دنيا الضياع ،،، بقلمي المتواضع

    • دنيا الضياع ،،، بقلمي المتواضع

      سادتي ،،،
      البسوا عليكم مسوحا من الأحزان ، فإني أنوي الحديث عن فاجعةٍ جديدة ، وحكايةٍ فريدة من حكايا العصر الغريبة ، نسمع عن قصص الخيال كثيرا ، ولكنّا نرى الواقع أغرب من الخيال ، وكالعادة سأروي هذه الرواية على أجزاء ، علّني أخفف من وهجها ، فسياط العذاب تحرق المهج ، ولهيب اللظى يقتل كل ذرة إحساس ، ومن شدة الإغراق في المأساة نفقد الشعور بها ، وربما ذلك نتيجة شدة العذاب ، أصبحنا في زمنٍ نسكرُ من جرعات آلامه ، الصراخ غير مجدي ، والنحيب غير مسموع ، والآذان لا تعبأ بالأنّات ، والمآقي لا تحرك المشاعر ، ماتت الضمائر ، وعمّت القسوة ، وصار الجبروت والقهر عقيدةً وديدناً .
      في هذه المرة سأحاول جاهدا أن لا أضفي على الموضوع لهجة الوجع ولكنة التأوه ، سأبتعد بكلماتي عن الحزن قدر الإمكان ، وسأعدكم بأن أنقل لكم الحقيقة كما هي بعينها ، لن ألهث وراء التشويق ، ولن أحبك الحبكة ، بل سأسرد الوقائع بكل دقةٍ وأمانة ، فالحال لوحده مأساوي مظلم ، فالدموع تتساير مع كل مشهد ، والحرقة تسكن كل شخصيات الرواية ، والإحساس بالظلم والحسرة والنشيج سيكون الموقف الأعظم ، ستحلق الطيور ولكنها ستغرد أنغاما شاجية ، وسنعزف بالوتر مقطوعاتٍ موسيقية كئيبة ، وأرجو أن لا تكون قلوبكم ضعيفة ، وأن تتحملوا المشاهد بكل صبرٍ وجلد .
      فهل أنتم مستعدون للإقلاع ، فالطائرة أعلنتِ الاستعداد ، وطاقم الضيافة يحييكم ، فهيا أربطوا أحزمة الأمان .
    • هيا بنا فنحن الآن في الجو
      ومع الوقفة الأولى ومحطة البداية
      حسام يحمل حقيبته المدرسية سريعا ، الأم أعدّت له الفطائر ليتناولها في الاستراحة المدرسية ، أوصته بالاهتمام بأخيه الأصغر يونس ، ودَّعا أمهما بابتسامة مشرقة ، وعند محطة انتظار الحافلات ، تنهد حسام وفتح الحقيبة يبحث عن الرسالة المعتادة ، قرأها وبكى كثيرا وارتعدت فرائصه ، كان مكتوبا في الرسالة " ستموتُ قريبا يا حسام " ، أخفى الرسالة فور وصول الحافلة ، صعد إليها ودموعه تتناثر على وجنتيه ، سأله صديقه مرتضى ، ما بك يا حسام ؟ لماذا تبكي ؟ لم يجب حسام سوى بدموعه الحرّى .
      ها هي الساعات تمضي مسرعة ، وتأتي الحصة الأخيرة ، ويُخرج حسام كتاب المطالعة ، ويدخل المعلم مبتسما كالعادة ، هيا يا طلاب طالعوني جيدا ، فاليوم مطالعة ، ويضحك الجميع ، عدى حسام يكتفي بابتسامةٍ خفيفة تكاد لا تظهر ، بعدما انتهى اليوم الدراسي ، بحث حسام عن أخيه يونس ، فوجده بصحبة صديقه سامر ، تشابكت يد حسام ويونس ، وعند صعودهما للحافلة استوقفهما مدرس المطالعة قائلا : حسام تعال أنت ويونس سأوصلكما بسيارتي ، لم يتردد حسام في قبول الدعوة ، فهذا المدرس هو الشخص الوحيد المقرب لدى حسام .
      أخذا في تبادل أطراف الحديث ويونس صامت لصغر سنه فهو لا يزال في الثامنة من عمره خلاف أخيه حسام الذي أوشك على الدخول في الحادية عشرة بعد أيام ، كان المدرس يحاول جس نبض حسام ليعرف سر تغيره ، لكن حسام يتمتع بذكاء شديد ولا يسمح لأحد باستدراجه .
      وصلا البيت ، استحم حسام وصلى فريضة الظهر وتناول الغداء ، وعندما ذهب للنوم وجد رسالةً أخرى تحت الوسادة مفادها : " انتظر يا حسام ، الأكيد بأنك ستموت قبل عيد ميلادك " ، ارتعد وبكى ونشج ، ولكنه كالعادة لا يزال يخفي الرسائل ولا يخبر أحدا .

      ،،، يتبع ،،،
    • يخيم المساء على الأرض ويلبسها السواد ، وتبدأ الأنوار الخافتة ، أم حسام تعد لأطفالها وزوجها العشاء ، فهي لا تسمح للخادمة بطهي الطعام ، حسام أنهى برنامجه اليومي الذي يشاهده على قناة الأطفال ، يونس يلعب بالألعاب الورقية ، وفجأة يسقط حسام مغشيا عليه ، فينادي يونس أمه خائفا فزعا، فتهب الأم مسرعةً نحو وليدها : حسام حبيبي ما بك ، أفق يا حسام ، وترّش وجهه بماءٍ بارد ، فيفتح عينيه الوجِلتين ، فتحضنه أمه بقوة قائلةً من أنا ؟ تود أن تتأكد من وعيه التام ، فيجبها برعشة وخوف آه أنتِ أممم أيوه أنتِ .... نعم تذكرت أنتِ أمي ، ويبكي الجميع .
      في تلك اللحظات يدخل الأب حاملا معه كيسا أبيض ، يبدو أنه عائدٌ من مركز التسوق " سيتي سنتر " ، فيسألهم باستغراب ما الأمر ؟؟ نطق الجميع وبصوتٍ واحد وبكل برود لا شي ، تقوم الأم لإحضار العشاء فيستوقفها زوجها ، تعالي يا غالية خذي هديتك ، أنا اشتريت لكم هدايا قبل عيد ميلاد حسام ، يوزع الهدايا وهي مغلفة بغلاف صغير ، لا يسمح لأحدٍ بفتحها إلا بعد العشاء وعلى سرير النوم ، فرح الجميع بهذه الحركة الجميلة من أبيهم الطيب الحنون .
      التفوا جميعا حول طاولة العشاء ، ولا يزال حسام في شروده وحيرته ، وبدأ صراخ الصحون ، إنه يونس الشقي يمارس هوايته المعهودة في ضرب الصحون بالملعقة ، يضحك الجميع ، يتحرك يونس بشغبٍ وفوضى ، ها قد سرق شربة حسام بكل سهولة وبساطة ، لكن الغريب أن حسام لم يبذل أي جهد في منعه مثلما كان يفعل في السابق ، هنا تأكد لدى أبويه بأن حسام يعاني من أمرٍ جلل ، ولكن ليس من السهل عليهم فك طلاسم تغيّره ، فحسام يحتفظ بشخصيته وأسراره الذاتية ، ولا يبوح بها لأحد وخصوصا والديه .
      ذهب الجميع إلى أسرِّتهم مسرعين ، فالشوق يحدو بهم لمعرفة الهدية ، كانت هدايا رائعة ، عدى حسام وجد الرسالة المعتادة " مسكين يا صغيري ، ستكون هديتك الكبرى يوم عيد ميلادك ، ستغادر الحياة وهذه أجمل هديةٍ مني " ، صُعق حسام كثيرا ، هل يعني هذا بأن أباه يود قتله ؟؟ تساءل في نفسه كثيرا ، لمَ يريد أبي مني أن أموت ؟ ، قام مسرعا نحو خزانة ملابسه ، بحث كثيرا ، وأخيرا وجد الصورة ، صورة أخته سوسن التي توفت وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها ، خاطبها قائلا :
      حبيبتي سوسن ، في أي دارٍ أنتِ الآن ، حتما في دار الخلد والنعيم أخيتي ، آهٍ ما أجملك ، عيناكِ تنفثان سحرا ، ومحيّاك يشع نورا ، صورتك أصبحت لي الأمان ، قريبا سألحق بك ، فيبدو أن من قتلك سيقتلني أنا أيضا ، آهٍ كم أنا مشتاقٌ لكِ يا هواي ، كنتُ صغيرا يوم أخبروني بوفاتك ، ولكني أكبر كل يوم وأنتِ تكبرين في قلبي أكثر ، أحبك أحبك ، ويطبع قبلةً على الصورة ، ويرجع إلى سريره ، ولا يدري ذلك المسكين ما الذي ينتظره في القادم من الأيام .

