(( قارورة العطر ))

    • (( قارورة العطر ))

      مرحباً ..
      قصة واقعية حدثت منذ عام في السلطنة .
      أسماء الشخصيات ليست حقيقية .
      سيناريو القصة بتصرف
      .

      *-*


      " و أخيراً.. نرتاح من مشاكل العايلة شوي !! "
      قالتها فاطمة.. و هي تفتح نافذة السيارة، لترمي منها عناءً دام سنوات.. في تلك الأرض الصاخبة.
      تنهدت.. و أغمضت عينيها.. و مضت تزيد من سرعتها و تختلس من الساعات بضع دقائق – خيالاً-... إلى بيتهم الجديد..
      أومأ سالم برأسه جهة زوجه الفرحى، و شاركها الغبطة بابتسامته التي تنم عن نشوة انتصارٍ أخير!
      و واصل قيادة المركبة اللاهثة لتحمّلها العبء الزائد.. لكنها كانت " تمشّي الحال " كما كانت فاطمة تقنعه دوماً.. و قد فهم - أخيراً- لماذا كانت تفعل ذلك!
      رغم أن كومة الديون ما زالت تتمثل أمام ناظريه، إلا أنها تتلاشى أمام سعادة رفيقة دربه، و فرحة أولاده.. زينة حياته!
      الأطفال كانوا فاكهة الطريق كالعادة ! يقرؤون كل لافتة زرقاء تدل على قربهم من العاصمة، و يطرح كل منهم حكمة اليوم بمعانيها البريئة، حتى استوقفتهم حكمة انطلقت من أحدهم " نريد ندخل برج الصحوة و نشوف المدافع "!!
      أعنيك أنت فاسمعي يا جارة.. و حين فهم ذلك..نظر سالم إلى ولده من المرآة الخلفية.. و قال بعد صمت شد انتباه الولد إليه: " الحمد لله ما عندنا توأم منك "!
      *-*
      تزداد قيمة المنزل حينما يبنيه صاحبه منذ أول لبنة، أكثر منها حينما يشتريه جاهزاً.. حكمة تتكرر في الكثير من الأمور، فهو الشعور الإنساني الرائع بالإنجاز بعد التعب و العناء.
      ذلك ما كان يزيد من سعادة أسرة سالم، و لا شك.. فإن فاطمة قد وضعت بصمتها على بعض التفاصيل في حنايا عشها الجديد.
      رائحة الطلاء الفواحة كانت تبعث في النفس – رغم حدتها – شيئاً من الأمل الذي يتلبس كل جديد، كأنما ذلك هو ميلاد يومٍ متألق بعبير الزهر.
      لم تواجه فاطمة صعوبة بالغة في انتقالها إلى مدرسة قريبة في العاصمة، و ما لبثت أن أصبحت أكثر تميزا و عطاءً في المناخ الأكثر راحة و نقاء، و هي كعهدها شخصية تستطيع أن تحصل على ما تريد من المحبة و الصداقة بما يناسبها.

      *-*

      رمضان.. الأول..
      حتماً هو مختلف عن سوابقه في القرية.. رغم قلة الأيادي التي تمتد على مائدة الإفطار، إلا أن فاطمة أظهرت موهبتها بجُل إتقان في الأكلات التي جعلت أحد الأطفال يدعو " يا رب يكون كل مرة رمضان ".
      ربما لم يغري الطفلَ الطعم المحلّى أو الطبق الملون.. كما أغراه قرب أمه منهم، و وثرة فراش الحنان لهم.. أكثر من ذي قبل!

      في أحد الأيام اقترح سالم على زوجه زيارة أهله في عطلة نهاية الأسبوع، و حينما لاقى الاقتراح قَبولا.. تم تنفيذه.. و سافرت الأسرة في حفظ المولى..

      لم تواجه الأسرة ذلك العنت المتوقع في القرية ، بل على العكس تماماً ، كانت الأمور تجري و ما يصبح فيها حقاً " رمضان كريم " .

