شيخُوخَة حكوميّة

    • خبر
    • شيخُوخَة حكوميّة

      AyshaAlseefi كتب:



      عائشة السيفيّ 

      على الرّغم مما تطالعنَا بهِ الصّحفُ كلّ يومٍ من أخبَارٍ "إيجابيّة" عنِ المشهَدِ الاقتصاديّ للسلطنَة على غِرار استراتيجيّات التنويع الاقتصاديّ ، خطط جذب الاستثمَارات الداخليّة والخارجيّة ، برنامج تنفيذ، استراتيجيّات التنمية السياحيّة ، خطط الطاقَة المتجددة ، المناطق الحرّة في الدّقم ، صلالة وصحَار ، بنَاء ميزانيّة الدولة اعتماداً على 45 دولار للبرميل والقائمَة تطُول ، نرَى كلّ ذلك فنصدّق ونرَى واقعَ الحالِ فنعجب.

      لا نزالُ نواصلُ نزولنا في مؤشراتِ التنافسيّة الاقتصاديّة عما كنّا عليهِ قبل عقدٍ من الزمان ، التصنيف الائتماني ، مؤشر الابتكار، مستوى التعليم ، أداء مؤسساتِ التعليمِ العاليّ ، مؤشرات الشفافيّة والفسَاد وغيرها الكثير وهذهِ المؤشراتُ تستحقُ أن أفردَ لها مقالاً آخر في القريب.

      نقرأ عن الرؤيَة الاقتصاديّة لقطاعات مختلفة في عُمان وتأسِيسِ شركَات وهيئاتٍ كبرى ، عن استشرافِ المستقبل وعن خططٍ طموحَة فنستبشرُ خيراً بالقادمِ ولكنْ إلى أيّ مدَى يبدو بالإمكانِ تحققُ هذهِ الرؤى عندمَا نتأمّل قيادَات الصفّ الأوّل من الحكومَة التي يعوّل عليها قيادَة "أوركسترا" التنميَة المستقبليّة.

      مجتمَع شاب وحكُومة عجُوز

      يصنّف المجتمع العُمانيّ كمجتمعٍ شاب يشكّل من تقلُ أعمارهم عن 34 عاماً ما نسبته 75% من نسيج المجتمع العُمانيّ و85% تقلّ أعمارهم عن 44 عاماً. وفي المقابل نسمعُ بينَ حينٍ وآخر ببرامج كبرامج تأهيل الرؤساء التنفيذيين من القطاعِ الخاصّ وبرامج الكفاءة الحكوميّة بالإضافة إلى برامج القيادات التي تطلقها كليّة الدفاع الوطنيّ ومع ذلك فإنّ الأسماءَ الموجودَة على رأس الوزارات هي نفس الأسماء المتكلسة التي مرّت سنين طوالٌ دون أن تتغير. ولا تزال الحكومة تواصل تعييناتها لأسماء قضُوا حياتهم بين جدرَان الحكومة ويندر جداً أن نرى قيادات حكوميّة تربّت في القطاع الخاصّ ورضعُوا عقليّة قطاع المال والأعمال وفهمُوا كيفَ يفكّر السوق ويتحرّك الاقتصاد ويندر أكثر فأكثر أن نرَى رجال أعمالٍ عصاميين يتم انتقاؤهم لإنقاذ الوزارات المتخبطة بالقراراتِ العشوائية ، البطالة المقنّعة وغيَاب الرؤية.

      وعندما تتأمّل قليلاً في قيادَات الصفّ الأوّل من الحكُومة تدهش من أنّ مجتمعاً شاباً بعقليّات شابة درسَت في الخارج وعملت في دولٍ كبرى تقابلها حكومةٌ بأسمَاء أكَل الدهرُ عليهَا وشرب تقودُ وزاراتٍ حسّاسة ومؤثرة على أدائنا الاقتصاديّ. ما الضّير في أن نرَى في التشكيلَة الوزاريّة وجوهاً لوزرَاء شبابٍ في عشرينيّاتهم ومطلع ثلاثينيّاتهم؟ لماذا لا نرَى مزيجاً حيوياً بين أولئك أصحابِ الخبرَة الطويلة والشبابِ أصحَاب الفكرِ الشابِ المتجددِ والقادم من بيئةٍ صهرتهم بثقافاتِ العالم والمتواصلِ مع آخرِ صيحَاتِ السوقِ العالميّة؟ وما هوَ التجديد الذي ننتظرهُ من قيَادات أتمّت أكثر من عقدٍ على تعيينها؟
      واقعُ الحَال يخبرنا أنّ وزير القوى العاملة يكملُ هذا العام عشرَ سنواتٍ على تعيينه في منصبهِ ويتجاوزُ وزير النفطِ والغاز أكثر من 15 سنة منذ تعيينه وتكملُ وزيرة التعليم العالي 14 سنَة منذ تعيينها ويكملُ وزير الإسكان 11 عاماً منذ وصلَ لكرسيّ وزارتهِ وتكملُ رئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفيّة أكثر من 15 سنَة على تعيينها والأمرُ ينطبقُ على وزاراتٍ كوزارة الدفاع ووزارة الخارجيّة وغيرها. فيما يتجاوزَ أغلبُ الوزراء الحاليين دورَة الخمس سنوَات على تعيينهم الوزاريّ الكافيَة لوضعِ تقييم عامّ على أداء مؤسساتهم منذ استلامهم مناصِبهم. ألم يأنِ الأوان لنرى وجوهاً جديدة من أبناءِ هذا الوطن جديرينَ بقيَادة هذه المؤسسات بكفاءةٍ ورؤيَة مختلفة؟