      ،،، يتبع ،،،
    • اليوم بداية اختبارات منتصف الفصل الدراسي ، والبداية كالعادة مع مادة التربية الإسلامية ، تمكن حسام من إجابة جميع الأسئلة بكل يسرٍ وسهولة ، عدى السؤال الأخير ، حيث كان السؤال :
      ما هو الذي لا مفر منه ، والحقيقة الواضحة ، وخاتمة الدنيا ، إن ذهبتم يمينا فهو ملاقيكم ، إن هاجرتم فهو ملاقيكم ، إن تنفروا منه فهو ملاقيكم ،، وجاءت سكرة ... بالحق ؟؟
      كان جواب حسام كالتالي :
      لا أملك جوابا سوى " عيد ميلادي "
      وفي الحصة الثالثة اختبار الجغرافيا ، وفي بيانات ورقة الاختبار وبجانب اسم مادة الاختبار ، كتب حسام مادة التاريخ ، فانتبه مراقب الاختبار لذلك ، فطلب منه تعديل اسم المادة إلى جغرافيا ، لم يعر حسام أي أهمية لاسم المادة ، واختبرَ جغرافيا ، وبعد ذلك اختبرَ الرياضيات مباشرة ، وعاد إلى البيت ، بدأ في ترتيب غرفته ، فغدا سيكون عيد ميلاده ، فتح مذكرته اليومية ودون بها بعض الكلمات ، اتصل بصديقه مرتضى ، وطلب منه الحضور إليه في المساء ، أخذ قسطا من الراحة ، وبعدها وجد الرسالة المعتادة أسفل السرير ، " استمتع بيومك هذا فهو يومك الأخير " ، لم يكترث كثيرا هذه المرة بالرسالة ، مضى في طريقه إلى حديقة المنزل ، وأمضى وقت العصيرة كله في تفكيرٍ وتخطيط .
      في الموعد المحدد حضر إليه صديقه مرتضى ، منحه رسائل كثيرة ، إلى شخصيات محددة ، وشدد عليه في ضرورة تسليم كل الرسائل يدويا لأصحابها ، وناشده أن لا يتأخر في ذلك ، لم يتكلم مرتضى بأي كلمة ، فهو الصديق المخلص الذي ينفذ كل ما يطلبه منه صديقه وبدون تدخل ، فهو يؤمن تماما بقول الرسول الكريم " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، وفي الصباح لبس حسام لباسا مميزا ، وتعطر وتزين ، وطلب من أخيه يونس أن يذهب بمفرده اليوم إلى المدرسة ، وبدأ مرتضى في توزيع الرسائل بكل جديةٍ ومثابرة .
      حسام يطرق باب جدته رقية ، ويدخل عليها ويقبل رأسها وجبينها ، ويمسك بيدها ويضعها على خده ، استغربت جدته من تصرفه الغريب ، ولكنه قال لها ببرودٍ وشرود ، اليوم عيد ميلادي ، وأود منكِ الحضور ومشاركتنا الاحتفال بهذه المناسبة ، ولا تنسي أن تبلغي جاركم مبارك أنني أنتظره لأمرٍ جلل ، وأخبريه أن العدة لا بد أن تكون كاملة ، تفاجأت جدته من كلامه ، ولكنها منحت نفسها عنصر التشويق لمعرفة ما يخطط له حسام ، خرج من عندها وتوجه رأسا إلى أحد المجانيين وسحبه من يده وجرّه معه .
      ،،، يتبع ،،،
    • ها قد اقتربت اللحظة الحاسمة ، توافد الأصدقاء على بيت حسام ، وفي حديقة البيت العامة ، تجمعت الحشود المهنئة بعيد الميلاد ، وحضر كل المدعوين ، الزينة انتشرت في كل أرجاء الحديقة ، الشموع مضاءة ، والموسيقى الهادئة تطرب الآذان ، الكل يبحث عن حسام ليقدم له التهنئة ، الجدة كانت نجمة الحفلة بابتسامتها الجميلة ، كل مدرسي المدرسة قد لبوا الدعوة ، عدد الحضور يفوق الثلاثمائة فرد ، ومن بينهم الشاعر المشهور نجم الدين ، تعالت الأصوات تطالب الشاعر بأن يشنف الآذان بكلماته العطرة وأبياته الرائعة وقصائده الملهبة للمشاعر والأحاسيس .
      لم يتردد نجم الدين في أن يلقي عليهم قصائده ، فهذه فرصة مناسبة كون العدد كبير ، فهو يعشق التجمع والتجمهر ، ابتدأ قصائده برثاء صديقه ، ثم انتقل للوصف ، وبعدها للغزل ، أطال كثيرا في قصائده الغزلية ، وبعدها انخرط للشعر الذي يهواه الجميع ، إنه الشعر السياسي الذي يبدع فيه أيما إبداع ، وفي الأخير كان لا بد من أن يترك مجالا لهموم الشارع والشعب ومعاناة المساكين ، صفق الكل له بكل حرارة وإعجاب ، الميكرفون تحول لجدة حسام تلقي عليهم قصصها أيام الطفولة ومغامرات الشباب ، ثم تحدثت عن زوجها المرحوم ، وذكرياتها الرائعة معه وحبه لها وتفانيه من أجلها .
      ولكن أين حسام ؟ الأم مشغولة باستقبال المدعوين ، وحسام وأبوه غائبين ، بحثت أم حسام عن ابنها فلم تجده ، ذهبت إلى غرفته فلم تجده ، بحثت عنه جيدا ولم تجد له أثرا ، سألت عنه صديقه مرتضى ، ولم تجد لديه أي جواب ، يونس الشقي يلعب مع بنات جيرانه ، يتحرك بشغب كعادته ، فهو يعشق الفوضى والضجيج ، يا لجنونه وهو يمسك سكينا يخوف بها جارتهم أمل ، فتشكوه لأمه ، فتضطر لتأنيبه وضربه بقوة على ظهره ، يرتفع بكاؤه ، وتحاول أمل تهدئته ، وتطبع على جبينه قُبلة ، وتصطحبه في جولةٍ داخل الحديقة تحاول ترضأته ، وفي الأخير أخرجت نقودا من جيبها وأهدتها له لكي يرضى عنها ، في هذا الوقت طلب مرتضى من الجميع الإنصات له ، فهو سيقرأ عليهم رسالة صديقه حسام صاحب الحادية عشر ربيعا :
      " شكرا لكم جميعا على الحضور ، تهنئتكم وصلت إلى القلب ، وأعتذر لكم بأن أفراحكم ستتحول إلى أحزان ، فأنا بصحبة أبي لكي يقتلني ويتخلص مني ، لست الضحية الوحيدة ، فقد سبق أن قتل أختي سوسن ، لكني أغفر لأبي فعلته هذه ، وأنا أحبه من كل قلبي وإن قتلني ، فروحي فداه ، وأختي سوسن فدته أيضا بروحها ، لا تسألوا أبي لماذا يقتلنا ، لكني أتوسل إليكم أن تطلبوا منه ألا يقتل أخي يونس ، ولا يؤذي أمي الحنونة ، يكفيه تضحيةً أنا وسوسن ، وليترك يونس يحيا مثل غيره من الأطفال ، أحبكم جميعا وأحب أبي ، وسأشتاق لأمي كثيرا ، وسلامي لجدتي حبيبتي ، تحيتي لكل أصدقائي وأحبابي ، أنا أموت فلا تجعلوا حياتكم حزينة لأجلي ، فأنا أتمنى أن أرى الفرحة في قلوبكم حتى وأنتم تقبروني ".
      عذرا أحبتي
      ،،، يتبع ،،،
    • حينما انتهى مرتضى من قراءة رسالة حسام ، توقف الجميع دون حراك ، الكل تسمر في مكانه ، دهشة وحيرة وذهول ، تنهدات عميقة وزفرات ، يتمايلون وكأنهم سكارى ، الأم تفجع بفاجعةٍ جديدة ، تلطم خدودها ، وتنزف عبراتها ، أيعقل أن يقتل الأب أبنائه ؟؟ لا يصدق ذلك أحد ، ولكن ما سر اختفاء حسام وأبوه في هذا الوقت ؟ ما زال الجميع لا يعي ما يدور ، وفي هذه اللحظات يدخل عليهم مبارك الجار القريب من رقية جدة حسام ، يدخل حاملا في يديه كفناً لحسام ، صُعق الحاضرون ، ويُفتُ كبد أم حسام ، وتبكي بكاءً مريرا ، والبقية يضربون أخماسا بأسداس ، جدة حسام فقدت نُطقها ، فالخطب ألجمها عن الكلام ، الجمع يدوكون في عرصاة الاستغراب والانبهار ، ما هذه السياط التي تلهب الجميع وتدمي القلوب ؟؟ .
      اتصل الشاعر نجم الدين بالشرطة ، لعلها تستطيع إنقاذ الموقف ، حضرت الشرطة على الفور ، ألقوا نظرة على الرسالة ، وبدؤوا في البحث عن حسام ، لم يستمر البحث طويلا ، فلقد وجدوه قتيلا ملقىً بجانب محطة معالجة النفايات ، تأكدوا منه جيدا ، فوجدوه فعلا قد فارق الحياة ، ولا تبدو عليه أي علامة طعن أو ضربٍ ، لقد مات خنقا ، والقاتل لم يترك أي علامة تستدل عليه ، حتى البصمات لم تظهر على عنقه ، مما يشير إلى أن القاتل استخدم واقيا أو قفازا يمنع البصمات من الظهور ، تم حمله إلى المستشفى للتأكد من موته تماما وإجراء الفحوصات اللازمة عليه ، وإتمام عملية دفنه ، تم الكشف عليه وتأكد موته ، حملوه ليوضع في براد المستشفى ، في تلك الأثناء يأتي طبيب جديد على المستشفى وهو لا يزال شابا يافعا ، حديث التخرج من الكلية الطبية ، يطلب منهم إعادة فحصه من جديد ، فمثل هذه الحالات كثيرا ما يكون فيها بوادر أملٍ في الحياة ، استخرجوه من جديد وتم وضعه داخل جهاز كهربائي ، ودخل الطبيب حاملا معه بعض الأسلاك ، قام بلسعه بها قرابة التسع مرات ، ثم أخرجه وقام بفحص دمه ، هنا تأكد للطبيب بأن حسام في غيبوبة دائمة ، وهي مرحلة بين الموت والحياة ، وتكون دقات القلب ضعيفةٌ جدا ، طلب من طاقم المستشفى أن يوفروا غرفة خاصة كهربائية ، يكون الضغط فيها عالي ، مصحوبة بضجيج صاخب من الموسيقى ، وطلب من الجميع الابتعاد عنه ، وأن يتركوه 24 ساعة .
      لا يزال البحث جاري عن والد حسام ، لم يعثروا عليه ، ولكن لفت انتباه الشرطة ذلك المجنون المعتوه ، الذي يقف باستمرار مكان وقوع الجريمة ، راقبوه جيدا فرأوه يذهب ويأتي باستمرار إلى ذلك المكان وينثر دموعا غزيرة ثم يرحل ، قرروا اعتقاله والتحقيق معه ، أمسكوا به واقتادوه إلى المركز ، حاولوا أن يأخذوا منه إجابة مفيدة ولكن بدون جدوى ، فهو يبكي ويضحك في نفس اللحظة ، لا ريب فهو فاقد العقل مجنون ، أعانه الله على بليته .
      الكل يترقب ال 24 ساعة بفارغ الصبر ، خصوصا أمه الوالهة الحزينة ، وجدته المقعدة المسكينة ، ويونس الصبي المحبوب ، طلب نجم الدين من جميع الحاضرين أن يعتصموا بالله ويصلوا ركعتين طلب الرحمة والشفاء لحسام ، فالأمل لا يزال ضعيفا جدا في شفائه ، اصطفوا صفا واحدا ، ذرفوا الدموع وتعالت الأصوات بالدعاء ، الكل يهمس بداخله ، ربِّ أنقذ حسام وأخرجه بصحةٍ وسلامة ، ربنا لا يملك الشفاء سواك ، أنت بكل شيءٍ قدير ، اللهم ألطف به وارحمه ، وهون على أمه بأن تكتب له عمرا جديدا ، ربنا لا ملجأ ولا منجى إلا منك إليك فأكرمه بالصحة والعافية يا أرحم الراحمين .

