أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد
>> >>كثيرا... ويُقال انها قصته
>>الشخصية:
>> >>
>> >>لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر
>>تلك
>> >>الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت
>> >>سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت
>> >>أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
>> >>أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في
>> >>التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي
>>أسخر
>> >>منه.. أجل كنت أسخر من هذا
>> >>وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني
>>كي
>> >>يسلم من لساني.
>> >>أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...
>>والأدهى
>> >>أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول..
>> >>وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
>> >>عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في
>>حالة
>>
>> >>يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
>> >>قلت ساخراً:
>> >>في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
>> >>كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة
>>جداً
>> >>.. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
>> >>سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي
>> >>أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة
>>أنّها
>> >>في شهرها التاسع .
>> >>حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي
>>الآلام
>> >>ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها..
>> >>فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم
>> >>ليبشروني.
>> >>بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى
>> >>فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة
>> >>التي أشرفت على ولادة زوجتي.
>> >>صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني
>>سالم.
>> >>قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
>> >>دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم
>>قالت:
>> >>ولدك به تشوه
>> >>شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
>> >>خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي
>> >>دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
>> >>سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا
>>أقول..
>> >>ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي
>>..
>> >>لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن
>>أكف
>> >>عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً،
>> >>لا تغتب الناس ..
>> >>خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به
>> >>كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى
>>الصالة
>> >>لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا
>>فلم
>> >>أكن أكرهه، لكني لم
>>أستطع أن أحبّه !
>> >>كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ
>>يحاول
>> >>المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت
>>زوجتي
>> >>بعده عمر وخالداً.
>> >>مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت.
>> >>دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
>> >>لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب
>>من
>> >>تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم
>> >>واهتمامي بباقي إخوته.
>> >>كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى
>> >>المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء
>>..
>> >>عمل ونوم وطعام وسهر.
>> >>في يوم
>> >>جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً
>> >>بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج.
>>مررت
>> >>بصالة
>>المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي
>> >>بحرقة!
>> >>إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً.
>>عشر
>> >>سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن
>> >>أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت
>> >>... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
>> >>حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله
>> >>بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
>> >>وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر
>> >>سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية
>>سبب
>> >>بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع
>>إليه
>> >>وأنتفض.
>> >>أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى
>> >>المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل.
>>نادى
>> >>عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب..
>>فبكى.
>> >>أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن
>>أتحمل
>> >>بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
>> >>قال: نعم ..
>> >>نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب
>>بك
>> >>اليوم إلى المسجد؟
>> >>قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
>> >>قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
>> >>دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت
>>دموعه
>> >>بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد
>> >>قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
>> >>لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها
>> >>المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما
>> >>فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ
>>أنّي
>> >>وجدت لسالم مكاناً في الصف
>> >>الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة
>>أنا
>> >>صليت بجانبه ..
>> >>بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو
>> >>أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره.
>>ناولته
>> >>المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب
>> >>الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
>> >>أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه
>> >>مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
>> >>خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت
>> >>وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ...
>>فبدأت
>> >>أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ...
>>خجلت
>> >>منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
>> >>لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم
>>!!
>> >>ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى
>>بل أنا
>> >>الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
>> >>عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها
>>تحوّل
>> >>إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع
>> >>سالم ..
>> >>من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..
>> >>وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم.
>>عرفت
>> >>منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.
>> >>ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر
>>لي
>> >>غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت
>> >>نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما
>>عادت
>> >>تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت
>>الله
>> >>كثيراً على نعمه.
>> >>ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق
>> >>البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب.
>>استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت
>> >>أنها سترفض... لكن حدث العكس !
>> >>فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون
>> >>استشارتها فسقاً
>> >>وفجوراً.
>> >>توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين
>>مودعاً...
>> >>تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما
>> >>سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه
>>كم
>> >>اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني
>>منذ
>> >>سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
>> >>كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر
>> >>مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
>> >>قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
>> >>أخيراً عدت إلى المنزل.
>> >>طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي
>>لم
>> >>يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا
>>..
>> >>لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
>> >>استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
>> >>أقبلت
>> >>إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
>> >>تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
>> >>قالت: لا شيء .
>> >>
>> >>فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
>> >>خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على
>> >>خديها...
>> >>صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
>> >>لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح
>> >>الجنّة ... عند الله...
>> >>لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض،
>>فخرجت
>> >>من الغرفة.
>> >>عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته
>>زوجتي
>> >>إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه
>> >>جسده
>>..
>> >>إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ...
>>يا
>> >>الله
>> >>إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي
>>...
