منذ أن خلق الله سيدنا أدم وحوا على هذه البسيطة ، بدأت هذه البشرية تتكاثر بهدف استمرار الحياة ، فتعاقبت حضارات وأمم قبل بداية الإسلام وبعده ، وأرسل الله معظم الأنبياء برسائل عظيمة لإنقاذ كل أمة مما هي عليه من أوضاع متهالكة ومعتقدات باطله ـ كعبادة الأوثان ، ورق وعبودية للبشرية ، وود للبنات ، فكثيرا من الأمم عاشت في هذه البسيطة كفرت بنعم الله وعاثت في الأرض الفساد ، فقوم عاد ، وثمود ، وقوم نوح وغيرهم من الأقوام كفرت بالله فأرسل الله لهم الأنبياء لهدايتهم وتربيتهم وهديهم إلى سبيل الهداية والرشاد ، وإنقاذهم مما كانوا فيه من ظلال وتردي للأخلاق والقيم ومعتقدات رسخت في عقولهم لا تنفعهم بل تضرهم ، والأخذ بأيديهم إلى عبادة الواحد الديان الواحد الأحد ، الفرد الصمد الذي لا معبود غيره ، فكانت رسالة جميع الأنبياء لهداية الأمة ، وتربيتها تربية مستقيمة . ، فالبعض منهم اهتدى وسار على هدي نبيه فنال رضى الله وثوابه العظيم ، وأقوام آخرون بقوا على ضلالتهم وكفرهم وزاد تعنتهم فحق عليهم العذاب فلقوا مصيرهم المنتظر الذي يستحقوه بكفرهم بخالقهم .
فكان خاتم الأنبياء والمرسلين " عليه أفضل والصلاة والتسليم " آخر الأنبياء ممن أرسلهم الله لهداية هذه الأمة من ضلالها ومما كانت عليه قبل بزوغ فجر الإسلام ، من أوضاع متهالكة لا يتقبلها عاقل ، ولا تحقق للأمة أية منفعة تذكر ، فكان هدف الرسالة السماوية التي جاء بها سيد المرسلين عليه الصلاة وأزكى السلام ، هو الأخذ بيد هذه الأمة لتوحيدها لعبادة الواحد الأحد الفرد الصمد ، وتربيتها وتغيير وضعها المرير المتهالك الذي كانت عليه قبل الإسلام ، لتكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، فلا يتأتي لها القيام بهذا الدور العظيم لإصلاح حالها ـ إلا إذا تمسك بكتاب الله وسنة نبيه وعملت بنهجهما في مختلف أمور حياتها الدنيوية ، وكذلك التمسك بالأخلاق والقيم والمبادئ السمحة الفاضلة في تعاملها مع بعضها بعضا . فهذا هو الهدف من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو تزكية النفوس وتربية الإنسان ، وبلورة الأخلاق الحسنة في واقعة الوجدان . فالآية الكريمة دالة على دور الأنبياء فقال تعالى في محكم كتابه العزيز " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} صدق الله العظيم .
لكن حال هذه الأمة تغير بتغير الزمان والمكان ، كنا نتمنى لو تمسكت أمتنا بكتاب الله وسنة نبيه والسير على هداه ، لكان تغير حالها وأصبحت كما أرادها رب العباد خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، اليوم من يسعى لهذا الأمر نادر أن نجد من أمتنا القليل من العقول تسمتع إليه وتعمل بنصائحه وتوجيهاته ، وخير دليل عندما تقام محاضرة دينية يحاضر فيها شيخ علم بعد صلاة حاضرة القليل من المصلين ممن يبقى في المسجد والكثير ينفر من ذلك ، فرسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام واجه الكثير من المشاكل والدسائس من قريش وأتباعها عندما بدا بنشر الدعوة الإسلامية ، فيجب علينا كأمة مسلمة أن نقتدي به ولا نيأس ولا نتذمر ، فربما القلة كما أسلفت في حديث سابق تولد الكثرة ، في زمن نحن بحاجة إلى أن تنار العقول وأن يأخذ بيد ممن زجوا بأنفسهم تحت برثن التفسخ والانحلال ورموا بالقيم والمبادئ خلف ظهورهم ، لإنقاذ من أراد منهم أن يهتدي وأن يستقيم حاله ، فباب التوبة مفتوح للجميع من قبل رب العباد ـ شريطة عدم الرجوع إلى ما كانت عليه النفس من ضلال .
