"كتبت هذا في ليلة عيد ميلادي العشرون"
11-12-2002 م
ليلتي
الليلة .. أحتفل وحدي بيوم ميلادي .. سكون حالك السواد يلفني .. لست فرح .. ولا حزين .. أتأرجح بين الحيرة والخيبة .. أحس بأنني فقدت أجزاء مني .. ضاعت إلى الأبد .. أعي هذا الأمر ولا أستطيع أن أتجاوب سلبا ولا إيجابا معه .. تلبدت مشاعري وتجمدت .. كأن آخر مكاني يتفرج على حياتي بضجر .. الأمر لا يطاق !
أحاول أن أوقظ عواطفي النائمة .. أركز ذهني .. أفكر .. تتزاحم الأفكار .. أسئلة لا تنتهي تمر كالبرق في خاطري .. لا أكاد أعي مضمونها حتى تذوي وتختفي كفقاعات صابون متطايرة .. أتساءل .. ماذا أنجزت في العمر الذي مضى ؟ لا شيء .. فشلت في كل شيء ..! لكن .. لماذا ؟
لم أرض يوما عن نفسي .. ولا عن حياتي .. والليلة أكثر من أي وقت آخر .. لست راضيا .. أرغب في الصراخ .. قد يحرك ذلك شيئا في .. قد يكسر الجليد الذي جمد أحاسيسي ولبدها ..
أعاود التفكير في نفسي .. عيوبي كثيرة لا مجال لعدها .. أنا خجول .. كسول .. متردد .. جبان .. إرادتي ضعيفة جدا .. وثقتي في نفسي صفر .. ينقصني الكثير لأبلغ المكانة التي أحلم بها .. وأحقق الأهداف التي أسعى إليها .. هذا إن كانت لدي أهداف أصلا !
أنا حساس أيضا وحساسيتي مرضية .. تعذبني وتغيظني .. وتدفعني إلى الهروب من المواجهة .. ألوذ كثيرا ببرجي العاجي .. أتصنع الفظاظة والكبرياء وأنظر للآخرين من أعلى .. وأتجاهل .. دائما أتجاهل ضعفي وخجلي ورغبتي الدفينة في لقاء الآخرين ..
أصبحت وحيدا .. قد تكون مأساة حياتي إنني لم أرض يوما عن نفسي .. ولا عن المحيطين بي .. أطمع دائما في شي آخر .. ولا أحاول أن أبرر هذا الطمع ..
الآن .. وقد وصلت إلى مفترق طرق جديد في حياتي .. أجد نفسي أتعس من أي وقت مضى .. أتساءل : ماذا أفعل الآن ؟ هل بإمكاني إصلاح ما أفسدت ؟ هل فات الأوان ؟ لا أستطيع أن أواصل التفرج على حياتي وهي تتسرب شيئا فشيئا من بين أصابعي كحبات الرمل !
الزمن حقا كينونة غريبة ! أتذكر الأمس .. الأمس القريب والبعيد .. المغرق في البعد .. وأنظر لنفسي في المرآة وأردد بذعر وحيرة .. أين ذهب الطفل الذي كنت ؟ والمراهق الذي أصبحت ؟ ومن هذا الشاب الذي يرمقني بعلياء وسخرية ؟ لماذا تغيرت بهذا الشكل ؟ وكيف حدث ذلك دون أن أحس به ؟
لا .. لست صريحا مع نفسي .. أحسست دائما بمرور السنوات .. انتبهت إلى أنني – داخليا – أنضج .. وأن نظرتي لكثير من الأمور تتغير .. لاحظت أن شكلي أيضا تغير .. لكنني تجاهلت ذلك .. لم أستطع أن أواجه هذه الحقيقة .. حقيقة مرور الزمن وتراكم السنوات .. أخاف من التغيير .. بالنسبة لي هو إعادة تكوين قد تنجح وقد تفشل ..
أعترف بأنني أميل دائما لتوقع الأسوأ في أمور كثيرة .. لن أسمي هذا "تشاؤما" .. انه حذر وتسليم بواقع .. كلمة "تشاؤم" هذه استهلكت كثيرا .. وألصق بها تهم وعيوب جعلها تتحول إلى فزاعة تخيف الناس .. وتدفعهم إلى النظر إلى الأشخاص الذين يوسمون بها .. وكأنهم هبطوا للتو من كوكب آخر أو قطعوا تذكرة الذهاب إليه ..
تأخر الوقت .. وما زلت أناجي الورق وأتلذذ بسكون الليل الساحر .. وأتساءل .. ما الذي تغير في ؟ هناك أشياء كثيرة أستطيع أن أذكرها .. ولكني متردد .. إلى أي مدى ستكون ملاحظاتي دقيقة وموضوعية ؟ هل يمكن أن أكون في نفس الوقت الباحث وموضوع البحث ؟ القاضي والمتهم ؟ هل يمكن ؟ لست متأكدا !
رغم ذلك سأخوض التجربة .. سأرمي على الورق الكلمات التي تثقل صدري .. أنا لا أثق في ذاكرتي .. ولا أضمنها ..
ومن يضمن ذاكرته ...؟
أول تغير أزعم أنني أحسست به .. هو أنني أصبحت أنظر للوراء أكثر مما أتطلع للأمام .. أتحسر كثيرا .. أكثر مما يجب .. على العمر الذي مضى .. وأفقد بهذه الحسرة المتواصلة حلاوة العمر الحاضر .. وحتى جزءا .. بل أجزاء من المستقبل !
لم أعد أنفعل بعصبية كما كنت أفعل سابقا .. أصبحت أكثر هدوءا ورزانة .. لن أصف نفسي هكذا .. لم أبلغ بعد من الحكمة والتعقل قدرا يؤهلني لشرف هذا الوصف .. أعتقد أنني خمدت كبركان ثار فترة ثم هدأ .. أعماقي تغلي من الداخل وتتقد نيرانا وشرارات لا تبلغ السطح أبدا .. يمكن أن أفقد أعصابي في أية لحظة وأدمر نفسي وكل من يقف في طريقي .. أنا لا أبالغ .. أكره أن أحاور بوصفي القوالب الميلودرامية المستهلكة .. لكنها الحقيقة التي أشعر بها ولا أعرف كيف أعبر بصدق عنها ..
أصبحت حذرا .. كثير الحذر في كل ما يتعلق بنفسي .. بعالمي .. بمحيطي .. وبعض تصرفاتي السابقة تبدو لي الآن طفولية وساذجة إلى حد الغباء .. أحكم عليها وعلى نفسي بقسوة .. أصبحت كل هذا .. وها هي النتيجة .. أحتفل بصمت بذكري مولدي الذي لم يتذكره أحد سواي !
أتأمل الليل المحيط بي .. لتذهب أحزاني بعيدا .. لتكن الحياة سرابا .. وفشلا ! لا يهم .. إنها ليلتي التي لن تتكرر اليوم ولا غدا .. وسأعيشها كما لم أعش ليلة أخرى من قبل ..