مع الانبياء ... تفاصيل جميع الانبياء بطريقة رائعة

    • متواصلون مع هذه الصفحات الزاخرة بكل ما هو مفيد ومنير من القصص والسرد الجميل ،،،،
      ففي هذه الصفحة نعيش مع طفولة حبيبنا المصطفى وكيف كانت حياته بعد تيتمه من والديه ،،،،
      وكيف كانت حياته عند ممن كفلوه وكيف كانت تباشير النبوة تدلل على انه هو خاتم النبين والمرسلين ،،،،
      بارك الله فيك وفيما سعيت لتقديمه ،،،واصل فنحن منكم مستفيدون ،،،

      ‏​‏​الاستغفار قصہ طويلہ بدايتها الدنيا و نهايتها الجنہ استغفراللّه العظيم الذي لاإله إلا هو الحي القيوم واتوب اليہ ..
    • كان ذات يوم الرسول صلي الله علية وسلم يبكي فقالو لة ما يبكيك يارسول الله اسمع ماذا قال قال اشتقت
      لاخواني قالو او لسنا اخوانك قالو بلي انتم اصحابي اما اخواني فانهم قوما ياتون من بعدي يومنون بي ولم يروني .. الرسول صلي الله علية وسلم اشتاق لك هل اشتقت لرسول الله صلي الله علية وسلم ..
      :::::::
      ::::
      ::
      :
      اكتب هذا الموضوع وجسمي يقشعر من هذة الكلمات فلنعمل بصدق حتي نلقي رسول الله بشوق وحب ويرضي عنا الله ورسولة..
      //
      \\
      سبحانك اللهم وبحمدك اشهد الا اله الا انت استغفرك واتوب اليك
    • مكانة النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
      وبعض أعماله قبل النبوة






      في مكة قبل النبوة

      كانت حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة حياة فاضلة شريفة، لم تعرف له فيها هفوة، ولم تُحصَ عليه فيها زلّة، لقد شبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوطه الله - سبحانه وتعالى - بعنايته، ويحفظه من أقذار الجاهلية، لما يريده له من كرامته ورسالته، حتى صار أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزهاً وتكرماً حتى صار معروفاً (بالأمين).
      لقد نشأ سليم العقيدة، صادق الإيمان، عميق التفكير، غير خاضع لترهات الجاهلية، فما عُرف عنه أنه سجد لصنم، أو تمسح به، أو ذهب إلى عرّاف أو كاهن، بل بُغِّضت إليه عبادة الأصنام، والتمسح بها. وكذلك بُغِّض إليه قول الشعر فلم يعرف عنه أنه قال شعراً، أو أنشأ قصيدة، أو حاول ذلك؛ لأن ذلك لا يتلاءم مع مقام النبوة، فالشعر شيء والنبوة شيء آخر. ولم يكن الشعراء بذوي الأخلاق، والسير المرضية، فلا عجب أن نزهه الله سبحانه عن الشر، والرسالة تقتضي انطلاقاً في الأسلوب والتعبير، والشعر تقيد والتزام. وصدق الله حيث يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} (69) سورة يــس.

      ومع هذا فقد كان يتذوق ما في الشعر من جمال وحكمة وروعة، ويستنشده أصحابه أحياناً، ولا عجب فهو القائل: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة)(1). ولم يشرب خمراً قط، ولا اقترف فاحشة، ولا انغمس فيما كان ينغمس فيه المجتمع العربي حينئذ من اللهو، واللعب، والميسر (القمار)، ومصاحبة الأشرار، ومعاشرة القيان، والجري وراء القيد الكواعب2 على ما كان عليه من فتوة، وشباب، وشرف نسب، وعزة قبيلة، وكمال، وجمال وغيرها من وسائل الإغراء.
      لهذه الصفات والمميزات كانت المكانة الرفيعة له بين قومه، فكان يُدعى بالصادق الأمين، فهو صدوق عند قومه، وهو الأمين، فكان محل ثقة الناس وأماناتهم، لا يأتمنه أحد على وديعة من الودائع إلا أدّاها له، فكانت قريش لا تضع أمانتها إلا عنده لما سُمع من أمانته وصدقه، ولا يأتمنه أحد على سر أو كلام إلا وجده عند حس الظن به، فلا عجب أن كان معروفاً في قريش قبل النبوة (بالأمين)(3).
      لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه، وأمانته حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصولا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعه، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ(4). الحجر فوضعه موضعه - صلى الله عليه وسلم- ). ثم طفق لا يزداد فيهم على السِّنِّ إلاّ رضاً، حتى سموه الأمين، قبل أن ينزل عليه الوحي. قال: وطفقوا لا ينحرون جزوراً للبيع إلا دعوه ليدعو لهم فيها. وهذا يدل دلالة واضحة أنه - عليه الصلاة والسلام- بلغت مكانته درجة رفيعة عند قومه وعشيرته، وهذا شيء اختاره الله - عز وجل - لكي يمهد لرسالته.


    • أعماله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة




      لقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته بأعمال عدة، وذلك ليعلمنا الجد والعمل، وخدمة النفس، وأن أفضل ما أكل ابن آدم من عمل يديه، وأنه لا ينبغي الاعتماد على الغير، بل ينبغي الجد والعمل لخدمة النفس، وأن ذلك مما يؤجر عليه الإنسان عن هو أصلح نيته، كما أنه لابد من التحلي بالأخلاق الرفيعة كالتواضع، والصدق والأمانة ، وغير ذلك من الأخلاق النبيلة، ومن هذه الأعمال التي قام بها النبي قبل البعثة ما يلي:

      أولاً: رعيه صلى الله عليه وسلم للغنم



      قال ابن إسحاق: وحدثني ثور بن يزيد، عن بعض أهل العلم، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعيّ: أن نفراً من أصحابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال: (نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمّي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام، واستُرضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْماً لنا إذا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بَطست من ذهب مملوءة ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي، فشقاه و استخرجا منه علقة سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم. ثم قال: زنه بألفٍ من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فوا الله لو وزنته بأمته لوزنها)(5). رعيه - صلى الله عليه وسلم- للغنم وافتخاره بقُرَشيَّته: قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم)، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا). وإنما أراد ابن إسحاق بهذا الحديث رعايته الغنم في بني سعد مع أخيه من الرضاعة، وقد ثبت في الصحيح أنه رعاها بمكة أيضاً على قراريط لأهل مكة. الروض 1/192. (6) فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم- قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم). فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)7.

      ورث سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- عن أبيه خمسة من الإبل، وقطيعاً من الغنم، وجارية هي أم أيمن (أعتقها الرسول فيما بعد)، وزوجها مولاه زيد بن حارثة فولدت له أسامة. فائدة: وتلك ثروة – في عرف زمانها - ضئيلة، إلا أن الله - تعالى - هيأ له الأسباب ،
      وعمل سيدنا محمد في رعي الغنم، فقد رعاها وهو صبي في بني سعد، ورعاها وهو شاب في مكة، وكان يذكر ذلك مغتبطاً ، فالعمل شرف، واكتساب الرزق فريضة.. وفي رواية البخاري قال - عليه الصلاة والسلام-: (ما بعث الله نبياً إلا وقد رعى الغنم).

    • فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط) والقراريط: من أجزاء الدراهم والدنانير. تعليق: ولعل لله حكمة في رعي النبيّ للغنم، فالرعي يكسب صاحبه يقظة حتى لا يعدوا الذئب على شاة منها ويجعله حريصاً على المصلحة، صابراً على المشاق، مثابراً على الهدف كي يوفر لغنمه مآكلها ومشاربها.. ثم إن الرعي بعد ذلك يدع للراعي فرصة للتأمل في مظاهر الطبيعة ، ونظام الكون حين يجلس في امتداد الصحراء يلحظ غنمه... والمتتبع لتاريخ الأنبياء يجد أن للغنم دوراً في هذا التاريخ...

      فإسماعيل - عليه السلام - ترتبط قصة حياته بكبش أنزله الله فداءً له وتصديقاً لرؤيا أبيه.. {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * ... إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ*} سورة الصافات(103)- (107).
      وموسى - عليه السلام- وهو في الوادي المقدس ، حال المفاجأة الكبرى، جرى هذا الحوار: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى؟ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى*} سورة طـه(18). ولما ائتمر القوم بموسى وتوجه تلقاء مدين وقعت أحداث كان للغنم فيها نصيب، فقد سقى للمرأتين ثم دعي إلى بيت أبيهما الشيخ الكبير، وانتهى الأمر بالزواج من إحداهما، وظل مع أبيها عشر سنين يرعى له الغنم: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} سورة القصص(26)(27)(28).
      وداود - عليه السلام - تسور عليه الخصمان مكان عبادته ليحكم بينهما في شركة لأحدهما تسع وتسعون نعجة، وللأخر نعجة واحدة، وأراد صاحب النصيب الكبير أن يستأثر بالشركة كلها لنفسه، فحكم داود وعدل، وبين عبرة الحياة: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ...} سورة ص(24).
      وأشار القرآن إلى قصة نزاع بسبب الغنم تحاكم فيها أصحابها إلى داود وسليمان - عليهما السلام - فحكم سليمان وهو صغير بحكم غير حكم أبيه، وكان حكم سليمان أرفق: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} سورة الأنبياء(78) (79).