      ،، يتبع ،،
    • يا لوحشة البيت حينما يكون به أمٌ وابنها الصغير فقط ، كحال أم حسام ، فالأب غائبٌ لا تدري مكانه ، وحسام يقاسي العذاب وكأنه في سكرات الموت وغمرات النزع الأخير ، ولو أردتُ أن أصف حالها لكم لما استطعت ، حتى وإن منحني جبران ريشته ، أو حتى وهبنا الله قوة قلم الرافعي ، فهي تعاني من الوحدة والأمان ، قبل سنوات فقدت ابنتها الأغلى في حياتها ، واليوم تمر عليها الساعات بمضض وخوفٍ ورهبة ، تترقب مصير حسام ، وتذرف دموعا ملؤها الأسى ، قلبها يتقطع وهي لا تدري إن كان حقا زوجها هو من يقتل أبنائها ، ورغم هذا وذاك فإنها تتمنى قرب زوجها يخفف عنها آلامها ويشحذ همتها ويقوها على تقبل النكبات والفواجع .
      ليت شعري كيف أنقل لكم الخبر القادم ، ولا أدري كيف أسوقه ، لكن هو اليقين والأمر المحتوم ، لقد توفت جدة حسام على إثر هذه التحولات ، توفت وهذي تهذي باسم سوسن ، توفت وهي تصرخ في عتمة الليل نفسي فداك يا حسام ، عش أنت وأنا سأموت ، لقد غادرت الحياة وكانت أمنيتها الوحيدة حياة حسام ، تم دفنها بمقربةٍ من قبر سوسن ، وفي أثناء تشيع الجنازة ، شوهد أبو حسام يبكي ، سأله مبارك لماذا تود قتل حسام ؟
      فأجاب : كيف أقتل فلذة كبدي ؟؟ انهمرت دموعه سيلا جارفا ، وأخذ نفسه وذهب إلى مركز الشرطة ، وطلب منهم أن يقيدوه ، ولكن أقسم بالله أنه لم يفعل شيئا بحسام ، تمت عملية التحقيق بيسرٍ وسهولة ، وأمر رائد المركز بإخراجه وإطلاق سراحه ، مما يعني أن الرائد لديه معلومات توحي ببراءته ، أو أنه أطلق سراحه ليفرض عليه رقابة مشددة ، لكي يتوصلوا للحقيقة الغائبة ، وفي الصباح ذهب أبو حسام بعيدا عن البلدة ، ويحمل معه كيسا أسودا غريبا ، مضى سريعا بسيارته وكأنه يطارد الزمن ، الشرطة تلحق به وتراقبه من بعد ، طرق باب أحد البيوت ، خرجت له امرأة طاعنة في السن ، ناولها الكيس ومن ثم انتظرَ في سيارته ، وبعد عشرين دقيقة خرجت فتاة شابة تحمل محفظةً كبيرة ، حادثته طويلا في السيارة ثم رجعت إلى بيتها .
      انقضت المهلة التي حددها الطبيب لحسام ، ولكنه لم يفق بعد ، ويبدو أن الحالة ازدادت سوءً ، وربما هو فعلا فارق الحياة ، الأم ونجم الدين ويونس وعدد كبير من زملاء حسام ويونس مصطفون على بوابة المستشفى يبكون ، والمدرسون يطلبون منهم الهدوء والدعاء بخشية بأن يشفي الله حسام ويعيده إليهم سالما معافا ، الدكتور سامر يصرَّ على أن حسام في عداد الأموات بينما الطبيب سالم يراهن على حياة حسام ، ويطلب مهلة أخرى لا تزيد عن 8 ساعات ، والأهم من ذلك أن يعملوا جميعا على محاولة إسعاف حسام قدر الإمكان .
      بدأ يونس يضمر الكثير من الحقد لأبيه ، ويبدو أنه يتوقع أن يكون هو الضحية القادمة ، ذلك ما اكتشفته أمه ، حينما وجدت في مذكرته كلمات الحقد والغضب لأبيه ، حاولت أن توهمه بأن ذلك غير صحيح ، فأبوه طيب القلب حنون ، وهو لا يمكن أن يقتل أطفاله ، ولكن يونس امتلأ قلبه كرها وضغينة ، حاولت أمه كثيرا في أن تغير تفكيره ولم تستطع ، ولكنها ستبذل كل طاقاتها بعد أن تطمئن على صحة حسام ، فقلبها وعقلها وكل مشاعرها تتجه صوب حسام ، والدموع لا تفارق عينيها ، والقلب مفجوعٌ والنفس كئيبة .