كذلك لو تمعنا في وصايا لقمان لأبنه فإنه نجده وصى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووصايا عظيمة أخرى تتضمن بعض النصائح من قيم ومبادئ حميدة حثه على التمسك بها . فمن واقع تلك النصائح لو غرست في قلوب الأبناء ، لكانت أحوالهم مثل النبتة الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا ، لأنها رويت بماء عذب فجادت بثمارً طيبة فكانت شجرة مباركة ، وهنا تروى قلوب الصبية منذ نعومة أظافرهم بتلك المبادئ والقيم الحميدة ، لتزدان قلوبهم بذكر الله ، لأن الصلوات الخمس لو حافظوا على تأديتها لأصبحت نورا في صدورهم طهارة لقلوبهم وابدأنهم بحكم أن المسلم يتوضآ في اليوم خمس مرات ويتجه نحو القبلة خمس مرات في مختلف الأوقات المفروضة لتأدية الصلاة ، فأنه يجب على ولاة الأمر أن يأخذوا بها في تربية أبنائهم تربية صالحة بعيدا عن مخاطر الانحراف والضياع ، وخاصة في هذا الزمن بذات الذي تغيرت فيه قلوب الأمة وتردت أوضاعها . أتذكر أبيات شعر درستها في سنوات الدراسة فيقول الشاعر واصفا الأخلاق إذا زينت نفس الإنسان :ـ
هي الأخلاق تنبت كالنبات :: إذا سقيت بماء المكرمات
وأخلاق الوليد تقاس حسنا :: بأخلاق النساء الفاطنات
نعم إن التكامل الأخلاقي للفرد والمجتمع هو أهم الأهداف التي تعتمد عليه صلاح حال الأمة في مختلف شؤونها في هذه الحياة ، وهو رادع لها لمحاربة مختلف أنواع الفساد والانحراف في واقع الإنسان والمجتمع البشري في حركة هذه الحياة . وأضرب لكم مثال من واقع حياتنا كوننا امة متعلمة ويوصف حالها بأنها أمة متحضرة ، عندما لامسنا واقع المدنية الحديثة في جميع جوانب الحياة المختلفة ، وغزانا الفكر الغربي من قبل دول الغرب ممن همهم بسط نفوذهم والسيطرة على الشعوب ، لكونه سلاح يفتك بعقول هذه الأمة أفضل من احتلالها بالقنابل العنقودية والأسلحة المحرمة دوليا ، أو بإشعال فتيل الفتنة بين مختلف فئاتها وذلك بتعدد مذاهبها ، كوننا ما زلنا نتمسك بعقيدة الإسلام كأمة مسلمة متحابة متآخية متسامحة في ما بينها ، وبعض قياداتنا متبصرة ومدركة لمثل هذه الأخطار ، ولأن مصالحهم سوف تتضرر في حال قيامهم بذلك ، أتوا لنا يغزو ٍ فكريا هدام للقيم والأخلاق مداه لا ينتهي مثلما هي حال الحروب يمكن لها أن تنتهي خلال مدة بسيطة ، فهنا يكون مربط الفرس لقد عرفوا أين يكمن العيب فينا ، وهو شغل عقول شبابنا ممن سينجروا إلى تتبع فكرهم والأخذ منه بما يفسد عقيدتهم ويدمر شخصيتهم ، فتخلى البعض منا للأسف عن قيمة وأخلاقه ومبادئه الحميدة التي تعزز مكانته وتكسبه الاحترام ، ورمي بالكتاب والسنة خلف الظهور ، فتخلخل ترابط نسيج الأمة