* تسعى إلى تشتيت تفكيرها وتركيز انتباهها في أمر آخر يبدد قلقها وخوفها من الجمهور.

القاهرة- هشام نصر

لكل شخصية مفرداتها ولزماتها التي ترتبط بها وتتماهى معها، حتى كأنك لا تستسيغ هذه الشخصية بدون المفردات الأكسسوارات التي اعتدت رؤيتها في كل ظهور لهذه الشخصية، فهل بإمكانك أن تستوعب ظهور بغير عصاه وقبعته، وهل تستوعب ظهور فؤاد المهندس بغير نظارته، وهل يمكن أن يمر ظهور سيدة الغناء العربي أم كلثوم بغير منديلها الشهير مرور الكرام؟ وقد ارتبطت أم كلثوم بمناديلها ارتباطًا وكان هناك منديل يتناسب مع كل فستان تظهر به أم كلثوم•• تعالوا نتعرف أكثر على منديل الست، كمدخل إلى غيره من المناديل الشهيرة• تعتبر أم كلثوم أول من دمجت إطلالتها الفنية على المسرح بأكسسوار معروف بها وهو المنديل، فكان رفيقها الدائم الذي لم تتخل عنه أمام الميكروفون، تمسح به عرقها وتشد عليه بيدها عندما تشعر بحالة طربية جامحة. وتوضح خبيرة الأكسسوار المصرية مروة حامد أن سيدة الغناء العربي كانت من أوائل النجمات العربيات استخدامًا للأكسسوار، وتميزًا فيه.. موضحة أن المنديل لم يكن مجرد وسيلة تستخدمها لتجفيف العرق، إنما كان لمسة جمالية تضيف بعدًا آخر إلى حضورها وجاذبية صوتها، فكانت تستخدم مناديل عديدة تتنوع وتختلف بتنوع واختلاف الفساتين التي ترتديها، فلم يكن منديلا واحدًا، ولا يمكن تصور ذلك، بل كان لسيدة الغناء العربي أكثر من منديل يختلف لونه وتطريزه وطريقة تصميمه والخامة المصنوع منها باختلاف المناسبة والفستان الذي ترتديه، حتى صار المنديل في حد ذاته أشبه بالعلامة المميزة أو "اللازمة" المرتبطة بالفنان، فلا يمكن تصور مشاهدته دونها، وبذلك لا أعتقد أن أحدًا كان يستوعب ظهور أم كلثوم وهي تشدو بإحدى أغانيها دون أن يتماوج المنديل بين يديها. ويؤكد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر د. محمد المهدي، أن ارتباط الإنسان بشيء معين في حياته يعبر بداية عن مفردات في شخصية هذا الإنسان تركن إلى المودة والارتباط والألفة، ودلالة على ركون هذه الشخصية إلى الثوابت وعدم ارتياحها إلى كثرة التغيير.

وبالنسبة لارتباط ظهور سيدة الغناء العربي بالمنديل في جميع حفلاتها، وليس في مناسباتها الخاصة، فهذا يدل على أنها - رغم كل ما يقال عن شخصيتها القوية - تخشى دومًا رهبة المواجهة، فتتوتر أعصابها من التجمعات؛ لذلك كانت تسعى إلى تشتيت تفكيرها في هذه النقطة وتركيز انتباهها في أمر آخر يبدد قلقها وخوفها من الجمهور الذي يحضر بالآلاف للاستماع إليها، وهذا باعتقادي ما كانت تجده أم كلثوم من تعزيز نفسي في مناديلها، لاسيما أنها كثيرٌ ما كانت تلوح بها لتشتت تركيز الحضور الناظرين إليها مباشرة، وتحويل هذه النظرات لا إرادياً إلى المنديل. وأضاف: بالنسبة لمن اشتري منديل "الست" قبل سنوات بمبلغ قيل إنه يصل إلى عشرين مليون ريال سعودي، وأيضًا كل من يسعون إلى شراء متعلقات المشاهير، فأعتقد أنهم مصابون بنوع من هوس متعلقات المشاهير؛ لأن المشتري لا يسعي إلى القيمة المادية للشيء، لكنه يسعى إلى جذب الأنظار، واستقطاب اهتمام الآخرين، وإحساسه بالتميز والتفرد كونه وحده الذي استطاع الحصول على هذه القطع النادرة التي تخص الصفوة والمشاهير.. لافتًا إلى أن القيمة هنا ليست في الشيء نفسه، إنما فيمن كان يملك هذا الشيء، وبعيدًا عن الاتفاق أو الاعتراض على من يشترون متعلقات المشاهير والمبالغ الجنونية التي يدفعونها فيها، فإن المشتري دائمًا مصاب بنوع من الخلل النفسي.

أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مصاب بالهوس. أشبه بقطعة فنية الرائد الإذاعي وجدي الحكيم، الذي يحمل في جعبته وذاكرته الفوتوغرافية تاريخًا يمتد لأكثر من خمسة وخمسين عامًا استطاع خلالها محاورة قمم الغناء والشعراء والكتَّاب في حوارات أشبه بالقطع الفنية الزاخرة بالأسرار والتفاصيل، كشف سر استخدام أم كلثوم للمنديل•• موضحًا أن سيدة الغناء العربي كانت سيدة أصيلة لها طقوسها التي لم تتبدل، فكانت محافظة للغاية، لا تستقبل رجلاً غريبًا بمفردها أبدًا، ولا تختلط بالوسط الفني، ولا تأكل خارج منزلها، وقد أفصحت عن المنديل الذي تمسكه في يدها، وكان الكل يعتقد أنه من متطلبات الأناقة التي ابتدعتها، لكنها كشفت المستور، وقالت إنها تشعر بالقلق والخوف وببرودة في أطرافها أثناء الغناء فتستدفئ بهذا المنديل، بل إن الكرسي الذي كانت تجلس عليه حتى انتهاء المقدمة الموسيقية - كما ذكرت في أحاديثها - كان لتجنب مشيها أمام الجمهور، كونها لا تقوي على ذلك، فكان الستار ينفرج عنها فتحيي الجمهور، وتجلس على المقعد لكي تتأمل الوجوه وتألفها، ثم تنسى كل ذلك عندما تندمج في الغناء.
{ وكالة الصحافة العربية }