Source: alwatan.com/details/154957Alwatan كتب:
يشير إلى أن الرهان دائما للقيمة والجودة الفنية للعمل الإبداعي
مسقط ـ العمانية :
على خلاف أبناء جيله، لم يُصدر القاص يحيى بن سلام المنذري سوى خمسة كتب، وبمسافة زمنية كبيرة نسبيا بين كل كتاب وآخر، وهو ما يردّه صاحب “نافذتان لذلك البحر” إلى حرصه وتأنيه قبل خوض “مغامرة النشر”، ومحاولته عدم تكرار نفسه، إلى جانب انشغاله في شؤون الأسرة والعمل والحياة الاجتماعية. لكن هذا التباعد بين كتاب وآخر لا يعني الانقطاع عن الكتابة، و”حتى إن وُجدت فترات من دون كتابة فإنها لا تخلو من القراءة”، وفقا لما يؤكده المنذري في حواره ..تبدو قصص المنذري أقرب إلى اللوحات الفنية من حيث التشكيل والصورة، بخاصة في مجموعتيه “نافذتان لذلك البحر” و”رماد اللوحة”، وهو يتحدث عن هذه السمة قائلا: “كتابي الأول صدر في عام 1993، تلك المغامرة في النشر خضتُها وأنا ما أزال طالبا في المرحلة الجامعية الأولى، وتبنيت مع عدد من الأصدقاء الأسلوب الحداثي في كتابة القصة، وكان هناك هوس باللغة الشعرية، وتأثر بشعر الحداثة وبعض كتاب القصة من المغرب والجزائر والبحرين، لكنني لم أمكّن اللغة الشعرية من السيطرة كليا على الأحداث”.
ويضيف المنذري بقوله: “كنت مجرِّبا وبكثرة، فهناك قصص نشرتُها في الصحف والمجلات في تسعينات القرن الماضي، لم أدرجها في مجموعتي الأولى لأنني لم أعد مقتنعا بفنّيتها”، ويتابع موضحا: “حرصت على الاحتفاظ بالأحداث والشخوص ضمن اللغة الشعرية، وكنت حذرا من عدم الوقوع في فخّ التهويمات واللغة التي تخفي تحت شعريتها كل شيء”.
ويدلّل المنذري على ذلك بانتشار قصته “حبات البرتقال المنتقاة بدقة”، وتحويلها إلى سيناريوهات للسينما والإذاعة، وترجمتها الى اللغة الإنجليزية ضمن مجموعة منتقاة من القصص العربية في كتاب “برتقالات في الشمس” حمل العنوان المترجم لقصته تلك.الهوس بالتشكيل
ويرى الكاتب أن التشكيل كان حاضرا في قصصه بسبب هوسه باللوحات والألوان، كما كانت التقنية السينمائية حاضرة فيها بعد أن انتبه إلى فكرة “تداخل الفنون”.
وفي هذا السياق، يستذكر المنذري الإيقاع العام للكتابة لدى أبناء جيله: “حرصنا على طرح أفكار مغايرة وغير مألوفة، كنا مجموعة قليلة من الكتاب الحداثيين، وكانت معظم الإصدارات في القصة والرواية تتسم بالمباشرة واجترار الأفكار السائدة، وسرد الحكاية الباهتة الخالية من دسم الخيال والروح، كمن يصرّ في كل مرة على تصوير مشاهد طبيعية يستطيع المئات من الأشخاص تصويرها، وهذا ما رفضنا تقديمه”. وقد ترسّخ هذا التوجّه في مجموعته الثانية “رماد اللوحة” (1999) التي حاول فيها تطوير تجربته.تمرين الرواية !
