فقهاء ولكن شعراء 3/3/10

  • [B]بسم الله الرحمن الرحيم[/B]
    [B]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/B]
    [B]فقهاء ولكن شعراء[/B]
    [B]يعتقد بعض الناس أن أهل الفقه ليست لديهم تلك المشاعر والأحاسيس المرهفة التي توجد عند الناس , وأن الفقه آلة جامدة تعتمد على الحقائق وتحرير المسائل بشكل علمي يخلو من العاطفة والمشاعر , وأنهم بمنأى ومعزل عن الشعر , وينسون أن الشعر في حقيقته موهبة وإبداع وهو حكمة وهدف وأن كتب التراث قد حفلت بألوان مجيدة من الفقهاء الشعراء الذين خلدوا شعرهم بين دفتى الكتب القديمة ناهيك عن المصنفات الفقهية الراقية والموثوق بها مذهباً ودليلاً وتدقيقاً وهذه ميزة لا تحصل إلا للجهابذة من العلماء والمجتهدين، ولقد أورد لنا الرصيد التراثي جملة من أشعار الفقهاء وذلك لا ينقص من شأنهم بل يزيدهم شامة على جلالة اجتهادهم وسعة فقههم وعلمهم .[/B]

    [B]بل أصبح \" أدب الفقهاء مادة خصبة للدراسة وباب واسع يتضمن فنونا وأغراضا مختلفة بعضها مما يقل نظيره في أدب غيرهم . فهو يشتمل على شعر وجداني من الطبقة الرفيعة يعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية وارق العواطف القلبية , ومنه شعر فلسفي يتناول مطالب النفس العليا ويتحدث عن الروح وعالمها الفسيح ومشكلة الوجود والحقيقة الأزلية وما إلى ذلك\" عبد الله كنون : أدب الفقهاء 15.[/B]
    [B]ولقد وجد هذا الأمر منذ ظهور الإسلام وإشراق شمسه , وارتبط الفقه بالشعر ؛ فقد ظهر الفقه والفقهاء منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أبو بكر فقيهاً وكان عمر فقيهاً وكان عثمان فقيهاً، وكان علي فقيها ، وكان لكل واحد منهم شعراً ، وكان أشعرهم علي بن أبي طالب.[/B]
    [B]وبلغ من شهرة علي بالشعر أن جمع شعره في ديوان ، وطبع عشرات المرات ، وشرح من قبل عدد من علماء الشعر . [/B]

    [B]والذي يستعرض شعر الإمام علي يجده معبراً عن تجاربه المتنوعة في حياة حافلة، كما يجد فيه أثر الفقه الذي تميز به ومارسه وزيراً للخلفاء وأميراً للمؤمنين .[/B]
    [B]ومن شعره رضي الله عنه :[/B]
    [B]الناس من جهة التمثيل أكفاء * * * أبوهــــــــم آدم والأم حواء[/B]
    [B]نفس كنفس وأرواح مشاكلة * * * وأعظم خلقت فيهم وأعضاء[/B]
    [B]فإن يكن لهم من أصلهم حسب* * * يفاخرون به فالطين والماء[/B]
    [B]ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم * * * على الهدى لمن استهدى أدلاء[/B]
    [B]وقدر كل امرئ ما كان يحسنه * * * وللرجال على الأفعال سيماء[/B]
    [B]وضد كل امرئ ما كان يجهله ... والجاهلون لأهل العلــــــم أعداء[/B]

    [B]واستمرت هذه الظاهرة بعد الفقهاء الأربعة الراشدين رضوان الله عليهم ، بل إن هذه الظاهرة تنامت وأشرقت ، فظهر من بين الفقهاء شعراء عظام زاحموا الشعراء الذين قصروا عبقرياتهم على الشعر ، فلم يعرفوا إلا به ,من هؤلاء الفقهاء عروة بن أذينة ، فقد حلق بالشعر حتى عرف به ونسي الناس أنه عالم فقيه، بل إن له شعراً في الغزل تفوق به على كبار الشعراء في هذا الباب منه قوله : [/B]
    [B]إنَ التي زَعَمَتْ فؤادَك مَلَّهـــــا * * * خُلِقَتْ هواك كما خُلِقْتَ هَوًى لها[/B]
    [B]فيك الذي زعمَتْ بها، وَكِلاَكُمَا * * * أبْدى لِصَاحِبه الصبّـــــــَابَةَ كُلَّها[/B]
    [B]ولَعَمْرُها لو كان حبُــــك فَوقَها * * * يوماً وقد ضَحِيَــــــتْ إذَنْ لأظَلَّهَا[/B]
    [B]فإذا وجَدْت لها وَسَاوِسَ سَلوَة * * * شَفَع الضمــيرُ إلى الفؤاد فَسَلَّها[/B]
    [B]بيضاء بَاكَرَها النَّعيمُ فصَاغَها * * * بِلَبَــــاقةٍ فَأَدَقَّهَــــــــا وَأجلَهــــــا[/B]
    [B]لَمَّا عرَضْتُ مُسَلَماً ، لِيَ حاجة * * * أخْشَى صُعُوبتها ، وأرجُو ذُلّهــا[/B]
    [B]مَنَعَتْ تَحيَّتَها فَقُلتُ لصاحبي * * ما كانَ أكْثرَها لنـــــــَا وأقلَّها[/B]
    [B]فَدنا وقال : لعلّها مَعْذُورة * * * في بعضِ رِقْبتِها،فقلت: لَعلَّها [/B]

