الحضانة بين الشريعة والقانون

    • الحضانة بين الشريعة والقانون

      " أنت أحق به ما لم تنكحي"
      ** إذا كانت الأسرة هي نواة المجتمع فان الفرد الصالحهو أساس الأسرة الفاضلة ومن هنا فان جميع التشريعات السماوية والوضعية قد عنيتبالفرد منذ نعومة أظافره ويعد المنزل الركيزة الأساسية للتنشئة والتربية وهىالمؤثر الأول في الطفل الذي ينشأ في كنف والديه حيث يتأثر بكل ما يحيط به من أجواءالأسرة أو خارجها لذا كان من أهداف الزواج تحقيق السكن و المودة والرحمة لقولهتعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليه وجعل بينكممودة ورحمة ا ن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الايه 18 سورة النساء .
      ** إن حفاظ الزوجين على اوصر وروابط عرى الزوجية له كل الأثر في سلوك أبنائهم وحسن تكيفهموتوافقهم النفسي والعقلي غير أن التماسك والمودة والرحمة والتفاهم التي تعد منركائز ودعائم الرابطة الزوجية ليست بالأمر الهين فقد يدب الخلاف والشقاق فتعصفبالحياة الزوجية وينهار كيان الأسرة فتنتفي الغاية المرجوة من الزواج وان لم تجدجميع وسائل الإصلاح للتوفيق ينتهي الأمر بانفصال الأبوين عن بعضهما سواء رضاء أوقضاء" .
      وإذا كان الطلاق قضاء" فان الشارع ألزم المحكمة أنتبذل مساعي الصلح طبقا لنص (102) من قانون الأحوال الشخصية"على القاضي بذل الجهد لإصلاح ذات البين"
      " أذا لم يثبت الضرر واستمر الشقاق بين الزوجينوتعذر الإصلاح يعين القاضي حكمين من أهليهما إن أمكن وإلا فمن يتوسم فيهما القدرةعلى الإصلاح ويحدد لهما مدة التحكيم "
      وقد استقر قضاء المحكمة العليا :
      " أمر الطلاق ليس بالهين فيجب التثبت منه فعقدالزواج ثبت بيقين فلا يصح حله إلا بيقين مثله فلا يصح حله بشبهه أو وهم أو علىتقدير خاطئ وما أبداه المحامى عن من يعتقدهم فقهاء أنهم يرون الطلاق من سيئة واحدةأو ضربة واحدة ذلك رأى اختاره وليس بسنه ملزمه ولا فريضة محكمه فالآراء ولو صدرتمن عالم فلابد أن تكون مطابقة للدليل ولو جرى الحكم على الآراء الشاذة لكثر الطلاقواشتد الفراق وتفككت الأسر وضاع الأولاد مع أن الطلاق يجب أن يكون الحل الأخيرولذلك كان من الأولى بعث الحكمين وقد قال تعالى" إن يريدا إصلاحا يوفق اللهبينهما" وقال " والصلح خير" وهذا ما لم يوفق إليه حكم أول درجه ولايمكن أن يوقع الطلاق من أول وهلة أو من اصغر الأسباب وقال عمر بن الخطاب "ردوا الخصوم ليصطلحوا " لا سيما الزوجان والأقارب وهو من الرفق بمكان فالطلاقابغض الحلال إلى الله لما فيه من الفرقة وضياع الأولاد وإشاعة البغضاء وفسادالمجتمع ."
      (الطعن رقم 26/2009 شرعي عليا جلسة 7/11/2009 )
      ** ألآن يسدل الستار عن الحياة الزوجية بعد تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق ومن أهمتداعيات هذا الانفصال حضانة الأطفال الناتجين عن هذا الزواج والمشاكل التي تثارحول كفالتهم وحضانتهم ومن هنا تزداد أهمية الحضانة ، واهتمام القوانين والتشريعات بهاكى تحفظ للأبناء حقوقهم وتكفل رعايتهم منذ ولادتهم حتى البلوغ والعلة من ذلك حمايةالصغار من الضياع والخروج بالنشأ إلى بر الأمان ليكون فردا صالحا في الحياة والمجتمع .
      ** ومن هنا أصبحت حضانة الأطفال همًّا وهاجسًا في الوقتالحاضر نتيجة كثرة الخلافات الزوجية وارتفاع حالات الطلاق التي باتت تكتظ بهاأروقة المحاكم الشرعية؛ ممّا يجعل الأطفال عرضة للمشكلات الاجتماعية والضياع بسببتلك الخلافات بين الزوجين.