      ،،، يتبع ،،،
    • بعد دقائق قليلة سنكون على موعد جديد إنه موعد انتهاء الساعة الثامنة ، القلوب وجلة والنفوس مضطربة ، والدعاء الهامس نبضا ودمعا إلى الله أن يلطف بلطفه وينعم بالحياة للطفل الصغير حسام ، يونس لا يزال الطفل الذي لا ينفك يدون ملاحظاته في مذكرته الصغيرة ، والجارة أمل تحتضن أم حسام وتطلب منها ذكر الله وتهليله وتسبيحه ، الطبيب سالم في الغرفة الكهربائية يعاين حالة حسام ويتأكد من دقات قلبه ، والطبيب سامر يقضي وقته مع زميله سالم حينا ومع الطابور المصطف لمعرفة الخبر حينا آخر ، الكل يؤمل نفسه بالبشارة ، وقلب الأم يخفق ويضطرب اضطراب المبعوث من القبر خجلا .
      الرقابة المشددة على والد حسام تضبطه وهو يكرر الدخول إلى ذلك البيت ويمكث فيه وقتا طويلا ، والغريب أنه لم يأتي ليطمئن على صحة حسام ، وكأنه على يقينٍ تام بأن حسام لن يعود للحياة من جديد ، والذي أثار شكوك الشرطة هو ذلك الكيس الذي يحمله باستمرار إلى ذلك البيت ، وما سر مكوثه وقتا طويلا هنالك ؟ وما علاقة أهل البيت بأبي حسام ؟ بالأمس خرج بصحبة إحدى بنات البيت إلى السيتي سنتر للتسوق ، وبعدها خرج مباشرة وقد غيّر ملابسه إلى المؤسسة الفنية للإنتاج والتصوير ، بالرغم أنه لا ناقة له ولا جمل في الفن ، والزيارة توحي بأنها رسمية من خلال طريقة لبسه وهندامه .
      نجم الدين في حديث متواصل مع المجنون وكأنه يفتعل الجنون ، فأحيانا تصرفاته توحي بالعقلانية ، فهو يعلم متى سيأتي وفي أي وقت ، ومتى يرحل ، نظراته فيها سرٌ خطير ، وابتسامته تحمل الخبث والدهاء ، ولكن يبقى وبشهادة المستشفى الطبي بأنه من أصحاب الإعاقات العقلية التامة ، والجنون مسيطر على شخصيته بنسبة 100 % ، وقبل أن يخرج حسام يظهر مبارك الجار القريب لجدة حسام حاملا الكفن الذي منحه إياه حسام ، وقد عطره حسام بدموعه ، الطبيب سالم يخرج ورجلاه يكاد لا تقلانه ، دموعه تسبق كلماته ، وقد أنهى التقرير ومعه شهادة الوفاة ، نعم لقد تأكد موت حسام وبشكل نهائي ، والذي لفت انتباه الطبيب أن حسام لم يمت خنقا ، وإنما مات بصعقهِ بتيار كهربائي في أسفل قدميه ، وربما هذا الأمر سيزيد التحقيق تعقيدا .
      أبلغ الجميع بموت حسام ، فتعال الصراخ والعويل ، أم حسام تبكي بكاءً مرا ، وأمل وصديقاتها يهدأن من روعها ، ويذكرنها بأن هذا هو من عند الله ، ولا يستطيع أي بشر أن يرد قدر الله وقضائه الغالب ، وأن موت حسام أفضل له من حياته ، وسيكون عصفورا من عصافير الجنة بإذن الله ، فهو لم يبلغ الحلم ولم يُجرّ عليه القلم ، وسيكون من الغلمان الذين سيسقون أهلهم ماءً يوم العطش الشديد في ذلك اليوم الذي يذهل كل مرضعةٍ عمّا أرضعت وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، نعم سيسقيها ماءً عذبا رقرقا إن احتسبت موت حسام واسترجعت الله وصبرت ، ولا تزال المسكينة تبكي وتبكي ، حتى لو جمعت دموعها لصارت لجة زاخرة من سيل الدموع الجارفة ، أما يونس فهو الآخر لم يعد له أثرا ، ونجم الدين يبحث عنه بكل جنون وبصحبته مدرس المطالعة والأحداث تتوالى تترى