      نحتاجُ وجوهاً جديدة ، وقيَادات وكفَاءات جديرَة. إن كانت القيَادات الحاليّة لم تؤدّ ما يعوّل عليها فليكن ، وإنْ كانتْ أدّت واجبها وأكثر فقد آنَ أوان تسليمِ الدّفة لجيلٍ جديدٍ من صنّاع القرار.


      ولا تبدو شيخوخة الأسماء هيَ وحدهَا مربط الفرس بل إنّ تدوير نفس الوزراء القائمينَ على وزاراتٍ في غايَة الحساسيّة على مجالسِ إدارَة مؤسسات خاصّة وحكوميّة حيويّة هوَ أمرٌ مثيرٌ للدهشة. فإذا كانت هذهِ الوزارات تعاني من الترهلِ والبيروقراطيّة فكيفَ نعهد إلى وزرائهَا أيضاً ليكونوا على رأس مجالس إدارة مؤسسات حساسّة تدير اقتصاد البلد ليحملُوا نفسَ الفكرِ والرؤية إليها؟

      مثلاً يشغلُ وزير التجارة والصّناعة منصب رئيس مجلسِ إدارة الشركة العمانيّة للتنمية السياحيّة وهوَ أيضاً ر ئيس مجلسِ إدارة صندوق رفد ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامّة لتنمية المؤسساتِ الصّغيرة والمتوسطَة وهوَ كذلك نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط وهوَ عضو مجلسِ إدارة صندوق الاحتياطي العامّ للدولة.

      كلّ هذا يضطلعُ بهِ وزيرٌ يشغلُ واحدةً من أكثر وزارات الدولة حساسيّة!

      وشغلَ الوزيرُ المسؤول عن الشّؤون الماليّة بالإضافة إلى منصبهِ رئاسةَ مجلس إدارة شركَة الطيران العُماني (حتى عام 2017 بعد أن خلفهُ وزير النّقل)  وهوَ نائب رئيس مجلسِ إدارة الشركة العمانيّة للتنمية السياحيّة عُمران ، وهوَ رئيس مجلس إدارة صندوق الاحتياطي العامّ للدولة

      ويشغلُ وزير النقلِ والاتصالاتِ رئاسَة مجلسِ هيئة الطيرَان المدنيّ ، وهوَ رئيس مجلس إدارة هيئة تقنيّة المعلومات ، وهوَ نائب رئيس مجلس إدارة الشركة العمانيّة للنقلِ البحريّ ، وهوَ رئيس مجلس إدارة شركَة ميناء الدقم وهوَ عضو مجلس إدارة شركة عُمران ليستلمَ مؤخراً إلى قائمَة مناصبهِ الطويلة منصبَ رئاسة مجلس إدارة شركَة الطيران العُمانيّ.

      ألم تنجِب هذهِ الأرضُ الولاّدة إلا أسماءً ما بعينها لتدوّر بينَ مجالس إدارة مؤسساتنا الحيويّة؟ هل جفّت البطون لنعدَم رؤية الشبابَ المتعلّم الذي اكتسبَ خبراتٍ عالميّة ليقودَ مؤسساتنا الحكوميّة؟ لماذا تستثمر الدولَة في تعليم أبنائها في أفضل مؤسسات العالم ولا نرَاهم يتصدّرون مشهدَ صنَاعَة القرار اليوم؟ ألم يئن الأوان لتعُود الطيورُ إلى أعشاشها ونرى نتيجَة هذا الاستثمار الوطنيّ في الانسان العُمانيّ مترجماً في تصدير قيادات وكفاءات جديدة بعد أن استوفتِ القيادَاتٌ الحاليّة وقتَها؟ وهوَ ليسَ أمراً جديداً في العالم إذ هنالكَ نماذج كثيرة بإمكاننا الحديثُ عنها  مثلَ ريكس تيلرسون وزير الخارجيّة في الحكومَة الأمريكيّة الذي هُو في الأصل مهندِس مدنيّ ورئيس إحدَى أكبرِ شركَات الطاقة في الولاياتِ المتّحدة، وليسَ من العجبِ أن تكونَ أنجيلا ميركل في الأصلِ عالمَة كيمياء فيزيائيّة قبلَ أن تشغلَ منصبَ المستشارة الألمانيّة.

