
التفاصيل التي نشرتها الصحف العبرية عن محضر لقاء القمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، ولم نسمع لها تكذيبا، تجعلنا نشعر بالخجل، لاننا لم نكن نتصور ان تصل درجة الهوان بالقيادة الفلسطينية الي هذا المستوي!
انها المرة الاولي في التاريخ التي نقرأ فيها عن رئيس يمثل شعبا مقاوما، يطلب المساعدة من عدوه المحتل لارضه، القاتل لشعبه، ويتوسل اليه منحه اسباب القوة، حتي ينجح في مهمته، في مواجهة اعداء السلام اي الذين يقاومون الاحتلال. كما انها المرة الاولي التي يحاول فيها ممثلو شعب مقاوم محاولة استدرار عطف اعدائهم وشفقتهم، اللهم الا اذا كان السيد عباس يعتبر شارون عدوا.
لا نعرف كيف سيواجه الرئيس عباس شعبه، ووزراءه، بل وافراد عائلته، بعد هذه الصورة المهينة، التي تكونت في اذهان الكثيرين عنه، بعد اللقاء الاول له كرئيس منتخب مع شارون.
ولا نفهم كيف يقبل السيد عباس، ورئيس وزرائه احمد قريع، واعضاء الوفد المرافق له، اللقاء مع شارون في منزله في القدس المحتلة، وعلي مائدة الطعام في مطبخه، فهل هذا يليق برئيس شعب مناضل ثائر مقاوم، قدم آلاف الشهداء علي مدي مئة عام من مسيرته الجهادية؟
هذا اللقاء كشف عن عدم وجود مستشارين، ولا استراتيجية فلسطينية علمية مدروسة بعناية، تقوم علي اساس قراءة صحيحة لتطورات الاحداث ورؤية سياسية واضحة للمستقبل.
فالذهاب الي القدس المحتلة، وعقد لقاء في منزل شارون قد يفسر علي انه اعتراف صريح بالمدينة كعاصمة ابدية موحدة للدولة العبرية، الامر الذي ربما يشجع العديد من الدول علي نقل سفاراتها اليها، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.
فتوقيع اتفاقات اوسلو هو الذي ألغي الصفة العنصرية عن الدولة العبرية، واعاد تأهيلها كدولة مسالمة وفتح الباب امام العالم لاقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، وشجع دولا عربية علي فتح سفارات، ومكاتب تجارية، والذريعة المستخدمة هي لا يمكن ان نكون فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين انفسهم .
اصغر طفل فلسطيني يدرك ان شارون لن يقدم اي تنازلات للجانب الفلسطيني علي صعيد الافراج عن الاسري او فتح مطار غزة ومينائها بعد الانسحاب الاسرائيلي المتوقع، واخذ خطوات عملية علي صعيد الممر الآمن بين الضفة والقطاع، لان شارون وببساطة شديدة يريد حربا اهلية فلسطينية تنهي السلطة والمعارضة معا.
فهذا الرجل متخصص في الاخذ وليس العطاء، التدمير وليس البناء، تدمير بيوت الفلسطينيين ومزروعاتهم، والبناء الوحيد الذي يجيده هو بناء المستوطنات وتوسيعها.
من المفترض ان يكون السيد عباس اكثر الناس فهما لعقلية شارون ونواياه، ليس بحكم موقعه وخبرته السياسية الطويلة في التفاوض مع الاسرائيليين، وانما لانه التقاه اكثر من مرة في منزله ومزرعته عندما كان يوصف بالرجل الثاني في منظمة التحرير، ولكنه اثبت خطأ اعتقادنا من خلال ادائه السيء اثناء اللقاء الاخير مع شارون.
اللقاءات التي تكون علي هذه الدرجة من الاهمية يتم الاعداد لها بشكل جيد بحيث يتوفر الحد الادني من ضمانات النجاح، واذا كانت هذه الضمانات غير موجودة او غير ممكنة، فان القائمين علي ترتيبها يلجأون الي التأجيل، ريثما تتوفر ظروف افضل، ولكن هذه القاعدة السياسية الاساسية غابت تماما عن الجانب الفلسطيني، لسبب بسيط لانه في وسط تلهفه علي لقاء شارون والجلوس اليه، واستجداء بعض التنازلات منه نسي الاصول والاعراف.
توقعنا ان يظهر السيد عباس في مؤتمر صحافي لكي يرد علي هذه الاهانات، ويشرح للعالم ما جري في اللقاء، ولكنه فضل الاعتكاف في منزله، وترك هذه المهمة للسيد قريع رئيس الوزراء، الذي لم يدل بكلمة مفيدة واحدة غير قوله اننا عرضنا كذا، وطالبنا بكذا، ولم نحصل علي اي شيء!
فاذا كان رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس وزرائه، يقبلون ان يعاملهم شارون بهذه الصورة المتعالية، واذا كانوا هم انفسهم يقبلون ان يكونوا في هذا الموضع الدوني امامه، يتوسلون مساعدته، فكيف سيكون حالهم في مفاوضات الوضع النهائي المعقدة، التي تتناول مسائل مصيرية، مثل المستوطنات وحق العودة والقدس والحدود النهائية؟
اننا لا نستغرب، وفي ظل حالة الضعف التي ظهرت عليها قيادة السلطة، ان يطالب شارون الفلسطينيين بدفع نفقات تدمير المنازل في مستوطنات قطاع غزة التي هو بصدد اخلائها حسب تصريحاته الاخيرة. ولن نفاجأ اذا ما طالب السلطة بدفع تعويضات للمستوطنين الاسرائيليين الذين سيتم اجلاؤهم!
الوضع المهترئ للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها هو الذي يؤدي الي مسلسل الاهانات والاحباطات الراهن، فكيف يمكن ان يحترمنا صديق، او يرهبنا عدو، ووزير الداخلية الفلسطيني يشتكي من وجود بلطجية في اجهزته الامنية، وعملاء لاجهزة استخبارات اجنبية؟ وكيف يمكن ان يتعامل شارون مع سلطة باحترام ورئيس وزرائها يهدد بالاستقالة، او التوقف عن العمل، احتجاجا علي الفلتان الامني. فاذا كان رئيس الوزراء ووزير داخليته لا يستطيعان ترتيب بيتهما الامني من الداخل فمن يستطيع؟!
نريد قيادة فلسطينية تحترم نفسها وتحترم شعبها، وترتقي الي مستواه، وتكون قادرة علي تحمل الامانة الملقاة علي عاتقها، ومن المؤسف ان القيادة الفلسطينية الحالية ليست اهلا لهذه المسؤولية، لعوامل ذاتية، او لاسباب خارج نطاق مسؤولياتها، وطالما اننا نتحدث باعجاب عن فضائل الديمقراطية الفلسطينية التي تجلت بعد ان اظهرت نتائج الانتخابات البلدية عورات السلطة وحجم تمثيلها في الشارع، فان اول بديهيات الديمقراطية هي استقالة القادة والوزراء والمسؤولين الكبار عندما يعجزون عن انجاز ما يمكن ان يفيد ناخبيهم.