      ،،، يتبع ،،،
    • رحل حسام ، ورحلت معه الابتسامة ولذة الحياة ، أقداح الموت لا ترحم صغيرا ولا كبيرا ، لبست أم حسام السواد ، والظلمة والشقاء سيلازمانها ، وعليها تَحمّل عبأ مداراة يونس وتوجيهه نحو الطريق السليم ، فقلبه الآن قاسٍ جدا ، وأضمر الحقد والكراهية لأبيه ، وبدأت بوادر الانتقام تظهر على ملامح تصرفاته ، وكان من الطبيعي أن يتقدم برسالة تأجيل الدراسة لهذا العام إلى مدير المدرسة ، فحالته الصحية صعبة ، والحزن يتغلغل في أعماقه ويسكن كل جوارحه ، عيناه تفيضان بالدمع في كل حين ، ولسانه لا ينطق إلا بذكرى حسام وسوسن وجدته رقيه ، وكل الدماء التي تجري في عروقه تهمس بلغة الثأر وإيقاف الشر .
      نجم الدين يراقب المجنون ولا يجعله يغيب عن عينه لحظة ، وهو باتصال دائم مع رجال الشرطة والمخابرات ، والمجنون يوهمهم بأنه عاقل جدا ، كيف لا وهو يؤدي الصلوات الخمس المفروضة في وقتها في المسجد ، والأكثر من ذلك أنه يرتاد حديقة الحيوان كل يوم ، ليلتقي بطفلٍ صغير يداعبه ويلاعبه طويلا ، ثم يرجع إلى بيته ، كل هذا الانتظام في السلوك والمواعيد لا يفعلها مجنون ، غير أن ثيابه رثه ورائحته كريهة ، وشعره كثيف ، ومدمن سجائر ، أراد نجم الدين الحديث مع ذلك الطفل فوجده لا ينطق أبدا ، فهو أبكم منذُ ولادته ، ولا تزال خيوط الجريمة متشابكة وحال المجنون يشعرك بالتوهان .
      في إحدى الليالي المقمرة ، وعلى تساقط زخات المطر ، قررت الشرطة اقتحام ذلك البيت الذي يقضي فيه والد حسام كل وقته ، فكانت المفاجأة ، حينما اكتشفوا بأن ذلك البيت بيت دعارة ، وتديره امرأة طاعنةٍ في السن ، كان حال والد حسام مثيرا للشفقة ، وانقلاب أمره وتغيّر شخصيته من رجلٍ محافظ إلى متحررٍ لا يبالي باقتراف أي جرم لابد أن وراءه فاعل ، فالشباب والفراغ والحضارة والمدنية لهم الأثر الأبلغ في التأثير على النفوس ، تم وضع القيود على معصميه وجره على أنفه إلى مركز الشرطة ، بانتظار حكم المحكمة عليه ، وربما ستثبت عليه قضية قتل حسام وسوسن ، إن استجدت تطورات أخرى .
      يونس أصبح حملا ثقيلا على أمه ، وبدأ جنونه يتحول إلى حقيقة ، وشقاوته المعتادة تحولت إلى تخطيط مثمر ، وصحبة موسى الشرير ستسبب له ولأمه الكثير من المتاعب ، فهو يقضي نهاره كله بصحبته ، رغم محاولات أمه المتكررة في منعه من فعل ذلك ، ولكن بدون جدوى ، فشخصية موسى تلاءم كثيرا أفكار يونس وطموحاته ، موسى لم يتجاوز عمره 17 عاما ، ولكنه مشهورٌ بمشاكله التي لا تنتهي ، لا سيما حينما يتعلق الأمر بأي اشتباكات جسدية ، فهو لا يترك السلسلة الحديدة ولا يفارقها ، وصارت يده تألفها كثيرا ، ويونس بدأ يتعلم منه طريقة الوشم على الكتف ، وبالأمس أمسك سيجارةً ولم يستطيع أن يشعلها ، فيبدو أن بقايا التربية السليمة قد منعته من فعل ذلك .


      ،،، يتبع ،،،
    • يونس الولد الوديع ، يتحول إلى أسدٍ مفترس ، فلقد لطم أمه لطمةً أطارت بعقلها يوم أن منعته من الخروج مع صديقه الجديد موسى ، أصابها الذهول وبلغت بها الدهشة مبلغها ، ويحك يا يونس ، أتصفعني وأنا أمك ؟ أو نسيتَ سهر الليالي وبكاء الأسحار لأي مرضٍ يلم بك ، ألا تعلم بأن الحمى التي تؤلم جسدك هي تقتلني ، والآن وبعد كل هذه السنين تأتي لترفع يدك على من حملتك في بطنها تسعة أشهر وفطمتك في عامين ، أو يكون الشكر بالضرب ، شُلَّت يدك وقبّح الله صنيعك ، اغرب عني فأنت لستَ ابني .
      لم تحرك تلك الكلمات والدموع شيئا من نفسية يونس ، فهو تمرد على كل شي ، ولا يعرف سوى القسوة ولغة الثأر ، إلا أنه حينما يخلو بنفسه ، يعود به الحنين إلى إخوته حسام وسوسن ، خصوصا حسام الذي كان سنده وعونه في كل شي ، فهو لا ينسى أبدا يوم أن باع كتبه التي يحتفظ بها ويغرم بقراءتها لأجل أن يشتري يونس دراجةً يلهو ويلعب بها ، قلبه لم يتعود على الصبر ، ونفسه لا تريد غير إخوته ، فقد تقطعت أوصاله ، وارتعشت أضلعه ، وبدأ يصرخ بصوت حسام ، الصريخ يرتفع ليصل إلى الأم المفجوعة والمكلومة ، فتأتي مسرعةً نحوه تحتضنه ، سقته الماء وأحضرت له عصير الليمون ، وأطعمته المعكرونة التي يحبها كثيرا ، وكأنه لم يفعل فعلته التي فعلها صباح اليوم وهو من الآثمين ، قلب الأم لا يحمل أي حقد لأبنائه ، فكأن شيئا لم يكن رغم مرارته وقسوته .
      الرجل المجنون يظهر من جديد أمام جريمةٍ أخرى ، وكأنه لا يظهر إلا لهدفٍ وغرض ، فلقد كان شاهدا على سرقة سيدة كبيرة وهي تحمل نقودا كثيرة بمحفظتها الكبيرة ، وهو الشخص الوحيد الذي رأى يونس وموسى يضربانها ومن ثم يسحبان منها المحفظة بكل عنف ، ولا يزال لا يكشف عن شخصيته ، وأخبر الشرطة بأنه رأى عرضا مسرحيا مثيرا ، فلقد شاهد طفلين يقومان بالتمثيل وسرقة المال من هذه العجوز الشقراء ، وحينما سُئل عن الطفلين أجاب بضحكةٍ وبكاء وقال هما " توم وجيري " .
      اتصلت الشرطة بأم حسام لتخبرها بأن زوجها معتقلٌ في الشرطة بتهم الأعمال المخلة بالآداب في بيت دعارة ، لتزداد المصائب على أم حسام ، والأمر الآن تجاوز الحزن والصدمة إلى الفضيحة والعار وسخرية الآخرين ، فالتورط في قضية آداب جَرمٌ يمقته المجتمع وتعفه العادات والتقاليد ، لم تجد من تلجأ إليه سوى نجم الدين ، فهو الرجل المخلص وقت الشدة والمحن ، حضر إلى الفور واصطحبها إلى مركز الشرطة ، ليتم استخراج أبو حسام وهو منُكس الرأس بكفالة نجم الدين ، لم يتفوه بأي كلمة ، ولم يكلمه أحد ، ويبدو أن هول المعصية أخرس لسانه ، والشعور بالذنب يقتل أحشائه.


