. . .



  • وجاء الحزن مُنصفاً – لأول مرّة - !
    ما تجرأ حتى هو على تهميشي وتجاوزي هذه المرة ..
    شعرتُها ..
    في كل يدٍ شدّت على يدي ..
    في كل كفٍّ مسحت على رأسي ..
    في كل عينِ كان الصمت صوتها في تعزيتي ..
    جميعهم ... حتى أبناؤكَ يا أبي كان نصفهم يبكيكَ ونصفهم يرثيني
    ما تجرّأ أحد .. وما تجرّأ شيء على تمويه حقيقة أني " أنا " من فقدتك فعلاً وحقاً
    نعم ... كان الحزن عادلاً ، إنما ...عدالة متأخرة ..لا أحتاجها !
    .
    .
    .

    من زفرةِ وجع الذي تقاذفه موج الحزن كثيراً ( ولتوثيق الغصّة كان خنجرا ً) قبل غرقٍ محتّم :

    ترسّخ دمعي ... هويتي لبقيّة العمر،
    ولـ عَبْرةٍ بعزلةٍ عن العبرات .. تكوّنت حنجرتي .. تهمس بصوتي في ألمٍ تام :
    من أنينٍ في حالة اكتمال !
    وأنينكَ في دمي ليس يفنى ، في روحي سينبجس كلما عَلَتْ الذكرى تلك المرتبة ( قلبي )
    سيتجسّد بما يجود عنه انكسار الإنسان لربّه ، وفي المقابل سيبقى " نهراً " يسيل في عروقٍ
    تُفتن به الملائكة والكائنات المتناثرة ..

    كنتُ دوماً أقف متدثرة بشال خوفٍ من موتٍ آخر لا أملك له دفعاً ولا دواءً ..
    كنتُ أبعد عن ذهني احتمال رحيلكَ بكل سذاجةٍ وعنادٍ ممكن !
    وللآن لا أعرف كيف تهاوت قمةٌ مثلك في أقل من شهرٍ من مرضٍ مفاجىْ إلى وفاة !
    ولكني عرفتُ يا أبي ... ذلك الفجر بعد أن أعطيتك دواءك ورحت تحدثني عن الصبر والأجر
    عن نعمة العفو للمريض ... وحين قبّلت يدك لأمضي وتنام قليلاً همست لي: قد مات سيّد
    الخلق وأشرفهم عليه الصلاة والسلام ومامن مخلّد على وجه الأرض ..
    وبقيت أنا خارج غرفتكَ حتى الظهيرة ما قويت لا على البكاء ولا على القيام
    حتى سمعتكَ تناديني من جديد ..
    .....

    أنّا يجمعنا مكاناً وقد أغلق بابكَ .. أتُرانا نعود سوية ؟ أنبكيكَ أم نبكينا ؟
    ظننتُ دوماً أنكَ أكثر من الذهاب .. أكثر احتمالاً لعذاباتنا ..
    أبعد ما تكون عن ترابِ يطأه المارّة صدفةً إن بعثرته الريح فجأة ..
    نعم كل شيء قد نمتلكه إلا الالتمام بكِ الآن، هذا ما لا نطيقه..ما لا نتمكن منه ..
    ما يترك في الروح جرح قهرٍ لا يندمل..
    .....
    كل شيء يتجرّد مني .. مذاق الحماقة واللاجدوى يغزو كلّي !
    كنتُ أردد سابقاً : نحن من يمنح للأشياء معناها .. فالكتب مجرد أوراق مُشبعة
    بالمجهول ولكننا نمنح صفحةً فيها معانٍ زمنية فتصبح " حياةً " غير قابلة للغياب !
    فهل أبتهل لله أن أكتبكَ لأحظى بكَ ولو للحظةٍ من جديد ؟
    هذا العام ...
    على حدّ الجرح كنتُ أهوي .. وأتجاهل كيف يتموضع المحتوم من وجعٍ وطاهر ..
    وأغرق لهفةً في أيّ جميلٍٍ يمنح للحياة حضور ملامسة المحمود ..
    هذا العام كان ثقيلاً جداً يا أبي ممتلىء فقداً .. هو .. هي .. لكنّي لم أحسب حساب " أنت "
    ولا حساب انتمائي لقيدي الذي توجّهت : الكتابة عن الحزن بـ حب ..
    كأنما حينما سأهوي في الوقت : لا أموت !
    .
    .
    وددتُ لو.. قبلتك طويلاً آخر مرة ..
    لو عصيتهم وبقيت راكعة تحت قدميكَ ..
    لو أخبرتكَ أعمق وأعمق كم أحبكَ ..
    لو اعتذرت منك عن أيّ وجعٍ كتبته قبلكَ ..
    لو وعدتكَ بحرفٍ لائق .. يعزينا كلما رثيناه كلوعةٍ فائضة عن حاجة الذاكرة
    لو نوّه لي أحد : كيف سأتجرّع فيكَ فقد أمّي من جديد !
    لو أنني قدّستُ كل اعتياديّ بيننا ..
    خروجنا صباحاً معاً .. عودتنا .. اعتمارنا لبيت الله
    كيف لم أنتبه قبلاً أني لم أكن أفعل شيئاً إلا معكَ !
    كيف لم أعي أني منذ فتحت عيناي على الحياة لم يكن إلا أنت
    وما سواك هوامش لا تهم !

    لكل شيءٍ دواء يا " أبي " إلا الرواح فـ به ما يُعجزنا ..
    ولست أميّز دمعي الآن لا في الحضور ولا في الغياب .. ألتفتُ بقلبي من عجزٍ يميناً ويساراً ..
    ثم أجثو على مكانكَ المفضل بالبيت وأقبّل هذا الذي قد ضمّك يوماً ..
    ألصق خدي برائحتكَ وأروح إلى النحيب ..


    (( اللهم اغفر لوالديّ وارحمهما .. اللهم أنزل على قبريهما الضياء والنور ..
    والفسحة والسرور .. واغسلهما بالماء والثلج والبرد ..
    اللهم ارحمهما رحمة واسعة من عندك ..واعف عنهما يا أرحم الراحمين ..
    اللهم اجبر كسر قلبي على فراق أبي .. وامنحني السكينة والصبر ..
    اللهم آمين .. ))

    وسبحان الحيّ الذي لا يموت .



    14/10/2011



    اللهم اغفر لوالديّ وارحمهما

    532 ﻣﺮﺓ ﻗﺮﺃ