ثقافة الاستدراك

    • ثقافة الاستدراك

      [B]مهما كان وعي البشرية ناضجاً، ومهما كانت تجاربها وخبراتها عالية وعميقة، فإنها لا تستطيع رؤية الحقيقة دفعة واحدة، فقد مضت سنة الله – تعالى – فينا على أن نرى الحقائق على دفعات، وأن تتغير رؤانا ومواقفنا تبعاً لتغير الظروف والمعطيات، لكن المشكل في هذه المسألة هو اضطراب مواقف كثير من الناس، هذا الاضطراب ناتج من غموض الرؤية والحيرة في تصنيف كثير من الأشياء. أعني بثقافة الاستدراك تلك القابلية العقلية والروحية والعرفية للتغيير والتحوّل والترميم للقصور.. وإذا تساءلنا عن الدواعي التي تتطلب منا تأسيس هذه الثقافة، فإننا سنجد الآتي:

      - نحن قد نقول القول، ونقف الموقف بسبب غلبة أهوائنا علينا، وهذا ليس نادراً في الناس، فقد يحبّذ الإنسان الشيء؛ لأن له فيه مصلحة شخصية، كما يفعل التاجر حين يمدح سلعته بما ليس فيها كي يحصل لها على سعر أعلى، وقد يحبذ أحدنا القول؛ لأنه يوافق مزاجه كما يفعل المتشائمون حين يصدِّقون الأخبار السيئة، وكما يفعل المتفائلون حين يحتفلون بالأخبار السارَّة، وحين نتحرر من ذلك فإن الشيء الوحيد الذي يجب القيام به هو التغيير والتراجع.

      - بما أن الإنسان قاصر في فهمه لكثير من الأمور، وخاضع لرغباته في كثير من الأحيان، فإننا نستطيع أن نقول: إن كل النظم والتنظيمات التي وضعها الإنسان مصابة بالقصور الذاتي، وتلك النظم تشمل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونظم الفهم والتفسير والإدارة وحل المشكلات...

      - زيادة النضج حيث إننا نجد كثيراً من الملحدين والمتطرفين في مواقفهم وكثيراً من المنحرفين... يعودون إلى رشدهم حين تتقدم بهم السن، والأمثلة على هذا أكثر من أن تُحصى، بل إننا نجد من أهل العلم والدعاة والمصلحين من يفعل ذلك، وإن الخبر السارّ في هذا هو أن الإنسان كلما نضج أكثر مضى نحو الاعتدال والهدوء في الطرح والصبر على تحليل الظواهر واستبانة الحق. العجيب في هذا هو أن الناس لا يعرفون كيف يقفون الموقف المنطقي والعادل من ذلك؛ إذ إنك تجد من ينتقد العالم إذا ثبت على أفكاره وآرائه وتوجّهاته، ويعدون ذلك نوعاً من الجمود ونوعاً من العزلة عن تيار الأفكار الجديدة، وإذا طوّر العالِم رؤيته أو فتواه أقاموا عليه الدنيا، واتهموه بالتذبذب والخضوع للمغريات التي قدمتها له هذه الجهة أو تلك!
      السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي علينا أن نعمله حتى نرسّخ ثقافة الاستدراك في حياتنا؟
      الحقيقة أن علينا عمل العديد من الأمور، منها الآتي:


      - التوبة واستسهال التراجع عن الخطأ، فما دام الوقوع في الخطأ شيئاً مألوفاً جداً، فينبغي أن تكون التوبة أيضاً شيئاً مألوفاً، وقد ورد أن نبينا – صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر الله، ويتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة، وهو المؤيَّد بالوحي المعصوم من الوقوع في الزلل، وبعضهم يمنعه من التوبة ما لديه من تهاون بغضب الله، واسترسال في الغفلة.
      - التخفيف من الحماسة للأفكار والآراء والمواقف الاجتهادية؛ إذ أن خطأها قد يظهر في أي لحظة، ويكون علينا حينئذ التراجع عنها بوضوح وجرأة.
      - التوسّع في ممارسة النقد البناء، والعمل على أن يمتلك كل واحد منا رؤية نقدية للقضايا الكبرى التي تمسّ حياة الأمة، وحياته الشخصية، وليس في النقد العلمي أي عدوان على أحد، بل هو عمل تكميلي للأفكار والطروحات والمشروعات البنائية، وهذا راسخ إلى حد يمكن أن نقول معه: إن كل ما يطرحه الناس من أفكار ورؤى وخطط... يظل ناقصاً وفجاً ما لم يظفر بنقد قوي ومنهجي، وقد أرسى القرآن الكريم مبدأ عظيماً في حياة هذه الأمة، وهذا المبدأ يقرر أنه لا ينبغي أن يكون في المجتمعات الإسلامية أي شخص فوق المساءلة، وإلاّ تحوّل إلى مظلة يستظل بها الفاسدون، بل إن القرآن فيه عتاب الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بعض مواقفه واجتهاداته؛ ليعلم الناس أن المراجعة والاستدراك أمر وارد على كل أحد.


      - إثراء العمل التطوعي والخيري، فقصور النظم والظلامات التي تقع والحقوق التي تهضم بسببها تحتِّم علينا الاستدراك على ذلك من خلال بذل المعروف ومساعدة الضعيف والمساهمة في بناء المرافق االعامة، وبهذا الاعتبار لا يكون العمل الخيري والتطوعي من باب التبرع، وإنما من باب قضاء دين مستَحَق.
      الأمم المتقدمة تنظر إلى ثقافة الاستدراك على أنها ثقافة النمو والإصلاح والتقدم، أما الأمم المتخلفة، فإنها تنظر إلى هذه الثقافة نظرة استخفاف أو استهجان، ومن ثم فإن الاستمرار في الخطأ والجمود على الموروث يكون هو سيد الموقف في حياتهم.


