الدردشة من الأشياء التي نسمع عنها ونلاحظها بين شبابنا الذين يقضون
الساعات من خلالها أمام شاشات الحاسوب والتي تأخذ من وقتهم الكثير بغية
التعارف أو مداولات الحديث بشخصيات مختلفة وغالبا بانتحال أكاذيب مفتعلة في
كثير من الأحيان من أجل التوصل إلى هدف معين ومع تداول الحديث بين المستقبل
والمتلقي تحدث زلات اللسان بل الخداع .
في إحدى حلقات برنامج سؤال أهل الذكر تم التطرق حول موضوع الدردشة عن
طريق الإنترنت وما يجول فيها ونظرة الشرع حولها فكان جواب الشيخ أحمد بن
حمد الخليلي مفتي عام السلطنة بالآتي:
الدردشة عن طريق الأنترنت
قبل كل شيء ينبغي أن نحدد معنى الدردشة ، لأن الحكم على الشيء فرع تصوره ، وما الذي يترتب عليها من منافع أو مضار ، ومن أمور سلبية أو إيجابية .حقيقة الأمر الإنسان مسئول عما يقول وعما يقدم وما يؤخر (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36} أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37} ) ( القيامة 36-37) نعم إن الإنسان مرده إلى الله تعالى ، والله سائله عما قدم وما أخروقد قال سبحانه (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق:18) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايحسب أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايحسب أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه .
فالإنسان مسئول عن فلتات لسانه، ولذلك عندما كان يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه أشار إلى فيه – إلى لسانه – وقال له: ألا أدلك على ملاك ذلك كله حفظ هذا . مشيراً إلى اللسان . فقال له : أإنا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنهم .
فحصائد الألسنة هي التي تسوق الناس والعياذ بالله إلى النار سوقا .
وكذلك عندما تكون حصائد الألسنة حصائد إيجابية خيرة بحيث يتحرى الإنسان في كلامه مرضاة الله تبارك وتعالى تسوقه إلى الجنة سوقا .
فلئن كانت هذه الدردشة فيها كذب وافتراء فذلك ليس من شأن المؤمن ، إذ أن الله تبارك وتعالى يقول (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) وهو دليل قاطع على أنه لايمكن أن يصدر الكذب من المؤمن .
وكذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : يطبع على المؤمن على الخلال كلها ليس الخيانة والكذب .
وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صفات المؤمن فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال :لا .
أي ليس من شأن المؤمن أن يكذب ، ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى عندما توعد المنافقين قال فيما توعدهم عليهم (وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون ) ( البقرة: من الآية 10) ، وهذه على قراءة من قرأ ( يكذبون) وهي قراءتنا المعتمدة في المشرق .
والدخول في مثل هذه الأمور يجب أن يضبط بضوابط ، أولا قبل كل شيء يجب أن يكون حقا لا باطل فيه ، أي أن يكون كل ما يقوله الإنسان وما ينشره إنما هو حق ليس باطل ، ومعنى ذلك أن يكون صدقا غير ممزوج بكذب هذا من ناحية ، من ناحية ثانية ألا يكون ذلك يؤدي إلى الإفساد ، فقد تكون في حق ولكن يراد بها باطل ، يراد بها إفساد ، يراد بها جرف الناس إلى الشر ، يراد بها خداع المؤمنين والمؤمنات ، فقد تغرر المرأة بالكثيرمن الأحابيل التي يصنعها أولئك الماكرون الذين لا يريدون بها إلا السوء ولا يريدون بها إلا الكيد ، فلذلك كان من اللازم أن يتفطن الإنسان في ذلك إلى أي غاية تؤدي هذه الدردشة فإن كانت تؤدي إلى باطل فلا ريب أنها محرمة ويجب اجتنابها ولو لم تخرج عن حدود الصدق وحدود الحق ، لكن إذا كانت عاقبتها أن تؤدي إلى باطل فإن ذلك مما يجب اجتنابه .
ولذلك يقول بعض المتفطنين من الحكماء والعلماء يقول : ما علمت أن كلمة { سبحان الله} تكون معصية إلا اليوم . فسئل عن ذلك فقال : حضرت مجلساً كان فيه أحد الظلمة ينزل على أحد من الناس لأنه يتهمه بباطل ، وكان أحد الحاضرين يريد أن يغري ذلك الظالم بذلك المظلوم فكان يقول { سبحان الله } كأنه يفخم هذا الأمر ويعجب مما جاء به ذلك الرجل حتى يوقع به ذلك الظالم . فكانت كلمة سبحان الله التي هي تنزيه لله سبحانه عز وجل مستخدمة من أجل باطل، فهي كلمة حق ولكن استخدمت من أجل باطل ، لذلك كان يجب اتقاء مثل هذه الأمور إن كانت تؤدي إلى باطل ولو كانت في الحقيقتها حقا ... والله تعالى المستعان .
منقول من جريدة فتون
العدد التاسع والسبعون
الأثنين 15/1-21/1/2007