مجموعة قصص قصيرة بقلمي تخضع للقواعد الفنية ومعها قصة صوتية لي وبصوتي

    • مجموعة قصص قصيرة بقلمي تخضع للقواعد الفنية ومعها قصة صوتية لي وبصوتي

      سقوط آخر أوراق الخريف

      سقوط آخر أوراق الخريف
      """""


      .



      على الشرفة وقف منتظرا قفول زوجته المهندسة من عملها ،وتجاعيد وجهه التي تظهر معالم عمره الهرم أكثر منها تجاعيد حيرته .إنها الثالثة ظهرا ، ها هي تقبل وكأنها عنقود عنب تدلى على جائع ظمآن أو كأنها النَّوْرُ والزهر معا هكذا أحس عندما رآها راجعة. أمام الشقة أوقفت سيارتها ، استقبلها بابتسامة عودها عليها ولكنها عرفت أنه اصطنعها هذه المرة ولأول مرة في حياته . أخذت تصعد الدرج فتخيل بسماع خطوات قدميها على الدرج إيقاعا يشبه موسيقى تلك الحفلة التي تعرف عليها فيها ؛ فرغم أنها كانت تصغره ثلاث عشرة سنة إلا أنها قبلت الزواج منه وبدون تردد ولم تنبس لفقره المدقع بل أحبته حبا جما كحبه لها أو أشد حبا . فتحت باب الشقة ونظرت إليه بنفس تلك الملامح الحزينة التي ارتسمت على وجهها هذا الصباح عندما غادرته ، ولأول مرة في زيجة عمرها عشر سنوات اعتاد فيها أن تملأ البيت عليه حيوية وطفولة إذ لا أطفال لهما سواهما ، كان يغرقها بدفء الحب تماما مثلما طمرت أحزانه التي لم تبرح عنه قبل زواجهما ثانية واحدة فقد آوته وزوجته نفسها وعوضته الأهلين والعالمين. وبدون كلام سوى رد السلام اتجهت تسحب قدميها إلى غرفتها دون أن تنطق ببنت شفة إلا أنه لم يسألها فقد وعدته أن تكشف له سر تغيرها بمجرد عودتها ثم قال في نفسه متمتما : وها هي ذه تعود إلى بيتها.. لم يقطع عليه تفكره سوى ضوضاء الجلبة التي تصدرها زوجته هناك .وبعد ساعة نزلت من غرفتها واللؤلؤ في جيدها لا يشبهه كثافة سوى قيعان البحار وبيدها لوحة كبيرة وقلم .. دنت منه وطبعت على ثغره قبلة الحياة ، أخذت بيده وقالت له : هيا بنا .. هيا بنا لنتناول الطعام معا وسأنجز ما وعدتك ، فقال لها : كلا المفاجأة ثم الطعام لعله يكون احتفاء بهذه المناسبة والتي أخالها سعيدة إن شاء الله.. الزوجة : إممم ، حسنا ، كشفت عن المخبوء .. نظر إليها والأمل يغرق أحزانه فها هي حبيبته بدأت تتفتح شيئا فشيئا وقال : حبيبتي ما هذا ؟ألوحة فارغة ؟ .. خلته تصميما ناجحا لك أحببت أن أشاهده قبل أي أحد آخر . الزوجة : نعم سيكون تصميما بل تصميما أنت من سيصممه .. الزوج : أأأ أنا ولكنني لست مهندسا ولا رساما فبالله عليك قولي كيف سأصممه !!!. فأجابته برذاذ دموعها الذي سرعان ما بدأ السقوط ،أحس أنه ما من دمعة تسقط من عينيها الهادئتين إلا وتقع في صحاريه الخضراء فأمسك يديها، فنزعتهما برفق ، و أمسكت بالقلم وبدأت ترسم خطوطا عرضية وأخرى طولية وترسم منحيات حتى أكملت عشر أشكال هندسية ثم صمتت قليلا ثم قالت : عشر سنوات. ألقت بالقلم فأمسكه ورسم خطا كبيرا وكتب أعلاه عشر سنتمترات أو عشرة أمتار لا أدري ولكنه خطا مستقيما وهي مؤنثة ومذكرة . أمسكت القلم من يديه وما أن لمست خشونة كفيها كفه تنهدت وأغمضت عيناها قليلا وفتحتهما ورسمت شكلا مزدوجا شبيها برقم صفر وواحد .عندها قال الزوج : أهذا قرارك .. الزوجة : لماذا لا تجرب فلربما ستستجيب خلاياك للعلاج. الزوج :زوجتي حبيبتي. صرخت بوجهه قائلة : سئمت تمثيل الدعة وأخذت تتلو عليه ما لم يتوقع سماعه منها المرة تلو المرة ، (هو) مطرقٌ رأسه . (هي) انكبت على الأرض باكية ثم رفعت رأسها وأمسكت يده وكتبت في بياض كفه : طلقني .. نظر إليها وسقطت من عينيه على بياض لحيته دمعتين أزال بهما ما سودته على بياض كفه ثم أمسك بالقلم كاتبا في كفه : لحظة .. وبنفس الكف ربت على كتفها ومسح دموع عينيها .صعد لأعلى وأخذت ترقب الباب المؤرب إلى أن نزل وفي يده حقيبة ملابسه والغيم في وجهه قد خسف بدر وجهه الوضاء . اتجه للباب الشقة وفتحه ثم عاد للورقة وكتب لها شيئا ثم فتح الحقيبة وناولها منها زجاجة عطر فارغة واتجه خارجا وقبل أن يدير وجهه عنها كالجندي أمام قائده وقف أمامها. هلعت أن تقرأ ما في الورقة سقطت زجاجة العطر من يدها ، فوقف قليلا قبل أن يغلق الباب وراءه وقال : خسارة ثم واصل طريقه خارجا . أمسكت الورقه وقرأت ما فيها: هذه هديتك أول ما تعارفنا نفد ريحها وبقيت ذكراها وشذاها بقلبي فإذا هانت العشرة عليك فاكسريها فأنا علقت طلاقك بكسرها . وعندها اعلمي قد يحزن كل شخص منا ولكن أبدا لن يكون هناك أي صديق للحزينين ، وإن أشرق في عالمهم فإنه سرعان أن يكسف أو يغرب . واعلمي يا صغيرتي أنك أنت السبب وليس أنا ولولا أني خشيت أن ينكسر قلبك لصارحتك من الوهلة الأولى ،أحبك.آسف فهذا الأمر الوحيد الذي لم أستطع البوح به لأجلك .