      في اليوم التالي ..
      " رافقتكم السلامة ، مع تحيات بلدية (...)" .. آخر ما قرأه الأطفال من لوائح على طريق البلد ..
      لم يكن سرورهم بالوصول إلى العاصمة كما كان أول مرة .. ربما كان إحساساً طفولياً .. لكنه كان صادقاً كمشاعرهم دوماً .
      بكل تثاقل ترجّل الأبناء من السيارة ، تبعتهم أمهم ، و عالجت القفل الكبير المعلق على مزلاج الباب و فتحته ، و اندفعت بكل شوق إلى الداخل.
      فجأة .. تجمدت عل عتبة الباب ، و جالت بنواظرها يمنة و يسرة ، تنبعث من عينيها السوداوين ملايين من الأسئلة الاستنكارية ، و تزفر مع أنفاسها خوفاً ، ما زالت تجهل ماهيته ، فهي لا تستطيع أن تصدق ما تراه ، و كأنها أخطأت العنوان و تهمّ بالعودة ، راودتها مشاهد الزلازل التي تظهر في التلفاز .. استفاقت على الحقيقة .. و ..
      لم يبقَ دمعها متجمداً بعد برهة !
      تدافع الأطفال خلفها ، و في دهشة بريئة ، راحوا يبحثون عن ألعابهم بين الأشياء المبعثرة ، و يكتشفون المزيد من الأشياء التي كانت مخفية عنهم ، حتى التقت أخيرا نظراتهم الفضولية بوجه أمهم ..
      في اللحظة التي دخل فيها سالم ، انصدم بالمشهد و بادر القول بنفسٍ أخذتها عزة الإيمان حين المصائب : " لا حول و لا قوة إلا بالله ، خير ان شا الله " ..

      *-*

      " أرجوكم لا تتأخروا .. "
      " لا تخاف .. بس لا تخلي أي حد في البيت يلمس أي شيء لحد ما نوصل "
      أغلق سالم سماعة الهاتف ، و بدأ في تنفيذ وصية الشرطي ..
      " ما حد يلمس أي شيء لحد ما توصل الشرطة .. "
      و تجمعت الأسرة في ركنٍ واحد ريث الانتظار .. و هم يتأملون في منزلهم الجديد الذي تم سرقته.
      كانت فاطمة تتمتم بكلمات لم يفهم البقية منها إلا القليل ..
      " يا ليت السارق أخذ الفلوس و المجوهرات و خلاص ..
      بس ليش يخرب الأثاث .. و ... "
      بعد أكثر من ساعة كاملة، طُرق الباب، ففتح سالم لرجال الشرطة و معهم كلب مدرَّب و عدة في صندوقين متوسطين.
      دخلوا، و بدؤوا في رفع البصمات و التفتيش و إجراء اللازم.
      و لم ينسوا أن يأخذوا بصمات أفراد الأسرة من أكبرهم إلى أصغرهم و بياناتهم .
      بعدها توجهوا إلى المركز و تبعهم سالم لأخذ أقواله ..

      *-*
      لم يكن سالم متفائلاً – مثل الكثيرين غيره – بتحقيق نجاح في الكشف عن السارق، فقد كان يسمع دوماً بقصص السرقات التي تحدث هنا و هناك، و لم يتمكن الشرطة بمحاولاتهم المتواضعة وجهودهم غير المرئية من كشف أغوارها.
      مبلغ كير من المال عمل سالم جاهدا لجمعه خلال فترة طويلة ، و مجموعة كاملة من محوهرات فاطمة يكفيها من قيمتها أنها تذكار لا أكثر منه روعة ... تم سرقتها بكل برود أعصاب .. و ذهبت ، وما يخاله الزوجان أنها لن تعود !!

      رن جرس الهاتف النقال ، ليجيب سالم ..
      " مرحبا.. انت سالم ... ... "
      " نعم ، أنا سالم ، من معي ؟ "
      " احنا من مركز شرطة (...) ، حصلت تطورات مهمة في قضية السرقة ، ممكن تراجعنا اليوم في أقرب فرصة ؟"
      رد سالم و قد تهللت أساريره : " ان شاء الله ، أنا جاي اللحين ".

