في الأسبوع الماضي وأنا أتجول بين حارات الفيحاء مساء ، شد نظري منظرا يكاد أراه يتكرر بصفة دائمة أمام عيني ، لكن هذه المرة تأثرت بالمنظر الذي شاهدته ، عندما وجدت طفلين صغيرين لا يتعدى الأكبر سنا منهم أحدى عشر سنة يتشبثان ببرميل القمامة بيد ، وبالأخرى تمزق أكياس القمامة التي رميت بذلك البرميل الكبير ، الذي يكاد الذباب مشكلا حوله مثل السحابة الداكنة ، ورائحته الكريهة لا يطيق قلب أمرى مر بجانبه أن تستنشقها أنفاسه ، حتى ولو كان صب على جسمه أرقى العطور الفرنسية الغالية ، برميل مليء بالقمامة يستجير من الوضع الذي هو عليه ، مرت عليه ايام لم يحضروا عمال النظافة لتخفيف الثقل عن كاهله ، فمن باب الفضول تقربت من الطفلين وسألتهم : لماذا تمزقان أكياس القمامة ؟ فهذا عمل غير طيب ويؤثر سلبا على صحتكم ، وربما بجوف تلك الأكياس قطع زجاج فتتعرض أيديكم الناعمة للجروح ، فقال الصغير منهم يا عمي نبحث عن ( قواطي ) وأية قطع معدنية أخري كخردة ، نبيعها عندما يحضر صاحب الشاحنة الذي يطوف كل أسبوع أرجاء الحارة ، فنقبض من وراء ذلك بعض المبالغ البسيطة ، ولو أنها تعد بأصابع الأيدي في كل مرة ، فسألتهم وفيما تصرفان تلك المبالغ ؟هل لشراء بطاطس وبوب وحلويات من نساء الحارة ، فرد الأكبر منهم لا يا عمي لكننا نساعد بها والدنا في تدبير مصروفنا اليومي للمدرسة ، لأن راتب والدنا لم يعد يكفي لسد متطلبات المعيشة في أيامنا الحاضرة .
هذا هو واقع حال بعض الأسر في مجتمعنا العماني للأسف ، هذا هو وجه براءة الطفولة سخروا بعض من الوقت والذي من المفروض أن يكون لراحتهم أو للاستذكار دروسهم ، أو للعب مع أطفال الجيران . من أجل البحث عن ما يوفر لهم مصروف يومهم الدراسي لشراء وجبة من مقصف المدرسة ، فبقيت حائرا بين أمرين وهما أنهم أطفال رغم صغر سنهم وعدم نضج عقولهم ، لكنهم عرفوا مشاكل الحياة التي تواجههم ، وقدروا الظروف المادية التي يعاني منها والدهم ، فشرعوا في البحث في مكان لا أحد يحب أن يمر بجنبه للمساوي التي ذكرتها أعلاه ، فوجدوا منه الغاية التي من أجلها يحصلوا على عدد من القواطي الفارغة وربما لم يحصلوا عليها ـ فيرحلوا ليفتشوا في برميل أخر فقد تكون ريحته كريهة ليس بأقل من سابقه ، بينما نجد شبابا في مجتمعنا عندهم وظائف ورواتب جيدة ، ولا يقدرون حجم المسؤولية الملقاة على كاهل أولياء أمورهم ، فنجدهم يسخرون المادة للسفر ولتزين السيارات ولأمورهم الخاصة .
فما أصعبك يا لقمة العيش عندما تنغرس يد الطفولة اليانعة في براميل القمامة القذرة ، ليجود عليها العامل الأجنبي صاحب الشاحنة والحمولة الكبيرة ، بمئات بيسة ترسم البسمة في وجوه تلك الطفولة الصغيرة ، لأنهم لا يعرفون أن ذلك العامل يجني من وراء ما جمعته أيديهم مبالغ باهظة ، فعندما أراهم يحصلون على عشر مئة بيسة يركضون إلى منازلهم فرحين بها بوجوه فرحة مستبشرة . فهذا هو واقع بعض الأسر وهذي هي الحياة . يقول الشاعر : إذا كنت في نعمة فرعها :: فإن المعاصي تزول النعم . والمعاصي المقصودة هنا أن يسخر البعض منا النعم التي رزقه الخالق أيها في ارتكاب المعاصي والفجور ، وفي البذخ والإسراف . بينما توجد أسر في المجتمع تتمنى أن تطال أيديها الشيء القليل من تلك النعم ، فهي بحاجة إليها لتقدر أن تتكيف مع ظروف الحياة القاهرة .
فما أصعبك يا لقمة العيش عندما تنغرس يد الطفولة اليانعة في براميل القمامة القذرة ، ليجود عليها العامل الأجنبي صاحب الشاحنة والحمولة الكبيرة ، بمئات بيسة ترسم البسمة في وجوه تلك الطفولة الصغيرة ، لأنهم لا يعرفون أن ذلك العامل يجني من وراء ما جمعته أيديهم مبالغ باهظة ، فعندما أراهم يحصلون على عشر مئة بيسة يركضون إلى منازلهم فرحين بها بوجوه فرحة مستبشرة . فهذا هو واقع بعض الأسر وهذي هي الحياة . يقول الشاعر : إذا كنت في نعمة فرعها :: فإن المعاصي تزول النعم . والمعاصي المقصودة هنا أن يسخر البعض منا النعم التي رزقه الخالق أيها في ارتكاب المعاصي والفجور ، وفي البذخ والإسراف . بينما توجد أسر في المجتمع تتمنى أن تطال أيديها الشيء القليل من تلك النعم ، فهي بحاجة إليها لتقدر أن تتكيف مع ظروف الحياة القاهرة .