رؤية نقدية: هل فيلم "10 كلوفِرفيلد لَين" صادم أم ممل؟

    • خبر
    • رؤية نقدية: هل فيلم "10 كلوفِرفيلد لَين" صادم أم ممل؟

      BBC كتب:

      لم يُعلن عن أنه سيتم إنتاج جزء ثانٍ من فيلم "كلوفِرفيلد"، الذي أُنتج عام 2008، سوى في يناير/ كانون الثاني الماضي فحسب. وبعد شهرين فقط طُرح هذا الجزء في دور العرض. ولكن هل الفيلم جيد بالفعل؟ في السطور التالية؛ يقدم لنا الناقد السينمائي أوين غليبرمان رؤيته في هذا الشأن.

      في الدقائق الأولى لفيلم "10 كلوفِرفيلد لَين"، تقود بطلته ميشال (تجسد شخصيتها الممثلة ماري إليزابيث وينستد) سيارتها في الليل الحالك، قبل أن تصطدم بقناة لمياه الصرف. تستيقظ الفتاة لتجد نفسها مُقيدةً لأنبوب مياه في مخبأ مبني من الطوب، بينما يلوح في عينيها بريق رعب يوحي أنها شاهدت من قبل - على الأرجح - فيلم الرعب الشهير "سو" (المنشار) أو على الأقل بعض أجزائه اللاحقة. لنتساءل هنا بدورنا: أي رعب ينتظرها في هذا القبو؟ هل هي ستُعذب أم ستُمتهن وتُدنس؟

      ولم يمض وقت طويل قبل أن يدخل آسرها الغرفة، لندرك أن من يجسد شخصيته هو الممثل "جون غودمان"؛ ذاك الذي عادة ما يبدو مرحا ومبتهجا، ولو أنه هذه المرة يُرسل لحيته، ويكسو وجهه بطابع متجهم على الدوام.

      في هذه اللحظة، قد يقول قائل "يا لخيبة الأمل، هكذا إذن يبدو الأمر، عندما يتخذ اختيار ممثل ما لتجسيد شخصية مخالفة تماما لطبيعته، منحى سيئا للغاية بحق". ومن العسير هنا ألا نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا، تحديدا لنتذكر فيلم "روم" (الغرفة)، الذي طُرح منذ وقت قريب للغاية، لتلوح في أذهاننا صورة بطلته الشجاعة الباسلة البريئة التي كانت ضحية لمعتدٍ جنسي شديد الضراوة.

      رغم ذلك، فكل هذه التركيبة التي نشاهدها في الدقائق الأولى للعمل ليست إلا مؤشرا وهميا خادعا إلى حد ما. فـ"هوارد" وهو اسم محتجز الفتاة، لم يُقدِمْ على ذلك إلا لإنقاذ حياتها، كما يقول. ففوق سطح الأرض، تتواصل فصول هجوم مروع من نوع ما، آتٍ ربما من قوة عظمى منافسة على الساحة الدولية، أو من جانب سلالة قادمة من كوكب آخر. نتيجة لذلك، بات الهواء مسموما، ما أودى بحياة كل من تعرض له تقريبا.

      بمرور الأحداث نكتشف ما هو أكثر، فـ"ميشال" ليست الأسيرة الوحيدة في المكان، ففي المخبأ شخص آخر يحول وجوده دون تطور العلاقة ما بين المحتجزة وآسرها، يجسد شخصيته الممثل "جون غالاغر الابن". الشخص الثالث يُدعى أميت، وهو ريفي يعمل حرفيا بارعا في العديد من الأمور.

      على أي حال، سرعان ما يتيح هوارد لأسيريه الفرصة للتجوال في المخبأ المؤلف من مطبخ وغرفة معيشة، والمزود كذلك بنظام ترفيه تتكدس فيه أقراص الفيديو الرقمية (دي في دي).

      وبينما قد يكون الخاطف شريرا متوحشا أو لا، فإنه بالقطع واحد ممن يعكفون طيلة الوقت على التحضير لمواجهة المواقف الطارئة والكارثية؛ بالأحرى هو شخص انعزالي مصاب بهوس الشك وجنون العظمة قضى أعواما طويلة بانتظار قدوم نهاية العالم. ولذا، شيّد ذاك القبو الواقع تحت أحد التلال في الضواحي، والذي يتسم بأنه مريح على الرغم من ضيق مساحته، وهو قبو أشبه بالحفر التي كانت تعيش فيها المخلوقات المعروفة باسم الـ"هوبيت"، التي ابتكرتها مخيلة الكاتب البريطاني جى آر آر تولكين. والآن، وقد حانت النهاية على ما يبدو، يشعر هوارد بأن ما فعله كان مبررا.