      استأذن سالم من قسم عمله ، و توجه إلى مركز الشرطة ، يحدوه أملاً كان قد توارى لأيامٍٍ خلت.
      و هناك ..
      بابتسامة تعكس ألوان الفخر و السمو قال الشرطي : " احنا بجهودنا يا أخ سالم تمكنا من كشف السارق !!"
      سالم : " صحيح ؟؟ ، الحمدلله ، و من طلع ؟ "
      " لا تستعجل ، هاهههههه ، الأمور سهلة دايماً ..
      تعرف وحدة اسمها " فلانة بنت فلان الفلاني" ؟!!
      خفتت ابتسامة سالم ، و تحولت إلى علامة دهشة فاقعة ، و صمت قليلاً كأنه يبحث عن جواب للسؤال .. و لم يتردد كثيراً ليقول : " لا ، ما أعرفها .. لكن ليش هذا السؤال ؟؟"
      الشرطي: " تأكد يا سالم ، يمكن قريبتكم من بعيد أو وحدة زارتكم أو سكنت معكم أو ... طيب شوف هذي الصورة يمكن تتذكرها "
      و أخذ سالم الصورة ليلقي نظرة على صاحبتها ، انفرجت عيناه عجباً و بادر الشرطي بسؤاله : " عفواً ، انت تقصد انه هذي الحرمة هي اللي سرقت؟"
      أصاب السؤال الشرطي بقوة جعلته يتراجع بجسمه على الكرسي و يكتف يديه ، و أجاب بإيماءة دلت على الإيجاب !
      و أكمل الإجابة بقوله :" اكتشفنا بصماتها الوحيدة في قارورة عطر ، مع انه العطر كان داخل كرتون ، إلا انه ما كان من الصعب اكتشافها ، ما فيه حريمة كاملة... و ما وجدنا أي بصمات ثانية إلا لأفراد أسرتك "
      ركز سالم من جديد على الصورة ، و ظهرت في عينيه حسرة أن تكون صاحبة هذا الوجه الوضيء الخلوق هي سارقة قامت بكل ذلك!!
      " ما أعرفها .. و الحمدلله اني ما أعرفها " رد سالم بنبرة حزن غليظة.
      قال الشرطي و كأنه يزيد الغم " للأسف و بعدها تشتغل معلمة و تربي أجيال ، و من عايلة محترمة ، ايش اللي يخليها تسرق ، لكن احنا راح نستدعيها و نتخذ اللازم معها و حقك راح يرجعلك يا أخ سالم ..."

      *-*

      " مرحبا سالم ، هاه بشّر ؟!! " استقبلت فاطمة سالماً بهذه العبارة اللحوحة.
      نظر سالم إليها و ملامح تلك المرأة ما زالت عالقة في باله ، و تراوده صور قوارير العطر المختلفة ، دون أي معنى و كأنه كابوس يريد أن يصحو منه، و ... انفجر ضاحكاً !!
      قال : "من يقول انه الشرطة ما ينفعوا ؟ بسرعة قدرواكتشفوا السارق ، و بصراحة أول مرة أسمع عن حرمة تسرق "
      فاطمة :" ايش ؟؟ حرمة ؟؟ ايش صار يا سالم ؟؟ "
      " اسمعي ، السارق طلع ..حرمة ، و للأسف بعدها معلمة و اكتشفوا بصماتها في قارورة عطر ... الظاهر انها رشت منها شوي قبل لا تطلع!! "قالها بسخرية حارقة !
      فاطمة و الدهشة تكاد تُخرج عينيها من محجريهما : " من ؟؟ "
      " ما أعرفها بس اسمها ... اسمها " فلانة بنت فلان الفلاني ""!!!
      شهقت فاطمة ، كأنها تعلن توقف الدنيا عن المسير ، لحظة لم يستطع معها سالم إلا أن يتوقف هو الآخر عن تحريك أي ساكن عدا النبض ، لحظة مرت و عقارب الساعة الهادئة خطوات تمشي بوقع مسموع و تقترب منهما ، حتى وصلت إلى فاطمة و أعلنت لحظة التعبير !
      لم يكُ بيدها أن تبدأ الضحك قبل البكاء ، أو ربما فعلت العكس!
      لكن لا بد من جواب يخرج سالم من تلك الدوامة..
      فقالت :"تذكر يا سالم لما كنت مريضة آخر مرة .. زارتني مجموعة من صديقاتي من المدرسة و كانت " فلانة " من بينهن .."
      قاطعها سالم .. : " مقعول ؟ !! "
      أكملت فاطمة : " و أهدتني قارورة العطر مع مجموعة من الهدايا ، وشيء طبيعي تكون عليها بصماتها !! "
      لم يتمالك سالم نفسه فضحك ، ثم هدأ .. و قال : " يا سلام !"
      " الشرطة رايحين المدرسة يستدعوها بتهمة السرقة !!"