      [/B]
      عُمانيٌ وأنطلقُ إلى الغايات نستبقُ وفخري اليوم إسلامي لغير الله لا أثقُ وميداني بسلطنتي وساحُ العلمِ منطلقُ
    • يعطيك العافية أخوي سنور ولابس كمه..

      للأسف يبدوا على البعض الآن نوع من الكبر أن يتراجعوا إذا كان في رجوعهم مصلحة للفقراء والمستضعفين..

      واستسهال كبير لعملية الاستدراك إذا كان المتضرر شخصية نافذة وقويه.. وهي من الآفات التي مسحت نظام المصداقيه والشفافية في القرارات والمحاكمات.

      نعود إلى ما ذكر أعلاه.. وأتمنى أن نشدد على نقطة ( التوبة والاستغفار في عملية الاستدراك والتعديل)

      فنعم .. التوبة لله تعني وقوع الإنسان في أخطاء عده دون علمه وعلى ذلك يكون الاستغفار والتوبه عما نعلم وما لا نعلم حيث لا يدرك أحد نتيجة أفعاله في الغد.. وهي من الأمور التي اختص بها الله..

      ولكن علينا التأكيد على أن التوبة والإستغفار تكون في التنفيذ وطريقة التنفيذ.. ولكن التقيد والممارسة يكون بوعي كامل وبدراسة شامله لنتائج واحتماليات ما نأمر الناس أن تفعله.. فلا يجوز أن نعمم أمراً ثم نستدرك.. وندعي الخطأ والنسيان..

      وإلاّ لما كان أمر الله .. فإذا عزمت فتوكل.. وعليه فإن الإنسان يتوجب عليه دراسة أمره جلياً أخذ احتياطاته وتوقعاته .. فإذا ما حدث لبس أثناء التنفيذ.. كنية باطله أو منفعة خاصه، أو تساهلنا خوفاً من شخص متكبر وجبار.. فإننا نتوب إلى الله ضعف قدرتنا.. وضعف همتنا

      أو أن يكون من الجور تنفيذ الأمر على بعض الفئات التي يتوجب استثناءها بسبب الحاجة والضعف.. فعلينا هنا أن نستدرك..

      وبشكل عام.. فإننا نستدرك الحقائق كل بعقله واختلاف قدرته.. ولكنه أمر إذا لم نفعله أصبحنا ذوي كبر وغرور..

      فالكمال لله.. والنقص صفة بشرية..


      تقبل تحياتي .. أختك
      نصل متأخرين دائماً بعمـــر !!
    • أخي ذا الكمه أشكرك على هذا البذخ في الطرح وبعد ...
      ثقافة الإستدارك قد تكون من أحد الأشياء التي لا يفقه الكثير أهميتها رغم
      انها من الأمور الحساسة والتي قد تلقي بمن يتزمة عنها في المهالك في كثير من
      الأوقات لأسباب عديده قد يطول بها الشرح لأختلافها وتنوعها كلا حسب
      الموقف والمجال وكيفية تعامل الشخص حينها
      حيث يأتي تكبر الشخص على خالقه وعدم استدارك عظمته في هرم هذه
      الأسباب والبقية تتبع ...
      ولكن لنبسط الفكرة دعونا نأخذها كتطبيق يومي يصادف الأغلبية منا والتي
      نستبين منها أن ثقافة الإستدارك من الأشياء التي نفتقدها بشكل كبير وهذا
      الشيء يتضح عندما تناقش شخص في فكرة معينة يحملها وتبين له بجميع السبل
      والبراهين أنها فكرة خاطئة وغير سديده إلا انه يتزمت عند رأيه بها
      و نجده يدافع عنها حتى وهو مدرك انه على خطأ إلا انه لا يحبذ الإعتراف بالخطأ
      ويفضل الوقوف عند رأيه محاولاً ان يثبت ما لا يمكن إثباته لظنونه الواهية أن
      الإعتراف بالخطأ يضعف شيءً من ذاته وفكره ...
      فهكذا يتم الأمر في كثير من الأحيان ولكن بشيء من التعقيد خصوصاً إذا وصل
      الإمر بين المخلوق والخالق فيحاول المخلوق ان ينتحل صفة من صفة الخالق
      وهي الكبر فيسقط في دائرة المحظور ...

      إمتناني والتقدير ...
      " الصمت بيتي ودمعتي ألف شباك " والهم باب وغيبتك ألف زاير ...
    • ثقافة الاستدراك...

      موضوع جميل ومفيد للطرح والنقاش...

      ربما هي فطرة فينا ... في طبيعتنا البشرية المليئة بالتناقضات والمتغيرات...

      نادرا ما نتقبل آراء الآخرين إذا كانت مختلفة عنا ...

      هذا هو واقعنا ... سواء في الشرق أو الغرب .... سواء كنا عربا أو أجانب...

      لا يمكننا الهروب والتنكر لهذه الطبيعة البشرية...

      ربما نحن بحاجة لكثير جدا من سعة الصدر لتقبل الرأي الآخر المختلف...

      وبحاجة أيضا لنترجاع عن كل قرار خاطئ في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان ...

      وهذا يتطلب منا قوة في الشخصية ... فليس القوة في أن تفرض رأيك على الآخرين بالقوة ولكن بالمناقشة والمحاورة وتقبل النقد البناء...
      وقبل كل هذا وكما قالت أختي عيون هند... علينا أن نتأنى قبل أي قرار وأي كلام...
      سبحان الله وبحمد