    [B]وهو بالإضافة إلى ذلك صاحب البيتين السائرين في التوكل على الله ، وهما نابعان من \"شعور\" عالم فقيه يعرف أن الرزق ليس بيد البشر وإنما هو بيد الله وحده يقول: [/B]
    [B]لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلُقي * * * أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني[/B]
    [B]أسعى له فيعنِّيني تَطَلُّبُهُ * * * وإنْ قعدتُ أتاني لا يُعَنِّيــني[/B]

    [B]وكان الإمام مالك بن أنس شاعراً ، وهو وإن لم يكن مكثراً إلا أنه قال الشعر وروي عنه، ومما قاله في مدح القناعة والتحذير من الجشع والطمع : [/B]
    [B]هي القناعة لا أرضى بها بدلاً * * * فيها النعيم وفيــــها راحة البدن[/B]
    [B]وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها * * * هل فاز منها بغير اللحد والكفن؟[/B]
    [B]روى السفطي المالكي في حاشيته عن مالك بن أنس قوله:[/B]
    [B]إذا رفع الزمان مكان شخص * * * وكنتَ أحقَّ منه ولو تصاعَد[/B]
    [B]أنله حق رتبتــــــــــــــه تجده * * * ينيلك إن دنوتَ وإن تبــاعد[/B]
    [B]ولا تقل الذي تدريه فيه * * * تكن رجلاً عن الحسنى تقاعد[/B]
    [B]فكم في العرس أبهى من عروس * * * ولكن للعروس الدهر ساعد[/B]
    [B]كما قال الإمام أبو حنيفة الشعر ومنه قوله في نبات الرمث في الشفاء من الزكام :[/B]
    [B]إِذا يقولون: ما أَشْفَى؟ أَقُولُ لَهُمْ: * * * دُخَانُ رِمْثٍ من التَّسْرِيرِ يَشْفِينِي[/B]
    [B]مما يَضُمُّ إِلى عُمْرانَ حاطِبُهُ * * * من الجُنَيْبَةِ، جَزْلاً غَيـــــــــْرَ مَوْزُون[/B]
    [B]وبنسب إليه أيضاً قوله :[/B]
    [B]أنت الذي من نور البدر اكتسى *** و الشمس مشرقة بنور بهاك [/B]
    [B]أنت الذي لما رفعت إلى السما *** بك قد سمت و تزينت لسراك [/B]
    [B]أنت الذي نادك ربك مرحبا *** و لقد دعاك لقربه و حباك [/B]
    [B]صلى عليك الله يا علم الهدى **** ما حن مشتاق إلى لقياك [/B]
    [B]وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي شاعراً مجيداً ، وله أشعار رائقة جمعت في ديوان لا زال متداولاً ، ومن أبياته السائرة : [/B]

    [B]ولولا الشعر بالعلماء يزري**** لكنت اليوم أشعر من لبيد[/B]
    [B]وهو القائل :[/B]
    [B]سهـري لتنقيـح العلوم ألذ لي * * * من وصل غانية وطيب عنــاق[/B]
    [B]وصرير أقلامي على صفحاتها * * * أحلى مـن الدّّوْكـاء والعشــاق[/B]
    [B]وألذ من نقر الفتـاة لدفهــا * * * نقري لألقي الـرمل عـن أوراقـــي[/B]
    [B]وتمايلي طربـا لحل عويصـة * * * في الدرس أشهى من مدامة ساق[/B]
    [B]وأبيت سهـران الدجى وتبيته * * * نومـا وتبغي بعـد ذاك لحـــــــاقي[/B]
    [B]وقال أيضاً :[/B]
    [B]قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم *** إن الجوابَ لِبَابِ الشَّرِّ مفتــــــــــاحُ[/B]
    [B]والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ *** وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ[/B]
    [B]أما ترى الُأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ *** والكلب يُخسى لعمري وهو نبـــاحُ[/B]
    [B]كما جرت بينه وبين تلميذه الإمام الفقيه أحمد بن حنبل مساجلات شعرية منها قول الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :[/B]
    [B]أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ * * * لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ [/B]
    [B]وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي * * * وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ [/B]
    [B]فقَالَ لَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ حَنْبَلٍ :[/B]
    [B]تُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ * * * لَعَلَّهُمْ يَنَالُوا بِك الشَّفَاعَــــــهْ [/B]
    [B]وَتَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي * * * حَمَاك اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْبِضَاعَهْ[/B]
    [B]انظر : حاشية الصاوي على الشرح الصغير 11/ 239.[/B]
    [B]ومنها أيضاً ما كتبه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه للإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ما لفظه :[/B]
    [B]قالوا يزورك أحمد وتزوره * * * قلت الفضائل لا تفارق منزله[/B]
    [B]إن زارني فبفضله أو زرته * * * فلفضله فالفضل في الحالين له[/B]

