الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي.وبعد..
إذا كان الشيء يشرف بما يضاف إليه فإن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم الشرف والفضل لأنه أفضل الخلق عند الله تعالى، وقد بيََّن الله فضلهنَّ ومكانتهنّ فقال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) سورة الأحزاب، الآية: 32. وقال سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)
سورة الأحزاب، الآية: 6.
وهذه كلمات موجزة عن فضائل إحدى أمهات المؤمنين وهي:
عائشة بنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين، وزوجة سيد المرسلين، وحبيبة حبيب رب العالمين، أفقه نساء الأمّة على الإطلاق، المبرّأة من فوق سبع سماوات، التي لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولا أحبَّ امرأةً حُبّها، وما نزل عليه الوحي في لحاف امرأةٍ سواها، ونزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها، وقُبِض النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، وفي يومها، وليلتها، ورأسه في حِجْرها، وجمع الله بين رِيقِها ورِيقَه في آخر يوم من الدنيا، ودُفن في بيتها.
هذه هي عائشة رضي الله عنها وهذه هي فضائلها ومناقبها مجملة، ويا لها من فضائل ولكن لنأخذ المزيد من هذه الفضائل وغيرها مقرونةً بالأدلة الصحاح.
نزول براءتها من السماء:
هذه من أعظم المناقب في حقِّ عائشة رضي الله عنها، ولو لم تخرج من الدنيا إلا بها لكفتها فخراً وفضلا، لما رُميت السيدة عائشة رضي الله عنها -الطاهرة المطهرة- لما رميت بالإفك من قبل الحاسدين من المنافقين، لم يرضَ الله تعالى إلا أن ينزِّل في براءتها قرآن يُتلى إلى يوم القيامة: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرَّاً لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذابٌ عظيم...) سورة النور، الآية: 11.
فالله عز وجل أنزل في براءتها قرآن كذّب به من رماها من الأفاكين، وأقرَّ به أعين المؤمنين، وسرَّ به قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب عائشة وأبيها وأهلها وجميع الصالحين .
وإن الله تعالى لم يزد عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك إلا شرفاً ونبلاً وعزا, وزاد من رماها من المنافقين ذلاً وخزيا، ووعظ من تكلم فيها من المؤمنين بأشدِّ ما يكون من الموعظة وحذرهم من العودة إلى مثل ذلك فقال سبحانه: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) سورة النور، الآية: 16-17.
قال الحافظ ابن كثير: "وقد أجمع أهل العلم على تكفير من قذفها بعد براءتها"البداية والنهاية، 8/486
فأي فضيلة لعائشة أعظم من هذه! وأي فخر فوق هذا! وأي تزكية بعد تزكية الله! وهل بعد شهادة الله شهادة؟ وهل بعد كلام الله كلام؟ وهل يليق بأحد بعد كل هذا أن يطلق للسانه العنان ليتهم عائشة أو ينتقصها، إلا من خذله الله وطمس بصيرته، وهي الطاهرة النقية التقية الزاهدة.
حَصَانٌ رَزَان مـا تزن بريبةٍ =وتصبح غرثى من لحوم الغوافلِ
وإن الذي قد قيل ليس بلائقٍ =بِكِ الدهرُ بل قيل امرء متحاملِ
عَقِيلةُ حيّ من لؤى بن غالبٍ =كرام المساعي مجدهم غير زائلِ
مهذبةٌ قـد طيَّب الله خِيَمَها =وطهّرها من كلِّ سوءٍ وباطلِ
وإن الذي قد قيل ليس بلائقٍ =بِكِ الدهرُ بل قيل امرء متحاملِ
عَقِيلةُ حيّ من لؤى بن غالبٍ =كرام المساعي مجدهم غير زائلِ
مهذبةٌ قـد طيَّب الله خِيَمَها =وطهّرها من كلِّ سوءٍ وباطلِ
فضلها على النساء:
عن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) متفق عليه.
أحبّ الزوجات إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيُّ الناس أحبّ إليك يا رسول الله؟", قال: ((عائشة))، قال: "فمن الرجال؟"، قال: ((أبوها)). قال الحافظ الذهبي: "وهذا خبرٌ ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه الصلاة والسلام ليحبّ إلا طيبا، وقد قال: ((لو كنت متخذاً خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكرٍ خليلا, ولكن أخوة الإسلام أفضل)), فأحبّ أفضل رجلٍ من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حريٌّ أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه عليه الصلاة والسلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً؛ ألا تراهم كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقرباً إلى مرضاته، ولما غارت نسوته .
من ذلك وأرسلن أم سلمة تجادله في ذلك قال: ((يا أمّ سلمة! لا تُؤذيني في عائشة؛ فإنّه والله ما نزل الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها))، قالت أم سلمة: "أتوب من أذاك يا رسول الله"
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإن يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف" وفي لفظ "حتى أكون أنا التي أسأم" متفق عليه
وروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "يا رسول الله! أرأيت لو أنك نزلت وادياً فيه شجرة قد أُكِل منها، ووجدت شجرة لم يُؤكل منها فأيَّتهما كنت تُرتع بعيرك؟"، فقال: ((الشجرة التي لم يؤكل منها))، قالت: "فأنا هي"، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها، إلى غير ذلك من الأدلة الناطقة بحبه صلى الله وسلم لها.
يتبع بارك الله فيكم ،،،