      جاسم القرطوبي

    • [url=http://www.gmrup.com/][/url]

      الحادية عشرة إلا الربع قبل منتصف الليل ، السيارات تتصاعد الأنفاس في الشارع المطل على هذا البيت المختبئ في هذه الحارة المكتظة بالبيوت الباكية .وها هو ولدها الوحيد يغط في (سابع) نومة غير مكترث أبدا بكل تلك الضوضاء ، ولم يأبه بصوت ذلك التلفاز الذي بات يجلجل في أذنها الثقيلة السمع ، بل لم يقطع نومه كعادته متذمرا من مواء هذه القطط السوداء وتلك الكلاب الرقطاء بعد أن كانت سيمفونية قطرات الماء التي تعزفها الصنابير تحول بينه وبين غفوته . وها هي أمه التي تعودت أن تنام مبكرا بعد أن يصرعها تعب يوم شاق لا يكحل هذه الليلة عينها. أشعلت الأنوار جميعها برجاء أن تخمد عينها التي اعتادت إذا أرهقتها أشعة الشمس أثناء عملها بالحقل أن تغمضها قليلا فيعالجها النعاس فتصارعه لتتغلب عليه ،ولكنها هذه المرة تستجديه قائلة : أينك أيها النوم ، ها أنا ألقيت أسلحتي ، تعال تعال فأنا أعلنها لك سأسلم نفسي لك بل سأهزم لك لا بل سأنسحب من أرضي لك وبدون تلك التي أسمعها في التلفاز ولا أفهمها مفاوضات.أيها النوم تعال الثانية قبل الدقيقة التي تلسع عقارب الساعة قلبي فيها، وألعنها إذا أعلنت السابعة إلا الربع صباحا موعد إقلاع طائرة ابني سعيد الذي قرر أن يسافر ليعمل في بلاد الغرب . ثم انطلقت يمنة ويسرة تسعى وهي تتمتم لحظة وتبكي لحظة أخرى وتحملق في الساعة التي تخالها تجري لأحزانها بلا هوادة، وتنظر لابنها النائم على سريره تارة أخرى . يا إلهي ماذا أفعل؟ ، أحقا سيتركني ولدي ويرحل، نعم سيفعلها فهو لم يصغ لصوت حبيبته اللعينة الرافضة لفكرة السفر وهي التي تحلق في عالم من الأوهام بزواجهما وببيت الأحلام . وهو الذي لم يرتد عن فكرته بالرغم من أنني لم أترك أي صغير ولا كبير ليحاوروه فينثني عن فكرة السفر .ومصيبتاه ، سيسافر ويتركني في هذه الدار الواسعة سبعة أمتار في سته كافية لي وله ولزوجته أو له ولزوجته فلا أعتقد أنه بقي من عمري مثل ما مضي ، يا إلهي متى يعقل هذا العاق أن العز ليس بالجاه والثروة فحسب؟ ، التذكرة نعم التذكرة سأسرقها لكي تضيع منه فرصة السفر وسأمزق جوازه إثبات هويته الوحيد ، وماذا بعد ، لا، لا شئ فهذا كاف وكفيل لإقناعه بالبقاء . وكاللص تسللت لتسرق أبنها بحثت في كل حدب وصوب ، أين التذكرة أين الجواز ، يا إلهي لا وجود لهما في أي مكان ولا وجود لتلك الحقيبة التي أشتراها بعد أن أخذ مني نتاج أسبوع كامل،آه نسيت أنها مع صديقه الذي سينتظره في المطار .