    [B]فأجابه الإمام أحمد رضي الله عنه :[/B]
    [B]إن زرتنا فبفضل منك تمنحنا * * * أو نحن زرنا فللفضل الذي فيكا[/B]
    [B]فلا عندما كلا الحالين منك ولا * * * نال الذي يتمنى فيك شانيكــــا[/B]
    [B]انظر : السفاريني : غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/219.[/B]
    [B]وللشافعي أشعار في الحكمة صارت بها الركبان ودلت دلالة واضحة على براعته وصدق موهبته .[/B]
    [B]ومن الفقهاء الشعراء الذين روي عنهم شعر رائق ، وذاع هذا الشعر وتناقله الأدباء من بعده الفقيه الكبير عبد الله بن المبارك ، فقد كان هذا العالم الفقيه مجاهداً لا يترك الثغور، وكان شعره ينم عن شخصيته وعن مذهبه وعن فقهه ، وله الأبيات السائرة : [/B]
    [B]رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ * * * وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَـــا[/B]
    [B]وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ * * * وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَـــــا[/B]
    [B]وهل أفسد الدين إلا الملوك * * * وأحبار سوء ورهبانهـــا[/B]
    [B]وباعوا النفوس فلم يربحوا * * * ولم تغل في البيع أثمانها[/B]
    [B]لقد وقع القوم في جيفــــــةٍ * * * يبين لذي اللب إنتـــــانها[/B]

    [B]وله الأبيات الشهيرة التي وجهها من ساحات الجهاد إلى الفقيه الفضيل بن عياض الذي لازم الحرمين متعبداً ، يقول له فيها : [/B]
    [B]يا عابدَ الحرمين لو أبصرتنا * * * لعلمتَ أنّكَ في العبـــادة تلعَبُ[/B]
    [B]من كانَ يخضبُ خدّهُ بدموعهِ * * * فنحورنا بدمائنـــــــا تتخضَّبُ[/B]
    [B]أو كانَ يُتعبُ خيلهُ في باطالٍ * * * فخيولُنا يومَ الصبيــــحَةِ تتعبُ [/B]
    [B]ريحُ العبيرِ لكم ونحنُ عبيرُنا * * * رهجُ السنابِكِ والغبارُ الأطيبُ[/B]

    [B]ومن الفقهاء الشعراء : محمد بن داود الظاهري وأبي محمد علي بن حزم القرطبي ، فقد ألف كلاهما كتاباً في العلاقات العاطفية ، ألف الظاهري كتاب \"الزهرة\" وألف ابن حزم كتاب \"طوق الحمامة\" .. ولم يعبهما أحد لعملهما هذا ، ولم يقل أحد إن هذا التأليف يقدح في دينهما أو يزري بشخصيتهما ! . [/B]
    [B]فمن شعر ابن داود الظاهري : [/B]
    [B]أُنَزِّهُ فِي رَوْضِ الْمَحَاسِـــنِ مُقْلَتِي * * * وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنـــــَالَ مُحَرَّمَا[/B]
    [B]وَأَحْمِلُ مِنْ ثِقْلِ الْهَوَى مَا لَوْ انّــهُ * * * يُصَبُّ عَلَى الصَّخْرِ الأَصَمِّ تَهَدَّمَا[/B]
    [B]وَيَنْطِقُ طَرْفِي عَنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي* * * فَلَوْلا اخْتـــِلاسِي وُدَّهُ لَتَكَلَّمـــــــَا[/B]
    [B]رَأَيْت الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ * * فَلَسْت أَرَى وُدًّا صَحِيــحًا مُسَلَّمَا[/B]
    [B]ومن شعر ابن حزم الأندلسي : [/B]
    [B]ليس التذلل في الهوى يستنكر * * فالحب فيه يخضع المستكبر[/B]
    [B]لا تعجبوا من ذلتي في حالة * * * قد ذل فيها قبلي المستنصــر[/B]
    [B]ليس الحبيب مماثلا ومكافياً * * * فيـــكون صبرك ذلة إذ تصبر[/B]
    [B]تفاحة وقعت فآلم وقعها * * * هل قطعهــــــا منك انتصاراً يذكر [/B]

    [B]وللإمام الفقيه ابن القيم قصائد رائعة منها النونية التي قال في بعض أبياتها :[/B]
    [B]للــــه حق لا يكون لغـــــيره*** ولعبـــــــده حق همــــا حقان[/B]
    [B]لا تجعلوا الحقين حقا واحدا*** من غــير تميــــيز ولا فرقان[/B]
    [B]فالحج للرحمن دون رسوله*** وكذا الصلاة وذبح ذا القربان[/B]
    [B]وكذا السجود ونذرنا ويميننا*** وكذا متاب العبد من عصيان[/B]
    [B]وكذا التوكل والانابة والتقى*** وكذا الرجاء وخشية الرحمن[/B]
    [B]والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [/B]
    منقول /بتصرف
    __________________


    329 ﻣﺮﺓ ﻗﺮﺃ