      ** وينشب النزاع على الحضانة في حالة طلاقالزوجين ، فبعض الآباء يصرون عن انتزاع هذا الحق من الأمهات بأية طريقة شرعية أوغير شرعية، فقد يلجأ خلالها إلى الانتقام من الزوجة واتهامها بالفساد لإكراهها علىالاستغناء عن حضانة الأبناء وفى المقابل هناك حالات لا تستحق الأم حضانة أبنائهابسبب طريقتها السيئة أو فقدانها مقومات وشروط الحضانة، والأمر يتطلب من القضاء الصرامة في اتخاذ القرار الملائمللأبناء المحضونين، بل يتطلب التحري بشكل دقيق لكي لا تهضم حقوق أطفال أبرياء فيالتربية الحسنة.
      ** إن الإنسان في بدء خليقته يولد ضعيفا لا يستطيع أنيقوم بحوائجه منفردا بل لا بد من وجود من يقوم برعايته والعناية به في كل مايحتاجه في تلك المرحلة من رضاع ونفقة وحسن تربية وتعليم وغير ذلك فكانت الحضانة هيالملاذ الأمن لرعاية هذا الصغير حتى يكون فردا صالحا وناجحا في الحياة......ومنهنا شرعت الحضانة .
      وقد جاء بنص المادة(125) من قانون الأحوال الشخصية العماني:
      "الحضانة حفظ الولد وتربيته ورعايته بما لا يتعارضمن حق الولي في الولاية على النفس "
      ولكن السؤال لمن تؤول الحضانة بعد الطلاق ؟؟؟؟؟؟؟
      تؤول الحضانة إلى إلام في حالة الطلاق استنادا لحديثرسول الله صلى الله عليه وسلم " عنعمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابنيهذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء ، وحجري له حواء ، وان أباه طلقني وأراد أنينزعه منى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي " (رواهالبخاري ومسلم في الصحيحين)
      وقد جاء بنص المادة(2) من النظام الاساسى للدولة :
      " دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي أساسالتشريع ."
      ** كما نصت المادة (130) من قانون الأحوال الشخصية العماني: " على أنالحضانة من واجبات الأبوين معاً ما دامت الزوجية قائمة بينهما , فان افترقا فهي للام ثم الأب...".
      "إن الحضانة حق للمحضون ، وتتمثل في حفظه وتربيته دينيا وأخلاقيامن جهة ، ومن ناحية أخرى حق للحاضن وهى بالدرجة الأولى للام فإذا سقط حقها لعارضانتقلت إلى الأب."
      (قرار رقم 8 في الطعن 26/2003 جلسة 21/2/2004)
      ** ويشترط فيمن يتولى أمرالحضانة توافر صفات معينه وشروط تضمن حسن قيامه بحضانة الصغار على أكمل وجهوالشروط العامة وردت بالمادة(126) .
      ** حيث جاء بالمادة (126) من قانون الأحوال الشخصية " يشترط في الحاضن: 1- العقل, 2- البلوغ, 3- الأمانة,4- القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته, 5- السلامة من الأمراض المعديةالخطيرة".
      وهناك شروط خاصة وردت بالمادة(127) من ذات القانون: "يشترط فيالحاضن زيادة على الشروط المذكورة في المادة السابقة:
      أ- إذا كانت امرأة: أن تكون خالية من زواج أجنبي عن المحضون دخل بها،إلا إذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون ."
      ** البلوغ: حيث اجمع الفقهاء على أن الإنسان قبل البلوغ لايعتد بتصرفاته ولا يعتبر محلا للتكليف بالواجبات الشرعية
      ** العقل: وهى سلامة العقل من أية شوائب تؤثر على عملهوالعلم بصفة الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها والعلم بوزن الأمور بينالشر والخير والواجبات وتقدير الأمور وإدراك المسببات .
      ** الامانه : وقد تعرض الفقهاء لموضوع الأمانة بأهمية بالغه فلابد إن يكون الحاضن أمينا"بحيث لا تضيع حقوق المحضون عنده بسبب انشغاله عنه وان يكون الحاضن أمينا" فيحفظ المال والدين والعرض وان تكون الحاضنة ملتزمة بأخلاق الدين والعرف والعاداتحتى لا تؤثر سلبا على المحضون .