وتفككك حالها ، وانغرست تلك الأنفس في الملذات والشهوات المحرمة ، فهذا هو هدفهم ومقصدهم ضياع أجيال الأمة ، ممن تجري مسرعة مثل الخرفان عندما تسرح إلى المراعي ، والتي لم تحكم عقولها وبصيرتها في مختلف أوضاع حياتها ، فأخذت تقلدهم وتتبع فكرهم الهدام ، بالأخذ منه ما يفسد عقولهم ويدمر شخصيتهم وعقيدتهم حتى وصل حال البعض على ما هو عليه الآن في وقتنا الحاضر، ورغم أن العلم أنغرس في القلوب وصرفت عليه الدول الكثير من الأموال الباهظة ، ورغم أن ولاة الأمر ضاقوا مرارة الحياة وشظف العيش من أجل تربية الأبناء ، إلا أننا نجد حال البعض منا عقول كأنها لم يلامسها العلم ولم تدخل دور التعليم ، فمن أين تفضي تلك العقول لارتشاف العلم ، وكيف ستسمو بشخصيتها ، طالما اهتدت بأمة الكفر ومشت في الضلال والعصيان ، وشرعت أيديها للنيل من ما هو مخمر ومسكر ، وما هو ملهي ومخجل فعله ، فغرقت في الشهوات والملذات المحرمة ، فكان نتاج ذلك ضياع جيل بل أجيال ، وكثرت المشاكل والجرائم ، وتقلبت القلوب وتغيرات أحوال ، وضاعت الأمانة ومات الضمير والنخوة ، فأصبح حال البعض منا عبده للدرهم والريال ، فأصبحت أيديهم خفيفة تسرق وتنهب في أموال العامة ، والأموال التي أتمنوا عليها في مؤسسات أعمالهم ، فشاع الفساد الإداري وتفشى في مختلف دول عالمنا العربي ، فهذا هو الحال طالما فسدت العقول وضرب بالمبادئ والقيم عرض الحائط ، إلا من نأى بنفسه وسما بشخصيته بالتمسك بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وتسمك بكتاب الله وسنة نبيه فكانت الصلاة طاهرة لقلبه وبدنه ، وبقى ضميره حيا ، وازدانت نفسه بعد ذلك بالعلم والمعرفة ، فضمنت هذه الشخصية إنها تمشي في طريق الهداية والرشاد فنالت رضى الله ورضا أهلها ومجتمعها .
فخلاصة ما ذكرته أعلاه أن سمو شخصية الإنسان ليس بنيل أعلى الشهادات العلمية وتربعه في أعلى المناصب القيادية ، وإنما الأخلاق هي من تسموا بالشخص وهي المعيار لرقي شخصية وتميزها بين الأمة ، فخير ما نقتدي به أيها الأعزاء رسولنا الكريم عندما وصفه الله تعالى في الآية الكريمة من سورة القلم ( وإنك لعلى خلق عظيم ))
فاقتدوا بنهج نبينا وسيروا على سيرته الشريفة لتنالوا رضى الله والوالدين ، ولتكسبوا أخرتكم وتسعدوا في دنياكم . فزنوا أعمالكم قبل أن توزن ، وزينوا عقولكم بالعلم وتمسكوا بمبادئ ديننا الحنيف وشريعته السمحة ، وتحلوا بالأخلاق والقيم الحميدة ، لتجمعوا بين الاثنين سموا الأخلاق ورقي درجة العلم فمن اتصفت شخصيته بهذه المعاني العظيمة نال ما تمنى .
والسؤال مدار النقاش هو
أيهما أخطر للأمة فراغ الأخلاق والقيم ، أم فراغ العلم ؟