ورجعت الأم بدون خفي حنين لمقعدها الساهر وهمها . إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولا زالت تسابق الوقت لتعدله عن فكرة السفر حتى عن لها فكرة جهنمية ، نعم وجدتها ، ولكن هل سيقتنع .. لا نعم ، نعم سيقتنع سأؤخر جميع الساعات في البيت حتى يفوته موعد الطائرة ..ولكن ما هذه الضوضاء المنبعثة من السيارات ألا تنقطع ، ألا تتحطم محركاتها حتى لا تزعجه وتطرد النوم عنه،تتطحم!! لا يا رب لا تستجب فإذا تحطمت محركاتها ستصدر صوتا لربما يوقظه ،وأحمدك أنك لم تجعلنا ندخل الهاتف في منزلنا . وبهدوء تام جدا تسللت لغرفة ابنها ناقلة بخفة رجلا ثقيلة كانت تضغطهما سابقا بقوة لتقلق نومه .وكأن يدا ثالثة ورجلا رابعة خلقت لها حتى استطاعت أن تغير ساعتي المنزل وتغيير منبه غرفته بسرعة هائلة ،وكم كاد يقف خفقان قلبها عندما استيقظ فجأة ساعتها لينظر للساعة شزرا ويقول : يا إلهي لقد أنكسر ظهري بسبب النوم على هذا السرير الخشن ولا تزال الساعة الحادية عشر إلا الربع ، فأوجست في نفسها خيفة فهي تخشى أن يخرج إلى العراء ليقضي حاجته ويفطن للوقت وينتبه للعبتها ولم يرعها أنه راءها تقف بجانبه فقد اعتاد هذا المشهد إذا ما استيقظت ليلا لتطمئن عليه أو كان مريضا أو أراد السفر القريب، ولم يهد بالها إلا بعد أن سمعته يقول مستدركا : ولكنني سأخلد للنوم مجددا فما أجمل النوم لا سيما وأن علي سفر طويل غدا ثم تبسم بوجه أمه ابتسامة القمر في مهاده ، الطفل في سمائه وغط في نومه. ثم انطلقت إلى كرسيها ولسانها يدعو أن لا يسافر ومكثت بين نتح ومتح على سريرها فينة وغير بعيد منه فينة أخرى حتى تأكدت أن الآن فعلا وقت إقلاع الطائرة فها هي أخبار السابعة إلا الربع صباحا قد بدأت في التلفاز الذي أبى إلا مواصلة السهر رغم أن صاحبته قررت أن تأخذ إجازة ولأول مرة في حياتها من رصيد إجازة الجمع والعطلات والأعياد لتنام.. ولم تكد عيناها تغمضان حتى أفزعها أو لربما أفرحها خبر عاجل وهو سقوط الطائرة التي كانت ستأخذ ولدها للغرب ؛ فانطلقت بسرعة لتكفر عن جريمتها وتخبر وليدها بما صنعته وحتما سيغفر لها إذا علم بما حدث ، وعبثا حاولت إيقاظه ولكنه لم يستجب حينها قالت والدماء تسيل كالماء من كلتا عينيها: يا بني إذا أردت السفر ، تسافر ولا تخبرني قبلها حتى وإن لم ترجع وبارتفاع الشمس لكبد السماء أسودت غرفة ابنها بل واسودَّ البيت كله..