      *-*

      أمام أنظار بقية المدرسات و الطالبات تدخل الشرطة المدرسة لتستدعي المعلمة المسكينة" فلانة " ، و ها هي فرصة متاحة لنشر إشاعة طازجة ، و فرصة للسبق و الثرثرة عن قصة امرأة تمسكها الشرطة بتهمة غامضة ربما هي كذا أو كذا أو كذا ..خسارة و عيب و فضيحة!!
      بل هي فرصة لعرض المهارات الشرطية في قضية جديدة من نوعها.
      لم تتخيل المرأة المسكينة نفسها في وضع كهذا ، و لم يصدق رجال الشرطة إنكارها لأنهم و باختصار .. وجدوا دليلاً قاطعاً على إدانتها!
      حاول سالم أن يتنازل عن القضية بأسرع ما يمكن , ولكن واجه رداً كافياً : " من حقك يا سالم تتنازل عن قضيتك ، بس احنا ما نتنازل عن الحق العام و لازم تلقى جزاءها " !
      لم يعرف سالم ما العمل ، و كيف يواجه هذه الحماقات و هذا الجهل المتلبد ، و كأنه يتعامل مع رجال آليين لا إحساس لديهم و لا ضمير!

      انتهت القضية و أُغلقت ضد مجهول بعد أن وصلت في طريقها المسدود لأعلى الجهات الأمنية ، و كأن الأمر جريمة حصلت لكشف جريمة بل لإعادة حق لن يعود!
      و تعلم سالم درساً عملياً ، كان يسمعه دوماً .. و لكن التطبيق ..كنز لا يفنى!

      أما فاطمة المسكينة ، فقد أخفت وجهها عن صديقتها الغالية .. للأبد !
      *-*

      وحــيـــد

      10 / يونيو / 2005
    • مشرفنا الغالي ......


      حزنت جداً على مجهودك الرائع .....

      والذي للأسف مرعليه 43 شخص ...

      و لم يشارك سوى 3 منهم .......


      لذا اسمح لي بإعطاء القصة مجال و فسحة للتتنفس الصعداء ....

      ولا تبقى في الركن المهمل ........

      أعذرني لأني غيرت رأيي .... السابق ... بإبقائها هناك >>>>>

      ولأنك من كتب السناريو .... و أختار الأبطار ....

      و نقح القصة .........أبقيتها هنا في الروايات المكتوبه ........

      *******************************************

      شعرت بجوهرها و المقصد الغامض الذي تحمله ......


      ووصلتني الرسالة التي بها .....

      الله يعينّا على سوء الظن ......

      و ينعش الذاكرة دائماً ...




      صباحك خير ......

      ملاحظة : يرجى إعلامي بالعنوان الذي تريده لها....

    • عزيزي .. وحيد ،،

      شكراً جداً !

      لا لكتابتك القصة ، بل للمسك جراحنا المكشوفة على مضض ،،

      أتدري ،، هناك دائما ثمة خيط يصل جراحنا بجذور الأرض إلى أقصى السماء ..
      وحدك من تلمس الدرب به .. فوصل ..

      أشكرك عزيزي .. ورسالتك وصلت ..

