كيف استطاعت نساء عربيات النجاح في بريطانيا رغم اختلاف ثقافتها الأم عن الثقافة الأوروبية

    • خبر
    • كيف استطاعت نساء عربيات النجاح في بريطانيا رغم اختلاف ثقافتها الأم عن الثقافة الأوروبية

      BBC كتب:

      تعلم لغة جديدة، البحث عن سكن، العمل والاستقلال المادي، البحث عن شريك حياة، أو إنهاء زواج مدمّر، جميعها تحديات قد تواجه المرأة المهاجرة، فكيف لو كانت عربية وتحمل معها تقاليد اجتماعية قد لا تسهل عليها عملية الاندماج في مجتمع غربي؟

      في نهاية موسم 100 امرأة الذي أحيته بي بي سي، سنسلط الضوء على تجارب ناجحة لبعض النساء العربيات اللواتي جئن إلى بريطانيا لبدء حياة جديدة.

      مريم مشتاوي

      لست بحاجة إلى أن أتبع تياراً أو حزباً أو زعيماً سياسياً معيناً لأنجح هنا كما قد يحصل في بلدي

      مريم مشتاوي

      عبير كزبور

      استطاعت مريم أن تحول فاجعة أصابت عائلتها إلى نجاح ما زالت تحصد ثماره إلى اليوم.

      هي الآن شاعرة وكاتبة روائية وأستاذة لغة عربية في SOAS - كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن - منذ أكثر من عشر سنوات.. رصيدها روايتان، وعدة مجموعات شعرية بالإضافة لمقالات في صحف عربية.‬‬‬‬

      لم تكن أي من هذه الانجازات في بال مريم في بداية مشوارها في بريطانيا. وحين سألتها عن سبب مجيئها إلى لندن أجابت: "لم أكن أريد سوى تكوين أسرة. فأنا ترعرعت في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية. ودرست الأدب العربي في الجامعة، وكتبت الشعر، وتزوجت. لكني أردت مكاناً أكثر أماناً لأبدأ فيه تأسيس عائلتي".

      كتبت مريم عن ذكرياتها في الحرب الأهلية اللبنانية والقذائف التي تجنبتها في طفولتها، لكنها لم تكن أشد ما آلمها. ففي بريطانيا، أنجبت ابنها الأول "انطوني". لكنه أصيب بالسرطان ومات عندما كان عمره خمس سنوات.

      مشتتة بين حزنها على ابنها وحروب الوطن العربي وقطار الحياة السريع في لندن، عادت مريم إلى الكتابة، لأن "الكتابة علاج نفسي من كل خيبة".

      وتقول مريم: "كانت قضيتي ابني. حملته معي في كل كتاباتي. ولاقت هذه القضية اهتمام جمهور عربي في بريطانيا لأننا كعرب ننجذب للقضايا الحزينة...للأسف الحزن أصبح من أهم مقومات نجاح قضية ما. تلقيت دعماً من عدة مراكز ثقافية عربية هنا ومن الجاليات العربية أيضاً. ومن ثم حضر الإعلام، وحتى جامعة "سواس" ساعدتني كثيراً".

      انفعلت مريم وأكملت الحديث: "القيم الإنسانية عالية في لندن. هذه المدينة أصبحت بالنسبة لي مدينة للإنسان المبدع. لست بحاجة لأن آتي من خلفية سياسية معيّنة لأنجح في عملي ومجتمعي، ولا حتى أن أتبع تيارا أو حزبا أو زعيما سياسيا كما قد يحصل في وطني الأم أو في أي بلد عربي آخر. هنا، يكفي أن يجتهد الإنسان ليجني ثمار تعبه. وبالنسبة للمرأة تحديداً، فإن العالم العربي يقلل من شأن المرأة وقدراتها. حتى مناصبها السياسة هي شكلية فقط، ولا يستطيعون مزج المرأة الحسنة المظهر مع الموهبة. فأبسط مثال التعليقات التي تأتيني أحياناً على صفحتي على الفيس بوك التي تلقبني بـ"نانسي عجرم الكتابة"، وكأن على كل امرأة ناجحة أو موهوبة أن تكون رثة المظهر."

      هل ستعود مريم لتستقر في لبنان يوماً ما؟

      لا، لأنها اعتادت على العيش في مجتمع يحترم المرأة وحقوقها ولا يحكم على الإنسان من لونه وشكله ودينه وعرقه. لكن حبها لوطنها ما زال يسري في عروقها وستستمر بزيارة لبنان كلما سنحت لها الفرصة.

      منى عثمان

      سآخذ إجازة مطولة، لأكتشف نفسي من جديد في الصومال

      منى عثمان

      أريج زيات

      عاشت منى مغتربة منذ نعومة أظفارها. وُلدت لأبوين صوماليين امتهنا الطب وبحثا عن حياة آمنة في اليمن بعيداً عن مخاطر الحرب في الصومال. لحقت بهم الحرب إلى اليمن فانتقلوا إلى الهند ثم ليبيا ومن بعدها إلى توغو.

