قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدً ا [1]﴾.
ومعنى وسطًا: عدولاً، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي في الصحيح.
وقال تعالى: ﴿كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [2]﴾.
هاتان الآيتان وإن كانتا تشملان الأمة كلها، فإن الصحابة داخلون في هذا دخولاً أوليًّا لأنّهم المخاطبون بهذا.
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (ج12 ص155): حدّثنا عبدالرّحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: ﴿كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس﴾ قال الّذين هاجروا مع محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة.
وسنده حسن.
وقال تعالى: ﴿والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنْهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم[3] ﴾.
وقال تعالى: ﴿لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوف رحيم [4]﴾.
وقال تعالى: ﴿محمّد رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعًا سجّدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد الله الّذين ءامنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا [5]﴾.
وقال تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاًّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير [6]﴾. فقوله: ﴿وكلاًّ وعد الله الحسنى﴾ يشمل جميع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي عنهم أجمعين.
وقال تعالى: ﴿والّذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والّذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم مغفرة ورزق كريم [7]﴾.
وقال تعالى: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ً[8]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصّادقون .والّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم [9]﴾.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره ((فتح القدير)) (ج5 ص202) في الكلام على قوله تعالى: ﴿ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا﴾: أي غشًّا وبغضًا وحسدًا، أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينْزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق فيدخل في ذلك الصحابة دخولاً أوليًّا لكونهم أشرف المؤمنين، ولكن السياق فيهم فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم، فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه، وخير أمة نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه، والاستغاثة به بأن ينْزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون، وأشرف هذه الأمة، فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بزمام، ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلقة والأقاصيص المفتراه، والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور، فاشتروا الضلالة بالهدى واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منْزلة إلى منْزلة، ومن رتبة إلى رتبة، حتى صاروا أعداء كتاب الله، وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين، وأهملوا فرائض الله، وهجروا شعائر الدين، وسعوا في كيد الإسلام وأهله بكل حجر ومدر، والله من ورائهم محيط. اه
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) بعد هؤلاء الآيات: وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذى يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: ﴿ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم﴾.
وأما الأحاديث في فضائلهم:
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص3): حدّثنا عليّ بن عبدالله، حدّثنا سفيان، عن عمرو. قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: حدّثنا أبوسعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثمّ يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثمّ يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس. فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)).
أخرجه مسلم (ج16 ص83).
وقال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص84): حدّثني سعيد بن يحيى ابن سعيد الأمويّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ابن جريج، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: زعم أبوسعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يأتي على النّاس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدًا من أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيوجد الرّجل فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ ثمّ يكون البعث الرّابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدًا رأى من رأى أحدًا رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيوجد الرّجل، فيفتح لهم به)).
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص3): حدّثني إسحاق، حدّثنا النّضر، أخبرنا شعبة، عن أبي جمرة، سمعت زهدم بن مضرّب، سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير أمّتي قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم)) قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا ((ثمّ إنّ بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السّمن)). اه
أخرجه مسلم (ج16 ص87). وأبوداود (ج12 ص409).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص3): حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((خير النّاس قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)). قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشّهادة والعهد ونحن صغار. اه
أخرجه مسلم (ج16 ص84 و85) والترمذي (ج10 ص361)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص86): حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، عن أبي بشر (ح) وحدّثني إسماعيل بن سالم، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبوبشر، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير أمّتي القرن الّذين بعثت فيهم، ثمّ الّذين يلونهم))، والله أعلم أذكر الثّالث أم لا؟ قال: ((ثمّ يخلف قوم يحبّون السّمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص89): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، واللّفظ لأبي بكر. قالا: حدّثنا حسين وهو ابن عليّ الجعفيّ، عن زائدة، عن السّدّيّ، عن عبدالله البهيّ، عن عائشة قالت: سأل رجل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أيّ النّاس خير؟ قال: ((القرن الّذي أنا فيه، ثمّ الثّاني، ثمّ الثّالث)). اه
انتقد الدارقطني هذا الحديث على مسلم وقال: والبهي إنما روى عن عروة عن عائشة، والله أعلم.
ولكن البخاري قد أثبت سماعه، والمثبت مقدم على النافي.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص267): حدّثنا هاشم. قال: حدّثنا شيبان، عن عاصم، عن خيثمة والشّعبيّ، عن النّعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير النّاس قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم)).
حدّثنا حسن ويونس، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن خيثمة بن عبدالرّحمن، عن النّعمان بن بشير، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((خير هذه الأمّة القرن الّذين بعثت فيهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم)). قال حسن: ((ثمّ ينشأ أقوام تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم)).
وأخرجه ص(277) من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم به.
هذا حديث حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (ج12 ص177) من حديث حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن خيثمة به.
وقال البزار كما في ((كشف الأستار)) (ج3 ص290): لا نعلم أحدًا جمع بين الشعبي وخيثمة إلا شيبان. وقد ذكره البزار من حديث زائدة، ومن حديث ورقاء، كلاهما عن عاصم، فعلى هذا يكون شيبان قد خالف حماد بن سلمة وأبا بكر بن عياش عند أحمد كما تقدم، وزائدة وورقاء عند البزار، فيكون ذكر الشعبي شاذًا، والله أعلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص82): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وإسحق بن إبراهيم، وعبدالله بن عمر بن أبان، كلّهم عن حسين. قال أبوبكر: حدّثنا حسين بن عليّ الجعفيّ، عن مجمّع بن يحيى، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: صلّينا المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ قلنا: لو جلسنا حتّى نصلّي معه العشاء. قال: فجلسنا فخرج علينا، فقال: ((ما زلتم ههنا))؟ قلنا: يا رسول الله صلّينا معك المغرب ثمّ قلنا: نجلس حتّى نصلّي معك العشاء. قال: ((أحسنتم، أو أصبتم)). قال: فرفع رأسه إلى السّماء وكان كثيرًا ممّا يرفع رأسه إلى السّماء فقال: ((النّجوم أمنة للسّماء، فإذا ذهبت النّجوم أتى السّماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يوعدون)).
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج12 ص178): حدّثنا زيد بن الحباب. قال: ثنا عبدالله بن العلاء أبوزبر[10] الدّمشقيّ. قال: ثنا عبدالله ابن عامر، عن واثلة بن الأسقع. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني)).
هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص379): حدّثنا أبوبكر، حدّثنا عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود قال: إنّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيّه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيّئًا فهو عند الله سيّئ.
وهذا موقوف على عبدالله بن مسعود، وسنده حسن، وليس فيه حجة للمبتدعة الذين يجعلون بعض البدع حسنة لأمرين، الأول: أنه موقوف على عبدالله والموقوف ليس بحجة، الأمر الثاني: أن مراد عبدالله المسلمون الكمّل وهم لا يستحسنون تشريعًا من قبلهم، لعلمهم أن الله قد أكمل الدين كما قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا[11]﴾. وقوله تعالى: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله[12]﴾. وفتح باب الاستحسان أدى إلى التنافر والاختلاف والفرقة، فهذا يستحسن ما ينكره هذا، ولو كان الاستحسان شرعًا لأتى به كتاب أو سنة:﴿وما كان ربّك نسيًّا[13]﴾.
فضل من شهد بدرًا
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند الله إنّ الله عزيز حكيم إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين ءامنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان ذلك بأنّهم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإنّ الله شديد العقاب﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا إنّ الله سميع عليم ذلكم وأنّ الله موهن كيد الكافرين[14]﴾.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص304): حدّثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبدالله بن إدريس. قال: سمعت حصين بن عبدالرّحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرّحمن السّلميّ، عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبا مرثد والزّبير، وكلّنا فارس، قال انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها امرأةً من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلنا: الكتاب؟ فقالت: ما معنا كتاب. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا. فقلنا: ما كذب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لتخرجنّ الكتاب أو لنجرّدنّك، فلمّا رأت الجدّ أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما حملك على ما صنعت))؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أردت أن تكون لي عند القوم يد، يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا)). فقال عمر: إنّه قد خان الله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه؟ فقال: ((أليس من أهل بدر، فقال: لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنّة، أو فقد غفرت لكم)) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.
قال الإمام أبوبكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج2 ص155): حدّثنا يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
هذا حديث حسن، وأخرجه الإمام أحمد (ج2 ص295) من حديث يزيد بن هارون به، وأبوداود (ج5 ص42) طبعة حمص.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص311): حدّثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزّرقيّ، عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر. قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: ((من أفضل المسلمين)) -أو كلمةً نحوها- قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن يحيى، عن معاذ بن رفاعة ابن رافع، وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، فكان يقول لابنه: ما يسرّني أنّي شهدت بدرًا بالعقبة. قال: سأل جبريل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا.
حدّثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا يزيد، أخبرنا يحيى، سمع معاذ بن رفاعة، أنّ ملكًا سأل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نحوه.
وعن يحيى أنّ يزيد بن الهاد أخبره أنّه كان معه يوم حدّثه معاذ هذا الحديث. فقال يزيد: فقال معاذ: إنّ السّائل هو جبريل عليه السّلام.
هذا الحديث من الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدارقطني وتم الانتقاد كما في ((التتبع)) ص (267 و268) ولكن له شاهد. قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص 465): حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عباية ابن رفاعة، عن جدّه رافع بن خديج. قال: إنّ جبريل أو ملكًا جاء إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ما تعدّون من شهد بدرًا فيكم؟ قالوا: ((خيارنا)) قال: كذلك هم عندنا خيارنا من الملائكة.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن ماجة (ج1 ص56).
فضل أهل بيعة الشجرة
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السّكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزًا حكيمًا[15]﴾.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص57): حدّثني هارون بن عبدالله، حدّثنا حجّاج بن محمّد. قال: قال ابن جريج: أخبرني أبوالزّبير، أنّه سمع جابر بن عبدالله يقول: أخبرتني أمّ مبشّر أنّها سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول عند حفصة: ((لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشّجرة أحد، الّذين بايعوا تحتها)) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها. فقالت حفصة: ﴿وإن منكم إلا واردها﴾ فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد قال الله عزّ وجلّ: ﴿ثمّ ننجّي الّذين اتّقوا ونذر الظّالمين فيها جثيًّا﴾.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص57): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث (ح) وحدّثنا محمّد بن رمح، أخبرنا اللّيث، عن أبي الزّبير، عن جابر، أنّ عبدًا لحاطب جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يشكو حاطبًا فقال: يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كذبت لا يدخلها، فإنّه شهد بدرًا والحديبية)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص484): حدّثنا سعيد بن عمرو الأشعثيّ، وسويد بن سعيد، وإسحق بن إبراهيم، وأحمد بن عبدة، واللّفظ لسعيد. قال سعيد وإسحق: أخبرنا. وقال الآخران: حدّثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر. قال: كنّا يوم الحديبية ألفًا وأربع مائة فقال لنا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أنتم اليوم خير أهل الأرض)).
وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشّجرة. اه
فضل المهاجرين رضي الله عنهم
قد ذكرت آيات قبل، وكان المهاجرون رضي الله عنهم هم المقدمين، وهذا دليل على علو منْزلتهم رضي الله عنهم، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم[16]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز[17]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿والّذين هاجروا في سبيل الله ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقًا حسنًا وإنّ الله لهو خير الرّازقين ليدخلنّهم مدخلاً يرضونه وإنّ الله لعليم حليم ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله إنّ الله لعفوّ غفور[18]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنْهار ثوابًا من عند الله والله عنده حسن الثّواب[19]﴾.
وقال تعالى: ﴿إنّ الّذين ءامنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم[20]﴾.
ويدخل في هذا الباب الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: ((يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواءً فأقدمهم هجرةً)) الحديث.
فضل الأنصار رضي الله عنهم
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص114): حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدّثنا بهز بن أسد، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني هشام بن زيد. قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعها صبيّ لها فكلّمها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((والّذي نفسي بيده إنّكم أحبّ النّاس إليّ)) مرّتين.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا أبومعمر، حدّثنا عبدالوارث، حدّثنا عبدالعزيز، عن أنس رضي الله عنه قال: رأى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النّساء والصّبيان مقبلين قال: ‑حسبت أنّه قال من عرس‑ فقام النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ممثلاً فقال: ((اللّهمّ أنتم من أحبّ النّاس إليّ)) قالها ثلاث مرار.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص118): حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا أبوإياس معاوية بن قرّة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة)).
وعن قتادة، عن أنس، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثله، وقال: ((فاغفر للأنصار)).
حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، عن حميد الطّويل، سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الّذين بايعوا محمّدا على الجهاد ما حيينا أبدا
فأجابهم:
اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص110): حدّثنا أبوالوليد، حدّثنا شعبة، عن أبي التّيّاح. قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: قالت الأنصار يوم فتح مكّة -وأعطى قريشًا-: والله إنّ هذا لهو العجب، إنّ سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا تردّ عليهم. فبلغ ذلك النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فدعا الأنصار قال: فقال: ((ما الّذي بلغني عنكم))؟ وكانوا لا يكذبون. فقالوا: هو الّذي بلغك. قال: ((أولا ترضون أن يرجع النّاس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا شعبة، عن عبدالله بن عبدالله بن جبر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص70): حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أفلح الأنصاريّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((حبّ الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق)).
هذا حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح، إلا أفلح مولى أبي أيوب، وقد وثقه ابن سعد.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص309): حدّثنا عبدالرّحمن، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ورسوله، أو إلا أبغضه الله ورسوله)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج10 ص408) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج1 ص86) : حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا يعقوب يعني ابن عبدالرّحمن القاريّ، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)).