    • وقال أكثر أهل العلم: إن الحرث الذي حكم فيه سليمان وداود – {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} – بستان عنب، والنفش: رعي الغنم ليلاً خاصة. وقيل : كان الحرث المذكور زرعاً. وذكروا أن داود حكم بدفع الغنم لأهل الحرث عوضاً عن حرثهم الذي نفشت فيه فأكلته. وقال بعض أهل العلم: اعتبر قيمة الحرث فوجد الغنم بقدر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث، إما لأنه لم يكن لهم دراهم أو تعذر بيعها، ورضوا بدفعها، ورضي أولئك بأخذها بدلاً من القيمة.

      وأما سليمان فحكم بالضمان على أصحاب الغنم، وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان حين نفشت فيه غنمهم، ولم يضيع عليهم غلته من حيث الإتلاف إلى حين العود، بل أعطى أصحاب البستان ما شية أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم ، وقد اعتبر النماءين فوجدهما سواء.. قالوا: وهذا هو العلم الذي خصة الله به وأثنى عليه بإدراكه .. هكذا يقولون - والله تعالى أعلم- 8. لقد كان للرعي دور أساسي في التاريخ الإنساني، ولا زال للأنعام ارتباطها الوثيق بحياة الإنسان ... وصدق الله حيث يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} سورة يــس(71 - 73).

      والأنبياء ما هم إلا بشر يعيشون مجتمعهم بكل معالمه الإنسانية، ولعل في رعي الغنم توطئة لرعي الخلق وسياستهم...9. وفي رعي الغنم من الفوائد ما يعجز الإنسان عن تحصيلها من غير هذا العمل، وقد يرى كثير من الناس أنه- صلى الله عليه وسلم - رعاها كعادة قومه، ولم يكن يبتغي من وراء ذلك إلا الكسب الذي يستطيع به مواجهة متطلبات الحياة فقد كان عمه فقيرا ذا عيال، وهو فوق ذلك سيد قومه، وكان للسيادة حينئذ من التكاليف ما يعجز الثرى المليء. لم تكن السيادة يومئذ بابا واسعا من أبواب الرزق كما هي الآن، ولكنها كانت عبئا ثقيلا تنوء به كواهل الرجال، حيث كان السيد يتحمل استضافة القادمين، وغرم الغارمين، وتبعات أفراد القبيلة إلى غير ذلك مما كان يقوم به سيد القوم، وهو يشعر أنه يؤدي واجبا عليه لا ينتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً.

    • يقول أصحاب هذه النظرة القصيرة المادية: إن محمداً رعى الغنم ليساعد عمه الفقير، وليعينه على تكاليف الحياة الباهظة، وليرد جميلا أسداه إليه حين كان عاجزاً عن الكسب غير قادر على إعالة نفسه. وليس في ذلك عيب لو اقتصر عمله على تلك الغاية؛ لأن فيها من الوفاء وحسن المعاشرة، وحفظ الجميل ما يجعل فاعله عظيما في أعين الناس. ولكنا مع ذلك نقول لم يكن أمر رعيه الغنم – صلى الله عليه وسلم – قاصرا على إرادة الكسب ومساعدة عمه، بل كان من وراء ذلك مقاصد عظيمة، وفوائد جليلة لا يدركها أصحاب النظر القاصر، لأنها أمور تدق عن الإدراك إلا لذوي البصائر والألباب، أذكر منها :


      1. يقظة الراعي






      إن الراعي يجب أن يكون يقظا واعيا مدركا لما حوله، وذلك لأن الغنم كثيرة الجري سريعة الحركة، شديدة النفور، فإذا غفل عنها راعيها تفلتت منه، وصعب عليه جمعها وردها إلى مرعاها، وتكون بعد ذلك عرضة لا فتراس الضواري من السباع، ومهددة بالفناء والضياع. وهذه الصفة ليست موجودة في كثير من الناس، وكثير من الناس يغادرون الحياة دون أن يتصفوا بها، فأما الذين يمارسون رعي الغنم، ويخرجون معها في الصباح ينتجعون أماكن الرعي، ويعودون بها آخر النهار ممتلئة موفورة، كاملة غير منقوصة، فهؤلاء يكتسبون تلك الصفة بالممارسة حين يفقدونها بالفطرة والوراثة.


      2. حرصه على رعيته





      ومحافظة الراعي على رعيته، وحرصه على سلامتها أمر تحتمه عليه هذه الوظيفة، إذ لوكان مهملا، أو متهاونا لأدى ذلك إلى أوخم العواقب، حيث تتعرض لها الذئاب فلا تجد من يدفعه، وتفترسها الوحوش وهو غافل عنها. وأما الراعي الحاذق فهو الذي يتفقد غنمه، ويجمعها كلما تفرقت وإذا شذت منها واحدة ردها إلى الجماعة، فهو لا يهدأ له بال، ولا تغمض له عين ما دامت غنمه تسرح هنا وهناك، وأن حرصه ليدفعه لأن يدفع عنها كل معتد، ويحفظها من التعرض للمهالك حتى يعود بها سالمة من كل سوء.



      3. حسن السياسة




      وتلك من أهم الصفات التي يستفيدها الراعي من وظيفته؛ لأن رعي الغنم يحتاج إلى سعة الصدر وحسن الحيلة، وطول البال، وإذا فقد الراعي شيئا من ذلك ضاق بغنمه فنقرها، أو ضاقت هي بها فنفرت منه، ويرجع آخر النهار وقد فقد الكثير من رعيته إن لم يكن فقدها كلها. ومن حسن سياستها أن يرتاد بها المراعي الخصبة، وألا يدع واحدة منها ترجع دون أن تأخذ كفايتها من الرعي، وألا يترك بعضها يعتدي على بعض، فتنطح القرناء منها الجماء، وتحول بينها وبين الأكل والشرب فتهزل، ثم تتعرض للهلاك.



      4. الأمانة




      ومن أعظم صفات الراعي الأمانة؛ لأنه مؤتمن على ما تحت يده، فإذا لم يكن أمينا عرض رعيته لكثير من المفاسد، وهذه الصفة هي جماع ما تقدم من الصفات، فهي التي تجعل الراعي يقظا حتى يؤدي الأمانة كما استلمها، وهي التي تجعله حريصا عليها؛ لأن فقد شيء منها تعمدا خيانة، وهي التي تدفعه لحسن سياستها؛ لأنه إذا لم يرعها الخصب من المراعي، ويحافظ على كيانها يكون قد خان الأمانة. زد على ذلك أنه يستطيع أن يبيع منها ويدعي أنها فقدت، ويحلب لبنها لنفسه ويحرم أولادها منه إلى غير ذلك مما يسد حياة الغنم، ويضيع الفائدة على صاحبها.

    • ونحن إذا نظرنا إلى هذه الصفات وجدناها ضرورية لكل من يقوم بهذا العمل، وإذا كانت تلك الصفات ضرورية فيمن يرعى الغنم، أفلا يكون من يرعى الناس ويقوم على أمورهم أشد حاجة إليها ممن يرعى الغنم؟؟.

      أعتقد أنه لا يختلف اثنان في ذلك، ولهذا أراد الله – عزوجل – لرسله أن يرعوا الغنم قبل البعثة لتتأصل فيهم هذه الصفات، وليتدربوا عمليا عليها، وليقودوا أممهم على أساسها قيادة رشيدة. ولقد رأينا هذه الصفات واضحة جلية في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فكان يقظا لما يفعله أصحابه لا يرى مخالفة ويسكت عنها، وكان يتفقد أصحابه إذا غابوا، ويطمئن عليهم إذا حضروا، ويعودهم إذا مرضوا. كذلك كان حريصا عليهم، وما أعظم وصف الله – سبحانه – له بقوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} سورة التوبة(128).

      وفي حديثه – صلى الله عليه وسلم – ما يصور لنا هذا الحرص أروع تصوير حيث يقول: (مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفراش، وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلك مثلي ومثلكم , أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني وتقحمون فيها)10.
      كما كان – صلى الله عليه وسلم – يسوس أمته سياسة حكيمة رشيدة، فكان يدلها على الخير، ويبعدها عن الشر، ويرتاد بهم مناهل البر، فيأخذ بأيديهم إلى المعالي، ويعينهم على طاعة الله، ولم يترك – صلى الله عليه وسلم – شيئا مما ينفعهم إلا دلهم عليه، ولم يترك شيئا مما يضر بهم إلا حذرهم منه فكان كما قال الله - تعالى - : {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} التوبة(128).
      وبهذا نعلم أن رعيه – صلى الله عليه وسلم – الغنم لم يكن فقط للتكسب ، وجلب الرزق، وإنما كان إلى جوار ذلك وسيلة للتربية والتدريب على رعاية أمة أراد لها الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس11.