      ورغم اعتيادها على العيش في بلدان مختلفة، واجهت منى صعوبة عندما حان وقت التحاقها بالجامعة في بلجيكا. افترقت عن عائلتها وبدأت حياة جديدة بمفردها، واضافت: "لم أتوقع أن لون بشرتي سيكون أكبر مشاكلي. كان علي إثبات نفسي في أجواء العنصرية التي سادت بلجيكا آنذاك وكادت أن تقسم البلد إلى نصفين. قررت أن أفرض نفسي وأتقرب من البلجيكيين، عبر الخروج والحوار معهم وتعريفهم على نفسي".

      اعتقدت منى أنها أصبحت جاهزة للانخراط في المجتمع الغربي، لكنها اكتشفت عكس ذلك بعدما انتقلت للعيش في بريطانيا مع عائلتها. وقالت: "عشت هنا 9 سنوات واحتجت إلى 6 سنوات لإيجاد توازن بين الثقافة التي تربيت عليها والثقافة السائدة في البلد. الصراع الداخلي أتعبني. بالرغم من أن والديّ مثقفان ومنفتحان، كان لذلك حدود. لم يتقبلوا تناولي المشروبات الكحولية، أو بناء علاقة عاطفية مع شاب من ثقافة أخرى."

      ثم ضحكت وأضافت: "كانوا يسمحون لي بالسهر...لكن للساعة الثامنة مساء فقط. اضطررت لإخفاء الكثير من نشاطاتي عنهم."

      وتقول: "أنا الآن في الثامنة والعشرين من عمري، وأعمل في لندن في مجال الهندسة النفطية وانفق علي نفسي. لكن والداي يدفعان بي للزواج...من شاب صومالي حصراً. أنا أكره الشعور بأنه واجب عليّ ارضاءهم والتقيّد بثقافتهم بالرغم من كل الصعوبات التي تخطيتها كي أصبح المرأة التي أنا هي اليوم. خاضت أختي التجربة وتزوجت من رجل صيني. هي سعيدة الآن. لكن أبي قطع علاقته بها لمدة سنتين، ولم يعاود الاتصال بها إلى حين أنجبت أول طفلة.

      ربما علي الابتعاد عنهم وإعادة اكتشاف نفسي: طلبت إجازة مطولة من عملي، وسأعود إلى الصومال في بداية العام الجديد لأتعرف على هذا البلد الذي لم أعرفه سوى من خلال عائلتي..."

      جدية عثمان

      في السودان كنت مدللة، ولم اكتشف مواطن القوة في شخصيتي إلا في الغربة

      جدية عثمان

      AIMC

      جدية عثمان وجه إعلامي معروف من السودان وسيدة أعمال وزوجة. من يشاهدها وهي تقدم برامجها عبر شاشة التلفزيون يلمس شخصية قوية وواثقة من نفسها. لكنها كانت "هشّة" - حسب وصفها - خلال نشأتها في بلدها الأم السودان.

      رؤية جدية وهي تمشي في شوارع لندن باتجاهي بكامل أناقتها وثقتها لم يوحِ لي أنها كانت في يوم من الأيام امرأة تخاف أن تمشي بمفردها، لأداء ابسط اعمالها اليومية مثل زيارة الدكانة.

      وتقول: "النجاح يختلف من شخص إلى آخر باختلاف المهنة والبيئة التي تربى فيها.

      أنا تربيت في السودان، والمجتمع السوداني يعتبر محافظاً نوعاً ما. فهناك الفتاة تكاد تكون مدللة. يندهش الآخر عندما يسمع كلمة مدللة لكنها كذلك لأنها محاطة بالذكور.

      "تجربتي الشخصية ترجع لأكثر من عشرين سنة ولا ادري إن اختلف الوضع اليوم عن الوضع الذي تربيت فيه. لكن عندما كنت شابة لا أذكر أني ذهبت إلى دكان في الحارة أو إلى السوق إلا وكنت بصحبة أخ أو أب أو عم. يجب أن يكونوا معك. نحن لم نحرم من حقوقنا كنساء لكن الخوف فُرض علينا، لا أدري مماذا ولا أدري ممن...في النتيجة دفعت شخصيتي ضريبة هذا الخوف، وأصبحت شخصاً هشاً نوعاً ما".

      بدأت جدية مشوارها الإعلامي من محطة تلفزيون سودانية. بعدما تزوجت، انتقلت مع زوجها إلى البحرين. رغم أنها لم تبتعد عن الثقافة العربية هناك، إلا أنها لأول مرة كانت بعيدة عن أقربائها الذكور. ومع انشغال زوجها في العمل، كان عليها التنقل بمفردها.