وحدّثنا عثمان بن محمّد بن أبي شيبة، حدّثنا جرير (ح) وحدّثنا أبوبكر ابن أبي شيبة، حدّثنا أبوأسامة، كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص500): حدّثنا أبواليمان. قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ. قال: أخبرني عبدالله بن كعب بن مالك وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم أنّه أخبره بعض أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خرج يومًا عاصبًا رأسه فقال في خطبته: ((أمّا بعد: يا معشر المهاجرين فإنّكم قد أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها الّتي هي عليها اليوم، وإنّ الأنصار عيبتي الّتي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص96): حدّثنا يزيد بن هارون. قال: حدّثنا يحيى بن سعيد، أنّ سعد بن إبراهيم أخبره عن الحكم بن ميناء أنّ يزيد ابن جارية الأنصاريّ أخبره أنّه كان جالسًا في نفر من الأنصار فخرج عليهم معاوية فسألهم عن حديثهم فقالوا: كنّا في حديث من حديث الأنصار فقال معاوية: ألا أزيدكم حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((من أحبّ الأنصار، أحبّه الله عزّ وجلّ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله عزّ وجلّ)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلا يزيد بن جارية، وقد قال الدارقطني: له صحبة، ووثقه النسائي بناءً على أنه تابعي، والله أعلم.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص112): حدّثني محمّد بن بشّار، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو قال أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لو أنّ الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) فقال أبوهريرة: ما ظلم بأبي وأمّي، آووه ونصروه، أو كلمةً أخرى.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني عديّ بن ثابت. قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. أو قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص118): حدّثني محمّد بن عبيدالله، حدّثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل. قال: جاءنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ونحن نحفر الخندق وننقل التّراب على أكتادنا[21]. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار)).
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص738): حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن عبّاد بن تميم، عن عبدالله بن زيد، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمّا فتح حنينًا قسم الغنائم فأعطى المؤلّفة قلوبهم، فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس، فقام رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ ومتفرّقين فجمعكم الله بي))؟ ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: ((ألا تجيبوني))؟ فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: ((أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا)) لأشياء عدّدها، زعم عمرو أن لا يحفظها. فقال: ((ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار، والنّاس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك النّاس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، إنّكم ستلقون بعدي أثرةً فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص121): حدّثنا أحمد بن يعقوب، حدّثنا ابن الغسيل، سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعليه ملحفة متعطّفًا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتّى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: ((أمّا بعد: أيّها النّاس فإنّ النّاس يكثرون، وتقلّ الأنصار حتّى يكونوا كالملح في الطّعام، فمن ولي منكم أمرًا يضرّ فيه أحدًا أو ينفعه فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص527): حدّثنا محمّد بن عبيد، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من أحبّ الأنصار أحبّه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)).
هذا حديث حسن.
فصل في فضائل مشتركة وخاصة بين الصحابة [22]
تنافسهم في الخير
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج6 ص246): حدّثنا مسدّد، حدّثنا يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبدالرّحمن بن عوف، عن أبيه، عن جدّه. قال: بينا أنا واقف في الصّفّ يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنّيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ هل تعرف أبا جهل. قلت: نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنّه يسبّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والّذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتّى يموت الأعجل منّا، فتعجّبت لذلك فغمزني الآخر. فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في النّاس. فقلت: ألا إنّ هذا صاحبكما الّذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتّى قتلاه، ثمّ انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فأخبراه، فقال: ((أيّكما قتله))؟ قال كلّ واحد منهما: أنا قتلته. فقال: ((هل مسحتما سيفيكما))؟ قالا: لا، فنظر في السّيفين فقال: ((كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح))، وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص70): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا عبدالعزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قال: ((لأعطينّ الرّاية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه)) قال: فبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: ((أين عليّ بن أبي طالب))؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: ((فأرسلوا إليه فأتوني به)) فلمّا جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتّى تنْزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم)).
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدّثنا أحمد بن صالح، وعثمان بن أبي شيبة، وهذا حديثه قالا: حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه. قال: سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يومًا أن نتصدّق فوافق ذلك مالا عندي. فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئته بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك))؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبوبكر رضي الله عنه بكلّ ما عنده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك))؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.
صبرهم على مواجهة الأعداء
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص354): حدّثنا عبدالله بن محمّد، حدّثنا سفيان، عن عمرو، سمع جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رجل للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم أحد: أرأيت إن قتلت، فأين أنا؟ قال: ((في الجنّة)) فألقى تمرات في يده، ثمّ قاتل حتّى قتل.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص417): حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبوأسامة، عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرجنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزاة ونحن ستّة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنّا نلفّ على أرجلنا الخرق، فسمّيت غزوة ذات الرّقاع، لما كنّا نعصب من الخرق على أرجلنا، وحدّث أبوموسى بهذا الحديث ثمّ كره ذاك قال: ما كنت أصنع بأن أذكره كأنّه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص21): باب قول الله تعالى: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً﴾.
حدّثنا محمّد بن سعيد الخزاعيّ، حدّثنا عبدالأعلى، عن حميد. قال: سألت أنسًا. قال: (ح) وحدّثنا عمرو بن زرارة، حدّثنا زياد. قال: حدّثني حميد الطّويل، عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع، فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ. فقال: يا سعد بن معاذ الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسّيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ إلى آخر الآية.
وقال: إنّ أخته وهي تسمّى الرّبيّع كسرت ثنيّة امرأة، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بالقصاص. فقال أنس: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا تكسر ثنيّتها، فرضوا بالأرش وتركوا القصاص. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص173): حدّثني عمرو بن عبّاس، حدّثنا عبدالرّحمن بن مهديّ، حدّثنا المثنّى، عن أبي جمرة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما. قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ يأتيه الخبر من السّماء، واسمع من قوله، ثمّ ائتني، فانطلق الأخ حتّى قدمه وسمع من قوله ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشّعر. فقال: ما شفيتني ممّا أردت، فتزوّد وحمل شنّةً له فيها ماء حتّى قدم مكّة فأتى المسجد فالتمس النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتّى أدركه بعض اللّيل فاضطجع، فرآه عليّ فعرف أنّه غريب فلمّا رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتّى أصبح ثمّ احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظلّ ذلك اليوم ولا يراه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمرّ به عليّ فقال: أما نال للرّجل أن يعلم منْزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتّى إذا كان يوم الثّالث فعاد عليّ على مثل ذلك فأقام معه ثمّ قال: ألا تحدّثني ما الّذي أقدمك. قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنّي فعلت، ففعل فأخبره قال: فإنّه حقّ وهو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذا أصبحت فاتبعني فإنّي إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأنّي أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتّى تدخل مدخلي، ففعل فانطلق يقفوه حتّى دخل على النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه. فقال له النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ارجع إلى قومك فأخبرهم حتّى يأتيك أمري)) قال: والّذي نفسي بيده لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتّى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، ثمّ قام القوم فضربوه حتّى أوجعوه، وأتى العبّاس فأكبّ عليه قال: ويلكم ألستم تعلمون أنّه من غفار وأنّ طريق تجاركم إلى الشّأم، فأنقذه منهم، ثمّ عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه، فأكبّ العبّاس عليه.
صبرهم على الاستضعاف بمكة
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًّا غفورًا[23]﴾.
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا[24]﴾.
قال البخاري رحمه الله (ج12 ص311): حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، أنّ أبا سلمة بن عبدالرّحمن أخبره عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يدعو في الصّلاة: ((اللّهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، اللّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف)).
وقال البخاري رحمه الله (ج2 ص492): حدّثنا قتيبة، حدّثنا مغيرة بن عبدالرّحمن، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول: ((اللّهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسني يوسف)). وأنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)).
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص430): حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن خبّاب. قال: كنت قينًا بمكّة فعملت للعاص بن وائل السّهميّ سيفًا، فجئت أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قلت: لا أكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى يميتك الله، ثمّ يحييك. قال: إذا أماتني الله ثمّ بعثني ولي مال وولد، فأنزل الله: ﴿أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا﴾ قال: موثقًا، لم يقل الأشجعيّ عن سفيان: سيفًا ولا موثقًا.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص176): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإنّ عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أنّ أحدًا ارفضّ للّذي صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن يرفضّ.
وقال ص (178): حدّثني محمّد بن المثنّى، حدّثنا يحيى، حدّثنا إسماعيل، حدّثنا قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم: لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته، وما أسلم، ولو أنّ أحدًا انقضّ لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن ينقضّ.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص404): حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدّثنا زائدة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ، عن عبدالله. قال: أوّل من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبوبكر، وعمّار، وأمّه سميّة، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأمّا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فمنعه الله بعمّه أبي طالب، وأمّا أبوبكر فمنعه الله بقومه، وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشّمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال فإنّه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكّة، وهو يقول: أحد أحد.
سنده حسن.
استسلامهم لشرع الله
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص355): حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده)).
ورواه مسلم من حديث الزهري عن سالم عن أبيه وزاد فيه: قال عبدالله ابن عمر: ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيّتي.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1280): حدّثنا أبوكامل الجحدريّ، حدّثنا عبدالواحد يعني ابن زياد، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه. قال: قال أبومسعود البدريّ: كنت أضرب غلامًا لي بالسّوط، فسمعت صوتًا من خلفي: ((اعلم أبا مسعود)) فلم أفهم الصّوت من الغضب. قال: فلمّا دنا منّي إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)). قال: فألقيت السّوط من يدي. فقال: ((اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.
في رواية عبدالواحد عن الأعمش كلام، ولكنه تابعه جرير بن عبدالحميد، وسفيان الثوري، وأبوعوانة، ثلاثتهم عند مسلم.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص130): ثنا عبدالرزاق. قال: ثنا سفيان، عن الأعمش به مثله.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص249): حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزّبير، أنّ حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال لي: ((يا حكيم إنّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى)) قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبوبكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثمّ إنّ عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه. فقال: يا معشر المسلمين إنّي أعرض عليه حقّه الّذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النّاس شيئًا بعد النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى توفّي.
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص318): حدّثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يلبس خاتمًا من ذهب فنبذه فقال: ((لا ألبسه أبدًا)) فنبذ النّاس خواتيمهم.
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص506): حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عبيدالله بن أبي يزيد، سمع مجاهدًا، سمعت عبدالرّحمن بن أبي ليلى يحدّث عن عليّ بن أبي طالب، أنّ فاطمة عليها السّلام أتت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تسأله خادمًا فقال: ((ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبّحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبّرين الله أربعًا وثلاثين)) ثمّ قال سفيان: إحداهنّ أربع وثلاثون، فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين.
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص530): حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب. قال: قال سالم: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذاكرًا ولا آثرًا.
قال الحافظ رحمه الله: قوله: ذاكرًا، أي: عامدًا. قوله: آثرًا، أي: حاكيًا عن الغير، أي: ما حلفت بها، ولا حكيت ذلك عن غيري . اه المراد من ((الفتح)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج8 ص489): وقال أحمد بن شبيب: حدّثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمّا أنزل الله: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ[25]﴾، شقّقن مروطهنّ فاختمرن بها.
حدّثنا أبونعيم، حدّثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفيّة بنت شيبة، أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ﴾ أخذن أزرهنّ فشقّقنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.
قال الحافظ رحمه الله: ولابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضّلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنْزيل، لقد أنزلت سورة النور: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ﴾ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات، كأن على رءوسهن الغربان.
ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1654): وحدّثناه محمد بن المثنى، وابن بشار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة بهذا الإسناد، وفي حديث ابن المثنى قال سمعت النضر بن أنس، حدّثني محمّد بن سهل التّميميّ، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرني محمّد بن جعفر، أخبرني إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عبّاس، عن عبدالله بن عبّاس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)) فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص263): حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبوالأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب. قال: قال أبوذرّ: كنت أمشي مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد. فقال: ((يا أبا ذرّ)). قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبًا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثمّ مشى فقال: ((إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ‑عن يمينه وعن شماله ومن خلفه‑ وقليل ما هم))، ثمّ قال لي: ((مكانك لا تبرح حتّى آتيك)) ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: لا تبرح حتّى آتيك)) فلم أبرح حتّى أتاني قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتًا تخوّفت فذكرت له فقال: ((وهل سمعته))؟ قلت: نعم. قال: ((ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنّة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)).
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص36): حدّثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدّثني مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبيّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال: إنّ الخمر قد حرّمت. فقال أبوطلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها.
حدّثنا مسدّد، حدّثنا معتمر، عن أبيه. قال: سمعت أنسًا. قال: كنت قائمًا على الحيّ أسقيهم عمومتي، وأنا أصغرهم الفضيخ فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: أكفئها، فكفأتها. قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: رطب وبسر. فقال أبوبكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس.
وحدّثني بعض أصحابي أنّه سمع أنس بن مالك يقول: كانت خمرهم يومئذ.
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص551): حدّثنا عبدالله بن منير، سمع أبا حاتم الأشهل بن حاتم، حدّثنا ابن عون، عن ثمامة بن أنس، عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على غلام له خيّاط، فقدّم إليه قصعةً فيها ثريد. قال: وأقبل على عمله. قال فجعل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتتبّع الدّبّاء. قال: فجعلت أتتبّعه فأضعه بين يديه. قال: فما زلت بعد أحبّ الدّبّاء.
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص175): حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد العزيز بن مسلم، حدّثنا عبدالله بن دينار. قال: سمعت ابن عمر رضي اللّه عنهما يقول: بينا النّاس في الصّبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال: أنزل اللّيلة قرآن، فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة، وكان وجه النّاس إلى الشّأم.