    • ثانياً: عمله - صلى الله عليه وسلم- بالتجارة



      كانت خديجة - رضي الله عنها - سيدة تاجرة ذات شرف، ومال، وتجارة تبعث بها إلى الشام، وكانت تستأجر الرجال، وتدفع إليهم المال مضاربة12 ، وكان رجال قريش تُجاراً، ومن لم يكن تاجراً فليس عندهم بشيء. وكان النبيّ قد ناهز العشرين من عمره المبارك، وأصبح شاباً جلداً قوياً، أغر الطالع ، ميمون النقية، يزين شبابه الغض ما يتمتع به من حلو الشمائل، وكرم الأخلاق من أمانة، وصدق حديث، وعفة، وعزوف عما ينغمس فيه أمثاله من الشباب من لهو ومجون، فكان ذلك مما وجَّه نفس السيدة خديجة إلى أن يعمل لها في تجارتها،

      فأرسلت إليه، فلما جاء إليها قالت له: دعاني إلى طلبك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك، فذكر ذلك لعمه أبي طالب، فقال له: إن هذا لرزق ساقه الله إليك. وفي رواية أخرى : أن أبا طالب هو الذي عرض على النبيّ أن يعمل لها في تجارتها، وأنها – ولا شك - ستفضله على غيره، وأن أبا طالب هو الذي سعى إليها، وقال لها: هل لك يا خديجة أن تستأجري محمداً؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلاناً ببكرين، ولن نرضى لمحمد إلا بأربعة أبكار، فقالت: هذه الكلمة تنم عن تقدير صادق، وحس مرهف، وشعور يفيض بالحب والحنان. لو طلبت هذا لبغيض بعيد لأجبتك، فكيف، وقد طلبته لحبيب قريب!! فرجع الشيخ أبو طالب مغتبطاً، وحدّث ابن أخيه بما سمع، ولا تَسَلْ عما كان لهذه الكلمات الصادقة من أثر في نفس النبيّ الشاب13.

      ثم خرج النبيّ بتجارة خديجة إلى الشام وكانت سَّنه تخطو إلى الخامسة والعشرين، وكان خروجه لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة ومعه غلام خديجة (مَيْسَرة، حتى وصل سوق (بصرى) وفي رواية، سوق حباشة (سوق من أسواق العرب) وفي رواية أخرى بتهامة فنزل تحت ظل شجرة في سوق (بصرى) قريباً من صومعة راهب يسمى (نطورا) فقال: ما ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال: رجل من قريش أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة، وفي رواية بعد عيسى- إلا نبيّ!!.
      ولا تَسَل عما غمر نفس ميسرة من حب، وتقدير لسيده محمد لقد رأى تظليل الغمام له في مسيره هذا، ولمس عن كثب الكثير من أخلاقه، وبره، وعطفه، وحسن معاملته وأمانته، وسمع من(نطورا) ما سمع، فلا عجب إن كان حّدث سيدته بعد عودته بما رأى وما سمع، وما وجده منه من حسن خلق.
      وباع النبيّ التجارة وابتاع، وعاد بربح وفير، وعاد معه غلام خديجة، ووصل الركب في الظهيرة إلى مكة، وخديجة في عليّة لها، فرأت النبيّ تكسوه المهابة والجلال، فلما دخل عليها أخبرها بخبر التجارة وما ربحت، فسرت لذلك سروراً عظيماً،

      وخرج النبي، وترك ميسرة يقص على سيدته من شأن سيده محمد ما شاءت نفسه أن يقص(14)

    • [h=1]بداية نزول الوحي وشق صدر النبي صلى الله عليه وسلم
      [/h]

      [h=2]الرؤيا الصادقة
      [/h]

      تروي
      السيدة عائشة -رضي الله عنها- قصة نزول الوحي، ولكن قبل الوحي كانت هناك مقدمات لنزول الوحي، فكانت الرؤيا الصادقة من المقدمات التي سبقت الوحي بستة أشهر، فكان رسول الله لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وإن كان هذا الأمر غير مُصرِح بأمر الرسالة إلا أنه أمر لافت للنظر.

      [h=2]سلام الحجر عليه صلى الله عليه وسلم
      [/h]

      ولم يكن هذا هو التمهيد الأول، بل كانت هناك مقدمات عديدة عجيبة سبقت الوحي، وقد يرى ذلك وحده، وأحيانا يراها غيره معه، ومن ذلك سلام الحجر عليه، يقول النبي : "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ"

      [h=2]حادث شق صدر النبي
      [/h]
      وهناك حادث أعجب من ذلك، وهو حادث شق الصدر وهذا الحادث ثبت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان، وهذا أمر ثابت جدًّا وهو أن النبي قد شُق صدره وهو غلام وأخرج قلبه واستُخرجت علقة من قلب الرسول وقيل: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأم صدر النبي . وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره .

      وبعض من لا يؤمن بالغيبيات ومن لا يؤمن بقدرة الله ينكر هذه القصة أصلاً معتقدًا أن الله غير قادر على ذلك، ويدعي أنه كان بإمكان الله أن يستخرج من قلبه حظ الشيطان دون عملية جراحية.

      وكل ذلك نوع من الإعداد والتهيئة والتربية لرسول الله للاستعداد لنزول الوحي.

      وكان ذلك أيضًا إعداد وتهيئة لأهل مكة ولجزيرة العرب؛ ليستقبلوا هذا الرسول، فشاع في مكة وفي جزيرة العرب حادث شق صدره ؛ ليعلموا أن هذا الإنسان وضعه مختلف عمن سبقوه، وأن هذا الرجل له وضع خاص.


      [h=2]
      اختبار وإيمان[/h]
      ولكن الأهم من ذلك أن هذا الأمر هو في حد ذاته اختبار للمسلمين بعد ذلك بقدرة الله .


      فمن آمن بأن الملائكة تستطيع أن تنزل إلى الأرض وتعود في لمح البصر، ومن آمن بأن الملائكة تستطيع أن تحمل جبلاً أو تقلب قرية أو غير ذلك، فمن اليسير أن يؤمن بهذه العملية الجراحية الصغيرة التي حدثت في هذا العمق من التاريخ.

      والملائكة لا تقوم بهذه الأشياء لقدرة ذاتية فيها، لكن لأن الله يريد، والله قادر على ما يريد.

      فالمسألة مسألة إيمان واختبار، فمن كان في قلبه شك فمن الصعب أن يؤمن بهذه القصة وبغيرها كالإسراء والمعراج وشق القمر، أو غير ذلك من الأحداث التي وقعت في زمان النبي .



    • [h=2]قصة بدء الوحي
      [/h]

      يروي البخاري قصة بدء الوحي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ.

      أي أن الله I دفعه إلى ذلك، فكان يخرج فترة معينة من الزمان، قيل أنها شهر وتقريبًا أنه شهر رمضان، يختلي بنفسه يفكر في هذا الكون، وكيف نعبد هذا الإله، العرب بصفة عامة يعرفون أن الله I خالق هذا الكون وهو خالقهم، يقول سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان: 25]. ويقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزُّخرف: 87].

      ولكنهم يعبدون هذه الأصنام لتكون لهم شفعاء عند الله كما قال الحق تبارك وتعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} [يونس: 18].

      وليتقربوا بها إلى الله كما أخبر بذلك I عنهم بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى} [الزُّمر: 3].

      لكن الفطرة السليمة تأبى هذه العبادة، وكيف يمكن للإنسان أن يسجد لحجر؟! كيف يمكن أن يعتقد أن هذا الحجر يقدم نفعًا أو ضرًّا؟!

      وما سجد النبي لصنم في حياته قط، فكان يعلم أن لهذا الكون خالقًا ولكن لم يكن يعرف كيف يعبده..{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضُّحى: 7].

      ومعنى ذلك أنه لم يكن يعرف الطريق المناسبة التي يعبد بها خالق البشر وخالق الكون وخالق السموات والأرض، فهذا ما كان يفعله النبي في غار حراء، وهو أنه كان يتفكر في الكون.

      خلوة ولكن بغير اعتزال.

      [h=2]المؤمن بين العزلة والاختلاط[/h]

      كان رسول الله يخلو بربه شهرًا في كل عام، ويعتكف في رمضان، أما غير ذلك فكان يخالط الناس على ما بهم من شرور وآثام وإيذاء، يصلح ما بهم وينصح ويغيّر.

      والذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم، كما روى الترمذي وابن ماجه

      عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ".

      ولكن الحذر كل الحذر من الوقوع معهم في شرهم والاندماج في باطلهم، فالرسول لم يكن يجلس أبدًا في مجالس اللهو والسمر وأماكن عبادة الأصنام، ولم يكن يشاركهم إلا في فضائل الأعمال مثل بناء الكعبة وحلف الفضول وغيره.

      أما الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي من أن الرسول هَمّ أن يسمر مع الشباب لما سمع عزفًا، فضرب الله على أذنه فنام، فهو حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن كثير والشيخ الألباني.

      فالمسلمون وإن كانوا يخالطون الناس إلا أنهم معزولون عنهم عزلة شعورية كما يسميها سيد قطب في معالم الطريق، فهو وإن كان يعيش معهم بجسده إلا أنه يخالفهم ويفارقهم بعقله وقلبه ومنهجه، وما خالطهم إلا لإصلاحهم.