وردا على من يقول إن كتابة القصة ليست سوى تمرين لخوض الرواية، أو إن السارد يبدأ قاصا وينتهي روائيا بعد أن ينضج، يؤكد المنذري: “هذا القول بعيد عن الصحة، فالرواية فن، والقصة فن آخر، يلتقيان أحيانا ويفترقان أحيانا أخرى. هناك شعراء كتبوا الرواية، فهل يسعنا القول إن كتابة الشعر تعد تمرينا لكتابة الرواية؟ كما إن هناك كتّابا بدأوا بكتابة الرواية ثم توجّهوا للقصة القصيرة، فهل يمكننا القول إنهم كانوا يتمرنون لكتابة القصة أو إنهم لم يعودوا ناضجين؟”.
القصة القصيرة بحسب ما يرى المنذري، لها تفردها وأسلوبها، والرواية كذلك. والرهان دائما للقيمة والجودة الفنية للعمل الإبداعي، فبإمكانك أن تجد خاطرة من خمسة أسطر تتفوق في البلاغة والمعنى على رواية من ألف صفحة او قصة قصيرة من صفحتين، وربما تجد قصة قصيرة تشتمل على الإبداع ما يجعلها تتفوق على رواية، أو تجد رواية ممتعة تتقدم في فنياتها على مجموعات شعرية أو نصوص مسرحية.
ولكن، هل يفكر المنذري في خوض غمار الرواية في يومٍ ما؟ “كتابة الرواية بحاجة إلى وقت طويل بسبب طبيعة البناء الفني وتشابك الأحداث فيها”، يقول قبل أن يضيف: “إن واتتني فكرة رواية وكان لدي ما يكفي من وقت وصفاء ذهنٍ لكتابتها فلن أتردد في ذلك”، مشيرا إلى أن الإصدارات الروائية “تهطل كالمطر”، ومعظم الروايات التي قرأها تكشف عن “استسهالٍ في الكتابة وغياب النضج الفني”.
وبحسب المنذري، هناك توجّه محموم واندفاع غير طبيعي لكتابة الرواية، رغم تقدم التكنولوجيا إلى حدّ إدخال الناس في فوهات الكسل وجعلهم يستمرئون الأشياء السريعة، فبدلاً من الإقبال على نصّ من صفحتين، مثلا، يتجه القارئ إلى نص من ثلاثمائة صفحة. ولكنه يشكّ في استمرار هذا الوضع.التأويل المفتوح
تتسم عناوين مجموعات المنذري القصصية، بكونها مستفزة، مفتوحة على التأويل؛ تقوم على المفارقة وعنصر المفاجأة، وهو يرى أن العنوان يمثل العتبة الأولى للكتاب، لذلك من المهم أن يكون جذابا، غامضا، صانعا للأسئلة والتأمل، ومن هنا يتأتى حرصه على اختيار عناوين قصصه لأنه يختار من بينها عناوين كتبه.
وينظر هذا القاص إلى الكتابة بوصفها حياة، “كالقراءة تماماً، كالماء العذب الذي يحيي روح الكائنات الحية”، ويضيف: “عبارة واحدة محمّلة بالحكمة، قد تصيب العقل في معرفة، وتوقظه من غفلة إحباط، أو تنقذه من قبضة يأس، أو تنتشله من مستنقع وحْل طافح بالأفكار الظلامية، عبارة واحدة تكفي لنصرة قارئ. وبهذا، فإن الكتابة المتمكنة والمحْكمة والفيّاضة بالإبداع قادرة وبقوة على فعل شيء مهم للبشرية”.