      ،،، يتبع ،،،
    • الساعة تشيرُ إلى الخامسة فجرا ، والرجل المجنون يمارس رياضة الجري بكل نشاطٍ وحيوية ، والعجيب في الأمر أنه يحمل مخزونا هائلا من اللياقة فهو لا يشعر بالتعب إلا بعد طول جري ، فلقد قطع الخمسين كيلو مترا وهو لم يتوقف عن جريه أبدا ، انحرف في مساره إلى الحديقة ليلتقي بذلك الطفل الأبكم ، فيحتضنه طويلا ويبكي بكاءً مرا ، والرائد محمد يراقبه منذ فترةٍ طويلة ، حتى قبل واقعة حسام المسكين ، عقارب الساعة تتحرك والوقت الآن يدنو من الظهيرة ، والمجنون والطفل يتجولان في حديقة الحيوان بكل متعةٍ وسعادة .
      موسى ويونس يخططان لسرقة محل الذهب ، فلقد تمكن موسى بحركةٍ خفيفة من سرقة المفتاح من البائع ، ليقوم بنسخه ، ويعيده إليه من جديد ، بدون أن يشعر البائع بشيء ، يونس يشعر بخوفٍ ورعب ، فهي المرة الأولى التي سيقوم فيها بسرقة محل تجاري ، ويبدون أنه بدأ يتضجر من الطريق المنحرف الذي يسلكه ، ولكنه محتاجٌ للمال لكي يبني بيتا مستقلا له ولأمه ، كي لا تقع عيناه على وجه أبيه ، فهو لا يود رؤيته إلا يوم دفنه بسكين الغدر التي سيغتاله بها على حين غرة .
      أما أبوه ، فحاله لا يسر صديقا ولا عدوا ، لا يغادر غرفته أبدا ، حتى الصلاة المفروضة لا يهتم بها ، لا يحدث إلا الجدران والجمادات ، ولا يأكل إلا الدجاج المقلي ، وكأنه يود أن ينتحر بطريقةٍ بطيئة ، يتسلل اليأس إلى قلبه ، ويبرق الأمل في عيناه حيناً ، وهو بين بين ، تماما كقول الشاعر :
      فلا أنت من أهل الحجون ولا الصفا *** ولا لك حظُّ الشربِ من ماء زمزمِ
      أم حسام حائرة ولا تدري ما تفعله ، هل ستقف مع نفسها لتتذكر أيام الأنس بصحبة سوسن وحسام والجدة رقية ؟ أم أنها ستحاول القيام بدور الزوجة المكلومة حيال زوجها الغامض والملطخ بدم العار والفضيحة والمتهم بقتل فلذة الكبد وحشاشة الجوف ، ترددت في أمرها كثيرا ، وفي الأخير طلبت من نجم الدين أن يلتقي بها في حضانة المروج الباسمة مساء الغد ، فهي تود البوح له بكل مكنوناتها .
      الجارة أمل أعدت العشاء لأهل بيت أم حسام ، غلفته في أكياس ألمونيوم ، خرجت في الطريق إلى بيت أم حسام ، فاستوقفها موسى صديق يونس ، يحاول العبث بكرامتها ، فنهرته ، إلا أنه لم يتوقف ، قام بلمسها من جسدها ، فألقت بالطعام واعتركت معه ، فاستمر في الاشتباك معها ، ومن سوء حظها أن يمر أصدقائه من نفس الطريق ويرون الموقف ، فيهبوا مسرعين إلى صديقهم لنجدته ، أوسعوها ضربا ، واركلوها بالأقدام ، وأردوها طريحة على الأرض لا حراك لها .


      ،،، يتبع ،،،

    • أمل بين الحياة والموت ، والشرطة تحقق في الحادثة ، ذهب يونس وأمه إلى المستشفى للاطمئنان عليها ، فوجدوها في حالةٍ حرجة ، والدكتور يطلب من الحاضرين التبرع بالدم ، وللأسف الشديد جميع فصائل دم الموجودين لا تتوافق مع فصيلة دم أمل ، ولشدة تعلق أم حسام وحبها لجارتها أمل فقد اتصلت بوالد حسام تطلب منه الحضور والتبرع ، لم يتردد في ذلك فأتى مسرعا ، وفي طريقه للمستشفى وجد الرجل المجنون وأحضره معه لعل يكون منه نفعا ، وصل أبو حسام بنشوة الفرح والسعادة ، فهو يشعر بأن ثقة زوجته بدأ تعود مثلما كانت .



      تم أخذ عينات من دمه ، وظهرت ملامح الدهشة على وجه الطبيب ، قام بتحليل دمه مرارا وتكرارا إلا أن النتيجة واحدة ، فالإيدز قد تحكم بالجسم ، وأبو حسام أسير الموت لا محالة ، طلب منه المكوث معه في المستشفى ، ولم يطلعه على النتيجة فهو ينتظر الفحص الأخير ، فالتعجل في هذا الأمر له عواقب وخيمة ، وأخبر الطبيب الحاضرين بأن دم والد حسام لا يتوافق البتة مع دم أمل ، فتقدم المجنون بابتسامة إلى الطبيب وهو يمد يده قائلا : " هاك دمي فانفثه في جسم أمل ، ففصيلتنا واحدة " ، يا للهول لقد صمت الكل مبهورين ، وحقا كان كلام المجنون في محله ، وتم نقل الدم منه إلى أمل ، ليتم إسعافها من وضعها الصحي الحرج .