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص146): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وأبوكريب، وإسحق بن إبراهيم، واللّفظ لأبي بكر. قال إسحق: أخبرنا. وقال الآخران: حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله[26]﴾ قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا)) قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: ﴿لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا[27]﴾ قال: قد فعلت ﴿ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا﴾ قال: قد فعلت ﴿واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا﴾ قال: قد فعلت.
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص144): حدّثني محمّد بن منهال الضّرير، وأميّة بن بسطام العيشيّ، واللّفظ لأميّة قالا: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا روح وهو ابن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: لمّا نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿لله ما في السّموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كلّ شيء قدير[28]﴾ قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصّلاة, والصّيام، والجهاد، والصّدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير)) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير، فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: ﴿آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير[29]﴾ فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ قال: نعم ﴿ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا﴾ قال: نعم ﴿ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به﴾ قال: نعم ﴿واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ قال: نعم.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص20): حدّثنا يزيد، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلّى فخلع نعليه، فخلع النّاس نعالهم، فلمّا انصرف قال: ((لم خلعتم نعالكم))؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: ((إنّ جبريل أتاني فأخبرني أنّ بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثًا فليمسحه بالأرض، ثمّ ليصلّ فيهما)).
قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص260): صحيح على شرط مسلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص403): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلّم أبوبكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النّاس فانطلقوا، حتّى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج، فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم أنا أخبركم هذا أبوسفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، في النّاس فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قائم يصلّي، فلمّا رأى ذلك انصرف قال: ((والّذي نفسي بيده لتضربوه[30] إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم)) قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذا مصرع فلان)) قال: ويضع يده على الأرض ((ههنا ههنا)) قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص43): حدّثني عمرو بن محمّد بن بكير النّاقد، حدّثنا هاشم بن القاسم أبوالنّضر، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك. قال: ((صدق)). قال: فمن خلق السّماء؟ قال: ((الله)) قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((الله)) قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((الله)) قال: فبالّذي خلق السّماء والأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: ((صدق)) قال: ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لئن صدق ليدخلنّ الجنّة)).
حدّثني عبدالله بن هاشم العبديّ، حدّثنا بهز، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت. قال: قال أنس: كنّا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، وساق الحديث بمثله.
صبرهم على الفقر والجوع والعري
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص348): حدّثنا سريج بن النّعمان. قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا معشر النّساء من كان منكنّ يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها، حتّى يرفع الإمام رأسه)) من ضيق ثياب الرّجال.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج2 ص298): حدّثنا محمّد بن كثير. قال: أخبرنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهم عاقدوا أزرهم من الصّغر على رقابهم. فقيل للنّساء: لا ترفعن رءوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسًا.
قال الحافظ في ((الفتح)) (ج1 ص473): وفي رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري (عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر). اه المراد من ((الفتح)).
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج3 ص1625) بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي: حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبدالرّحمن بن أبي ليلى، عن المقداد. قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((احتلبوا هذا اللّبن بيننا)) قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك، وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: ((اللّهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني)) قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ، وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإذا هي حافلة وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أشربتم شرابكم اللّيلة))؟ قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد روي وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها)). قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس)).
وحدّثنا إسحق بن إبراهيم، أخبرنا النّضر بن شميل، حدّثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد. اه
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص303): حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن أيّوب، عن محمّد. قال: كنّا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشّقان من كتّان فتمخّط. فقال: بخ بخ أبوهريرة يتمخّط في الكتّان لقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى حجرة عائشة مغشيًّا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أنّي مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
وأخرجه الترمذي (ج7 ص23) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2278): حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا سليمان بن المغيرة، حدّثنا حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدويّ. قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، ووالله لتملأنّ، أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنةً، وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى قرحت أشداقنا.
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7 ص33): حدّثنا العبّاس بن محمّد، حدّثنا عبدالله بن يزيد، حدّثنا حيوة بن شريح، أخبرني أبوهانئ الخولانيّ، أنّ أبا عليّ عمرو بن مالك الجنبيّ أخبره عن فضالة بن عبيد، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا صلّى بالنّاس يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصّفّة، حتّى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلّى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- انصرف إليهم. فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً)). قال فضالة: أنا يومئذ مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
هذا حديث حسن صحيح.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص610): حدّثني محمّد بن الحكم، أخبرنا النّضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعد الطّائيّ، أخبرنا محلّ بن خليفة، عن عديّ بن حاتم. قال: بينا أنا عند النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل. فقال: ((يا عديّ هل رأيت الحيرة))؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله)) قلت: فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّئ الّذين قد سعّروا البلاد؟ ((ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى)) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟. فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنّم)). قال عديّ: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة، فبكلمة طيّبة)). قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يخرج ملء كفّه)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1609): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر. فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا والّذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما قوموا، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً. فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاحبيه ثمّ قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منّي. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب. فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إيّاك والحلوب، فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي بكر وعمر: ((والّذي نفسي بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم)).
وحدّثني إسحق بن منصور، أخبرنا أبوهشام يعني المغيرة بن سلمة، حدّثنا عبدالواحد بن زياد، حدّثنا يزيد، حدّثنا أبوحازم. قال: سمعت أبا هريرة يقول: بينا أبوبكر قاعد وعمر معه إذ أتاهما رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ما أقعدكما ههنا))؟ قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والّذي بعثك بالحقّ، ثمّ ذكر نحو حديث خلف بن خليفة. اه
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص322): حدّثنا عبدالله بن مسلمة، حدّثنا عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه، أنّه سمع سهلاً يقول: جاءت امرأة إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: جئت أهب نفسي، فقامت طويلا فنظر وصوّب فلمّا طال مقامها، فقال رجل: زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ قال: ((عندك شيء تصدقها))؟ قال: لا. قال: ((انظر))، فذهب ثمّ رجع، فقال: والله إن وجدت شيئًا. قال: ((اذهب فالتمس ولو خاتمًا من حديد)) فذهب ثمّ رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد، وعليه إزار ما عليه رداء. فقال: أصدقها إزاري. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إزارك إن لبستْه لم يكن عليك منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليها منه شيء)) فتنحّى الرّجل فجلس، فرآه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مولّيًا فأمر به فدعي. فقال: ((ما معك من القرآن))؟ قال: سورة كذا وكذا، لسور عدّدها، قال: ((قد ملّكتكها بما معك من القرآن)).
قال البخاري رحمه الله (3 ص142): حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا شقيق، حدّثنا خبّاب رضي الله عنه قال: هاجرنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلا بردةً إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن نغطّي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص142): حدّثنا محمّد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أنّ عبدالرّحمن ابن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائمًا. فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير منّي كفّن في بردة إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير منّي، ثمّ بسط لنا من الدّنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدّنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا، ثمّ جعل يبكي حتّى ترك الطّعام.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص83): حدّثنا عمرو بن عون، حدّثنا خالد بن عبدالله، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعدًا رضي الله عنه يقول: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما لنا طعام إلا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة ما له خلط، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد خبت إذًا وضلّ عملي. وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلّي.
قال البخاري رحمه الله (ج2 ص427): حدّثنا سعيد بن أبي مريم. قال: حدّثنا أبوغسّان. قال: حدّثني أبوحازم، عن سهل، قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقًا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنْزع أصول السّلق فتجعله في قدر ثمّ تجعل عليه قبضةً من شعير تطحنها فتكون أصول السّلق عرقه، وكنّا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلّم عليها، فتقرّب ذلك الطّعام إلينا فنلعقه، وكنّا نتمنّى يوم الجمعة لطعامها ذلك. اه
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص324): حدّثنا عبدالصّمد، حدّثني أبي، حدّثنا الجريريّ، عن عبدالله بن شقيق. قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنةً. فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا البراد المفتّقة، وإنّا ليأتي على أحدنا الأيّام ما يجد طعامًا يقيم به صلبه، حتّى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّه على أخمص بطنه، ثمّ يشدّه بثوبه ليقيم به صلبه، فقسّم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم تمرًا، فأصاب كلّ إنسان منّا سبع تمرات فيهنّ حشفة، فما سرّني أنّ لي مكانها تمرةً جيّدةً، قال: قلت: لم؟ قال: تشدّ لي من مضغي. اه
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والجريري هو سعيد بن إياس مختلط، ولكن عبدالوارث بن سعيد سمع منه قبل الاختلاط، كما في ((الكواكب النيرات)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص55): حدّثنا أبوبكر بن النّضر بن أبي النّضر. قال: حدّثني أبوالنّضر هاشم بن القاسم، حدّثنا عبيدالله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرّف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: كنّا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في مسير قال: فنفدت أزواد القوم قال: حتّى همّ بنحر بعض حمائلهم. قال: فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها؟ قال: ففعل. قال: فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التّمر بتمره. قال: وقال مجاهد: وذو النّواة بنواه. قلت: وما كانوا يصنعون بالنّوى؟ قال: كانوا يمصّونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتّى ملأ القوم أزودتهم. قال: فقال عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنّة)).
قال مسلم رحمه الله (ج1 ص56): حدّثنا سهل بن عثمان، وأبوكريب محمّد بن العلاء، جميعًا عن أبي معاوية. قال أبوكريب: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد -شكّ الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة. قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((افعلوا)) قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((نعم)) قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم, قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه بالبركة، ثمّ قال: ((خذوا في أوعيتكم)). قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة[31])).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص417): حدّثنا عليّ بن إسحاق، أخبرنا عبدالله يعني ابن المبارك. قال: أخبرنا الأوزاعيّ. قال: حدّثني المطّلب ابن حنطب المخزوميّ. قال: حدّثني عبدالرّحمن بن أبي عمرة الأنصاريّ، حدّثني أبي. قال: كنّا مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزاة، فأصاب النّاس مخمصة فاستأذن النّاس رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نحر بعض ظهورهم، وقالوا: يبلّغنا الله به، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد همّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم. قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدًا جياعًا رجالا؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فتجمعها، ثمّ تدعو الله فيها بالبركة، فإنّ الله تبارك وتعالى سيبلّغنا بدعوتك، أو قال: سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ببقايا أزوادهم، فجعل النّاس يجيئون بالحثية من الطّعام، وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمّ دعا الجيش بأوعيتهم فأمرهم أن يحثوا فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه، وبقي مثله فضحك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النّار يوم القيامة)).
هذا حديث صحيح ورجاله ثقات.
إيثارهم ما عند الله
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص114): حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن عمران أبي بكر. قال: حدّثني عطاء بن أبي رباح. قال: قال لي ابن عبّاس: ألا أريك امرأةً من أهل الجنّة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السّوداء، أتت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: إنّي أصرع، وإنّي أتكشّف فادع الله لي. قال: ((إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)) فقالت: أصبر. فقالت: إنّي أتكشّف فادع الله لي أن لا أتكشّف، فدعا لها.
حدّثنا محمّد، أخبرنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أنّه رأى أمّ زفر تلك المرأة الطويلة سوداء على ستر الكعبة. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج15 ص185): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. قالا: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا سماك ابن حرب، حدّثني مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أمّ سعد أن لا تكلّمه أبدًا، حتّى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب, قالت: زعمت أنّ الله وصّاك بوالديك، وأنا أمّك وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثًا حتّى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له: عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية: ﴿ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك على أن تشرك بي﴾ وفيها: ﴿وصاحبهما في الدّنيا معروفًا﴾ قال: وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غنيمةً عظيمةً فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرّسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلت: نفّلني هذا السّيف؟ فأنا من قد علمت حاله. فقال: ((ردّه من حيث أخذته)) فانطلقت حتّى إذا أردت أن ألقيه في القبض، لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أعطنيه. قال: فشدّ لي صوته: ((ردّه من حيث أخذته)) قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿يسألونك عن الأنفال﴾ قال: ومرضت، فأرسلت إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأتاني. فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت؟ قال: فأبى. قلت: فالنّصف؟ قال: فأبى. قلت: فالثّلث؟ قال: فسكت، فكان بعد الثّلث جائزًا. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا، وذلك قبل أن تحرّم الخمر. قال: فأتيتهم في حشّ، والحشّ البستان، فإذا رأس جزور مشويّ عندهم، وزقّ من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم. قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرّأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخبرته، فأنزل الله عزّ وجلّ فيّ يعني نفسه شأن الخمر: ﴿إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان﴾.
حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّار. قالا: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه قال: أنزلت فيّ أربع آيات، وساق الحديث بمعنى حديث زهير، عن سماك، وزاد في حديث شعبة قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصًا، ثمّ أوجروها. وفي حديثه أيضًا: فضرب به أنف سعد ففزره، وكان أنف سعد مفزورًا.