      وقد استقر قضاء المحكمة العليا:
      " سوء سلوك الأم يسقط حضانتها للأولاد"
      (قرار رقم 14 في الطعن 28/2003 جلسة 28/2/2004)
      "إذا كان الزوج رضي بالمرأة كزوجة وهى غير أمينة فان الشروعالشريف لا يرضاها للابن كحاضنة إن صح أنها غير أمينة ."
      (قرار رقم 41 في الطعن رقم 24/2004 جلسة 23/10/2004)
      ** القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته : والمقصود بالقدرة هنا القدرةالمادية والجسدية والعقلية والصحية و السلامة من الأمراض المعدية والخطيرة.
      وجاء بأحكام المحكمةالعليا:
      " يشترط في الحاضنة العقل والأمانة والقدرة على تربيةالمحضون وصيانته ورعايته ."
      (المبدأ رقم 17 الدائرة الشرعية 2003 ص 75)
      ** الخلو من زوج أجنبي عن المحضون: اجمع الفقهاء بسقوط حضانة الأم في حال زواجها برجل أجنبي عن المحضونواستندوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به ما لم تنكحي"
      ولكن المشرع العماني في هذا الأمرترك ذلك لتقدير المحكمة أخذا" في الاعتبار مصلحة الصغير حيث جاء" إلاإذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون ."
      ** ولكن السؤال الذي يثار إلىمتى تستمر الحضانة؟؟؟
      **جاء بنص المادة (129) على أنه:
      "تستمر الحضانة حتى يتم المحضون الذكر السابعة منعمره، وتستمر حضانة البنت حتى البلوغ إلا إذا قدر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون".
      وقد استقر قضاء المحكمة العليا:
      "أن مصلحة المحضون هي المعيار الذي يجب مراعاته عند القضاء حتىولو توفرت شروط الحضانة لدى الأب ."
      (قرار رقم 2 في الطعن 13 /2003 جلسة 10/1/2004)
      " الحضانة هي حفظ الولد والقيام برعايته ومصالحه بما مقتضاه أنمدارها على نفع المحضون ، فمتى تحققت مصلحته في شيء وجب المصير إليه ولو خالف ذلكمصلحة الأب أو الحاضنة ، لان حق المحضون في الرعاية أقوى من حق الحاضن أما" أوأبا" ويقدم على حقهما ، وقاضى الموضوع هو صاحب السلطة في تقدير أين تكونمصلحة المحضون حتى لا يضيع بين الأب والأم ."
      (الطعن رقم 66/2006 شرعي عليا جلسة 11/11/2006)
      " تقدير المصلحة من اختصاص سلطة قاضى الموضوع ولا رقابة عليه منقبل هذه المحكمة طالما قام هذا التقدير على وقائع وأدلة صحيحة لها وزنها السليم فىميزان الحق والعدالة ."
      ( الطعن رقم 12/2006 شرعي عليا جلسة 7/10/2006)
      " ارتباط الحاضنة بالعمل ليس مخلا بشرط الحضانة طالما التزمتبحضانتهم ورعايتهم وتأديبهم لا سيما أن الأولاد قد اختاروا البقاء مع أمهم ولميقدح الطاعن في صلاحية الأم إلا لكونها تعمل ."
      ( الطعن رقم 55/2006 شرعي عليا جلسة 17/2/2007)
      " أما السكن فانه مهما تباعدت الأميال بين المحضون وولى أمرهطالما كان داخل الدولة لا يصلح سببا لإسقاط الحضانة من الأم خاصة إذا كانت الأمانتقلت للسكنى في موطنها الاصلى ولم تمنع الأب من حقه في زيارة أولادهما كما أنحالة الأولاد الصحية قد ظهر لدى محكمة الموضوع بأنها مستقرة وبالتالي لم يوجد مانعشرعي أو طبيعي من بقاء الأولاد مع أمهم ولأنها الأحرص والأولى بحضانتهم ."
      ( الطعن رقم 55/2006 شرعي عليا جلسة 17/2/2007)
      وختاماً: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنتالعليم الحكيم) صدق الله العظيم.)
      نشر هذا المقال لى بجريدة الشبيبه بعدد يوم الخميس الموافق 19/2/2015
      محمد أحمد منصور
      محـــــام
      بالإستئناف العالي
      وعضو الإتحاد الدولي للمحامين العرب
      ومستشار قانوني
      ------------------
      تليفون رقم / 00201066096624
      ------------------------
      لا خير في فكرة
      لم يتجرد لها صاحبها
      ولم يجعلها رداءه وكفنه
      بها يعيش .. وفيها يموت
      ( المفكر المصري الكبير : توفيق الحكيم )