>> >>يا الله
اتمني انها تعجبكم مع انه احسها قديمه اشويه
>> >>كثيرا... ويُقال انها قصته
>>الشخصية:
>> >>
>> >>لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر
>>تلك
>> >>الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت
>> >>سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت
>> >>أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
>> >>أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في
>> >>التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي
>>أسخر
>> >>منه.. أجل كنت أسخر من هذا
>> >>وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني
>>كي
>> >>يسلم من لساني.
>> >>أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...
>>والأدهى
>> >>أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول..
>> >>وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
>> >>عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في
>>حالة
>>
>> >>يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
>> >>قلت ساخراً:
>> >>في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
>> >>كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة
>>جداً
>> >>.. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
>> >>سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي
>> >>أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة
>>أنّها
>> >>في شهرها التاسع .
>> >>حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي
>>الآلام
>> >>ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها..
>> >>فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم
>> >>ليبشروني.
>> >>بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى
>> >>فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة
>> >>التي أشرفت على ولادة زوجتي.
>> >>صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني
>>سالم.
>> >>قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
>> >>دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم
>>قالت:
>> >>ولدك به تشوه
>> >>شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
>> >>خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي
>> >>دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
>> >>سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا
>>أقول..
>> >>ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي
>>..
>> >>لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن
>>أكف
>> >>عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً،
>> >>لا تغتب الناس ..
>> >>خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به
>> >>كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى
>>الصالة
>> >>لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا
>>فلم
>> >>أكن أكرهه، لكني لم
>>أستطع أن أحبّه !
>> >>كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ
>>يحاول
>> >>المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت
>>زوجتي
>> >>بعده عمر وخالداً.
>> >>مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت.
>> >>دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
>> >>لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب
>>من
>> >>تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم
>> >>واهتمامي بباقي إخوته.
>> >>كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى
>> >>المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء
>>..
>> >>عمل ونوم وطعام وسهر.
>> >>في يوم
>> >>جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً
>> >>بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج.
>>مررت
>> >>بصالة
>>المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي
>> >>بحرقة!
>> >>إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً.
>>عشر
>> >>سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن
>> >>أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت
>> >>... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
>> >>حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله
>> >>بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
>> >>وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر
>> >>سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية
>>سبب
>> >>بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع
>>إليه
>> >>وأنتفض.
>> >>أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى
>> >>المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل.
>>نادى
>> >>عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب..
>>فبكى.
>> >>أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن
>>أتحمل
>> >>بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
>> >>قال: نعم ..
>> >>نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب
>>بك
>> >>اليوم إلى المسجد؟
>> >>قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
>> >>قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
>> >>دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت
>>دموعه
>> >>بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد
>> >>قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
>> >>لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها
>> >>المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما
>> >>فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ
>>أنّي
>> >>وجدت لسالم مكاناً في الصف
>> >>الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة
>>أنا
>> >>صليت بجانبه ..
>> >>بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو
>> >>أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره.
>>ناولته
>> >>المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب
>> >>الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
>> >>أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه
>> >>مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
>> >>خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت
>> >>وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ...
>>فبدأت
>> >>أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ...
>>خجلت
>> >>منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
>> >>لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم
>>!!
>> >>ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى
>>بل أنا
>> >>الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
>> >>عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها
>>تحوّل
>> >>إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع
>> >>سالم ..
>> >>من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..
>> >>وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم.
>>عرفت
>> >>منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.
>> >>ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر
>>لي
>> >>غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت
>> >>نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما
>>عادت
>> >>تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت
>>الله
>> >>كثيراً على نعمه.
>> >>ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق
>> >>البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب.
>>استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت
>> >>أنها سترفض... لكن حدث العكس !
>> >>فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون
>> >>استشارتها فسقاً
>> >>وفجوراً.
>> >>توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين
>>مودعاً...
>> >>تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما
>> >>سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه
>>كم
>> >>اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني
>>منذ
>> >>سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
>> >>كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر
>> >>مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
>> >>قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
>> >>أخيراً عدت إلى المنزل.
>> >>طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي
>>لم
>> >>يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا
>>..
>> >>لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
>> >>استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
>> >>أقبلت
>> >>إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
>> >>تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
>> >>قالت: لا شيء .
>> >>
>> >>فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
>> >>خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على
>> >>خديها...
>> >>صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
>> >>لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح
>> >>الجنّة ... عند الله...
>> >>لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض،
>>فخرجت
>> >>من الغرفة.
>> >>عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته
>>زوجتي
>> >>إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه
>> >>جسده
>>..
>> >>إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ...
>>يا
>> >>الله
>> >>إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي
>>...
>> >>يا الله
اتمني انها تعجبكم مع انه احسها قديمه اشويه