لا "يغُرّنكم" تقلـّبُ الذينَ كفرُوا في البلاد!

    • خبر
    • لا "يغُرّنكم" تقلـّبُ الذينَ كفرُوا في البلاد!

      AyshaAlseefi كتب:

      "لا يغُرَّنكَ تقّلب الذينَ كفرُوا في البلاد ، متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهُم جهنّم وبئسَ المهَاد"

      197/ آل عمران

      شعرتُ برجفةٍ تجتاحُ جسدِي حينَ وصلنيْ ما كانَ يتناقلهُ الناسُ من أمرِ وزارة الاسكان .. وبالرغمِ من حالةِ الصدمَة التي انتابتنيْ وحالة التصديق واللا تصديق التي شعرتُ بها .. وانقسَام النّاس بين مصدقٍ ومكّذب .. كنتُ أتساءلُ يا ترى ما الذي أجّج الناسَ هكذا؟ ألم نسمَع لسنواتٍ طوالٍ قصصاً كهذه من هنا وهناك؟ ما الذي جعلهم يغضبُون وينفعلُون بهذهِ الصورة رغمَ أنّ هكذا قصصٍ كانت حديثَ مجالسهم في أحيان كثيرة؟ أحقاً كانَ صادماً ما انتشرَ بينهم إلى هذا الحد؟

      أعتقدُ أنّ ما كتبَ كانَ القشّة التيْ قصمتْ ظهرَ البعير .. لم تنفعلِ الناس بسبب زعم الكاتبِ أنّ أرض الوطن تتاجرُ بها المغربيات في المقاهي .. لم ينفعلِ الناسُ لما قالهُ الكاتب عن معادَلة المال والشّرف والجنس؟

      لم ينفعلُوا لكلّ هذا .. لكنّهم انفعلوا لأنّ كلّ منهم لديهِ قصّة في وزارة الاسكَان تُحكَى .. لأنّ كلّ واحدٍ منّا لديهِ ما يرويهِ عن هذهِ الوزارة! لأننا ضقنا ذرعاً .. وانتظرنا حتّى جاء برميل الغاز الذي فجّر الكارثة !

      أرغبُ في عدم التصديق .. أحدّثُ نفسيْ أنّ كل ما قرأتهُ خيالُ كاتب .. أرغبُ في أنْ أقولَ ما قرأتهُ تلفيق وكذب .. لكنّني أجلس مع الآخرين وأستمعُ لقصّة كلّ واحدٍ منهم وأتساءل؟ هل جميعُ هؤلاء نسجُوا هذهِ القصص من خيالهم؟ هل جميعهم اختلقَ القصص من خياله؟

      وأدركَ أننا لم ننفعلُ لما كتبهُ ذلك الرجلُ الذي لم يحضرُ أيّ أدلةٍ للحظة .. لكنني مضطرّة لأصدّق ما كتب .. ربّما لأنّ لديّ قصّتي .. ولدَى الآخرُ قصّته .. وهيَ إن اختلفتِ الأحداثُ تشابهَ السبب! الفسَاد!

      ********

      "لا يغُرَّنكَ تقّلب الذينَ كفرُوا في البلاد ، متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهُم جهنّم وبئسَ المهَاد"

      لماذا بلغنا هذهِ المرحلة التيْ انتظرنا فيهَا أن يحرّكنا كاتبٌ في منتدى باسمٍ مستعار؟

      هل لأننا تخرّجنا بأعلى النسب .. ودخلنا أفضل التخصصات .. وتخرّجنا من الجامعة بمعدلاتٍ مرتفعة .. يقضي كلّ واحد منا هوَ وزوجته أعواماً وأعواماً لـ"يحوّش" لشراء قطعة أرض تبعدُ عن مقرّ عمله ساعة ً ويزيد .. ثمّ أعواماً وأعواماً أخرى ليتمكّن من بناءِ بيتٍ يسترهُ بعد أن تنهك الديون البنكيّة والجمعيّات كاهله؟ ألا يقطعُ أغلبنا سفراً يومياً من أماكن سكننا في المعبيلة والخوض والحيل إلى مقرّ عمله في الخوير والقرم وروي؟

      نضعُ ما أمامنا ووراءنا كيْ نجد الأرض التي تسترنا وأولادنا .. بينما يحصل الآخرون الأقلّ شهاداتٍ منّا ... والأقلّ خبرة... والأقل كفاءةً والأقلّ ضميراً وخشية ً من الله .. ما يريدُون "على البارد"؟

      لماذا انفعلنا؟؟؟ هل انفعلنا حقاً لما كتبهُ فُلان عن الوزير وزمرته؟ أم لأننا انفعلنا لأنفسنا .. لقصصنا.. لسنوَات التّعب التي نقضيها كيْ نعيش بكرامة؟ لقطعة الأرض التي لا تتعدّى الـ600 متر في سيوح المعبيلة والعامرات؟ ثمّ تأتي وزارة الاسكان لتقُول لنا أين حصّتي الضريبيّة؟ ويأتينا السمسار ليطلبَ نصيبهُ الذي لا يقلّ عن ثلاثة أصفار من الكعكة التيْ خُبزتْ من لحم عظامنا وعرقِ جبيننا!

      لماذا انفعلنا؟ ونحنُ لم ننفعلُ بما فيهِ الكفاية لأراضي بوشر التيْ تعدلُ الملايين .. لم ننفعل لها حينَ أغلقت القضيّة "ضدّ مجهول" نحنُ نعرفهُ جميعاً!