      معذرة ،، ندمت لتأخري في قراءتها ،، ولكنك تستحق ..

      أما يقال دائما ما تأخذ الأشياء قيمتها ، بإنتظارنا لها ؟؟؟؟


      جلُّ التحايا ، والأمنيات.
    • أخي وحيد .. أقول مساءك ورد .. وعطرك ياسمين .. وصباحك مُعطر بزجاجة عطرك هذه ، ونقول لك أيضاً انت رائع جداً وتستحق النجاح في كتابة القصص .. والوقوف على بعض ملابسات القضايا العامة .

      ( و أخيراً.. نرتاح من مشاكل العايلة شوي !! ) لقد بدأت القصة بهذا الفعل .. المثير للغاية وبه استطعنا تكملة القصة ..

      سيدي أعذرني على هذه القراءة .. البسيطة جداً .. وإنْ لم تكن لدي المساحة الكافية .. فسأعرض جُزئيات بسيطة كرد متواضع بسيط أو هكذا حسبي .. لعلّك تستفيد منه .. أو ربما يستفيد الكثيرون منه .. وهذا ما أطمح إليه إجمالاً ..!


      بصريح العبارة هذه القصة الحكائية العادية جداً .. كانت في مُجملها وضوحاً هي قضية خطرة .. لان أسلوب الكتابة جاء ضعيفاً .. بينما الكاتب من حيث ورود القيمْ قادرٌ على بعث عواطف الشفقة والحزن .. وقد يكون العكس .. فهناك بعضاً من الكتاب ( أمثال شكسبير ) على سبيل المثال .. وبينهما مسافة كبيرة بالطبع .!
      فأنا لا أقول أن ( وحيد ) يُشبه في الخيال أوا في البعد الكتابي ( شكسبير ) لكني أقول أن شكسبير كان كثيراً ما يُمثل الانفعالات العاطفية المتباينه .. وأرى هنا وحيداً أيضاً أستعمل باسلوب كتاباته المبتدئة .. والكلاسيكية التقليدية تعبيرات توحي أن لديه تصويرات ودقّة في عرض المشاهد واستعراض مشاهدها .. كالاكشن ..! إذا جاز لي التعبير أو التقريب .. للضرورة فقط ..! ـ مجازاً ـ . ( و واصل قيادة المركبة اللاهثة لتحمّلها العبء الزائد.. لكنها كانت " تمشّي الحال " كما كانت فاطمة تقنعه دوماً.. و قد فهم - أخيراً- لماذا كانت تفعل ذلك!
      رغم أن كومة الديون ما زالت تتمثل أمام ناظريه، إلا أنها تتلاشى أمام سعادة رفيقة دربه، و فرحة أولاده.. زينة حياته!
      الأطفال كانوا فاكهة الطريق كالعادة ! يقرؤون كل لافتة زرقاء تدل على قربهم من العاصمة، و يطرح كل منهم حكمة اليوم بمعانيها البريئة، حتى استوقفتهم حكمة انطلقت من أحدهم " نريد ندخل برج الصحوة و نشوف المدافع "!!
      أعنيك أنت فاسمعي يا جارة.. و حين فهم ذلك..نظر سالم إلى ولده من المرآة الخلفية.. و قال بعد صمت شد انتباه الولد إليه: " الحمد لله ما عندنا توأم منك "!
      )

      أما المسألة الثانية .. التي أحسن الالتفات إليها هي اتجاهه نحو تفعيل المواقف لصالح بشر وتعطيل الامانه التي يحملها رجل الامن . على سبيل المثال نجد هذا أيضاً في قصص المنفلوطي وكرم مُلحم .. وهي الدعوة إلى الفاجعة من خلال الرذيلة . أو قُل الفساد ـ على تعبير النص لوحيد ـ . ثم البكاء والحزن الصامت بما فيه التفجّعْ والمآسي التي تقتصر على العناصر الميلو درامية المفتعلة أيضاً ..!