    • في ظل الشمس

      [url=http://www.gmrup.com/][/url]


      في منتصف هذا الصيف ، من ذلك النهار، ومن تلك الساعة التي تستجير الشمس فيها من نفسها بنفسها ، وفي قارعة هذا الطريق الملئ بالأوساخ والقاذورات ، كنتُ أظنُّ أنني الوحيدُ الذي خرج من البيت لتلفحه الشمسُ بأوارها حتى رأيت تلك العجوز ذات العباءة السوداء المهلهلة وهي تجلس في ملتقى الاتجاهات الأربعة للزقاق، مادة ً كلتا يديها في الفضاء ، وبجانبها كيسٌ فيه ما لذَّ وطاب من بقايا الطعام ، وزجاجة فيها القليل من الماء ... فدهشت لحالها وتساءلت : أي حاجة تضطرها للخروج في هذه الساعة الملتهبة ، وتقعدها هنا!!!! ورمقتُ إلى الشارع الذي لا يبشر بخروج إنسان في هذه الساعة تتأملُ منه أن يمد لها يدا بيضاء!!!!!!!!! ، فتساءلتُ: يا ترى ، هل سيؤول وضعي إلى هكذا يوما ما ؟ومددت يدي إلى جيبي المثقوب وفتشتُ جيدا فلم أرَ سوى بضعةِ بيسات لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولكن لا تستحي من إعطاء القليل فالحرمانُ أقلّ منه ، فاتجهت نحوها ونظرت إليها فأخذتني القشعريرة فقد كانت إيماءةُ رأسها تشبهُ إيماءة الساجد المبتهل ، سلمتُ عليها مرارا ولكنها لم ترد ؛ فقلتُ في نفسي : لعلها لا تسمع إلا بصعوبة فرفعتُ صوتي : ( يا حاجة) السلام عليكم ، فنظرت إلي شئزا ولم ترد أيضا غير أنها تمتمت بكلمات لم أسمعها جيدا بل لم أفهمها ولكنني من لسان حالها فقهتُ قصدها : غريبة ٌ ومتى المحسن يرد علينا السلام فضلا أن يبتدئنا به ؟ انطلقت كلماتها كالصاروخ من فمها لأذني ولا إراديا رميتُ البيسات في يديها وانصرفت لمكان قريب أرقب وضعها وحالها ما قصتها ؟ ما أخرجها ؟ ما بها ؟ من هذه ؟ وما مآل أمرها بل ما سيئول أمرها ؟ يالله ذقت الفقر ولكنني لم أرَ أمرَّ من هذا المذاق . وأخيرا قررتُ أن أقطع حبل هذه الأفكار بسؤالها وتقدمت ببط شديد ولا زالت تبطئ بي الخطوات شيئا فشيئا حتى رأيت شابا وقد نفش شعره كالديك ، والسيجارة في فمه بزاوية منفرجة و أتى إليها واستقبلها بصوت مدويا وتحدث معها بلهجة غير العربية وليست بالغريبة عني ولم تكن بالغربية .ثم مد إليها يدا غليظة ومن يديها النحيلتين اغتال بضع ريالات ، ومن جانبها أخذ بقايا طعام رماها بعيدا عنها وأخذ منها زجاجة ماء وسكبها بعيدا منها ثم أشار إليها بإصبع الاتهام وتكلم معها بنفس تلك اللغة ، كلُّ هذا وهي تستقبل سيول وديانه بالثبات وانصرف فانكبت باكية على الأرض فأسرعتُ إليها بعد ذهابه بعد توقفي اللاشعوري عند قدومه . ولم تكد تشعر باقترابي حتى قالت : يا ولدي ساعدني على النهوض ، فأجبتها بأن رفعتها عن الأرض فكانت كالريشة بيدي والبخار من عينيها يكاد يشكل سحبا ركامية أو هكذا خُيِّلَ إليَّ ، تم قالت لي : هل لك أن تحمل هذه الصرة على رأسي ففعلت ووضعتها على رأسها ووضعت دمعة ً عليها فقد كانت الصرة تنوء بالعصبة أولي القوة لثقلها ، ثم أشارت إليَّ بيديها وداعا ومضت بلا نعل وعكازها يهديها الطريق، ومضيتُ كالجاسوس خلفها فتوقفت والتفت نحوي بكلها والصرة على رأسها تذكرني بصورة ذلك الثور الذي يحملُ الكرة الأرضية على رأسه كما رأيته في الأساطير وقالت لي : يا ولدي لا تقلقْ ما زالت البيسات التي أعطيتني في كفى فكفَّ عن ملاحقتي ثم مضت إلى أن تلاشت كالطيف أمامه وذابت سرابا في الحارة .