      هل حقاً انفعلنا حينَ كانَ الوزيرُ يلقيْ مداخلتهُ في أخبار العاشرَة حولَ أراضي بُوشر وفجأة ً قالَ: "اتّقوا الله" !! لم ننفعلْ أو حتّى نسأله ومن يتقي الله في هذا الوطن الغاليْ الذي انتُهِك عرضهُ!

      هلْ حقاً انفعلنا لما كُتِب؟ لماذا لم ننفعلُ مثلاً ضدّ أنفسنا؟ ألم نسمحْ نحنُ بأن يحدث كلّ ما حدث؟ ألا تعتقدُون أننا جميعنا كشعب شركَاء في ما حدث؟ هل انفعلنا لمنْ وردت أسماؤهم  فيما كُتِبَ أم انفعلنا لعشراتِ الموظفين في الاسكان الذينَ وقفنا طوابير أمامهم لينهُوا معاملاتنا؟

      ألا تعتقدُون أنّ موظفي الاسكان هم مواطنُون مثلكم صلحَ بعضهم وفسد الآخر .. شجبُوا الفساد ذات يوم .. وربّما خرجُوا في مسيراتٍ تظاهريّة ضدّ الفساد .. وربّما اعتقدُوا في لحظةٍ أنّ تقاسم أراضي البلاد كأنّها "كعكة" .. أنّهمْ بذلكَ يُحسِنُون صنعاً ..

      يا ترَى لو أنّ كلّ واحدٍ منّا جلسَ على كرسيّ موظف الاسكان ومرّ عليه ما مرت عليه من مُعاملات .. أتعتقدُون أنّ أصناف البشر والمواطنين الذينَ يحرّضونه على تسهيل أمورهم ووعده وإغرائه بـ"العمُولات" و"البخشيش" وسائر الألفاظ اللذيذة المغلفة "للرشوة" أتعتقدُون أننا كنّا لن نتصرّف كما يفعل؟ كم واحدٍ منّا سيقاوم للمرة الأولى والثانية والعاشرة ثمّ سيستسلم؟

      *****

      "لا يغُرَّنكَ تقّلب الذينَ كفرُوا في البلاد ، متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهُم جهنّم وبئسَ المهَاد"

      ألا تحمّلون أنفسكم المسؤولية تجاه ما حدث؟ ألا تعتقدُون أنّنا جميعاً شركاء في الجريمة!
      أتساءلُ ذلكَ وأنا أرى الناسَ استمرأت سرقَة الصغائر .. أفلن تستمرئ سرقة الكبائر حينَ يتسنّى لها ذلك؟

      لماذا نلُوم موظف الاسكان ولا يوجدُ قانونٌ رادعٌ له؟ ولم نرَ أحداً يطبّق عليه تشريعات حولَ تضارب المصلحة والمنفعة يتعهّد بعدم مخالفتها فورَ توظيفه؟ لماذا نلومه ولا أحد يسألهُ كلّ عام عن براءة ذمّة لأملاكه وعائلته وعشيرته؟

      لماذا ننفعلُ ونغضبُ ونحنُ نتذكّر أنّ ما حدث ليس جديداً على الاطلاق! أنّ ما حدثَ هوَ حالة متكرّرة في كلّ زمانٍ ومكانٍ نسمحُ فيهِ لضعاف النفوس بأن يديرُوا أملاك أوطاننا!
      مثلكُم تماماً انفعلتُ .. وارتجفتُ وشعرتُ بالأسى على وطنيْ .. وصدّقت تارةً ولم أصدّق تارة .. لكنّ أمي حينَ قرأت ما كتب هزّت رأسها بوقارِها الأموميّ وقالت: يالله! الله يعينهم! تراه الاّ وسخ دنيا! دنيَا لا تسَاوي عند الله بكلّ ما فيها من كنوزٍ وأعاجيبَ جناحَ بعوضة!

      ********
      لا أعرفُ إن كانت أجهزةُ الدولة قد باشرت بالتحقيق في الأمر.. التحقيق الذي إن ثبتت تهمَتهم أدينُوا وإنْ ثبتت براءتُهم أطلق سراحهم وعادُوا إلى وظائفهم .. لا أعرف إن كانُوا سيحاسبُونهم .. وإن كانُوا سيشهرُونَ بهم كما شهّروا بالمتجمهرين؟ لا أعرف إن كانَ هذا الموضوعُ سينتهيْ وستخمدُ حميتنا بعد حينٍ ويُنسى كأنّ شيئاً لم يكن .. لا أعرفُ ذلك .. وإن عرفتُ فسأتظاهرُ أنني لا أعرف تماماً كما قال الشّاعر:

      ليسَ الغبيّ بسيدٍ في قومهِ ... لكنّ سيدَ قومهِ المتغابي

      لا أعرف .. وربّما لن أعرفَ يوماً ما حدث .. لكنني أعرفُ أنّ كلّ من مدّ يدهُ على شبرٍ من هذا الوطن بالحرام .. واغتصبَ أرضاً هيَ ملكُ شعبٍ بأكمله .. وواصل وواصل وواصلَ في غيّه لعامٍ وعامين وعشرٍ وعشرين .. أعرفُ أنّ هنالك ربّاً من سبعِ سمَاواتٍ تنبّأ بمصيره .. حينَ قال:

      ""لا يغُرَّنكَ تقّلب الذينَ كفرُوا في البلاد ، متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهُم جهنّم وبئسَ المهَاد"

      Source: ayshaalsaifi.blogspot.com/2012/12/blog-post_24.html