      لا زالت الشرطة تنتظر تحسن صحة أمل ليتم التحقيق معها ومعرفة تفاصيل الجريمة بكل حيثياتها ، الطبيب يشير إلى الشرطة بالانتظار أكثر ، ريثما تفيق أمل من غيبوبتها ويسري الدم إلى كامل أجزائها ، والد حسام يتقرب إلى زوجته بنظرات مودة وابتسامات رضى ، والزوجة تسند رأسها على كتف زوجها ، وهي سارحة تستعيد ذكريات سوسن وولدها الغالي حسام ، الحنين أخذ بها إلى متاهات بعيدة من التخيل والذكرى الحزينة ومحاولة فك خيوط العنكبوت المتشابكة في قتل حسام وسوسن وقضية بيت الدعارة ، أما يونس فهو يرمق أباه بنظرات الكره والحقد ، يخاطب أباه في ضميره ، ابتعد عن أمي أيها القاتل الجبان ، فقريبا ستلقى مصيرا أسودا ، وستموت على يدي ، سأتلذذ بقتلك ، مثلما تلذذت أنت بحرماننا من سوسن وحسام ، سأقتص لهما منك ، يا لك من وغدٍ حقير .


      ،،، يتبع ،،،


    • [B][B]الشرطة بدأت في التحقيق مع أمل بعدما تحسنت صحتها ، وكشفت عن تفاصيل الواقعة إذ أن صديقي يونس هو من تعرض لها بالتحرش في البداية ، ومن ثم قام بضربها ضربا مبرحا ، وقد استعان بأصدقائه ليكملوا عليها ، ولا تدري إن نالوا من شرفها بعد سقوطها مغشيا عليها ، إلا أنها تطلب من الشرطة اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المعتدين لكي لا تسول لهم أنفسهم تكرار ذلك مع أي فردٍ من أفراد المجتمع أو أي جنسٍ من البشر ، سألوها عن أوصافه ما دامت لا تعرف اسمه ، فقال هو شابٌ متوسط الطول ، عريض الكتفين ، حنطاوي البشرة ، ذو شعرٍ كثيف .


      تم استدعاء يونس والتحقيق معه ، سألوه عن أوصاف المجني فقال هو صديقي موسى ، ودوّن لهم عنوان بيته ، وقد بدأت عليه ملامح الحزن والغضب في آنٍ واحد ، اتجه نحو أمل يبكي ، معتذرا لها بأن صديقه المقرب يفعل ذلك بجارته المخلصة الودودة ، شعرت أمل بالحنان وقد أمسك يونس بيدها ، وشعرت بقوة العاطفة وهو يضع يده على جبينها ، ما ألذ الإحساس حينما يقبل جبينها بطريقةٍ حنونة ، ردد يونس بهمسٍ في أذن أمل " سامحيني يا أمل ، ولأجلك فإني أتبرأ من صديقي ، وسأقف في وجهه كلما رأيته " .



      تحدّثُ أمل نفسها بغرابة ، " ما سر انجذابي إلى هذا الطفل الصغير ، أيكون بداية الحب ، من المستحيل ذلك ، فأنا تجاوزت الخامسة والثلاثين ربيعا ، ولدي أبناءً أكبر من يونس بكثير ، ماذا يقول عني طليقي لو علم بأن قلبي منجذبٌ لطفلٍ صغير ، من المؤكد سيزداد سخريةً لي ، لا لا ، لا يجب التفكير بهكذا أمر ، فيونس لا يعرف الحب ، ولا يزال صغيرا على التفكير في هذه الأمور ، لكني بدأت أشعر بحنانه وعطفه ، ربما هو خجلٌ من فعلة صديقه بي " ، ولا تزال أمل في حوارٍ مستمرٍ مع ذاتها حتى ازدادت حالتها سوءً مما جعل الأطباء يمنعون عنها الزيارة .



      النتيجة النهائية لفحص والد حسام تأكد بأنه مصابٌ بفيروس نقص المناعة المكتسبة " الإيدز " ، والمرض في مرحلته الأولى ، وربما لم يتعد شهرا واحدا بعد ، وكان على الطبيب أن يحذر والدة حسام من مرض زوجها الخطير لكي لا ينقل لها المرض ، ولابد من الفصل بينهما ، فالمستشفى لا يملك الحق في حجز والد حسام ، بعدما تدخلت منظمة حقوق الإنسان بمنع حجز المصابين بالإيدز ، ولهم مطلق الحرية في معايشة ما تبقى لهم من حياتهم بالطريقة التي يريدونها شريطة أن لا يحاولوا نقل العدوى لأي أحد .



      والدة حسام بدأت تشعر بقرب أبو حسام منها ،فهي تحبه كثيرا ، وتمني نفسها بأن تعود حياتهما مثلما كانت ، بغض النظر عن ما آلت إليه حياة زوجها في الأيام السابقة ، فالحب يلتمس كل الأعذار ، ولا ذنب للحبيب مهما اقترف من أخطاء ، وكانت الصدمة لها حينما أخبرها الطبيب بالخبر ، لم تصدق شيئا ، عقلها لم يستوعب الحقيقة ، ربما هي الواقعة الأمرّ بالنسبة لها ، وتقول في ذهولٍ وحسرة " ربِ آمنتُ بقضائك ، فقدتُ سوسن ، وودعت رقية ، ورحل عني حسام ، والآن أفجع بحبيب القلب ، لمَ السعادة لا تسكن إلى نفسي ، وعلامَ الحسرة تلاحقني ، أكُتِبَ عليَّ أن أحيا هكذا ؟؟ "


      ،،،،، يتبع ،،،

      [/B]
      [/B]
    • نص جيد اخي الكريم ..


      اتمنى لك بداية طيبة ..