قال مسلم رحمه الله (ج16 ص26): حدّثنا إسحق بن عمر بن سليط، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان في مغزًى له فأفاء الله عليه. فقال لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد؟)) قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثمّ قال: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثمّ قال: ((هل تفقدون من أحد؟)) قالوا: لا. قال: ((لكنّي أفقد جليبيبًا فاطلبوه))، فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه، فأتى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فوقف عليه فقال: ((قتل سبعةً ثمّ قتلوه هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه)). قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص422): حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم العدويّ، عن أبي برزة الأسلميّ، أنّ جليبيبًا كان امرأً يدخل على النّساء يمرّ بهنّ ويلاعبهنّ، فقلت لامرأتي: لا يدخلنّ عليكم جليبيب، فإنّه إن دخل عليكم لأفعلنّ ولأفعلنّ. قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيّم لم يزوّجها حتّى يعلم هل للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيها حاجة أم لا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لرجل من الأنصار: ((زوّجني ابنتك؟)) فقال: نعمّ وكرامة يا رسول الله ونعم عيني. فقال: ((إنّي لست أريدها لنفسي)). قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: ((لجليبيب)). قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمّها، فأتى أمّها فقال: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخطب ابنتك. فقالت: نعمّ ونعمة عيني، فقال: إنّه ليس يخطبها لنفسه، إنّما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه، أجليبيب ابنه، أجليبيب ابنه، لا لعمر الله لا تزوّجه، فلمّا أراد أن يقوم ليأتي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليخبره بما قالت أمّها. قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتْها أمّها. فقالت: أتردّون على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمره ادفعوني فإنّه لم يضيّعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخبره. قال: ((شأنك بها، فزوّجها جليبيبًا)). قال: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزوة له، قال: فلمّا أفاء الله عليه، قال لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نفقد فلانًا، ونفقد فلانًا، قال: ((انظروا هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: لا. قال: ((لكنّي أفقد جليبيبًا)). قال: فاطلبوه في القتلى. قال: فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثمّ قتلوه، فقالوا: ((يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثمّ قتلوه، فأتاه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقام عليه. فقال: قتل سبعةً وقتلوه هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه)) مرّتين أو ثلاثًا، ثمّ وضعه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ وضعه في قبره، ولم يذكر أنّه غسّله. قال ثابت: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها. وحدّث إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ثابتًا قال: هل تعلم ما دعا لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ قال: ((اللّهمّ صبّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا)) قال: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها. قال أبوعبدالرّحمن: ما حدّث به في الدّنيا أحد إلا حمّاد بن سلمة، ما أحسنه من حديث.
قال البخاري رحمه الله (ج12 ص120): حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إنّي زنيت، فأعرض عنه حتّى ردّد عليه أربع مرّات، فلمّا شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أبك جنون))؟ قال: لا. قال: ((فهل أحصنت))؟ قال: نعم، فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1324): حدّثني أبوغسّان مالك بن عبدالواحد المسمعيّ، حدّثنا معاذ يعني ابن هشام، حدّثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، حدّثني أبوقلابة، أنّ أبا المهلّب حدّثه عن عمران بن حصين أنّ امرأةً من جهينة أتت نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي حبلى من الزّنى. فقالت: يا نبيّ الله أصبت حدًّا فأقمه عليّ، فدعا نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليّها، فقال: ((أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها))، ففعل فأمر بها نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فشكّت عليها ثيابها، ثمّ أمر بها فرجمت، ثمّ صلّى عليها. فقال له عمر: تصلّي عليها يا نبيّ الله وقد زنت؟ فقال: ((لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى)).
وحدّثناه أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان بن مسلم، حدّثنا أبان العطّار، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد مثله. اه
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص331): حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني عديّ. قال: سمعت سعيدًا، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلّى يوم العيد ركعتين لم يصلّ قبلهما ولا بعدهما، ثمّ أتى النّساء ومعه بلال، فأمرهنّ بالصّدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها.
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص223): حدّثنا إسماعيل. قال: حدّثني مالك، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، أنّه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبوطلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة نخلاً، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، فلمّا أنزلت: ﴿لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون﴾ قام أبوطلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول: ﴿لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون﴾ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((بخ ذلك مال رايح، ذلك مال رايح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين)). قال أبوطلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبوطلحة في أقاربه وفي بني عمّه. قال عبدالله بن يوسف وروح بن عبادة: ((ذلك مال رابح)) حدّثني يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك: ((مال رايح)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص112): حدّثنا إسماعيل بن عبدالله. قال: حدّثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه. قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين عبدالرّحمن بن عوف، وسعد بن الرّبيع. قال لعبدالرّحمن: إنّي أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي أطلّقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثمّ تابع الغدوّ ثمّ جاء يومًا وبه أثر صفرة. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مهيم))؟ قال: تزوّجت. قال: ((كم سقت إليها))؟ قال: نواةً من ذهب، أو وزن نواة من ذهب- شكّ إبراهيم-.
حدّثنا قتيبة، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه، أنّه قال: قدم علينا عبدالرّحمن بن عوف وآخى النبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بينه وبين سعد ابن الرّبيع، وكان كثير المال. فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالاً، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها، حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبدالرّحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئًا من سمن وأقط، فلم يلبث إلا يسيرًا حتّى جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعليه وضر من صفرة. قال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مهيم)) قال: تزوّجت امرأةً من الأنصار. فقال: ((ما سقت إليها))؟ قال: وزن نواة من، ذهب أو نواةً من ذهب، فقال: ((أولم ولو بشاة)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص119): حدّثنا مسدّد، حدّثنا عبدالله بن داود، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رجلاً أتى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من يضمّ أو يضيف هذا))؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته. فقال: أكرمي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونوّمي صبيانك، إذا أرادوا عشاءً، فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما)) فأنزل الله: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون﴾.
على ماذا كانوا يبايعون رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
قال البخاري رحمه الله (ج1 ص64): حدّثنا أبواليمان. قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ. قال: أخبرني أبوإدريس عائذالله بن عبدالله، أنّ عبادة بن الصّامت رضي الله عنه وكان شهد بدرًا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال وحوله عصابة من أصحابه: ((بايعوني على ألاّ تشركوا باللّه شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه))، فبايعناه على ذلك.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص117): حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا جويرية، عن نافع. قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منّا اثنان على الشّجرة الّتي بايعنا تحتها، كانت رحمةً من الله، فسألنا نافعًا: على أيّ شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصّبر.
حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيب، حدّثنا عمرو بن يحيى، عن عبّاد بن تميم، عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: لمّا كان زمن الحرّة أتاه آت. فقال له: إنّ ابن حنظلة يبايع النّاس على الموت. فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال مسلم رحمه الله (ج3 ص1483): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث ابن سعد (ح) وحدّثنا محمّد بن رمح، أخبرنا اللّيث، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: كنّا يوم الحديبية ألفًا وأربع مائةً فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشّجرة وهي سمرة، وقال: بايعناه على ألاّ نفرّ، ولم نبايعه على الموت.
وحدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا ابن عيينة (ح) وحدّثنا ابن نمير، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: لم نبايع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على الموت، إنّما بايعناه على ألاّ نفرّ. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1485): وحدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يزيد بن زريع، عن خالد، عن الحكم بن عبدالله بن الأعرج، عن معقل ابن يسار، قال: لقد رأيتني يوم الشّجرة والنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبايع النّاس وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائةً. قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألاّ نفرّ.
قال البخاري رحمه الله (ج13 ص192): حدّثنا إسماعيل، حدّثني مالك، عن يحيى بن سعيد. قال: أخبرني عبادة بن الوليد، أخبرني أبي، عن عبادة بن الصّامت. قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة، في المنشط والمكره، وألاّ ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحقّ حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم.
حدّثنا عمرو بن عليّ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال خرج النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غداة باردة، والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق. فقال:
((اللّهمّ إنّ الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة))
فأجابوا: نحن الّذين بايعوا محمّدا على الجهاد ما بقينا أبدا.
حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا إذا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة يقول لنا: ((فيما استطعتم)).
حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، أخبرنا سيّار، عن الشّعبيّ، عن جرير بن عبدالله. قال: بايعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة، فلقّنني: ((فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم)).
حدّثنا عبدالله بن مسلمة، حدّثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد. قال: قلت لسلمة: على أيّ شيء بايعتم النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
استطراد: البيعة لإمام قرشي مسلم أو لغير قرشي مسلم إذا تغلب حتى استتب له الأمر يجب الوفاء بها
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا[32]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ياأيّها الّذين ءامنوا أوفوا بالعقود[33]﴾.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ج1 ص89): حدّثنا قبيصة بن عقبة. قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبدالله بن مرّة، عن مسروق، عن عبدالله بن عمرو، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).
تابعه شعبة، عن الأعمش.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص201): حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بالطّريق يمنع منه ابن السّبيل، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا، فصدّقه فأخذها ولم يعط بها.
أما إذا كفر الحاكم فلا يجب الوفاء بالبيعة، لحديث عبادة بن الصامت المتقدم وفيه: ((إلاّ أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان)).
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين[34]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً[35]﴾.
وكذا إذا كان المبايع مكرهًا على بيعة غير شرعية، أي: لم يأذن بها الله ورسوله، فإن هذا هو مرادنا بغير شرعية فلا يجب عليه الوفاء بها لحديث: ((إنّ الله تجاوز عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه)). وهو حديث حسن.
وكذا إذا كانت غير شرعية كبيعة الإخوان المسلمين لمجهول لا يدرى ما حاله، فإنه لا يجب الوفاء بها، فإن صحبتها يمين كفّرت لحديث الصحيحين:((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الّذي هو خير، وليكفّر عن يمينه)).
وكذا بيعة مشايخ الصوفية المبتدعة باطلة، وكذا بيعة المكارمة الضالين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى وقد تقدم شيء من أحوالهم، لا يجوز الوفاء بها، دليلنا على بطلان هذه البيعات مارواه البخاري في ((صحيحه)) (ج5 ص301): حدّثنا يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم ابن محمّد، عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ)).
رواه عبدالله بن جعفر المخرميّ، وعبدالواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم. اه
تحريم سب الصحابة رضوان الله عليهم
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص21): حدّثنا آدم بن أبي إياس، حدّثنا شعبة، عن الأعمش. قال: سمعت ذكوان يحدّث عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تسبّوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
تابعه جرير، وعبدالله بن داود، وأبومعاوية، ومحاضر، عن الأعمش.
الحديث أخرجه مسلم (ج16 ص92) فقال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرّحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تسبّوا أحدًا من أصحابي، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
حدّثنا أبوسعيد الأشجّ، وأبوكريب. قالا: حدّثنا وكيع، عن الأعمش (ح) وحدّثنا عبيدالله بن معاذ، حدّثنا أبي (ح) وحدّثنا ابن المثنّى، وابن بشّار. قالا: حدّثنا ابن أبي عديّ، جميعًا عن شعبة، عن الأعمش، بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما، وليس في حديث شعبة ووكيع ذكر عبدالرّحمن بن عوف، وخالد بن الوليد.
وأخرجه أبوداود (ج12 ص413)، والترمذي (ج10 ص263) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
بعض ما نقل عن السلف في التحذير منسب الصحابة رضي الله عنهم
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج4 ص2327): حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبومعاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه. قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فسبّوهم. وحدّثناه أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبوأسامة، حدّثنا هشام بهذا الإسناد مثله. اه
قال أبوعبدالله بن ماجة رحمه الله: حدّثنا عليّ بن محمّد، وعمرو بن عبدالله. قالا: حدّثنا وكيع. قال: حدّثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق. قال: كان ابن عمر يقول: لا تسبّوا أصحاب محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فلمقام أحدهم ساعةً خير من عمل أحدكم عمره. اه
هذا الأثر صحيح.
قال الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) (ج1 ص60): ثنا وكيع، ثنا جعفر يعني ابن برقان، عن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهنّ: سبّ أصحاب النّبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، والنّظر في النّجوم، والنّظر في القدر. اه
الأثر صحيح.
ثم رأيت الشيخ الفاضل أحمد بن عبدالله المطري قد كتب كتابة مفيدة لك أيها السني، فرأيت أن ألحقها بآخر ((الإلحاد الخميني في أرض الحرمين)) لتعلم أن الرافضة فتنت بإمام الضلالة الخميني في حياته وبعد مماته ﴿ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة[36]﴾.
فجزى الله أخانا الشيخ الفاضل أحمد المطري خيرًا، وأثابه على ما قام به من بيان فضائح الرافضة، والله المستعان. وإليك ما كتبه حفظه الله.
[1] سورة البقرة، الآية:143.
[2] سورة آل عمران، الآية:110.
[3] سورة التوبة، الآية:100.
[4] سورة التوبة، الآية:117.
[5] سورة الفتح، الآية:29.
[6] سورة الحديد، الآية:10.
[7] سورة الأنفال، الآية:74.
[8] سورة الأحزاب، الآية:23.
[9] سورة الحشر، الآية:8-10.
[10] في الأصل: أبوالزبير، والصواب ما أثبتناه، كما في تهذيب التهذيب.
[11] سورة المائدة، الآية:3.
[12] سورة الشورى، الآية:21.
[13] سورة مريم، الآية:64.
[14] سورة الأنفال، الآية:9-18.
[15] سورة الفتح، الآية:18-19.
[16] سورة النحل، الآية:110.
[17] سورة الحج، الآية:39-40.
[18] سورة الحج، الآية:58-60.
[19] سورة آل عمران، الآية:195.
[20] سورة البقرة، الآية:218.
[21] قال الحافظ: جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
[22] والخاصة تدل على مكانة الجميع العالية.
[23] سورة النساء، الآية:98-99.
[24] سورة النساء، الآية:75.
[25] سورة النور، الآية:31.
[26] سورة البقرة، الآية:284.
[27] سورة البقرة، الآية:286.
[28] سورة البقرة، الآية:284.
[29] سورة البقرة، الآية:285.
[30] حذفت النون في: تضربوه وتتركوه لغير ناصب ولا جازم، على حد قول الشاعر:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي
[31] هذا الحديث والذي قبله من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني رحمه الله ولم يتم الانتقاد.
[32] سورة الفتح، الآية:10.
[33] سورة المائدة، الآية:1.
[34] سورة البقرة، الآية:124.
[35] سورة النساء، الآية:141.
[36] سورة الأنفال، الآية:42.
ومعنى وسطًا: عدولاً، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي في الصحيح.
وقال تعالى: ﴿كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [2]﴾.
هاتان الآيتان وإن كانتا تشملان الأمة كلها، فإن الصحابة داخلون في هذا دخولاً أوليًّا لأنّهم المخاطبون بهذا.