تحضر الأجواء الغرائبية والفانتازية في قصص المنذري، وبخاصة في مجموعته الأخيرة “حليب التفاح” (2016)، وهو يربط ذلك بالواقع، فـ”الواقع غامض، وعقل الإنسان يزداد قوةً يوما تلو الآخر طالما أنه متسلّح بالتفكير، فكل هذه العلوم المتقدمة الآن والتي جعلت منا كائنات خيالية وساحرة كانت في الأصل مجرد خيال نبتَ من عقل الإنسان في يوم صعبٍ مليء بالتحديات والصعوبات، وجعلت من ذلك اليوم الصعب سهلاً”. ويضيف: “أصبح الإنسان مع تقدم العلوم والتكنولوجيا الساحرة، يمشي بين جبلين، جبل ساخن أجرد يمثل سلبيات ومخاطر هذه التكنولوجيا، وجبل آخر بارد مخضَرّ يمثل خيراتها وإيجابياتها”.جماليات الخيال
ووفقاً للمنذري، للخيال جماليات لا حدود لها، تنتشل الإنسان من واقع يبدو مريرا وتطيّره في غيوم الأحلام، وتقلّبه على سرير بارد من التفاؤل والسعادة في جو حار. فالإبداع في أيّ مجال غذاؤه الخيال، والكتابات الأدبية والفنون من دون الخيال تغدو كالسراب، والفانتازيا والأساطير معجونة به.
ويبدو عالم الطفولة منبعا يرفد تجربة المنذري القصصية، فهل يمكن عدّ القصة في أحد جوانبها انعكاساً لسيرة الذات؟ هل يمكن أن يكتب الكاتب من دون أن “يتورط” في سيرته؟
يجيب المنذري بقوله إن الكاتب لا يمكنه الانفصال عن ذاته أثناء كتابته، حتى وإن كتب قصة خيالية بعيدة عن الواقع الذي يعيشه، فهو يكتب وفق أفكاره ورؤيته وخياله، هو من يصنع الأحداث والشخوص، ولا بد أن يُسقط شيئا منه ومن حياته في النص.عالم الطفولة
ويوضح أن عالم الطفولة حاضر في معظم النصوص التي كتبها، مضيفاً: “هذا العالم لم يكن يتحلّى بالبهجة، لذا تحضر الأمكنة القديمة التي عشت فيها، الأمكنة التي حاولت الهروبَ من حدائق الورود والأنهار والموسيقى، الأمكنة التي أدخلتني في عالم الأحلام حتى تريح الطفل الشقي في داخلي”.
ويقرّ المنذري بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على القصة وفنياتها، فهذه المواقع “من نتاج التكنولوجيا المتقدمة، وهي مفيدة من حيث عدّها وسيلة لانتشار القصة، ولكنها أيضا وسيلة للسرقات الأدبية”، فلا يستبعد أيّ كاتب أن يجد أحد نصوصه منشوراً في مجلة أو موقع إلكتروني أو قد يشارك به أحدهم في مسابقة أدبية مذيَّلاً باسمه. أما تأثير هذه المواقع على فن القصة، فهذا يعتمد على موهبة الكاتب وثقافته، فهناك من يتأثر بالقصص التي تُنشر يومياً باستسهال، وهناك من لا تهزّه ريح!خصوصية عمانية
وبشأن القصة العُمانية وموقعها على الساحة العربية، يرى المنذري أن القصة في السلطنة ذات خصوصية تتعلق بالبيئة والسياق الاجتماعي الثقافي، فالكاتب يقدم إنجازاته في القصة، وكتابته لا يمكن أن تنفصل عن مجتمعه وثقافته. وهو لا يتردد في القول إن المشروع القصصي والروائي في عُمان سيكون مزدهرا أكثر منه في الشعر وبقية الفنون، وإن كان هذا “يحتاج إلى القوة والصبر والقراءة، فلا يمكن لموهبةٍ أن تتطور وتبدع من دون تعب وتضحيات”.
أما القواسم المشتركة بين القصة في عُمان ونظيرتها في منطقة الخليج، أو في الأفق العربي الأوسع، فيلخّصها المنذري في تشابه العادات والتقاليد، وتكرار ثيمات بعينها، مثل الألم والحزن والمعاناة والموت.
يحيى المنذري: الرواية فن، والقصة فن آخر، يلتقيان أحيانا ويفترقان أحيانا أخرى
- خبر
-
مشاركة