      تحياااتي
      لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
      لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
      الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!
    • روحي ليست أغلى من روح زوجي ، هكذا تفكر أم حسام ، فأزهار الإنسانية الجميلة لا تسقى إلا بدم التضحيات ، وما كتبه الله في كتابه كائنٌ لا محالة ، والأنفس إذا تآلفت لا تهرم أبدا ، ويبقى شبابها حيا بحياة قلوبها ، كذا حال كل المخلصين وطريق الأوفياء ، لم يزعزعها خبر الإيدز في زوجها ، بل اتصلت به روحا وجسدا ، وأعلنت تضامنها معه ، وأن الموت لا يرهبها والمرض لا يمنعها أن تعيش حياتها بصفاءٍ مع زوجها الذي افتقدت حنانه واهتمامه ، أما الزوج لم يتمالك نفسه من هول الصدمة ، لم يخطر له بالاً بهذه النتيجة ، فالحدث مأسويٌ بحق ، تأخذه الحسرة إلى ذكريات الضياع وبداية الانهيار ، إلى وجع المستقبل وجذوة القلب ، إلى موتٍ محتوم ، ونهايةٍ مخزية ، نعم يحشر المرء على ما مات عليه .
      تمسح أم حسام على رأس زوجها وكأنه طفلٌ صغير مبتسمةً في وجهه : "لا تقلق يا عذب القلب ، فأنا لن أجد طريقا غيرك ، انظر إلى احتراق مهجتي ، إلى اهتياج خيالي ، إلى نبض أشلائي ، إلى حنين وجدي ، إلى أنين آهاتي ، إلى بركان مشاعري ، إلى ترقرق عبراتي ، بل يا همسي ونجواي انظر إلى تحناني وحبي ، إلى إخلاصي وعفتي ، أنا لك ماضيا وحاضرا ، معك يسرا وعسرا ، أنت قلبي وأنا نبضك ، فلا تيأس رحمة الله أكبر ، وعطف الخالق أقوى وأعظم ، لن تنطوي صفحة النور ما دام الأمل يتورد في الشرايين .
      حسام لم يكن ميتا أبدا ، فهو يعيش في قلب يونس دائما :" آهٍ أيها الشوق ما بالك تطحنني طحن الرحى ؟ أو ما يرق قلبك لي ؟ سأعدك يا حسام أن تبقى رمزي ومثلي وقدوتي " ، هذا حديث النفس للنفس ، يبوح لنفسه ليجد التخفيف والسلوان ، فالنفس هي الصديق الذي لا يغدر ، وفي حديقة المدرسة تجيش الذكريات بوابلٍ من القسوة والعذاب ، هذا كرسي حسام المعتاد ، لا لن أبرحك أبدا ، ولن أجعلك تشتاق لحسام أكثر مني ، وفي الركن القصي من الحديقة كان مرتضى يقطف الزهور ، لا لولعٍ بها ، لكنَّ حسام كان يفعلها ، لم يشعر مرتضى بقوة الحنين لحسام مثلما يشعر الآن ، احتضن يونس طويلا ، كلاهما يبكي ، ولا يجدان من يجفف دموعهما ، آهٍ يا مرتضى طال الغياب ، وما عاد قلبي يحتمل ، أواه أواه يا يونس قلبي يكاد ينشطر وكبدي تتفطر ، وقتي لم يكن ثمينا إلا بمجالسة حسام ، وروحي لم تعرف الراحة إلا بلقيا حسام ، أين حسام ؟!!! ، قاتل الله المنون لم تترك لي حبيبا ولا قريبا .
      أمل ، هل يتحول هذا الاسم الجميل إلى حقيقة يتمناها الأقربون ؟ ، هل أملُ الحياة لأمل بات ضعيفا ؟ الأطباء يؤكدون بأن الضرب المبرح سبّبَ مضاعفات داخلية لجسد أمل ، والإشارة تتجه صوب الكليتين ، وإذا لم يتحسن الوضع سريعا ، فإن الفشل الكلوي يتربص بأمل ، والشرطة تعتقل موسى ويرفض الإدلاء بأي حقيقة ، وينكر الحادثة من أساسها ، فهو لا يعرف أمل ، ولم يعتدِ عليها يوما ، وطول وقته يقضيه في البيت لمتابعة أفلام الكرتون ، ولعب البلاستيشن بصحبة أخته الصغيرة " عبير " ، ومع استخدام بعض القوة من رجال الأمن سيكون للتحقيق منعطفا آخرا ، ولن تغيب الحقيقة ما دام يحكمه شرعٌ وقانون .
      ،،، يتبع ،،،

    • يزداد حال أمل سوءً ، والأطباء يؤكدون بأنها تعاني الآن من فشل كلوي حاد ، ولن تتمكن من الحياة إلا بنقل كِلية سليمة لها ، ولكن من سيضحي بكِليته من أجلها ؟



      بحث أهلها عن متبرعٍ بكليته فلم يجدوا ، وكان الأولى بهم أن يبحثوا فيما بينهم ، فهم الأقرب لها ، تأثر يونس كثيرا حينما سمع الخبر من أمه ، وبدأ يشعر أن حياة أمل هي حياته ، جنونٌ يَلِفُّ به ، وتيهٌ يسيطر على مشاعره ، إبحارٌ عجيب يبحر به خياله ، الرؤى في ذهنه سوداوية ، ولا منطق في هذا الزمان ، يسأل الممرضة بكل تثاقلٍ وبرود ، هل ستعيش أمل ؟



      - لا علم لي ، المقادير بيد الله



      - هل تحتاج لكلية جديدة ؟



      - نعم تحتاج لذلك لتعيش



      - ومن يتبرع لها سيموت ؟



      - لا يا صغيري ، سيعيش بكليته الأخرى



      - إذاً لماذا لا يتبرع لها أحد ؟



      - لأن الزمن تغير ، وصارت أعضاؤنا غالية



      - أنا سأتبرع لها ، لنعيش معاً



      - صرخت الممرضة في ذهولٍ واستغراب ، ما الذي تقوله ، لا تزال صغيرا يا بني على التبرع ، أنت بحاجة إلى كليتيك



      - لكن أمل تحتاج لها أكثر مني ، ومن حقها أن تعيش



      - لا تغامر واستشر والديك



      - لا لن أبقى هكذا دون حراك وأنا أرى أمل تموت أمامي



      يجري مسرعا نحو الطبيب يخبره بأنه سيتبرع بكليته لأمل ، تبدو علامات الانبهار جلية على وجه الطبيب ، وكأنه أمام حدثٍ لا يتكرر في التاريخ أبدا ، ذهولٌ يعتريه وصخب خيال يشطّ به ، هل هذا الطفل علامة جودةٍ في زمنٍ خلا من الأنقياء الأتقياء ، أهو معين تفرّد في هذا العصر الذي طغت عليه المصالح والمفاسد والماديات ، أجابه الطبيب بحنان ، أنت فخر الزمان وتاج الإخلاص ، ولكن عليك أن تأتيني برسالة موافقة من والديك ، فأنت لم تتجاوز سن الرشد بعد يا بني .



      نجم الدين كان شاعر الأمسية الوطنية الأول ، ألقى من القصائد الكثير ، بحث عن حب الوطن في كل أبياته ، ووجد أن الوطن خيانته محرمة ، وحبه واجبٌ شرعي ، حبُّ الوطن من حب الله ، لقد تفاعل الجمهور معه كثيرا ، لا تسمع سوى نجم الدين نجم الدين ، الهتافات تتعالى بطلب المزيد من قصائده الثورية ، ونجم الدين يلبي كل طلبات الجماهير ، وبعدما انتهى من الأمسية رأى عجبا عجاب ، إنه الرجل المجنون في أبهى حلله وأجمل هندامه ، بدا وسيما للغاية ، حادثه نجم الدين فوجده ملماً بالشعر والأدب ، مما زاد حيرته وفضوله ، أراد الخروج من قاعة الأمسية ، فتبعه نجم الدين سريعا .



      أم حسام ترتكب خطأً فادحا ، ضربت بنصائح الطبيب عرض الحائط ، ومارست حياتها الطبيعية مع أبو حسام ، وهي على علمٍ ويقين أنه مصاب بالإيدز ، لم تدخر وسعا في الاهتمام به ، وكأنها دخلت قفص الزوجية حديثا ، كل وقتها تلاطفه وتلاعبه ، أما المساء فيقضيانه في الحدائق وعلى الشواطئ ، وهما الآن يخططان للسفر إلى استراليا ، حيث الجمال وسحر الطبيعة واختلاف التضاريس ، لقد استطاعة أن تنسيه مرضه الذي يفتك بالأرواح ، وما عاد أبو حسام يفكر به كثيرا ، خصوصا مع الأمل الذي تمنحه له زوجته الغالية بتقدم العلم ونجاعة الطب ونجاح البحوث الجديدة في إيجاد علاجٍ نهائي لهذا المرض الفتّاك .






      ،،، يتبع ،،،