      ولو انعزل الصالحون فمن لتعليم الناس، ومن لسد ثغرات المسلمين، ومن لمساعدة الناس، ومن للجهاد ونشر الدعوة.


      [h=2]عبرة وتربية
      [/h]

      نلاحظ أن النبي مر بمراحل من التهيئة والإعداد قبل الرسالة من سلام الحجر عليه، مرورًا بشق صدره إلى غير ذلك من الإرهاصات التي حدثت معه قبل البعثة في طفولته وشبابه.
      لماذا كل هذه التهيئة وكل هذا الإعداد الذي استمر أربعين سنة، قد يقال إن الله يعده لحمل الأمانة الثقيلة، ولكن أليس من الممكن أن يعده الله لحمل الأمانة في لحظة واحدة يثبت قلبه فلا يخاف ولا يتردد، ما الحكمة من وراء هذا الإعداد الطويل جدًّا؟

      إن الله يعلمنا أمرًا مهمًّا وهو التأني في التربية، التدرج في حمل الناس على ما نريد، حتى ولو كان سيحمل الرسول رسالته، فيحملها له بالتدرج.

      التدرج سنة من سنن الله في التغيير والإصلاح.

      التربية تحتاج إلى تدرج، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى تدرج.

      حياة الرسول ثلاثة وستون عامًا، منها أربعون عامًا إعداد للرسول ليتلقى الرسالة، وثلاث وعشرون سنة ليبلغ الرسالة.

      وقد يتمنى البعض أن تكون فترة النبوة أكبر لتكون الاستفادة أكبر وأكبر، لكن كل ما أراده الله منا شرعه لنا، وكل المتغيرات التي قد تحدث في حياة الناس وكل الثوابت التي لا يمكن أن يفرطوا فيها حدثت في هذه الفترة الثلاث وعشرين سنة.

      لكن لا بد أن تعرف أنك تحتاج إلى وقت ومجهود وتربية وإعداد لتربي فردًا من الممكن أن يحمل همَّ هذه الأمة الإسلامية. ولقد تربى النبي أربعين سنة؛ ليحمل بعد ذلك هَمّ الدعوة، فإذا كان ذلك يحدث مع النبي فلا معنى للاستعجال في تربية الناس.

      فلا بد من فقه هذا الدرس جيدًا وهو التأني في التربية، فبعد أربعين سنة في مكة جاء اليوم الذي سيدخل عليه جبريل وهو في خلوته في غار حراء، جاء جبريل في هذه اللحظة الماجدة الخالدة في تاريخ الأرض، وهذا الموقف لم يحدث على وجه الأرض منذ ستمائة عام، فلقد بعث النبي على فترة من الرسل، وبعد وفاة النبي لن يتكرر هذا الموقف حتى يوم القيامة.


    • اللهم صل وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ،،،،،
      سيدناا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبين والمرسلين ،،،،
      رسولنا الامين الذي اتصف بصفات راقية الاخلاق كالصدق والامانه والتي يجب علينا أن نقتدي بهااا ،،،،حبيبنا المصطفى والذي امتهن في مهنة رعي الاغناام وهو نبي هذه الامة فهناا التواضع وقمته ،،،
      حبيبنا المصطفى والذي لا يخلو جانب من حيااته إلا وفيه من الصفاات ما تجعله خير نموذج وقدوة على البشرية إنتهااج والسير على خطااها ،،،،
      فخر السلطنة برنامج مع الانبياء برنامج زاااخر بكل صفحااته عن حياة المرسلين وزوجات النبي الامين وها أنت تواصل حديثك عن السيرة العطرة لسيدنا أجمعين محمدصلى الله عليه وسلم ،،،،
      سطور نستقي منهاا العلم والمفيد ونأخذ منهاا كل مفيد ،،،،
      جزاك المولى جناته ونعيمهاا وخيراتهاا،،،
      ‏​‏​الاستغفار قصہ طويلہ بدايتها الدنيا و نهايتها الجنہ استغفراللّه العظيم الذي لاإله إلا هو الحي القيوم واتوب اليہ ..
    • سيرة الحبيب الصطفى صلى الله عليه وسلم
      وآخر سرد للأنبياااء
      //
      \\
      أعرض وكلي فرح وفائدة من حياااته التي عاااشهااا من بداااية مولده الشريف
      مستمر بمرااحل حياااته ورعيااان شبابه وإلى بداااية النبوة
      وقصة جهاااده نحو رفع راااية الاسلام وكلمة لا اله الا الله محمد رسول الله
      وإلى نهاية الدعوة وقرب وفاااته ،،
      //
      \\
      مراااحل نعيشهااا خطوة بخطة
      والتوفيق من الله

      شكرا لج العبق
    • [h=1] نزول الوحي على رسول الله
      [/h]


      دخل جبريل على النبي في هيئة رجل. ودخول رجل على رجل ليس مفزعًا في حد ذاته رغم أن الرجل غريب ولا يعرفه النبي ، ولكن لماذا خاف النبي لما رأى جبريل ؟


      تعالَوْا نسمع القصة من رسول الله ، وسنعلم لِمَا خاف .


      [ATTACH=CONFIG]79174[/ATTACH]

      تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. هكذا بدون مقدمات، ولا سلام، ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه، ولم يسأل الرسول عن نفسه، يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له: اقرأ. والرسول لا يدري أي شيء يقرأ، فالرسول أمّيّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يقول له: اقرأ. فقال بأدبه الجم، قَالَ:
      "مَا أَنَا بِقَارِئٍ".


      لم يسأله الرسول من أنت؟ وماذا تريد؟ فهو بُهت بدخوله عليه فجأة، وقوله له: اقرأ. قال الرسول : ما أنا بقارئ. ففوجئ برد الفعل الذي أفزع الرسول ، هذا الرجل اقترب من الرسول، ثم احتضنه بشدة، يقول الرسول : قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي (يعني احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أي كان الأمر شاقًّا جدًّا عليه، والرسول لم يكن ضعيفًا، بل كان قوي البنية، فمعنى ذلك أن هذا الرجل قوته هائلة)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي (تركني).



      ثم َقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثانية). قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثالثة). فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ.



      فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي.

      ولكن، لماذا كل ذلك العنف في التبليغ، ذلك ليعلم أنه لا يحلم وأنه يعيش واقعًا حقيقيًّا، وأن الكلام الذي سيقوله الرجل الآن يحتاج إلى تركيز ووعي، لست تحلم يا محمد هذه حقيقة.


      فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5].


      من هذا الرجل؟ كيف ظهر؟ وكيف اختفى بعد ما قال هذه الكلمات؟ الرسول لا يعلم، والرسول هو أبلغ العرب وأفصحهم، وبالتأكيد أنه عرف منذ اللحظة الأولى أن هذا الكلام ليس من كلام البشر هذا كلام معجز.

      وثمة أمر آخر وهو أن هذا الرجل الذي جاءه، يتحدث عن الإله الذي يبحث عنه الرسول منذ زمن، فالرسول يعتكف ويتفكر؛ ليعرف من خالق هذا الكون، فهذا الرجل يتحدث عن الإله الذي خلق والذي يتكرم والذي يعلم.

      والرجل لم يخبره عن أي شيء يريده منه، لم يخبره أنه سيصبح رسولاً.

      قرأ هذه الكلمات التي لم تسمع من قبل على وجه الأرض، ثم اختفى، تركه وذهب، وكان في كل مرة يغطه حتى بلغ منه الجهد، وفي رواية أنه قال : "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".


      كل هذه الأمور أدت إلى أن الرسول يخاف جدًّا ويخشى على نفسه، فذهب يجري إلى بيته قاطعًا اعتكافه باحثًا عن الأمان.


      الصور
      • 11664_image002.jpg

        10.66 kB, 250×188, تمت مشاهدة الصورة 114 مرة
    • [h=2]هلع النبي وخوفه
      [/h]

      تقول السيدة عائشة في وصف ذلك الموقف: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. ولكن لماذا حدث هذا الهلع الشديد وهذا الخوف للنبي ؟

      أولاً: هو إثبات لبشرية الرسول ، فنفس ذلك الموقف تكرر مع سيدنا موسى ، فهو بشر وله كل أحاسيس البشر.


      ثانيًا: إثبات عدم انتظار النبي لأمر النبوة، فبمجرد ظهور الرجل واختفائه خاف وجرى.


      ثالثًا: هذا الأمر كان بمنزلة التشويق والتهيئة والإعداد لما سيأتي بعد ذلك.


      فبعد ذلك كان النبي يخرج مرارًا إلى الجبال، لعله يقابل ذلك الرجل الذي جاءه في الغار، فأصبح مشتاقًا إلى قدوم جبريل .



      [h=2]النبي يقص الأمر على السيدة خديجة
      [/h]


      وصل النبي إلى بيته، تقول السيدة عائشة: فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

      كانت السيدة خديجة تحب رسول الله حبًّا لا يوصف، ولم تذكر كتب السيرة مشاحنة واحدة حدثت بين النبي وبين السيدة خديجة رضي الله عنها.