      ( لم يكن سالم متفائلاً – مثل الكثيرين غيره – بتحقيق نجاح في الكشف عن السارق، فقد كان يسمع دوماً بقصص السرقات التي تحدث هنا و هناك، و لم يتمكن الشرطة بمحاولاتهم المتواضعة وجهودهم غير المرئية من كشف أغوارها.
      مبلغ كير من المال عمل سالم جاهدا لجمعه خلال فترة طويلة ، و مجموعة كاملة من محوهرات فاطمة يكفيها من قيمتها أنها تذكار لا أكثر منه روعة ... تم سرقتها بكل برود أعصاب .. و ذهبت ، وما يخاله الزوجان أنها لن تعود !!)


      إن كاتبنا ( وحيد ) أمتهن السخرية في نصوصه الكلاسيكية / التقليدية .. السخرية الرخيصة من الانفعالات التي تثير الشفقة في كثير من الاحايين .. وهذا يقود إلى الخوف حقاً ..! وحيث ان السخرية التي جاء بها الكاتب / تحمل النفس على التخفف من آلامها .. حينما نادته الشرطة ليتعرف على السارق فوجدها فتاة فاضلة / معلمة .!! إن هذا التسامي في المفاهيم ومواقف إشكالات القص يدل على التعاسه بصورة لا مقبولة ـ ربما ـ .!

      ( بابتسامة تعكس ألوان الفخر و السمو قال الشرطي : " احنا بجهودنا يا أخ سالم تمكنا من كشف السارق !!"
      سالم : " صحيح ؟؟ ، الحمدلله ، و من طلع ؟ "
      " لا تستعجل ، هاهههههه ، الأمور سهلة دايماً ..
      تعرف وحدة اسمها " فلانة بنت فلان الفلاني" ؟!!
      خفتت ابتسامة سالم ، و تحولت إلى علامة دهشة فاقعة ، و صمت قليلاً كأنه يبحث عن جواب للسؤال .. و لم يتردد كثيراً ليقول : " لا ، ما أعرفها .. لكن ليش هذا السؤال ؟؟" )
      (لم يكُ بيدها أن تبدأ الضحك قبل البكاء ، أو ربما فعلت العكس!
      لكن لا بد من جواب يخرج سالم من تلك الدوامة..
      فقالت :"تذكر يا سالم لما كنت مريضة آخر مرة .. زارتني مجموعة من صديقاتي من المدرسة و كانت " فلانة " من بينهن .."
      قاطعها سالم .. : " مقعول ؟ !! "
      أكملت فاطمة : " و أهدتني قارورة العطر مع مجموعة من الهدايا ، وشيء طبيعي تكون عليها بصماتها !! "
      لم يتمالك سالم نفسه فضحك ، ثم هدأ .. و قال : " يا سلام !"
      " الشرطة رايحين المدرسة يستدعوها بتهمة السرقة !!"
      )

      إن الهزل باسلوبة الخاص ولغته الشفافة .. يَصْعُب من ـ وجهة نظري كقاري ـ أن أجد تحاوراً بين نص القص وكاتبه .. لانه هنا يجب على الكاتب أن يتحاور مع المآسي أصلاً .! فلربما تلكم المآساة أو الموقف الذي عناه الكاتب ..يعتبر حالة عارضة يطول دوامها أو يقصر ، وليست قادرة على الكشف عن حقائق النفس .. كما جاء في زجاجة العطر .. كقصة لها عنوان بالغ الاهميه ومثير يشدّني مكقاري غير عادي أو حتى القاري العادي أيضاً بل جاء مُعبرٌ جدأً .. دفعني للقراءة لكن مضمون النص يبدو لي مختلف أيضاً .. فمثلا ً إصرار الشرطة للذهاب إلى المدرسة ولم يظهر لي الكاتب الموقف المنطقي حقاً .. فما أجراه كان حواراً طبيعياً .. ولم يثبت لي حواراً يشد القاري .. كأن يكون بين المعلمة ولحظة الوقوع والمكان ولم يصف لي الحالة / النفسية / او المكان نفسه .لكن ظهرت لي تناقضات .. بين تنازل صاحب القضية وبين الشرطة وهو كشكل عامي .. لا يوجد به موقف مُلفت ْ .. وقد تكتسب تلك المظاهر دلالات مضادة .. أو تحويرات . ودلائل مقارنه .. ولكن الكاتب اكتفى بالسرد المنطقي الذي رآه واضحاً .. كمن ينظر إلى سلة الفواكه ثم يستعرض قدرته على تصوير ما رآه ..!!