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (ج12 ص155): حدّثنا عبدالرّحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: ﴿كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس﴾ قال الّذين هاجروا مع محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة.
وسنده حسن.
وقال تعالى: ﴿والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنْهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم[3] ﴾.
وقال تعالى: ﴿لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوف رحيم [4]﴾.
وقال تعالى: ﴿محمّد رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعًا سجّدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد الله الّذين ءامنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا [5]﴾.
وقال تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاًّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير [6]﴾. فقوله: ﴿وكلاًّ وعد الله الحسنى﴾ يشمل جميع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي عنهم أجمعين.
وقال تعالى: ﴿والّذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والّذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم مغفرة ورزق كريم [7]﴾.
وقال تعالى: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ً[8]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصّادقون .والّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم [9]﴾.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره ((فتح القدير)) (ج5 ص202) في الكلام على قوله تعالى: ﴿ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا﴾: أي غشًّا وبغضًا وحسدًا، أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينْزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق فيدخل في ذلك الصحابة دخولاً أوليًّا لكونهم أشرف المؤمنين، ولكن السياق فيهم فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم، فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه، وخير أمة نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه، والاستغاثة به بأن ينْزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون، وأشرف هذه الأمة، فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بزمام، ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلقة والأقاصيص المفتراه، والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور، فاشتروا الضلالة بالهدى واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منْزلة إلى منْزلة، ومن رتبة إلى رتبة، حتى صاروا أعداء كتاب الله، وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين، وأهملوا فرائض الله، وهجروا شعائر الدين، وسعوا في كيد الإسلام وأهله بكل حجر ومدر، والله من ورائهم محيط. اه
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) بعد هؤلاء الآيات: وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذى يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: ﴿ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم﴾.
وأما الأحاديث في فضائلهم:
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص3): حدّثنا عليّ بن عبدالله، حدّثنا سفيان، عن عمرو. قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: حدّثنا أبوسعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثمّ يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثمّ يأتي على النّاس زمان فيغزو فئام من النّاس. فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)).
أخرجه مسلم (ج16 ص83).
وقال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص84): حدّثني سعيد بن يحيى ابن سعيد الأمويّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ابن جريج، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: زعم أبوسعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يأتي على النّاس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدًا من أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيوجد الرّجل فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ ثمّ يكون البعث الرّابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدًا رأى من رأى أحدًا رأى أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيوجد الرّجل، فيفتح لهم به)).
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص3): حدّثني إسحاق، حدّثنا النّضر، أخبرنا شعبة، عن أبي جمرة، سمعت زهدم بن مضرّب، سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير أمّتي قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم)) قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا ((ثمّ إنّ بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السّمن)). اه
أخرجه مسلم (ج16 ص87). وأبوداود (ج12 ص409).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص3): حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((خير النّاس قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)). قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشّهادة والعهد ونحن صغار. اه
أخرجه مسلم (ج16 ص84 و85) والترمذي (ج10 ص361)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص86): حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، عن أبي بشر (ح) وحدّثني إسماعيل بن سالم، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبوبشر، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير أمّتي القرن الّذين بعثت فيهم، ثمّ الّذين يلونهم))، والله أعلم أذكر الثّالث أم لا؟ قال: ((ثمّ يخلف قوم يحبّون السّمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص89): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، واللّفظ لأبي بكر. قالا: حدّثنا حسين وهو ابن عليّ الجعفيّ، عن زائدة، عن السّدّيّ، عن عبدالله البهيّ، عن عائشة قالت: سأل رجل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أيّ النّاس خير؟ قال: ((القرن الّذي أنا فيه، ثمّ الثّاني، ثمّ الثّالث)). اه
انتقد الدارقطني هذا الحديث على مسلم وقال: والبهي إنما روى عن عروة عن عائشة، والله أعلم.
ولكن البخاري قد أثبت سماعه، والمثبت مقدم على النافي.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص267): حدّثنا هاشم. قال: حدّثنا شيبان، عن عاصم، عن خيثمة والشّعبيّ، عن النّعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير النّاس قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم)).
حدّثنا حسن ويونس، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن خيثمة بن عبدالرّحمن، عن النّعمان بن بشير، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((خير هذه الأمّة القرن الّذين بعثت فيهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم)). قال حسن: ((ثمّ ينشأ أقوام تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم)).
وأخرجه ص(277) من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم به.
هذا حديث حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (ج12 ص177) من حديث حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن خيثمة به.
وقال البزار كما في ((كشف الأستار)) (ج3 ص290): لا نعلم أحدًا جمع بين الشعبي وخيثمة إلا شيبان. وقد ذكره البزار من حديث زائدة، ومن حديث ورقاء، كلاهما عن عاصم، فعلى هذا يكون شيبان قد خالف حماد بن سلمة وأبا بكر بن عياش عند أحمد كما تقدم، وزائدة وورقاء عند البزار، فيكون ذكر الشعبي شاذًا، والله أعلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص82): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وإسحق بن إبراهيم، وعبدالله بن عمر بن أبان، كلّهم عن حسين. قال أبوبكر: حدّثنا حسين بن عليّ الجعفيّ، عن مجمّع بن يحيى، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: صلّينا المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ قلنا: لو جلسنا حتّى نصلّي معه العشاء. قال: فجلسنا فخرج علينا، فقال: ((ما زلتم ههنا))؟ قلنا: يا رسول الله صلّينا معك المغرب ثمّ قلنا: نجلس حتّى نصلّي معك العشاء. قال: ((أحسنتم، أو أصبتم)). قال: فرفع رأسه إلى السّماء وكان كثيرًا ممّا يرفع رأسه إلى السّماء فقال: ((النّجوم أمنة للسّماء، فإذا ذهبت النّجوم أتى السّماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يوعدون)).
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج12 ص178): حدّثنا زيد بن الحباب. قال: ثنا عبدالله بن العلاء أبوزبر[10] الدّمشقيّ. قال: ثنا عبدالله ابن عامر، عن واثلة بن الأسقع. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني)).
هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص379): حدّثنا أبوبكر، حدّثنا عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود قال: إنّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيّه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيّئًا فهو عند الله سيّئ.
وهذا موقوف على عبدالله بن مسعود، وسنده حسن، وليس فيه حجة للمبتدعة الذين يجعلون بعض البدع حسنة لأمرين، الأول: أنه موقوف على عبدالله والموقوف ليس بحجة، الأمر الثاني: أن مراد عبدالله المسلمون الكمّل وهم لا يستحسنون تشريعًا من قبلهم، لعلمهم أن الله قد أكمل الدين كما قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا[11]﴾. وقوله تعالى: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله[12]﴾. وفتح باب الاستحسان أدى إلى التنافر والاختلاف والفرقة، فهذا يستحسن ما ينكره هذا، ولو كان الاستحسان شرعًا لأتى به كتاب أو سنة:﴿وما كان ربّك نسيًّا[13]﴾.
فضل من شهد بدرًا
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند الله إنّ الله عزيز حكيم إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه وينزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين ءامنوا سألقي في قلوب الّذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان ذلك بأنّهم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإنّ الله شديد العقاب﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا إنّ الله سميع عليم ذلكم وأنّ الله موهن كيد الكافرين[14]﴾.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص304): حدّثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبدالله بن إدريس. قال: سمعت حصين بن عبدالرّحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرّحمن السّلميّ، عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبا مرثد والزّبير، وكلّنا فارس، قال انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها امرأةً من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلنا: الكتاب؟ فقالت: ما معنا كتاب. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا. فقلنا: ما كذب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لتخرجنّ الكتاب أو لنجرّدنّك، فلمّا رأت الجدّ أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما حملك على ما صنعت))؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أردت أن تكون لي عند القوم يد، يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا)). فقال عمر: إنّه قد خان الله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه؟ فقال: ((أليس من أهل بدر، فقال: لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنّة، أو فقد غفرت لكم)) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.
قال الإمام أبوبكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج2 ص155): حدّثنا يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
هذا حديث حسن، وأخرجه الإمام أحمد (ج2 ص295) من حديث يزيد بن هارون به، وأبوداود (ج5 ص42) طبعة حمص.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص311): حدّثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزّرقيّ، عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر. قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: ((من أفضل المسلمين)) -أو كلمةً نحوها- قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن يحيى، عن معاذ بن رفاعة ابن رافع، وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، فكان يقول لابنه: ما يسرّني أنّي شهدت بدرًا بالعقبة. قال: سأل جبريل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا.
حدّثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا يزيد، أخبرنا يحيى، سمع معاذ بن رفاعة، أنّ ملكًا سأل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نحوه.
وعن يحيى أنّ يزيد بن الهاد أخبره أنّه كان معه يوم حدّثه معاذ هذا الحديث. فقال يزيد: فقال معاذ: إنّ السّائل هو جبريل عليه السّلام.
هذا الحديث من الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدارقطني وتم الانتقاد كما في ((التتبع)) ص (267 و268) ولكن له شاهد. قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص 465): حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عباية ابن رفاعة، عن جدّه رافع بن خديج. قال: إنّ جبريل أو ملكًا جاء إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ما تعدّون من شهد بدرًا فيكم؟ قالوا: ((خيارنا)) قال: كذلك هم عندنا خيارنا من الملائكة.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن ماجة (ج1 ص56).
فضل أهل بيعة الشجرة
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السّكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزًا حكيمًا[15]﴾.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص57): حدّثني هارون بن عبدالله، حدّثنا حجّاج بن محمّد. قال: قال ابن جريج: أخبرني أبوالزّبير، أنّه سمع جابر بن عبدالله يقول: أخبرتني أمّ مبشّر أنّها سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول عند حفصة: ((لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشّجرة أحد، الّذين بايعوا تحتها)) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها. فقالت حفصة: ﴿وإن منكم إلا واردها﴾ فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد قال الله عزّ وجلّ: ﴿ثمّ ننجّي الّذين اتّقوا ونذر الظّالمين فيها جثيًّا﴾.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج16 ص57): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث (ح) وحدّثنا محمّد بن رمح، أخبرنا اللّيث، عن أبي الزّبير، عن جابر، أنّ عبدًا لحاطب جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يشكو حاطبًا فقال: يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كذبت لا يدخلها، فإنّه شهد بدرًا والحديبية)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص484): حدّثنا سعيد بن عمرو الأشعثيّ، وسويد بن سعيد، وإسحق بن إبراهيم، وأحمد بن عبدة، واللّفظ لسعيد. قال سعيد وإسحق: أخبرنا. وقال الآخران: حدّثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر. قال: كنّا يوم الحديبية ألفًا وأربع مائة فقال لنا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أنتم اليوم خير أهل الأرض)).
وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشّجرة. اه
فضل المهاجرين رضي الله عنهم
قد ذكرت آيات قبل، وكان المهاجرون رضي الله عنهم هم المقدمين، وهذا دليل على علو منْزلتهم رضي الله عنهم، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم[16]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز[17]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿والّذين هاجروا في سبيل الله ثمّ قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقًا حسنًا وإنّ الله لهو خير الرّازقين ليدخلنّهم مدخلاً يرضونه وإنّ الله لعليم حليم ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله إنّ الله لعفوّ غفور[18]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنْهار ثوابًا من عند الله والله عنده حسن الثّواب[19]﴾.
وقال تعالى: ﴿إنّ الّذين ءامنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم[20]﴾.
ويدخل في هذا الباب الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: ((يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواءً فأقدمهم هجرةً)) الحديث.
فضل الأنصار رضي الله عنهم
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص114): حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدّثنا بهز بن أسد، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني هشام بن زيد. قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعها صبيّ لها فكلّمها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((والّذي نفسي بيده إنّكم أحبّ النّاس إليّ)) مرّتين.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا أبومعمر، حدّثنا عبدالوارث، حدّثنا عبدالعزيز، عن أنس رضي الله عنه قال: رأى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النّساء والصّبيان مقبلين قال: ‑حسبت أنّه قال من عرس‑ فقام النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ممثلاً فقال: ((اللّهمّ أنتم من أحبّ النّاس إليّ)) قالها ثلاث مرار.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص118): حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا أبوإياس معاوية بن قرّة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة)).
وعن قتادة، عن أنس، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثله، وقال: ((فاغفر للأنصار)).
حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، عن حميد الطّويل، سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الّذين بايعوا محمّدا على الجهاد ما حيينا أبدا
فأجابهم:
اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص110): حدّثنا أبوالوليد، حدّثنا شعبة، عن أبي التّيّاح. قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: قالت الأنصار يوم فتح مكّة -وأعطى قريشًا-: والله إنّ هذا لهو العجب، إنّ سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا تردّ عليهم. فبلغ ذلك النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فدعا الأنصار قال: فقال: ((ما الّذي بلغني عنكم))؟ وكانوا لا يكذبون. فقالوا: هو الّذي بلغك. قال: ((أولا ترضون أن يرجع النّاس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا شعبة، عن عبدالله بن عبدالله بن جبر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص70): حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أفلح الأنصاريّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((حبّ الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق)).
هذا حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح، إلا أفلح مولى أبي أيوب، وقد وثقه ابن سعد.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص309): حدّثنا عبدالرّحمن، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ورسوله، أو إلا أبغضه الله ورسوله)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج10 ص408) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج1 ص86) : حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا يعقوب يعني ابن عبدالرّحمن القاريّ، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)).