      روى النبي هذا الموقف الغريب الذي حدث له للسيدة خديجة -رضي الله عنها- وما قيل له من كلمات، ثم قال لخديجة: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".


      كان موقف السيدة خديجة يدعو إلى العجب والاستغراب، فهي لم تخف كعادة النساء أو كطبيعة البشر، بل لم تتعجب أو تتساءل.

      وأخذت الأمر بكل بساطة، وكأن الرسول يقص عليها أمرًا عاديًّا، بل قالت له في يقين غريب: "كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".


      استنبطت السيدة خديجة أن هذا الرجل صاحب الأخلاق الحميدة لن يخزيه الله أبدًا.

      وما أشارت السيدة خديجة إلا إلى معاملاته للناس، وخدماته لهم، ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى تحنثه وتعبده واعتكافه.

      فالمعاملات مع الناس هي المحك الحقيقي لتقييم الإنسان.


      والسيدة خديجة تعي دور الزوجة تمامًا، فعملت على تهدئة النبي ، فهي مثال الزوجة المؤمنة، فهي سكن ومصدر طمأنينة لزوجها، كما أخبر الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم: 21].


      ولم تشأ هذه المرأة العاقلة الكاملة أن تترك النبي للأوهام والضلالات، وفضلت أن تذهب إلى أهل العلم والدراية فذهبوا إلى ورقة.

      وفي اختيارها ورقة بن نوفل يدل على حكمة ورجاحة عقل هذه المرأة، وعلى فطرتها السليمة النقية، فلم تذهب به إلى كاهن أو خادم للأصنام، ولكن ذهبت به إلى رجل على ديانة السابقين، فكان قد تنصَّر في الجاهلية.

      وفي ذلك رسالة إلى كل شباب الأمة، فإن في اختيار الزوجة الصالحة نقطة محورية في حياة الفرد المسلم، وهذه النقطة مهمة في بناء الأمة كلها.


    • [h=2]هذا هو الطريق
      [/h]

      تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ.


      وكان ورقة يعلم أن نبيًّا سيخرج في آخر الزمان، وكان ورقة ينتظره. وهذا الأمر يبصرنا بمدى جرم أهل الكتاب، فهم يعرفون أن الرسول حق وذلك من خلال كتبهم، ومع ذلك لم يؤمنوا، قال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].


      فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ (وكان يعرف أخلاق النبي وعرف صفاته): يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى.


      يصرح ورقة بن نوفل بأمر في غاية الأهمية، يصرح بأن هذا جبريل u، وجبريل لا ينزل إلا على الأنبياء، إذن محمد أصبح رسول الله.

      وتخيل كَمّ الأحاسيس والمشاعر التي جاشت في صدر النبي وهو يسمع هذا الكلام. أيكون الله قد اختاره من بين كل الخلق ليكون نبي آخر الزمان.

      النبوة ليست مقامًا يصل إليه أحد بالاجتهاد في العبادة، بل هي اختيار واصطفاء من الله كما يقول سبحانه: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75].


      الرجل الذي جاءه في الغار لم يخبره أنه رسول، وورقة يتكلم معه بثقة ويقين، حيرة وشك وقع فيهما النبي .

      ولم يتركه ورقة بل قال له خبرا آخر لم يكن أقل خطرًا من الخبر السابق، فقال: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (شابًّا)، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟".


      النبي لم يكن يعلم شيئًا عن الأمم السابقة، وهذا من الإعجاز الواضح؛ لأنه بعد ذلك سيخبر عن هذه الأمم بشيء من التفصيل لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، وفي ذلك يقول الله : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].



      لم يكن النبي يعرف معاناة الأنبياء، ولا تكذيب أقوامهم لهم، ولذا قال النبي : "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" فقَالَ له ورقة بيقين وثبات: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ.



      وهذه قاعدة من ورقة بن نوفل لكل داعية فما حمل داعية هذا الدين بصدق إلا عودي، فهذه سنة من سنن الله ، تدافع الحق والباطل، صراع بين الدين وأعداء الدين، وهذه السنة باقية إلى يوم القيامة، ثم يقول ورقة: وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وقد صدّق بالنبي حتى قبل التصريح بالرسالة، روى الحاكم عن عائشة بإسناد جيد أن رسول الله قال: "لاَ تَسُبُّوا وَرَقَةَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ".


      مات ورقة، لكنه سطر قاعدة أصيلة خلفته من بعده، ما دام الصراع بين الحق والباطل: ما جاء رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.


      فهذه رسالة إلى كل الدعاة أن هذا هو الطريق.


      [h=2]انقطاع مقلق
      [/h]




      وبعد كلام ورقة بن نوفل أراد رسول الله أن يتيقن من صحة ذلك الكلام، فهذه قضية ضخمة جدًّا وهائلة لا يصح للنبي أن يبني فيها قرارًا أو رأيًا دون تيقن كامل أنه نبي، ولو كان نبيًّا فما المطلوب منه؟ إن الرجل الذي جاءه لم يخبره بشيء.

      في تلك الأوقات تمنى النبي أن يقابل جبريل مرة ثانية، ليؤكد له أمر الرسالة، ويخبره بما يقوم به، لكن مع تعلق قلب الرسول واشتياقه لرؤية جبريل شاء الله أن يفتر الوحي.

      واختلف المؤرخون في مدة انقطاع الوحي، ولكن في أغلب الظن أنها كانت أيامًا من ثلاثة أيام إلى أربعين يومًا.

      كان انقطاع الوحي بمنزلة صدمة للنبي فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يتيقن والشك شعور قاتل، كان النبي متوقعًا أنه إذا ذهب إلى الغار سيجد هناك جبريل أو يلقاه في مكان آخر، وكان يخرج إلى الجبال، لعله يلتقي بجبريل، لكن جبريل لم ينزل.


      كان هذا التأخر ليزداد النبي اشتياقًا إلى الرسالة، فالرسالة مهمة ثقيلة جدًّا، يقول سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5].



      فإن لم يكن حامل هذه الرسالة متشوقًا إليها سيكون حملاً صعبًا جدًّا، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث الدعوة عن رجل ليحملها، أو يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها.




      [h=2]من هنا بدأت الرسالة
      [/h]

      ولما كان يبلغ الحزن بالنبي المبلغ، يأتيه جبريل، ويقول له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. فيسكن النبي ، لكن ليست هناك تبليغات بالرسالة، لا يزيد عن قوله: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا.

      ثم جاء اليوم الذي سيبدأ النبي فيه رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار هذه الرحلة الصعبة، فيقول وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إلى السماء، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوِيتُ عَلَى الأَرْضِ، فَرَجَعْتُ حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدَّثر: 1- 5].


      وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار، فتغيرت حالة النبي من حالة الشك والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوة إلى حالة من العزيمة والقوة والإصرار والنشاط، ولما كانت تطلب منه السيدة خديجة بعض الراحة كان يقول: مَضَى عَهْدُ النَّوْمُ يَا خَدِيجَةُ.



      وجد النبي تفسيرات لما كان يحدث له قبل النبوة، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، وعرف الرجل الذي جاءه في غار حراء.

      وبدأ النبي الرحلة الطويلة الشاقة رحلة الدعوة إلى الله التي بدأت بقول الله له: {قُمْ} وفي ذلك يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: قيل لرسول الله {قُمْ}. فقام، وظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا، لم يسترح، ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به؛ عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.


      قام النبي بعد هذه الكلمات ولم يقعد إلى أن مات، وما ترك فردًا ولا قبيلة ولا صغيرًا ولا كبيرًا ولا سيدًا ولا عبدًا إلا ودعاه إلى الله.