      لماذا لا نزال نرَى مسؤولين حكوميين قضَوا حياتهم في بيئة بيروقراطيّة لا تزال تعمل بعقليّة الرسائل الورقيّة ، والقيَادة الطبقيّة ، يرشّحون ليقودوا شركَات حكوميّة خاصّة يعوّل عليها الاقتصاد الوطنيّ لتكون مصدَر دخلٍ لا عبئاً على جيبِ الدولة؟

      لماذا رأينا قيادات تقود شركات النفطِ الكبرى في عُمان من مخرجَات القطاع الحكومي وتحديداً وزارة النفط على الرّغم أنّ قطاع النفط واحد من أنضج القطاعات الخاصّة التي أثبتَ العمانيون فيها جداراتَهم؟

      لقد رأيتُ هيئات وشركَات حكوميّة يعوّل عليها الكثير ، تقودُ مشاريع بمئات الملايين ولكنّ الذي يحدث أنّه بمجرّد إعلان تأسيسها يصدّر العاملون في الوزارة الأقرب لها لينتقلوا بفكرهِم ليديروا تلك الشركة إلى حالة تخبّط وعشوائيّة. رأيت هيئات ننتظرُ أن تكونُ مستقبلَ عمان بينما لا يزالُ طاقمها "المستصدر" من الوزَارة الفلانيّة في عُزلة تامّة عن رؤية المؤسسة واتجاهها المستقبليّ.

      نريدُ أن نكونَ إيجابيين تجاهَ واقعِ ما يحدث. أن نستيقظَ كلّ صباح مؤمنينَ أنّ "الأمور طيبة". نريدُ أن نصدّق كلّ عنوانٍ تطالعنا بهِ الصحف.. نريدُ أن نؤمنَ في صميمنَا أنّ مشاريعَ هذا الوطن في عهدَةِ أيدٍ نثقُ فيها ونريدُ أن نفتخرَ بالأسماءِ التي تقودُ اقتصادَ هذا الوطن وتتبنّى منجزاتهِ.

      لقد تحدّثنا كثيراً عن خططِ التنويع الاقتصاديّ ولكننا أغفلنا الحديثَ عن تنويع الوجوه التي ستقودُ هذهِ الخطط. تحدّثنا عن تنويع الخططِ والاستراتيجيّات وأغفلنا أنّ علينا تنويع القيَادات والكفاءات التيْ نعهدُ إليهَا تنفيذِ هذهِ الرؤى والاستراتيجيات.

      لقد آن الأوانُ أنْ نرفعِ سقفَ توقعاتنا بتعيين نخبَة النخبة. إنّ الرسائلُ التي ترسِلها الدولُ التي تعيّن قياداتٍ في عشرينيّاتها وثلاثينيّاتها لتقودَ كبرَى مؤسساتِها ليسَتْ رسائل عشوائيّة. إنها توصلُ رسالةً للعالم بثقتها في صنَاعة العقولِ التي تصدّرها، بتمكينهِم وإيمَانها بقدرتهم على اتّخاذ القراراتِ الأصوب لمستقبلِ أوطانهم. وهيَ تبعثُ رسالةً تطمينية أخرى للأجيالِ الشّابةِ الصّاعدَة بأنّ لهم مكاناً في صنَاعَة القرار الذي ليسَ حكراً على أصحابِ الشعرِ الرماديّ والكهُول وتحرّضهم على الالتحاقِ بأفضل مؤسسات التعليم ثمّ أفضل شركات القطاعِ الخاصّ العالميّة كحاضنَة لهم ليصعُدوا إلى مراكز صناعَة القرار.
      آنَ الأوانُ للعمانيين الذينَ يعملون اليَوم في المؤسسات العالميّة أن يعودوا بكفاءتهم ويجدُوا مكاناً لهم في الحكُومة ليقودوا هذا الوطَن إلى ما يليقُ بهِ وبقائدهِ وما يليقِ بالانسانِ العُمانيّ ومستقبله.

       
      Source: ayshaalsaifi.blogspot.com/2018/02/blog-post.html