وحدّثنا عثمان بن محمّد بن أبي شيبة، حدّثنا جرير (ح) وحدّثنا أبوبكر ابن أبي شيبة، حدّثنا أبوأسامة، كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص500): حدّثنا أبواليمان. قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ. قال: أخبرني عبدالله بن كعب بن مالك وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم أنّه أخبره بعض أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خرج يومًا عاصبًا رأسه فقال في خطبته: ((أمّا بعد: يا معشر المهاجرين فإنّكم قد أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها الّتي هي عليها اليوم، وإنّ الأنصار عيبتي الّتي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص96): حدّثنا يزيد بن هارون. قال: حدّثنا يحيى بن سعيد، أنّ سعد بن إبراهيم أخبره عن الحكم بن ميناء أنّ يزيد ابن جارية الأنصاريّ أخبره أنّه كان جالسًا في نفر من الأنصار فخرج عليهم معاوية فسألهم عن حديثهم فقالوا: كنّا في حديث من حديث الأنصار فقال معاوية: ألا أزيدكم حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((من أحبّ الأنصار، أحبّه الله عزّ وجلّ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله عزّ وجلّ)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلا يزيد بن جارية، وقد قال الدارقطني: له صحبة، ووثقه النسائي بناءً على أنه تابعي، والله أعلم.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص112): حدّثني محمّد بن بشّار، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو قال أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لو أنّ الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) فقال أبوهريرة: ما ظلم بأبي وأمّي، آووه ونصروه، أو كلمةً أخرى.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص113): حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني عديّ بن ثابت. قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. أو قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص118): حدّثني محمّد بن عبيدالله، حدّثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل. قال: جاءنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ونحن نحفر الخندق وننقل التّراب على أكتادنا[21]. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار)).
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص738): حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن عبّاد بن تميم، عن عبدالله بن زيد، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمّا فتح حنينًا قسم الغنائم فأعطى المؤلّفة قلوبهم، فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس، فقام رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ ومتفرّقين فجمعكم الله بي))؟ ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: ((ألا تجيبوني))؟ فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: ((أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا)) لأشياء عدّدها، زعم عمرو أن لا يحفظها. فقال: ((ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار، والنّاس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك النّاس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، إنّكم ستلقون بعدي أثرةً فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص121): حدّثنا أحمد بن يعقوب، حدّثنا ابن الغسيل، سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعليه ملحفة متعطّفًا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتّى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: ((أمّا بعد: أيّها النّاس فإنّ النّاس يكثرون، وتقلّ الأنصار حتّى يكونوا كالملح في الطّعام، فمن ولي منكم أمرًا يضرّ فيه أحدًا أو ينفعه فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص527): حدّثنا محمّد بن عبيد، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من أحبّ الأنصار أحبّه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)).
هذا حديث حسن.
فصل في فضائل مشتركة وخاصة بين الصحابة [22]
تنافسهم في الخير
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج6 ص246): حدّثنا مسدّد، حدّثنا يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبدالرّحمن بن عوف، عن أبيه، عن جدّه. قال: بينا أنا واقف في الصّفّ يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنّيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ هل تعرف أبا جهل. قلت: نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنّه يسبّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والّذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتّى يموت الأعجل منّا، فتعجّبت لذلك فغمزني الآخر. فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في النّاس. فقلت: ألا إنّ هذا صاحبكما الّذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتّى قتلاه، ثمّ انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فأخبراه، فقال: ((أيّكما قتله))؟ قال كلّ واحد منهما: أنا قتلته. فقال: ((هل مسحتما سيفيكما))؟ قالا: لا، فنظر في السّيفين فقال: ((كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح))، وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص70): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا عبدالعزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قال: ((لأعطينّ الرّاية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه)) قال: فبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: ((أين عليّ بن أبي طالب))؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: ((فأرسلوا إليه فأتوني به)) فلمّا جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتّى تنْزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم)).
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدّثنا أحمد بن صالح، وعثمان بن أبي شيبة، وهذا حديثه قالا: حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه. قال: سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يومًا أن نتصدّق فوافق ذلك مالا عندي. فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئته بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك))؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبوبكر رضي الله عنه بكلّ ما عنده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك))؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.
صبرهم على مواجهة الأعداء
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص354): حدّثنا عبدالله بن محمّد، حدّثنا سفيان، عن عمرو، سمع جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رجل للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم أحد: أرأيت إن قتلت، فأين أنا؟ قال: ((في الجنّة)) فألقى تمرات في يده، ثمّ قاتل حتّى قتل.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص417): حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبوأسامة، عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرجنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزاة ونحن ستّة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنّا نلفّ على أرجلنا الخرق، فسمّيت غزوة ذات الرّقاع، لما كنّا نعصب من الخرق على أرجلنا، وحدّث أبوموسى بهذا الحديث ثمّ كره ذاك قال: ما كنت أصنع بأن أذكره كأنّه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص21): باب قول الله تعالى: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً﴾.
حدّثنا محمّد بن سعيد الخزاعيّ، حدّثنا عبدالأعلى، عن حميد. قال: سألت أنسًا. قال: (ح) وحدّثنا عمرو بن زرارة، حدّثنا زياد. قال: حدّثني حميد الطّويل، عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع، فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ. فقال: يا سعد بن معاذ الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسّيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ إلى آخر الآية.
وقال: إنّ أخته وهي تسمّى الرّبيّع كسرت ثنيّة امرأة، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بالقصاص. فقال أنس: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا تكسر ثنيّتها، فرضوا بالأرش وتركوا القصاص. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص173): حدّثني عمرو بن عبّاس، حدّثنا عبدالرّحمن بن مهديّ، حدّثنا المثنّى، عن أبي جمرة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما. قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ يأتيه الخبر من السّماء، واسمع من قوله، ثمّ ائتني، فانطلق الأخ حتّى قدمه وسمع من قوله ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشّعر. فقال: ما شفيتني ممّا أردت، فتزوّد وحمل شنّةً له فيها ماء حتّى قدم مكّة فأتى المسجد فالتمس النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتّى أدركه بعض اللّيل فاضطجع، فرآه عليّ فعرف أنّه غريب فلمّا رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتّى أصبح ثمّ احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظلّ ذلك اليوم ولا يراه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمرّ به عليّ فقال: أما نال للرّجل أن يعلم منْزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتّى إذا كان يوم الثّالث فعاد عليّ على مثل ذلك فأقام معه ثمّ قال: ألا تحدّثني ما الّذي أقدمك. قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنّي فعلت، ففعل فأخبره قال: فإنّه حقّ وهو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذا أصبحت فاتبعني فإنّي إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأنّي أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتّى تدخل مدخلي، ففعل فانطلق يقفوه حتّى دخل على النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه. فقال له النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ارجع إلى قومك فأخبرهم حتّى يأتيك أمري)) قال: والّذي نفسي بيده لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتّى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، ثمّ قام القوم فضربوه حتّى أوجعوه، وأتى العبّاس فأكبّ عليه قال: ويلكم ألستم تعلمون أنّه من غفار وأنّ طريق تجاركم إلى الشّأم، فأنقذه منهم، ثمّ عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه، فأكبّ العبّاس عليه.
صبرهم على الاستضعاف بمكة
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًّا غفورًا[23]﴾.
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا[24]﴾.
قال البخاري رحمه الله (ج12 ص311): حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، أنّ أبا سلمة بن عبدالرّحمن أخبره عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يدعو في الصّلاة: ((اللّهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، اللّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف)).
وقال البخاري رحمه الله (ج2 ص492): حدّثنا قتيبة، حدّثنا مغيرة بن عبدالرّحمن، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول: ((اللّهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسني يوسف)). وأنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)).
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص430): حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن خبّاب. قال: كنت قينًا بمكّة فعملت للعاص بن وائل السّهميّ سيفًا، فجئت أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قلت: لا أكفر بمحمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى يميتك الله، ثمّ يحييك. قال: إذا أماتني الله ثمّ بعثني ولي مال وولد، فأنزل الله: ﴿أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا﴾ قال: موثقًا، لم يقل الأشجعيّ عن سفيان: سيفًا ولا موثقًا.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص176): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإنّ عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أنّ أحدًا ارفضّ للّذي صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن يرفضّ.
وقال ص (178): حدّثني محمّد بن المثنّى، حدّثنا يحيى، حدّثنا إسماعيل، حدّثنا قيس. قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم: لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته، وما أسلم، ولو أنّ أحدًا انقضّ لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن ينقضّ.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص404): حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدّثنا زائدة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ، عن عبدالله. قال: أوّل من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأبوبكر، وعمّار، وأمّه سميّة، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأمّا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فمنعه الله بعمّه أبي طالب، وأمّا أبوبكر فمنعه الله بقومه، وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشّمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال فإنّه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكّة، وهو يقول: أحد أحد.
سنده حسن.
استسلامهم لشرع الله
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص355): حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده)).
ورواه مسلم من حديث الزهري عن سالم عن أبيه وزاد فيه: قال عبدالله ابن عمر: ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيّتي.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1280): حدّثنا أبوكامل الجحدريّ، حدّثنا عبدالواحد يعني ابن زياد، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه. قال: قال أبومسعود البدريّ: كنت أضرب غلامًا لي بالسّوط، فسمعت صوتًا من خلفي: ((اعلم أبا مسعود)) فلم أفهم الصّوت من الغضب. قال: فلمّا دنا منّي إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)). قال: فألقيت السّوط من يدي. فقال: ((اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.
في رواية عبدالواحد عن الأعمش كلام، ولكنه تابعه جرير بن عبدالحميد، وسفيان الثوري، وأبوعوانة، ثلاثتهم عند مسلم.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص130): ثنا عبدالرزاق. قال: ثنا سفيان، عن الأعمش به مثله.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص249): حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزّبير، أنّ حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال لي: ((يا حكيم إنّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى)) قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبوبكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثمّ إنّ عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه. فقال: يا معشر المسلمين إنّي أعرض عليه حقّه الّذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النّاس شيئًا بعد النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى توفّي.
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص318): حدّثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يلبس خاتمًا من ذهب فنبذه فقال: ((لا ألبسه أبدًا)) فنبذ النّاس خواتيمهم.
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص506): حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عبيدالله بن أبي يزيد، سمع مجاهدًا، سمعت عبدالرّحمن بن أبي ليلى يحدّث عن عليّ بن أبي طالب، أنّ فاطمة عليها السّلام أتت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تسأله خادمًا فقال: ((ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبّحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبّرين الله أربعًا وثلاثين)) ثمّ قال سفيان: إحداهنّ أربع وثلاثون، فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين.
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص530): حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب. قال: قال سالم: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذاكرًا ولا آثرًا.
قال الحافظ رحمه الله: قوله: ذاكرًا، أي: عامدًا. قوله: آثرًا، أي: حاكيًا عن الغير، أي: ما حلفت بها، ولا حكيت ذلك عن غيري . اه المراد من ((الفتح)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج8 ص489): وقال أحمد بن شبيب: حدّثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمّا أنزل الله: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ[25]﴾، شقّقن مروطهنّ فاختمرن بها.
حدّثنا أبونعيم، حدّثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفيّة بنت شيبة، أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ﴾ أخذن أزرهنّ فشقّقنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.
قال الحافظ رحمه الله: ولابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضّلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنْزيل، لقد أنزلت سورة النور: ﴿وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ﴾ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات، كأن على رءوسهن الغربان.
ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1654): وحدّثناه محمد بن المثنى، وابن بشار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة بهذا الإسناد، وفي حديث ابن المثنى قال سمعت النضر بن أنس، حدّثني محمّد بن سهل التّميميّ، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرني محمّد بن جعفر، أخبرني إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عبّاس، عن عبدالله بن عبّاس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)) فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص263): حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبوالأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب. قال: قال أبوذرّ: كنت أمشي مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد. فقال: ((يا أبا ذرّ)). قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبًا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثمّ مشى فقال: ((إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ‑عن يمينه وعن شماله ومن خلفه‑ وقليل ما هم))، ثمّ قال لي: ((مكانك لا تبرح حتّى آتيك)) ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: لا تبرح حتّى آتيك)) فلم أبرح حتّى أتاني قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتًا تخوّفت فذكرت له فقال: ((وهل سمعته))؟ قلت: نعم. قال: ((ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنّة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)).
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص36): حدّثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدّثني مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبيّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال: إنّ الخمر قد حرّمت. فقال أبوطلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها.
حدّثنا مسدّد، حدّثنا معتمر، عن أبيه. قال: سمعت أنسًا. قال: كنت قائمًا على الحيّ أسقيهم عمومتي، وأنا أصغرهم الفضيخ فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: أكفئها، فكفأتها. قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: رطب وبسر. فقال أبوبكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس.
وحدّثني بعض أصحابي أنّه سمع أنس بن مالك يقول: كانت خمرهم يومئذ.
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص551): حدّثنا عبدالله بن منير، سمع أبا حاتم الأشهل بن حاتم، حدّثنا ابن عون، عن ثمامة بن أنس، عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على غلام له خيّاط، فقدّم إليه قصعةً فيها ثريد. قال: وأقبل على عمله. قال فجعل النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتتبّع الدّبّاء. قال: فجعلت أتتبّعه فأضعه بين يديه. قال: فما زلت بعد أحبّ الدّبّاء.
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص175): حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد العزيز بن مسلم، حدّثنا عبدالله بن دينار. قال: سمعت ابن عمر رضي اللّه عنهما يقول: بينا النّاس في الصّبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال: أنزل اللّيلة قرآن، فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة، وكان وجه النّاس إلى الشّأم.
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص146): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وأبوكريب، وإسحق بن إبراهيم، واللّفظ لأبي بكر. قال إسحق: أخبرنا. وقال الآخران: حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله[26]﴾ قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا)) قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: ﴿لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا[27]﴾ قال: قد فعلت ﴿ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا﴾ قال: قد فعلت ﴿واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا﴾ قال: قد فعلت.