    • كل الشكر والامتنان على روعهـ جهودك
      فخر السلطنه
      دمت بحفظ الرحمن و رعايته








      يالله حقق لي نجاحاً يرضي طموحي... وأرح قلبي وفكري وأعني على بلوغ غايتي♥ ...
    • دمي ولا دمعه امي كتب:

      كل الشكر والامتنان على روعهـ جهودك
      فخر السلطنه
      دمت بحفظ الرحمن و رعايته









      هي رحلة بدأناااهااا ولن نتهاون في إكمااالهااااا
      بوركتي على الإطلالة الرااائعة
      ودمتي بود

    • خير البشر سيدنا وحبيبنا محمد عليه السلام ..
      سيرته مليئه بالصدق والاخلاق ... وحب الخير
      ونشر الدين الاسلامي
      متابعين لك اخي
      ☆☆☆الحمدلله ☆☆☆
    • the deamon كتب:

      موضوع رائع جدا . اخي فخر السلطنة مجهودك كبير ومواضيعك لها طابع خاص



      تسلم اخي العزيز بوركت
      وكلامك تشريف لي ،،، فبارك الله بك وسدد خطاك
      وسلامي لقلبك
    • بنت السيابي 1990 كتب:

      خير البشر سيدنا وحبيبنا محمد عليه السلام ..
      سيرته مليئه بالصدق والاخلاق ... وحب الخير
      ونشر الدين الاسلامي
      متابعين لك اخي


      بنت السيابي من الاعضااااء المستمرين في متابعة هذا الموضوع منذ بدااايته
      بوركتي أختي على هذا التواااصل الراااائع من قلمج الراااقي
      جزيتي خيرااا ان شاااء الله وربي لا هااانج

    • [h=2]كيف بدأ رسول الله الدعوة؟
      [/h]

      كيف بدأ رسول الله الدعوة؟ وبمن بدأ؟ ومن هم الذين اختارهم الرسول ليبدأ بهم؟

      لم يكن اختيار النبي عشوائيًّا في اختيار من يدعوه، بل كان هناك منهجٌ واضحٌ يسير عليه النبي ، وقبل أن نعرف منهج رسول الله لا بد من سؤال. هل يؤمن الإنسان بقلبه أولاً أم بعقله؟ هل يحبك أولاً ثم تقدم له الحجة بعد ذلك أم تقدم له الحجة أولاً؟

      الحب والحجة في غاية الأهمية لكن من الصعب جدًّا على الإنسان أن يقبل فكرة ما حتى ولو كانت هذه الفكرة صحيحة ومقنعة من إنسان يبغضه ولا يحبه، وقد يدخل في جدل عقيم وحوار طويل قد لا يأتي بخير، بينما على الجانب الآخر يتقبل كثيرًا من الأفكار ممن يحب وقد تكون هذه الأفكار غريبة.

      إن الفكرة التي جاء بها النبي فكرة صحيحة ومقنعة، وإذا فكر فيها عقل سليم لا بد أن يقبلها، ورغم ذلك فهذه الفكرة غريبة على أهل مكة، فقد مر من عُمْر الأرض أكثر من ستمائة عام، لم يخرج فيه نبي، جاء رسول الله على فترة من الرسل.


      وقد ملك الاستغراب عقول الناس من فكرة التوحيد على بساطتها ووضوحها، أو أن يكون هناك رسول من البشر، يقول : "بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ".


      كانت دعوة النبي لقريش وللناس كلهم وللعالم أجمع، ولكن في هذا الوقت بمن يبدأ ؟ لا بد أن يبدأ بمن يقبل الفكرة دون تردد؛ ليكوّن قاعدة عريضة يستطيع من خلالها نشر هذا الدين بين أوساط المجتمع كله، وكان أكثر الناس حبًّا له أكثرهم قبولاً للفكرة.


      وهذا منهج لأهل الأرض جميعًا، ودرسًا نتعلمه من النبي ونحن نسير في الدعوة إلى الله.


    • [h=2]دعوته للسيدة خديجة رضي الله عنها
      [/h]

      بحث النبي عن أكثر الناس حبًّا له وبدأ بدعوتهم، ذهب النبي أولاً إلى زوجته الصالحة السيدة خديجة فمن المؤكد أنها أول من آمن على ظهر الأرض، فهي التي كانت تتابع مع النبي أحداث الوحي، فهي التي ذهبت به إلى ورقة بن نوفل، وعرفت أن هذا جبريل u الناموس الذي ينزل على الأنبياء إلى أن نزل قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدَّثر: 2].


      فآمنت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ومن الممكن أن نقول إنها آمنت قبل التصريح بالرسالة حيث قالت: كَلاَّ وَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا. والسيدة خديجة أحبت النبي حبًّا لا يوصف، فكان هذا الحب هو طريق تصديق العقل والحب وحده لا يكفي، فقالت له: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَحْمِلُّ الْكَلَّ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.

      وهذه الصفات لا يمكن أن تجتمع في كذاب أو مُدَّعٍ لهذا الأمر، وهي التي ذهبت به إلى ورقة ويؤكد ورقة بعد ذلك على أنه نبي، وينزل الملك ويخبره أنه رسول، والرسول يخبرها بذلك، وهي تعلم صدقه وأنه لا يكذب، وهذا الكلام ليس من كلام البشر، فلا بد أن هناك قوة فوق قوة البشر، كل هذا الكلام دار بخلد السيدة خديجة رضي الله عنها، وما أعتقد أن هذا الكلام كان سيدور بهذه السلاسة وهذه البساطة لو كانت بينها والنبي مشاحنات ومخاصمات، فالحب والحجة في غاية الأهمية إلا أن الحب يأتي أولاً ثم تليه الحجة.


      [h=2]دعوته لسيدنا أبي بكر
      [/h]

      وبعد السيدة خديجة ذهب النبي إلى أحب الرجال إلى قلبه، فإذا كانت السيدة خديجة هي أحب النساء إلى قلبه، فسيدنا أبو بكر هو أحب الرجال إلى قلبه ، ولما سئل النبي عن أحب الرجال إلى قلبه قال: "أبو بكر". وما تردد أبو بكر في قبول هذا الدين لحظة واحدة، يقول : "مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الإِسْلاَمِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ، مَا عَتَّمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ ومَا تَرَدَّدَ فِيهِ". لم يفعل أحد من البشر مثل ما فعل هو والسيدة خديجة أجمعين.


      إن سرعة إيمان أبي بكر تحتاج إلى دراسة، فمما دفعه إلى ذلك أنه كان أقرب الناس لأخلاق النبي ، وكثيرًا ما كان يختار من الآراء ما يختاره الرسول حتى في غياب أحدهم عن الآخر.

      وكانت أخلاق سيدنا أبي بكر كأخلاق الأنبياء، ولم يمشِ على الأرض خير من أبي بكر إلا الأنبياء.

      وكان بين سيدنا أبي بكر والنبي توافق عجيب في أمور الأخلاق، أشهرها الصدق فالرسول هو الصادق الأمين، وأبو بكر هو الصديق ، التواضع والكرم والعفة والبعد عن أماكن الفساد والمروءة وخدمة الناس، كل هذه عوامل أدت إلى سرعة إيمان الصديق.

    • [h=2]دعوته لسيدنا زيد بن حارثة
      [/h]

      بعد إسلام السيدة خديجة وإسلام أبي بكر تحدث النبي إلى مولاه سيدنا زيد بن حارثة .


      لقد أحب سيدنا زيد بن حارثة النبي حبًّا كبيرًا، وكان بينه وبين النبي حبًّا كبيرًا لدرجة أنه عرف بين الصحابة بأنه زيد بن محمد.

      وقصة هذا الأمر هي أنه أصابه سباء في الجاهلية؛ لأن أمه خرجت به تزور قومها بني معن، فأغارت عليهم خيل بني القين بن جسر، فأخذوا زيدًا، فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه
      حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد. وقيل: اشتراه من سوق حباشة، فوهبته خديجة للنبي بمكة قبل النبوة وهو ابن ثماني سنين.


      وقيل: بل رآه رسول الله بالبطحاء بمكة ينادى عليه ليباع، فأتى خديجة فذكره لها، فاشتراه من مالها، فوهبته لرسول الله فأعتقه وتبناه.

      ثم إن ناسًا من كلب حجوا فرأوا زيدًا، فعرفهم وعرفوه، فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه ووصفوا له موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة وأخوه كعب ابنا شراحيل لفدائه، فقدما مكة، فدخلا على النبي : فقالا: يابن عبد المطلب، يابن هاشم، يابن سيد قومه، جئناك في ابننا عندك فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه. فقال: مَنْ هُوَ؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال رسول الله : "فَهَلاَّ غَيْرَ ذَلِكَ". قالوا: ما هو؟ قال: "ادْعُوهُ وَخَيِّرُوهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنِ اخْتَارَنِي فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنِ اخْتَارَنِي أَحَدًا".


      قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. فدعاه رسول الله فقال: "هَلْ تَعِرْفُ هَؤُلاَءِ؟" قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي. قال: "أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ، وَرَأَيْتَ صُحْبَتِي لَكَ، فَاخْتَرْنِي أَوِ اخْتَرْهُمَا". قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا. فلما رأى رسول الله ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: "يَا مَنْ حَضَرَ، اشْهَدُوا أَنَّ زَيْدًا ابْنِي، يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ". فلما رأى ذلك أبوه وعمه، طابت نفوسهما وانصرفا.


      ولما نزل الوحي كان سيدنا زيد بن حارثة يبلغ من العمر ثلاثين عامًا، وحدثه النبي عن الإسلام، وكيف سيكون رد فعل من أحب النبي كل هذا الحب.

      وما كان إيمان سيدنا زيد بن حارثة عن حب فقط فمن المؤكد أنه أعمل عقله، فترك الدين إلى دين آخر ليس أمرًا سهلاً.

      ولو فكرنا مع سيدنا زيد بن حارثة لوجدنا أنه من خلال معاشرة سيدنا زيد للرسول ما جرب عليه كذبًا، أيعقل أن يترك الكذب على الناس ليكذب على الله.

      هو يرى محمدًا في عون الناس جميعًا، وبدون مقابل، هل سيطلب لنفسه مصلحة ذاتية وبعد أربعين سنة مضت من عمره.

