رسَالة إلى صَديقيَ الأجنَبيّ الفَاسِد

    • خبر
    • رسَالة إلى صَديقيَ الأجنَبيّ الفَاسِد

      AyshaAlseefi كتب:

      عائشة السيفي

      صَديقِي الأجنَبيّ الفَاسد
      تحيَّة طيّبة وبعد ..
      سأحدّثكَ عن بلدٍ جَميل في مكانٍ ما من العَالم .. شعبهُ أطيَب شعُوب الأرض .. سماؤُهُ وأرضهُ وجبَالهُ وهوَاؤهُ وبحرهُ هيَ جنَّة ربَّانيَّة لا يقدّرها أهلُها ولكنَّكَ ستقدرُها لأنّكَ جبتَ العَالم وتعرفُ ما يملِكهُ البلدُ هذا من كُنوزٍ لا يعرفُ قيمتَها أهلُ البلد..
      غيرَ أنَّ أهمّ شيءٍ هوَ أنَّك ستحصلُ على راتِب مضاعَفٍ لا تحلمُ بهِ في تلكَ البلدِ.. دونَ أن تحتاجَ حتّى شهادةً جامعيَّة لأنَّك أجنبي .. عيناكَ زرقَاوان، بشرتُكَ بيضَاء ولأنّك لا تتحدثُ لغَة البلَد ..
      ولأنَّكَ "قيمَة ثمينَة" لا تعوَّض.. فعلى الأرجَح ستعيَّنُ في منصبِكَ حتّى قبلَ أن تصدرَ الموافقَة الأمنيَّة التي تمشِّطُ عادةً ماضيْ كلّ موظف حكُوميّ "من أبناءِ البلد" لكنّها قد لا تنطبقُ بالضرُورة عليكَ لأنَّك "حاجَة ما حصلتش".
      ستصبحُ رئيساً تنفيذياً لواحدَة من أكبَر شركَات البلد التي تمسكُ بعصبِ الاقتصادِ الوطنيّ–وليذهَب ماضيكَ المشبوه إلى غيَاهبِ الجبّ- ولن تضطرَّ لتدفعَ بيسةً من راتبكَ الشهريّ الذي يتخطّى العشرينَ ألف ريالٍ للضرَائب.. تصدَّق؟! أن تدفع 40% من راتبكَ لمصلحَة الضرائب وأنت تعمَل في بلدك ولكنَّك لن تدفعَ بيسَة واحدَة في هذا البلد. بالإضافَة إلى حزمَة امتيازَات ملكيَّة بين السّفر في درجَة رجال الأعمَال إلى آخره.
      الآنَ حانَ وقتُك .. تعسَّفْ في الموظّفين .. موظفِيك من أبناءِ البلد طبعاً .. عيِّنْ زبانيتكَ وجوَاسِيسكَ بالجُملة في الشركَة التي تسمحُ لك بتعيينِ من تشَاءُ وفقَ نظَام –التعيين خارجَ سياسَات الشركَة- وإذا حدَثَ أن رغبتَ بتعيين صديقكَ وزوجتهِ في حيَّ الله منصب في الشركَة فأهلاً وسهلاً .. إنّهما أيضاً يمتلكان عينانِ زرقَاوان وشعر أشقر. أمورهمَا ماشيَة والحمدلله ..
      تلاعَب بالمناقصَات وأحضِر شركَات وهميَّة ودرجَة ثالثَة ممن عملتَ معها سابقاً في ماضيكَ المشبوه وأسنِد لهَا أثمَن مشاريعِ البلد في أثمَن بقعَة في البلد ..
      إذا لم يعجبكَ التقييمُ الفنيّ للمناقصَات وأردتَ ترجِيح كفّة شركَة (أعجبتكَ) على أخرى .. عَادِي جداً .. غيِّر فريقَ التقييم (على كيفك).
      الذي يقفُ في طريقكَ من الأجَانب .. اطردهُ في نفسِ اليَوم .. بثَّ الرعبَ في نفُوسهم حتّى يصمتُوا .. والعُمانيُون الذين يقفُون في طريقكَ همِّشْهُم .. أو عيِّن عمَانيينَ فوقهُم ليترأسُوهم ممن يقُولونَ لأوامركَ: سمعاً وطاعَة ..
      ضلِّلِ الرأيَ العَام .. قُل لهُم أنّ المستثمرِين على مشاريعنَا بالطوَابير .. ما لاحقِين على الطلبَات يا جمَاعة. اعمِل مؤتمراتٍ صحفيَّة .. تحدَّث لوسائل الإعلام بالجُملة .. ادعُ صحفيي العَالم ليغطّوا إنجازاتكَ الوهميَّة وأسكنهُم في فنادِق خمسَة نجُوم ليكتبُوا عنكَ (أخباراً حُلوة)