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص144): حدّثني محمّد بن منهال الضّرير، وأميّة بن بسطام العيشيّ، واللّفظ لأميّة قالا: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا روح وهو ابن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: لمّا نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿لله ما في السّموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله على كلّ شيء قدير[28]﴾ قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصّلاة, والصّيام، والجهاد، والصّدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير)) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير، فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: ﴿آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير[29]﴾ فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ قال: نعم ﴿ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا﴾ قال: نعم ﴿ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به﴾ قال: نعم ﴿واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ قال: نعم.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص20): حدّثنا يزيد، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلّى فخلع نعليه، فخلع النّاس نعالهم، فلمّا انصرف قال: ((لم خلعتم نعالكم))؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: ((إنّ جبريل أتاني فأخبرني أنّ بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثًا فليمسحه بالأرض، ثمّ ليصلّ فيهما)).
قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص260): صحيح على شرط مسلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص403): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلّم أبوبكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- النّاس فانطلقوا، حتّى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج، فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم أنا أخبركم هذا أبوسفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبوجهل، وعتبة، وشيبة، وأميّة بن خلف، في النّاس فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قائم يصلّي، فلمّا رأى ذلك انصرف قال: ((والّذي نفسي بيده لتضربوه[30] إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم)) قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذا مصرع فلان)) قال: ويضع يده على الأرض ((ههنا ههنا)) قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص43): حدّثني عمرو بن محمّد بن بكير النّاقد، حدّثنا هاشم بن القاسم أبوالنّضر، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك. قال: ((صدق)). قال: فمن خلق السّماء؟ قال: ((الله)) قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((الله)) قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((الله)) قال: فبالّذي خلق السّماء والأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: ((صدق)) قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: ((صدق)) قال: ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لئن صدق ليدخلنّ الجنّة)).
حدّثني عبدالله بن هاشم العبديّ، حدّثنا بهز، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت. قال: قال أنس: كنّا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن شيء، وساق الحديث بمثله.
صبرهم على الفقر والجوع والعري
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص348): حدّثنا سريج بن النّعمان. قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يا معشر النّساء من كان منكنّ يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها، حتّى يرفع الإمام رأسه)) من ضيق ثياب الرّجال.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج2 ص298): حدّثنا محمّد بن كثير. قال: أخبرنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهم عاقدوا أزرهم من الصّغر على رقابهم. فقيل للنّساء: لا ترفعن رءوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسًا.
قال الحافظ في ((الفتح)) (ج1 ص473): وفي رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري (عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر). اه المراد من ((الفتح)).
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج3 ص1625) بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي: حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبدالرّحمن بن أبي ليلى، عن المقداد. قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((احتلبوا هذا اللّبن بيننا)) قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك، وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: ((اللّهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني)) قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ، وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإذا هي حافلة وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أشربتم شرابكم اللّيلة))؟ قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد روي وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها)). قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس)).
وحدّثنا إسحق بن إبراهيم، أخبرنا النّضر بن شميل، حدّثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد. اه
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص303): حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد، عن أيّوب، عن محمّد. قال: كنّا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشّقان من كتّان فتمخّط. فقال: بخ بخ أبوهريرة يتمخّط في الكتّان لقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى حجرة عائشة مغشيًّا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أنّي مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
وأخرجه الترمذي (ج7 ص23) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2278): حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا سليمان بن المغيرة، حدّثنا حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدويّ. قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، ووالله لتملأنّ، أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنةً، وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى قرحت أشداقنا.
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7 ص33): حدّثنا العبّاس بن محمّد، حدّثنا عبدالله بن يزيد، حدّثنا حيوة بن شريح، أخبرني أبوهانئ الخولانيّ، أنّ أبا عليّ عمرو بن مالك الجنبيّ أخبره عن فضالة بن عبيد، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا صلّى بالنّاس يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصّفّة، حتّى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلّى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- انصرف إليهم. فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً)). قال فضالة: أنا يومئذ مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
هذا حديث حسن صحيح.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص610): حدّثني محمّد بن الحكم، أخبرنا النّضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعد الطّائيّ، أخبرنا محلّ بن خليفة، عن عديّ بن حاتم. قال: بينا أنا عند النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل. فقال: ((يا عديّ هل رأيت الحيرة))؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله)) قلت: فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّئ الّذين قد سعّروا البلاد؟ ((ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى)) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟. فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنّم)). قال عديّ: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة، فبكلمة طيّبة)). قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يخرج ملء كفّه)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1609): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر. فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا والّذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما قوموا، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً. فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاحبيه ثمّ قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منّي. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب. فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إيّاك والحلوب، فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي بكر وعمر: ((والّذي نفسي بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم)).
وحدّثني إسحق بن منصور، أخبرنا أبوهشام يعني المغيرة بن سلمة، حدّثنا عبدالواحد بن زياد، حدّثنا يزيد، حدّثنا أبوحازم. قال: سمعت أبا هريرة يقول: بينا أبوبكر قاعد وعمر معه إذ أتاهما رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ما أقعدكما ههنا))؟ قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والّذي بعثك بالحقّ، ثمّ ذكر نحو حديث خلف بن خليفة. اه
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص322): حدّثنا عبدالله بن مسلمة، حدّثنا عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه، أنّه سمع سهلاً يقول: جاءت امرأة إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: جئت أهب نفسي، فقامت طويلا فنظر وصوّب فلمّا طال مقامها، فقال رجل: زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ قال: ((عندك شيء تصدقها))؟ قال: لا. قال: ((انظر))، فذهب ثمّ رجع، فقال: والله إن وجدت شيئًا. قال: ((اذهب فالتمس ولو خاتمًا من حديد)) فذهب ثمّ رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد، وعليه إزار ما عليه رداء. فقال: أصدقها إزاري. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إزارك إن لبستْه لم يكن عليك منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليها منه شيء)) فتنحّى الرّجل فجلس، فرآه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مولّيًا فأمر به فدعي. فقال: ((ما معك من القرآن))؟ قال: سورة كذا وكذا، لسور عدّدها، قال: ((قد ملّكتكها بما معك من القرآن)).
قال البخاري رحمه الله (3 ص142): حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا شقيق، حدّثنا خبّاب رضي الله عنه قال: هاجرنا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلا بردةً إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن نغطّي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص142): حدّثنا محمّد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أنّ عبدالرّحمن ابن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائمًا. فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير منّي كفّن في بردة إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير منّي، ثمّ بسط لنا من الدّنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدّنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا، ثمّ جعل يبكي حتّى ترك الطّعام.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص83): حدّثنا عمرو بن عون، حدّثنا خالد بن عبدالله، عن إسماعيل، عن قيس. قال: سمعت سعدًا رضي الله عنه يقول: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما لنا طعام إلا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة ما له خلط، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد خبت إذًا وضلّ عملي. وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلّي.
قال البخاري رحمه الله (ج2 ص427): حدّثنا سعيد بن أبي مريم. قال: حدّثنا أبوغسّان. قال: حدّثني أبوحازم، عن سهل، قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقًا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنْزع أصول السّلق فتجعله في قدر ثمّ تجعل عليه قبضةً من شعير تطحنها فتكون أصول السّلق عرقه، وكنّا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلّم عليها، فتقرّب ذلك الطّعام إلينا فنلعقه، وكنّا نتمنّى يوم الجمعة لطعامها ذلك. اه
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص324): حدّثنا عبدالصّمد، حدّثني أبي، حدّثنا الجريريّ، عن عبدالله بن شقيق. قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنةً. فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا البراد المفتّقة، وإنّا ليأتي على أحدنا الأيّام ما يجد طعامًا يقيم به صلبه، حتّى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّه على أخمص بطنه، ثمّ يشدّه بثوبه ليقيم به صلبه، فقسّم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم تمرًا، فأصاب كلّ إنسان منّا سبع تمرات فيهنّ حشفة، فما سرّني أنّ لي مكانها تمرةً جيّدةً، قال: قلت: لم؟ قال: تشدّ لي من مضغي. اه
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والجريري هو سعيد بن إياس مختلط، ولكن عبدالوارث بن سعيد سمع منه قبل الاختلاط، كما في ((الكواكب النيرات)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص55): حدّثنا أبوبكر بن النّضر بن أبي النّضر. قال: حدّثني أبوالنّضر هاشم بن القاسم، حدّثنا عبيدالله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرّف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: كنّا مع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في مسير قال: فنفدت أزواد القوم قال: حتّى همّ بنحر بعض حمائلهم. قال: فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها؟ قال: ففعل. قال: فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التّمر بتمره. قال: وقال مجاهد: وذو النّواة بنواه. قلت: وما كانوا يصنعون بالنّوى؟ قال: كانوا يمصّونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتّى ملأ القوم أزودتهم. قال: فقال عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنّة)).
قال مسلم رحمه الله (ج1 ص56): حدّثنا سهل بن عثمان، وأبوكريب محمّد بن العلاء، جميعًا عن أبي معاوية. قال أبوكريب: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد -شكّ الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة. قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((افعلوا)) قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((نعم)) قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم, قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه بالبركة، ثمّ قال: ((خذوا في أوعيتكم)). قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة[31])).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص417): حدّثنا عليّ بن إسحاق، أخبرنا عبدالله يعني ابن المبارك. قال: أخبرنا الأوزاعيّ. قال: حدّثني المطّلب ابن حنطب المخزوميّ. قال: حدّثني عبدالرّحمن بن أبي عمرة الأنصاريّ، حدّثني أبي. قال: كنّا مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزاة، فأصاب النّاس مخمصة فاستأذن النّاس رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نحر بعض ظهورهم، وقالوا: يبلّغنا الله به، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد همّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم. قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدًا جياعًا رجالا؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فتجمعها، ثمّ تدعو الله فيها بالبركة، فإنّ الله تبارك وتعالى سيبلّغنا بدعوتك، أو قال: سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ببقايا أزوادهم، فجعل النّاس يجيئون بالحثية من الطّعام، وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمّ دعا الجيش بأوعيتهم فأمرهم أن يحثوا فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه، وبقي مثله فضحك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النّار يوم القيامة)).
هذا حديث صحيح ورجاله ثقات.
إيثارهم ما عند الله
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص114): حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن عمران أبي بكر. قال: حدّثني عطاء بن أبي رباح. قال: قال لي ابن عبّاس: ألا أريك امرأةً من أهل الجنّة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السّوداء، أتت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: إنّي أصرع، وإنّي أتكشّف فادع الله لي. قال: ((إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)) فقالت: أصبر. فقالت: إنّي أتكشّف فادع الله لي أن لا أتكشّف، فدعا لها.
حدّثنا محمّد، أخبرنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أنّه رأى أمّ زفر تلك المرأة الطويلة سوداء على ستر الكعبة. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج15 ص185): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. قالا: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا سماك ابن حرب، حدّثني مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أمّ سعد أن لا تكلّمه أبدًا، حتّى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب, قالت: زعمت أنّ الله وصّاك بوالديك، وأنا أمّك وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثًا حتّى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له: عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية: ﴿ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك على أن تشرك بي﴾ وفيها: ﴿وصاحبهما في الدّنيا معروفًا﴾ قال: وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غنيمةً عظيمةً فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرّسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلت: نفّلني هذا السّيف؟ فأنا من قد علمت حاله. فقال: ((ردّه من حيث أخذته)) فانطلقت حتّى إذا أردت أن ألقيه في القبض، لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أعطنيه. قال: فشدّ لي صوته: ((ردّه من حيث أخذته)) قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿يسألونك عن الأنفال﴾ قال: ومرضت، فأرسلت إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأتاني. فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت؟ قال: فأبى. قلت: فالنّصف؟ قال: فأبى. قلت: فالثّلث؟ قال: فسكت، فكان بعد الثّلث جائزًا. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا، وذلك قبل أن تحرّم الخمر. قال: فأتيتهم في حشّ، والحشّ البستان، فإذا رأس جزور مشويّ عندهم، وزقّ من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم. قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرّأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخبرته، فأنزل الله عزّ وجلّ فيّ يعني نفسه شأن الخمر: ﴿إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان﴾.
حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّار. قالا: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه قال: أنزلت فيّ أربع آيات، وساق الحديث بمعنى حديث زهير، عن سماك، وزاد في حديث شعبة قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصًا، ثمّ أوجروها. وفي حديثه أيضًا: فضرب به أنف سعد ففزره، وكان أنف سعد مفزورًا.