      وتقول: "كنت أعمل مذيعة في تلفزيون البحرين وبطبيعة الحال كان راتبي يحوَّل إلى حساب بنكي. أنا كنت أخاف أن أذهب إلى الصراف الآلي لأسحب النقود من حسابي الخاص. لم أكن أشعر بتلك الشجاعة وتلك القوة لأذهب لوحدي...وهي من أبسط الأمور! أعتدت أن أكون محاطة بالأخ أو العم أو الأب أو الخال وعلى حرصهم علي لأني امرأة".

      ربما شاء القدر أن تنتقل جدية إلى البحرين كمحطة تمهيدية قبل انتقالها إلى بلد أوروبي واحتكاكها بثقافة مغايرة تماماً عما ألفته. وتضيف: "تجربتي في بريطانيا كانت مختلفة. هنا اكتشفت مواطن القوة في شخصيتي وأهمها الجرأة. أول خطوة اتخذتها كانت تعلم اللغة الانكليزية كي استطيع التواصل مع هذا المجتمع الكبير والمتعدد الثقافات. لكن كان علي الكثير من الأعباء مثل الحفاظ على هويتي وثقافتي السودانية".

      رغم الانتقادات التي تعرضت لها جدية مثل عدم التزامها باللباس التقليدي السوداني عندما تطل عبر الشاشة من لندن، إلا أنها تشعر الآن أنها حققت التوازن بين ثقافتها الأم وثقافة الغرب، وطموحها لن يتوقف.

      شيرين

      أنا رسامة لكن الطبخ كان وسيلتي للنجاح في لندن

      شيرين

      أريج زيات

      لم تكن تتوقع شيرين أن تستبدل فرشاة رسمها بفرشاة لدهن البيض على الطعام حينما جاءت إلى بريطانيا.

      بعد التحاقها بمعهد خاص للفنون في دمشق عملت على تسويق أعمالها الفنية وتحويلها إلى مصدر دخل لها. حرصت على اتباع شغفها في الفن بالرغم من اعتراض زوجها في البداية، وانتقالهم إلى مصر بعد سنتين من بدء الحرب في سورية.

      وتقول شيرين: "وصلت إلى بريطانيا آملة أن أجد من هو على استعداد لاقتناء القطع الفنية التي أصنعها. لكن فور وصولي لم يشجعني أحد، وبالأخص السوريين الذين عرفتهم. قالوا لي أنه لا يوجد طلب على قطع فنية يدوية الصنع هنا. وتبين لي بعد فترة أن الكثير من المغتربين العرب القدماء لا يحبون الاختلاط مع المغتربين الجدد. شعرت بإحباط شديد. وفي هذه الفترة ذاتها كان علي دفع نفسي لتحسين مستوى لغتي الانكليزية والتأقلم مع العيش في بيئة مختلفة تماماً عن التي كنت فيها".

      وتضيف (في لهجتها المحكية): "يلي مو متعوّد عالأهرمة ما بينبسط" - أي أن الشخص الذي لم يتعود على بذل جهد والتعب في حياته اليومية لن يكون سعيداً في بريطانيا. "المواصلات على سبيل المثال: في سورية كنت أقود سيارتي، أما هنا فعلي المشي من محطة الباص إلى محطة القطار واجراء عدة تبديلات، ومعي أطفالي والحقائب التي أحملها".

      وفي يوم من الأيام، دعت شيرين بضعة صديقات إلى منزلها لتناول الطعام التي حضرته بنفسها، وإذ بإحدى المدعوات تتفاجأ بالطعام الشهي وتقترح على شيرين الطبخ وبيع مأكولاتها الشرقية. أعجبتها الفكرة، وبدأت بتأسيس المشروع بمساعدة زوجها الذي اهتم بالجانب المالي. كانت تطبخ في منزلها، وتعتمد على شبكة معارفها للدعاية لمشروعها الجديد بالإضافة لتحميل صور مأكولاتها على الفيس بوك. واحتراماً لتقاليدها ورغبة زوجها تقول: "لم أرغب في محادثة الغرباء. لم يرني أحد منهم إذ كنت أطلب من أطفالي تسليم المأكولات عند باب المنزل".

      افتتحت شيرين مطبخاً تجارياً منذ شهرين وتقول: "الحمد لله إن العمل يسير بشكل جيد رغم بعض المصاعب التي واجهتنا. ما زلت أشتاق للرسم، وأشعر أن هذه مرحلة مؤقتة ريثما أقف على قدميّ. أنا الآن متحمسة للعمل على قالب حلوى طُلب مني من أجل زفاف. سأعتبره لوحة فنية وأفرغ كل طاقتي فيه".

      Source: bbc.co.uk/arabic/interactivity-38347562