كصوت الرّعد ، والقلق ومضاتٌ كالبرق يُقطّع أحشائي. آدميّ يتجمّد ، ينصهر ، حاولتُ ألتف جانباً ، لكن جسدي لا يلتفّ كخشبة مُسنّدة ، على جدارٍ ، مكسورة أطرافها ، تراجعت ، ضغطتُ على رجلي.. لا أَقْدر على المشي، تسمّرتُ في مكاني ، ذكريات الخطايا تمر ، لا طهارة تُنجيني ، غير واحدة وقفتْ مُنتصبة كالعمود ، عَسَسْتُ عيني .. رففتُ أهدابها ، توقّفت عيني ، امتدّت إلى حيث الطهارة، فكانتْ جُثة ثم استوتْ قبْراً . وأنا أعاصر الموت ، شيء يُخيفني، يقبض رُوحي ، يعْتصرها ، صرختُ بأعلى صوت ، لا أبغي النهاية الحاسمة .. أَرْتدّ بقوة ، أسحب نفسي ، وأُحاول أُثَبّت رجْلي ، وكان الأمر شاقٌ ومُؤلم . ياإلهي هل من تضحية أُقدّمها غير جسدي ، حقاً كُنت مُخبّل !!.
      رأيتُ كل شيء ، فسامحني .. لن ابتسم خدعة ولن أسكن بخطيئة .. أصبع واحدة طويلة ، تُلوح بإشارة النّفي " لا" ! صرختُ من أعماقي ، هو اللعين هو اللعين ، شيطاني ، لستُ أنا .؟ نظرةٌ خبيثة من الأصبع التي استوتْ كالسيّف ، حادة ، تلمع لمعان البرق ، مُخيفة ، تُفزعني وانا أتأهب أن ألقي بنفسي في الظلام .. بعيداً عن الجسد الهُلامي الذي يُقطّع أحشائي ،أغيب في الظلام ، انصهر فيه .. أكون ظلاماً خيرٌ من هذا الأصبع الخبيث .؟ تنزرع الأصبع في أجساد عدة فتخترق الاجساد ، كمشكاةٌ ، لكنّها أشنع وأعنف من مشكاة بائع الّلحم.!!
      حدّقت إلى الأصبع ، فتنعكس صُورتها في الغابة التي استوتْ ماء .. تتناثر بعض الحيوانات على ضفاف الماء .. ضفادع وحيّات وقرود ،وكلاب صغيرة .. قلت في نفسي ، الأمر جحيم .. لماذا أنا أحمق ؟ لماذا ألقيتُ بنفسي في متاهة الضّياع .؟ دمعتْ عيني .. صوتٌ يخرج من الأعماق ، أنت كاذبٌ ..وما في نفسك من زيْف ، سوف تلقاهُ عاجلاً .!
      اهتزّ جسدي ،وارتعدت قوائمي ، أنتُم البشر، لديكم قناعاتُ تعودتُم زيْفها .؟! ياإلهي .. الأصبع يَعلم كل شيء ! توسّلتُ للأصبع . أريد أن أكون إنساناً .. أريد أن تُخلّصني ، وأعدك بأني لن أَهْمل ما يَرتقي بي لأكون بعيداً عن الظلام وهاوية الجرْف .! يَنْشق صدرٌ من ذات الأصبع . فامتدّ إليه ، شهقَ الصّدر وانثقب ، تخرج مادة سوداء ، يَلُوح بها الأصبع فتقع في ماء . وتسير بين شجر وثمر ..ثم في مكان ٍاستقرّت .. فِقْتُ من نومي ، على صوت الأذان فيُشرع المُؤذّن في البدء " الله أكبر ".

      الكاتب : حمد الناصري .. الأحد 14/9/2014
      لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
      لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
      الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!