*هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى*

    • *هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى*

      *هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى*

      كان صلى الله عليه وسلم يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه.

      وعاد غلاماً كان يَخدِمه مِن أهل الكتاب، وعاد عمَّه وهو مشرك، وعرض عليهما الإِسلام، فأسلم اليهودي، ولم يسلم عمُّه‏.

      وكان يدنو من المريض، ويجلِسُ عند رأسه، ويسألُه عن حاله، فيقول‏:‏ كيف تجدُك‏؟

      وذكر أنه كان يسأل المريضَ عما يشتهيه، فيقول‏:‏ ‏(‏هَل تَشْتَهِي شَيئاً‏)‏‏؟‏ فإن اشتهى شيئاً وعلِم أنه لا يضرّه، أمر له به‏.

      وكان يمسح بيده اليُمنى على المريض، ويقول‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاس، أَذْهِبِ البأْسَ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إلا شِفاؤكَ، شِفاءً لا يُغادر سَقَماً‏)‏‏.

      وكان يقول‏:‏ ‏(‏امسَح البَأسَ رَبَّ النَاس، بيَدكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشفَ له إلاَّ أنت‏)‏‏.

      كان هديُه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكملَ الهدي، مخالفاً لهدي سائر الأمم، مشتمِلاً على الإِحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده.

      وعلى الإِحسان إلى أهله وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي لِلَّه وحدَه فيما يُعامل به الميت‏.

      ‏وكان مِن هديه في الجنائز إقامةُ العبوديةِ للربِّ تبارك وتعالى على أكمل الأحوال، والإِحسان إلى الميت، وتجهيزه إلى اللّه على أحسن أحواله وأفضلِها.

      ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفاً يحمَدون اللّه ويستغفرون له، ويسألون له المغفرةَ والرحمةَ والتجاوزَ عنه.

      ثم المشي بين يديه إلى أن يُودِعُوهُ حفرته، ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوجَ ما كان إليه.

      ثم يتعاهدُه بالزيارة له في قبره، والسلام عليه، والدعاء له كما يتعاهدُالحيُّ صاحِبَه في دار الدنيا‏.

      فأول ذلك‏:‏ تعاهدُه في مرضه، وتذكيرُه الآخرة، وأمرُه بالوصية، والتوبة، وأمرُ مَنْ حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا اللّه لتكون آخر كلامه.

      ثم النهى عن عادة الأمم التي لا تؤمِنُ بالبعث والنُّشور، مِن لطم الخدُود، وشقِّ الثياب، وحلقِ الرؤوس، ورفع الصوت بالنَّدب، والنِّياحة وتوابع ذلك‏.

      زاد المعاد لابن القيم
      المجلد الأول
      498‏

      وسَنَّ الخشوعَ للميت، والبكاءَ الذي لا صوت معه، وحُزْنَ القلب.

      وكان يفعل ذلك ويقول‏:‏ ‏(‏تَدْمَعُ العينُ وَيَحْزَنُ القَلبُ وَلاَ نَقولُ إلا ما يُرضِي الرَّبَّ‏)‏‏.

      وسَنَّ لأمته الحمد والاسترجاعَ، والرضى عن اللّه، ولم يكن ذلك منافياً لدمع العين وحُزنِ القلب.

      ولذلك كان أرضى الخلقِ عن اللّه في قضائه، وأعظمهم له حَمداً، وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة به، ورحمة للولد، ورِقَّة عليه.

      والقلبُ ممتلئ بالرَضى عن اللّه عز وجل وشكره، واللسانُ مشتغل بذِكره وحمده‏.

      زاد المعاد لابن القيم
      المجلد الأول
      499‏

      وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الإِسراعُ بتجهيز الميت إلى اللّه، وتطهيره، وتنظيفِه، وتطييبه، وتكفيِنه في الثياب البيض.

      ثم يؤتى به إليه، فيُصلِّي عليه بعد أن كان يُدعى إلى الميت عند احتضاره، فيُقيم عنده حتى يقضي، ثم يحضر تجهيزه، ثم يُصلِّي عليه، ويشيِّعه إلى قبره،

      ثم رأى الصحابةُ أن ذلك يشقُ عليه، فكانوا إذا قضى الميتُ، دعوه، فحضر تجهيزه، وغسله، وتكفينَه‏.‏

      ثم رأوا أن ذلك يشقُّ عليه، فكانوا هم يُجهِّزون ميتهم، ويحملونه إليه صلى الله عليه وسلم على سريره، فيُصلي عليه خارِج المسجد‏.

      ولم يكن من هديه الراتب الصلاةُ عليه في المسجد، وإنما كان يُصلي على الجنازة خارج المسجد، ورُبما كان يصلي أحياناً على الميت في المسجد.

      قال الخطابي‏:‏ وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما صُلِّىَ عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإِنكار الدليلُ على جوازه.

      ‏والصواب ما ذكرناه أن سُنَّته وهديه الصلاةُ على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر، وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد‏.‏ واللّه أعلم‏.

      زاد المعاد لابن القيم
      المجلد الأول
      مختصرا من 500 إلى 502‏


      وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تسجيةُ الميت إذا مات، وتغميضُ عينيه، وتغطيةُ وجهه وبدنه.

      وكان رُبما يُقبِّل الميت كما قبَّل عثمانَ بن مظعون وبكى وكذلك الصِّدِّيقُ أكبَّ عليه، فقبَّله بعد موته صلى الله عليه وسلم‏.‏

      وكان يأمر بغسل الميت ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر بحسب ما يراه الغاسِل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة.

      وكان لا يُغسَل الشهَداءَ قَتلَى المعركة، وذكر الإِمام أحمد، أنه نهى عن تغسيلهم، وكان ينزع عنهم الجلودَ والحديدَ ويَدفِنُهم في ثيابهم، ولم يُصلِّ عليهم‏.‏

      وكان إذا مات المُحرِمُ، أمر أن يُغسل بماء وسِدْر، ويُكفن في ثوبيه وهما ثوبا إحرامه‏:‏ إزاره ورداؤه، وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه.

      وكان يأمر من ولي الميتَ أن يُحسن كفنه، ويُكفنه في البياض، وينهى عن المغالاة في الكفن، وكان إذا قصَّرَ الكفنُ عن سَتر جميع البدن، غطَّى رأسه، وجعل على رجليه من العُشب‏.

      زاد المعاد لابن القيم
      المجلد الأول
      503‏
      • القرآن جنتي