      وبحسب العمل، يبدو هوارد شخصية تتأرجح ما بين الغضب والحنق تارة، واللطف والدماثة تارة أخرى، ويمتزج بداخله جانبان أحدهما لشخص مخبول مهووس بالسيطرة، والآخر لرجل يحب إسباغ الحماية على من حوله، وإن كان على نحو همجي فظ. هو باختصار أي شيء يريد منه صناع الفيلم أن يكونه، نظرا لأن "10 كلوفِرفيلد لَين"، يمثل خلطة ذات طابع انتهازي من المقومات التي يعتمد عليها أي فيلم مُشوق ومثير. فمع توالي المشاهد، يظل المرء مدركا طوال الوقت أنه إزاء "خلطة أو طبخة متنوعة المكونات"، رغم أن الأداء التمثيلي جاء على مستوى متميز كما أن تنفيذ العمل جرى على نحو لا بأس به. فـ"10 كلوفِرفيلد لَين" يبدو مزيجا من أفلام "الغرفة" و"مصيدة الموت" و"ليلة الموتى الأحياء" و"حرب العوالم".

      ويمكن القول إننا لو كنا بصدد عمل مثير آخر أقل خيالية وأكثر توازنا ومعقولية، لكان عنصر التشويق سيتمحور حول محاولات ميشال للفرار. ولكن في ضوء أنه لا ملاذ آمناً يمكن لهذه الفتاة الهروب إليه، يبقى هذا العنصر رهنا بسؤال مفاده: إلى أين يمضي هذا العمل بحق الجحيم؟

      فيلم رعب بطله أحد الوحوش

      نأتي الآن لبطلة العمل ماري إليزابيث وينستد، التي كان لها وجود لافت في فيلميّ "سبَكتيكيولار ناو" (المدهش الآن) و"سماشد" (محطم) وهما من إخراج جيمس بونسولت. وهي هنا تجسد شخصية "ميشال" بطابع مفعم بالإحساس وبعينين تشعان بالرشاقة والاندفاع.

      ويتمحور الفيلم حول الطريقة التي تسعى بها هذه الفتاة للتعامل مع هوارد - ذلك الشخص البغيض - عبر التظاهر بتوثيق صلاتها به. وفي المقابل، يستغل غودمان حجمه الضخم للإيحاء بأن "هوارد" دائما على شفا اللجوء للعنف. رغم ذلك، يظل زمام الأمور في الواقع في يد غريمته ميشال (وينستد)، برشاقتها وقدميها الحافيتين الشبيهتين بقدميّ راقصة باليه. فـ"ميشال" تصد "هوارد" وتقاومه عبر إغوائه بمنحها ثقته.

      ومن جهته، نفذّ المخرج دان تراشتِنبرغ كل مشهد من مشاهد الفيلم بأقصى قدر ممكن من الحيوية والحنكة في التعامل مع عنصر المكان، بقدر حال دون أن يراود المشاهد قط شعورٌ بـ"رهاب الأماكن المغلقة"، رغم أن الأحداث تدور كلها تقريبا في قبو ريفي رطب.

      وثمة مشاهد بعينها في العمل تدفع بأحداثه قدما؛ وهي تلك المتعلقة بخطة سرية وضعتها ميشال مع أميت، وتعتمد على ابتكار قناع واقٍ من الغازات بدائي الصنع، وتجهيز برميل من الحمض، من شأنه إذابة جسد من يلامس محتوياته، وهو ما يحدث بالفعل على نحو مذهل تماما.

      على الجانب الآخر، يستخدم هوارد (غودمان) سلاح التهديد والوعيد بشكل قابل للتصديق على نحو حاذق. مع ذلك، فقد كان الفيلم سيصبح أكثر إثارة، إذا ما رُسمت شخصية هذا الرجل، على نحو يجعلها وحشا ضاريا منفلتا من كل قيد، على الشاكلة التي ظل (هوارد) طيلة الوقت يوحي بأنه ربما يكون على غرارها.

      في نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل هناك في واقع الأمر علاقة عضوية لفيلمنا هذا، بالجزء الأول منه الذي أُنتج عام 2008، والذي كان في الأساس أشبه بنسخة جديدة من فيلم "غودزيلا"، وإن اكتسى بسمات فيلم "بلير ويتش بروجيكت"، فيما يتعلق بتصوير المشاهد باستخدام الكاميرا المحمولة؟ الفيلمان – على أي حال - من إخراج جى جى آبرامز (واتسما بمستوى فني أقل من المتوسط)، ويرتبطان في النهاية بصلة غامضة قوامها أن كلاً منهما عبارة عن فيلم رعب بطله أحد الوحوش.

      أما في حالة "10 كلوفِرفيلد لَين"، فإن ما يجذب الانتباه والاهتمام إلى المشاهد الأخيرة فيه لا يعدو كونها تبدو مقتطعة بالكامل من فيلم آخر. وفي ظل الأجواء السائدة حاليا، والتي يغلب عليها الاحتفاء بالأعمال المسلية حتى وإن كانت بلا مضمون، يمكن أن يُنظر إلى ذلك باعتباره جراءة أو وقاحة. غير أن ذاك الأمر في الحقيقة كان عملا متهورا، وكأن صناع الفيلم كانوا يتوقون للقيام بكل ما هو ممكن للإبقاء على المشاهدين مفعمين بمشاعر الإثارة والترقب.

      ولكن مع نهاية "10 كلوفِرفيلد لَين"، بدا أنه لم يكن سوى خطة لتسويق منتج ما تتظاهر بأنها فيلم سينمائي.

      يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture.

      Source: bbc.com/arabic/artandculture/2…ert_cul_cloverfield_movie