      أمام أنظار بقية المدرسات و الطالبات تدخل الشرطة المدرسة لتستدعي المعلمة المسكينة" فلانة " ، و ها هي فرصة متاحة لنشر إشاعة طازجة ، و فرصة للسبق و الثرثرة عن قصة امرأة تمسكها الشرطة بتهمة غامضة ربما هي كذا أو كذا أو كذا ..خسارة و عيب و فضيحة!!
      بل هي فرصة لعرض المهارات الشرطية في قضية جديدة من نوعها.
      لم تتخيل المرأة المسكينة نفسها في وضع كهذا ، و لم يصدق رجال الشرطة إنكارها لأنهم و باختصار .. وجدوا دليلاً قاطعاً على إدانتها!
      حاول سالم أن يتنازل عن القضية بأسرع ما يمكن , ولكن واجه رداً كافياً : " من حقك يا سالم تتنازل عن قضيتك ، بس احنا ما نتنازل عن الحق العام و لازم تلقى جزاءها " ! )
      (انتهت القضية و أُغلقت ضد مجهول بعد أن وصلت في طريقها المسدود لأعلى الجهات الأمنية ، و كأن الأمر جريمة حصلت لكشف جريمة بل لإعادة حق لن يعود!
      و تعلم سالم درساً عملياً ، كان يسمعه دوماً .. و لكن التطبيق ..كنز لا يفنى!
      )

      إن إستعدادنا للكتابة هو غير إستعدادنا للنظر إلى الشيء ثم تصويره .. ذهنياً أو آلياً .. لا بد لنا من نفس صادقة وأدوات قادرة على إجتياز مراحل التفتح الكتابي .. فليس كُل ما نعرفه نستطيع أنْ نراه .. وليس كل ما نقوله نستطيع أن نكتبه أو نعرضه على الواقع .. لا بد إذنْ للكتابة من رتوش .. ومن جُمل تعبيرية مؤثرة في نفس القاري .. ومما لا شك فيه أن الكاتب مُطالبُ بعرض طريقته في القصة .. فهو يختار زحمة الحوادث التي تحيط به .. وهو مُطالب أيضاً .. بعرض شخصياتها بصورة أكبر قُدرة على التفاعل مع أحداثها .. ومن ثم يُمكن له أن يُسلط علها نوعاً من من الاضواء الكاشفة .. وتطويره للحبكة ينُمْ ْعن رأيهُ اتجاه القيم الانسانية / الاخلاقية .. شريطة أن تكون تلكم القيم تؤدي إلى التوازن في اختبارات الناس وتصرفاتهم واتجاهاتهم في الحياة .

      أشكركم على المتابعة .. وأدعوا أخينا الكاتب وحيد أن يتقبّل مني هذه القراءة الخاطفة . بل هي وجهة نظر شخصية وقرائية أسعى من خلالها إلى إبراز كُتاب يسبروا أغوار فلسفة الكتابة باسلوب قصصي متين .! وإن كان تقليدياً ..! فالتقليدي عندي أصدق فلسفة من حيث المكان إذا ما كانت خيوط أحداثه ووقائعة مترابطة ومتراصة من حيث حبطكة المواقف وتسلسل الاحداث ، فالقصة الحقيقية هي التي تجعل من القاري تصديق حدوثها أو إيمانه بوقوعها .! وبأُسلوب كتابي راقٍ ، وبأدوات فنيّة متمكنه ..!

      تحياتي لكم .. وأنتم في أحسن حال .. من المرتاح تقبلوا خالص التحية وأنقى عبارات المودة والسلام .
      لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
      لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
      الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!