الحكم لكم في قضاتنا الشرعيين (آبائنا)

    • الحكم لكم في قضاتنا الشرعيين (آبائنا)

      "يا أبا ذر، طفّ الكيل، ليس لابن البيضاء فضل على ابن السوداء إلا بالتقوى ..." بهذه الكلمات رد الرسول (ص) لأبي ذر عندما عير بلال وقال له : يا بن السوداء . بلال الذي ضرب أروع الأمثلة في العطاء والتضحية بلال الذي كان يقول لمعذبه : إنك اشتريت هذا الجسد البالي ، أما عقلي فإنك لن تستطيع أن تشتريه . بلال الذي جاب صوته أنسام الأرض والسماء ، بلال الذي اعتلا ذات يوم حجب السماء ليطلق للعالم الرسالة السماوية لكافة أقطار الدنيا ، عندما أمره (صلى الله عليه وسلم) أن يؤذن من على جدران البيت الحرام ، لتطوف حنجرته بسواد الدنيا فتحليها إلى بياض يشبه ريش طائر أبيض رباني ، بلال الذي يأمره الرسول (ص) برفع الأذان كلما عجت رياح الدنيا في دواخله (ص) . "أرحنا بها يا بلال" .
      ولست هنا لأجر التاريخ لأبين لكم صفحات النقاء التي خطها الإسلام . قد يكفي المرء قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" ولست هنا لأوقد فوانيس الأنبياء لأنير ظلمات القرن الحالي ، الذي يتباهى فيه المرء بخيلاء العدالة وتطبيق الديمقراطية . ولكن آل للإنسان أن يستذكر أن الماضي الذي سطره "أبو جهل" و "أمية بن خلف" لا زال يحوم كطائر جريح يحاول تضميد جراحه . هذا الطائر الذي أدماه "عمر بن الخطاب" في الحادثة المعروفة ، عندما ضرب ابن عمرو بن العاص، ابن القبطي ، عندما غلبه في سباق الخيل ، ليطلق من ذاك العصر عمر بن الخطاب العبارة التي بموجبها منحت صك الحرية للعالم "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً." .
      ففي العاشر من ديسمبر عام 1948م احتفل العالم بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" ولعل من أبرز الحقوق هي :-
      1ـ جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة ، والحقوق ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء .
      2ـ لا يجوز استرقاق أي إنسان ، أو استعباده ، ويحظر الاسترقاق ، وتجارة الرقيق بكل أوضاعها .
      3ـ كل إنسان أمام القانون سواسية ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة .
      ما حدا بجميع دساتير العالم بالأخذ بهذه الحقوق وجعلها في مقدمة المواد التي تصون للإنسان كرامته .
      ولقد جاءت المادة "17" من النظام الأساسي للدولة بالآتي : "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي .
      وجاءت المادة "260" من قانون الجزاء "يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى خمسة عشرة سنة كل من استعبد شخصاً أو وضعه في حالة تشبه العبودية." .
      ولست هنا أمام قوانين الأرض أو قوانين السماء ، فجميع دساتير الأنبياء جاءت لتحرير الإنسان من العبودية ، وكذلك هي الدساتير الوضعية التي تكفل للإنسان الحرية بعد زوال الرق والاستعباد وإلغاء العبودية بكافة أشكالها .
      وها نحن في القرن الحادي والعشرين حيث يقوم أحد قضاة الشرعيين بتحويل ميراث أحد الأشخاص إلى شخص آخر . وتتلخص الدعوى في وفاة أحد الأشخاص الفقراء تاركاً وراءه المنزل الذي كان يأويه وأخت كانت تستظل بظل أخيها في الحياة وابن أخ للمتوفى ، إلا أن بعد وفاة الشخص يطل من نافذة "أبي جهل وأمية بن خلف" شخص يدعي بأن المتوفى كان عبداً لوالده ولم يعتقه والده حتى توفي ، لذا يجب إعادة ما تركه المتوفى الأول من ميراث لي لأني أحق به فذاك مملوك لي فأنا ورثت السيادة بالوراثة وورثوا هم العبودية بالوراثة .
      وتحت بند "من المعلوم أن الأصل في المملوك الرق ، وهو وماله لسيده وكذلك ما يتركه بعد وفاته لسيده." .
      فقد حكم القاضي الشرعي بتاريخ هذا القرن 28/4/2004م بأن ليس للأخت ولا لابن الأخ نصيب من ميراث المتوفى ونصيبهما يرجع إلى سيده .
      فإذا كنا قد خلعنا لباس الرق والعبودية على الأوراق ، فها نحن نتباهى به في الظاهر إن أمية بن خلف حاضر في هواءنا وفي لباسنا ، وأبو جهل حاضر في مأكلنا ، كلهم يطلون علينا من بوابة التاريخ المر .
      أي كرامة للإنسان عندما يجرد هذا الإنسان من أبسط حقوقه؟! وأي عار للتاريخ عندما يلطخه أنصار أمية بن خلف؟! هل هكذا هم أولياء الأمور؟! إننا أمام حالة إنسانية تقصف بنا جميعاً . فالقاضي تمت مكافأته بالنقل إلى درجة أعلى ، والسيد بالميراث ، والوارث الحقيقي باللوذ إلى ملكوت الله للبحث عن مكان آخر فيه أشباهٍ لعمر بن الخطاب .