      ولا تنسَ عمل احتفال ضَخم خمس نجُوم لتدشين مشرُوعكَ لتغطِي على فوحَان رائحتهِ ولا بأسَ أن تصرفَ كم مئة ألف من ميزانيَّة الشركَة على حاجَات مالها طعمَة في الحَفل.. والأهمّ على شركَات ليسَت من البلَد بلْ من مدينَة عالميّة مجاورَة تبدأ بحرفِ الدّال :).
      أسنِد ما تشَاءُ من المناقصَات مباشرةً دونَ العودَة لدائرةِ المناقصَاتِ في شركتكَ .. خاصّة تلكَ المناقصَات التي تقعُ تحتَ إطارِ سلطتكَ ممن تقلّ قيمَتُها عن الخمسَة والعشرين ألف.
      وفي حالِ ضاقَ الوطنيّون من موظفيكَ (أو موظفَاتك) ذرعاً وقررُوا شكواكَ لدَى مجلسِ الإدارَة ، قُل عنهُم: غيُورون .. دلّوعين ما عاجِبهم رئيس صارِم .. متحيّزونَ ضدّي لأنّي أجنبي عيُوني زرقَاء وسحنتي بيضَاء .. وسيصدّقكَ مجلسُ الإدارَة ..
      لو قرروا اللجُوء لصحفيٍ من أجلِ كسبِ مساندَة الرأيِ العَام .. حاوِلِ استمالَة الصحفيّ فإن رفضَ .. عادِي .. سيكتبُ الصحفيّ ولكنّ الرأي العَام سيتجاهله.. فالرأيُ العُام مشغُول بأزمَة الوقُود ، وبنعِيمة وبقضَايا أهمّ من فسَاد مسؤُول أجنبيّ.
      وحينَ يقررُ موظفُوكَ اللجوءَ للسلطاتِ الأمنيَّة والجهَات العليَا في البلد ومجلسَ الشورَى لتخليصِ البلدِ من الضررِ الفادحِ الذي أحدثتهُ ويبدأ الضغطُ عليكَ ويبدَأ المخلُصُونَ في المؤسساتِ الأمنيَّةِ بمحاصَرتك بمخالفَاتك.. اذهَبْ إلى محاميكِ واخرُج بقائمَة من الشرُوط ليسَ أقلّها ملء كرشكَ بتعويضِكَ بكم راتبِ إضافيّ والخرُوج من منصبكَ على اعتبَار أنَّك استَقلتَ لا أُقِلتَ حفاظاً على "سمعتكَ البيضَاء" ..
      تصدَّق يا صدِيقيَ الأجنبيّ؟! تصدَّق؟
      سيُستجَابُ لطلبك .. وعوضَ أن تدخلَ السّجنَ على فسَادِكَ البيِّنِ والأضرَارِ الفادحَة التي ألحقتَها بسمعَة البلدِ واقتصادِها فإنّهُ سيحدثُ أن تنشرَ الصحفُ في اليَومِ التالي خبرَ طلبَك استقالَتكَ (لأسبابٍ شخصيّة) .. وستخرجُ من البلدِ برأسٍ مرفُوعٍ وحسابٍ بنكيٍ متخم .. تاركَاً خلفكَ المشاريعَ الثّمينة التي ذهبَت ظلماً وجوراً  في قبضَة الشركَات الوهميّة التي تركتَها بعدك.. تاركاً خلفَكَ من عيَّنتهُم دونَ وجهِ حقّ يسرَحُونَ ويمرحُونَ وتاركاً خلفكَ ضرراً فادحاً ورائحَةً نتنة لن يضعَ على إثرِها مستثمرٌ ديناراً من مالهِ للاستثمارِ.. القصَّة لم تنتهِ بعدُ يا صدِيقي.
      نعَم يا صدِيقي الأجنبيّ .. في بلادٍ ما ، حدثَ ويحدثُ هذا السيناريُو ..  قلْ لأصدِقَائكَ الفاسِدينَ الآخرين أن يأتُوا .. ولا يقلقوا .. أمورهم طيّبة يا صدِيقي في هذا البلد ..
      هَامِش أخِير:
      نحبُّ البلادَ كمَا لا يحبُّ البلادَ أحدْ
      صَباحاً مَساءً
      وبعدَ الصّباحِ
      وقبلَ المساءِ
      ويومَ الأحَدْ
      سلامٌ
      سلامٌ
       عَلى من صَمَدْ
      نحبُّ البلادَ
      لكَي لا يُحبَّ البلادَ أحدْ*
      *بتصرّف للشاعرِ التونسيّ أولاد أحمَد
      Source: ayshaalsaifi.blogspot.com/2017/02/blog-post_23.html