      لقد رأيت هذا الرجل العظيم العفيف كان بعيدًا عن كل الموبقات والفواحش والمعاصي في فترة شبابه كلها، فهل هذا الرجل يلعب بدين الناس وبعقيدتهم؟

      ولو كان هذا الرجل يريد السيادة والملك في مكة أكان يأتي بدين جديد أم يسلك أقرب الطرق وصولاً إلى ذلك، والمحببة إلى نفوس القوم وهو طريق اللات والعزى.

      من المؤكد أن كل هذه الأفكار وغير هذه الأفكار جالت بذهن سيدنا زيد بن حارثة. ولا بد أن كل الإجابات كانت تفضي إلى نتيجة واحدة هي أن هذا الرجل صادق فيما يقول.

      آمن سيدنا زيد بن حارثة وإن كان قد آمن بقلبه أولاً لكنه آمن بعقله أيضًا.




      [h=2]إسلام علي بن أبي طالب
      [/h]

      إن كنا قد وقفنا مع إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها، وإسلام سيدنا أبي بكر ، وإسلام سيدنا زيد بن حارثة . فلا بد من وقفات مع إسلام سيدنا علي بن أبي طالب ، هذا الطفل الذي آمن، وما تجاوز العشر سنوات، إن إسلام سيدنا عليّ في هذا السن هو شيء في منتهى الغرابة.

      ويكمن وجه العجب والغرابة في عمره الذي ما تجاوز العشر سنوات، يستأمنه النبي ويسر إليه بهذا الدين الجديد في مثل هذه المرحلة السرية من الدعوة، وغريب أيضًا أن يفهم طفل في مثل هذا السن هذه القضية الكبيرة التي خفيت على كثير ممن يسمونهم حكماء في مكة.

      [h=2]وقفات مع إسلام علي بن أبي طالب[/h]

      وهذا الأمر يحتاج منا إلى وقفة:

      أولاً: كان سيدنا علي بن أبي طالب بمنزلة ابن النبي كزيد بن حارثة، فكان يعيش مع النبي في بيته، والسبب في ذلك هو أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال يومًا رسول الله لعمه العباس: يا عم، إن أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا نخفف عن عيال أبي طالب. فانطلقا إليه وأعلماه ما أرادا، فقال أبو طالب: اتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله عليًّا، وأخذ العباس جعفرًا، فلم يزل عليّ عند النبي حتى أرسله الله، فاتبعه.


      وقال ابن إسحاق: وكان من نعمة الله عليه.


      كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون النبي ، كما يعتقد كل طفل الصواب في كلام أبيه.

      ولقد ترسخ في نفس علي بن أبي طالب حب كبير للنبي منذ نعومة أظفاره، فكما قلنا: إن منهج النبي في الدعوة يقوم على الحب أولاً ثم الحجة.

      ثانيًا: أن النبي لاحظ نبوغًا مبكرًا، وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب، فاطمأَنَّ النبي إلى أن يخبره بأمر الرسالة مع أن هذا الأمر خطير، ولا يزال سرًّا، ولا يعلم إلى متى سيظل هذا الأمر سرًّا.


      وقد يظن البعض أن النبي يخاف أن يخبره بهذا الأمر للظروف التي تحيط بالدعوة، لكن الواقع أن سيدنا عليًّا كان عبقريًّا فذًّا، وبمرور الأيام صدقت فراسة النبي ، وكان سيدنا علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام والقضاء في الأمور، بجانب فراسته وعلمه وفقهه .


      ثالثًا: في الحقيقة هذه وقفة مع النبي في اختياره لمن يدعوهم، فبدعوة النبي لسيدنا علي، وبإسلامه كان هناك تنوع عجيب لمن دعاهم النبي واختارهم في بادئ الأمر، وكان يوضح لنا أمرًا في غاية الأهمية، وهو أن مجال الدعوة أوسع مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل: فيهم الرجال، وفيهم النساء، فيهم السادة، وفيهم العبيد، فيهم الكبار، وفيهم الصغار، وأن هذه الدعوة لا حدود لها.


      أصبح علي بن أبي طالب أول الصبيان إسلامًا، كما أصبح أبو بكر أول الرجال، وزيد أول الموالي، والسيدة خديجة كانت أول النساء، وكان ذلك في أول يوم في الإسلام.

      [h=2]دعوة النبي آل بيته للإسلام
      [/h]

      ثم دعا النبي بناته للإسلام فدعا السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها، والسيدة رقية وكانت في السابعة من عمرها، والسيدة أم كلثوم وكانت في السادسة أو الخامسة من عمرها، وكلهم اعتنقوا الإسلام في هذا السن المبكر، أما السيدة فاطمة فكان عمرها سنة على أرجح الأقوال.


      كان هذا هو الوضع في بيت الرسول .


    • [h=1]سرية الدعوة بين التاريخ والواقع
      [/h]


      لا ريب أن رسول الله يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان بادئًا بمكة بلده، ولم يكن من السهل أن يقف النبي مجاهرًا بدعوته وسط الكعبة، فقد كان اختياره لأتباعه محاطًا بكل وسائل الحيطة والحذر، ولم يعلن لعموم الناس أمره، فلماذا لم يعلن الرسول أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟ لم يفعل ذلك النبي ؛ لعلمه أن دعوة الإسلام -وإن كانت مقنعة للناس- ستلقى حربًا ليس من قريش فقط، بل من العالم أجمع.

      [h=2]قواعد اختيار المدعوِّين[/h]

      كيف كان يتم هذا الاختيار؟ ما القواعد التي كان المسلمون يختارون على أساسها رجلاً دون الآخر؟ ولماذا يذهب المسلمون مثلاً لدعوة عثمان بن عفان، ولا يذهبون بالدعوة إلى الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو أمية بن خلف؟


      بالنظر في حال السابقين الذين تم اختيارهم نجد قاعدتين مهمتين للاختيار كان يعتمد عليهما رسول الله ومن معه، والمخالفة لهاتين القاعدتين كانت قليلة جدًّا.

      [h=3]القاعدة الأولى: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا [/h]


      كان الاختيار يقع على أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة، الذين يعظمون الصدق والكرم، والشجاعة والعدل، ومكارم الأخلاق بصفة عامة، بهؤلاء بدأ رسول الله ، وهناك قطاع عريض من الناس غير ملتزمين بالإسلام، لكن أخلاقهم طيبة، ولو التزموا لكانوا سندًا قويًّا للدعوة، فبهؤلاء بدأ النبي .

      [h=3]القاعدة الثانية: الاهتمام بالشباب [/h]



      الدعوة موجهة لكل الأعمار، ولكن الاهتمام بالشباب في الفترة الأولى كان واضحًا، ولماذا الشباب بالذات؟


      أولاً: هم لم يطل عليهم الأمد في تقاليد معينة، لم يألفوا عبادة الأصنام في سنوات طويلة، لم يقتنعوا بها، ولم يتمسكوا بالدفاع عنها، تخيل نفسك تدعو إنسانًا ظل أربعين أو خمسين سنة يدافع عن قضية باطلة ويجاهد من أجلها، ثم تأتي وتقول إن دفاعك وجهادك السنوات الطوال كان كله في باطل، هذا ولا شك صعب، بينما دعوة الشباب أيسر بكثير، فهم لم تتلوث عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثَمَّ يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية بسهولة.


      ثانيًا: الشباب بصفة عامة مولعون بالجديد، أي جديد، لذلك تجد أحيانًا أن الشباب يقلدون التقاليد الجديدة وإن كانت سيئة أو مضرة أو لا توافق هواهم، ولكن فقط لأنها شيء جديد، فإذا وجد الشباب شيئًا صالحًا جديدًا، فهم يكونون أقرب إليه من الشيوخ.


      ثالثًا: عند الشباب حماسة وحمية عالية جدًّا، فورة ونشاط، لا يعترفون بالصعب، بل لا يعترفون بالمستحيل، وحمل الإسلام أمر صعب وشاق، ويحتاج إلى عزيمة الشباب ومن لا تعوقه الصعاب.


      وليس معنى ذلك إبعاد الشيوخ عن الإسلام، ولكن فرصة إيمان الشباب، وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد الإيمان، وفرصة ثبات الشباب على الحق، وتحديه للصعاب، والمشاكل أكبر من فرصة الشيوخ.

      لكن من المؤكد أن الدعوة تحتاج إلى حكمة الشيوخ بجانب حماسة الشباب؛ لذلك كان التركيز في الدعوة على الشباب حسن السيرة، على الشباب طيب الخلق، أولئك هم عماد الدعوة فعلاً، سواء في زمن رسول الله أو في الأزمان اللاحقة وإلى يوم القيامة، هذه سنة من سنن الله في التغيير.