قال مسلم رحمه الله (ج16 ص26): حدّثنا إسحق بن عمر بن سليط، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان في مغزًى له فأفاء الله عليه. فقال لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد؟)) قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثمّ قال: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثمّ قال: ((هل تفقدون من أحد؟)) قالوا: لا. قال: ((لكنّي أفقد جليبيبًا فاطلبوه))، فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه، فأتى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فوقف عليه فقال: ((قتل سبعةً ثمّ قتلوه هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه)). قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص422): حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم العدويّ، عن أبي برزة الأسلميّ، أنّ جليبيبًا كان امرأً يدخل على النّساء يمرّ بهنّ ويلاعبهنّ، فقلت لامرأتي: لا يدخلنّ عليكم جليبيب، فإنّه إن دخل عليكم لأفعلنّ ولأفعلنّ. قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيّم لم يزوّجها حتّى يعلم هل للنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيها حاجة أم لا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لرجل من الأنصار: ((زوّجني ابنتك؟)) فقال: نعمّ وكرامة يا رسول الله ونعم عيني. فقال: ((إنّي لست أريدها لنفسي)). قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: ((لجليبيب)). قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمّها، فأتى أمّها فقال: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخطب ابنتك. فقالت: نعمّ ونعمة عيني، فقال: إنّه ليس يخطبها لنفسه، إنّما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه، أجليبيب ابنه، أجليبيب ابنه، لا لعمر الله لا تزوّجه، فلمّا أراد أن يقوم ليأتي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليخبره بما قالت أمّها. قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتْها أمّها. فقالت: أتردّون على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمره ادفعوني فإنّه لم يضيّعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخبره. قال: ((شأنك بها، فزوّجها جليبيبًا)). قال: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزوة له، قال: فلمّا أفاء الله عليه، قال لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نفقد فلانًا، ونفقد فلانًا، قال: ((انظروا هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: لا. قال: ((لكنّي أفقد جليبيبًا)). قال: فاطلبوه في القتلى. قال: فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثمّ قتلوه، فقالوا: ((يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثمّ قتلوه، فأتاه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقام عليه. فقال: قتل سبعةً وقتلوه هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه)) مرّتين أو ثلاثًا، ثمّ وضعه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثمّ وضعه في قبره، ولم يذكر أنّه غسّله. قال ثابت: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها. وحدّث إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ثابتًا قال: هل تعلم ما دعا لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ قال: ((اللّهمّ صبّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا)) قال: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها. قال أبوعبدالرّحمن: ما حدّث به في الدّنيا أحد إلا حمّاد بن سلمة، ما أحسنه من حديث.
قال البخاري رحمه الله (ج12 ص120): حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إنّي زنيت، فأعرض عنه حتّى ردّد عليه أربع مرّات، فلمّا شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أبك جنون))؟ قال: لا. قال: ((فهل أحصنت))؟ قال: نعم، فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1324): حدّثني أبوغسّان مالك بن عبدالواحد المسمعيّ، حدّثنا معاذ يعني ابن هشام، حدّثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، حدّثني أبوقلابة، أنّ أبا المهلّب حدّثه عن عمران بن حصين أنّ امرأةً من جهينة أتت نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي حبلى من الزّنى. فقالت: يا نبيّ الله أصبت حدًّا فأقمه عليّ، فدعا نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليّها، فقال: ((أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها))، ففعل فأمر بها نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فشكّت عليها ثيابها، ثمّ أمر بها فرجمت، ثمّ صلّى عليها. فقال له عمر: تصلّي عليها يا نبيّ الله وقد زنت؟ فقال: ((لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى)).
وحدّثناه أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان بن مسلم، حدّثنا أبان العطّار، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد مثله. اه
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص331): حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا شعبة. قال: أخبرني عديّ. قال: سمعت سعيدًا، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلّى يوم العيد ركعتين لم يصلّ قبلهما ولا بعدهما، ثمّ أتى النّساء ومعه بلال، فأمرهنّ بالصّدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها.
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص223): حدّثنا إسماعيل. قال: حدّثني مالك، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، أنّه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبوطلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة نخلاً، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، فلمّا أنزلت: ﴿لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون﴾ قام أبوطلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول: ﴿لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون﴾ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((بخ ذلك مال رايح، ذلك مال رايح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين)). قال أبوطلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبوطلحة في أقاربه وفي بني عمّه. قال عبدالله بن يوسف وروح بن عبادة: ((ذلك مال رابح)) حدّثني يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك: ((مال رايح)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص112): حدّثنا إسماعيل بن عبدالله. قال: حدّثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه. قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين عبدالرّحمن بن عوف، وسعد بن الرّبيع. قال لعبدالرّحمن: إنّي أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي أطلّقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثمّ تابع الغدوّ ثمّ جاء يومًا وبه أثر صفرة. فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مهيم))؟ قال: تزوّجت. قال: ((كم سقت إليها))؟ قال: نواةً من ذهب، أو وزن نواة من ذهب- شكّ إبراهيم-.
حدّثنا قتيبة، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه، أنّه قال: قدم علينا عبدالرّحمن بن عوف وآخى النبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بينه وبين سعد ابن الرّبيع، وكان كثير المال. فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالاً، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها، حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبدالرّحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئًا من سمن وأقط، فلم يلبث إلا يسيرًا حتّى جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعليه وضر من صفرة. قال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مهيم)) قال: تزوّجت امرأةً من الأنصار. فقال: ((ما سقت إليها))؟ قال: وزن نواة من، ذهب أو نواةً من ذهب، فقال: ((أولم ولو بشاة)).
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص119): حدّثنا مسدّد، حدّثنا عبدالله بن داود، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رجلاً أتى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من يضمّ أو يضيف هذا))؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته. فقال: أكرمي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونوّمي صبيانك، إذا أرادوا عشاءً، فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما)) فأنزل الله: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون﴾.
على ماذا كانوا يبايعون رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
قال البخاري رحمه الله (ج1 ص64): حدّثنا أبواليمان. قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ. قال: أخبرني أبوإدريس عائذالله بن عبدالله، أنّ عبادة بن الصّامت رضي الله عنه وكان شهد بدرًا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال وحوله عصابة من أصحابه: ((بايعوني على ألاّ تشركوا باللّه شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه))، فبايعناه على ذلك.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص117): حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا جويرية، عن نافع. قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منّا اثنان على الشّجرة الّتي بايعنا تحتها، كانت رحمةً من الله، فسألنا نافعًا: على أيّ شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصّبر.
حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيب، حدّثنا عمرو بن يحيى، عن عبّاد بن تميم، عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: لمّا كان زمن الحرّة أتاه آت. فقال له: إنّ ابن حنظلة يبايع النّاس على الموت. فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قال مسلم رحمه الله (ج3 ص1483): حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث ابن سعد (ح) وحدّثنا محمّد بن رمح، أخبرنا اللّيث، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: كنّا يوم الحديبية ألفًا وأربع مائةً فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشّجرة وهي سمرة، وقال: بايعناه على ألاّ نفرّ، ولم نبايعه على الموت.
وحدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا ابن عيينة (ح) وحدّثنا ابن نمير، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: لم نبايع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على الموت، إنّما بايعناه على ألاّ نفرّ. اه
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1485): وحدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يزيد بن زريع، عن خالد، عن الحكم بن عبدالله بن الأعرج، عن معقل ابن يسار، قال: لقد رأيتني يوم الشّجرة والنّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبايع النّاس وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائةً. قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألاّ نفرّ.
قال البخاري رحمه الله (ج13 ص192): حدّثنا إسماعيل، حدّثني مالك، عن يحيى بن سعيد. قال: أخبرني عبادة بن الوليد، أخبرني أبي، عن عبادة بن الصّامت. قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة، في المنشط والمكره، وألاّ ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحقّ حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم.
حدّثنا عمرو بن عليّ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال خرج النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غداة باردة، والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق. فقال:
((اللّهمّ إنّ الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة))
فأجابوا: نحن الّذين بايعوا محمّدا على الجهاد ما بقينا أبدا.
حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا إذا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة يقول لنا: ((فيما استطعتم)).
حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، أخبرنا سيّار، عن الشّعبيّ، عن جرير بن عبدالله. قال: بايعت النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السّمع والطّاعة، فلقّنني: ((فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم)).
حدّثنا عبدالله بن مسلمة، حدّثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد. قال: قلت لسلمة: على أيّ شيء بايعتم النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
استطراد: البيعة لإمام قرشي مسلم أو لغير قرشي مسلم إذا تغلب حتى استتب له الأمر يجب الوفاء بها
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا[32]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ياأيّها الّذين ءامنوا أوفوا بالعقود[33]﴾.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ج1 ص89): حدّثنا قبيصة بن عقبة. قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبدالله بن مرّة، عن مسروق، عن عبدالله بن عمرو، أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).
تابعه شعبة، عن الأعمش.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص201): حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بالطّريق يمنع منه ابن السّبيل، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا، فصدّقه فأخذها ولم يعط بها.
أما إذا كفر الحاكم فلا يجب الوفاء بالبيعة، لحديث عبادة بن الصامت المتقدم وفيه: ((إلاّ أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان)).
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين[34]﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً[35]﴾.
وكذا إذا كان المبايع مكرهًا على بيعة غير شرعية، أي: لم يأذن بها الله ورسوله، فإن هذا هو مرادنا بغير شرعية فلا يجب عليه الوفاء بها لحديث: ((إنّ الله تجاوز عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه)). وهو حديث حسن.
وكذا إذا كانت غير شرعية كبيعة الإخوان المسلمين لمجهول لا يدرى ما حاله، فإنه لا يجب الوفاء بها، فإن صحبتها يمين كفّرت لحديث الصحيحين:((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الّذي هو خير، وليكفّر عن يمينه)).
وكذا بيعة مشايخ الصوفية المبتدعة باطلة، وكذا بيعة المكارمة الضالين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى وقد تقدم شيء من أحوالهم، لا يجوز الوفاء بها، دليلنا على بطلان هذه البيعات مارواه البخاري في ((صحيحه)) (ج5 ص301): حدّثنا يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم ابن محمّد، عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ)).
رواه عبدالله بن جعفر المخرميّ، وعبدالواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم. اه
تحريم سب الصحابة رضوان الله عليهم
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج7 ص21): حدّثنا آدم بن أبي إياس، حدّثنا شعبة، عن الأعمش. قال: سمعت ذكوان يحدّث عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تسبّوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
تابعه جرير، وعبدالله بن داود، وأبومعاوية، ومحاضر، عن الأعمش.
الحديث أخرجه مسلم (ج16 ص92) فقال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرّحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تسبّوا أحدًا من أصحابي، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه)).
حدّثنا أبوسعيد الأشجّ، وأبوكريب. قالا: حدّثنا وكيع، عن الأعمش (ح) وحدّثنا عبيدالله بن معاذ، حدّثنا أبي (ح) وحدّثنا ابن المثنّى، وابن بشّار. قالا: حدّثنا ابن أبي عديّ، جميعًا عن شعبة، عن الأعمش، بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما، وليس في حديث شعبة ووكيع ذكر عبدالرّحمن بن عوف، وخالد بن الوليد.
وأخرجه أبوداود (ج12 ص413)، والترمذي (ج10 ص263) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
بعض ما نقل عن السلف في التحذير منسب الصحابة رضي الله عنهم
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج4 ص2327): حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبومعاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه. قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فسبّوهم. وحدّثناه أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبوأسامة، حدّثنا هشام بهذا الإسناد مثله. اه
قال أبوعبدالله بن ماجة رحمه الله: حدّثنا عليّ بن محمّد، وعمرو بن عبدالله. قالا: حدّثنا وكيع. قال: حدّثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق. قال: كان ابن عمر يقول: لا تسبّوا أصحاب محمّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فلمقام أحدهم ساعةً خير من عمل أحدكم عمره. اه
هذا الأثر صحيح.
قال الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) (ج1 ص60): ثنا وكيع، ثنا جعفر يعني ابن برقان، عن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهنّ: سبّ أصحاب النّبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، والنّظر في النّجوم، والنّظر في القدر. اه
الأثر صحيح.
ثم رأيت الشيخ الفاضل أحمد بن عبدالله المطري قد كتب كتابة مفيدة لك أيها السني، فرأيت أن ألحقها بآخر ((الإلحاد الخميني في أرض الحرمين)) لتعلم أن الرافضة فتنت بإمام الضلالة الخميني في حياته وبعد مماته ﴿ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة[36]﴾.
فجزى الله أخانا الشيخ الفاضل أحمد المطري خيرًا، وأثابه على ما قام به من بيان فضائح الرافضة، والله المستعان. وإليك ما كتبه حفظه الله.
[1] سورة البقرة، الآية:143.
[2] سورة آل عمران، الآية:110.
[3] سورة التوبة، الآية:100.
[4] سورة التوبة، الآية:117.
[5] سورة الفتح، الآية:29.
[6] سورة الحديد، الآية:10.
[7] سورة الأنفال، الآية:74.
[8] سورة الأحزاب، الآية:23.
[9] سورة الحشر، الآية:8-10.
[10] في الأصل: أبوالزبير، والصواب ما أثبتناه، كما في تهذيب التهذيب.
[11] سورة المائدة، الآية:3.
[12] سورة الشورى، الآية:21.
[13] سورة مريم، الآية:64.
[14] سورة الأنفال، الآية:9-18.
[15] سورة الفتح، الآية:18-19.
[16] سورة النحل، الآية:110.
[17] سورة الحج، الآية:39-40.
[18] سورة الحج، الآية:58-60.
[19] سورة آل عمران، الآية:195.
[20] سورة البقرة، الآية:218.
[21] قال الحافظ: جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
[22] والخاصة تدل على مكانة الجميع العالية.
[23] سورة النساء، الآية:98-99.
[24] سورة النساء، الآية:75.
[25] سورة النور، الآية:31.
[26] سورة البقرة، الآية:284.
[27] سورة البقرة، الآية:286.
[28] سورة البقرة، الآية:284.
[29] سورة البقرة، الآية:285.
[30] حذفت النون في: تضربوه وتتركوه لغير ناصب ولا جازم، على حد قول الشاعر:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي
[31] هذا الحديث والذي قبله من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني رحمه الله ولم يتم الانتقاد.
[32] سورة الفتح، الآية:10.
[33] سورة المائدة، الآية:1.
[34] سورة البقرة، الآية:124.
[35] سورة النساء، الآية:141.
[36] سورة الأنفال، الآية:42.

455 ﻣﺮﺓ ﻗﺮﺃ