      وفي اليوم الثاني من الدعوة بدأ رسول الله والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة، لم تكن الدعوة عند أبي بكر الصّدّيق مجرد تكاليف من الرسول ، ولكنه الحب للإسلام الذي ملأ قلبه، وهو ما كان سببًا في استجلاب أكبر عدد من الصحابة الذين أذعنوا للدعوة، ولبّوا نداءها، وكانوا عاملاً مهمًّا في نجاحها وخروجها للعالم. ولا شك أن أبا بكر الصديق كان من الرجال الحقيقيين في هذه الدعوة المباركة، وكان عاملاً من عوامل جذب كثير من الصحابة لهذه الدعوة؛ فقد كان سهلاً لينًا محببًا مُوَطَّأ الأكناف، وسيرته تجعلنا نفكر أكثر من مرة في كيفية الاقتداء به، والسير على نهجه في استجلاب الجنود لدين الله، وفي البذل بالمال والنفس.


    • جزاك الله خيرا أخـــــــــــــــي وجعل الموضوع في ميزان حسناتك .

      اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .~
      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • لكن الدعوة السرية الفردية اللتي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وإن كانت مهمة لمرحلة الابتداء أو شرطا في النجاح والاستمرار لكنها لا تصلح أن تكون منهجا عاما إلى آخر المدى؛ إذ لا يمكن لدعوة عالمية يرجى لها الذيوع والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها أن تعتمد هذا الأسلوب فقط إلى النهاية فإن في هذا إضعاف شديد للدعوة بل وأد لها، لذلك فما أن استجاب لهذه الدعوة نفر من الصحابة الأجلاء وخرجت الدعوة عن حيز الانحصار في شخص واحد بحيث يؤمن من وأدها والقضاء عليها، وما أن وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أعوانا على الدعوة حتى بادر إلى الأسلوب الآخر أسلوب الإعلان والبوح وإظهار الدعوة والجهر بها بين الناس ؛ إذ هذا الأسلوب هو الكفيل بنشر الدعوة وبلوغها للناس على نطاق واسع في زمن قليل جدا إذا قورن بزمن الأسلوب الأول، لكن ما أن جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة حتى عاداه المشركون وصدوا الناس عن دعوته ولم يكن هذا في الحقيقة نتيجة لأمر عارض كطريقة عرض الدعوة مثلا ولكن كانت هذا المعارضة نتيجة تناقض حقيقي بين دعوة الإسلام ودعوة الشرك...|~


      وسياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله كــآنت بالفعل سياسةةةةة نــآجحةةة رغم صعابهــآ ..~

      رــآئع آخــــــــــــــــــي .. آحيك ... بــلآ مجــآملةةةةةة .. آحسنت صنعـــــــــآ .. وفقك الله .. وسدد خطاااااااااااااااااااااك ..~


      . . . لاشيء يتغير, الأحداث باردة وغرف القلب باردة و العالم كومة صقيع...,, . . .
    • [h=2]الفقه في سرية الدعوة
      [/h]

      إن من فقه المرحلة السرية للدعوة أن النبي اتخذ منهج الحيطة والحذر؛ لأن الدعوة في بدايتها تحتاج للرجال وهم قليلون؛ فإن فُقِد الرجالُ ضاعت الدعوة، وهذا ما يوضحه موقف النبي مع عمرو بن عَبَسَة الأسلمي رغم إسلامه. وكذا من دواعي الحيطة التي مر بها النبي وأصحابه أن اجتماعاتهم السرية كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذلك الغلام صاحب الست عشرة سنة، البعيد عن قريش والعدو لبني هاشم؛ لأنه من قبيلة مخزوم المتنازعة دائمًا مع بني هاشم.

      وقد اتخذت تربية النبي لأصحابه في هذه الدار الجانبين النظري والعملي، من تثبيت العقيدة والأخلاق والتربية بالتاريخ، والاهتمام بالصلاة وقيام الليل والصوم؛ مما كان دافعًا قويًّا في السير قُدُمًا في مجال الدعوة إلى الله، وتربية رجال صدقوا عهدهم.

      ما لا شك فيه أن الرسول يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان في مكة، بل لكل إنسان على ظهر الأرض، ويتخيل البعض أنه كان من السهل على الرسول أن يقف وسط الكعبة من أول يوم أُمِر فيه بالإبلاغ ويعلن للناس جميعًا أمر الإسلام، لكنه لم يفعل، بل كان يختار من يدعوهم آخذًا بكل أسباب الحيطة والحذر، فيذهب إلى الرجل فيسر له في أذنه بأمر الإسلام، ويدعوه سرًّا، ولم يعلن لعموم الناس أمره.

      والدعوة السريّة لم تستمر يومًا أو اثنين، بل استمرت فترة طويلة بالنسبة لعمر الدعوة الإسلامية فكانت حوالي ثلاث سنوات.

      وبعض الناس يعتقدون أن الرسول عندما وقف على الصفا وقال للناس: "أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟".

      يعتقدون أن هذه المقولة كانت في بدء الدعوة وبعد نزول أمر الرسالة مباشرة، والواقع غير ذلك، لقد كانت هذه الكلمة بعد ثلاث سنوات كاملة من نزول الوحي.


      [h=2]سرية الدعوة بين التاريخ والواقع
      [/h]


      لقد ظلت الدعوة سرية تمامًا ثلاث سنوات كاملة، ظلت الدعوة تقوم على أمر الاصطفاء والانتقاء ثلاث سنوات كاملة. لماذا؟

      لماذا لم يعلن الرسول أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟

      لم يفعل ذلك النبي ؛ لأنه يعلم أن دعوة الإسلام وإن كانت مقنعة للناس إلا أنها ستلقى حربًا ليس من قريش فقط بل من كل العالم.

      أكان رسول الله يخشى على نفسه من قريش؟

      هذا مستحيل، فهو لا شك يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بل كانت هذه هي الحكمة في الدعوة.

      ومن الممكن أن تقول: إن السرية في الدعوة في هذه المرحلة لم تكن اختيارًا نبويًّا، بل كانت أمرًا إلهيًّا، فالله ُيعلِّم نبيه ويعلم أمته منهج التغيير في مثل هذه الظروف، وكيف تغير الأجيال القادمة من حالها في غياب رسول، وكيف التغيير إذا توافقت الظروف مع ظروف النبي في مثل هذه المرحلة.

      إن الله قادر على حماية رسوله، فلا يصل إليه أذًى من أحد من قريش، ومع ذلك فهو يريد منه أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين مهما اختلفت الظروف ومهما كثرت المعوقات.

      ولذلك تجد أن الله قد وضع رسوله في كل الظروف التي من الممكن أن تمر بأمته بعد ذلك، وعلم رسوله كيف يتعامل مع كل ظرف، وكيف يصل بدعوته إلى الناس في وجود المعوقات المختلفة.

      وبذلك حُدِّد للمسلمين منهجٌ واضح لا غموض فيه.

      [h=2]الإسلام والاتحاد السوفيتي
      [/h]

      قد تكون سرية الدعوة تمامًا كما في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام. قد يحتاج المسلمون إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت ظروفهم مع ظروف الرسول في هذه المرحلة.

      على سبيل المثال المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه كان يعيشون فترة مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، حمل المصحف أو الاحتفاظ بالمصحف في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكْتُشف أنه يصلي أو يصوم يعاقب ويعذب وقد يقتل، فكان لا بد من السرية التامة في الإسلام، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، ولكنهم كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم t، وكانوا يحفظون القرآن في سراديب وفي خنادق وفي كهوف بالجبال، والحمد لله بقي الدين، وبقي المسلمون، ورفعت الغمة، والذي حفظهم هو فقه المرحلة.

      إن الله هو الحافظ وهو المعين، لكن هناك أخذ بالأسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها النبي في نفس المرحلة التي عاشها المسلمون.

      لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي، وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى ذكر الإسلام من بقاع كثيرة، ولكن فقه المرحلة كان مهمًّا جدًّا، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء إسلامه في أول أمر الرسالة كان معلمًا لهم ومؤيدًا لمنهجهم.

      [h=2]اختلاف المنهج باختلاف الظروف
      [/h]

      وستختلف الظروف بعد ذلك في حياة الرسول ، وبالتبعية سيختلف منهجه في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين.

      سيأتي زمان يعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، كما سيحدث بعد الثلاث سنوات الأولى من الدعوة.

      وسيأتي زمان يعلن فيه المعظم ويكتم البعض، وإن كانت التربية ستكون سرًّا، كما سيحدث بعد إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما.

      وسيأتي زمان يعلن فيه الجميع وتكون التربية علنًا بعد الهجرة إلى المدينة.

      وسيأتي زمان سيدعو فيه الرسول زعماء العالم جميعًا إلى الإسلام وذلك بعد صلح الحديبية.

      هذا الكلام في غاية الأهمية فلا يستشهد بفعل من أفعال الرسول والظروف مختلفة، وإلاَّ فلماذا كان هذا التنوع في سيرة النبي ، هذا التنوع ما هو إلا ليتعلم المسلمون الحكمة.


      وأعني بالحكمة القدرة على تقليد النبي في أقواله وأفعاله عند تشابه الظروف.

      الرسول هو الرسول لم يتغير، الإسلام هو الإسلام لم يتغير أيضًا، ولكن اختلاف الظروف يستلزم تغييرًا في طريقة إيصال الدعوة للناس، يستلزم فقهًا للمرحلة.